قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الرابع عشر

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الرابع عشر

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الرابع عشر

- أنا لقيت نفسي زهقانه، قولت اجيلك نقعد سوا...
اردفت رهف جملتها الاخيره مبتسمة وهى تقف على اعتاب باب فيلا فارس الذي استقبلها بنظراته الدنيئة وقال لها
- نورتى، دانا مصدقتش نفسي لما قولتى إنك جايه...
تقدمت خطوة سُلحفية حتى باتت اقدامها داخل البيت، فواصل فارس قائلا وهو يجذبها
- الشلة كلها جوه، تعالى تعالى هعرفكم عليهم..
رمقته بنظرات قلقه، فهتفت مستفهمة
- يعنى أنت مش لوحدك هنا؟!

ضحك ساخرا من سذاجتها وقال
- مالك؟! تعالى تعالى هتحبيهم أوى...
ولت ظهرها خائفه هاربه من مصيرها المنتظر ولكنه توقف أمامها ليمنعها وقال
- استنى بس، خايفه ليه، كلنا بنات وولاد هنا ؛ هنلعب وننبسط ونقضي يوم حلو..
فكرت للحظة متجاهله مخاوف قلبها التى تتدفق بجوفها وقالت مستسلمه
- تمااام...
قفل فارس الباب وهو يخفى ابتسامة انتصاره، فاستدار إليه وهو يشير على أحد الغرف.

- روفا، شايفه الاوضة اللى هنا دى، ادخليها غيري لبسك وتعالى عشان هنلعب وماينفعش تلعبى بهدومك..
شهقت مروعة من اقتراحه
- هاااا؟! لالا ماينفعش..

ضحك فارس وهو يسحبها خلفه ليحقن عقلها بمخدر الخديعه ووفتح باب الغرفه مشيرا لها بسبابته
- ياستى ده ترينج عادى ألبسيه وسيبى كل حاجاتك هنا ؛ واول ما نخلص لعب هتيجى تغيري ولا كأن فى حاجه حصلت، هسيبك عشان تتطمنى وهتلاقينا كلنا فالجنينه..

ثم طبع قُبلة على سبابته وبصمها على ثغرها وهو يغمز لها ويقفل الباب خلفه
- متتأخريش هاا، وألا هنبتدى اللعب من غيرك...
لم يعط لها فرصه للاعتراض فوقعت رهينه فى زنزانة الاسد، اكتسحت أعينها الغرفة باضطراب تعمدت تجاهله، وشرعت فى تبديل ملابسها وهى تغمغم
- هيحصل إيه يعنى؟!

على المقابل تنعقد لمة من الشباب والفتيات فى حديقة المنزل أمام شاشة عرض كبيره تستعرض فيديو لرهف أثناء تبديل ملابسها ؛ فتجمهروا فارحيين برؤياها وتعالت اصوات ضحكهم وسلامات الانتصار..
ففزع واحد منهما بحماس
- فارس الكنافة بالقشطة دى تلزمنى..
ألتقى فارس بطريقه ليفشل مخططه
- لا ياخفيف، دى منطقه محرمه، تخص فارس مختار وبس..
فرك زميله كفه بحماس وهو يحملق فالشاشه فرأها تهندم ملابسها بدون اى خوانه وقال باشتهاء.

- ما اوجب معاك واجيبهالك لوزة متقشرة، تاكلها على طول..
احتدت نبرة صوت فارس ودفعه للخلف ليجلس مرغما
- لا ياخفيف ؛ بعرف اقشر اللوز واكله لوحدى، مش عاوز مساعده من حد..
جهرت نانسي وهى تصب كأس النبيذ من يدها وبنبرة محذرة
- اعقلو طيب، اهى جايه، قوموا ندوخها شويه ونلعب...

هبت انفاس الليل مغبرة بأتربة الحزن والوجع حتى خرج الطبيب من غرفة العمليات فركضت سعاد وبسمة عليه بلهفة..
- طمنى يابنى، مالها..
ثم لحقت بجملتها بسمه
- دكتور نادر، هى كويسه؟!
نزع الطبيب ( ماسكه الطبى ) وأطرق بأسف
- هى كويسه الحمد لله، بس للاسف الجنين معرفناش ننقذه، ساعتين تكون فاقت وتقدروا تروحوا بيها، عن إذنكم..
قذف الطبيب جملته فى قلوبهم وغادر، فرفعت سعاد انظارها للسماء بعرفان.

- ألف حمد وشكر ليك يارب..
ثم وجهت جملتها نحو بسمه بلهفة
- لسه هشام مردتش؟!
خيم فطر الحزن على قلب بسمه، فغمغمت بأسف
- للاسف، برن ومش بيرد واحيانا بيدينى مغلق، الفكره فى مين هيستلم جثمان باباها...
اقتربت سعاد من زجاج غرفتها التى يعكس حالتها التى لا حول لها ولا قوة وقالت بحزن بلغ ذروته
- قلبى عندك ياحبيبتى، كان مخبيلك كل ده فين بس...!
ربتت بسمة على كتفها وقالت.

- عمتو، طيب أنا هنزل اشوف حساب المستشفى ؛ عشان أول ما تفوق نمشي...
سارت بسمه بفوضويه شعرها نحو مقصدها فأوقفها على السلم صوت رنين هاتفها، فبعد تفكير ردت متأففه
- عايز إيه...
غادر زياد من باب المشفى برأسه المربوطه بالشاش الطبى متجها نحو سيارته المركونه صارخا مترنحا
- وشرف أمى يا بسمه لأعلمك الادب من أول وجديد..
تابعت خُطاها فى هبوط درجات السلم بهدوء
- تمام، وايه كمان...؟!

فتح باب سيارته ودخل بها وجهر غاضبا من برودها
- أيامك سودة معايا، وبكرة هتعرفى..
- زياد، أنا مش فايقالك...
ثم أنهت المكالمة بدون سابق انذار وواصلت طريقها حتى وصلت الى قسم الحسابات لتنهى ما جاءت لأجله، أما عن زياد الذي رمى الهاتف من يده بجانبه فوقع فى دواسة العربية وقد اشتعل الغيظ برأسه حد الانفجار وهو يدور سيارته
- أما ربيتك، طيب، طيب بابسمة...

- زواج مبارك إن شاء الله،
اردف المأذون جملته بفرح بعد ما انتهى من مراسم عقد قرآن خالد وقمر التى انتحبت باكية بدون لفت الانتباه ؛فكان فى ساحة بيتهم الصغير حيث تولى وكالتها خالها واثنين من الشهود من طرف المأذون، فغمغمت أمه ممتعضة
- يارب تكون ارتحت يا ولدى..
فك يده من يد خالها بعد ما احتضنه واستدار نحو أمه وقال بعتب
- اسمها ألف مبروك ياام خالد، ربنا يتمملك على خير ياولدى...

ثم عاد نحو المأذون وهتف راجيا وهو يصافحه
- مولانا، زي ماقولتلك مش عاوز حد يشم خبر، وعايزين القسيمة فى اسرع وقت...
لملم القاضي دفاتره واكد على تنفيذ طلبه متأهبا للذهاب
- متشلش هم ياولدى، الف مبروك..
هتفت نعيمة فارحة
- قومى هاتى الشربات ياقمر...
رحل المأذون ومن معه سرا ولم يبق سوى كمال خالها ونادية، فقل الباب وعاد كمال
- الف الف مبروك يانعيمة، زينة رجالة البلد..
ربت خالد على كتف بعرفان.

- ربنا يقدرنى واسعدها ياعم كمال...
نهضت ناديه متأففه ومعالم الغضب منقوشة على ملامحها وجذبت خالد من يده لتتوارى به خلف العمود الذي يتوسط بيتهم، وقالت بضيق
- بردك نفذت اللى فى راسك، تقدر تقول لى ناوى على إيه؟!
قبل خالد كف أمه ليكتسب رضاها وقال
- انت ايه اللى مزعلك بس...
وشوشته بخوف
- خايفه عليك يا ولدى، إنت إكده بتلوى دراع عمكككك...
جحظت مُقلتيه بنيران الانتقام.

- الود ودى ألوى رقبته تحت رجلى، يا ويله من اللى هيشوفه منى..
ندبت ناديه بصراخ متكوم
- يبقي هتكوى قلب أمك عليك ياخالد، لا لا ياولدى..
قبل رأسها ليشترى خاطرها ويطمئنها وقال
- هو ده بس اللى مزعلك يعنى..
فانكمشت ملامحها على مضضٍ
- انت عارف زين اللى مزعلنى ومع ذلك عملته، انا مش عاوزالك البت دى ياولدى...
تفقدت ابصاره المكان سريعا ثم عاد هامسا.

- وانا مش عاوز غيرها ياما، ومالها البت ماهى كيفها كيف البدر ياناديه..
ثم داعب وجنتها ممازحا
- ولا أنت غيرانه عليّ..
- لا ياخالد، بس مش بت بنوت ياولدى ؛ ايه اللى يجبرك عليها..
اردفت ناديه جملتها المسموعة التى قُذفت من فاهها بدون رقابة فلم يستطع أن يرد عليها خالد بنيرانه التى توقدت بصدره فسبقه صوت سقوط الصنيه من بين يدى قمر التى انفجرت باكيه وركضت تحتمى من بشاعة البشر بغرفتها...

ألقى خالد نظراته المعاتبه على أمه ثم تركها وتابع خطوات قمر مناديا عليها فلم تُلبى نداءه، فلحق بها قبل أن تقفل باب غرفتها، قال وهو يرد الباب خلفه
- من أولها بنادى عليكى مش بتردى؟! لالا الحال المايل ده أنا مايعجبنيش...
جلست على طرف فراشها تبكى وتصرخ بصوت مكتوم حتى اجهشت لاهثه
- ليه، هى عارفه إنى معملتش حاجة، وعارفه إنه محصلش بارادتى، ليه تقول عليا كده، وانا ذنبى إيه..؟!

ركع تحتها وشرع فى تجفيف دموعها بكلا كفيه وقال مواسيا
- ومش الحاجه اللى تقصدها هى اللى هتثبتلى أنك شريفه ولا لا ياقمر، الموضوع مش فارقلى بالمره..
ولت وجهها بعيدا عنه وشهقت متألمه
- يبقي تسمع كلامها وترحمنى من اتهامات أمك ياخالد، انا مش حملها، سيبينى، سيبنى وروح اتجوز واحده غيري وراضيها..
ميل على كفوفها وأغرقهم بقبلاته المتتاليه ثم رفع انظاره المتيمه إليها.

- هكلمك بصراحه، انا عمرى ما اتخيلت إنى اتجوز غير فجر حتى بعد ما هربت واتجوزت كان جوايا أمل انها ترجعلى وتكون ليا...
ازداد مجرى اندفاع دموعها، فاحتضن كفوفها بقوة وواصل
- بس بعد اللى حصلى واللى عايز اشكر مهجة عليه إنها قربتنى منك وخلتنى اشوف واحس حاجات كتير فيكى أهم من الحب، قولت وانا هعوز إيه تانى...؟!
ثم انتقلت انامله لوجنتها وتابع.

- شوفت فى عيونك خوفك عليا، حسيت براحتى فى حضنك، فاكرة يوم مااتهورت عليكى وفتحتيلى دراعتك وضمتينى أنا ساعتها محستش غير بحاجه واحده وبس ؛ هى إنى خلاص اكتملت، خلاص لقيت الحته اللى ضايعه منى، خلاص ال٢٤ ضلع جوايا اكتملوا...
ثم نهض ليجلس بجوارها ويمرر كفه المنبسط على شعرها وأكمل بدفء.

- عايزانى اسيب كل ده واسمع كلام ناديه عشان مجرد عذريه اتسرقت منك بالجبر، العذريه الحقيقيه هى طاهرة القلب اللى ماتفتحش لحد، الشرف اللى بجد للبنت سلامة نيتها وحسن تربيتها، ياما عذارا بس عواهر القلب والتربيه..
ثم لملمت اناملها شعرها المرسل جنبا ليتأمل جمال جدار عنقها الذي اشتهى ملامسته واكمل بهيام
- الحب مش كل حاجه، بس السلام النفسي أهم حاجه..
نظرت إليه بعيونها الذابله معارضة.

- بس ياخالد أنت تستاهل واحده احسن منى..
تبدلت ملامح بغضب مفتعل وهبت زمجره سيطرته ممازحا
- بت إنتى، نسيتى إنى عريس جديد ولا إيه؟! هتخفى نكد الستات ده ولا اروح اتجوز عليكى؟!
فزعت قمر كالملدوغه
- نهار اسود، امى تحت...
شدها مرغمه من مرفقها لتجلس مكانها
- أمك مين دلوقتى بس؟! هى خلاص باعت وانا اشتريت...
اكتسي وجهها بحمرة الخجل وهو يداعب خصيلات شعرها ويرجعها خلف آذنها فاطرقت باستحاء
- بس ياخالد...

لمعت عيونه بنور الشوق وابتسم وهى يتأملها
- قمر وانت قمر فعلا، يخربيتى كان االجمال ده كله فايتنى كيفففف؟!
ثم رفع رأسه ليُقبل جبهتها طويلا وهمس
- ربنا يقدرنى واسعدك...
فلمعت عيونها تلك المره بدموع الفرحه وهى تحوى كفه وتقول بخجل يملأها
- ربنا يخليك ليا ويقدرنى أنا واسعدك...
ارتطمت أنفاسه الحارة بأذنها فدنا منها رويدا رويدا بهمس شفتيه فارتعدت واصيب بدنها برجفة الحب فأغمضت عيونها مستسلمه وهى تضم كفه أكثر...

تراقصت شفتيه برفقٍ فجر حممهم البركانيه المدنسه فى اجوافهم وتدللت اصابعه فوق ظهرها فارتفع صوت انفاسهم معا فلم يكبح سيال مشاعره أكثر فامتدت يده لتحت رُكبتيها خصيصا والاخر احتوى بها ظهرها وحملها بغتتة فكانت شهقتها فى فمه تلك المرة ووضعها فوق أرجله المنعقدة ليتملك منها أكثر وأكثر...

- متجمعين عند النبى إن شاء الله..
ركل زيدان الباب الخشبى بقوة وهو يهتف جملته الاخيره، فندبت ناديه على صدرها واحتمت نعيمه بظهر آخيها الذي قال
- لعله خير جنابك...
اقترب زيدان من مجلسهم فسقطت أعينه على اكواب الشربات فوجه سؤاله لدنايه
- يعنى مهملة البيت من صباحية ربنا يا ناديه من غير شورة جوزك، وقاعدة إهنه؟!
حاولت اخفاء مخاوفها التى غلفت نيرة صوتها
- جيت اشقر على قمر، الحديت أخدنا...

فسقطت انظاره على الاكواب مرة آخرى وقال
- والضيوف بيتقدملهم شربات؟!
تتدخلت نعيمه مهرولة
- لا ده شربات قمر انها اتحددت، ومن فرحتى بيها وزعت على الشارع كله...
- ااااه قولوا إكده، وانا فين شرباتى ولا اقولكم فين عروستنا اسلم عليها بنفسي واخد رأيها وبالمرة نكتبوا، هى مش بقيت تعرف تنطق آه؟!

كانت انفاسه مغبره بالخديعة والسخريه كمن يعلم بشيء ولكنه يلعب على الاوتار متخابثا، فهتف جاهرا بصوت كالرعد كان كافيا أن يفرق شمل قمر الذائبه ببحور خالدها
- ياااااقمررررررر، أنت فين؟!
لطمت على فمها مرتعدة
- يالهوووووى، عمك، ايه اللى جابه، ليكون عرف حاجه
فزع خالد متوعدا
- أهو جيه لقضاااه...
توقفت أمامه متوسله
- لالا، وحياتى ياخالد لاااا، بص بص خليك هنا وانا هنزله وهنفكر بروقان بعد اكده بلاش تتسرع..

فحضنت بكفيها وجهها بصوت موشكٍ على البكاء
- خليك هنا، وغلاوتى عنك فكر فيا قبل ماتتصرف، بص انا هنزله وهعاود، لكن بلاش يشوفك انت، اوعدنى ياخالد..
ثم أخذت من ميثاق عينيه وعدا، وتأهبت للنزول فاوقفها نداءه الغاضب
- خدى هنا، لمى شعرك ده والبسي جلابيه سوده، هتنزلى كيف كده بفستانك ده...
لمست من نور عينيه الغاضبه نكهة الغيره التى تعد ومضة الحُب فابتسمت وقالتله بطاعه
- اللى تأمر بيه، بس خليك هنا هاااا...

لم يكف عن نداءه المتوصل بالرغم من اخباره بأنه نائمه ولولا ظهورها أمامه لخطت اقدامه لغرفتها فتفوهت باختناق
- عايز ايه جنابك، وحسك عالى ليه فى بيتنا؟!
ابتسم وحدقها بعيونه الجريئة
- والله بقيت زينه ياقمر، هاا نجيبو المأذون ونكتبو...
أحمر وجه خالد من شدة كظم غيظه وهى ينصت لكلامه من وراء الباب، فأستمد قمر قوتها من حضن خالد ووقفت متحديه
- لا، ولو اخر راجل فالدنيا لا..
ثم دنت منه هامسه بصوت لم يسمعه غيرهم.

- ورب العزة لو ما شلتنى من رأسك هنزل ابلغ عن اللى عملته فيا بالتقارير، حتى ولو فيها موتى بعد اكده..
تعجب تابعه اعجاب ثم تحدى تدفق من أعينه
- عال عال، بقيت عتخربشي كمان...؟!
عقدت ساعديها أمام صدرها وتفوهت بقوة ألقت الرعب فى قلب أمها
- خد الباب فى يدك جنابك، عشان عناموا بدرى...
رمقها عدة مرات بنظراته الخبيثه وتلجلجت نبرة صوته مستردا كرامته
- يلا ياااناديه، يلا قدامى بزياداكى عااااد...

فزعت ناديه ثم غمغمت بارتباك
- جايه، جاايه يا زيدان، اصلا خلصت زيارتى...
ثم ارسل ضحكة خبيثه لقمر
- خليكى فاكراها ياحلوة...
ورفع نبرة صوته: خلى بالك منها يانعيمة..
ثم لم شمله وتابعته ناديه بصمت فخالها، فخلى البيت تماما من ضيوفه، صعدت قمر راكضة الى أعلى لتطمئن على خالد الذي بات وجهه كجمرة مشتعله، وتمتمت
- هتعدى، اهدى بس..
لحقت بها نعيمة وقالت بحزم.

- شوف يا خالد ياولدى الاصول اصول، ومش معنى أنك كتبت عليها بقيت اكده مرتك..
تدخلت قمر: خبر ايه ياما...!
خالد بتفهم: سيبي أمك تكمل يا قمر، عاوزه تقولى ايه ياخاله..
- هتنزل تنام فى أوضتى تحت لحد الصبح وبعدها تشوفلك مكان غير إهنه، ومرتك مالكش حق فيها غير لما تجيبلها شقتها ودهبها وكل حقوقها وتعملها فرح يجلجل البلد..
نكزتها قمر معاتبه
- جرالك ايه ياما، ومن ميته بتهمنى الحاجات دى...
حسم خالد الامر وقال.

- خالتى معاها حق ياقمر، أنت مش أقل من اى بت فالبلد، بالعكس دانتى ستهم..
ثم قبل رأس أمها وقال معتذرا
- حقك عليا ياخاله، وكل كلامك سيف على رقبتى..
ثم جهر بصوته
- تصبحى على خير يا قمر..
ضربت قمر الارض بقدميها متأففه
- ياما ده جوزى..
نهرتها أمها محذرة: أكتمى يابت، وخشي جوه يلا..

- راجعة منين الساعة دى؟!
بنبرة قاسيه أردف زياد جملته عندما التقى برهف تركن سيارتها ثم هبطت منها، بات الخوف يقاسم ملامحها فغمغمت
- كنت عند واحده صحبتى بنذاكر؟!
رمقها زياد غير مصدقًا
- مين صحبتك دى...؟!
- يووه يازياد، انت عارف كل صحابى يعنى...؟!
اعتصر ساعدها بقبضته القويه ورجها أمامه فصرخت متوسله
- حرام عليك يازياد، بقولك عند واحده صحبتى..
احتدت نبرته مهددا.

- ليكى فترة مش مظبوطه ولا على بعضك، وقلبى مش مرتاحلك، ورحمة ابوكى يارهف لو شميت إنك بتعملى حاجه مش صح هدفنك..
صرخت مستغثية فوصل صوت صراخها لعايده التى ركضت للشرفه ترى ما يحدث، فتلوت رهف وجعا
- سيبنى يازياد، والله ما عملت حاجه..
صوت عايده الصارم اتاه من أعلى ليفلت قبضة يده وقالت آمره
- زيااااااااااد، اول واخر مرة ايدك تتمد على اختك..

تخلصت رهف من قبضته فركضت سريعا لتحتمى بغرفتها ؛ فرفع زياد انظاره وقال محذرا
- طيب ابقي انتبهى لتصرفات بنتك ياعايده هانم، والا هيكونلى معاها تصرف تانى...

- ايوة يا هشام، أنت فينك من الصبح يابنى...
القت سعاد جملتها بنبرة مستغيثه وهى تقفل باب غرفه البيت على فجر، فاجابها هشام بتردد
- أنا تحت البيت..
- ومطلعتش ليه، دانا بدور عليك من الصبح وهتجنن، فجر محتاجالك قوى ياهشام، متسيبهاش
أطرق باسف
- هى عرفت خبر وفاة أبوها؟!
جلست على الاريكه متنهده
- تعالى ياهشام، فى حاجات كتير لازم تعرفها، مستنياك يلا...

ماهى الا خمس دقائق وكان هشام واقفا على باب شقة بسمه، ففتحت له سعاد وسحبته من يده لغرفة الجلوس وقالتله
- اقعد، عاوزه اتكلم معاك الاول..
جلس مستغربا
- فى إيه؟!
جلست بجواره
- طبعا عرفت اللى حصل لابوها...!
قاطعها متحدثا بحزن
- من اول ما سمعت وانا معاه، لحد ما دفتنه فى المقابر عندنا، ولسه راجع...
تنهدت بارتياح
- ريحت قلبى ياولدى...
تلهف لاستماع اخبارها
- المهم فجر عامله ايه، عايز اشوفها..

- هتشوفها، بس لما تعرف كل حاجه الاول..
- خير ياطنط، قلقتينى!
تلعثمت شفتيها قليلا ثم أطرقت مجبرة
- عارفة أنك متعرفش إن مراتك كانت حامل!
جُملة جلدت تفكيره حد توقف عقله عن الاستيعاب للحظة، وكرر جملتها
- مرااة مين اللى حامل...!
أغمضت جفونها لوهلة ثم اكدت على كلامه
- فجر، مرتك كانت حامل فى شهرين يابنى، وكانت فرحانه وجايه تقولك، بس إنت بعادتك صديتها ووو
قطعها بتهكم وعدم تصديق.

- حامل ازاى وأمتى يعنى؟! اى الجنان ده؟!
نفذ صبر سعاد فصرخت بصوت مكبوت ولكنه مسموعه
- جرى ايه ياهشام! هى مش مرتك وحلالك ياحبيبي! ماتفتح دماغك معايا..!
فرك جبهته محاولا استيعاب جُملتها متجاهلا مقدماتها الطويله التى قطعها قائلا
- هو ينفع يعنى من ليله واحده؟!
صُعقت سعاد من مغزى جملتها فتفوهت بانكار وبنبرة محذرة.

-لا اله الا الله انت هتكفر يابنى، هشام! كلامك بيدل على حاجه هعمل نفسي مش واخده بالى منها، وهتطلعنى كنت غلطانة إنى عارضت فجر عشان كانت عايزه تخبى عليك..
هاجت مشاعر تملكه ووقف مُحجمًا
- وهى كمان كانت عايزه تخبى عنى ابنى...! دى اتجنتت..!دانا هخلى ايامها هباب..
وقفت أمامه لتهدأه
- هشام، الولد نزل، حبيبتى مستحملتش خبر وفاة أبوها سقطت...
سها محاولا استيعاب الكارثه التى اشد قسوة عن سابقتها و
- نزل؟!

ربتت على كتفه بحنان
- هى رافضة تشوف حد وحالتها صعبة قوى جوه، انسي اللى حصل حتى ولو كام يوم عوض قلبها فيهم ياهشام، فجر بتحبك ومش هتستقوى غير بيك، وغلاوة حبيبك النبى ما تكسرها، خش طيب بخاطرها واحتويها وجودك هيهون عليها كتير أنا عارفه..
فرطت قلبه من كثرة توسلاتها فترقرقت الدموع من عينه ولكنها لازالت متجمدة، و
- هى فين..؟!
وقفت أمامه بابتسامة ترجى.

- اوعدنى، اوعدنى إنك متجرحهاش، دى اغلب من الغلب مايستاهلش قسوتك دى..
لم ينطق سوى كلمة واحده
- هى فين..؟!
شاورت له على الغرفه وقالت
- انا واثقه فيك وفى حنية قلبك ياهشام، روحلها يلااا...

تمهلت خطوات قدمت فى السير وهو يدنو من غرفتها بداخله نزيف كأن بروحه ثقبًا، ثقبًا يتسع، و يمتص كل آماله، و حياته، و أحلامه، توقف على باب غرفتها مُتمنيا و لو كانت هى التى فى انتظاره ليرتمى بين ذراعيها بدون حدود أو عواقب ؛ ليحكي لها كل شيء، ليقص عليها حكاية هذا الثقب الذي حفر به مذ ما رحلت عنه...

فتح الباب ووقف يتفقد ضعفها الذي كورها حول نفسها وظل يتأملها بحزن فاض دمعه من عيناه معاتبا على القدر، ‏فالبعض نحبهم بيننا و بين أنفسنا، نصمت برغم الألم، لا نجاهر بحبهم حتى لهم لنحفظ بما يسمى كرامتنا معتقدين أننا لو عبرنا ستكون العواقب مخيفة، فمن الأفضل لنا ولهم أن تبقى الأبواب مغلقة، لذا ثبط آوامر عقله وافتعل وضع قلبه وعواطفه فقط بمجرد ما سمعها تصرخ بدون ما ترفع رأسها.

- ماما لو سمحتى سيبينى لوحدى..
قفل الباب واقترب منها فاستنشقت عطره فكذبت عقلها وقلبها اللذين اتحدوا عليها مأكدين لها ظنونها، طبع قُبلة طويله على رأسها وقال بحزن
- البقاء لله...
رفعت رأسها من بين رُكبتيها تدريجيا فأحزنه شحوب وجهها وسألته بكدر واستياء
- فى ابنك ولا فى ابويا؟!
خنجر سؤالها علق فى صدره فصمت وترك كفه المنبسط يحتك بكتفها ليواسيها، فدفعت يده بعيدا عنها.

- شوفت، ربنا انتقملك وخدلك حقك، وفى يوم واحد خسرتك أنت وابويا وابنى....
ثم اجهشت مرتعشه
- ابنى اللى كان هيصبرنى عن كل حاجه، كنت شيفاه عوض ربنا ليا عنك..
لم يعرف ماذا سينطق، او سيفعل ؛ نفس الالم تقاسم صدرها وصدره، نفس الحزن انهال فوق رؤوسهم، فانفجرت فجر كالبركان الثائر
- انا خسرت كل حاجه، بقيت عايشه لوحدى، مبسوط مبسوط وانت شايفنى كده..
ثم فزعت من مكانها وبدات تجوب الغرفه امام عينيه ذهابا وايابا وتصرخ.

- جيت ليه؟! هاااا؟! جاي عشان تشمت فيا ولا تلومنى إنى معرفتش احافظ علي ابنك، ولا تتخانق معايا عشان خبيت عليك؟!
ثم بللت حلقها وواصلت
- أنا هقولك خبيت عليك ليه، خوفت، خوفت تنكره وتقول لى مش ابنى، او تاخده منى بعد ما يتولد، او تقول لى نزليه لانى كنت فى حياتك مزاج، غلطه وبس متستاهلش يكونلك منها ابن...
نصب عوده ووقف أمامها وحاول ان يضمها لصدره ولكنها أبت باصرار وواصلت هذيان كلماتها.

- أنا بيحصل فيا كده ليه، عارف لو كنت معايا وانا بسمع خبر وفاة ابويا كنت هتستقوى بيك، كنت هتحضنى، هتطبطب عليا وتقول لى أنا جبمك، أنا ملقتش حد منكم معايا مقدرتش استحمل ولا ابنك قدر يتحمل الوجع ده كله اللى أنا فيه...
ثم توقفت لتاخذ عدة انفاس متتاليه وتشهق فتابعت صراخها.

- حاسه أن الدنيا كلها اتفقت عليا عشان توجعنى، انا ما بقتش عاوزاها، ولا متحمله أعيش يوم كمان، امشي، امشي ياهشام انا ما بقتش قادرة أشوفك ومحضنكش، اشوفك زيي زي الغريب، امشي أنت كمان عشان تبقي صدمة مرة واحده وهفوق منها، مش عاوزه صدمات بعدها..

تقطعت اخر كلمات جملها وهى تلتقط انفاسها بصعوبة حتى فقدت وعيها ودخلت فى حاله من الانهيار العصبى فتحملها على ذراعه وجلسها بها على الارض محاولا افاقتها ولكن بدون جدوى..
جهر بقوة مناديا على بسمة التى اتت راكضت ومن خلفها سعاد التى اعتصر الحزن قلبها، فنهرها هشام
- اتصرفى، جسمها كله بيتنفض..
فحصت بسمة النبض ثم نهضت وهى تقول
- الدكتور كان عامل حساب كده، وكتبلها على حقن مهدئه، هجيبها حالا...

جثت سعاد بجواره باعصابها المنهارة وتتوسلها
- قومى، قومى ياحبيييتى متوجعيش قلبى عليكى...
ضمها هشام لصدره ولاول مرة فى حياته يعرف الدمع طريقه، ففرت من طرف عينيه دمعه رست على شفتيها وهو يطمئنها
- أنا جمبك، حقك عليا، فوقى يافجر، فوقي عشانى..
اتت بسمة بسرعة البرق وشمرت كُمها وفرغت محتويات الابره فى وريدها فبدا جسد فجر يهدا تتدريجيا، فاتسعت عيناه بخوف يتقاذف منها
- هتبقى كويسه...
اومأت بسمة بحزن.

- هى نامت دلوقتى، ان شاء الله هتصحى كويسه...
سعاد بترجى
- انت مش بتكذبى علينا يابسمه صح..
قفلت الابره بيدها وقالت بهدوء
- تعالى بس نغيرلها هدوم المستشفى دى ونسيبها تنام..
تدخل هشام بنبره غير قابله لاى جدل
- خدى عمتك واطلعى بره يا بسمه، أنا هعمل لمراتى كل حاجه..
شرعت بسمة بالاعتراض فحسمت الامر سعاد واستندت على ذراعها لتقوم متأهبة للمغادرة
- تعالى، تعالى يا بسمه، سيبيها مع جوزها، هو أولى..
بسمه باعتراض.

- مش هتعرف ياهشام أنا عايزه اعملها ايه..
بنبرة خارسه
- بسمه، اقفلى الباب وراكى...
غادرت بسمه مرغمة وهى تسب وتلعن فى نفسها وقفلت سعاد الباب وراءها، انحنى قليلا وحملها وبسط جسدها الهالك على الفراش ثم نزع سترته الشتويه، وفتح خزانة ملابسها واخذ ما يبغاه، ووضعهم على طرف الفراش...

شرع برفق أم تتعاامل مع رضيعها فى نزع ملابسها شيء فشيء وحينها لم يكبح دموعه عن التوقف فإذا بكت الرجال أعلم أن ما اصابهم لقد بلغ ذروة تحملهم، باتت أمامه مجرده كمولوده اتت الحياه جبرا، ألقى الغطاء فوقها ونهض ليبلل منشفة صغيره وعاد إليه ليمسح اثار الدماء من عليها..

حنان ولين وعطف لا يعلم من اي جهة تسربوا به، بااتت كفها الثابته التى لم تأثر بها عواصف ثلاثون عاما تنتفض على جسد امراه سكنته، باتت خطواتها متكرره بين المرحاض وبينها حتى كفوفها لم يتركهم بدون ما يطهرهم حتى انتهى من مهمته...
فاحضر فوطة آخرى نظيفة وعاد ليجفف جسدها من آثار المياه فتوقفت يده على بطنها التى كانت تحوى جزءا منه فانفرط قلبه وانحنى عليها بقبلة طويله امتزجت بمياه عينيه...

انتهى من تلبيسها فوقف ومد الغطاء فوقها حد عنقها واشعل المدفأه ثم تخلص من حذائه ودخل المرحاض ليتوضأ وصلى ركعتين بجوارها، برغم من عدم انتظامه فى الصلاة لكنها كل مرة تأتى به مجرورا للقاء ربه..
فرغ من صلاته ثم أحضر المصحف وجلس بجوارها وغطى رجليه بنفس غطاءها ووضع يمينه على جبهتها وشرع فى ترتيل ( يس) حتى لاحظ توقف دموعها عن الانسكاب وسكون جسدها تماما...

قفل المصحف وقبل جبهتها مرتين متتابعتين، ثم اكتنز شفتيها بقلبة خفيه ونهض بحرض يتجول فى الغرفه، حتى لفت انتباهه كتبها المرتبه فوق المكتب فامسك بكتاب ( مبادىء علم الاقتصاد ) وقلب صفحتها مستغربا، فجلس على مكتبها وبدا يفتش فى دفاترها ومذكراتها، التى قرأها فأوشك عقله ان يجن وقلبه ايضا الذي بات يلومه..
اول صفحة بكل الخطوط واللغات
- هشاااااااااااام
بعدها:.

- عدوا ٢٥ يوم على غيابك وانا ما بقتش مستحمله، والله لو اعرف لك طريق لكنت جيت حضنتك بس وكملنا خصام عادى..
ثم قلب صفحة دفترها
- شكلك كان حلو اوى فالتليفزيون لدرجة انى قومت وحضنته...

- هو طعم البعد عنى حلو للدرجه اللى تخليك تغيب عنى شهر كامل ياجاحد ماتيجى طيب نتخانق وامشي! يارب يجيلك سكر حبى طالما عاجبك اوى طعم الغياب، انت عاوزنى اكدب كلام عينيك اللى سابت الدنيا كلها ووقفتنى قدامها عشان تشكيلى منك! روح منك لله ياشيخ..

- انا تعبت، والله يا اسمك اي انت لو تبطل مكابره وبُعد هتلاقي جنة حب على الارض مستنياك، بس انت مصمم تكمل في طريق مباينلوش ملامح لحد ماهترجع من هناك متشلفط وبردو هتلاقينى مستنياك
قلب عدة صفحات.

- هششششام هششششام، انا حامل، لسه عامله الاختبار وبكرة هروح للدكتوره، انا هموت من الفرحه، بجد عمالة اتنطط كده زى المجانين، مش مصدقه إن فى حته منك جوايا، نفسي اجرى عليك واترمى فى حضنك واقولك هتبقي آحلى بابا فالدنيا، ٤٠ يوم بحضن قلبى عشان اوسيه عن غيابك، النهارده هحضن رحمى اللى حاضن حته منك، انا مش مصدقه، هتجنن، ياااااه ياريتك كنت هنا..

سبحت مياه عيونه فشوشت الرؤيه فقل الدفتر وفتح الادراج فوجد جهاز مختبر الحمل التى لازالت محتفظه به فتقطرت دموعه عليه الجميل أننا مازلنا قادرين على البكاء، فالدموع هي خلاصنا إذ أنّ هناك أوقاتا إن لم نستطع البكاء فيها فسوف نموت، سرعان ما جففها ونهض لينام بجوارها..

عاد إليها محملا بشوقه وبسط جسده بحرص وهو يرفع رأسها لتتخذ من ذراعه وساده فهذيت بكلمات غير مفهومه إثر تخدرها واندست بين ذراعيه كأن قلبها آخيرا عثر على مأواه، فمسح على رأسها بحنان
- اششششش، أنا جمبك، اهدى..
ثم نالت جبهتها ورأسها الكثير من القُبل، فكلما غلبه الشوق فرغه تقبيلا بوجهها حتى أمنت فسلم هو ؛ ونام، نام يحتضنها كأنها طفلته فزعت من كابوس فاحتمت بحضنه...

تسللت قمر خلسة من جوار أمها النائمه، فلم يقترب النوم من جفونها بسبب قلقها على خالد الذي ينام بالغرفه السفليه، تسحبت ببطء حتى غادرت الغرفه وذهبت إليه لتطمئن قلبها عليه او على الادق لتطمئن هى به...
وصلت لباب غرفته وفتحته بحذر فوجدته يتقلب فى فراشه فتبسمت هامسه
- كنت متأكده انك لسه صاحى..
ثم قفلت الباب برفق ودنت منه
- مين مطير النوم من عينك؟!
اجاب ممازحا وهو يعتدل
- أمك الله يسامحها..

عقدت ركبيها على فراشه وقالت
- منا نيمتها وجيتلك، قلبى مطاوعنيش اسيبك لوحدك...
انحنى لمستوى بطنية كفها وقبله
- مش خايفه منها..
تغللت اصابعها فى شعره بدلال
- ماانت هتحمينى، ولا ايه؟!
فاستدار بخفه واتخذ من فخذيها وسادة بدلا من القطنيه وقرب كفها على ثغره وقبله عدة قبلات ثم اطال النظر بعيونها
- واحميكى من الدنيا كلها...
دلكت ملامحه باصابعها وهمست
- بحبك قوى قوى ياخالد..
تحمحم محذرا.

- لا بلاش حديتك الحلو ده وإلا هخون اوامر خالتى نعيمة وانسي كل حاجه وماشوفش غيرك...
ابتسمت بحب يتقاذف من عيونها
- وايه يعنى، وانا هعوز اي غير كده...
عزم امره ونهض فورا وجذبها بقوة لصدره واتخذا وضع النوم وهو يلقى الغطاء فوقهم
- وانا كفايه عليا قوى إنى اخدك بس فى حضنى وانام على نور عينك..

لاول مرة تتذوق طعم السكن والمود والامن، بمجرد ما سندت رأسها على ذراعه القوى تناست من تكون وما سيكون، تنهدت بارتياح محارب يلملم غنائم النصر وطوقته وغفيت ولن تغفو عيون خالد التى تتجرعها بحب متذكرا جملة قرأها من قبل
لا تكن بلا حُبّ، كي لا تشعر بأنّك ميت، مُت في الحب وابق حياً للأبد.

( صباحا )
يقف هشام فى المطبخ حيث انتهى من اعداد فطار خفيف لفجر قبل أن تصحى وجهز الصنيه ففكر لبرهه ما ينقصها، فطرق باب غرفة بسمة لتنهض ولكن بدون فائده..
فعاد وامسك هاتفه ليرن عليها وبعد محاولات تفوهت بصوت كله نوم
- ايه ياهشام..
لم يخجل لايقاظها ولن يعتذر قط، ولكنه قال بثبات
- كنت عايز ادويه فجر..
اعتدلت بتكاسل
- طيب ياهشام، هقوم اجيبهملك...

نهضت واحضرت له الادويه وعرفته تفاصيل تناولهم، فحفظهم سريعا وتركها واقفه وحمل الصنيه وعاد بها للغرفه، وقفت بسمه متعجبه تضرب كف على الاخر وتتمتم بعدم تصديق
- له فى خلقه شؤون...
اتت سعاد وسالتها
- واقفه ليه، هى فجر صحيت؟!
بسمه لازالت تحت صدمتها
- لا، بس هشام حضرلها فطار ودخل..
فرحت سعاد ورفعت كفوفها للسماء
- اصلح حالهم يارب...
استند بسمة بكوعها على كتف عمتها وقالت بتساؤل.

- عمتو، هو ايه اللى بيحصل فى اوضتى جوه، ها ها، عندى فضول اعرف...
ضربت سعاد كوعها فسقط عنها وقالت
- شيلى عينك من عليهم ربنا يهدى سرهم، قولى امين..
غمغمت بشرود
- ااامين، بس بردو سوري يعنى الفواحش اللى من النوع ده متحصلش فى اوضتى، لا اقبل..
لكزتها سعاد بغيظ
- خليكى فى حالك وخيبتك أنت بس يابتاعت محاكم الاسره...
ضربت على رأسها كانها تذكرت شيئا وقالت.

- فكرتينى، الحق انزل ارفع قضيه على اللى مايتسمى ده قبل مااروح الجامعه..
اختنقت سعاد بجزع، فهمهمت داعية..
- واصلح حالها هى كمان يارب
(فى الغرفه)
وضع الصنيه فوق سطح المكتب واقترب منها بحنان وقبل جبهتها فتمللت فى فراشها بتكاسل ولازالت تحت سطو نومها فلم يتوقف فكانت لشفتيها حظا من القُبل الصباحيه تابعه بهمس
- كفايه نوم يلا قومى..
فتحت عيونها المستغربة وهى تتفقد ارجاء المكان ثم صورته حتى غمغمت
- انا فين..

- أنت زى ماانت متحركتيش، انا اللى ضيف هنا..
اعتدلت فاشتدت غصة بطنها قليلا لدرجة يمكن تحملها وقالت مذهوله
- أنا مين غيرلى هدومى، وانت نمت ليه هنا..
استند على ذراعه فقال بهدوء
- انا غيرت لك هدومك، مكنش حد ينفع يغيرهم غيرى، ونمت هنا ليه عشان مكنش ينفع اسيبك..
ثم وثب ليحضر المائده فبدأت تسترد ذاكرتها وتهذى
- بابا؟! المستشفى؟! ابنى؟!
ترك ما بيده وعاد اليها وضمها إليه وظل يمسح على رأسها كثيرا وقال.

- لازم تفهمى أن كل حاجه قضاء وقدر، استهدى بالله كده واطلبى منه الصبر..
ابتعدت عنه وقالت بشرود ومحاولة استيعاب
- هشام أنا كنت حامل، انت عرفت، عرفت إنى حامل وابنى خلاص مش موجود، وحتى بابا مشي من غير مااودعه..
قبل كفوفها بحب وقال بحكمة
- عارف إن كل ده مش سهل عليكى، بس انا جمبك ومش هسيبك، ينفع تهدى عشان خاطرى وتفطرى وتاخدى ادويتك...

اومات باستسلام متقبله اقتراحه فنهض بحماس ليحضر لها الفطار وبدا فى إطعامها بنفسه ولازالت فى حاله تخدر تام لوجوده ولكلامه ولمداعباته التى تعمد أن يُلطف بها مصائبها..

‏أنا أُؤمن بالحبّ الذي يجعل داخل الإنسان في حالة دائمة من الأمان مهما بلغت شدة تقلباته وعواصف الأيام من حوله، ومهما قسيت مصائبه، الحب الذي يُحولك لطفل سعيد وضاحك، أو لشاعر، أو لفنان، أو حتى لإنسان يُمارس سكينته التامة براحة بال، الحب الواضح في الصمت قبل التبرير، في الغضب والعتاب قبل الرِضا، بوجوده يهون كل شيء مُستعصي..

انهت فطارها واخذت ادويتها فلم تبق سوى كبسولة واحده، ولكن خطف مسامعه صوت ثرثره بالخارج فاعطاها لها، و
- خليكى هشوف فى إيه وارجعلك...
خرج متبعا مصدر الصوت الذي كان خارجا من بسمه الواقفه امام الباب فسألها باستغراب
- مالك..
صاحت صارخه معاتبة
- اخوك جايب البوكس والقوة وعاوز ياخدنى بالعافيه، اتصرف ياهشام إلا ودينى هقتله واقتل نفسي..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة