قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الحادي والعشرون

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الحادي والعشرون

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الحادي والعشرون

بالأمس عاد حبيبي الغائب عني لمدة سبع سنوات بتقويمكم والذي لم يغب عن خاطري للحظة بتقويم قلبي..
بعد ما ألقى التحية وبدون أي مقدمات قال
-اعلم انك ما زلتِ تنتظرين لذا عُدت مجرورًا لأطلب فرصة جديدة لنا معًا؟! ما زلت أحبك!
تلقيت رسالته ساخرة، ابحث عن قطرة دماء واحدة تحمل له الغفران بداخلي لم أجد، طال ردي على طلبه ليلة كاملة كطول مدة غيابه الأحمق..

أول شيء فعلته ف الصباح علي لحن أم كلثوم ( بعيد عني، حياتي عذاب ) كتبت له جوابي
-ما بعد التحية أيها الغائب الحاضر بي ؛ صدقت
ما زلت تحبني! ولا زلت أحبك..
لا زلت تنتظرني! وما زلت انتظرك..
تعلم حجم الفارق بينهم؟!
مرحبًا بعودتك التي طال انتظارها، ومر حُبك من خلالها..
دام حبي في قلبك، ودام انتظاري لمجيئك..

أنت ما زلت تحبني لأنك لم تجد ما منحتك أياه مع امرأة بعدي رغم سماعي عن تجاربك العديدة التي انتهت حتمًا بالفشل، لأن ببساطة لم تخلق أمراة تتحمل ما تحملته منك..

وما زلت انتظرك لإنني اعتدت انتظارك الذي أصبح الركن الهادئ الذي أفر إليه لأحتمي من بشاعة العالم، اعتدته حتى أصبح جزء لا يتجزأ من قلبي، لا ينهيه إلا البتر، وأنت تعلم إنني أخشى الجراحة وأخشاك، تتذكر جملتي الاولى بيننا ( من تطاوعه يداه أن يشق قلب مرضاه بألة حادة ماذا سيفعل بقلبي؟! )، ولقد فعلتها..
وما بعد اللوم.

لم يسرني طلبك، فقلبي لم يكن مقعدًا في حديقة عامة عندما ترهقك الأيام توعود إليه، ولم أعد أنا تلك الصغيرة التي تركت جروح يدها تنزف ورحلت، عقابك أن تحبني العمر كله ولن تجدني، و إكرامي أن اظل انتظرك واحكي عنك واروي لهم قصتنا التي انتهت قبل أن تبدأ، أن سمحت لك بالاقتراب ستفسد ذلك العالم الرائع الذي أعيش عليه..
من يختار الغياب عني عمدًا لن اختاره طوعًا
20/6/2022
نهال مصطفي
فجر.

صوبت العيون لفجر ولكن عيون هشام كانت قاتلة وهو ينتظر ردها، انكمشت حول نفسها وهي تجيب
-دا دا الراجل اللي قابلناه في اسكندرية يا هشام!
ضرب المائدة بكفه القوي مما جعل الأطباق تتراقص فوقها ونهرها معاتبًا
-أنت ازاي تعملي كدا؟! تعرفيه منين الزفت دا عشان تكلميه!
قفزت فجر من فوق مقعدها مبتعدة عنه وهي توزع نظراتها بين عايدة وهشام الذي ارعدها بصوته الأجش
-انطقي؟! ازاي تعملي كدا من غير ما ترجعي لي!

لم تتحمل قسوته عليها التي ضعطت على قنواتها الدمعية ففرت منها قطرات الهلع، وتمتمت
-أصلو..
فارق مقعده وهو يركله فينقلب أرضًا واقترب منها ممسكًا بمعصمها بشدة ونهرها
-أصل أيه انطقي!
نهض الجميع والتفوا حولهم مع الكثير من الكلمات العابرة من
-صل ع النبي يا بني..
-ما تهدا يا هشام براحة عليها!
-مين دا اللي قابلتوه في اسكندرية يا هشام؟!

إلا عايدة كان لها موقف مغاير تمامًا عن المتوقع، قامت بشموخ وسبق صوتها خطوتها وصاحت
-نزل أيدك عن مراتك يا هشام، ولو تصرفك ده اتكرر انا اللي هقف لك.
ارتخت قبضته من فوق ذراعها تدريجيًا حتى ابعدتها عايدة عنها نهائيًا ووقفت أمامه بتحدٍ صارخة
-همجية عماد السيوفي مش هسمح لها تتكرر تاني في بيتي يا هشام.
شدت سعاد فجر لحضنها فلاحظت ارتعاش جسدها فأخذت تربت عليها بحنو، ثار هشام بوجه عايدة.

-اللي يغلط لازم يتعاقب في البيت دا!
ناطحته عايدة بنفس نبرة الصوت مشيرة بسبابتها بتهديد
-ايدك لو اتمدت تاني على مراتك يا هشام مش هيحصل لك خير، أنت فاهم.
ثم اقتربت خطوة منه وأكملت
-وهي غلطت في أيه؟! إنها أنقذت اختك في الوقت المناسب؟! دا بدل ما تشكرها وتشيلها الجميل ده فى رقبتك العمر كله! دا جزاء المعروف.
زفر هشام بضيق
-لو سمحتي متدخليش بيني وبين مراتي!

-مراتك! مش عبده عندك! ورحمة أبوك يا هشام لو عرفت إنك مديت ايدك عليها تاني هاخدها وننزل نعملك محضر في القسم.
تدخلت فجر في حوارهم بشفقه على حالته و
-معلش يا طنط، هشام أكيد ما يقصدش، وانا اللي غلطت.
صرخت عايده برفضٍ قاطع
-اسكتي يا فجر، وسيادة المقدم لو طالبه معاه يعاقب حد فأنا قدامك أهو ياابن عماد السيوفي يلي سبت اختك وجريت على شغلك!
تدخلت رهف بخوف
-خلاص يا ماما اهدي أكيد هشام مش قصده.
مجدي بحكمة.

-استهدوا بالله يا جماعة، حصل خير.
التقت عيون فجر وهشام بنظرة لم يفهمها سواهم حتى حسم أمره وهو يتناول مفاتيحه و
-طيب، بس مش هعديها..
ثم وجه كلمته الأخيرة لفجر
-وأنت حسابك معايا، عشان تعرفي تعملي حاجة من ورايا تاني!
لم تمنح لها عايدة الفرصة لتصلح بينهم بل ثارت
-هتفضل طول عمرك ماشي بطباع عماد السيوفي مش هتتغير.
ختم هشام كلامها بصوت قفل الباب الصاخب خلفه، اقتربت سعاد منها معاتبة.

-مكنش له لزوم لكل دا يا عايده!
-وانا مش هسمح لنسخة تانية من عماد السيوفي تتكرر، مش دي مراته واختياره! يحافظ عليها بقا ويكون أد الامانةً، الحب اللي بجد مش بيظهر وقت ما نكون متصالحين، دا بيظهر في الخلاف!
مجدي بعتب
-انت عارفه هشام عصبي، بس مش للدرجة دي!
عايدة معارضة
-عشان يتعلم يسيطر على مشاعره ويحلها بالعقل من هنا ورايح.

ثم وجهت حديثها لفجر المنهارة التي هزلت أعصابها فلم تتحمل الوقوف أكثر فجلس ع مقعد الطاولة و
-أوعي تسمحي له يمد أيده عليكي، هشام شارب طباع أبوه، ومرة وانا عروسة دخلت العمليات بسبب عصبيته دي! وانا بخاف على هشام ومش عايزاه يكرر أخطاء أبوه أنت فاهمة!
مجدي بتريث
-طيب ممكن نفهم حوار الراجل دا أيه؟! وايه دخله بخطف رهف!
-أهو شايفة المنطق والاسئله! مش قام زي التور وانت ازاي تعملي كدا؟!

أردفت عايدة جملتها الأخيرة بغضب شديد وأتبعت
-موضوع وانتهى يا مجدي خلاص.
-لا! خلاص أيه يا عايدة هانم دا طاقة نار جديد هتتفتح في وشنا!
عايدة باختناق
-انا تعبانه وهروح انام..
ثم اقتربت من فجر
-أجمدي كدا مش لازم يحس انك ضعيفة حتى ولو غلطانه، دا جوزك يعني أمانك مش نقطة ضعفك فاهمة!
ضربت سعاد كف ع الأخر
-روحي يا عايدة نامي الله يهديكي، روحي.
ثم ربتت على كتف فجر
-وأنت يا بنتي روحي اوضتك شوفي جوزك فين وراضيه!

فجر بهزل
-أنا هستناه هنا لحد ما يرجع..
-يابنتي قومي كلميه الأول اطمني عليه.
أومأت فجر بطاعة وتحركت بتثاقل نحو ( الصالون ) بينما سعاد اتجهت لرهف بعتاب
-عاجبك تصرفات أمك دي؟! هتفضل مدخله نفسها بينهم كدا.
رهف ببرود
-أنا مش عارفه أقف مع مين ولا مين غلطان، بس اللي فاجئني موقف ماما! معقولة تقف مع فجر ضد هشام!
التوى ثغر سعاد بسخرية ودندنت
-أهي عملت حاجة عدلة تشفعلها، بس دا ما يمنعش أن هي اللي خربتها.

بمجرد ما انتهت سعاد من جملتها فوجئت برنين هاتفها فسقطت عيون مجدي الصقرية على هوية المتصل فتبسم بمزاح وتخابث
-أممم ابتدينا عصافير نص الليل!
أحمر وجه سعاد إثر تلميحات مجدي السخيفة وتناولت هاتفها سريعًا وبتوتر
-طيب أنا هروح اوضتي بقا عشان تعبانه شوية.
صفق مجدي بمزاح وهو يضحك بصوت عالٍ
-سلامتك من التعب يا سوسو، ثقة في الداخلية هتسيطر على كل دا.
لكزته رهف بلوم
-بس بقا متحرجهاش!
مال جهتها بغمز.

-طب أي البيت فضا علينا، ما تيجي ونجيب مليجي!
-دانت قديم اوي ولوكل.
-طيب ما تقترحي الجديد أنتِ!
فكرت رهف لدقيقة ثم قالت بعفوية
-تيجي نروح سينما!
-والبيت والع كدا؟!
-هي حلاوتها في كده ها هتيجي؟!
-أجي جدًا، يلا بينا.
*****
-ألو!
أردفت سعاد كلمتها الأخيرة مجيبة على الهاتف بعد ما تأكدت من قفل ما غرفتها بحرج شديد، فأستقبلها نشأت بفرح
-كنت هزعل أوي لو مردتيش.
ارتبكت سعاد قليلًا.

-بصراحة فكرت أعمل كدا بس حسيتها قلة ذوق!
اندفع نشأت في الاعتراض
-كمان؟! مش كفاية أنك طيرتي النوم من عيني!
تعجبت سعاد بإنكار
-أنا؟! دا ليه؟!
-بقا بذمتك حد يرمي خبر زي دا ويقفل كدا! دانا فضلت ماسك الموبايل ساعه متنح؟!
جلست سعاد على فراشها مستمعة إليه باهتمام وهي تكتم صوت ضحكتها
-واضح أن معالي اللواء صبر كتير
-مخدتيش بالك من أول يوم قابلتك فيه ولا ايه، دا حتى الواد مجدي كان يقول عليا مفضوح أوي.

أحمر وجه سعاد و
-بصراحة كنت واخدة بالي جدًا بس كنت بكذب نفسي، وأقول يمكن عشان أنا حاسة كدا فبشوف كدا، مكنتش فاهمة حاجة و
قطعها متأملًا بتنهيدة ارتياح
-لا استنى كدا نوقف، انت قولتي إيه! حاسه ايه بالظبط!
شعرت أنها وقعت في مأزق وتحججت لتهرب
-نعم! مش فاهمة
-لا مش فاهمة أيه، أنت قولتي أيه كدا من الاول حابب أسمع!
-قلت أن الوقت اتاخر ومعاد نومي جيه!
اصدر نشأت إيماءة خافتة ختمها بضحكة مسموعة وبتخابث
-ابتدينا بقا!

-نعم!
تنحنح نشأت واتبع بحسم
-ندخل علي المهم، بإذن الله هكلم هشام واخد منه معاد بكرة نقعد سوا قعده عائلية قبل ما انزل الفيوم واقابل أهلك..
ازداد نبض قلبها، فعارضته
-بسرعة كدا؟! مش ناخد وقتنا!
بحزم
-وقت أيه يا سعاد، أحنا صغيرين للكلام دا، أنا مشدودلك وأنت كمان ليه التأخير؟!
-تمام يا سيادة اللواء.
مازحها نشأت
-لو مش واخدة بالك أنا شلت التكليف!
بإنكارٍ متعمد سألته
-يعني أيه!

-يعني أنا اسمي نشأت، نشأت وبس! اتفقنا!
اجابت بتلقائية ختمها الثنائي بضحكٍ
-تمام يا نشأت بيه.
يظلّ قلب الانثى صغيرا وبرقة فراشة، حتى تصبح أُمًا أو يلدغها الحب، فإذا ذاقت شهد أحدهما ؛ تحوّل القلب الصغير، إلى وطن يتسعك أيها الرجل و يتسع الحب والحياة والأمان!
****
-ندى، ازيك؟!
أردفت فجر جملتها الاخيرة بعد ما يأست من رد هشام عليها، فارقت ندى غرفة الاجتماعات وذهبت للغرفة المجاورة وقالت.

-يا جوجو، عاش من سمع صوتك
-في الدنيا والله يا ندى! ازعجتك؟
-لالا أنت تتكلمي ف أي وقت، مال صوتك!
زفرت فجر بضيق
-بكلم هشام مش عارفه أوصل له، وكمان مش بيرد عليا، قلت أكلمك يمكن تعرفي مكانه فين!
فكرت ندى للحظة، فسألتها
-انتو متخانقين!
-مش بالظبط، بس حصلت حاجة عصبته واتنرفز ومشي، وأنا قلقانة عليه جدًا.
جلست ندى على مقعد مكتبها بارتياح ثم قالت
-احكي لي حصل أيه.
فكرت فجر لبرهة ثم قالت.

-هحكيلك لاني محتاجة افضفض فعلًا، بصي يا ستي.
شرعت فجر في رواية ما حدث منذ لحظة لقائهم بذلك الرجل في الاسكندرية حد غضب هشام ومفارقته للبيت، اختتمت فجر حديثها بشهقة عالية من جوف ندى معارضة
-نهار مش فايت أزاي هشام يعمل كدا؟
فجر بحزن
-وأحنا في أيه ولا في أيه يا ندى، أنا بجد قلقانه وهو كمان عنده حق.
عارضتها ندى
-لا مش حقه يا فجر مهما عملتي يهينك كدا قصاد أهله، سوري أنت غلطانة.
فجر بعدم اقتناع.

-أنا مش فاهمة أنت قصدك ايه!
-بصي يا فجر يا حبيبتي، نوعية الرجالة دي هتطبطبي وتدلعي محدش هياخد على قفاه غيرك، مهما كان بيحبك، كرامتك ومكانتك قصاد الكل أهم الف مرة من الحب، أي فايدة إنك بتحبني وبتهيني! لازم تاخدي موقف مع هشام!
فجر برفض قاطع
-موقف أيه بس، بقول لك هتجنن عليه!
-اسمعي مني بس، أنت تسيبي البيت وتمشي دلوقتِ.
بصدمة
-نعم؟! لا طبعًا ما ينفعش.

-فجر أنت هتنفذي اللي بقولك عليه، لازم هشام يحس إنه غلط زي ما انت غلطتي وغلطته هو مش مبرره إطلاقًا!
-بس بردو ما ينفعش اسيب البيت وامشي هو هيجي وهنحلها بالعقل والموضوع هينتهي
-اه هينتهي يوم اتنين بس هيتكرر تاني، انت تسمعي كلامي وترجعي عند أهلك دلوقت ولما يحس بغلطه ابقي يجي لك!
فكرت لبرهة
-أنا مش مقتنعة لأ، كدا هنعقدها أكتر.
ندي بكللٍ
-خلاص براحتك، أنا بقول لك الصح وأنت حرة.

استعادت فجر تفكيرها مرة آخرى وقالت
-أقول لك أنت معاكي حق، أنا هرجع لأقصر دلوقت عشان هشام يتعلم الأدب.
ندي بفرح
-أيوة بقا هو دا الكلام، هشوف لك أقرب تذكرة وابعتلك عربية تاخدك على المطار، باي دلوقت
أوقفتها فجر
-ندى استنى! أنت عرفتي موضوع أهلي دا منين!
ضحكت ندى بثقة و
-يابنتي أنا اللي جمعت التحريات واديت هشام العنوان بع الجاهز، وزي ما ساعدته وهو وعدني مش هيزعلك، سوري لازم نعرفه غلطه.

-كمان؟! يعني مش هو اللي تعب، لا بقول لك اي شوفي لي اقرب طيارة نازلة الاقصر دلوقت.
ضحكت ندي بحماس
-خمس دقايق وهرجع أكلمك.
قالت أحلام مستغانمي أن
((الرجولة، في تعريفها الأجمل تختصرها مقولة كاتب فرنسي
الرجل الحقيقي ليس من يغري أكثر من امرأة بل الذي يغري أكثر من مرّة المرأة نفسها
التي تؤمن بأنّ العذاب ليس قدر المحبّين و لا الدمار ممرًّا حتميًّا لكلّ حبّ و لا كلّ امرأة يمكن تعويضها بأخرى. )).

الرجل الأحمق الذي يراهن على حب إمرأة اعتادت الغربة، والكوابيس المفزعة ليلًا وصقيع الوحدة، وأرصفة الطرقات التي سقت أشجارها بماء حزنها، إمراة كبرت على العزلة والهجر والنسيان، فتظن إنها تخشى أحدهم وتستسلم لك أيها الأحمق؟!
*****
الرجل الذي لا يغفر للمرأة هفواتها الصغيرة لن يتمتع بفضائلها الكبيرة
#جبران خليل جبران.

قضي سويعات عديدة فريسة للندم والغضب يجوب الشوارع بلا مقصد وبلا جهة، يشعر بنيران تشوي قلبه ودخان الغضب يعقد حلقته فوق رأسه، اعتزل العالم تمامًا بقفل هاتفه وقضاء ليلته كاملة في أحد المقاهي المُطلة على النيل، يعيد حساباته ويفكر بتصرفه، ويضع لها العذر تارة وسرعان ما يرفض كبريائه خطأها.

أصبح متربعًا على طاولة يجلس عليها قلبه ناحية اليسار وعقله جهة اليمين وغروره في المقابل، كل منها يدلو برأيه وتفكيره وكل ما يغفر العقل يثور الغرور أبيًا، ومع صوت أذان الفجر وضع قلبه الحكم الفاصل بين الاثنين وهو اشتياقه الشديد لها، بات قلبه بتوق بنيران اللهفة والشوق والندم الذي تركها تقضى ليلتها ضحية القلق والانتظار.

وكل عقله وغروره بالنيل ولملم شتات نفسه واتبع جماح قلبه النابض لها وقرر الذهاب لنيل رضائها حاملًا على كفه قربان الاعتذار..
صعد سيارته متجهًا ناحية المنزل ولكنه غير مسار سيره متبعًا اقتراحات قلبه باحثًا عن جواهري يعمل حتى تلك الساعة..

وعلى المقابل كانت فجر صعدت السيارة التي أرسلتها ندى واتجهت بها نحو المطار وفي الحين الذي يجوب باحثًا عن هدية مناسبة لها ولمقدار سخافته كانت هي في أعنان السماء محلقة في ضباب الندم والحزن والانتقام معًا..
*****.

انشق الصباح من عتمة الظلمة وعاد هشام الي منزله آخيرًا بعد ما أحضر هدية مناسبة لاعتذاره بدلا من المجوهرات، فتح باب غرفته فلم يجدها، دب براثين القلق بجوفه ولكنه ذهب سريعًا لغرفة رهف بعد ما طرقها عدة مرات بدون فائدة فتح الباب فوجد رهف بمفردها في الفراش..

تفاقمت الحيرة برأسه حتى أطاحت به يمينًا ويسارًا، ما الذي يفعله في هذا الوقت من الصباح، أكمل جولة بحثه للعثور عليها هنا وهناك ولكن بدون فائدة، خرج من غرفة مكتبه فوجد سعاد أمامه بعد ما انتهت من صلاة الفجر هبطت لتعد كوبًا من الحليب، اندفع إليها بلهفة دون أي مقدمات سألها
-طنط، فجر فين!
انعقد حاجبي سعاد بدهشة
-كانت مستنياك هنا فالصالون! يمكن نامت فوق!
-مش موجودة؟!
بدأ القلق يسري بقلب سعاد.

-لا يا هشام متقلقنيش! طيب شوفتها في اوضة رهف
-بقلق ملهاش اثر في البيت كله، انا بدات اقلق!
ضربت سعاد كف على الأخر بحيرة وتمتمت
-وآكيد يعني مش هتسيب كل دا وتبات مع عايدة! جرب كدا كلمها.
القى هاتفه على المنضدة المجاوره
-مغلق، حاسس برج من دماغي هيطير!
-دي إيه الحيرة دي يا ربي، طيب جرب كدا كلم ندى يمكن راحت لها!
بدون تفكير عاود الاتصال بندى وبعد العديد من المحاولات آخيرًا اجابت بصوت كله نوم
-هشام بيه!

بلهفة سألها
-ندي، فجر جات لك!
افتعلت الإنكار التام
-هو أنت ما تعرفش!
-معرفش ايه يا ندى، انطقي!
اعتدلت ندى في نومتها وواصلت مكر الانثى
-هى كلمتني بالليل احجزلها تيتك ع لأقصر، وبعتلها السواق وصلها.
جهر هشام بغضب
-نهار أبوها معايا أسود! انت ازاي تطاوعيها في حاجة زي دي
-بس هي قالت لي إنك تعرف! ومشغولة وانت اللي قولتلها تكلمني.
-كمان! اقفلي يا ندى.

قفل هاتفه قبلها أما عنها فانفجرت في غيبوبة الضحك المتواصل حتى طالعت الساعه وجدتها قرابة السادسة، ففارقت فراشها وتأهبت للذهاب لعملها بعد ما ألقت شرارة النيران في حقل غضبه.
انفجر بوجهه سعاد الذي طلبت أن يطمئنها و
-الهانم رجعت عند أهلها من غير اذني!
ضربت سعاد على صدرها بذهول
-نعم! مستحيل فجر تعمل كدا.
طاحت يده بالتمثال المجاور جاهرًا
-واهي عملت، وخليها بقا في بيت أهلها وزي ما مشيت ترجع!
ربتت سعاد على كتفه.

-أهدى يابني، طيب كلم حد من أهلها طمننا وصلت ولا لا.
-الهانم اتجننت رسمي! والله لأعلمها الادب من اول وجديد
-اخزي الشيطان يا هشام، أكيد زعلت منك!
طفح كيل صبر، فأرعد بصوته الأجش
-تزعل تسيب البيت وتمشي من غير أذني! أنا بقا هعرفها الزعل اللي على حق.
نهضت عايدة ورهف على صوته المخيف، وثارت عايدة بفزع
-مالك يا هشام!
رهف بخوف: صوتك عالي ليه؟

ركل المنضدة بقدمه بقوة حتى انقلبت وتهشم زجاجها وتبعثر بالأرض وغادر المنزل، بقلق كررت عايدة سؤالها
-هشام ماله يا سعاد!
-فجر سابت البيت ومشي!
رهف بصدمة
-يا خبر! ده هشام هيكسر عضمها!
انتهت عايدة من ربط حزام سترتها الحرير وقالت بفرحة انتصار
-والله جدعة، هي دي اللي هتربيه!
-مامي أنت مع هشام ولا ضده!
-أنا مع الحق، واخوكي مش هيتربى غير كده، يستاهل.
*****
-إحنا هنتحرك أمتى!

أردف فارس تلك الجملة بعد ما فارق غرفة ملاذه الدنيء وبيده زجاجة الخمر، تحركت ميان بعفوية من أمامه وقالت
-قريب أوي، خلاص اسم السيوفي هنمحيه من على وش الأرض!
تجرع رشفة أخرى من زجاجته وقال بتجاهل
-نفسي أعرف إنتي بتفكري في إيه!
رمقته بسخرية و
-فارس خليك في اللي أنت فيه!
لحقت بمجلسهم جيسي التي خرجت من نفس الغرفة التي كان بها فارس وهي ترتدي سترتها وقالت
-ميان مخططة على تقيل أوي، مستنية لحظة وقوع الأسد..

ثم طبعت قبلة سريعة خبيثه على ثغر فارس و أكملت
-هشام السيوفي ومراته مش في البيت، وتقريبًا في حاجة مش مظبوطة!
فكرت ميان للحظة و
-اللي هموت وأعرفه أزاي عرفوا مكان عمي! ازاي وصلوا للزفته رهف!
فارس بضيق
-البت دي عامله زي القطط بسبع ترواح!
رفعت ميان شعرها على هيئة ذيل حصان وأكملت بنبرة آمرة
-جيسي، عايزه الرجالة تجهز، وعينهم متنزلش عن الزفت هشام وعيلته، وأنت يا فارس صحصح كدا، اللي جاي تقيل وعايز دماغ فايقه!

دنا منها فارس بصدره العارٍ وبنظراته الدنيئة وهو يتجرع الخمر
-هفوق بس مش دلوقت!
حاولت الابتعاد عنه رافضة قربه الخبيث بحزم
-فارس مش وقته!
أشتعلت نيران الغيرة بقلب جيسي التي أوهمت نفسها بالانتصار على الجميع والزواج من فارس لتصبح هى سيدة التنظيم بمصر وقالت بتخابث
-أنا كام مرة افهمك أن بنت عمك محدش مالي عينها غير ابن السيوفي!

لاحظت ميان شرارات المكر التي تقذفها جيسي لتفكك جمعهم، وتحقق هدفها المنشود، وأخرى نظرات الغضب المتناثرة من فارس فأسرت في نفسها مكرها وسُم أفعتها الذي سيفتك بالجميع مجرد تحقيق هدفهم، وبذكاء امتصت غضب فارس الذي ستقدمه كبش فداء وأفشلت مخطط جيسي وهى تقترب من فارس بطريقة احرقت قلب جيسي وشرعت في تنفيذ مخططها ببراعة وهي تعانقه قالت بدلالٍ
-محدش يملى عيني غيرك يا فارس! دانت اللي باقي لي!
*****
( في الأقصر ).

بعد ما سردت لعمها خلافها مع هشام، وطلبت حمايتهم، وحقها منه، عارضها عمها كثيرًا رافضًا هذا التدلل والميوعة ولم تخل نظرات السيدات من النكران والاستخفاف واتهامها بالسخافة، حتى تفوهت إحداهن
-دا ضرب الحبيب زي وكل الزبيب..
لم تلتفت لسخريتهم بل ترجت عمها ألا يهاتفه، والا يطلب منها العودة إليه، لبى طلبها مرغمًا وبدون اقتناع قال
-اللي عاوزاه يابتي أنا معاكي فيه!
تلعثمت الأخرى وهي تغادر متمتمة
-دلع مِرق!

صعدت لأعلي في غرفتها التي باتت فيها من قبل وهنا استفرد بها الحنين وسن الشوق سكاكينه.
( حين غادرتك بارادتي أدركت إنني فارقت روحي معك )
تتقلب في فراشها كأنها تنام فوق حقل صبار شائك، تجوب بعيونها فالمكان باحثة عنه لم تجده، ارتفع صوت قلبها والفراغ الذي ينهش في صدرها، بات شعور الغياب ينهش بعقلها بدون رحمه..

تركت فراشها وذهبت الي النافذة كي تستنشق الهواء، وتتأمل زقزقة العصافير حولها، أصبح حالها كمن ينتظر حبيبه في مطار مهجور متأملا عودته بكل اللهفة والحب..
ذرفت دمعة من عينيها وهى تتوجع بحزن و
-طيب هو واحشني ليه دلوقت!
يظن البعض أنا الحب هو أن تحترق كي تكونا معًا، إنه لتفكير خاطيء ؛ الحب هو أن تحاربان الجميع معًا حد التوهج والضياء لا الاحتراق والفراق والألم..
****
بعد مرور أربعة أيام.

( قلبي ملء بحضورك حتى بعد ما غبت عنه )
قضى هشام أيام يحترق شغلًا كي لا يلحظ شوقه لها ولكن أنياب الليل لا ترحم، تجاهل الرد على الجميع، غلق الصندوق على حرائقه الداخلية ليحترق كليًا بين الشوق والغضب والغرور وكل منهما بنزين مسكوب على قلبه..
عاد إلى منزله بعد غياب ثلاثة أيام، بمجرد ما فتح الباب اندفعت إليه رهف وهي تقفز بين ذراعيه
-عارف لو مكنتش جيت كنت هنط واجيلك المكتب!
ربت على كتفها بشكرٍ
-أنا تمام!

ابتعدت عنه بثرثرة
-تمام أيه يا هشام؟! انت ما شوفتش نفسك كنت عامل ازاي! وكل ما اسأل عليك مجدي يقول لي في المكتب في المكتب! بتعمل اي فالمكتب ها؟! وبعدين أنت خاسس ليه مكنتش بتاكل!
أغمض هشام عينه بتثاقل كأنه لا يود سماع كلمة إضافية
-رهف اسكتي ممكن!
كتمت شدقها بكفها ملبية للحظة ثم اتبعت
-أهو سكتت! حلو كدا!
زفر باختناق
-أنا هروح أنام؟
تشبثت في ذراعه بإصرار رافضة ذهابه وسألته بوهن
-وحشتك!

لاحظت نظرات الايجاب والتحقير منه، ولكنها واصلت
-بلاش تبص لي كدا بقا! انا مبقتش صغيره خلاص، وبقيت عارفة وفاهمة كويس أوي يعني أيه حب ويعني أي قلب الانسان يغلي لما حبيبه يوحشه ومش قادر يكلمه.
رفع حاجبه باندهاش
-الواد مجدي دا بوظ دماغك، فكريني اربيه!
ضحكت رهف بصوت هادئ وهي تسحبه خلفها ليجلسان على أقرب أريكة وقالت بحنو
-تنكر انها وحشتك وهتتجن عليها.
بتمرد
-عادي يعني! هي غلطت ولازم تتعاقب!

-طيب وابنكم أيه ذنبه!
-رهف، اطلعي من الموضوع دا.
فارقت مجلسها وجثت على ركبتيها أمامه واحتوت كفوفه بحنان بالغ
-مش هكذب عليك وأقول لك كنت اتمنى لك واحدة في مكانة فجر، بس الزمن اثبت لي اني غلطانة، ومفيش واحده تستاهلك غيرها، أنت يا هشام صعب رغم أن جواك حنية الدنيا، وهى كمان الزمان خلها تستحمل اللي ما يستحملهوش بشر، ومع ذلك القدر جمعكم بعد ما هيأها ليك! اكتشفت انها هدية عظيمة أوي من ربنا ليك!

تأثر بكلام اخته للحد الذي انعكس على ملامح وجهه التي ارتخت بعد حدتها، اتبعت رهف بوهن تردد صداه بصوتها
-عندك استعداد تقابل واحدة تانية وتحبها غيرها!
رد تلقائيا
-لا طبعًا ايه الجنان دا!
ابتسمت رهف بحب
-شوفت! اديك اعترفت، هان عليك تسيبها بعيده عنك ٤ ايام؟! اتفضل روح هاتها وصالحها يلا
عارضها بضيق
-يا رهف انا ماقولتلهاش تمشي عشان اروح اجيبها!
-بس هي مشيت عشان انت زعلتها!
-ما هي اللي غلطت؟!

ذرفت دمعه من طرف عين رهف وبحنقة قالت
-بص يا هشام، انت متعرفش فجر ازاي انقذت حياتي، تعرف لو مكانتش عملت كدا أنا كان هيحصل فيا أيه، تعرف لو مجدي اتاخر ٥ دقايق بس كان هيجرى فيا أيه! فجر غلطت معاك مش هنختلف، خطأ اهون من كارثة كانت هتحصل؟! هو ده جزاة المعروف يا سيادة المقدم!

لان قلبه تمامًا واندلع من جوفه شعور بأن يطير إليها ليأخذها بين أحضانه ولم يتركها أبدًا، لم يستطع الرد إثر رنين صوت هاتفه من رقم أحد العاملين بالجامعة التى تدرس بها، اجاب على الفور
-ألو
الموظف بصوت فارح
-حبيت ابشرك يا سيادة المقدم، لسه شايف نتيجة المدام حالًا من الكنترول.
وقف كالملدوغ كأنها نتيجته هو و
-طمني يا حمدي!

-الف مبروك، امتياز ومش بس كدا دي الاولى على دفعتها كمان، انا بصيت فالقائمة اسم اسم وهي مكتسحة ماشاء الله!
تبدلت ملامحه العابثه لفرح يتراقص فوقهم وقال
-الله يبارك فيك يا حمدي، أنا مش عارف اشكرك ازاي، ولا ارد تعبك معانا من اول السنة ازاي؟! متشكر بجد!
حمدي بامتنان
-دا من فضلكم يا هشام بيه..
انهى هشام المكالمة معه فتدخلت رهف بفضول و
-مالك يا هشام
اجابها مهللًا بفرحة عارمة وقلبه يتراقص.

-فجر نجحت يا رهف، وكمان الأولى على دفعتها، انا هكلمها.
شدت الهاتف منه بحزم
-تكلمها مين، انت تكبس عليها كدا وتصالحها..
ثم اقترب منه متوسلة
-عشان خاطري يا هشام يلا روح لها، يلا.
راقت له الفكره فلملم أشياءه سريعًا واتخذ قرار الذهاب إليها، قفزت رهف بفرحة انتصار هاتفه
-يس!
*****
-أنا اسفة والله يا نشأت، بس أنت اكيد مقدر الظروف اللي فيها العيلة
أردفت سعاد جملتها الاخيره في الهاتف بأسف، فأجابها نشأت.

-والله انا فكرت اطلع على اخواتك على طول، مشاكل ولاد السيوفي مش بتخلص!
ابتسمت سعاد بهدوء
-لا ماهو لازم هشام عشان يمهد الموضوع لأخواتي وكدا وهما بيثقوا فيه جدًا.
بإجبار قال
-طيب يا ستي، أهو اتفق معايا على بكرة يارب ما يغيرش رأيه.
*****
( حل مساء اليوم )
قالت غادة السمان ذات مرة تحت لهب الغياب
أفتقدك وأحقد عليك، فأنت بغيابك تحرمني كل الرعشات التي يمكن أن تنتابني لمجرد سماع صوتك!

لم يختلف حالها عن الحالة التي وصلت لها فجر بل تفوقها، تتربع في منتصف فراشها تقرض أصابعها بغضب وهي تتوعد له وتنتوي له الشر والانتقام وعدم الغفران، ولكنها اتخذت خليلًا اخر لها طوال الايام الخالية منه وباتت تشكوه لابنه، كانت تحتضن بطنها برفق وتثور غاضبة
-شايف عمايل أبوك، سايبنا ولا فاكرنا اصلا؟!
ثم تنقلب متوعدة له
-عارف أنت كمان لو طلعت زيه هكسر دماغك!
ثم انخفضت متراجعة.

-ولا أقولك اطلع شبهه بس تسمع كلامي!
ثم اغرورقت عيونها بحزن
-طيب هو وحشك زيي صح!
قطع خلوتها مع ابنها صوت دق الباب، فسمحت للطارق بالدخول، إذا بزينة ابنة عمها تخبرها
-فجر، هشام جوزك تحت، وعايز يقابلك!
فزعت من مكانها بلهفة وهي تركض نحوها
-بجد، هشام تحت يا زينة! قولي والله كدا!
ضحكت زينة على طفولتها ولهفته فقالت
-اه والله قاعد مع عمو صابر وعمار تحت، وطالب يقابلك!

ركضت نحو المرآة لتلقى على نفسها نظرة سريعة ثم عادت إليها وقالت
-شكلي حلو، صح!
-والله قمر، وتجنني كمان!
حررت شعرها الغزير وهندمته وسألتها
-شعري كدا أحلى، هو بيحبه سايب، انا بقا هعمله كدا!
-والله قمر يا فجر.
تمسكت فجر بالكلمة
-بجد! تمام؟! انزلي قوليلهم أنها مش عايزة تشوفه.
حدجت زينة بذهول
-انت اتخبلتي!
-دا حتى مفكرش يرن عليا، ومش اول ما يجي انزل جري عليه، انزلي قوليله كدا، هي مش عايزه تشوفك! بس.

بدهشة ممزوجة بالتوتر
-بس؟! يا حلاوة! اومال ايه الفرح اللي كان من شوية!
-دا شغل بنات، انزلي بس قولي كدا.
-أمري لله.
غادرت زينة غرفتها وتركت الاجابة لفجر أخذت تبحث عن مبرر لرفضه ورفضه طلبه لم تجد رغم انها تستميت شوقًا ولكن كبريائها قاتل!
-أنت بتقولي أيه؟!
اهتزت زينة بارتباك إثر ثورة هشام المفاجأة التي ادركها سريعا وعاد ليجلس مكانه معتذرًا، تدخل عمار و
-طيب امشي أنت يا زينة!
ثم وجه حديثه لهشام.

-متوقعتش منك إنك تزعلها للدرجة دي يا حضرة الظابط
هشام مبررًا
-يا بيشمهندس انا بحاول اصلح أهو وهي اللي بتعند!
عمار بعتاب
-دا ما يمنعش انك غلطت في حقنا قبل حقها لما فكرت تمد ايدك عليها، وده لسه له حديت تاني
فاتبع صابر مؤيدًا
-انا كنت معاك وفي صفك لاخر وقت، بس واضح اللي مزعلها حاجة كبيرة، وحقيقي خذلتنا يا هشام بيه!
وخزات الندم أخذت ترهقه فقال مستئذنًا
-طيب ممكن اطلع لها! وكل حاجة هتبقى تمام
عمار بحزم.

-خليك أنت، انا هشوفها.
صعد عمار لفجر وبمجرد فتحه للباب شهقت فجر بلهفة ظنت إنه هشام ولكن فوجئت بعمها، استجمعت شتات أمرها واقتربت منه إثر سؤاله المتخابث
-متأكده إنك مش عايزه نشوفيه!
أحمر وجهها بخجل وتعمدت ألا تطالع عمها وقالت بحياء
-مش عارفة، هو كويس طيب؟!
ارتسمت ابتسامة النصر والتأكد من شكوكه وقال
-هو زي الحصان، أنت عايزه أيه وانا اعمله!
فكرت فجر للحظة.

-مش عارفة يا عمو، عايزاه يعرف غلطه وفي نفس الوقت مش هاين عليا اسيبه يمشي! أعمل أيه ساعدني!
ربت عمار على كتفها وقبل وأسها و
-حقك هيرجع تالت ومتلت، هو فاكر مفيش رجالة وراكي! بس دا ما يمنعش انكم تتكلموا يا حبيبتي، دا بردو جوزك وابو ابنك!
بلهفة سألته
-يعني انزله!
عقد عمار حاجبيه بانكار
-تنزلي مين! هو اللي يجيلك لحد هنا، ويتحايل عليكي عشان تتصالحي كمان!
-لالا دا مش مع هشام خالص..
باستنكار داعبها عمها.

-ولا هشام ولا ألف غيره، طيب والله لو ما جيه هنا حب على أيدك وراسك ماانت راجعه معاه، هتشوفي عمك هيعمل أيه!
بث الأمان ووميض من السعادة غمر قلبها، عكسه، كان الامر اشبه ببركان ثائر يتوق بداخله أوشك على الانفجار، تهتز ساقه بجنون ويزفر بين كل دقيقة والثانية حتى ظهر عمار أمامه، اقدم نحوه بأمل
-نازله؟!
اصطنع عمار الحزن وهو يضرب كف على الأخر
-للاسف، رافضة نهائيًا، معلش يا هشام سيبها يومين كدا يمكن تهدا!

ثار هشام بوجهه
-تهدا مين دي سابت البيت من غير اذاني يا بيشمهندس! يرضيك الكلام دا؟! وكمان مش عايزه تشوفني!
-ما انت كمان مديت أيدك عليها قدام ناسك ومحترمتش مراتك!
صمت للحظة أطلق فيها زفير الغضب وقال
-لازم اشوفها!
-رافضه يا هشام، ومش عايزة تشوفك.
تدخل صابر في حوارهم
-خلاص يا ولدي اركب لمرتك فوق وحاول صالحها!
عارض عمار طريقه بتحذير مما أغضبه أكثر
-دي فرصتك الأخيرة يا هشام ولو زعلتها أنا اللي هقف لك.

انطلق هشام مسرعًا تأكل نيران غضبه درجات السلم تحت نظرات عمار الظافرة وهو يغمز لأخيه هامسًا
-كويس إنك عملت كدا أصلا، بت اخوك هتموت روحها عليه فوق.
صابر بتعجب
-والله العيال دول هيجنوني على كبر! كانوا زي السمنه على العسل! إيه جرالهم؟!
-الواد زين قوي يا خوي، بس عصبي حبتين وبت اخوك عنيدة، هي دي مشكلتهم.
ربت صابر على كتفه وقال
-ربك يصلح حالهم يا عمار، تعالي نقعدوا نشوف هيجرى ايه!

فتح باب غرفتها بدون استأذن وقفله بقوة مما احدث صوتًا يعكس صوت ارتباكها، ساد الصمت بينهم للحظات، كعادة العشق أن حضر اقترن به الصمت، فمن في حرم العشق يستطيع الجواب!
فاق على صوتها المتمرد
-قولت مش عايزة اقابلك!
دار للخلف واحكم قفل الباب بالترباس، وعاد نحوها وأخذ يثني في أكمامه بتوعد وقال
-كمان لسه بتقاوحي!
وقفت في منتصف غُرفتها متظاهرة بالتمرد ولكن كانت بعيونها دعوة لشيء ما
-أنا حرة!

أخذ يكبح غضبه قدر المستطاع وهو يقترب منها ببطء
-حرة لما تكوني متجوزة حد غيري، أنت مين ادالك الحق تخرجي بره البيت من غير اذني!
بعناد تحدته فاشعلت أخر عود من الصبر عليها
-انت متجوزني مش مسجونة عندك!
وصل غضبه لذروته فعميت عينها عن التميز بين شوقه وغضبه، فوجئت بها بين ذراعيه اسيرة غضبه الجنوني وهو يعلن امتلاكه لها وقال بحزم
-انت ملكي! فاهمة!

بمجرد ما انتهى من جملته لم يمهلها الفرصة للحديث للتمرد للكبرياء، باتت تحت مخالبه تتلوى وتترجاه أنا يبعد، ولكن جنونه طاح بها، فأعماه كليًا، أصبح أمام اختيارين لتخمد نيرانه أما أن يقتلها لتفاقم أخطائها أو يُقتل بها، تحول رجائها وخوفها على ابنها لتغيب تام مستسلمة لأفعاله الجنونية بل بادلته من الحب عشقًا، مما اشعل حبها بجوفه أكثر وعاد الي اساليب انتقامه المرغوب منها، مهما كان شدة عقابه أهون من نيران غيابه.

لم يدرك الثنائي كم مر على ملاذهم الثائر المختلط بالحب والحرب، بدأت أن تفيق تدريجيا لتستوعب ألم جسدها حتى خرت باكية بين يديه من قسوة ما فعله بها ومازال مواصلا جوله انتقامه، بدأ يستعيد وعيه إثر توسلها وشهقاتها وانتفاضة جسدها الوهن وهى تترجاه كالطفلة الصغيرة أن يبتعد عنها.
ادرك أخيرًا حجم مصيبته التي اقترفها، تحول شوقه القاتل لها للهفة وهو يمسح على رأسها ويأخذها في حضنه ويسألها بجنون.

-انت كويسه؟! طمنيني عليكي، حاسه بايه! اجيبلك دكتور
انفجرت باكيه وهي تدفن رأسها في صدره وترتعش وتأخذ نفسها بصعوبة
-كنت هموت في ايدك يا هشام.
لم يدع إنش بها لم يطبع عليه قُبل اعتذاره وهو يضمها إليه بكفه المرتعش ويكرر اعتذاره حتى رفع وجهها وطالعه بخوف
-انت كويسة طمنيني!
أومأت بالايجاب وهى تأخذ نفسها بصعوبة
-انا تمام.
ثم وضع يده على بطنها وسألها مرة أخرى
-في حاجة بتوجعك!
بانفاسها المتقطعة.

-تمام، تمام يا هشام مفيش حاجة!
ضمها إلي صدره بقوة وهي يتنهد بارتياح وبعد ما القى لائحة اسفه أخبرها
-وحشتيني، وحشتيني أكتر ما تتخيلي.
سالت دموعها على كتفه وهي تلومه
-مينفعش يا هشام مش مبرر.
ارتخت قبضته فابتعدت عنه ماسحة دموعها
-لحد امتى مش هتعرف تتحكم في غضبك وحبك لحد امتى انا اللي هدفع التمن!
تنهد بمرارة
-فجر يلا نمشي نتكلم في البيت!
-انا مش همشي من هنا يا هشام غير واحنا متفقين على كل حاجة!

طالعها بحب يحمل الاسف
-حقك عليا مش هتتكرر تاني!
-هو ايه الي مش هيتكرر تاني؟! مد ايدك عليا! ولا تصرفاتك اللي كان ممكن ابننا يروح فيها!
تناول قميصه الساقط ارضًا وشرع في ارتدائه و بهدوء تام يخالف ثروته الكائنه منذ لحظات قال
-يلا بينا يا فجر وبطلي دلع!
-انت شايف حقي دلع يا هشام! يبقي ملهوش لازمة الكلام!
انتهى من ارتداء قميصه وقال بتريث.

-انا معترف إني بكون همجي في بعض الأوقات وبنفعل ومش بشوف قدامي، واظن دا مش جديد عليكي!
-مش جديد بس مش مضطرة اتحمله عمري كله، هشام انا مش عايزه ابقي خايفه منك.
-الطباع عمرها ما بتتغير يا فجر، بس انا بحاول عشانك ولازم تقدري دا لحد ما يبقى طبع..
-لحد أمتي يا هشام!
-معرفش، انا زعلان من نفسي فوق ما تتخيلي، بس أحنا ممكن نتفق، متعمليش الحاجات اللي تضايقني!
عارضته بحسم.

-متحطنيش في الوضع دا، وافضل افكر الف مرة قبل ما انطق، لا، انا مش هقدر اكمل كدا!
داعب وجنتها بحب
-هي حاجة واحدة متعمليهاش، انك تقرري تمشي، عارفه اليومين اللي فاتوا كنت بكلم نفسي زي المجنون، مكنتش قادر ارجع البيت وانت مش فيه، فجر أنا ادمنت وجودك في حياتي، غيابك بيهزمني، اعملي أي حاجة بس اخر اليوم ألقي حضنك!
لم تستطع أن تجيبها حيث قبضت على يده متوجعة إثر الالم الذي دب في رحمها فجأة فتملصت بتأوه مستغيثة.

-الحقني يا هشام، بطني بتوجعني!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة