قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل العشرون

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل العشرون

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل العشرون

انسيه! لن يعنيكِ بشيء
تلك الجملة التي كتبتها صديقتي ردًا على لائحة طويلة من الألم والحرقة الكائنة بقلبي لأن الرجل الوحيد الذي أحببته رحل للأبد..
لا أعرف ما الذي قتلني حينها
برودة الرد أم برودة مشاعرها في استقبال مشاعري المُلتهبة!
أدرك أنها محقة، وأن جنس الرجال لا يستحق ساعة حزن واحدة على فراقهم..
ولكن المؤسف.

ما الذي أنساه! كيف اتجاوز وجوده الدائم بيومي! صوته الذي كنت اسمعه أكثر من صوت دقات قلبي! تفاصيل يومه التي سجنني بداخلها، وتفاصيل يومي التي كنت ارتبها معه! كيف اتخطى فراغ ليلي بدونه! كنت أغفو على صوته أمانة وأفيق على رسالته مستبشرة! كيف اتجاهل أيام وجدران زيناها معًا! كيف انسى انني خُذلت من بعد ما منحت وسام الثقة لأول مرة بعمري!

أمر النسيان شبيه بطائر اعتاد التحليق في الهواء الطلق حرًا، وفجأة تجبره أن يسير على قدمه بين العامة! هكذا كان حال قلبي بعد ما قضى أيامه طائرًا سار الأن يتمسح بالجدران خشية من أن يصاب بندبة جديدة تقتله بعد ما بترت أجنحته!

نهال مصطفى.

-أعصابك يا سيادة الرائد!
تلك كانت أخر جُملة أدلت بها سلمى بعد ما هبط من سيارته واقتربت مستندة على نافذة سيارته وتدللت
-أسفه على الدخلة لو مكنتش مناسبة، بس هعمل أيه ليا يومين مش عارفة اقابلك.
فتح مجدي باب سيارته فتراجعت خطوة للخلف وهى تحدجه من أعلى لأسفل، كبح مجدى غيظه كله في ضغط فكه على شفته السفليه و
-هو أنا مش كنت قلت لك تختفي من وشنا خالص!
أطلقت ضحكة عالية بنكهة السخرية.

-مقدرش! بحس عيلة السيوفي دي حبل ملفوف على رقتبي، كل ما أبعد يقوم الحبل يشدني.
-طيب خافي على رقبتك بجد، عشان عيلة السيوفي لو شدت الحبل عليها هتطيرها!
رمقته بإعجاب برق في عيونها و
-تعرف لو مكنتش بحب هشام! كان زماني معجبة بيك دلوقت!
زفر بضيق
-عايزه أيه!
سلمى بثقة عارمة
-جايه اعتذر..
بسخرية رفع حاجبه
-عن أيه؟! محاولة قتل!
ثم التوى ثغره بعدم تصديق
-البني آدم دا غريب أوي والله!
-أنا جايه وقاصدة خير على فكرة!

ضحكة كاذبة أرتمست على وجه مجدي و
-مسمعناش أن في ناب الحية خير قبل كدا.
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بثقة
-ما تجربني!
تجاهلها مجدى وتأهب ان يصعد سيارته ولكنها أوقفتها وهى تقفل باب السيارة
-طول بالك بس، اشتري مني؟
قطم مجدى الحوار و
-هتسحبي عربيتك من قدامي ولا مستنغية عنها!
لانت نبرة عنادها وقالت بتذلل
-حاجة مقابل حاجة!
-انجزي!
-فيديو محاولة قتل فجر قصاد شر كبير مستنيكم!
فتح مجدي باب سيارته غاضبًا.

-اعرفي احمى نفسك بس لو هشام شم خبر اللي أنت عملتيه!
صرخت بعجز
-لازم تفهم أن متخططلكم لحاجة كبيرة أوي هتنهي حياتكم كلها.
استقر مجدي في مقعد وشغل سيارته متجاهلًا تحذيراتها وبسرعة البرق انطلق وأخذ في وجهه أحد مصابيح سيارتها المصفوفة أمامه، اشتاظت سلمى بنيران الغضب وهى تضرب الأرض بساقيها وتلعن غبائه
-غبي! كلكم أغبية وهتدمروا نفسكم!

كانت ملامح متشققة كالأرض البور، الصخرية التى لم تدب بها قطرات غيث الفرح ولكن بمجرد ما ذاع هذا الخبر أمطرت سماءه للتو بغيث لا حد له، تارة تنكمش ملامحه وتارة تتمدد، تسمر في مكانه محاولًا استيعاب الفرحة التى خلعت الحزن من جذوره.

خُلقت جميع النساء لتلد، هذه هى الوظيفة الحقيقية لوجودها، فهى لم تأت بشيء خارج عن الطبيعة، ولكن الشيء الخارج حقًا هو أن تحمل المرأة بجوفها بذور حب رجل تعشقه، ولا توجد فرحة تضاهي فرحة رجل غرس حبه بإمراة يعشقها حد الجنون والآن يهبهما الله بثمار هذا الحب النقي، لم يكن الهدف من الحب الإنجاب بل كان الهدف من الحب الحب ذاته.
استغرق دقائق محدودة ليظهر حقيقة ما كساه من مشاعر، دار هشام ليقف أمامها وكرر سؤاله.

-سمعيني كدا تاني، قلتي إيه!
أومأت بفرحة شديدة وهي تعانقه و
-أنا حامل يا هشام.
فجاة تحولت الرؤية أمامه من امرأة جميلة يهواها، الي مدينة ساحرة بها تضاريس ووطن وخضرة، إذ به يستوطنها، يأمنها، يسكنها كمن يقيم في غرفته لأعوام طويلة، طوق خصرها بكلتا ذراعيه ليحملها ودار بها نصف دائرة ذهابًا وايابًا مستمدًا أنفاسها من عطرها فاقدًا النطق تمامًا منتشيًا لأصوات ضحكاتها الهادئة..

في ظل صمته ذرفت دمعه انتصار من طرف عينيها وهمست بأنين يعكس صدى حبها الذي يضرب في صدره
-بحبك أوي، عمري ما اتخيلت إني هحب حد كدا.
لأول مرة تخدعه عينه وجرت دمعة خفيفة من طرفها، ابعدها عنه قليلا وانحنى ليحملها بين معصمية وذهب بها ناحية الفراش ليريحها برفق وقال
-من النهاردة رجلك مش هتلمس الأرض فاهمه!
بدهشة
-لا طبعًا، مفيش الكلام دا!
-تؤ اللي قولته يتنفذ، فاهمة!

-بشرط، لو هتفضل قاعد جمبي كدا، أنا مش هتحرك أبدًا.
-أنت عارفه لو بإيدي مش هتأخر.
ختم جملته بقُبلة طويلة من حظ جبهتها وأخرى على وجنتها إلى أن تدلي لكفوفها الاثنين وقبلهما بحب يعجز عن البوح به.
رفعت عيونها بحب وسألته
-أحساسك أيه؟!
اندفع بالوصف و
-أحساس إيه دانا عايز اخدك كدة جوة حضني واكلك أكل.
ثم مال برأسه نحو بطنها لمحاولًا أن يسمع صوت الجنين بعد ما قبلها و
-الولا دا هيقول بابا أمتى!

انفجرت ضاحكة وهى تغلغل أناملها بشعره الغزير
-لسه كتير!
أجاب باستنكار وهو يرفع رأسه ويعود لجلسته الطبيعية
-هو ايه اللي لسه كتير، سيبيني أنا وابني كدا نتعامل لو سمحتي!
طالعته ب إعجاب وذهول ثم قالت
-مكنتش متخيلة هتفرح كدا!
ضم كفها بحنو ثم قال
-انا فرحتي الكبيرة عشان أنت أمه، هي دي الفرحة.
اتسعت ابتسامتها وسألته
-قول لي، نفسك في ولد ولا بنت!
فكر للحظة.

-بصراحة نفسي في بنت شبهك، وولد بردو شبهك، واخد رقة قلبك وحنيتك، واثق إنك هتطلعي منه نسخة أفضل من أبوه..
تقلصت ملامحها بمزاح
-ممكن مالكش دعوة بأبوه عشان هو عاجبني كدا!
لم تمهله الرد بل أكملت
-وبعدين أي ولد وبنت بس! انا ناوية أخلف سته.
ضحك هشام بسخرية
-سته؟! لا دانتِ قلبك جامد بقا، كملي عد مع نفسك هما اتنين وشكرا.
عارضته بمزاح
-اه سته يا هشام!
-أحم! نسيت إني متجوز صعيديه!
بتحد.

-بالظبط، متحاولش تجادل صعيديه في حاجة زي دي خط أحمر، وبعدين انت مزعل نفسك ليه! هو أنت اللي هتتعب؟
-مش مزعل نفسي بس على الأقل لو جرالي حاجة تقدري تربيهم، انما سته؟! حرام عليكي!
انكمشت ملامحها بحزن واضح وبكاء لامع بعيونها
-انت بتقول أيه! بعد الشر عنك.
مسح على رأسها بحنو
-ياستي إحنا حياتنا على كفنا، رصاصة كدا ولا كدا محدش ضامن! بصي انسي حوار ستة دا.

لم تتحمل سماع المزيد من التشاؤم حيث سدت بوابته بشفتيها الاتي انطبقت على شدقه بغتة وهى تقبله بحرارة وأمطار الخوف تقطرت عليها، كانت تقبله قبلة بمزيج من الشوق والقلق وقوة شخص يخشى الفقد، كان الحب يعبث بجسدها كله لتلتحم به لإراديًا، لم ير من قبل تلك الحرقة واللهفة التي طوقته بهما، حاول أن ينافسها ويرد لها صاع الحب صاعين ولكن لهب عشق امراة مثلها ثار وأي تحدٍ أمامه رماد، كانت بين يديه ترتجف خوفًا وحبًا فعاش معها تلك اللحظة العظيمة فأخذت يداه مسلكًا آخر، وهو أن يدنوها منه قدر المستطاع.

شعر بهدوئها تدريجيًا حد انقطاع انفاسها فابتعدت عنه بحياء يكسوها وأطرقت بخجل يعاتبها عن تهورها وقالت بلوم
-مش عايزة اسمعك بتقول كدا تاني.
لاحظ خجلها وعيونها الطائفة التى ابتعدت عن جهته، واحمرار وجهها وقال مداعبًا
-والله لو اللي حصل دا هيتكرر في كل مرة هقول فيها كدا، ف أنا عمري ما هبطلها!
بللت حلقها الذي جف وتفوهت معتذرة وبأسف
-أنا معرفش عملت كدا ازاي!
انفجر ضاحكا بصوت عالٍ.

-بس اللي علمك دا طلع استاذ، دانت اتفوقتي عليه كمان!
تذكرت اتفاقاتهم السرية والخاصة بعالمهم فتبسمت رغم عنها وهى تضربه برفق ليصمت
-بس بقا والله مااعرف عملت كدا ازاي!
-ما تعملي يا ستي وأنا كنت قولت لك لا.
-هشام! خلاص بقى!
-خلاص أيه؟! داحنا لسه هنبدأ!
قال جملته الاخيرة وهو يشد ساقيها للأمام لتتخذ وضع النوم ولكنه فوجئ من رد فعلها معارضة
-هتعمل ايه! مينفعش
-هو أيه اللي ماينفعش!
-الدكتورة قالت ماينفعش!

احتدت نبرته
-والدكتورة دي مالها! مين دخلها بينا؟
-دا شغلها ياهشام!
-يا سلام! وشغلي أنا طيب!
كتمت ضحكتها حد انعكاسها بعيونها اللامعة
-أجازة مفتوحة يا سيادة المقدم.
عض على شفتيه بنظرات نارية أوشكت أن تطيح بها ولكنه تمالك أعصابه بصعوبة وهو يسب في سره ثم جهر
-قال هجيب ستة يا هشام؟! وهشام يقضي حياته في الأقسام!
ثم أشار بسبابته متوعدًا
-عارفة لو سمعت رقم سته دا تاني؟
-طيب أنت متعصب ليه دلوقت!

تناولت يده كوب المياه وارتشفه رشفة واحدة
-اقولك كمان مسمعش صوتك دلوقت خالص، خلى ست الدكتورة تنفعك..
ثم قام من مكانه وهو يضرب كف على الآخر وهو يشعل سيجارته ودندن
-شهر امتحانات وتعبانه وعياط، ودلوقت اصل الدكتورة! ولسه ياما نشوف.
انفجر الضحك من شدقها حتى وصل لأذانه فضاعفت لهبه، غادرت فراشها واقتربت منه وشدت لفة التبغ من يده وقالت بعتب
-إحنا مش كنا بطلناها!
رمقها بضيق
-فجر، عدي يومك!

-انا واحده حامل وخايفه على صحة ابني، حقي!
ثم انحنت لتطفئها في المطفأة وعادت إليه مداعبة
-شكلك حلو أوي وانت متعصب.
-فرحانة فيا أنت!
وقفت على أطراف صوابعها وعانقته بذراعيها مع احتفاظها بمسافة لا بأس بها بينهما و
-جدا..
ثم تغنجت ودنت خطوة واتبعت بدلال
-وكمان يعني الدكتورة قالت مينفعش اللي كنت ناوي تعمله، بس لو حبه حبه، بشويش وو
ثم ختمت جملته بقبله خفيفة على ثغره وعاودت هامسة
-وحشتني أوي.

لأول مرة يتقاسم معها الحزن، ظلت طويلاً تتحمله وتعاني منه بمفردها، تنام ضحية وفريسة أنيابه كل ليلة في حين هو يلهو في حضن الأخريات، باتت انتفاضة قلبها تتفجر كقنبلة بصدره، لأول مرة يلسع قلبه مرارة الوجع والفقد، حينها أحس بثقل المسئولية المُلقاة على كتفيه، الآن وضع أمام أصعب اختبار، أيكون أنانيًا أو مخلصًا ويضحي بكل حقوقه لأجلها!

أي رجل بمكانه سيحزن ليوم او ليومين إن حزن ولكن الحلول بيده، لديه الحق أن يجلب كل يوم امراة لينجب ويحون عزوته، ولكن ما الحكمة في الأمر، فهل هذا عقاب للمراة أم اختبار للرجل؟!
غفت بسمة على ذراعه بعد نحيب دام ساعة أو أكثر وبات جسدها ينتفض كانتفاضة الحمامة الذبيحة، كل ما بها يرتجف، شعور الفقد يقتلها.

قد يكسب المرء أشياء كثيرة ويظن إنه امتلك مفتاح الحياة ولكنك ستفقد شيء واحد فقط لتثبت لك حقيقة إنك لم تكسب شيء، تكون على أهب استعدادك بخسارة كل ما تملك مقابله أن تناله، شيء واحد بالحياة قادر على قتل أو انعاش شخص..
انتصرت الحياة على جبروته، و فرعنته، كان يظن أنها ككرة القدم يركلها بقدمه إن عاقت طريقه ولو للحظة ولكن أثبتت له إنها كالشوكة الراسخة بالارض، أن ركلتها انقلبت على وجهك وإن دهستها قتلتك..

هزمته الحياة بدموعٍ كثيرة تنهمر من عيونه لا يعلم بوجودها من قبل، تلك أول مرة تبكي عيناه! اول مرة يتحسس نار الوجع تلتهب بقلبه..
أغمض زياد عيونه المحمرة ليهرب من كابوس الواقع لأهوال الخيال، مر طيفها كشريط مرسوم تحت جفونه و هى تتطوقه من الخلف
-تعرف إن حاسه ربنا هيجبرنا قريب أوي، ياه يا زيزو معقولة هيجي اليوم اللي نحضن فيه ابننا! حقيقي حاسة قلبي هيقف..
-يا سلام يعني هتحبيه اكتر مني كدا!

-هو مني، انا عشت عمري كده وحيدة مليش سند ولا ضهر، انا عندي أمل في ربنا يعوضني عن كل دا، أما أنت غير! انا عايشة ومكملة عشانك وبيك!
فاق من ذكرياته وهو يضمها لصدره وأخذ يقبل رأسها كثيرًا وكثيرًا كإنه يقدم لها اعتذاره عن كل ما فعله، عن كل سخافاته الماضية!

لا تجهد نفسك لتهذب انسانًا، الحياة وحدها كافية أن تعيد تربيته من جديد على الصورة التي تروق لها، لا يوجد انسان يمر سالمًا من تحت عجلات قطارها! تلك هى الحقيقة التى يجب أن تتعايش معها بقية أيامك.
نثر زياد قبلات وعبرات اعتذاره على وجهها، حتى كفوفها كان تقديم الاسف لهم واجب، فاقت بسمة على صوت نحيبه الخفيض ولمسة شفتيه التى تواسي ملامحها التى أكلها الحزن، طالعته بوهنٍ
-زياد!
جفف دموعه سريعًا
-نعم.

فارقت ذراعه بتثاقل وهى تأن بالوجع وقالت معاتبة
-أول مرة أشوفك مهزوم!
اعتدل في جلسته وقال
-وأنت عملتيها!
التوى ثغرها ساخرًا
-عايز تقنعني إنك زعلان!
انعقد جبينه بدهشة
-بتقولي إيه!
أغمضت عيونها التي تعفنت في مياه البؤس
-غريبة، مش لاقية سبب لحزنك.
-ليه يا بسمة مش هى دي حياتنا ومستقبلنا!
أطرقت بأسف وكأن سكينة الوجع سرقتها.

-ااه حياتنا، بس انت عادي يعني تقدر تتجوز غيري وتخلف وبسمة عادي اهي موجودة بس مفيش منها منفعة، مش هو دا اللي هيحصل يا ابن خالتي.
انكمشت ملامحه محاولًا استيعاب اتهاماتها السخيفة والبريء منها، حاول أن يمسح على شعرها لتهدأ فصدتها رافضة، مما جعله يتعجب بالقول
-في ايه يا بسمة!
انفجر بركانها الثائر وذاع صراخ الظلم من شدقيها وجهرت.

-في إني بدفع تمن اخطائك لحد دلوقت، بتعاقب على حبي ليك، بتعاقب على ابني اللي قتلناه سوا، بتعاقب على كل لحظة حرام قضيتها في حضنك فالسر، بتعاقب على رفضك لينا زمان وببساطة رجعت لك بعد ما قتلت ولادي الاتنين، بتعاقب علي ذنوبك وانت كل ليلة في حضن واحدة، بتعاقب إني اخترتك، وانت تقدر تقول لي ايه عقابك؟! خسرت إيه! انا اللي هفضل عايشة لوحدي وهموت لوحدي، أما أنت حجتك معاك.

حاول أن يضمها لتهدأ ولكنها دفعته بعيدًا عنها بكل ما أوتيت من هزائم صارخة
-متقربش مني، حقيقي بكرهك.
ثم غادرت فراشه وهربت لتختبيء بالحمام كي تخفي ضعفها عنه.
بمجرد ما فارقته تجمد في مكانه يستوعب حجم كل الكوارث التي ارتكبها في الماضي وظن أن الزمان سينساها ويعطرها بالغفران ولكن نتيجة الخطأ هي نيران أن خمدت اختنقت من دخانها.

للتو أدرك رسالة ربه ليقبل توبه ووضعه أمام اختبار دنيوي، ولكن سرعان ما نفض تلك الفكرة من رأسه ثقة في رحمة المولي ولا يبتلينا إلا لانه يحبنا أو يختبرنا، وفي حالته أيد الاثنين، وأدرك أن اختباره الحقيقي هي! هي التى قدمت نفسها بدون أي مقابل وحان الآن وقتها لتحصد ما زرعت، وحان الآن أن يعاقب عما فعله ويغفر ذنبه برضائها الحقيقي.

مرت العديد من الدقائق حتى ساقته أقدامه إليها، فتح الباب بهدوء فوصل إلى اذانه صوت نحيبها الممزوج بصوت المياه المندفع فوقها، اقترب منها بتباطيء ولم تستشعر وجوده حتى احست بيده تتناول الفرشاة من يدها فأدركت حقيقة وجوده.

لم تلتفت بل تركت له مهمة غسل همومها بصمت تام، تولى تلك المهمة تحت خيمة الحزن المنعقد فوق رؤوسهم، ترك الفرشاة من يده وفوجئت به يطوق خصرها بأسف شديد حتى التحم حزنهم معًا واخذت عبراته تتقطر على كتفها وهو يلهث تحت المياه
-أسف، أسف عن كل وجع كنت سببه، بسمة أنا عمري ما هفكر اسيبك، أنا عايش بس عشان أسعدك، سامحيني.

ثم دفن وجهه بجدار عنقها فتأوهت بضعف وحزن بات كالجمر لم يطفئه مياه اعتذاره ولا مياه الصنبور، انفطر قلب الثنائي إثر تلك الرجة الحزينة التي هزت كيانهم، فأتبع زياد بنبرة مثيرة للشفقه و
-أنا بحبك، ومفيش قوة هتبعدنا مهما كانت، أنا جمبك متخافيش.

انتهى اليوم دون حدوث شيء مهم يذكر غير
قضاء فجر مع عائلتها ليلة سعيدة مليئة بالدفء والأمان بعد أعوام طويله من ثلج الخوف والفزع، حتى عاد الثنائي في منتصف الليل لغرفتهم متخذة من ذراعه حصن امن، واتخذ من قلبها ملاذًا عذبًا.

محاولات رهف الفاشلة في تهدئة عايدة التي التزمت الصمت نهائيًا، وسعاد الشاردة في عالم اخر على ألحان أم كلثوم تفكر بعرض اللواء نشأت الذي شق السرور على قلبها، ولم يختلف الحال كثيرًا بالنسبة للأخير الذي قضى ليلته ممسكًا بهاتفه منتظرًا جوابها.
أما عن مجدي فأخذ ليله حائرًا ومفكرًا فيما كانت تقصده سلمى وما عليه أن يفعله.

استقر الوضع بين زياد وبسمة حيث استطاع أن يحتويها وأدرك انها العلاج الوحيد لبعضهما وهما يتعكزان على جراحهم لتمر الازمة، جاهد زياد كي يكبح دموعها بمعجزة وقضى ليلهُ في ملاطفتها التي استقبلتها في نهاية الأمر بابتسامة مجاملة ثم هربت لذرعيه لتنام ربما ينهى النوم كابوسها اللعين.

عاد هشام وفجر الي القاهرة بعد السلامات وكلمات الوداع التى فارقت بهم أهلها ووعودها بالعودة اليهم في اقرب وقت، استقل هشام سيارته المصفوفة بالمطار واتجه نحو منزل ابيه بناء على رغبته، وما أن صفت سيارته أمام البيت، توجهت نحوه بامتنان وقالت
-شكرا بجد يا هشام.
تراجع للخلف متكئًا على مقعده
-علي ايه!
بتعجب وثارت
-علي ايه؟! يعني انت مش عارف! انا بجد مش عارفه اعبر لك ازاي عن اللي جوايا.
تلعثمت قبل أن يتفوه ثم قال.

-فجر مش مجبرة تشكريني، انت ملزمة مني، وراحتك وسعادتك دول مهمتي، أنا مش هابقي اناني وأخد منك وبس، يلا انزلي وبلاش كلام ملهوش لازمة.
بتهكم سألته
-اي انزل دي؟! انت رايح فين!
-شغلي ياهانم! انت نسيتي مجوزة مين!
-انا عندي استعداد انسى الدنيا كلها الا دي.
أكتفى بتقبيل يديها فارسلت له ابتسامة واسعة و
-تحب تاكل ايه اعملهولك.
-اي حاجة من ايدك حلوة، بس متتعبيش نفسك.
سكتت للحظات ثم وجه عيونه إليها
-عندي شغل!

-الله يا هشام ايه تقل دمك دا، ما تسيبني افكر!
هشام مجبرًا
-فكري، بس بتفكري في ايه؟!
اخذت تفكر بصوت عالٍ
-مش عارفه حاسة نفسي في حاجة كدا بس مش عارفه إيه هي، مانجا! لالا! حاجة حادقة، اممم فسيخ لالا مش بحبه، طشة ملوخية انا بقا نفسي اكل التوم المتحمر للملوخية دا عارفه.
غصب عنه لم يكبح ضحكاته لثرثرتها الفوضوية و
-هاا ابتدينا وحم ودلع صح!
-لالا وحم ايه بس، لسه بدري، بقول لك نفسي في حاجة مش عارفة ايه هي!

جذب كفها لشدقه مرة أخرى وقبله
-طيب انزلي فكري جوه واول ما تعرفي كلميني، وانا وعد مش هرجع لك غير بيه، تمام.
عارضته باصرارٍ
-لالا ماهو كمان في حاجة جوايا مش عايزاك تمشي..
ثم أسبلت عيونها اللامعة بمكر واكملت
-ممم معقوله أكون بتوحم عليك!
ثم تنهدت بارتياح كمن وجد ضالته
-اه انت، ابنك مش عايزك تمشي وتسيبه لوحده..

انفجر من جوفه ضحكات عالية حد انقطاع انفاسه تلك كانت أول مرة يضحك بها من قلبه بهذه الهستيرية والانبساط، ظلت ترمقه باعجاب حتى رافقته في الضحك وكل ما ينتهيان يعودان يضحكا مرة آخرى، وبمجرد ما يستجمع شتاته ليردف حروف أول كلمة تنقطع إثر بركان الضحك المندلع من جوفه، استمرت ضحكاتهم متراقصة بينهم لدقائق عديدة حتى قطعها هشام أخيرًا
-بتتوحمي عليا! متخيلة هتخلفي ايه طيب!
تقمصت الجدية.

-بتتريق على مطالبي أنا وابنك!
-لا والله، بس بالعقل كدا، يعني عايزة دراع ولا رجل ولا حتة من الودن فهميني!
تنهدت بعمق وتبسمت ثم قالت
-عايزاك أنت.
-فجر، بطلي دلع وانزلي عشان هو شيطان لو حضر مش هشوف قدامي، يلا.
زفرت بضيق، ثم اتهمته معاتبة
-مالكش فالرومانسية على فكرة، زوج مصري نكدي!
-طيب بالليل هنشوف الموضوع دا!
-لا انسي، هو مارد بيحضر فجاة وبعدين يختفي، مضمنش لما ترجع تلقاه ولا لا.

تعمدت أن تتدلل عليه بتخابث وهى تخفض في طبقات صوتها فوجئت به يهمس في أذانها بتوعد
-هشام السيوفي بيحضر الجن الازرق، مش معايا انا الكلام دا!
فتحت باب السيارة بعد ما اشارت نبرته بمحتواه الداخلي وهى تقول
-انت فهمت غلط على فكرة، كنت عايزاك تقعد معايا حبه، شوف بقا انت دماغك راحت لفين..
جهر بعدم تصديق
-دماغي هناك، معاكي خلي بالك منها.
دلفت من السيارة وقفلت الباب ثم استندت على النافذة و
-عيب كدا!

غمز لها بطرف عينه
-هى دماغك دايما كدا في حتت ميصحش تروح فيها!
نفذ صبرها من مزاحه و
-ييييي هشام يلا روح على شغلك يلا قبل ما يارب يرفدوك وتقعد جمبي كدا العمر كله.
ثم جهرت
-سوق براحه متستعجلش.

-نشأت بيه كدا اختفاء البنت اللي بتتكلم عنها النقيب ندى يدل أن شرارة الشر لسه موجودة حولينا..
أردف مجدي جملته الأخيرة في مكتب اللواء نشأت، فتلقى الجواب تلك المرة من النقيب ندي
-أظن يا مجدي بيه أن مواصفات البنت دي هى نفسها البنت اللي ظهرت للمقدم هشام يوم الحريقة، ودا اللي استنتجته من كلامنا.
مط مجدي شفته بحيرة
-طيب ياترى هى فين ونجيبها ازاي! حاجة تحير فعلًا، احنا اتأخرنا أوي فالقضية دي.
ندي بانتصار.

-كون إننا نهينا على أهم وأكبر قاعده ليهم في بني سويف دا نجاح، كون وجود فهمي الشاذلي فالحبس دلوقت يبقى نجاح، وزي ما نشأت بيه علمنا الشر لازم يكون له ذيول.
طالع الاثنان نشأت الشارد بعيدًا عن مجرى حديثهم فأحست ندى بالاحراج قليلًا، لاحظه مجدي فتبسم فتعمد الطرق على سطح المكتب وهو يقول ساخرًا
-احم احم، نشأت بيه هل تسمعني!
فاق نشأت من دوامته على صوت مجدي العالي و
-مالك يا مجدي بتعلي صوتك ليه!
ابتسم بمكر.

-سعتك مش معانا خالص.
انكر نشأت
-لالا ازاي معاكم طبعًا..
ثم تحجج بلملمة الأوراق أمامه وأعطاهم لندي وقال
-عايز تقرير كامل عن شغل فهمي في مصري، وعيلة الشاذلي كلها وهل نشاطهم شغال ولا وقف، عايزين نقدم ملف محترم للنيابه..
تناولت ندي الاوراق واستقبلت الأمر بطاعة
-تمام يا فندم، أي اوامر تانية؟!
-اتفضلي انت دلوقت.
انصرفت ندي ف الحال فترقبت عيونه حتى غادرت وقفلت الباب خلفها، فعاد بحماس الي مجدي وقال.

-انا عملت كل حاجة بالظبط، بس شكلي كدا مش هلقى الرد اللي يعجبني.
ارتفع مجدي عن مكانه مستندا بمرفقه على سطح المكتب واقترب من نشأت واشار اليه هو الاخر ان يدنو منه، حتى همس بمكر
-معلومة سرية بيني وبين معاليك يا فندم كدا، العصفورة طول الليل في العش بتسمع أم كلثوم..
ثم انخفض صوته حتى أصبح كفحيح الأفعي واتبع بتخابث
-معاليك تقلت العيار ولا حاجة! أصل المعلومات اللي عندي بتقول الحالة حرجة.

ردت الروح مرة أخرى بقلب نشأت كمراهق لا يتجاوز الثامنة عشر وقال بلهفة
-سعاد بتسمع ام كلثوم، بركاتك يا ست، واد يا مجدي يعني اتفائل!
-عمر مجدي تربية ايدك غشك؟
اتكئ نشأت بمرح وطاقة عالية على مقعده الفاخر وقال
-فكرني يا واد انت يوم ما تتجوز اديك شهر اجازة بحاله، بص شهرين، دانا هدلعك.
-ينصر دينك يا نشات بيه، هو دا الكلام المظبوط..

بنظرة ثاقبة وآمرة ارسلها للعسكري قبل أن يتفوه، فتلقها العسكري بطاعة وفتح الباب الحديدي بعد ما ضرب تحية التعظيم..
شد هشام أجزاء جسده الرياضي قبل أن يدخل تلك الغرفة المظلمة وسبقته عيونه بحملة تجول سريعة بالمكان، تقدم بخطوات واثقة حتى وصل لمنتصف الغرفة يراقب ذلك النائم أرضًا، ضرب الأرض بمقدمة حذائه فاصدرت صوتًا مخيفًا، أمر العسكري
-صحيه واطلع برا.

نفذ العسكري أوامره وما أن فتح فهمي عيونه أول ما شاهده حذاء هشام اللامع في الظلام، اعتدل بتثاقل وبكلل يطرقع به عظامه حتى تعرف على هوبته و
-كان نفسي اقابلك في مكان أحسن من كدا!
تلك الجملة التى اردفها فهمي وهو يسند على الحائط بشموخ، جرا هشام مقعده وجلس عليه عكسًا و رد
-وكان نفسي أنا كمان، بس وقعات الشاطر خايبة!
ضحك فهمي بمكر
-متخفش أحنا كتير، ولو وقع شاطر واحد في ألف غيره بره.

مد هشام ذراعه واخذ يثني كمه بهدوء و
-متقلقش، طول منا بتنفس هلقطهم واحد واحد، ده غير اللي هيقع لوحده زيك.
-يعجبني فيكم خيالكم الواسع يا ولاد السيوفي!
-ولسه هيعجبك أكتر أدائنا واحنا بنفذ.
انفجر فهمي ضاحكًا متعمدًا أن يثير غضبه لأعلى حد
-انا جربته ودقته كمان، أختك وصلت الرسالة صح، بأمانة كانت جامدة!

أعصابه التي جمدها بمبرد ووعد النائب العام بألا يخرج عنها تبخرت بسرعة البرق، وكأن البركان الخامد به اندلع للتو فأطاحت قدمه بالمقعد الخشبي والتهمته يده بمنتهي الجبروت والوحشية ليسدد في وجهه أقوى الطعنات صارخًا بأعلى السبات والألفاظ الخارجة، لوهلة ثار الوحش الكائن به فأخذ يطيح بكل ما يقابله بدون وعي.

حل المساء عليهم وانتهت فجر ورهف من إعداد وجبة العشاء وفي انتظار البقية، دخلت سعاد لتعاونهم ولكنهم رفضن وتغامزا الفتيات معًا حتى أقدمت فجر إليها بتخابث بعد ما روت لها القصة كاملة و
-بقولك إيه يا رهف، ما نكلم هشام يشوف سيادة اللواء لو فاضي يجي يتعشى معانا!
أحست سعاد إنها وقعت بمكرهن، فكظمت غيظها وأخذت تستمع بصمت، اجابت وهف بنفس النبرة الماكرة وهو تدنو من سعاد و.

-والله فكرة، بس نسأل طنط سعاد كدا يمكن يكون عندها مانع ولا حاجة!
اسرعت فجر بالرد
-مظنش، طنط سعاد كريمة وبتحب اللمة! ولا ايه؟!
جلست رهف بالمقعد المجاور لها و
-طنت، أنت اي رايك في سيادة اللواء.
جلست فجر بالمقعد الأخر فاصحبت سعاد اسيرة شباكهم و
-رايها ايه؟! دا الراجل قمر، عضلات بطول وعرض وهيبة! أول ما بشوفه كدا قلبي بينشرح
خرجت سعاد عن صمتها بغيرة
-وينشرح ليه ان شاء الله؟!

تعالت ضحكات رهف وفجر حد انسكاب الدمع من عيونهم، فلاحظت سعاد إنها وقعت في مكرهن و
-انتو مالكم مش مظبوطين ليه!
لكزتها رهف بخبث
-احنا بردو، يا عروسه يا عروسة!
فجر أكملت بسرعة
-عملت ايه فالرجال يا سوسو!
رهف بتلاعب
-دا الهيية راحت خالص، الراجل مش على بعضه هيتجنن!
فجر بثقة
-طبعًا لازم يتجنن، هو في حد يشوف العيون الخضره دي ويفضل بعقله!
نفذ صبر سعاد من تلاعبيهم أمامها وقالت
-مالكم؟!

-احنا عرفنا كل حاجة خلاص، وعيونك فضحاكي! ها هنفرح امتي؟!
اندفعت رهف
-اي رايك يا طنت نعملها في ليلة واحده، انا ومجدي وحضرتك وسعت اللواء!
أحمر وجه سعاد بخجل
-انتوا بتقولوا ايه، انا انا لسه بفكر!
-بتفكري في ايه؟! الرجل هتجراله حاجة؟! انجزي عايزين نلحقه بصحته كدا.
قالت رهف جملتها باندفاع شديد، فسخرت منها فجر ممازحة
-دانت مجدي بوظ اخلاقك خالص، خافي لأحسن هشام يسمعك!
عارضتها رهف.

-الله ياست فجر، هتقلبي الحفلة عليا!
-لا وانا اقدر، المهم خلينا مع العروسه! هنقول مبروك امتى.
سعاد بإحراج
-يابنات ما تهدوا انا لازم افكر واخد وقتي وو
دخلت عايدة أنذاك بكامل زينتها وزيها الفاخر ولا كأن الحزن خدش أصبعها، امراة قوية مثلها لا تهزها رياح الأيام مهما بدت قوية وقالت
-هشام ومجدي وصلوا وانتوا هنا بتتسايرو!
أطلقت وهف صفيرة إعجاب
-ايوه بقا يا دودو اي الحلاوة دي!

بثقة عارمة عكس دواخلها التى تختنق من رائحة الفقد
-انا طول عمري حلوة، يلا جهزوا الاكل
نهضت رهف سريعًا بينما فجر قبل أن تنهض ألقت جملتها بأذان سعاد قبل أن ترحل لاستقبال حبيبها
-لو وافقتي هقولك خبر حلو أوي..
شرعت رهف في اعداد الأطباق وهمت فجر بمساعدتها وعايدة لم تشاركهم بشيء اكتفت بإلقاء أوامرها وانصرفت لتجلس أمام التلفاز بكبرياء يناطح خذلانها.

-يابني فُكها، أختك زي الفل ورحمة أبوك، تحب اثبت لك دا وقتي! اسمح لي بس.
همس مجدي في أذان هشام بتلك الجملة التى حالت ثورته لغيظ، رمقه بنظرات واعدة
-ما تلم نفسك!
-يا عم ماانت اللي مش مصدقني! لازم دليل ملموس.
عض هشام على شفته السُفلية بغضب
-معرفش ليه حاسس إني عايز اكسر عضمك زي البغل اللي في النيابة!
مجدي بتوسل
-ابوس ايدك أنا عريس وعايز أخش دنيا، بلاش دانت مخلتش في الراجل حتة تصلح.
-يبقى تلم نفسك.

-طيب افتح لنا يا عم الباب دا مش هنقضيها على الواقف، وووو وفكها ها فكها مش ناقصين سين وجيم وانت جايبلي المشاكل كدا.
حدجه بنفاذ صبر فابتلع مجدي ما تبقى بفمه مدندن
-شكلي أي في الداخليه وابن عمي مكسر عضم مسجون!
دخل هشام الي ساحة المنزل الواسعة، واتبعه مجدى مناديًا بمرحب
-يا رورو!
طالعه هشام بنظرة أخرسته و
-ما خلاص يا عمنا، دي كلمة.
نهضت عايدة من مجلسها واقتربت منه بحب هى بحاجة إليه وعانقته.

-حمد لله على سلامتك يا حبيبي.
ربت على ظهرها سريعًا، فابتعدت عنه
-تلاقيك واقع من الجوع!
-عادي، أنت عاملة ايه.
-والله يا هشام قلقانه على زياد، صوته مخنوق وهو بيكلمني، مش عارفة ماله..
أومأ متفهمًا
-فكريني نكلمه بعد العشا.
هتف مجدي من الخلف
-هالو يا حماتي.
كورت عايدة كفيها بغضب
-قوله ما يقولش الكلمة دي أحسن له.
-ما تلم دورك يا مجدي قولت.

نهره هشام بعتب حتى ظهرت فجر وتركت الوعاء من يدها على المائدة واقتربت منه وعانقته بلهفه ولكنها لاحظت بروده حضنه، فتراجعت قليلًا
-أنت كويس!
قبل رأسها بعادته وأومأ ايجابًا
-بخير، صحتك كويسه.
رمقته بشك
-انا تمام بس انت!
تدخلت عايدة بغيرة واضحة
-هنقضيها بوس واحضان ونسيبه يقع من الجوع يعني! جوزك جعانة يا حبيبتي!
-حالًا والاكل يكون على السفرة.

دقائق قليلة والتف الجميع حول المائدة مع العديد من مزحات مجدي مع رهف وتعمده في إثارة غيرة هشام، وسعاد المحلقة بعيدا عن عالمهم..
التقطت أيدي فجر قطعة من اللحوم بأصبعها وأطعمت زوجها متناسية الجميع حولها كررت ذلك كثيرًا فلم تنجو من مضايقات عايدة التى تركت ما بيدها وقالت
-بعيدًا عن أن عنده ايدين بيعرف ياكل بيها، ما ينفعش تمسكي الأكل بايدك كدا وتأكليه.
-ومالها إيدي يا طنت ماهي اللي عاملة الأكل دا كله!

أحمر وجه عايدة من الغضب الذي تود أن تفرغه بوجه أي حد و
-حابه تأكليه يبقى بالشوكة مع إني شايفه ملهوش لزوم.
لكز مجدي رهف بتخابث و
-اتعلمي من مراة اخوكي.
همست بحرص
-اشش نتابع الخناقة.
تدخل هشام ببرود ليزيح ستار الاحراج عنها
-معلش يا دودو عارف إنه اسلوب مش حضاري بس أنا بطني مش بتتملي غير من ايديها.
ثم ترك الشوكة من يده وتناول واحدة من المحشى بيده وقربها من عايدة و
-افتحي بؤك كدا.

فكرت عايدة قليلة ما بين صدمتها في فعل هشام الغير متوقع والموافقه على عرضه، انبعثت من عيونه نظرة ساحرة اجبرتها على فتح فاهها لتتناول ما بيده ثم اصدرت ابتسامة خفيفة وعادت لتكمل طعامها..
أما عن هشام فكرر نفس الحدث مع زوجته لكن تلك المرة ختم فعله بقبلة خفيفة على طرف فمها وقال
-تسلم ايدك يا حبيبتي..
صاحت رهف مهللة بعد ما اصدرت نغمة سريعة بالشوكة والملعقة.

-يا أهل البيت الكرام، هناك نبأ عاجل، لساني مش قادر يسكت أكتر من كدا، السيدة سعاد هانم كلمت نشأت بيه وقالت له انها موافقة على عرضه بالزواج وهذا كله يرجع ليا ولزني اللي ما بيخلصش، تاااتااااااه.
جهر صوت الفرح حول وطارت فراشته وكل منهما يعبر عن فرحته بطريقته الخاصة الا عايدة اكتفت بكلمة
-مبروك يا سعاد، كان واضح جدًا على فكرة.
لحقت فجر الأمر ووقفت معلنة قبل ان تنشب أي مشاحنة و.

-وبالمناسبة دي أنا كمان عندي خبر هيفرحكم، وكنت مستنية هشام يكون موجود عشان اقولكم، أنا حامل.
تعالت شهقات الجميع وصفير مجدي المرتفع وهو يلقح بمختلف الكلمات على ابن عمه، طوق الفرح حلقته عليهم وقامت سعاد وضمت فجر بسعادة بالغه وانضمت لهم رهف مهلله
-احلى خبر، هبقى عمتو يس يس.
حضنت عايدة كف هشام بحب
-مبروك يا حبيبي، يتربى في عزك.
ثم جهرت
-طيب أيه نكمل أكل وبعدين هنحتفل على طريقتنا، الأكل هيبرد.

عادت النساء لمقاعدهن، وتلاقت الانظار بين فجر وعايدة وهي تقول
-شدي حيلك وكلي كويس، ابن هشام لازم يطلع قوي زي ابوه..
-من عينيا
-ااه وحاجة كمان، العيال دي محدش هيربيها غيري، تربية هاي وكلاس وراقيه.
حدجها هشام بلوم فابتلعت بقية كلامها وأكملت
-قصدي يعني انت وكزي في دراستك وانا هخلي بالي منهم.
اشترت فجر خاطرها وقالت
-انا قولتلك اي يا هشام في العربية
هشام بجهل
-ايه!
فجر بخديعة
-محدش هيربي الولاد دول غير دودو.

ثم جزت على فكيها
-مش صح يا هشام!
-طبعا طبعا
عايدة برضاء لغرورها
-ربنا يقومك بالسلامة، يلا كُلي كويس.
غمز مجدي لأبن عمه بتخابث
-ماانت نمس أهو اومال بنشفها على ابن عمك حبيبك ليه!
هشام بمزاح
-يابني كل لقمتك واتكل قبل ما ارتكب فيك جناية!
-ليه؟! الطيب احسن..
مالت فجر على اذنه هامسة
-بردو مش عاجبني، حاسه فيك حاجة.
بهمس اجابها
-بعدين!
-مش بقولك بحس بيك!
ابتسم قليلا ثم وشوش بمداعبة.

-المهم المارد لسه حاضر ولا هيغلبني عشان أحضره!
ضغطت على قدمه بغلٍ
-شوفت بقا مين دماغه اللي بتروح في حتت ما تصحش تروح فيها!
ردت اللقمه في حلقها ضاحكًا ثم ارتشف المياه سريعًا، وحينها نطق مجدي بتفاخر
-بس هشام النهاردة ادى الزفت فهمي حتة علقة، مووووت.
رددت رهف باختناق
-دا الزفت اللي كان خاطفني؟!
تنهدت عايدة بارتياح
-والله يستاهل، تعرف يا هشام لولا فجر مكناش هنعرف نرجع رهف بالسرعة دي..

وقعت السكينة من يد هشام وقال
-فجر مالها بالموضوع.
مجدي بتسائل
-صحيح انتو عرفتوا المكان ازاي؟!
جحظت عيون فجر بتحذير لعايده لم تفهمه واتبعت
-كلمت واحد وهو اللي بعتلها العنوان.
صوبت العيون لفجر ولكن عيون هشام كانت قاتله وهو ينتظر ردها، انكمشت حول نفسها وهي تجيب
-دا دا الراجل اللي قابلناه في اسكندرية يا هشام!

في الخارج على مسافة كافية تقف سيارة سوداء تلحظ بيتهم بعيون الشر، فانخفض زجاجها وظهر منه وجه مايان التي القت سيجارته منه وهى تقول
-جيه وقتك يا ابن السيوفي، دانت زودتها أوي، امشي يا فارس ..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة