قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثالث عشر

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثالث عشر

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثالث عشر

إنه لكابوس نوعًا ما أن تَرى شخصًا يتغير أمامَ عينيك، يتحولُ إلى غريب ترتعد اثناء مهاتفته، تنمق كلماتك قبل أن تتفوه بها ؛ تبحث عن نسخته القديمة بشغف فلم تجدها تقف عاجزا حتى مع حُبك الذي تحمِله مِن إعادته مألوفًا مرة ثانية..

- أنت بتعملى إيه هنا؟!
كانت جملة ميان تلقائيه مبنيه على اساس تحرياتها العديدة بعلاقة فجر وهشام، تحولت نظرات فجر من الحزن للذهول والسخط على وقاحتها الزائده، فسألتها ساخرة
- اى البجاحه دى؟! هكون بعمل ايه فى شقة جوزى يعنى؟!
ثم تعمدت فتح الباب على مصرعيه فوقعت عيون ميان على هشام مديد الطويل ومهيب الهيئة عاري الصدر وفرولات شفاتها المطبوعه فوق جلده، ففهمت مغزى ما تريد أن تخبرها فجر به..
اطرقت ميان بمكر.

- سورى لو جيت فى وقت ميصحش، بس هشام..
وقفت فجر امامها وعقدت ساعديها باختناق ؛ وهزت ساقها اليمنى بغل وعقبت على جملتها
- اه هو وقت مش مناسب بالمره، زى ماانت شايفه...
اشتعل الشر فى راس ميان
- انت ازاى بتكلمينى كده؟! أنت نسيتى نفسكك ولا ايه ؛ يابت دانا اللى مشغلاكى...!

خنجر جُملتها طُعن فى قلب هشام قبل صدر فجر، فطابعه الشرقى ارغمه على التدخل، فاقترب من فجر واحتضنها من الخلف وطبع قبله طويله على جدار عنقها وتجاهل جملة ميان وقال
- خير ياميان...؟!
تقهقرت خطوة للخلف وهى تقاوم لاخفاء نظراتها الحاسدة، فتدخلت فجر بصوت اوشك على البكاء وهى تبتعد عن هشام بدون لفت الانتباه
- لو على الشغل ده اعتبرينى من النهارده سيباه؟! لانه مابقاش يلزمنى...
ترنحت ميان ساخطه.

- تسيبى مين؟! ده بعد ما شغلتك وصرفت عليكى؟! هو انت فاكرة انى مش عارفه اصلك يابت أنت؟!
اتاها صوت هشام كالرعد
- اهانه تانى لمراتى هنسي إنك واحده ست، اتفضلى امشي بدل مااعرفك مقامك ايه ومقامها بجد...
استدارت فجر باكيه محاولة اخفاء ضعفها أمام ميان ولاول مرة تتخذ من ذراع هشام كحصن لها، فاردفت ميان بضجر
- دى ماضيه عقد يوديها ورا الشمس...
فانفجر هشام ليضع حدا لها.

- لما تتكلمى مع مراة هشام السيوفى تحترمى نفسك وتعرفى أنت بتقولى إيه ولمين، فاهمه ؛ ولو كان على أي شروط جزائيه انا هدفعهالكم على داير مليم..
ثم قبل رأس فجر ليطيب خاطرها و لم تتوقف اذانها عن الاصغاء لما يهشمه بداخلها فواصل
- سورى، مراتى مش هينفع تنزل تشتغل تانى، كفايه عليها انا طلباتى وراحتى...
ثم رجع خطوة للخلف راسما ابتسامه مزيفه وهو يقفل الباب.

- تقدرى تيجى وقت تانى عشان وقتك مش مناسب بالمرة ؛ او متجيش يكون أحسن...
قفل الباب فى وجهها متجاهلا وجودها وصمتها كأنه وضع الجمر فى فمها ؛ فاقت إثر صوت قفل الباب وصرخت قائله
- والله لتندم ياهشام، هتندم على كل كلمه قولتها..
اختل توازن فجر قليلا وشعرت بدوار قلبها ورأسها فى آن واحد فاحتضنت بطنها ووضعت كفها فوق فمها وركضت نحو حوض المطبخ ذو الطراز الحديث وانفجرت فالسعال والقيء الذي صهر جبل الجليد بجوفه..

فاقترب منها وحضنها من الخلف وهو يزيح شعرها بعيدا عن وجهها متلهفا
- مالك فيكى ايه؟! ولا يهزك كلامها، انا هتصرف معاها..
لم تستطع ان تجيبه ولكن ازداد قيئها فزاد قلقه متفوهًا بلوم
- اخدك برد اخرة زفت الفساتين اللى بتلبسوها، عاجبك كده!
نصبت عودها فاستند على كتفه وصدره فأومات بانفاس متقطعه
- هابقي كويس، أنا لازم اروح...
ابتعد عنها ليحضر لها بعض( المناديل ) ونهرها بحزم
- تروحى ازاى في حالتك دى؟!

ما لبثت ان تجيبه فعاد اليها القيء كُرة آخرى، فدنى منها مسح قطرات العرق المتصببه من مسامها، فأحس بانتفاضتها وهزلها بين يديه فتضاعف خوفه
- انا هكلم دكتور يجى يشوفك...
صرخت من قلب الوجع ونفت جملته بشدة وهى تتأهب السير
- لالا، انا هستريح شويه وهابقي كويسه...

فرفض تركها وانحنى قليلا ليحملها بين يديه فألتف ذراعها بتلقائيه حول عقنه وباتت اذانها تستمع لنبضات قلبه السريعة، ضمها إليه فالقى طيفه على روحها السلام فاستقبلتها بدمعه انبثقت من طرف عينيها بمرارة الفراق واستسلمت للامر، فمع كل ضمة منه يتدفق بها شعور اخر للطمع وهو اشتهاءه اكثر، فهو الشيء الوحيد التى كلما اخذت منه لا يشبعها بل يغويها لغرف المزيد والمزيد...

بسط جسدها برفق فى غرفة نومه التى رسمت بها ولاجلها، ووضع الوساده وراء ظهرها وقالها
- هجيبلك الغطا من بره...
غاصت فى حبه فى حنانه فى تحوله المفاجئ بمجرد ما شعر باهتزازها من الداخل، ظلت تتأمل شخصه! رجل غريب الاطوار كيف له أن يمتلك كل هذه المشاعر المتضاربة فى آن واحد...
عاد إليها حاملا اللحاف وفرده عليها فلامست يده كفها فألتقت اعينهم المعاتبه للحظة ضمت يده راجيه
- نتكلم...!
سحب كفه بتردد.

- هعملك حاجه سخنه تشربيها وارتاحى الاول..
فهتفت بلهفة ام هزت قلبه حد الانخلاع
- البس حاجه عشان متستهواش..
- متعود...
تركها ورحل وعلى الاغلب هرب، تذكر لحظة رفضها اياه التى ربما كانت ستطفئه للابد ؛ ضعفه امامها ؛ تفاقم الافكار الشيطانيه برأسه بانها فعلت كل هذا لتثبت له إنه اضعف من مقاومتها، وليس لانها باتت هى اضعف من ان تقاومه..

مرت قرابة الربع ساعه تفحصت بعيناها كل ركن فى الغرفه وشردت بحياتهما سويا بين احضان اربعة جدران فتبسمت وتمنت انها ولم تفارقه مجددا، طال انتظارها فلم يعود ؛ نهضت بتثاقل لتبحث عنه فوجدته امام نافذته يشرب سيجارته التى غاص فى سحبها، فكان شاردا ولكن حتى لهدوئه صوت، فاقتربت منه معاتبة
- أحنا مش اتفقنا انك مش هتشربها تانى؟!
بجفاء:
- متفقتش معاكى على حاجه؟!
اغرورقت عيونها بلألأ الفراق التى لمعت باللقاء.

- عندك استعداد تسمعنى؟! ولا خلاص كلامى هيبقي زي قلته...
اخذ نفسا اخرا من سيجارته قبل ما يطفيها وابعد انظاره الفاضحه عنها وقال
- وفرى على نفسك، وكفايه اوى اللى حصل ما بينا، خلى العلاقه تنتهى بشياكه...
انتفض قلبها فلحظة الفراق قد ازفت فاحتضنت بطنها بألم وقالت
- حتى ولو كان حاجة تخصك؟!
باسف
- وفرى الكلام، مفيش كلام هيرجعنا ومفيش كلام هيغير حاجه...
تحركت ووقفت أمامه وسألته بتوسل
- من قلبك..
رفع رأسه بشموخ.

- مالكيش دعوة بيه، ولو بقيتى كويسة هلبس واجى اوصلك..
- لا يا هشام تمام، همشي لوحدى زى ما جيت..
استدارت متأهبه للذهاب ولكن ندائه اوقفها
- استنى، متنزليش شغل عند الزفته دى تاني، وانا هحل كل حاجه...
أومأت بتثاقلة وعيون ثابته
-تمام، بس حابه اقول حاجتين قبل ماامشي، متقلقش مالهمش علاقه باللى مابينا...
رفع انظاره المتلهفه باستماعها و
- ايه؟!
- خلى بالك من زيدان مش هيسيبك فى حالك، ده شرانى ومابيسيبش حقه...

ثم بللت حلقها وجففت دمعه فرت منها واقتربت منه متوسله
-خليك جمب ابويا، بلاش تاخده بذنبى، ساعده انه يطلع منها ياهشام وحياة كل لحظه حلوة كانت مابينا..
ثم نجشت بخفوت واكملت
- خسرتك أنت، مش عاوزه اخسره هو كمان، ممكن..!
كنت اظن اننى سامتلاء به عندما اتجرعه دفعة واحده حتى اسد كل مسام حنينى له ولكن ما زادنى الامتلاء الا اشتهاء فى المزيد منه، عادت من حبها مدمرة ولست ناجيه كما ينجو البعض...

- حمد لله على سلامتك ياخالد ياولدى، تعالى تعالى..
رحبت نعيمه أم قمر بقدوم خالد بمجرد ما فتحت الباب، فتبسم بامتنان
- كيفك ياخاله نعيمة...؟!
- انا بصحه وعافيه ياولدى، انت روقت خلاص..
اومأ بعرفان وهو يدخل بيتهم الريفي و
- واحسن من الاول..
نفضت مكانه من الاتربه قبل ما يجلس ورحبت
- اتفضل اتفضل يا ولدى...
أبى الجلوس واقترب منها متوسلا
- خاله، عاوز اشوف قمر..

انبثقت دمعة من طرف عينيها على حالة ابنتها وغمغمت باسف
- قمر؟!
تأمل تغير ملامحها وسألها برجاء
- لو سمحتى، هشوفها واتحدت معاها ٥د وهمشي..
نشجت بحزن ضاعف لهب الانتقام بجوفه و
- قمر ما عتتكلمش من يوم ما عمك ضربها، ياحبة عينى، بتى ياخالد معنديش غيرها، صوتها وحشنى..
ربت خالد على كتفها بتعاطف وشفقه
- خلينى اشوفها بس، واوعدك انى هوديها اكبر مصحة فى مصر لو متحسنتش..
سارت أمامه بشغفٍ ثم صعدت على السلم الطينى.

- تعالى، تعالى، شوف حالها واللى وصلتله..
تجلس كالقرفصاء دافنه رأسها بين رُكبتيها مرتديه فستانا من القطيفه لونه أزرق وشعرها مُرسل يغطى ظهرها و يلامس الوسادة من الخلف، بظهوره أمامها فانفرجت حدق عينيها بلهفة أعمى حُرم من نور الشمس، جرى شهد حلقها بأمل فانصب فى قنواتها الدمعيه فارحة..
وقف صلبا، فاقدا النطق عن الحالة التى وصلت إليها، زادت ضربات قلبه يبصر فى عينيها حقيقة سواد العالم، فاستدار متوسلا بخجل.

- اسف ياخاله، وحقك طبعا ترفضي، بس أنا حابب اتحدت معاها لحالنا..
ترددت نعيمة للحظه ثم قالت قبل أن تغادر
- هعملك حاجه تشربها..
خطى ببطء نحوها فجلس على طرف فراشها الصغير وحدث عيونها قائلا
- عملتى كل ده عشانى؟! ليه ما كنتى تسيبيه يعمل اللى هو عاوزه فيا..
شلال من الدموع المتدفقه حفر وديانه على وجنتيها وهى تنتحب ؛ فواصل خالد حديثه المغلف بنبرة الحب التى نبتت بذورها بقلبه.

- تعرفى طول ما أنا فى المستشفى بفكر فيكى وكنت هتجنن عليكى وبحاول اكدب اللى شفته على هيئة حلم..
ثم فرت دمعه من عيونها وهو يحضن بكفه قدمها
- سامحينى، أنت عملتى كل حاجه عشان تحمينى، وانا مقدمتش ليكى غير الاذيه..
ثم انتقلت انامله لتزيح بعض خصيلات شعرها التى تخبئ وجهها وواصل
- بس أنا بوعدك هجيبك حقك تالت ومتلت، وحياة الجرح اللى عيشك بيه هتطير قصاده رقبته، بس انت ارجعى، ارجعى وخليكى جمبى بلاش سكوتك ده..

رمقته بعيونها الذابله إثر البكاء ؛ وطوت جفونها لمعة الرفض، التوسل وهى تهز رأسها يمينا ويسارا، فألتقم ابهامه دمعه فرت من عينها فجففها محاولا اخفاء ضجره فإنها مهمة شاقة، أن تدّعي ثباتك رغم كل هذا الحزن، وقال
- صوتك وحشنى، يلا عاد قومى وزعقى فىّ واصرخى وحدتينى..
اجهشت بالبكاء الذي اعتصر قلبه
- مش عاوز اشوف دموعك دى، قولتلك حقك هيرجع، والله هيرجع، بس انت قومى، يلا وشدى حيلك واتعاركى معاى..

ثم أغمض عينه للحظه بعدها عاد مبتسما بحزن دفين
- قمر، قمرى ونور عتمتى الوحيد، أنا بحبك، ومش هسيبك...
تحرك كفها المرتعش ببطء لتلامس كفه الذي يحتوى خدها فانفرطت مشاعرها أمامه واندفعت بكل ما اوتيت من شقوق لترمم نفسها منه، ارتمت بقلبها واوجاعها بين يديه وعانقته باكيه..

فكانت تلك أول مرة يشعر بحبها الذي انصب كله دفعة واحدة فى قلبه، ضمها إليه بكل ما اوتى من حزنٍ كأنه هو الذي كان يبحث عن حضن يأويه ولست هى، تدلت عليهم ستائر شعرها لتطوقهم او على الاغلب لتلتف حول قلبه فتأتى به مجرورا كلما ابتعد..
ما بين الانتفاضه والرعشة والضمة ويدها التى تعتصر ملابسه تحركت حبالها الصوتيه لتنطق باسمه
- خالد...

حتى غاصت فى بحيرة أحزانها وبكائها الذي دفعه للوقوف على ركبتيه ليدفنها فى صدره متمتما ليطمئنها
- متخافيش أنا جمبك ومش هسيبك، متخافيش..
ثم طبع قبلة فوق رأسها وهمس
- شكلنا أحنا الاتنين اللى محتاجين الحضن ده مش أنت بس، قمر، موافقه تتجوزينى...
ابتعدت مصدومه عن حضنه الذي ابتل بأمطار حزنها ورمقته بانكسار محاوله تكذيب مسامعها إلى أن كرر طلبه مرة آخرى
- تتجوزينى...

هزت رأسها بسرعه رافضه طلبه التى رأته اشبه بالشفقة ؛ فارتفعت انفاسها وانخفضت بسرعة بالغة وغمغمت
-مابقتش انفعك...
مسح دموعها باصرار
- مابقاش غيرك ينفعنى، قمر ؛ أنت شوفتى ضعفى وقوتى ووقفتى جمبى فالاتنين من غير اى مقابل، عاوزه تسيبينى لواحده تانيه غيرك تضيعنى؟! اهون عليكى...
دخلت أمها فذهلت من جلستهم الغريبه كأنهم اثنين يتشاجران فوقعت الصنيه من يدها وقالت بخوف
- ايه اللى حُصل؟!
اندفع خالد نحوها وقال راجيه.

- قولى أنتِ ياخالة نعيمه، بتك قمر بتتدلع وبترفضي، بذمتك انا عريس يترفض..
بصدمه
- هى اتحدتت..
ضحك خالد ليخفى اثار اوجاعه
- اهى اتحدتت واول كلمه قالتلها لا ياخالد، شوفى معاها صرفه لحد مااوصل اجيب المأذون واعاود...
اندفعت نعيمه نحو ابنتها وهى تضمها وتوزع قبلات لم ثمار صبرها كالمجنون الذي فقد عقله، لم تدع جزءا بدون أن تقبله...
- الف حمد وشكر ليك يارب، انت عملت لها ايه ياخالد...
اقترب منهم ممازحا.

- قولتلها إنى بحبها ورايدها وعايز اتجوزها قامت مفزوعه زى ماانت شايفه ورشقتنى بواحده لأ ادبت فى قلبى..
شيعتها نظرات امها معاتبه
- ليه اكده ياقمر، واحنا هنلاقى زى خالد فين؟! بسسس..
خالد بحيره
- بس إيه ياخاله؟!
نهضت كالملدوغه
- عمك عمك ياخالد قايل عليها، وانا مش قده ياولدى..
- منا لازم اكتب عليها عشان احميها من الدنيا كلها، ولا أنت مش واثقه فيا..
- الشورة شورة قمر ياولدى، ما باليد حيله..

جففت قمر دموعها محاولة استيعاب هول الصدمات المتتاليه على قلبها، فجلس خالد بقربها وهمس فى اذنهاا مهددا
- هتقولى آه ولا اقول لامك كيف كنتى متمرمغة فى حضنى من خمس دقايق، وفالاخر بردو هتدبسي فيا، انجزى..
نعيمه باستغراب: انتو عتقولوا ايه؟!
اشرقت شمس ضحكتها آخيرا وهى تومئ بالموافقه فاندلعت صوت زغاريد نعيمه بفرحٍ فلحقها خالد متوسلا
- احب على يدك ياخالة متفضحناش...

أحيانا لما بنحب روحنا بتبقى متعلقه فالشخص التانيه لدرجة إنه لو غاب بتغرب معاه ؛ بنبقي عبارة عن جثة كل اعضاءها الاداميه اللى تأهلك للحياه موجوده بس روحك هى اللى بعيده عنك، واول مايرجع يدب فى قلبك النبض فترجع للحياه مرة تانيه، فالنهايه أحنا كبنات مخلوقين من شخص وحرفيا وميتين بالحييا من دونه مهما حاولتى التجاهل والثباب...

سعاد بتوسل
- اهدى، واستهدى بالله كده يابسمه ؛ هتروحى فين بس دلوقتى..
كإعصار ثائر تجوب غرفتها بجنون لترتدى ملابسها بعشوائيه ؛ تارة ترتدى واحده من جواربها وتارة تعود لتهندم شعرها فتتذكر الفردة الاخرى وهى تقطع فى شعرها الفوضوى وهى تلهث قائله
- انا، انا يطلبى فى بيت الطاعه، طيب، طيبببب يا زياد أما وريتك وخلعتك مابقاش أنا بسمة..
تركض سعاد خلفها كالهائم على وجهه
- طيب استنى نتكلم بالعقل...
صرخت جازعة.

- وابن السيوفى خلى فيا عقل، أنا بقي هوريله شغل المجانين اللى على أوصوله...
تناولت حقيبتها وفتحت الباب وقفلته خلفها بقوة متجاهلة نداءات سعاد المتكررة التى يأست ووقفت فى منتصف البيت تضرب كف على الاخر
- ايه حظ البنات دى بس ياربي! اعمل ايه أنا بس...

ماهى الا لحظات من الحيره والافكار المبعثرة باستسلام هبطت فجر من سيارة هشام بعد صمت دام لساعه طوال الطريق متجاهلين الحروب المندلعه بقلوبهم، ودخلت بوابة العمارة بدون ما تلتفت على عكسه فكان يحرقها ويودعها باهدابه..
فتحت لها سعاد الباب بلهفتها وقالت مذهولة
- معقوله سابك ترجعى..؟!
حاولت اخفاء دموعها قدر المتسطاع ولكنها لم تتحمل اكثر، دخلت وجلست على اقرب اريكه مما زاد حيرة سعاد.

- يابنتى ريحى قلبى وقوليلى ابن السيوفى اللى هيشلنى بدرى ده عمل ايه..
اطرقت باسف
- ولا اي حاجه، مرضيش يسمعنى؟!
بعدم تصديق سالتها سعاد
- كل الوقت ده؟!
اومات بخذلان وقالت
- قال لى مهما اتكلمتى مفيش حاجه هتغير قرارى، وبس ووصلنى ؛ وانا احترمت رغبته..
اقتربت منها سعاد بعيون حائره
- عرف إنك حامل...!
غمغمت فجر بحزن.

- كنت عاوزاه يرجع بارادته ليا، يدينى فرصة، مش يرجعلر مجبر عشان ابنه، هشام متقبلنيش فى حياته يا ماما...
تفحصتها عيون سعاد بعدم تصديق فلاحظت علامات الحب التى تشبه حبات التوت المطبوعه على عنقها وقالت مستنكره
- قولى إنك بتكذبى وانه جابك هنا تاخدى هدومك..
التوى ثغرها بحزن
- هشام؟! ليه بتقولى كده...
- بصي فالمرايه وانت هتعرفى؟! بت أنت احكيلى حصل ايه من اول ماشافك لحد ما وصلك لهنا..
فجر بكلل:.

- ينفع لما اصحى، عشان مش قادرة خالص...
سعاد باصرار
- لااااا، دلوقتى، يلا قوليلى هببتى..
تنهدت بارتياح
- امرى لله، هحكيلك.

- بسمه..! انت جايه ليه
تفوهت رهف بذهول بمجرد ما فتحت الباب فوجدت بسمه بعيئتها المبعثره أمامها، فدفعتها بغل أعمى انظارها
- الزفت اللى ما يتمسي اخوكى فوق..
اومأت رهف بخوف وشيء من التردد
- اااه، ايوه، نايم فوق..
ألقت حقيبتها وكل اغراضها فالارض واندفعت كالسيل لاعلى، واقتحمت غرفته فوجدته نائما فاضرمت النيران بجوفها وهى تتنفس بصوت عالٍ، فتناولت قارورة المياه وسكبتها بغل فوق وجهه صارخه.

- وكمان نايم ولا على بالك؟!
كالملدوغ انتفض من فراشه ووقف جاهرا
- انت اتجننتى؟! فى حد يصحى حد كده؟!
ضربته باغتياظ بالزجاجه فاصابت بطنه ثم ثار جنونها وهى تكسر كل ما يقابلها فى غرفته
- وانت لسه شوفت جنان ياابن السيوفى؟! دانا ههدها فوق دماغك...

نزل من فوق سريره وتناول المنشفه ليجفف وجهه ولاحظ ابتلال ملابسه فنزع سترته بدون تردد، اما عنها فكان صوت صراخها يحرك الجدران ؛ تارة يخرج ممزوجا بصوت تهشم الزجاج وتارة ببعض السبات واللعنات المبهمه، فلم يجد حلا سوى الجلوس على مقعده ومدد ارجله فوق المنضدة بهدوء اشعل سيجارته ليشاهد ثورته العارمه التى جعلت من غرفته صفحية قمامه...

بروده كان كافيا ان يجن عقلها حد قتله بدون تردد فالتفتت نحوه وركلت المنضده بقدمها فسقطت قدميه ارضا وقالت
- انت عاوز منى ايه؟! ماتسيبنى فى حالى ياخى؟!
اخذ نفسا من سجارته قبل ما يطفئها ووقف قائلا ببرود
- مكنتش متخيل ان تكون دى جيتك، يعنى كنت متخيل انهم هيجيبوكى لابسه كلبشات ونازله من البوكس والظابط يقول لى خد ربيها، ياخسارة بوظولى الفيلم الهندى اللى فى دماغى...

فقدت القدره على الكلام كأنه تعلق بحبالها الصوتيه فصرخت قانته وهى ترميه بفازة الورد فتفاداها بذكاء وقالت
- انت عايز منى ايه ياخى؟! هو بالعافيه..
اقترب من المرآه المهشمه وشرع في تصفيف شعرها مدندنا
- ااه هو بالعافيه، ياااما...
ثم ترك الفرشاة من يده واقترب منهاا وهمس بغرور.

- ياااما هتخسري نفقه ومؤخر وكل حقوق ولو وصيت القاضي عليكى شويه ممكن يمنعوكى من الجواز بقوة القانون، لانك هتبقي ناشزة يعنى عاصيه يعنى لا تصلحى للجواز، وكله بالقانون يابوسبوس..
غلت دماءها كفقاقيع المياه المغليه وهى ترمقه بعيون السخط والتحقير وما لبثت أن تناولت الفازه من يمينها وفاجأته بكل ما اوتيت من غضب وهشمتها فوق رأسه، فلم تنطفئ نارها إلا بسيول دماء رأسه وتأوهه المغلف بالذهول
- يخرب بيت سنينك؟!

وقفت امامه متحديه وباتسامة قائد منتصر قالت
- أنا كده خدت عقلى، لو هتأمن على نفسك تعيش مع واحده مجنونه وبنت مجانين زيي، رجعنى...
ثم قهقهت منتصرة بجبروت حواء
- هخلى رهف تكبسلك الجرح ببُن، باى باى يا زيزو..
ا اضعف النساء فى الحب اكثرهم قوة إن تأذين، فكل جيوش حبها التى كانت تحارب لاجلك ستسلطها عليك لتحاربك أنت ايها المسكين ؛ فلا تستهين بضعفها بين يديك فالضعف ثمة قوة بنا، والقوة بنا ثمة هلاكك أنت...

- البنت دى لازم تتربي؟!
القت ميان حقيبتها على اقرب مقعد وهى تقتحم مكتب عايدة التى رفعت انظارها باستغراب
- حصل إيه يا ميان...؟!
جلست أمامها وقالت غاضبه
- هو انت مش قولتيلى ان اللى ماتتسمى دى علاقتها هتنتهى بهشام...
تركت عايده القلم من يدها متأففه
- حصل ايه يا ميان؟!
لازالت نبرة صوتها مغلفة بالغضب.

- روحت لهشام شقته اقوله أن بابا حابب يقابله وبعتنى له مخصوص عشان اجيبه بنفسي، و لقيت ست فجر دي هناك ووووو كانوا في وضع مش ولابد...
- ازاي يعني وضع مش ولا بد؟!
طلع سمت الكلمات بحلق ميان ثم اردفت بارتباك
-زي ما بقول لحضرتك كده كانوا ميرحين قوي في الشقه يعني كانهم اتنين متجوزين بالضبط...
- وانت عرفت شقه هشام منين يا ميان؟!

- مش هو ده موضوعنا دلوقتي المهم انا عرفت وخلاص، المهم البنت دي انا مش عايزه اشوفها هنا تانى...
لم تستتر عايده ان تجيبها فاقتحمت لهشام عليهم المكتب بعواصف غضبه و زمجرت رياح جزعه وقال محذرا
- عايده هانم هما كلمتين ما لهمش تالت عقد فجر يكون عندي دلوقتي ويتقطع قدام عيني...
- هشام؟!
وقفت عايده مذهوله من مجيئه لها المفاجئ وهي تهتف باسمه ثم تابعت بصوت مجلجل
- تعالى تعالى يا هشام اتفضل هنتفاهم...

رمق ميان بنظرات ساخطه ثم قال متاففا
- ما عنديش وقت لو سمحت نفذي اللي بقول لك عليه دلوقت حالا وانا ملزم باي شروط جزائيه..
هزت عايده راسها يمينا ويسارا رافضه وهتفت
- الامور ما تتخضش كده يا هشام ده شغل وانت عارف كده كويس!
ضرب بقبضه يده على سطح المكتب وجهر قائلًا بصوت القى زمرات الخوف في قلب ميان وهو يقول
-شغل ولا مش شغل ما يلزمنيش اللي بقوله يتنفذ دلوقتى حالا يا عايده هانم..

صرخت فى وجهه معاتبه ورنبرو متحشرجه
- ما بلاش حوار عايده هانم ده اللي انت طالع فيه وتهدي ياخى و تسمع انت لحد امتى هتفضل كده اناني مش بتفكر غير في اللي يعجبك وبس..
اغمض عينيه متجاهلا حديثها الذي لا يحرك ساكنا به وقال
- العقد فين؟!
كان التفاهم معه صعبا للحد الذي قررت فيه شراء غضبه في تنفيذ اوامره فالتفت ل تهاتف مديره مكتبها وتامرها
- هاجر هاتي عقد فجر من عندك...

طاوعته عايده فى كل اوامره واحضرت عقد فجر فشقه لنصفين ووجه حديثه لميان بتهديد
- اللى هيفكر يأذى مراتى حتى ولو بكلمة انا هفرمه...
دفعتها غيرتها غنهضت ميان متحديه
- فى مليون جينيه شرط جزائى، يدفعوا..
تدخلت عايده لتنهى الامر
- خلاص يا ميان، قولتلك انها مكانتش تنفع من الاول واحنا معانا وقت نشوف غيرها..
عقدت مايان ذراعيها امام صدرها وهزت ساقها متوعده وقالت.

- لا يعني لا، الشغل هو الشغل مش ده كلامك يا حضره الضابط، ويا اما الشرط الجزائي يدفع دلوقت ياما هحبسها الفلاحه دى...
رمقها هشام من راسها للكاحل بسخريه ثم قال بهدوء لعايده
- بكره الشيك هيكون عندك اي اوامر تانيه؟! المهم مش هايز حد يقرفنى وينطلى كل شويه والا أنا اللى هحبسه، سلااأم
ألقى الجمر فى رؤوسهم وغادر بخطواته الثابته المتزنه متجاهلا حزنه الصمت الذي يهشم فى قلبه، ألتفت ميان حيث اشتعل شعرها غيظا.

- مش بقولك، معقوله هشام مستواه يسمحله بالفلاحه دى؟!
عاايده بصدمه
- أنت تعرفى اصلها...
ميان بثقه: مش ميان اللى تدخل شغل مع حد متعرفش اصله من فصل..
ثم جلست بنيران شرها
- البنت دى لازم تتربي وتفوق من وهمها، ولا ايه ياعايده هانم..
تجاهلت عايدة مخططاتها الشريرة واستدارت لتجلس على مقعد مكتبها
- ركزى فالشغل يا ميان...
صعد هشام سيارته ثم اجرى مكالمة تليفونيه وبنبرته الرسمية
- الو...
سعاد باستغراب
- هشام؟!

اقتصر فى حديثه واردف الهدف من وراء اتصاله
- بلغى فجر أن الشغل ده متنزلهوش تانى، وحق نفقتها عليا طول ماهى على ذمتى، سلام عليكم...
انهى المكالمه بدون ما ينتظر ردها فمخزون طاقته من التحاور مع البشر لقد نفذ، خرجت فجر من المرحاض فلاحظت شرود سعاد فسألته عن السبب فاجابت
- ده هشام، بيقولك متنزليش الشغل تانى وهو مسئول عن نفقتك..
اومأت بخزى وقالت
- فيه الخير، بس أنا مش عاوزه حاجه
اقتربت سعاد منها وقالت مغتاظه.

- في واحده عاقله تصرخ فى وش جوزها وتقوله لا بعد ما كان فى ايدك زى العجينه؟! انت هبله، بصي اختفى من وشي عشان انا مبقوقة منك..
اغرورقت دموع فجر بحزن
- الله، اومال كنت اعمل يعنى...
سعاد بتوسل أم
- فجر، هشام لازم يعرف ويكون جمبك فى فترة حملك يانور عينى...
فجر معانده
- لااا، والله هرجع البلد وماحد هيعرفلى طريق، انا قولت أهو...
زفرت سعاد فى وجهها
- طيب امشي من قدامى احسن ما اضربك...

قطعت بسمة حبال نقاشهم فلاحظت سعاد ابتسامتها التى تشق ثغرها وسألتها
- وانت ياهانم، عملتى ايه؟! كملى عليا وشلونى بتصرفاتكم..
دندنت بسمة بفرح ثم قالت ببساطه
- فتحت دماغه والمرة الجايه هسببله عاهه مستديمه عشان يحرم...
اوشك رأس سعاد على الانفجار وهى تترك لهم االمكان مغادرة متمتمه بكلمات سريعه.

- اشتكيكم لمين؟! انت عاوزين تطيروا برج من نفوخى؟! واحده فتحت دماغ جوزها والتانيه غبية وبتيجى تكحلها تعميها، الصبر من عندك يارب...
فجر بتشجيع
- برافو عليكى يابسمة، هما اصلا مش عاوزين غير كده يلا يمكن يتعظ ويفوق...

تهمس ممرضة فى الخفاء
- زيدان بيه، المتهم اللى هنا صحته ردت وطالب يشوف المأمور، بيقول عنده معلومات مهمة لازم يقولها..
انتفض زيدان من مكانها وهو يلعنه
- متعرفيش هيقول إيه؟!
تفحصت المكان بحذر:
- هو بيردد اسمك كتير، انت وواحد تانى اسمه حاجة الشاذلى، ااه وقال اسم بنته كتيررر، واخر حاجه طلب يشوف الظابط جوز بنته..
لعبت مخالب الخوف فى راس زيدان الذي أمرها قائلا
- خلصي...
فزعت الممرضه بقلق: إيه؟!
نهرها:.

- ايه ما سمعتيش باقول لك خلصي عليه دلوك...
اومات بطاعه
- اوامرك، اوامرك يا باشااااا، اعتبره حصل...
بعد مرور قرابة النصف ساعة من انغماس فجر فى المذاكرة لتشغل تفكيرها عن هشام لكن بدون جدوى قطع حبل افكارها صوت رنين هاتفها برقم مجهول، فتمنت أن لو يكون هشام فردد بصوت قلق
- ألووووو...
- فجر صبرى؟!
انتفض قلبها من خشونة الصوت فتقطع صوتها بخوف
- اه، ايوه أنا، مين...

- اصلى كنت جايبلك خبر من وش القفص، وحبيت أخبرك به قبل الحكومه، بالبقاء لله، ساعة كده وهيكلموكى تيجى تستلمى جثت أبوكى...
صرخت فى الهاتف محاوله تكذيب كلامه وبنبره هستيريه
- انت مين.؟، انت كداب، ابويا عايش، مستحيل...
قهقهه صوت المتصل وقال
- افتحى تليفونك وشوفى الصور، باى باى يا حلوة...

جف حلقها وارتعش بدها حتى الهاتف اوشك على السقوط من يدها ففتحت بعض الصور المرسله لها من الرقم والفيديو الاخير وهو محاوله إنعاش والدها فباتت تحت صدمة فقدانها الابدى، القت الهاتف ارضا وركضت بخطوات اعرج مستغيثه، صارخه
- لا، لا، ابويا مامتش هو بيكذب، انا لازم اكلم هشام..
خرجت بسمع من غرفته ملهوفه إثر صوت صراخها فلحقت بها سعاد
- مالك، يا حبيبتى، جرالك ايه..
تتحدث كمجنونه فقدت عقلها وبانفاسها المتقطعه.

- بابا مات، خلاص مابقاليش حد فى الدنيا، ابوبا راح..
ما لبثت أن تحتضنها سعاد فأمسكت ببطنها صارخه بألم وفقدت وعيها فالحال فندبت بسمة صارخه بمجرد ما رات قطرات الدماء تتقطر منها
-يالهوووى دى بتسقطططط...

- أنا لقيت نفسي زهقانه، قولت اجيلك نقعد سوا...
اردفت رهف جملتها الاخيره مبتسمة وهى تقف على اعتاب باب فيلا فارس الذي استقبلها بنظراته الدنيئة وقال لها
- نورتى...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة