قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثاني والعشرون

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثاني والعشرون

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثاني والعشرون

دائمًا كانت تستقبل صديقتي حزني وبكائي على رحيل حبيبي الوحيد بجُملة
-في يوم ما ستقومين من نومك لا تتذكرين أي شيء.
بحجم برودة ردها كان إشعال نيران الفراق بصدري! حتى فصلت قولها ذات مرة.

-لا اقصد نسيانه، ذاكرة القلوب لا تنسى أبدًا، ولكن ما أقصده هو شعورك نحوه، سيأتي اليوم الذي تسمعي اسمه ولم يتراقص قلبك كعادته، ستتساقط الأيام من بين يديك حتى تتوقفي عن متابعته، ستفقدين لهفتك المألوفة والزلزل الذي كان يصيبك بسبب عيناه، لحن صوته سيتلاشى تدريجيًا، لم تبهرك انجازاته العظيمة كما كانت تفعل انجازاته التافهة، ستتأقلمين الفراق حتى يصبح عادة، سيبقى حبه وستبقى ذكرياته وطيف من السعادة التي كان سببها يومًا ما ولكن لم يبق هو، ستقضين أعوام من تجاوزه ومثلهم أعوام باحثة عنه!

كيف ومتى تسرب منك رغم محاولاتك في ابقاءه حيًا بقلبك..
ربما تسرب من بين ثقوب الأيام، او تخلص منه جسدك بطرده ممزوجًا بدموعك!او اختنق بعروقك إثر الوزن الزائد الذي فُقد في انتظاره أو رصيده نفذ بداخلك وتحتاجين لإعادة الشحن!
مهما تعددت الأسباب فالنتيجة واحدة وهى تحررك التام من قيوده التي كبلتك بأصفاده لزمن.

لم اصدقها خاصة مع تفاقم الأمر سوءًا لأربعة أعوام وانا اتمنى الشفاء ولن اشفى، حتى أتى اليوم الذي لم تهتز شعرة بي عند سماعي عن عقد قرآنه على أخرى، بات الآن يُنسب لإمراة غيري، كشف قلبه الأحمق لأنثى لن تغمره بالدفء فيصاب بصقيع أبدي لا شفاء منه، أو لم يكشفه فسيعيش عمره كله أعزب القلب متزوج الهوية.

وسأظل أنا مغتصبة القلب، عذراء الهوية، لا تتذكر منه سوى كان هنا رجل طمس جميع الرجال بعيني ولكن لا اتذكره ولم اريده.

نهال مصطفى.

مرت قرابة النصف ساعة على فجر في غرفة العمليات عدت دقائقها ك سلك شائك على قلبه، قاطعه عمار بشوكه
-يابني قول لي جرالها أي بس، دي كانت زي الفل!
رفع رأسه المطأطأه بخزي
-معرفش، فجاة مسكت بطنها، انا خايف عليها أوي، هما اتاخروا كدا ليه؟!
تدخل عمها صابر في حديثهم وهو يربت على كتفه
-ربنا يجيب العواقب سليمة يا ولدي.
خرجت الطبيبة أنذاك وهى تنزع الماسك الطبي عن أنفها، فاندفع الرجال نحوها بلهفة سألها هشام.

-طمنيني، هي كويسة!
زفرت الطبيبة بضيق
-أنت جوزها!
هتف عمار بنفاذ صبر
-ما طمنينا يا ست الدكتورة!
-الحمد لله جات سليمة المرة دي..
ثم وجهت سهام اللوم لهشام وقالت
-ابقى خلي بالك بعد كدا، وراحة تامة مش أقل من شهر فالسرير، عشان ما يحصلش مضاعفات!
بمجرد ما انهت جملتها الناصحة، وصلها صابر بسؤاله
-نقدر نخش نشوفها!
-ايوه يا عم الحج، اتفضلو، ساعة كدا وتقدروا تمشوا.

انصرفت الطبيبة بعد القاء جملتها الاخيرة، فدخل هشام وتابعه عمار وصابر، كانت الممرضة تساعدها ف الجلوس والاعتدال ووضعت الوسادة خلف ظهرها، بلهفة برزت في نبرة صوته وهو يقترب منها
-انت كويسة!
تهجمت ملامحها بضيق عندما رأته ولكنه لم يستمر الحال طويلًا بمجرد ما ظهر أعمامها خلفه، ارتخت ملامحها الغاضبة، جلس هشام بجوارها بعد ما قبل جبهتها وكفوفها كإنه أود الاعتذار منها قُبلًا، كرر سؤاله بخوف
-في حاجة بتوجعك!

هزت رأسها بالنفي ثم رفعت أنظارها نحو السؤال الموجه لها من عمها
-ما كنتي زينه يا بتي، كان أيه جرالك فجأة!
تبادلت عيون الثنائي العاشق للحظة ثم عادت لعمها وجاوبته بخفوت
-معرفش يا عمو، فجاة كدا، الدكتورة قالت مجهود زيادة.
لم تخل نظرات الشك من عيون عمار التي أكل بها هشام وقال
-متأكده؟! يعني هشام مزعلكيش.
نفت سؤال عمها بإصرار
-لا والله يا عمو، هو اللي لحقني أصلا متقلقش!
عمار بعدم اقتناع
-مش مخبية حاجة عليا صُح!

ضمت كف زوجها بحب وقالت بهدوء
-دا اللي حصل يا عمو، وبعدين أحنا اتصالحنا خلاص.
ثم انشق ثغرها بابتسامة باهتة
-مش صح يا هشام!
استقبل سؤال بخجل من أفعاله الطائشه مقبلًا كفها و
-ربنا ما يحرمني منكم.
تدخل صابر
-طيب تعالى أحنا يا عمار نستنوهم تحت.
تدخل هشام بحسم
-اتفضلوا انتوا، فجر هتنام هنا والصبح هنرجع القاهرة، كفاية تعبكم معانا!
عارضه صابر
-كيف يعني تناموا فالمستشفى، وبيتنا راح فين؟!

فهمت فجر ما يشير إليه هشام، ونفذته قائلة
-معلش يا عمو، ربما تحصل حاجة وكدا ابقي تحت عين الدكتورة..
مال عمار على رأسها وقبله بحب و
-سلامتك يابت الغالي، ارتاحي والصبح هجيلك.
صابر برجاء
-خلي بالك منها عاد يا ولدي..
هشام بطاعة وهو يوصلهم لباب الغرفة
-في عينيا يا عمي ما تقلقوش.
قفل هشام الباب خلفهم، فهمس عمار لأخيه
-قلبي بيقول لي إنه هو اللي عمل فيها إكده ياخوي، مش مرتاح له.

-عقولك أيه يا عمار دا فالأول والأخر جوزها، يعني سترها وغطاها، وأحنا مالناش كلمة عليهم، سيبهم يصفوا حسابتهم لحالهم..
زفر عمار بضيق واتبع خطى أخيه كاظمًا غيظه، أما عنه فعاد إليها حاملًا بسمة اعتذاره فتلقتها بوجهها المكتظ وعاتبته
-شوفت تهورك وصلنا لفين يا هشام؟! ذنبه أي ابننا يدفع تمن تهور أبوه وامه!
مسح على رأسها بحبٍ وقال معتذرًا
-حقك عليا، الحمد لله جات سليمة!
انفعلت في وجهه باكية.

-ولو مجاتش سليمة؟! كنت هعيش ازاي واحنا قاتلين ابننا بسبب تهورنا وأنانيتنا! انا عمري ما كنت هسامحك ولا اسامح نفسي لو حاجة زي دي حصلت!
مسح دموعها بكلتا يديه وقال
-جات سليمة، أهدي خلاص أنا مش متحمل والله دموعك دي!
عاتبته
-والله؟! واللي انت عملته؟! مفكرتش للحظة فالعاقبة، ذنبه أيه الواد دا يحصل فيه كدا.
عتابها وصل لحزنها لقمة الوجع فصاح معترفًا بعنفوان وبدون وعي
-ذنبه اني بعشق أمه!

ادركت أنها امام رجل لا يعش إلا بجنونه، إما أن تتقبله هكذا ام ترفضه للأبد، أغمضت جفونها لينسكب منهما دموع الحسرة
-مش مبرر يا هشام، عمر العشق ما يوجع كدا.
أطرق رأسه أرضًا وأخذ يضرب الأرض بمقدمة حذائه مما يعكس توتره، انتظرت منه ردًا ولكن صمته كان قاتل، بدأت تفيق من غضبها لأعترافه الذي أعلنه للتو ف لانت صلابتها، ضمت كفه ووضعته على بطنها منتظرة عيونه تصوب إليها، وهي تقول بدموع لا تعرف مصدرها.

-معنديش ذرة شك في حبك، هنا بذرة حبنا يا هشام معنديش استعداد افرط فيها، مهما وصلت درجة حبك فهي ولا حاجة قصاد حبك في قلبي، بس الفرق ما بينا إني بحبك ومعترفة وراضخة للحب دا وليك، لكن أنت حبك فيه كبرياء، بتعبر عنه بتصرفات ترضى غرورك وبس.
اعتدلت في جلستها ومدت كفها الآخر لوجنته بحب وأكملت.

-كان فيها أي كلمة حلوة منك أنت وداخل، كنت هترمي في حضنك والله وانسى، لكن أنت مشكلتك ولا بتعرف تسيطر على غضبك ولا تمتص غضبي..
- دا مبرر تسيبي عشانه البيت؟!
اندفعت بدون تفكير
-ولا عمري فكرت، لو فتحت موبايلك هتلاقيني اتصلت بيك كتير، وكنت هتجنن عليك ومستنياك ترجع نتفاهم، للحظة اختلط عليا الامر بين كرامتي وحبي عشان كدا ما فكرتش هل اقتراح ندى اني امشي واسيب البيت صح ولا غلط!
اتسعت عيونه بدهشة
-ندى!

تراجعت للخلف عندما احست انها وضعت نفسها في مأزق، ضغطت على شفتيها بقوة وهي تطالعه بعيونها الواسعة منتظرة رد فعله، فلاحظت عصبيته التي يحتبسها بداخله فأدت إلى بروز عروقه وقال بحكمة
-شوفي يا فجر، أنا متقبل أن من حقك يكون لك صحاب، وندى كويسة وتربيتي، بس في حاجتين لازم تاخدي بالك منهم!
سألته بتردد وصوت خفيض
-أنت زعلت!

-مش حوار زعل، معرفش إذا كنتي تعرفي ولا لا، ندى اتجوزت واحد زميلنا سنة، وكانت بتحبه جدًا ومش بترفض له طلب، الولد ما قدرش دا، وسابها بعد ما امتص كل الحلو اللي جواها، وسببلها عقده نفسية.
اتسعت عيون فجر بصدمة
-ياخبر؟!

-مش هقولك ندا وحشة، هي مش عايزاكي تغلطي نفس غلطتها، عايزاكي تعملي اللي هي ما عرفتش تعمله! ودا غلط، كل اتنين ليهم تجربتهم الخاصة بيهم، مهما كانت صحبتك ووو مستحيل هتحس باللي بينا، ودا مع الكل، قديسية العلاقات دي لينا وبس، كلمة واحده ما بينا ما ينفعش تخرج لحد، ولا حد يبتدي يدينا نصايح وأعمل كذا وكذا!
وخزات الندم أخذت تقرضها فتفوهت بخجل
-أنا اسفة يا هشام!
لم يمنح أي اهمية لاعتذارها و.

-فجر مش أسفه وخلاص، أحنا اللي ناقصنا اننا نتعايش مع بعض بقلوبنا مش بعقلنا نسيب مشاعرنا تسوقنا، يعني انت قولتي أهو، كنتي مستنياني أرجع، فالوقت دا أنا حسيت بغلطي، وكنت بدورلك على هدية أراضيكي بيها وكنت هصالحك قدام الكل، وكان الموضوع هينتهي، صح!
بندم شديد قالت
-عارفه إني غلطانة، وغبية، واتصرفت غلط، ولما رفضت انزلك كنت مستنياك تيجي لي، عشان كنت هتجنن عليك ومكنتش هقدر احضنك قدامهم، فتلككت..

انشق ثغره بابتسامة خفيفة وشرع أن يحرك شفتيه ليجيبها ولكنها وضعت أناملها واتبعت معترفة
-لما تلاقيني متمردة وبنكشك وبعاند كدا، متتعصبش وتتحمق، اعرف إني عايزاك تصالحني بكلمة يا سيدي، أما انت بتيجي تكحلها بتعميلها..
ثم زفرت باختناق
-معقولة لحد دلوقت ما فهمتش طبعي ياهشام؟!
بنفس النبرة أجابها
-ومعقولة أنت لحد دلوقت مافهمتيش إني بتعصب واترفز وبعدين بروق وبنسى؟!

-كل يوم بحس إنه لسه في حاجات كتير لسه معرفنهاش عن بعض..
-بالعشرة هنتأقلم ونتعود ونفهم بعض اكتر، هي دي الحياة!
-معاك حق!
أكمل حديثه وقال
-مخلصتش كلامي اللي ابتديته، كدا عرفتي أن تجربتنا خاصة بينا مش بحد تاني يا فجر، متسمحيش لحد يقول لك تعملي ايه؟! أحنا مش في صراع مين هيكسب، أحنا ممكن نتخانق اليوم كله واخر الليل ملكيش غير حضني، دي حاجة، الحاجة التانية بقا.

كانت تطالعه بإعجاب شديد لحكمته وهدوءه الذي ارتاه كي يصل بهما لبر الأمان وقال
-ربنا عز وجل قال ايه (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) يعني إحنا ستر وغطا على بعض بالبلدي انا ماليش غيرك وانت مالكيش غيري، اه انا زعلتك ومعترف ومانكرتش دا، بس تكوني انت حكيمة وتهدي لحد ما نفهم، متروحيش تحكي لحد غريب عننا، علاقتنا دي صندوق مقفول يخصنا أحنا وبس..

ذابت الحروف على لسانها فلم تجد ما يعبر عن حالتها التي غمرها بها إلا عناق طويل، جيت على ركبتيها مرتمية في حضنه وعانقته بقوة وانخرطت زهور العين بعشقٍ على كتفيه وهي تشهق في حضنه طالبة
-متزعلنيش منك تاني، أنا ماليش غيرك والله!
ضمها إليه صدره كمن يضم طفلته وقال ممازحًا
-تبقي غبية لو زعلتي مني أصلا!
ضربته بقبضه يديها برفق وقالت بصوت متهدج
-ومتتعصبش عليا قدام حد فاهم!
أومأ بطاعة
-فاهم يا ستي؟!
-وتبطل همجية؟!

-هبطل حاضر لحد ما تولدي!
ضربته مرة أخرى بعتب وهي تقبل عنقه بحب
-لا تبطل على طول!
ضحك بصوت خفيض وقال
-هحاول!
ثم ربت على ظهرها بحنو وقال متخابثًا
-بس أنت كان في ايدك تمنعيني على فكرة!
ابتعدت عنه فجاة ووضعت يديها في خصرها
-دا اللي هو ازاي؟! انت مش بتشوف نفسك ولا ايه؟!
أسبل عيونه بمكر
-عيني في عينك كدا!
انعكس توترها في عيونها وقالت مترنحة وهي تتحاشى النظر إليه
-كنت واحشني على فكرة!

ما زال يعشق استسلامها وهزائمها المتكررة أمامه، داعب ذقنها الطفولي وقال بحب
-يلا طيب نمشي من هنا، ريحة الادوية كتمت نفسي!
تدللت عليه
-لا سيبني أفكر شوية!
وقف ثائرًا في منتصف الغرفة وجهر بتوعد
-ومن غير يمين يا فجر رجلك لو عتبت بره البيت من غير اذني لأكسرهالك.
ثارت على انفعاله المفاجئ وقالت
-شوفت اديك رجعت أهو، بقولك أيه طلقني!

وقف متسمرًا في مكانه محاولًا استيعاب ما قالته ولكنها لحظت مغزى كلمتها سريعًا فتراجعت للخلف منتظرة ردها على سذاجتها، تبادلت الانظار بينهم حتى انفجر الثنائي بضحك مرتفع وهو يقول
-أنت أد الكلمة دي دلوقتي!
هبطت من فوق فراشها فأحست بوخزة خفيفها بجوفها وسرعان ما تجاهلتها واقتربت منه وطوقت خصره بحب وهي تقول متوسلة
-الطيب أحسن، وبعدين انت اصلا معاقب، هي الدكتورة مش قالتلك؟!
بإجبار قال
-قالت ست الدكتور..

ثم غير مجرى الحديث وقال
-في خبر حلو عشانك..
رفعت أنظارها إليه بلهفة
-عشاني؟! بجد؟! قول قول!
-مبروك يا ستي نجحتي!
انعقد حاجبيها بحزن وقالت بقلق
-نجحت بس؟!
أردف بمكر
-أنت عايزة أيه تاني؟!
ابتعدت عنه منكسرة وتوجهت نحو فراشها بحزن خيم على قلبها وقالت بيأسٍ
-كان نفسي ارتب على الدفعة وكدا، بس الحمد لله!
فوجئت به يحضنها من الخلف ويطبع قبلة خفيفة على وجنتها ويدنوها منه أكثر وقال
-عيب تقولي كدا وانا اللي مذاكرلك..!

-يعني أيه!
-يعني حرم هشام السيوفي طلعت بتقدير امتياز ومش بس كدا دي الأولى على دفعتها، أنا فخور بيكي أوي.
قفزت من الفرحة في حضنه مهللة وهى تكرر سؤالها
-دا صح يا هشام؟! انت مش بتكذب عليا صح؟! انا طلعت الاولى بجد؟! انا مش مصدقه!
-اهدي اهدي مش عايز جنان ورحمة ابوكي، عشان الولا اللي انت ملزقاه بصمغ منتهي الصلاحة جوه دا بيتلكك.
ضحكت على مزاحه وقالت بارتياح
-انا فرحانه أوي.

ثم مدت جسدها واقفة على أطراف قدمها لتعانق وقائله بنبرة مطولة محملة العشق
-وبحبك اوووووي..
لا تدع الفرصة للفهوات الصغير أن تكون حاجزًا بين قلوبكم وبين تلك اللحظات التي تذوق فيها شهد الحب، نحن لا نجد أحبابنا في السوق أو على ذلك الرف في أحد المولات، نحن نتعثر بالحب حتي نعثر على ذاتنا، اتبع نظرية القفل والمفتاح، أن لمس الطرف الأخر مفاتيح دواخلنا نجونا من فخوخ الحياة.
كما قالت أحلام مستغانمي.

(‏استمتعوا بالحياَة في كُل فصولهَا وفِي كل لحظَة منهاَ، فمَن يصر أن يكُون سعيدًا سيعثر على السعادة).

( صباحًا )
-يا خالد انت موديني على فين بس، فهمني!
-طولي بالك عاد!
في الصباح الباكر بعد ما تناول فطاره طلب منها ان تذهب معه لمكان ما، بمجرد ما وصل عقد غمامة على عيونها ليهيأها لمفاجأته، كانت تتعرج في الخُطى يمينًا ويسارا متخذة من ساعده مسندًا، بعد عدة دقائق من السير هتف
-بس، وقفي عندك!
ثم صاح بتفاخر وهو يفتح ذراعيه
-اي رأيك؟!
ضربت الأرض باعتراض
-رأيي في أيه يا خالد! وانا شايفه حاجة!

ضرب على جبهته متناسيًا وشرع في رفع الغمامة
-ايه رأيك؟!
كانت الصورة مشوشة أمامها، تتراقص جفونها بصعوبة حتى وضحت الرؤية وقالت
-انا فين؟! وايه دا؟!
-فكري اكده كان أي حلمك زمان ونفسك تحققيه؟!
حاولت ان تسترجع الذاكرة وقالت بفشل
-مش فاكرة، متسبنيش كدا! قول!
طوق خصرها بحب ودار بها نصف دائرة.

-انا جبت الأرض دي، ومن بكرة هطلع التصاريح ونبتدي نبني في المدرسة اللي هتلم عيال البلد كلهم، يلا خلصي جامعتك عشان انت هتكوني مديرتها.
شهقت بدهشة
-انت عتقول ايه؟! هتبني المدرسة يا خالد! انا بجد مش مصدقة وداني.

-لا صدقي يا قمر، العلم نور واحنا لازمًا ننور عقول العيال دي بعيدًا عن الزرع والفلاحة والغيط اللي دفنهم فيها عمي، انا هبني القرية دي على كتافي لحد ما تبقى جنة على الأرض الكل يحلف بيها، عايز امحي اثر الدم والطمع والظلم من على ترابها، اللي جاي كله خير يا قمر!
طالعته بإعجاب
-انا حاسة قلبي هيقف من الفرحة يا خالد!

-سلامة قلبك، ومش بس اكده احنا كمان هنعملوا محو أمية للستات ونبدأوا نعلموهم القراية والكتابة ونهتم بدور تحفظ للقران، هنسهل الدنيا عليهم، بدل ما كانوا يضربوا مشوار ساعة للمدينة عشان يتعلموا احنا هنوفرلهم كل دا هنا.
غمرتها الفرحة حتى القت بها بين ذراعية مهللة
-انا عحبك قوي يا خالد، ربنا يخليك ليا ويجعل الخير على يدك.
ربت على ظهرها بحب
-انت اللي وش الخير عليا يا قمر، ربنا يقدرني وأسعدك.

عاد هشام وفجر من الأقصر في صباح اليوم وقضى الثنائي اكثر من نصف النهار في نوم عميق، نهض هشام فيه على صوت رنين هاتفه، فوجده اللواء نشأت مصرًا على أن يأتي في هذه الليلة، خجل منه هشام ورحب به خاتمًا جملته ب
-تنورنا معاليك يا فندم طبعا..
نهضت فجر بتكاسل شديد وشعرها الطويل منثورًا حول رأسها وسألته
-الساعه كام معاك!
وضع هاتفه بجواره ثم عاد ليتكئ على وسادته باسترخاء و
-المغرب خلاص..

ثم جذبها لحضنه غارسًا أنامله بشعرها وسألها
-أحسن دلوقت؟!
استند برأسها على صدره العاري وقالت بارتياح
-ايوه يا حبيبي، أنا بخير ما تقلقش!
عانقت أصابعه وسألته
-فاكر أول يوم اتقابلنا فيه! مين كان يصدق أن نهايته تبقى حضنك وطفل بعد سبع شهور هيملئ علينا حياتنا!
ذهب بخياله بعيدًا إلى هذا اليوم تحديدًا مع ضحكة خافتة وقال بتنهيدة.

-أنا من الأول مكنتش مرتاح للعنين دي، أول ما شوفتهم في مراية العربية حسيت إن في حدوتة كبيرة هتبدأ وأيامك اللي جاية سودة يا هشام يا سيوفي!
تركت يده بغضب واستندت بذقنها على صدره تطالعه بلوم
-سودة يا هشام؟!
لحق نفسه سريعًا
-ما هي عسلي وزي قرص الشمس أهي نورت حياتي وقلبي..
لم ترق لها مداعبتها فتقبلتها ساخرة و
-والله! بعد إيه بقا، خلاص عرفت اللي فيها.
-نتكلم جد بقا!
أصدرت فجر إيماءة خافتة تجلب بها أخره، فأكمل.

-طول عمري مقتنع إني هتجوز تقليدي وعيشه بحته مملة، وروتينية، اهرب فيها من البيت عالشغل!
بدلال سألته
-ودلوقت! أيه اللي اتغير!
طوق بذراعه خصرها فأصبح مغلف بالحرير والحب معًا وقال
-بقيت أهرب من الشغل عالبيت!
شق ثغرها بابتسامة عارمة جعلتها تتملص من بين يده متغنجة و
-اتعلمت البكش يا ابن السيوفي!
رفض ابتعادها عنه وجذبها اليه مداعبًا.

-قولتلك من أول متكبلت في العيون دي حسيت أن اللي جاي اسود ومهبب على دماغي، واديني أهو بكتشف نفسي معاكي.
سحرها بلحن كلماته العشوائيه الغير مرتبة، التي يقذفها قلبه دون تفكير، تأملته بلمعة إعجاب ختمتها بقبلة طويله كانت فوق قلبه النابض بحبها وسألته
-لو رجع بيك الزمن هتختارني!
رفع رأسه ليضعها تحت ذراعه الذي ثناه وأرجعه للخلف متنهدًا ثم أجابها بمداعبة
-بصراحة!
-اومال هتكذب عليا؟!
-لا
-لا اكذب عليا عادي!

انفجر ضاحكًا وهو يطبع قُبلة سريعة على رأسها و
-بجد يا فجر لو رجع بيا الزمن مش هتختارك، ههرب منك.
بقلة حيلة ووهنٍ وهى تفزع من حضنه
-أنت ليه ماتعرفش تكمل قعدة حلوة لينا للأخر، ليه بتعك؟! هاا ليه العك؟!
ضحك على عفويتها معتدلًا في جلسته، رجع شعرها للخلف الذي كان يغطي نصف وجهها وقال بعشقٍ.

-إني اختارك تاني، يعني بختار ضعفي وهزيمتي، وبسلمك مفاتيح كلبشات قلبي بعد ما قفلته عليك، وجودك سطو كلي علي كياني، أنت متخيلة واحد كان الهيرو بتاع كليته، وعامل رعب لأكبر الجماعات الارهابية، اسمه بيرن رن فالداخلية، ويجي بضعف الدنيا كله ويترمي في حضنك، مفيش حاجة بتحسسه بوجوده غيرك، أبقي هتجنن على كلمة أد كدا منك، شوفتي أنت عامله فيا أيه!
-وده مضايقك في أيه؟!

-مش مضايقني إطلاقًا، الفكرة كلها في إحساس الفشل، حاجة مش متعود عليها، وانا بعترف لك فشلت ؛ فشلت إني أجيب أخر لحبك، فشلت أعمل كنترول، بقيت حاسس إن في نار جوايا مهما اكلت مش بتشبع..
توقف عن الحديث للحظة لملم فيها شعرها كله على كتفها الأيسر فبرزت معالم جمالها، كلامه اصاب حلقها بحالة جفاف لا يرويه إلا لعابه، تنهد بصوت عالٍ ثم أكمل.

-ساعات بخاف عليكي مني! واثق إني عمري ما كنت هبقى مع واحدة غيرك زي ما بكون معاكي، لما كنت بفكر مع نفسي كدا وصلت لحاجة مهمة أوي، أن ربنا بيحط جرعة الحب المناسبة في قلوبنا للشخص بالقدر اللي يستحقه، كل واحد فينا بيتحب بدرجة معينة، وكون إني وصلت في حبك للدرجة دي ف دا رزق ربنا ليكي لإنك تستاهليه، تستاهلي إنك تتحبي وحدك لدرجة الإدمان..

أغرته لمعة عيونها وتفرغ فاهها بروز عظام الترقوة حتى رست أنظاره عندها، مال ليطبع قبلة طويلة على ترقوتها فأحس صوت إيماءتها الخافتة ثم أخرى سريعة على شفتيها ولكنه لاحظ تسمرها التام دون إبداء أي رد فعل أخر، لاح بيده أمامها
-روحت فين!
-ها! معاك
-لا مش باين!
ضحكت بعدم تصديق
-كلامك دوخني!
بانتصار
-حسي شوية أنت عامله فيا أيه! تيجي نعكس السؤال؟!
-بتردها؟!
اصر بحزم
-جاوبي يلا!
-بصراحة يعني لا، عمري ما كنت هختارك!

رفع حاجبه باستنكار
-العبي غيرها، الحركات دي بتاعتي أنا وبس؟!
كشف مخططها سريعا فغيرت مجرى الحديث
-بجد مكنتش هختار غيرك، عمري ما كنت أتخيل أن لوح التلج اللي القدر كعبلني فيه دا هيديني الحب دا كله، طول عمري بحلم بحب زي الأفلام، وفي نفس الوقت كنت بخاف من الحب جدًا عشان القليل منه مش هيرضيني، كنت اتمنى اتكعبل في راجل حبه يلف حولين قلبي فينوره، مش يخنقني، معاك حسيت بكل حاجة وعكسها
اقتربت منه اكثر وأكملت.

-انا مش عارفة ازعل منك، مش عارفه اغيب عنك، بقيت بتجري جوايا زي الدم، لقيت معاك الحب اللي خلاني أخلع عقلي وكرامتي وعنادي وارميهم من الشباك، معاك عريت قلبي قبل جسمي يا هشام، مش بقول لك كل حاجة وعكسها!
كانت ستكمل ولكنها توقفت للحظة كأنها تذكرت شيء ما وقالت.

-فاكر اليوم اللي رجعت لك فيه، وقتها كنت حاسه بنار بتاكل جوايا، كنت عايزة اطفيها بحضن واحد بس والله كنت راضية، وقتها كنت كريم معايا أوي، وبدل ما تطفي نار ولعت جوايا بركان مش عارفة اطفيه لحد اللحظة دي، الليلة دي معاك كانت ليلة بالعمر كله يا هشام!
-وباقي الليالي انا كنت بلعب فيها استغماية ولا ايه ياهانم؟!

انفجرت ضاحكة إثر تغير ملامحه ونبرته بمجرد ما خربشت على جدار ذكوريته، تفادت الأمر سريعًا بقبلة خفيفة على شفتيه
-اهدا، قصدي ليها ذكريات حلوة معايا، زي أول مرة في اي حاجة كانت ما بينا..
-اذا كان كدا ماشي!
قال جملته وهو يفارق فراشها ذاهبًا نحو خزانته يخرج منها ملابسه، تابعت خُطاه بأقدامها العارية التي تتراقص على عرش قلبه وسألته
-مين كان بيكلمك صحيح!

-دا نشأت بيه، جاي الليلة، هتعبك وأنا باخد شاور كدا شوفي مكان حلو اطلبي منه اكل وحلويات.
ساعدته في تحضير ملابسه وقالت بتدلل
-مفيش مشكلة، بس!
طالعها باستغراب
-بس ايه!
حكت كفوفها بارتباك ثم قالت
-انت مسألتنيش ليه على الراجل اللي قالنا مكان رهف!
حاول ألا يهتم بالأمر وقال وهو يرمي ملابسه على كتفه
-طالما مظهرش لحد دلوقت يبقى خير، متشغليش بالك.
تناولت ملابسه ووضعتها على كتفه وقالت بتخابث
-انا نفسي في حاجة كدا!

-حاجة أيه؟!
تحمحمت كثيرًا حتى قالت
-مش محتاج مساعدة
ضحك بصوت عالٍ مفعم بالسخرية
انت تختفي خالص
-ازاي يعني مش فاهمة!
جذب ملابسه من فوق كتفها وقال بصيغة أمرة
-لما الدكتورة بتاعتك تفك الحظر ابقي نشوف الموضوع دا، غير كدا اتجنبيني خالص يا بنت الناس.
ثارت غاضبة
-تصدق انا غلطانة!
-طبعًا غلطانة..
-أف، امشي يا هشام!

انفجر ضاحكًا على ملامحها الثائرة كطفلة ذات الخمس سنوات وهي تزفر بقوة، امتص غضبها سريعا بقبلة على رأسها وقال
-دا لمصلحتك يا عبيطة!
ابعدته عنها مرغمًا
-مش عايزة منك حاجة وسع كدا!
ثم جهرت
-هكلم ندي اعزمها يا هشام!
قفل باب الحمام وهو يقول
-اعزميها يا ستي.

( بعيدًا في أمريكا )
حل زياد مريال المطبخ بعد ما أعد وجبة الغداء التى وعد بها بسمة، ذهب إليها مترنحًا، وبتفاخر
-عملت لك شوية كشري بتكات الشيف الشربيني ما لهمش حل!
فكت ساقيها المثنية بتثاقل ثم شكرته مجاملة
-تعبت نفسك، مكنش له لزوم!
فارق مقعده وجلس بجوارها وقال
-وبعدين في البوز ده؟! لو متفردش هفرده بطريقتي!

شردت بعيدًا في بحور حزنها دون أن تهتم بمزاحه مما اصابع بضيق لعجزه عن تفريج حزنها، قبل كفوفها بقبلات عديدة وقال
-احنا مش اتفقنا أن دا اختبار من عند ربنا، وهنستحمله!
صاحت بوجع
-ليه أنا؟! انا كنت مستنية اليوم دا..
-اشش؟! انت هتفشلي في الاختبار من أوله! داحنا لسه بنبدأ!
اجهشت بحرقة
-قلبي واجعني أوي يا زياد، حاسه اني فجاة خسرت كل حاجة، حتى انت مسيرك في يوم تختار نفسك!
زياد بقلة حيلة.

-ياستي انت عايزة تمشيني من حياتك ولا خلاص؟! انا قاعد ومتربع على قلبك أهو، فكيها بقا وبطل نكد! اقولك على حاجة كمان اعتبريني ابنك وربيني من أول وجديد، هكون مؤدب وهسمع الكلام.
ابتسمت رغم عنها ثم انكمشت في حضنه راجية
-متسبنيش، أنا بحبك أوي والله؟!
ربت على ظهرها وقال مداعبًا
-في حد عاقل يسيب القمر دا، المهم عندي ليكي اقتراح كدا هقولولك وأحنا بناكل الكشري!
بصوتها الخفيض
-اقتراح ايه؟!

-هقول لك بس توعديني تقومي تاكلي بعدها.
-في ايه؟! مش فاهمة حاجة!
-انا لما بعدت مع نفسي افكر ايه حكمة ربنا في حاجة زي دي، بصيت للموضوع من زاوية تانيه..
-أيه هي؟!
مسح على رأسها ليطمئنها وقال
-نكفل بيبي من دار الايتام او اتنين اللي انت عايزاه؟! أيه رايك!
فكرت للحظات محاولة ادراك اقتراحه حتى اتسعت ابتسامتها تدريجيًا
-دا بجد؟! احنا ينفع نعمل كدا؟! ويبقى ابني ويتكتب باسمنا؟!
تحمحم بخفوت ثم قال.

-هو طبعًا ينفع، بس حوار الاسم وكدا مش عارف، بس هنحاول، بس اظن أن الامر متيسر هنا في أمريكا عن مصر..
صمتت للحظة ثم قالت بلهفة
-عندي اقتراح، احنا نعمل كدا، ونتبني طفل من هنا ولما يعدي وقت مناسب ننزل مصر، بس مش عايزة حد يعرف موضوع إني ما بخلفش دا يازياد، الموضوع صعب أوي!
فكر في كلامها ثم قال
-بصي احنا نسأل شيخ، ونشوف رأي الدين ايه، اتفقنا؟!

اخيرا رأي ابتسامتها الواسعة محفورة على وجهها وهي تعانقه بحب لتشكره
-شكراً اوي يا زياد، انا حقيقي فرحانة، فرحانة جدا.
-ها؟! ناكل الكشري بقا؟!
قفزت بحماس
-يلا، انا اصلا هاكل الكمية كلها..
لم يكملا طريقهم نحو المائدة، فقطعهم صوت جرس الباب، غير زياد مسار خطوته ليفتحه، إذا ب نانسي تتنهد بصعوبة وتقول راجية
-مفيش وقت يا زياد، لازم تمشي من هنا فورًا..

حل المساء واحتشدت الأسرة كلها بمنزل عماد السيوفي، وكان الجميع في انتظار اللواء نشأت، بإلحاح شديد من رهف وندى وضعت سعاد بعض لمسات التجميل بين غزل ومداعبات الفتيات حولها، أما عن فجر اهتمت بتجهيز الطاولة ورص الحلويات في أطباق التقديم..
وعلى الجانب الأخر يقف هشام بجوار ابن عمه الذي فرك كفوفه بحماس متوعدًا.

-ورحمة أبوك يا سيوفي لو ما خلتني اتجوز قبل العالم الكُبره دول لاقتل اختك واقتل نفسي واريحك مننا خالص..
بنبرة حادة
-انت بالسلامة مالكش دعوة باختي!
-ياعم هو أنا ضرتك؟! ليه معاملة مراة الأب دي! ليه عايز تحرمني من نعمة أنت غرقان فيها! هو أنا ما بصعبش عليك!
اشعل هشام سيجارته بفظاظة
-والله انت صعبان عليا ومش عايزك تلبس!
-لا لبسني انت بس؟! بص احنا نخلي الفرح الخميس الجاي! قولت ايه؟!
بجحود.

-قولت مافيش فرح غير لما زياد يرجع!
مجدي باستنكار
-نعم؟! دانا اصورلكم قتيل هنا؟!
لمحت عيونه دخول فجر للمطبخ مرتدية قفطان مغربي احضرته لها عايدة ضمن العديد من الملابس التي ملأت خزانتها فكانت في غاية الجمال ففر من جانبه متحججًا
-هروح اشرب ميه، شوف لك حاجة مفيدة!
لمحه مجدي وقرأ لمعة عيونه، ف جز على فكيه مغلولًا
-هتروح من ربنا فين؟!

وصل هشام للمطبخ فألتقمت عيناه تفاصيلها المنحوته والتي يبرزها القفطان بمهارة، سحب نفس من سيجارته وما انهاه ففرغه بوجتنها قُبلا وقال
-اي الحلويات دي؟!
-المحل دا شغله تحفه ياهشام؟!
-ومصنع الحلويات اللي تحت أيدي دا هو اللي تحفة بجد؟!
دخلت رائحة دخانه لأنفها هسعلت بقوة مما ثار غضبها، فشدتها منه وألقتها بالحوض ونهرته معاتبة
-حرام عليك نفسك يا هشام؟! وبعدين فيك!
ثم أكملت سعالها بقوة وقالت.

-احنا مش اتفقنا هتبطل الزفته دي؟!
اقترب منها ليحضنها ولكنها أبت بحزم
-طول ماانت بتشربها وريحتها فيك متقربش مني لو سمحت.
-خلاص بقا، مش هتتكرر يا ستي!
حملت طبق الحلويات وقالت مهددة
-وعقابًا ليك شوفلك اوضة تانية نام فيها النهاردة!
قالت جملتها وانصرفت من أمامه على الفور، مما جعله يشع غضبًا وهو يسب مجدي.

-هي عين مجدي انا عارف! اما ربيتك؟! وبعدين هي حبت موضوع العقاب دا هي والدكتورة بتاعتها؟! هو في ايه؟! انا متجوز عشان اتعاقب!
على المقابل كان مجدي يصافح اللواء نشأت اخذ منه علبة الحاوى ورحب به مناديًا على هشام الذي اقدم مسرعًا وتبادلت السلامات، حتى عايدة بعد ما رحبت به عادت الي فجر وسألتها
-كله تمام!
فجر باهتمام
-بصي كدا لو حاجة ناقصه نطلبها؟!
-لالا كدا حلو أوي، نادي عليهم بقا من فوق؟!

ما لبثت أن تنتهى من جملتها فوجئت بهم على السلم، فهللت فجر
-اهم نزلوا؟!
مالت عايدة على اذانها
-شوية كدا وابقي طرقي مجدي وهشام يروحوا يجيبوا العشا، عشان نسيبهم مع بعض شوية، فهماني؟!
رحبت فجر بالفكرة بحماس
-عينيا، حلو أوي دا..

ما هي الإ دقائق محدودة وتجمع أهل البيت كدائرة منعقدة لم تخل من مزاحات مجدي ومشداته مع هشام، ومداعبات ندي ولطفها في التعامل، حتى رهف انضمت لحديثهم الفكاهي وطال حديثهم قرابة الساعة، صاح مجدي شاكيًا
-انا جاي طالب العدالة، نشأت بيه يرضيك عمايل هشام؟!
هشام بسخرية
-يابني ما يمكن قاصد اطفشك؟!
-تطفشني؟! وانت رايك أيه يا هانم؟!
مالت رهف على ذراع اخيها بحب
-اللي يقوله هشام يمشي طبعًا..
بقلة حيلة اردف.

-أهو ما جبتش حاجة من عندي يا نشأت بيه! قول لي اشتكي العيلة دي لمين؟!
غمزت عايدة لفجر ففهمت ما تشير إليه وسرعان شرعت بتنفيذه منادية على هشام أن يتبعها، لم يصدق أذانه فنهض مسرعًا متبعًا خُطاها حتى تحت السلم في مكانٍ خفي وقال وهو يقفل زر بدلته
-لحق الشوق يجيبك بالسرعة دي؟!
خفضت يده وفتحت زرار بدلته الذي قفله وقالت بتحدٍ
-بتحلم يا سيوفي..
خطف قُبلة بسرعة البرق منها فأرعدتها للخلف وقال
-واحقق؟!

همست بصوت خفيض
-بطل بقا، المهم خد مجدي وروحوا هاتوا الأكل.
بغرابة وحاجبيه المنكمشة سألها
-ما الدليفري هيجيبه!
-يووه افهم بقا، خد ابن عمك وهاتوا الاكل من المطعم!
-ليه يعني يا فجر؟! تعب وخلاص؟!
-افهمه ازاي دا يا ربي؟! اسمعني، بصراحة كدا بوزعكم!
اتسعت ابتسامته الماكرة مرددًا
-بتوزعينا؟!
ثم أسبل عيونه الخبيثة
-متأسف، مش موافق؟!
-هشام بطل بواخة خليهم يقعدوا مع بعض شوية؟!
-المقابل ايه؟!
-االلي انت عايزه، يلا بقا؟!

استغل الأمر مستمتعًا
-ترفعي العقاب؟!
جارته في الحديث
-تمام رفعته؟!
-واقرب براحتي؟!
-حقك! مش همنعك!
-يعني ماادورش على أوضة تانيه انام فيها!
نفذ صبرها منه، واحتدت نبرتها الخافتة
-هشام!
ببرود
-لأ انت اللي محتاجاني يبقي اتشرط براحتي!
سايرته كمن يسايس طفل صغير
-اعمل كل اللي يعجبك، بس يلا بقا؟! خد مجدي واتعطلوا براحتكم.
ابتسم بهدوء و قال
-ساعة وهنرجع حلو كدا!

-حلو جدًا، يلا نادي على مجدي واخرجوا من باب الجنينه أقربلكم..
-ماشي يا ستي أوامرك.
ثم جهر مناديا على مجدي وأخذه وانصرف الاثنان من الباب الخلفي للمنزل، وما هي الا دقائق وخلى نشأت بسعاد التي كسا وجهها الخجل، راق لهم اقتراح سعاد وجلس الثنائي يتسامران بالحديقة..

وبالداخل اجتمع السيدات يتبادلن الحديث والضحكات والأحاديث المسلية وفي نفس اللحظة هجم جيش ميان على منزلهم بحرافية وحذر شديد حتى اصبح المنزل بأكمله تحت حصار فوهات أسلحة رجالها..
نزلت ميان من سيارتها واقتربت من الرجل الموكل بمراقبتهم وسألته
-كلهم جوه؟!
هز رأسه بالإيجاب
-كلهم جوه محدش منهم خرج، بس في ضيف عندهم دخل من ساعة كدا ولسه قاعد..
اندلعت ضحكات الحية وقالت لنفسها
-يبقى قدره يدفن مع عيلة السيوفي..

ثم أمرته
-استعد هنهجم.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة