قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثاني عشر

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثاني عشر

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثاني عشر

اتمنى ولو يجمعنا هذا العالم البخيل صدفة، صدفة واحده القى عليك فيها السلام ومحبة قلبى واودع عينيك لاخر مرة، يصعب علىّ أن اقول اشتقت ولكننى اشتقت، وربك ذوبت اشتياقا.

انتهى الحفل وكل منهما حاملا بقلبه غصة من نوع اخر، وصل هشام منزله بمشاعره المخضرمه التى عاصرت نوبات جفاءه وكبريائه ومن طله واحده منها اذابته فيها حد الحنين، فبات القلب ينادى والعقل يناجى..

ألقى مفاتيحه على أقرب طاولة ثم ترجل نحو غرفته التى رسمها وأعدها بطيف تواجدها، توقف على بابها يتفقد فراشه الذي يحتويهم معًا، سُفرتهم الصغيرة المكونه من مقعدين فقط مركونة تحت النافذة الدائريه، التسريحه التى اوصي مهندسة الديكور أن تملأها بكل المستحضرات التجميليه التى تخص النساء وافخر انواع العطور التى تمنى استنشاقها محملة بأنفاس قربها...

ثم شحذ خزانة الملابس الفارغه تماما فلا تحوى سوى ملابسه القليله، وآيضا لم تترك امانيه (الشازلونج) الذي رسم مشهد الجلوس عليه بصحبتها، بانطوائها بين ذراعيه، برأسها التى ستتخذ من صدره وسادة، تفقد العالم الخاص بهما داخل غرفتهم الصغيره التى شحت عليهما الدنيا بتحقيقه..

فما أصعب ما تكون الدنيا معموره بأفخم العمران واجملها وانك لا تريد من كل هذا سوى غرفة وسرير وعيون من أحببت..! أمنياتنا بسيطه ولكنها مستعصية!
اختنق من طيف احلامه الذي ألتف حول قلبه، فتناول الوسادة والغطاء ورحل وودع عالمه الذي بُني بها، توجه نحو الصالة مرة آخرى وشد الاريكة فانفردت واصبحت سريرا مهيئا للنوم عليه، وهو تحت اصوات قلبه المغرده واعترافه الصريح
- ما كانت قلبها أمراة وما كان قبلها حبا...

تخلص من ستدرته وحذائه وألقي بهمومه فوقها، وتعلقت عيونه بالسقف وظلت الهواجس تنهال عليه من كل مكان، الى أن حسم عقله الامر
- مفيش مبرر للكذب، مفيش مبرر للخديعه، فرصة القلب مرة واحده وبس ومع أول غلط يبقي يركن هو على جمب ويسيبنى أنا اتصرف، بيها من غيرها حياتك مكمله، دى لو آخر واحده فالدنيا أنا مش هرجعلها، كده كفايه، ماتستاهلش تشغل جزء واحد من تفكيري بعد النهارده، غلطه استحمل أنت نتايجها...

ثم تنهد معاتبا قلبه وأردف بصوت هدر
- كان مالك أنت بس بالحيرة دى كلها، عرفت ليه كنت قافل عليك ٣٣ سنه؟! كان مين وايه بس اللى فتحلك...!

ايام من الدوار العشقى تدور بنا أو ندور حولها، فلا يعد للأمر أهميه سوى السلام، سوى التأقلم، سوى التفهم أن لا يوجد هناك من هو للكون محورا، طالما أنت وكامل صحتك بخير فسلاما على الحب ومن أحب ومن ذُل لاجله، فالحب لا يأتى الا لرجلٍ أهملته مشاغل الحياة لدقائق فظل يجوب باحثا عن شيء يشغله، وها هو كمن رمي شباكه فى بحر الهوى فاصطاد وجعًا واصبح كل الوجع من حظه لوحده...

فلا تلقى بنفسك بالتهلكة وتعود نادبا حظك وشاكيا مرارة جوفك! عش بدون حب تكون خاليا البال، سالما القلب، متعدد الانجازات، الحب سلطان جبارٌ ان اتى سيطر وانفرد بسطواه على كل كلك بدون رحمه، فوقوعك به بمثابة صك انتحارى صريح منك باتلاف نفسك من أجل الاخر...

- والله عال، عال ياولاد السيوفى، كده؟! تخلو شكلى زي الزفت وسيرتى على كل لسان؟!
صرخت عايده باغتياظ بمجرد دخولها البيت ؛ فولى زياد ظهره متجاهلا إضرامها الذي بات كدخانا يطول كل شيء، فعادت صارخه منادية عليه
- أنت رايح فين؟! تعالى هنا انا بكلمكككك...
ربتت رهف على كتفه متوسله
- طيب أهدى ياماما..
- اهدى ايه؟! انتو هتكبروا وتعقلو أمتى؟! انا تعبت منكم ومن أرفكم خلاص...
انزعجت رهف كالطفله وقالت مستفهمة.

- طيب وانا بتزعقى لي؟!
ارتفعت انفاس عايده حتى بدت كلماتها متقطعه وهى تقترب من مقعد السفره وقالت مترنحه
- اطلعى شوفيلى الزفت ده ناوى على إيه مع بسمه، عشان انا تعبت منه ومن أرفه...
- حاضر والله هروح اشوفه، بس حضرتك إهدى...
ما كادت رهف أن تخطو خطوة فانزلق قدمها وكسر كعب حذائها، فانحنت متأففه وهى تنزعه على مضضٍ
- اهو اللى اخدينه منهم، اوف ياربي، كده الشوزه اللى بحبها! ألقاها منين ولا منين..

فاستدارت عايده صارخه على وقفتها
- أنت لسه هنا؟!
ألقت حذائها ارضا وتحركت وكأنها تضرب الارض بقدميها متأففه
- رايحه اهووو..
( فى غُرفة زياد ) يتحدث بهدوء تام وابتسامه صريحه توحى بُمجمل الكلام الذي يُقال ومع من يُحكى، ففتحت رهف الباب وبنبره فاضحه
- انت يابنى معندكش دم خالص؟! ميه ساقعه طيب اللى بتجري فى جسمك..
اطفأ سيجارته جنبا، ثم اعتدل متحدثا فالهاتف بنبرته العاديه غير ما كان عليها.

- طيب يانانسي، شويه وهكلمك...
صرخت رهف مستنجده كمن سيفقد عقله من البرود و
- وهو كمان فيها نانسي؟! أومال قارف البت الغلبانه معاك ليه؟!
اغمض عينيه جازعا، و
- رهف، أخلصى عاوزه ايه..
ضمت وبسط كفيها عدة مرات متتاليه متخذه شهيقا وزفيرا عاليا ثم تحركت وجلست أمامه وربعت ساقيها قالت بابتسامه مزيفه
- بكُل هدوء كده، أنا عاوزه أفهم عايز من بسمه إيه..؟!
ببرود و
- مالكيش دعوة...
لازالت محتفظه بهدوئها وقالت محذرة.

- متعصبنيش يازياد، بالعقل كده انت ولا عايز تكون معاها ولا سايبها تشوف حياتها مع حد تانى؟!
هتف معاندا كالمجنون..
- عليكى نور، هو ده بالظبط ؛ وروحى بلغيها لو متلمتش واتعدلت ورجعت هنا هكسر مناخيرها دى فالارض، عشان مش زياد السيوفى اللى واحده على ذمته تختمه على قفاه، فاهمه يارهف..
نفذ مخزون رهف من الصبر، فهبت معارضه.

- يااااااسلااااام؟! انت اتهبلت، دى كانت هتخلعك لولا بس عملت اعتبار للعيله وليك وأنا اللى حايلتها وقولت لها أنه هيطلقك، وانت عاوز تجيبها وترجعها بعد كل ده..؟! بتحلم
اشعل سيجارة آخرى وتحدث وهى فى فمه
- اهو كيفي كده، واختفى كده من وشي عشان وقتك انتهى معايا...
فنهضت رهف ووضعت كفيها حول خصرها وبعناد طفولى
- والله لاقولها تخلعك...
-خلاص فات المعاد
- يعنى ايه؟!

- يعنى احلمى أنت كمان، أعلى ما فى خيلكم اركبووووووه...
ذعرت فى وجهه جازعه
- ياباى منك، عيل سئيل، والله تستاهل كل اللى بتعمله وهتعمله فيك، ارحم ياخى خلى ربنا يرحمك...
نهضت بكل نيرانه ومسكها من شعرها بلطف ما ودور جسدها ودفعها خارج غرفته وقفل بابها صارخا
- خليها تنفعك...
ركلت الباب بغل ثم قالت
- والله لاروح اقعد مع هشام، وسيبالكم البيت وماشيه...
- فى داهيه، هرتاح من زنك...

ثم أخذ نفسا طويلا من سيجارته وبعدها فرغ غضبه فى دخانه وبيده المتكورة وضربه بها الخزانه بكل قوته متوعدا
- طيب يا بسمه أنت والزفت بتاعك...

‏مأساتي إننى أحبك بطريقة يأبى قلبى الحر الاعتراف بها، فهو يرفض القيود وحبك أصفاد، ومأساتُك أنكِ تُحبينى بصورة أكبر من أن تُخفيها وأعمق من أن تطمريها وأَجلُّ من أن اتحملها لذا فاتعمد تجاهلها، وها هى الدنيا تلف بنا وبقلوبنا عساها أن تلقينا على شط واحد فنلتقيا من جديد...

طوى الليل احزانهم متأهبا لنهار جديدٍ واحداث اخرى ربما تحمل أمنيات بين ثناياها بمثابة قشة لشخص غريق فى بحور الوجع...
انتهت سعاد من اعداد الفطار بمفردها، فطرقت باب غرفة بسمة المنكمشة حول نفسها سابحه فى دموع خيبتها، وقالت
- يلا يا حبيبتى الفطار..
رفعت رأسها فدبت براثين الصداع بها وقالت بتثاقل
- ماليش نفس...
اقتربت منها بخطوات شخص متعب
- واخرة العياط ايه؟!
- سامر مش بيرد عليا...

جلست سعاد بجوارها ومسحت دموعها
- وانت بتعيطى عشان مش بيرد ولا علشان اللى عمله زياد..؟!
تغللت اصابعها فى شعرها بطيش
- انا عاوزه افهم هو ماله بيا، ليه مش عاوزه يفهم انى مش طايقاه وارفت منه، ليه بيعمل معايا كده..
مسحت سعاد على رأسها بحنان
- بصي يابسمة ياحبيبتى كل الرجاله انانيين، مش بيفكروا غير في نفسهم، اللي عملوا زياد ده كله رد فعل طبيعي لاي راجل يشوف مراته بترقص مع واحد غريب...

- هو ليه مش عايز يفهم ان انا ما بقيتش طايقاه في حياتي؟!
هزت سعاد كتفيها غير مباليه
- يبقى تخلعي وترتاحي من الليله دي كلها...
شرد قلبها للحظات وتمتم متعجبا على حالته، كيف يمكن لشخص ساقه مبتورة أنْ يركُض بكل شغف هاربًا من إنسان، ثُمَّ يعود ويركض في الاتجاه المُعاكِس اتجاه ما يؤدى له؟!
ترنح صوت عاندها جاهرا
- هعمل كده، عشان يعرف بس هو بيتعامل مع مين؟!
ضاقت عيون سعاد متعجبة.

- هتعملى كده بس عشان تعرفيه انت مين مش عشان انت كرهتيه وعايزه تتخلصي منه ومن سيطرته! انت عاوزه ايه من زياد يا بسمة؟!
لم انتظر منه أي شيء، لم اطلب منه عطفا ولا بكاء ولا عراكا ولا حتي أن يقاتل الدنيا معي، كنت أحتاج أن أشعر قلبك انه لي، لا أكثر...
سقطت ضحيه مخالب اسئله سعاد التي لا ترحم، فعمدت التجاهل وتحججت
- انا هنام..
- هتهربى لحد أمتى؟!
تأففت بحزن وهى ترفع الغطاء فوق رأسها
- هنام ياعمتوووو..

ساعدتها سعاد في فرش الغطاء وربتت على كتفها
- نامي نامي يا بسمة الله يصلح حالك...

لازالت تشرق الشمس منها وتغرب بها فبدات نهارها بالاعتناء بزهور شرفتها او بالادقه ببذور نسيانه التى تأبى ان تنمو بعد، وصوتها المعاتب يتردد متسائلا كيف اخبرك بان يدى تنام متكورة كل ليلة وهى تحتوى قلبى الذي يضطرب لغيابك؟!
شهران تستميت دفاعا عن النسيان ولكن كل السبل تحطمت بها، تحركت نحو المرأة وضمت ملابسها على بطنها التى تحوى مضغة حبها التى قذفت من قلبها واستقرت برحمها، فتبسمت متوعده.

- عارف لو طلعت رخم كده لابوك، أنا هعمل فيكم إيه أنتو الاتنين؟!
لم تظهر بطنها بعد لازالت مختفيه ولكن سمات حملها لا تختفى حيث ازداد وزنها قليلا حيث بدت فى صورة أكثر جاذبيه وجمالا، فتدللت باصايعها فوق بطنها وقالت راجيه
- يارب اكتب له واكتبلنا نشوف نور الشمس سوا واحنا التلاته متجمعيين، مش عاوزاه يجى يدور معايا على باباه..
قطعت خلوتها دخول سعاد الحانقه
- وبعدين فيكى انت كمان؟! هتعملى زى الهبله اللى جوه..

ابتسمت فجر على طريقتها
- اهدي بس وفهميني من معصبك كده ومالها بسمه، قصدى ومالها الهبله اللي جواه؟!
جلست سعاد على اقرب اريكو وهي تضرب كف على الاخر و تقول
- روحي يا عايده اقول عليك ايه انت واولادك اللي ما شافوش يومين تربيه..
فجر بدهشه
- ليه بس ده كله؟ لسه بسمة زعلانه؟!
ضربت سعاد على فخذيها باختناق وهي تقول صارخه
- سيبك من بسمه خالص وخلينا فيك يا اختي..
- وانا مالى طيب؟!

- بص كده يافجر انا ما رضيتش اتكلم معك امبارح قلت اسيبها لحد ما تهدا وتفكر بس شكلك كده لسه متعقلتيش، فانت بالادب هتقومي تلبسي وتروحي دلوقت لهشام والا انا اللي هسيبلكم البيت وامشي..
اغمضت جفونها للحظة متعقده انها ستحميها من تعليمات سعاد، وصاحت متجلجله
- اللي حضرتك بتفكري فيه مستحيل يحصل
- انت اتهبلتى! عاوزه اتخبى ابن عن ابوه؟! ليه مصممه تتقلي حسابك عند هشام ليه ما كفايه قوي اللي حصل ما بينكم؟!

فركت فجر كفيها بارتباك
- وانا مش هروح افرض نفسي عليه تاني!
أزريت سعاد على جملتها وقالت ساخطه
- انت اتجننت انت ما شفتيش كانها يتهدل عليك ازاي امبارح؟!
جلست بجوارها معانده وغمغمت باسف
- كله ده كان تمثيل وخلاص قدام الناس..
انفجرت سعاد معاتبة
- ما فيش راجل في الدنيا حاجه تجبره يمثل الحب، وبطلى غباء ووهم بقي..
عقدت ساعديها متحديه
- بردو لااا
مسكتها من مرفقيها ولفتها امامها وقالت ناصحه.

- يا حبيبتي انت ليه مش عاوزه تفهمي اللي بيعمله هشام ده مجرد رد فعل عن تصرفك انت...!
اوشكت ان تنطق معانده فنهرتها سعاد بحزم لا يقبل المناقشه
- شوفي يا فجر هي كلمه مش هكررها تاني هتقومي تلبسي وتروحى له دلوقتي والا اقسم بالله ما هاقعد لكم في البيت ده ساعه كمان ها قلت ايه؟!
غمغمت بتردد
- بسسسس...

- ما فيش حاجه اسمها بس، هتقومي وتقولي له انك حامل ويسمع مبرراتك كلها وارمى الكوره في ملعبه وريحى ضميرك وتعالى، وسيبيه هو يقرر عاوز ايه...
استسلمت لصوت شوق قلبها وتنهدت بيتردد
- حاضر، بس هتبقى محاوله اخيره معاه، ولو جرحنى انا هنسي انى عرفته اصلا..
- اتنيلى، وقومى ألبسي يلا...
أطرقت بحيرة
- طيب خليها بعد العصر...
حدجتها بقوة: بت انت!
- خلاص خلاص هقوم ألبس أهو، بس البس ايه؟!

من عربة الشرطه الموكله بتوصيله وطأت اقدام شخص حُرم من لمسها شهرين بين جدران المشفي، بات شعاع الشمس يحتوى أهدابه فاثار زغللة عيناه، فتوارى خلف أحد الاشجار مستندا على جذعها، ناجيا ربه
- يارب قدرنى، قدرنى اجيب حق الغلابه دول كلهم...
اقتربت منه سيدة مرتديه سترته السوداء التى تُغطيها من رأسها للكاحل تتلفت يمينا ويسارا خشيه من أن يكون أحد يراقبها، وما لبثت أن لمحت طيفه صرخت متلهفه وهى تركض نحوه.

- خاالد، ياولدى، حمد لله على سلامتك ياحبيبي..
ضمته الى حضنه او على الادق ارتمت بشوقها فى حضنه وهتفت
- عشت وشوفتك واقف على رجليك ياحبيبي، الحمد لله...
ثم ابتعدت عنه لتفحصه وتفتش كل جزء فيه وتقول بشغفٍ
- انت تمام؟ فيك حاجه، صحتك ردت كيف الاول وأحسن؟!
ثم عادت واحتضنته مرة آخرى وبكيت
- حمد لله على سلامتك ياحبيبي، عشت سالم من كل شر..
ثم استعادت فكرها وسحبته خائفه.

- يامرى؟! ليكون زيدان قاطرنى، تعالى تعالى، أنت لازم تختفى من البلد يا خالد..
اوقفها متفهما
- مارجعتش عشان أختفى ياام خالد، الظلم لو اتسكت عليه اكتر من إكده مش هنشوف نهار...
وقفت مصدومة:
- قصدك ايه؟! لا لا ياولدى، أنا معنديش استعداد اخسرك، لا يااخالد...
قبل جبهتها وكفوفها بحب وقال
- وخالد مش هيهرب يااما، ولا أنت ربتيه على الخوف..
سالت دموعها وهى تحتضن وجنته بكفها المرتعش، بحذر أم.

- عشان قلب أمك لازمًا تخاف ياضنايا...
ضم رأسها الى صدره مرة آخرى وقبله طويلا ثم قال باهتمام بالغ
- قمر، قمر فينها..
انخفضت انظارها بخجل، فلا تعرف ما ستقوله وتلعثمت الكلمات فى حلقها بتردد مما اثار فضوله
- مالك ياما؟! وشك جاب ألوان ليه؟!
نفضت غبار اسئلته المجرده من الاسئله وتعمدت تضليل الحقيقه وقالت
- مش وقته يا ضنايا، يلا نمشي من هنا..
اوقفها باصرار.

- مش متحرك غير لما اشوف قمر ياااما، الكلب ده عمل فيها إيه..
تسلقت انظارها ببطء ملامح وجهه التى اضرم بها النيران ثم اطرقت انظارها باستيحاء لتسحبه خلفها تفوهت بعجل
- يلا يا خالد قولتلك..
لم يقنت لكلامها وغمغم يائسا
- يعنى مكنش حلم ياما، واللى شوفته وحسيته حصل..
نشجت وتردد البكاء فى صدرها بدون انتحاب
- انت بتخترع اوهام وتصدقها، قولتلك يلا..
صمم متحديا.

- وانا لازمًا هشوفها ياما، ومن غير قسم لو طلع اللى فى بالى صوح لاقتل بيدى...
ثم تركتها غادر متجاهلا نحيبها وندائها وتتضرعها اليه
- ليه اكده ياولدى، يااااخالد، ليه اكده؟!

على الظهيره وصلت فجر لبوابة العماره التى تقع فيها شقة هشام واخذت عنوانها من رهف، فسألت سائق ( الاوبر ) بتردد يتمنى الا يكون هو
- هو ده العنوان اللى مكتوب؟!
فاومأ بالايجاب
- ايوه يافندم، فالدور التالت..
ارتفع صدرها بشهيق طويلٍ فتذكرت محاسبة السائق وبمجرد ما انتهت دلفت من السيارة تتفقد المكان فشعرت بانخطاف قلبها وسرعة اضطرابه الى ان وقفت أمام الحارس فسالته
- المقدم هشام السيوفى فوق؟!

وقف الحارس احتراما وقال
- لا ياست، ده خرج من ٦ الصبح ولسه مرجعش..
- طيب متعرفش راح فين ولا هيرجع أمتى...
هز رأسه نافيا باصيبت بوعكه خذلان فسألها
- هو مين حضرتك ياهانم..
بللت حلقها حتى برز عروقها وقالت بتردد
- انا فجر، مراته...
تحدث فاسهب مهللا.

- يالف مرحب ياهانم، البيه حكى لى عنك وانا فرحتله والله من كل قلبى انه لقى بت الحلال، ده كان بيجهزلك الشقه من ٣ شهور، وكان فرحان قوى قوووى، اصل هشام بيه ده ابن أوصول مأصل، ربنا يهنيكم يابتى...
ثم تراجعت متردده
- طيب انا همشي، واجيله وقت تانى..
فتابع معارضا:
- تمشي إيه؟! انا معايا مفاتيح البيت، قال لى لما ست رهف أخته تيجى ادهملها، ااه وكمان قال لى مش هتأخر، تقدرى تستنيه فوق...

ثم ادخل يده فى سترته واخرج مفتاحين
- ده مفتاح اوضة الاستقبال للضيوف وده مفتاح الشقه، اتفضلى استنيه فوق..
شعرت أنها وقعت فى مأزق فلم يعطيها فرصه للاعتراض حتى نادى على ابنته وقال
- يابت تعالى وصلى الهانم لشقة هشام بيه...
شحذت المكان الراقى بعيونها وتابعت خطاوى الفتاة على مضض حتى وصلت لباب شقته، فاخبرتها الفتاة الصغيره مبتسمه
- انا بشوفك فالتلفيزيون، انت بتاعت الفساتنين، صح..

رأت فجر فى عيونها نفسها وفتيات القريه التى كانت تعلمهم ؛ فداعبت وجنتها بلطف وقال
- ايوة انا...
هللت الفتاه: حضرتك حلوة اوى، احلى من التليفزيون..
جاملتها فجر بابتسامه هادئه
- أنت اللى قمر..
ثم اخرجت بعض النقود واعطتهم لها وقالت
- دول كلهم ليكى..

شكرتها الصغيره ورحلت فارحه وتركت الحزن ينفرد بفجر التى أبت أن تدخل شقته واكتفت بفتح الباب الاخر مدخل غرفه الضيوف، التى تتكون من اثاث فاخر و (بلكونه) واسعه يحيط سورها ازهى انواع الزهور، فجلست تترقب انتظاره على صوت دقات قلبها...

مع كل لحظه تخترع فيلما جديدا للقاء، واخر سناريو مختلف عما قبل لتفتتح به الحديث، مرت قرابة الساعه الى ان ملت انتظارا فقررت المغادرة وما لبثت أن تفقل الباب خلفها فوجدته يخرج من باب المصعد فشهقت بفزع وبعض من الشوق وتراجعت خطوة للخلف تترقب رده..
كانت ملامحه ثابته جامده على عكس دواخله التى اضطربت، يحمل بيده (كيسًا) يحوى بعض الأدوية، وتحرك نحو باب شقته قائلا بدون ألتفات.

- تمثلية امبارح خلصت، ، ولا شكلك حبيتى الموضوع..؟!
دنت خطوة
- ممكن بلاش كلامك ده...! ممكن نتكلم عشان نقفل الصفحة القديمه دى خالص
توقف عن فتح شقته وقال
- متعودتش اقفل صفح، الصفحه اللى بتضايقنى بقطعها...
ثم فتح باب شقته ودخل وألقى ما بيده فى المنضده، فلازالت تنتظر الاذن بالدخول، فهتف
- ايه اللى جابك...
اسرت الوجع بها وقالت
- لو تقيله عليك ممكن أمشي..
اكتفى بالقاء نظرة واحده عليها، فأفحمها وجعا.

- مش هتحايل عليكى اكيد...
اوشكت على الذهاب إلى أن تذكرت تهديد سعاد لها، فوطأت اقدامها اعتاب شقته وقالت بتردد
- عاوزه اتكلم معاك..
هّم بنزع جاكته الجلدى بحرص وتأوهات مكتومه
- وانا مش عايز اسمع...
ذابت فى نشيج جفاءه ونظرت ارضا محاوله تقبل إهاناته بانها هى من بدات بالاهانه، ما لبثت أن ترفع انظارها فلاحظت الدماء التى تكسي كُمه، فألقت كل ما بيدها واندفعت نحوه صارخه
- هشام، أنت متعور؟!

كابح لمنع ظهور المه ووجعه، وترنح قائلا
- مالكيش دعوة بيا، وقولى عايزه ايه واخلصى
تجاهلت جفاءه وصرخت خائفه
- ورينى مالك..
بحزم
- قولت مالكيش دعوة بيا..
جن جنونها من شدة خوفها عليه وشرعت فى فك ازرار قميصه بأناملها الرتعشه وهى تقول
- بطل زفت وعناد بقي، وورينى مالك الاول، منا اكيد مش هسيبك كده...
انتهت من فك ازرار قميصه فخلعته بحرص شديد وهى تساله متلهفة و ترجعه للخلف ليجلس
- ايه اللى عورك...؟!
فاردف بشدة:.

- قولت ابعدى عنى..
ريحت جسده على ( الشازلونج ) فبات صدره عاريا امامها وجرح كتفه لازال ينزف ؛ فسألته
- الكيس اللى معاك ده فى اوديه صح؟!
لم تنتظر منه ردا، بل ركضت لتفتشه فوجدت كل مستلزماته الطبيه، اشد الالم على هشام لم يبق امامه سوى الاستسلام، فرغت محتويات الكيس وشرعت فى تنظيف الجرح بحذر فأغمض عينه مستسلما او على الادق هاربا كأنه خشي اعتناق الحب من عيونها..

اصبحت نظراته متجوله تارة على ملامحه الثابته التى لا يهزها الوجع وتارته لجرحه الذي توقف تدريجيا عن النزيف..
انتهت من تطهير الجرح ؛ فقالتله بهدوء
- ألفه بعد كده، صح؟!
زفر مختنقا او مشتاقا ايهما اقرب وقال
- انجزى...
تجاهلت جمر كلماته وغطت الجرح بالضماد الطبى ثم شرعت فى لف ذراعه، ولكن زاوية وقوفها غير مريحه فلم يبق امامها سوى الجلوس على فخذه لتكمل ضماد جرحه...

لم يكن يتوقع قط فعلها المباغت ولكن شغله للحظه ثُقل وزنها عما قبل، خطفت نظرة من ملامحه فلا ترى اى ذهول او تغيير، قررت تجاهله وواصلت ضماد جرحه او ربما جرحههما..
انهت مهمتها ثم استدارت إليه بحنان وغمغمت
- مش هتقول لى إيه اللي عورك كده طيب..!
انتظرت رده طويلا حتى يأست من الجواب ولكنه لحق نفسه وقال
- كنت بتدرب ومخدتش بالى من المسمار..
وضعت كفها الصغير فوق قلبه وقالت بحب انساها وجعها منه.

- سلامتك يا هشام، ابقي خد بالك بعد كده..
ألتزم صمته أما عنها ف راق لها الجلوس بقربه، التلذذ بملامحه التى أحبت أن تحفرها فى جنينها، تغيب عقلها وفقد هو صوت تمرده، وانكمشت بجسدها فى حضنه مستنده برأسها على صدره متنهده بارتياح افتقدته شهرين، فقد يحدث أن يضيق بك العالم ويسعك حضن من أحببت..

ظلت مستكينه وظل مسالما لفترة مسروقه من انياب الايام، فتمت عليه نقصه وبها قلبها أكتمل فخدرت رائحه القرب عقولهم، بدأت اناملها تتدلل فوق صدره بخفه أحيت النبض بقلبه من جديد للحد الذي كور فيه كفوفه مستقويا...

لامست انامله جرحا قديما فاثار فضولها لتراه، رفعت رأسها لتفحص اثاره البارز التى رست عليه بسبابتها فلم تسأله تلك المره عن سببه ولكنها انحنت بكل انفاسها الحارة التى ألهبت كيانه واحتضنت بشفتيها جرحه طويلا انهته بقبله اشبه بالهمس..
توقفت الدماء عن الجرى فى عروقه وجف حلقه من حرارة افعالها المباغته التى لا يكبح مقاومتها، فهو اضعف من ان يرفضها واقوى من أنه يُجريها..

ارتعشت شفتيه لتضع حدا لقربه فقلبه لم يعد يتحمل، ولكن قلبها انجذب لفاهه وهى تطوق عنقه بشوق كأنها خُلقت على فطرة حبه وإرضاه، فترك هو نفسه للحب حتى يقتله لعله يستريح، باتت تفرغ ليالى انتظارها فى شفتيه كما علمها ودموعها المنصبه عليها وكفوفها التى تحتضنه كأنها تترجاه قائله: دعنى أحبك بدون فواصل تعرق حبنا..

ظلت طويلا تروى منه نهره الجاري الذى ملأ قلبها ولكنه لازال صلدا جامدا لم يحرك يداه ليدنوها منه، حيث اكتفى بقبضهم حتى برزت عروقهم وبااتت كجداول بارزه تحت عروقها..
فاقت من سحره بإستيحاء وهى تطرق منتفضه
- أنا أسفه...
طالعها بشوق يشق قلبها لنصفين، فحاولت انقاذ كبريائها باعتذارها المتكرر
- مكنش قصدى ؛ ممكن نتكلم شويه...

ارتعاش شفتيها زلزل كل ساكن به حد تراقص غدده الصماء التى قاوم كبحها ودفنها وتذكرت مهامها، فعندما يسقط بين يديك الحلال سيطيح بكل جذور العند والكبرياء، وأعلن نوع آخر من الانتقام المستلذ من انثر وضعت اشواك حبها فى صدره فلا تجرؤ امراة بعدها ان تلامسنى باهدابها!
‏كل الذين يكتمون عواطفهم مرغمين، ينهمرون كالسيل إذا باحوا، فلم يستطع مقاومه شهوة الايام التى كانت ممتلئة بها.

فنهض بهيئته المفتوله وطوق خصرها بغتة وحملها ليضعها فى منتصف فراشه الذى قتلها عليه لليلة أمس..
بات الاثنين مخدرين متناسيين مرارة ما بينهما ودقت طبول الحب ملعنة هزيمه العقل، بات يقشرها من كل ما يعوقه عنها كما يقشر حبة البرتقال، فالتقت اعينه وسالته بوجع
- أنا كنت مجرد ليلة فى حياتك ياهشام..؟!

فصالح بشفتيه ترقوتها وختمها بنسر حبه فأنتشت مرغمة مستسلمة لقلوبهم التى حكمت واستحكمت، اصبحت انامله تتراقص على كل جزء بها بات بعيدا عنه بشوق وانفاسه مندسه فى شعرها متجاهلا صدح عقله فلازال الحب ميناء سلام لارتياح ارواح البشر واجسادهم معا..
باتت المشاعر بينهم مشتعله للحد الذي يريد سيارة اضفاء لانقاذ قلوبهم من هلكها، ضمته اليها ونشجت
- وحشتنى..

كلمة أشعلت الف حرب به وايقظت فطرته وبات يخدر كل جزء بها له فلم تكن مجرد متعته بل كانت شهوته الدائمه، لم يدركا ما فاتهم من الوقت وهما معا فى اعماق الحب ولكن ساعة امتلاكها ازفت وفرط حبه، فتذكرت تعلميات الطبيبه لها وتحذيرها بالابتعاد التام عن والد الجنين، فانتفضت مبتعده عنه صارخه لاهثه تاخذ انفاسها بصعوبة
- لااا، ياهشام..

كلمه من حرفين فجرت منه شخصا آخر تعمد دفنه فى حضرتها لدقائق فولى ظهره لانقاذ نفسه من اغداق امراة اذابته حتى الهلاك واشعل سيجارته
- اطلعى بره...
هزت رأسها رافضه وباكيه
- اسمعنى الاول، عشان خاطرى..
ثم وثتب من مكانها وجلست على ركبتيها
- فى حاجات كتير لازم تعرفها، يمكن قلبك يحن..
اخذ نفسا من سيجارته متجاهلا، حتى صرخ
- اطلعى بررره عشان مش عاوز اندمك انك عرفتينى في يوم..
ثم وقف وحسم قراره.

- عارفه طريق الباب ولا أعرفهولك..
وقفت امامه منكسره
- أنت حتى مش عايز تسمعنى...
فنظر في عينيها متحديا
- لا مش عايز واى حاجه هتقوليها هتبقى كذب..
ثم نزل درجة السلم التى تتوسط شقته وقال بتهديد
- ومن غير حلفان لو شوفتك مرة تاني ولو صدفة انا هحبسك يافجر..
اتسعت عيونها بذهول
- تحبسنى ياهشام؟! هى حصلت..
- تحبى اثبتلك...
استيقظت خلايا العناد وقالت باختناق
- تصدق كان عندى حق، وانا غلطانه انى جيتلك اصلا...

ثم اخذ نفسا من سيجارته وقال ليبرر تصرفه
- واحسنلك متكرريهاش لانك لما تيجى المرة الجايه ممكن تشوفى حاجات متعجلكيش...
ثم همس فى آذنها كفحيح الافعى وقال ليطفىء نبرانه ويرضي شبح غروره
- نفس المردغانه اللى كانت مش شويه، بس مع واحده تانيه..
دفعته عنها بكل قوتها صارخه
- انا بكرهك، وبقيت بقرف منك..
ثم انحنت لتأخذ حقيبتها وقالت معاتبه.

- لما تعرف بكرة السبب اللى رمانى لحياتك ابقي متعاتبنيش وافتكر إنى جيتلك بنفسي لحد هنا عشان احكيلك، بس انت معطنيش الفرصه..
ثم اجهشت باكيه وقالت
- ورقة طلاقى تكون عندى، انا ماشيه..
جرت ذيول خيبتها وهندمت ملابسها تحت انظارها المغلفه بشحنه من الندم ولكن غروره قتلها، فبمجرد ما فتحت الباب وجدت ميان أمامها، فتلاشت ابتسامة ميان وقالت بحنق
- أنت هنا بتعملى ايه؟!

فى شقة بسمة فتحت سعاد الباب متمتمه
- دى آكيد فجر...
ففوجئت برجل البريد وهو يسألها عن هوية صاحبة الشقة، فأومات سعاد بالايجاب
- طيب الجواب ده ليها؟!
سعاد باستغراب:
- جواب إيه؟!
- من محكمة الاسرة، من المدعو زياد عماد السيوفى ؛ طالبها فى بيت الطاعه...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة