قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل السادس

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل السادس

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل السادس

تعلم ألا تغوص في الحب بكامل إرادتك، وكل قلبك، لا تدع للحب فرصه أن يغير مسار حياتك كن أنت القائد، تدرج في الحب بتريث وتباطؤ كالغيث الذي لا يهطل فجأة، لابد من أن تسبقه غيمة الانبهار ثم تحركها رياح الأيام وتقلبها فيظل الصراع بين الغيم والرياح حتى يتغلب أحدهما على الآخر، وتكون النتيجة نهائية أما بسقوط المطر أو باستمرار ضباب الانبهار الخالي من أي مطر حتى تليها أشعة الشمس الأكثر انبهارًا وهنا تبدأ معركة آخرى، كن في حبك كالمطر لا يغرق الأرض حبًا إلا أذا انتصر ولا تكن كالشهاب الذي ينتهى بنفس ذات السرعة التي بدأ بها فيتلاشى كأن لم يكن.

في إحدى الجُزر النائية الكائنة بنهر النيل والتى تقع بالقرب من قرية بنى سويف، رست على شاطئها سفينة عملاقة ثم اصدرت صوت صفير مرتفع جمع كل رجالة الجزيرة بأسلحتهم الالية، وما هى الا لحظات فشرع الرجال في فض الصناديق من السفينة بحذر تحت عيون ماكرة سابحة في دخان سيجارتها كانت تقتنصهم أعلى نافذة في السفينة حتى انتهى الرجال من اخفاء الصناديق في مخزنها الكائن تحت الأرض وبمجرد ما أعطى كبيرهم الأمر لشخص ما على السفينة حيث اكتفى بإصدار اشارة لجيسي التى نهضت من مكانها بخطوات وثيقة ووقفت بالقرب من سور السفينة وأعطت الأمر لأحد رجالها بتنفيذ شيء ما، تحرك الرجال واخرج من جيبه رُزمة مالية وشرع في توزيع القليل من الورقات على الرجال كمن يمنح الصدقات لجواريه وهو يقول محذرًا.

-البضاعة دي لو نقطة ميه جات عليها بحياتكم كلكم، فاهمين
-أنا شايف إننا نمشيها ودي أحسن، قولتي إيه؟
قال مجدي جملته بعد ما رأي الرعب في عيون سلمى وأخذ يلقي على أذانها عريضة تهديداته وقال
-كنتي عايزة تقتليها ليه!
سلمي نافية لاتهامه
-انا ما كنتش عايزة أموتها هى كده كده ميته، كنت بريحها واريح هشام منها!
ركل مجدي الباب بقدمه غاضبًا
-مين اداكي الحق تعملي كده؟ ليه؟ اي الغل والحقد اللي جواكي دا!

تجاهلت سلمى اتهامته وأكملت متحدية
-الفيديو ده مش دليل كفاية واصلا صورتي مش واضحة فيه ولا هتعرف تعمل بيه أي حاجة.
رمقها مجدي بسخرية على سذاجتها
-يبقى متعرفيش مين هو مجدي السيوفي.
ثم صمت لبرهة واكمل
-معاكي يومين ترجعي فيهم ما كان ما كنتي، يومين وساعة زيادة هكون مقدم الفيديو للنيابة جريمة شروع في قتل شوفي بقى هتعرفي تخرجي منها ازاي!
اتسعت عيون سلمى بذهول
-هى مامتتش؟!
رفع حاجبه لأعلى وبنبرة شماته أجاب.

-شفتي الحظ! هااا قولتى إيه يا دكتورة سلمى!
الحب الصادق بين أي اثنين لا ينتهي بقرارات العقل أبداً ولا في لحظة غضب، حتى ولو بعد سنين! القلوب معقودة على ذمة عشق القلب للقلب لا نستطيع الفرار منه مهما بذلنا وعانينا وتجاهلنا وقفلنا الأبواب وغيرنا مسار طُرقنا، مهما فررت يبقى الرجوع للقلب المحبوب قسرًا كرجوع الغريب إلى وطنه بعد أعوام من الغربة.
-أنتِ طالق يا فجر.

أكمل هشام جُملته وختمها بقوله الأخير الذي استقبلته سعاد بندبة قوية علي صدرها وثقل الصدمة التي رست على لسانها فلم تستطع قول كلمة أخرى، فالجملة التي كانت كالسيف على قلب سعاد كانت كالسيف أيضا على شفاه عايدة فشقها بضحكة انتصار ملحوظة وهى تردد بمكر
-استعجلتوا ليه يا ولاد، كده بردو يا هشام تسمع كلامها!

وكانت أيضا كالسيف الذي قطع أي حوار مستجد بينهم، وقف الثنائي أمام بعضهما لبعض في دواماتهم التي تسحبهم لقعر المحيط معًا رغم تزاحم الاصوات حولهم ولكن صوت دواخلهم كان أكثر صخبًا، يطالعها فلا يرأى في عيونها إلا بريق دموع مأسورة خلف سياج القليل من الكبرياء والكثير من الصدمة، حاصر عوينات هشام لهب الندم الذي انعكس حرارته لعتاب في قلب فجر ( أطلقت سراح قلبي من ذمة قلبك بتلك السهولة! ).

يحدث أنك تَعتزل طرق الهوى بإرادتك وقد تَعتزلها رغماً عنك! قد تغلق قلبك امام الحُب لأنك لم تعد تحتاجه وقد تغلقه خوفاً من حطام آخر يصيبه، ياترى أي الاحتمالات التى اتبعها هشام لينطق بها ويعلن تخليه عنها للابد!
اصاب قلبها دوار الحيرة التى كست قلبها حيث تمنت ولو كان كل هذا كابوس وارتمت في حضنه لتشكو له عن مرارة تلك الكلمة التي اخترقت قلبها.

ترقرقت عيونها بدمعه فضحت أمرها وهى تتأهب للذهاب تلك الدمعة شوشت الرؤية أمامها فلم تر درجات السلم تحتها فاختل اتزانها الذي اعتدل بذراعه وهو يسندها بلهفة
-حاسبي.
كانت لهفته عليها عظيمة، واضحة في نبرة صوته وفي معصمه الذي ألتف حول خصرها رافضًا الانسحاب وكانها ألقت عليه اتكال روحها، عينيه التى قبلت معالم وجهها معتذرة عن خطأه الفادح.

تجاهلت فجر نظراته التي تمزق روحها والرعشة التي أصابت كيانها وألتقطت لمحة سريعة على قلبه الذي وصل صوت دقاتها لاذنها وقالت في نفسها بحزن
-هنا بالتحديد أضعت قلبي وضعت كلي فيه.
رغم أن الوضع لم يستمر أكثر من ثانية إلا أن عيونهم أوجزت كل المشاعر فيها، نصيت فجر قامتها وابتعدت عنه هاربة من ضعفها أمامه لتحتمى بغرفتها من تلك الفيضانات المتقلبة بقلبها.
اقترب سعاد منه بعتب.

-طلقتها يا هشام! وانت من امتى كنت بتسمع لها كلمة؟ بص لي هنا وقول لي عملت كدة ليه.
تدخلت عايدة بهدوئها المعتاد
-خلاص بقى يا سعاد هو أدرى بمصلحته، يمكن الطلاق ده في صالحهم .
أكملت سعاد معاتبة
-ياهشام يابني رد عليا، جرالك إيه.
-أنا هدخلها، هى مينفعش تمشي.
مسكته سعاد من يده وأوقفت مخططه
-سيبني أنا ادخلها.
ثم رمقت عايدة بنظرة حارقة وأكملت
-واتمنى تصرف الشيطان اللي عكنن عليكم حياتك.

ألقت سعاد نواة الشك في قلب هشام وغادرت ذاهبة نحو غرفة، بمجرد ما فتحت الباب اصدرت صرخة مدوية وهى تستغيث بهشام قائلة تعالى ألحق مراتك يا هشام.
اندفع بكل لهفته نحوها حيث وحدها في المرحاض تقيأ علقم واقعها وتسعل بقوة حتى أوشك أن تلفظ معدتها من شدة الوجع، نسي هشام كل ما حدث وجثي بجوارها على ركبتيه أمام المرحاض وهو يطوقها من الخلف وبيده الاخرى يسند صدرها المرتجف قائلًا
-على مهلك يا فجر.

قاومت باستماتة تعبها الذي أوشك أن يسحبها لقاع الإغماء وهي تستند بوهن على كتفه وتتنهد بصوت مسموع، أكمل هشام
-اجيبلك دكتور، متقلقنيش عليكي.
حاولت أن تستند على الحوض بجوارها لتقوم ولكنها اهتزت فلم تتردد يدي هشام أن تحملها بخوف وهو يحذرها
-بطلي عناد يا فجر.
صرخت سعاد خائفة وهى تسند ظهر هشام من الخلف
-بالراحة عليها يا هشام، نيمها علي سريرها هنا.

رغم تعبها إلا انها لم تمنع عيونها أن تعانق ملامحه لأخر مرة عن قُرب، أصبحت أمراة تدمن تفاصيله، خوفه عليها، الاطمئنان الذي يغمرها بين يديه جميعها مشاعر فريدة لا يحملها إلا شخص واحد رأينا السلام مقيمًا على جفن عينيه، تنهدت بكلل في حضنه قائلة بحسرة
-يا جوعي إليك بعد الفراق!
ارتاح جسمها في منتصف مخدعها وما أن نصب هشام قامته قال
-أنا هطلب الدكتور.
سعلت بخفوت ثم قالت.

-ملهوش لزوم، طنط سعاد ممكن تجهزي لي شنطتي، لازم ارجع قبل بالليل.
تضرمها عيناه قبلًا، حيث عارضها قائلا
-مفيش مشي من هنا يا فجر، طنط سعاد ممكن تسيبينا لوحدنا.
-لا طنط سعاد مش هينفع وتسيبنا لوحدنا، مابقاش ينفع، أنا بقيت محرمة عليك خلاص.

هربت الجملة من بين شدقيها فدهست قلبه المتيم بها حينما سطرت عاقبة غضبه بلسانها، هنا أدرك ما معنى كلمة أنت طالق التى تفوه بها غاضبًا، أصبحت بكلمك لا تعنيه، لا تنتمى إليه ولا ينتمي إليها، أطلق حراسها من قفصه للابد، لم يقصد كل هذا بكلمته هو كان يحاول أن يطاوعها فقط، حانت منه نظرة أخيرة الي سعاد فهمت مغزاها بالانسحاب بمجرد ما قفلت الباب عليهما تبادلت عيونهم بنظرات تحمل بين ثناياها الكثير حتى تنهد قائلًا.

-عاجبك اللي وصلنا له ده؟
تحاشت النظر إليه وكأن قلبها خشي أن يعيش الوجع مرة ثانية وقالت
-هو ده اللي المفروض كان حصل من زمان، اللي حصل هو الصح.

-بعادك عني هو الصح! إني اعيش هتجنن واطمن عليكي هو الصح من وجهة نظرك! اني اسيبك تمشي ومش مسموح لي حتى اشوفك ده صح! إنك تخافي ومتلاقيش حضني تستخبي فيه هو ده الصح! إني أسيبك لوحدك في الغابة دي بالنسبة لك صح! ليه يا فجر ليه وصلتينا لكدة! ليه مصممة تعاقبيني عشان حبيتك!
ازدرد ريقه بصعوبه وهو يتفرس في ملامحها وأكمل
-في بعدي راحتك!

وضعت في أصعب اختيار ممكن أن يوضع فيه الإنسان، بين قلبها المتيم به وقلبها النازف منه، أن يكون دوائك من الألم هو سبب جرحك فما هو الاختيار! تتحاشى نبش أهدابه لذكرياتها وقالت بحزن يتعارض مع دواخلها
-اللي حصل تصليح كل الغلط اللي عشناه من اول يوم اتقابلنا فيه، أنا بحبك وواثقة من حبك ليا بس الدنيا مش حبانا سوا، هنعمل ايه.
أغمض عيونه للحظة وقال رافضًا.

-فجر مش عايز فلسفة، الغلط الوحيد اللي حصل في حياتنا إني طلقتك، وهصلحه حالاً، ولو شايفه كل اللي فات من حياتنا كان غلط فأنا مش شايفه غير أصح حاجة حصلت عشان اقابلك.
مسحت قطرات الدمع من على وجنتيها وقالت
-وإن قلت مش عايزة اكمل معاك!
-تبقى أنانية وانت عمرك ما كنتي كده.
التعبير عن المشاعر قد يؤلم أحياناً والكتمان رغم ألمه وقسوته يبقى افضل، أصرت فجر على طلبها
-متصعبهاش عليا يا هشام لو سمحت.
نفذ صبره.

-أنتِ اللي بتصعبيها مش أنا.
وما أن اندفع قلبه لتلامس أنامله وجنتها ففزعت كالملدوغة من جواره وقالت
-هشام ماينفعش ؛ لو سمحت!
انعقد جبينه مذهولًا
-معقولة مش عايزة تغفري لي غلطة واحدة مع إنك أذتيني في شغلي وخدعتيني واخرهم هنتيني وقولتي السر اللي ما بينا قدام عايدة وسعاد ومع ذلك مش شايف غير بعادك جريمتك الوحيدة اللي مستحيل قلبي يتقبلها!
تشبثت بمعانٍ جملته الأخيرة وهو يلقي على اذانها أخطائها فتفوهت متحججة.

-شوفت بقى اننا مينفعش نبقي مع بعض! أنت هتعيش عمرك كله متأكد إنك صاحب فضل عليا، وانا هعيش عمري كله شيفاك وأنت مع واحدة غيري حتى ولو كانت لمرة واحدة، الدنيا نجحت انها تبعدنا يا هشام، خلاص مفيش حل.
-يعني!
-أنا راجعة مكان ما جيت، وأنت عيش حياتك لإني مش راجعة تاني.

سوف تأتيك الخيبات بمقدار الشعور الذي حملته بداخلك وأنفقته على شيءٍ ما، و في وقتٍ ما بسذاجة كبيره، تخيل للحظة حياته بدونها ولم يجيبها فأتبعت متوسلة
-هشام أنا هكون مرتاحة كده، سيب البعد يداوي وجعنا ولو مكتوبلنا رجعة صدقني مفيش قوة هتبعدنا، أنا محتاجة اخد هدنة.
طالبت باشياء أكبر من أن يتحملها قلبها لوحده ولكن معالم الكبرياء بجوفه تصددت أمامها قائلًا.

-لأخر مرة بقول لك سيبي فرصة للقرب هو اللي يداوي وجعنا مش العكس ؛ لإنك لو مشيتي من هنا مفيش رجعة، واللي بيقول لك كدا هشام السيوفي مش هشام اللي حبك يافجر، لانك بمجرد ما تمشي من هنا هتقطعي معاكي الايد اللي ماسكه فيكي.
-مش هتفرق، كدا كدا أنا مش هبطل أحبك.

‏تعلم إنها بقرارها سطرت شوك الوجع على مفترق طُرقتها التى ستخطوها حافية وحكمت على قلبها بمؤبد عادتهُا الإنتظار، وعادته ألّا يجئ، حرب كل أطرافها مهزومين لا يوجد بها ناجٍ.

هل يكفى ماء رقراق أن يذيب ملوحة جبال القهرة المتراكمة على قلبها! تصلب مكانه كالأبله؟ تحبه وتود أن تفارقه؟ متيم بها وحُرمت عليه القُبل؟ ما هذا الحب الملعون؟ ما تلك المعادلة الغير موزونة! طالعها بنظرة قوية يقول بها ( تمنيت احتضانك ولو ما بعده الموت) وبالفعل اقترب منها ليُلبي مطلب قلبه ولكن حركة يده تجمدت مكانها، رفعت جفونها لأعلى وبنظرة وهن تترجاه ألا يقترف فعلًا يهدم قراراتهم، فأومئ هشام مستسلمًا وقال بنبرة مرعبة.

-تمام! أنت اللي أخترتي، قدامك نص ساعة تجهزي فيها السواق هيوصلك على بلدكم.
تحاشت الحديث معه وانشغلت في لملمة ما تريده وما أن غادر غرفتها تنفست بارتياح كإن جبال الحنين المتراكمة فوق قلبها له تلاشت مع أخر خطوة له.
لم يعد هناك وقت للصياح و آهات الوجع، وأنين الحنين، تلك هى الخطوة الوحيدة التي ركضت لشهور على أن تحقق عكسها ولكن النتيجة المرجوة لا مفر منها.

غادر هشام شقته كمن هرب من سجنه للتو، كإنه رفض أن يكون بينهم نظرات وداع أخيرة، فراقها الأبدي كان يتأكل في جدار قلبه وأصبح يغطيه طوفان الحزن! وفي قلبها صدى صوت الوجع الذي دفنه بجوفه ( اقسم بسحر عينيك إنهم اول هزائمي، و اقسم بمرارة الشوق إنك آخر انكساراتى )
ضربت سعاد كف فوق الآخر وقالت بعتب لعايدة.

-روحي ربنا يحرق قلبك زي ما حرقتي قلب العيال دي! هتروحى من ربنا فين؟ قوليلي مبسوطة أنتِ كدا! منك لله يا بعيدة
انفجرت عايدة بوجهها
-وأنا كان مالي؟! دي نتيجة منطقية لعدم توافق الجواز! أنا ماشية هسيبلك الدنيا خالص.
-بعد ايه؟! بعد ما خربتيها؟!
-خلاص هتسافر بكره!
تلقت دمعة هاربة من طرف عينيها على ابهامها بحزن سكن معالم وجهها وهى تقول جُملتها الاخيرة، ترك زياد ملابسه على طرف السرير ودنا منها بحب.

-إلا لو قلت لي أقعد!
أطلقت انظارها بحريه فى ارجاء المكان وقالت
-أنت عارف إنه مينفعش مستقبلك أهم.
حاول اذابة جبال الجليد التى تكونت بينهم وداعب وجنتها متغزلًا
-ألا أنت كُنتي مختفية فين من الصبح.
ضربت يده باغتياظ لتبعدها عن وجهها وقالت
-مكنتش طايقاك.
-قلبك أسود أوي يا بسوم.
ابتعدت عنه هاربة نحو الخزانة لتفرز ملابسه التي اشتراها اليوم وتقول
- السويت شيرت ده كمان هيبقى حلو عليك، كويس جبت جاكت ووو.

شرعت بدفء اجتاح جسدها مرة واحدة وبات قلبها يتراقص تحت خيمة أنفاسه وهو يطوقها من الخلف ويقربها إليه
-وايه كمان!
ملك قابلها وليس قلبها فقط، تحمحمت بهدوء وهى تحاول الابتعاد عنه ولكن دون جدوى، فطلبت منه بصيغة آمره
-زياد، ابعد!
-ليه؟!
-هو إيه اللي ليه؟! زياد.
فقدان العقل فى الحب واجب وهذا ما افتعله زياد الذي تجاهل طلبها وانحنى ليرتشف من وديان عنقها وقال بشوق
-وحشتيني.

ضبط لمساته على لحن دقات قلبها التى جعلتها تهدأ تدريجيا بين يديه مستسلمة وهو تدندن حروف اسمه بأنين الحب
-زياد!
اطلق جشأة مكبوته ولكنها مسموعه وهو يضم ذراعيها الي صدره لتقع أسيرة تحت مخالب ذكوريته بصمت فاح لهب حبه، استسلمت كلها له حتى خرت كل قوتها واصبحت في يده كورقة بيضاء يسطرها كيفما راق له، ولكنه اكتفى بطبع علامات حبه على جدار قلبها وهمس بانفاسه المتصاعدة
-هنفضل كده لحد أمتى!

اتخذت عدة انفاس متتابعة ثم اومات غير مقتنعة محافظة على هدوءها الذي يخفي شوقها إليه
-لحد ما قلبي ينسى إنك كنت تعمل كده مع ألف واحدة قبلي.
فإن المشاعر التى تُدفنها فى مقبرة النسيان هى نفسها التى لم تكف عن مطاردتك للابد تلك الحقيقة التي مهما حاولنا الهرب منها كنا عندها، صعق زياد بجملتها التي ظن أنها غفرت ماضيه، ابتعد عنها بذهول وقال
-لسه يابسمة؟ لسه قلبك شايل؟

مسحت دموعها سريعًا محاوله تجاوز الموضوع وقالت
-متاخدش ف بالك، المهم ناقص إيه كمان.
حاول مسك كفها وقبله بحب و
-قوليلي إيه الوقت والمحاولات اللي محتاجاها عشان تنسي، بسمة أنا عايز يكون لي بيت وولاد واستقر، أحنا بنكبر.
-والوجع كبر معايا غصب عني؟!
مسح على شعرها بحب
-ما أنت مش مديه لي فرصة نداويه سوا.
ربتت على صدره باستسلام
-سافر يا زياد، يمكن السفرية دي خير لينا.

ما اصعب ان يمضى الانسان وهو حامل فى قلبه الحب، الاشتهاء في العودة، والحياه فى البقاء، أصبحت القاعدة السائدة هي أن المرء لا يُبتلى إلا فيما يُحب.

فتحت رهف باب الشقة وبثرثرة العتب
-يا مجدي كنت فين وليه التأخير ده كله، ها كنت فين، كنت بتخونني صح؟! بتخونني يا مجدي! انا كنت حاسة إن وراك سر، ماهو مش معقولة أكون مطلعه عينك وانت لسه بتحبني ومخلص ليا.
ركل الباب بقدمه بتأفف
-رهف مش فاضي لزنك، ابويا صاحي.
ضربت كف على الاخر يبقى كنت بتخونني يا مجدي، الهروب ده أكبر دليل على جريمتك.
جز مجدي على فكيه متأففًا
-بقولك أبويا صاحي ولا نايم.
زفرت باختناق.

-عمو أخد الدوا وقال هيريح شويه، وماما راحت تطمن على فجر وطنط سعاد كمان راحت لهم وو
دبت الحماس في قلبه بجُملتها وهو يسألها ويتأهب لفعل شيء ما
-يعني محدش في البيت هنا غيرنا، صح!
تراجعت خطوة للخلف بخوف
-في إيه يا مجدي، مالك؟!
حك مجدي يديه بحماس وغمز بطرف عينه
-طيب مفيش لقمة تسد جوع مجدي حبيبك.
ارتبكت رهف من اسهم انظاره الحارقة واستندت بظهرها على الحائط ودندنت
-أكل يعني!
مشطت أهدابه جسدها من رأسها للكاحل.

-حلوة البيجامة دي.
-بتاعت بسمة!
-تؤ مش مهم، هى حلوة عليكي.
لصقت ظهرها بالحائط مرتعده
-مجدي وقفتنا دي متصحش.
غمز لها بطرف عينه
-أومال ايه اللي يصح ؛ إني اخونك.
ضربت قدمه بكعب قدمها بغل وقالت محذرة
-كنت قتلتك.
رفع حاجبه مداعبًا
-ما أنت السبب، أعمل لك إيه!
غيرت مجرى الحديث وهى شارده في بريق عيونه وسألته
-اختفيت فين كل ده.
-ااممم مشوار كده، قرصة ودن للزفته اللي اسمها سلمى، كان لازم اروحلها البيت وو.

شهقة قوية اندلعت من ثغرها بذهول
-روحت لها البيت! نهارك الاسود! انا كان احساسي صح لما قولت إنك بتخونني.
في تلك اللحظة فزع الثنائي على صوت زياد خلفهم
-أنتوا بتعملوا ايه!
اتسع بؤبؤ عيني رهف وتضاعف خوفها، أما عن مجدي فأسبل عيونه معاتبًا
-ماقولتيش ليه إن زياد هنا.
اقترب زياد منه وبنبرة أعلي قال
-أيه اللي أنا شوفته ده؟! أنت يطلع منك كده يا مجدي!
اجابه باللامبالاة
-اااه عادي يطلع، شايفني رجل قدامك ولا رجل كنبة.

عمل زياد أن جدالها مع مجدي غير مُجدي فتحولت أسهم شكوكه نحو رهف
-وأنت ازاي تسمحي له يقرب لك كدا.
-وانا مالي، انا معملتش حاجة.
طالعها مجدي بعيون المكر وقال
-لا عملت، كانت بتاخد رأيي في بيجامة بسمة، ولا أيه! تنكري؟
اندفعت رهف صارخة بالنفي
-لالا والله يا زياد متصدقهوش، ده بيكذب، ده هو اللي كان بيقول لي أنها حلوة عليا وانا عيب ميصحش.

ما لبثت أن انتهت من جُملتها فركضت مسرعة من أمامهم لأنها أيقنت حفرة الاتهامات التى لا مفر من السقوط فيها، بمجرد ما اختفت رهف من أمامهم وجه زياد جملته لمجدي ممازحًا
-ما تلم نفسك يا عم أنت.
تنهد مجدي بنفاذ صبر
-ياخي هو ولا حرام ولا حلال ماشي معانا! هو في لعنة حلت على البيت دا؟! عايزه اتجوز يا زياد، واخوك هشام واقف لي زي اللقمة فالزور.
خربش مجدي على مآسي زياد حيث اندفع الاخير بنبرة حسرة وقال.

-ومين سمعك، أنا كمان نفسي اتجوز، بقي أنا زيزو اللي كان يفطر على نسوان يحصل فيا كده.
اتكئ مجدي على كتفه مؤيدًا
-الحب بيذل معلش.
-وابن عمك اتمسح بيه الاسفلت.
فتحت عايدة آنذاك الباب فألقت عليهم نظرة تعجبية وسألتهم
-أنتو واقفين كدا ليه!
أجاب مجدي على سؤالها بسؤال وقال
-مراة هشام عاملة إيه دلوقت؟
تنهدت عايدة بارتياح وهى تجلس على أقرب مقعد
-اطلقوا.
الاثنان في نفس واحد
-ايه!

انتهت ساعات اليوم التي كانت تحمل بين ثناياها الكثير من الأحداث والأكثر من الوجع، فبعد إلحاح كبير من سعاد بإقناع فجر ألا تذهب انتهى بها الأمر بإقتراح فكرة المجيئ معها ولكن فجر أصرت أن تعود بمفردها ووعدتها أنها ستعود في امتحانات منتصف العام، وأما عن هشام قضى يومه يتجول على قدميه في أرجاء القاهرة يستوعب ما مر عليه وما اختبىء بخزان الأيام كم هو مرعب، ظل يطالع كل الوجوه على أمل أن يأتي بها الحنين إلى دربه، ويصدح بأصوات الرفض كأن ما عاشه كابوس سيزول، كان قلبه يتعارض مع الحقيقة التي أدركها عقله جيدًا وهي معاندة القدر وإصرار قلبه على منحها وسام الخلود الابدي.

لم تنج عايدة من اتهامات سعاد التي لم تحرك بها جفن الرحمة ولا الذنب بل تلقت كلماتها متأففه مبرأه نفسها من أثم انفصالهم وعادت إلي غُرفتها لتقضي ليلتها بصحبة منير على صوت أم كلثوم والكثير من الضحك، خاصة إنها تعمدت ألا تخبره بحقيقة طلاق هشام وفجر.

تأهب زياد للسفر وضب حقائب ترحاله وقضي ليلته كاملة بصحبة بسمه في شرفة شقتها يتباولون الحديث والكثير من الضحك الذي يخفي ما وراءه من أوجاع الفراق الحتمي حتى أكمل عليه برودة الشتاء، فأستقل أول سيارة قابلته وعاد إلى شقتها الذي كان يحمل هم خلوها من وجودها.

أما رهف كاد أن يجن جنونها لإختفاء هشام وعجزها عن الوصول إليها، فشعرت بنيران تتآكل بجدار روحها لم تجد مفر منها سوى بركعتين ناجت ربها فيهما داعية ( يارب هو مابقاش له حد غيرك دلوقت، ممكن متسبهوش! وممكن تطمن قلبي عليه ) ظلت تردد جملتها بدموع الألم وتتضرع إلى ربها بإلحاح.

وصلت فجر إلى قصر زيدان وطلبت رؤية خالد الذي رفرف قلبه بسماع اسمها، فلم يصبر أن يرتدي جلبابه بالغرفة بل اكمله على درجات السلم وهو يكرر سؤاله بلهفة
-أنت متأكد أنها فجر بت صبري يا حماد! هي
-هي هي بنفسها يا جناب العُمدة، نزلت من عربية مغفلجة وقالت للسواق روح أنت وجات وقفت قدام البوابة وطلبتك بالاسم.
اندفع خالد بحماس
-روح روووح دخلها يا غبي، أنت سايبها بره في الجو ده كيف!

ركض الخفير صوب وفجر ودعاها للدخول وبمجرد ما خطت خطوتين وجدت خالد أمامها مرحبًا
-يامُرحب، يا ألف مُرحب يا ست البنات، اتفضلي اتفضلي.
تقدمت فجر بخطوات سلحفية حتى وصلت إليه وألقت عليه السلام ثم أكملت
-أسفه لو صحيتك بس.
-بس ايه يافجر يا بت الغالي، أنت تؤمريني أمر.
حيث تقمصت دور بنت البلد وتغيرت نبرة كلامها باللهجة الصعيدية.

-خالد أنا عارفه إنك كبير البلد دلوقتِ، وعارف كمان أن بيت أبويا مستولية عليه مراته، كنت عايزه مُطرح أبات فيه لحد ما ارسى على بر.
قطعها خالد بدون تفكير
-ياخبر يا فجر! القصر كله تحت أمرك، أنت تأشري بس.
رفضت فجر اقتراحها وقالت بحرج
-لا ابعدني عن القصر، شوف لي مطرح بعيد، حابة أكون لحالي.
-كيف مطرح بعيد وأنت لحالك يا فجر، مش هينفع اسيبك في بيت لوحدك فالبلد دي.
قطبت حاجبيها باستنكار.

-البلد كُلها أهلي وناسي يا خالد، مايتخافش منيهم، هتقدر تساعدني.
تردد خالد للحظة
-بس بردو يا فجر ميصحش، ماهي مش من قلة المطارح، ضواحي القصر كتيرة ومش لاقية اللي يسكنها.
رفعت فجر انظارها لأعلى فرأت دموع الحسرة والخوف بعيون قمر، نفسها التى تسكن قلبها، ما بكيت إمراة في كنف رجل إلا وكان هو من أبكاها، عاودت النظر إليه وقالت
-قولت إيه عاد.
-قولت لا اله الا الله يا فجر.

بمجرد ما انتهى خالد من جملتها اتبعها صياح مفعم بالفرحة من فم أيوب الذي اندفع إليها بكل شوقه لها دفن رأسه الصغيرة في بطنها بحب
-وحشتيني يا فجر، كلها دي غيبة، أوعي تقوليلي إنك معاودة مصر تاني!
-مش راجعة تاني يا أيوب، قاعدة على قلبك
نادى خالد على حماد بصوته المتراقص فوق أوتار الفرحة عندما سمع جُملتها الاخيرة وقال له
-هات العربية نوصل الست فجر للبيت الشرقي، ووكل خفيرين بحراستها.
رفضت فجر طلبه.

-لا ياخالد، ملوش لزوم.
-منا مش هابقى مطمن عليكي غير بكده.
تشبث بها أيوب بإصرار
-وانا هقعد مع خالتي فجر مش ههملها واصل يا خالد.
اقتنص خالد مبررا قويًا لرؤيتها كل يوم وتقبله بترحاب
-وانا موافق، أنت راجل وهتقدر تحميها يا أيوب، أنا واثق فيك.

ضرب النوم جفون هشام المنغلقة على الاريكة التى قضى عليها ليلته بالأمس، اعتدل ببعض من التكاسل الذي لم يستمر طويلًا ثم نصب قامته بشموخ كأن لا شيء حدث، وأخذ حمامه الدافئ وارتدى زيه الميري وطلب سيارة أجرة لتنقله إلى الشغل، وصل مقر عمله برأس مرفوعة وكأنه يريد أن يستعيد شخصه القديم بدلًا من ذلك الذي انهكه الحُب، تقدم نحو مكتب اللواء نشأت الذي ترك له رسالة بانتظاره في مكتبه بالغد، مجرد ما دخل وجد الجميع في انتظاره، وهلل نشأت فارحًاً.

-وأهو هشام وصل.
شرع اللواء نشأت بالحديث عن المهمة الجديدة وقال.

-في الفترة اللي فاتت كمية سلاح دخلت البلد ماهولة، قاعدتهم في البلد زادت ونشاطهم بقى على أوسع، الاسلحة بتدخل عن طريق الانفاق وبتكمل طريقها جوه البلد عن طريق البحر، ومصدر لينا بيقول أنهم مدخلين قنبلة حديثة مفعولها جبار، مدى انتشارها مرعب، ممكن تدمر البلد كلها في لمح البصر، أحنا لازم نتحرك ماينفعش نصبر أكتر من كدا، الأمر جاي من أعلى السلطات في الدوله، لأنهم بيخططوا لحاجة تقيلة ولازم نلحقها.

تدخل مجدي بحماس
-ايوه يا فندم بس أحنا هنعرف أماكن مخازنهم ازاي وهندور في أي اتجاه، البلد كبيرة.!
-ماهي دي خطتنا يا مجدي.
استمر تبادل الحديث بين اللواء والضباط لدقائق وكان هشام يستمع لهما باهتمام بالغ حتى وصلته رسالة نصية على هاتفه بها
-( هشام بيه أنا وصلت الهانم زي ما أمرت بس هي اصرت إني أوصلها عند عمدة البلد، وانا فضلت مراقبهم لحد ما خرجوا كلهم ووصلها لبيت في شرق القريه، هبعتلك تفاصيله ).

جُملة اشعلت النيران في قلبه ورأسه معًا، فلم يعي ما يقوله إذ كان مناسبًا لمجرى الحديث أم لا واندفع بإصرار
-نشأت بيه أنا عايز اتنقل بني سويف ارجوك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة