قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل السادس عشر

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل السادس عشر

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل السادس عشر

إلى الغائب طويلًا عن عيني ولم يغب ل لحظة عن قلبي..
لم يعد هُناك مُتسع للعتاب عن رحيلك عمدًا، قد سئمت!
ولكن
ألم يعد هناك ثمة من الشفقة على قلبٍ أحكم غلق بوابته عليك..
أخبرني
ماذا سأفعل عندما افتقدك؟ إلى أن أذهب عندما أتلهف رؤيتك؟ كيف عليّ أن اتوقف عن مراقبتك و عن انتظارك وعنك؟!
متى ستنتهي مراهقتي وأنا في الخامسة والعشرين من عُمري وما زلت ارى ملامحك بكل الوجوه!

ما زلت أخبر الجميع عن قصتنا التي انتهت قبل أن تبدأ!
ما زال قلبي يخفق لمجرد تخيل رسالة منك حتى ولو أرسلتها بالخطأ؟!
ما زال هناك قصرًا في مُخيلتي أعيش فيه منتظرة صوت مفتاحك لولوج فوهة بابه المنيع الذي لم يفتح لأحد سواك..
ما بعد الترجي..
أنا هنا انتظرك وانت هناك لا تتذكرني، ‏‏لكن الحكم الإلهية عادلة ‏ولا يمكن أن تترك إنسانًا ‏طيلة عمره يبكي ويتخبط.

‏لأن أهم الأماكن بالنسبة لقلبه تلفظه..!
غدًا ستقيم عليك الحد قسرًا أن تعود..
أو
النطق بالنسيان شنقًا على قلبٍ نبض بك ولك.

كانت تطالعه بنظرة فخر وكان يطالعها بنظرة قائد وقع في الأسر مرحبًا لمجرد أن حبيبته تقود جيش العدو، في نظري أن بعض الهزائم انتصار وخاصة في الحب، فياليت كل الهزائم تؤدي إليك، وأن يبيع المرء دنياه ويبتاع نظرة ممن يُحب مكتفيًا بأن يُطوق زفيره رئتيه، يا ليت الليت يكن، ولا يكون الليت بيننا سوى ذكرى أليمة نتذكرها عندما نختلف فيتحول خلافنا لاتفاق يعقبه عناق طويل..

كان الثنائي يقفان فوق المنصة المُخصص للرقص في أفخم الأماكن بالاسكندرية، كان متألقًا ببدلته الفاخرة وكانت ساحرة ببساطة ثوبها الأحمر الذي يبرز تفاصيل معالمها، ويعلوها حجابها الرقيق الذي ضاعف جمالها مع لمسات مساحيق التجميل الخفيفة..

كان الصمت بينهم سائدًا حتى يده المُلتفة حول خصرها كانت ثابتة كثبوت عيونه التي تتفتنها بانبهار، انخفض كف فجر الأيمن الذي كان يُعانقه ليستقر فوق قلبه متحسسًا نبضه وقطعت حبال الصمت بينهم متسائلة
-ساكت ليه!
طافت عينه للحظة في المكان و
-عايزاني أقول أيه!
ابتسمت بهدوء و
-عادي، سمعني كلام حلو مثلًا.
جذبها إليه بغته حتى اصطدمت بصدره الصلب شاهقة واتبع
-ساعات الكلام بيوظ أحساس اللحظة اللي عايشينها.

تتطلعت إليه بنظرة حب ممزوجة بالعتاب على تلك الرجفة التي قربها بها منه وقالت متدللة
-وافرض أنا محتاجة اسمع كلام حلو!
أقر معترفًا
-فاشل أنا في الموضوع دا، مش شغال معايا.
اتسعت ابتسامتها تلقائيًا ولمعت عيونها كنجوم الليل بحب يفيض منهما وقالت
-انا ممكن اتنازل واسمعك، أو اعلمك، أنت حابب إيه؟

ابعدها عنه قصدًا ليديرها أمامه كالفراشة إثر رفع صوت الموسيقى ثم ردها لقلبه مرة أخرى بلطف وهو يطوق خصرها مجددًا و قال بتلقائية
-انا بحبك أنتِ.
ألقى شدق الجُملة بدون إدراك مما جعل حاجبيه ينعقدا قليلا مع ظهور ابتسامة خفيفة على ثغره، فشقت الجملة قلبها وثغرها لنصفين بفرحه وقالت بظفرٍ
-أيوه بقا، ما انت حلو أهو، لازم يعني أرمي لك الطُعم عشان اصطادك!

ملامحه الثابتة التي لم تعكس أفكاره المشتتة كانت تثير فضولها لحد كبير، تحمحم بفظاظة و قال
-يجي مني يعني؟!
-ما نعكسها وأنا اللي أجي لك!
لم تمهله للحظة يُفكر في مغزى جملتها حيث فاجأته بقُبلة سريعة على وجنته إثرها عادت بحياء مندسه برأسها ع صدره وهى تغمض عينيها بخجل وتسمعه
-أنت عارفه أن نتيجة تصرفك دا هتكون إيه.
-دا مجرد عربون، كل كلمة حلوة هتقولها بمفاجأة!
ضمها إليه أكثر وقال ممازحًا.

-دا إيه العرض اللي يفتح النفس ده علي الحياة من أول وجديد!
اكتفت بأن تحوط خصره بكلتا ذراعيها متنهدة بارتياح ثم رفعت رأسها و سألته بفضول
-أنت ما قولتليش أي هي مواصفات فتاة أحلامك قبل كدا؟!
-نومي تقيل، وما بحلمش.
-انت رجعت رخم تاني ولا ايه؟
-هكذب يعني!
ابتعدت عنه قليلًا لتتقابل أنظارهم وسألته
-يعني مكنش عندك مواصفات خالص! دا إيه الكآبة دي؟
-مش كآبة بس دي أفكار مراهقين بالنسبة لي.

-يا سلام! وإيه هي أفكار الناضجين بقا؟
فكر للحظة ثم قال بثقة
-أني في يوم هقابل واحدة وألقى قلبي شاور عليها وقال هي دي.
ثم اكلت ساقه تلك الخطوة الفاصلة بينهم وأتبع
-زي ما قلبي شاور عليكي وقال هي دي، ونسى الدنيا باللي عليها بعد كدا..

كانت كلماته كالبرق سرعان ما تلمع في صحن السماء وتختفي بتلك السرعة التي حدثت بها فتصعق قلبها بصاعقة حب جديد، جعلتها تمعن التفكير وتلعن نفسها فأدركت مدى تفاهت الأسباب التي فرقتهم وشتت تلك العناقيد المترابطة بحبهما..

من سوء حظهما قطعهم النادل معتذرًا وهو بقول
-اسف، بس البيه في انتظار سعتك من بدري ووو
صُوبت أنظار هشام الحادة نحو ما يشير إليه الشاب وسأله
-مين دا؟!
-قال معرفة قديمة.
تدخلت فجر وهى تتراجع بهدوء
-طيب أنا هستناك في مكاننا..
اوقفها بحزم
-استني..
ثم وجه حديثه للنادل
-اتفضل قوله أن هشام السيوفي مش بيجي عند حد خاصة ولو كانت معاه المدام في وقتهم الخاص، ما ينفعش يسيبها، و.

ولكنه لاحظ نهوض ذلك الرجل الغامض وهو يعقد زرار سترته بشموخ ويقترب منه بعد ما أخذ نفسًا قصيرًا من سيجارته الفاخرة وصعد لمجمعهم وأشار للنادل أن ينصرف ووجه مرحبًا
-هشام بيه السيوفي! سمعت عنك كتير لكن
فقطعه متذمرًا
-ويا ترى اللي سمعته يسمح لك تدخل بالطريقة دي في وقت زي دا!
قهقهة الرجل بفظاظة وهو يتوجه نحو فجر معتذرًا
-سوري يا هانم! بس طالما اخترتي تتجوزي ظابط يبقى تتعودي.

تدخل هشام بغضب ليحطم أسهم أنظار ذلك اللعين التي تلتهمها وقال
-مش مضطرة تتعود لان الوضع مش هسمح له يتكرر.

أخرج الرجل كارت من جيبه ووضعه في جيب هشام بثقة مفزعة للشك و
-دا رقمي، ومش محتاج اقولك كلمني لإنك آكيد هتكلمني، وسوري لو قطعت اللحظة ما بينكم..
ثم تراجع متقهقرًا
-انجوي يا هانم، ( happy night and honeymoon ).

تراجع الرجل حتى فارق المكان بأكمله، حينها اقتربت فجر من هشام وتشبثت بيده
-هشام انا مش مطمنة للجدع دا.
أخرج هشام الكارت من جيبه وشاهد الرقم بدون حتى ثارت فجاة متلهفة وهي تقرأ ما بخلف الورقة
-بص يا هشام دا كاتب حاجة من ورا..
لف هشام الكارت على الناحية الأخرى وقد قرأتها فجر بصوت مسموع
-أنا قشاية النجاة من الموجة اللي جايه مخصوص عشان تغرقك.
ثم طالعته بقلق
-يعني ايه؟

وضع هشام الورقة بجيبه وتجاهل كل ما حدث و
-الأكل نزل، تعالي!
-هشام بقولك في حاجة غلط أنا قلبي مش مطمن!
-اششش ولا كأن حصل حاجة، اهدي، انا جمبك.

سحبها من كفها بهدوء نحو الطاولة رغم ثوران رأسه بأفكار مفزعة إلا انه استطاع أن يهدأ روعها ويطمنها بوجوده الأبدي، لا يوجد شعور يضاهي شعور المرأة مطمئنة بوجود رجل كالصخرة مهما ثقل الحمل لا ينحني، أن تشعر بأن ظهرها محميًا مهما صوبت نحوها السهام واثقة فإنها لم تصبها..
-هشام بس فعلا ف حاجة مش مظبوطة.
-مااحنا مش هنبوظ الليلة عشان واحد زي دا؟!

جلس هشام فوق مقعد الحيرة ومقابله فجر فوق مقعد القلق والخوف الذي قاسم معالم وجهها، ساد الصمت للحظات حتى قطعه صوت رنين هاتفه الذي بمجرد أن فتحه اتاه صوت عايدة مستغيثة
-الحق اختك راحت مني يا هشام.
هب من مجلسه مذعورًا
-رهف مالها يا عايدة؟

أجابته بعد أن أطلقت صرخة قوية
-ناس خطفوها من تحت البيت، اختك راحت يا هشام! رجع لي بنتي.
-انا جاي حالًا..
اوقفته فجر بخوف
-رهف مالها يا هشام!
سحبها خلفه بخطوات أشبه بالركض وهو يقول
-لازم نتحرك..

( عودة الي بني سويف )
صعد خالد سيارته واتبعه سيارتين من الخفر وانطلق مسرعًا نحو المكان الذي أخبره به الخفير الذي اندلع فيه شجار وصلت نيرانه حد بروج السماء..

وصل خالد إلى مقر الخلاف فوجد مجموعة من الرجالة يتقاتلون بأبشع الطرق والوسائل والعديد من نقر النيران المشتعلة في المكان، ويحاوطهم صراخ النساء وبكاء الأطفال، كان المنظر مروع للعين والقلب، هبط خالد من سيارته واخذ يضرب العديد من الاعيرة النارية في الهواء وخلفه مجموعة الخفر فبات الأمر اشبه بحريق في الأرض والسماء..

تفارق تشابك الرجالة تدريجيا، حتى اخترق صفوفهم وراقب وجههم المُلطخة بالدماء جاهرًا
-الفوضي دي تحصل في البلد عندي؟ ليه معدش فيها كبير يملا عينكم؟
ثم صرخ بصوت أعلى
-ما تنطقوا؟! اتخرستوا؟! بقيت مجزرة تعملوا في بعضكم اكدا؟! طيب انا هكلم الحكومة وتيجي تلمكم كلكم!

استمر خالد في إلقاء العديد من الاتهامات والسبات بالرجال وعلى الناحية الاخرى تتبعت عين أحد أفراد الشرطة ورصدت المكان المرجو حمايته وراء ذلك الكمين، اختبأ المصدر خلف أحد الاشجار واخرج هاتفه وكتب رسالته سريعًا
-نشأت بيه لازم نتحرك، مفيش وقت، دا وقتنا.

( في أمريكا )
انتهت بسمة من إعداد الغداء ثم طالعت الساعة لتجدها قرابة السادسة، دبت أرجل القلق في رأسها، تأهبت أن تهاتفه فتوقفت إثر صوت مفتاحه، أسرعت نحو الباب معاتبة
-كل دا تأخير يا زياد؟
أخذ ينزع الماسك الطبي من ع وجهه وجميع وسائل الحماية، وتخلص منهم في سلة المهملات واتجه نحو المرحاض ليكمل إجراءات الأمان وهو يقول
-الأوضاع متطمنش خالص يا بسمة، حقيقي الوضع برا مرعب.

تابعت خُطاه وحاولت أن تقترب منه فأوقفها طالبًا
-متقربيش، محدش ضامن، هاخد شاور واجي لك.

أومأت باستسلام
-تمام، هجهز الغدا ع السفرة ما تتأخرش..
مرت دقائق انهى فيهم زياد حمامه الدافئ ثم خرج إليها وجد الطعام على الطاولة فأرسل لها ابتسامة إعجاب
-دي إيه الحلاوة دي! بقينا ستات بيوت قمر.

وضعت طاجن الدجاج على الطاولة و نزعت القفازات الحرارية من يدها واقتربت منه لتعانقه
-احضنك الأول؟
عانقته بحب والكثير من الاشتياق وهى تخبره
-قلقت عليك أوي!
ربت زياد على ظهرها بحنو وقال
-ربنا يعدي الأيام دي ع خير يابسمة.
ابتعدت عنه بضيق
-انت مش مرتاح في الدراسة هنا!
طبع قُبلة على كفها ثم سحبها صوب الطاولة وجلس الثنائي بهدوء منتظرة أن يجيبها، حتى قال.

-كل حاجة تمام بس ( still) انا قلقان، في حاجة غلط! في معاملة خاصة، ناس بتيجي تسأل عليا معرفهاش! وكله بيمدح في تفوقي واجتهادي، وانت عارفه يابسمة إني العادي، مش نبغة يعني! فهماني؟

طافت عيونها بحيرة ثم ربتت على كفه لتطمئنه
-انت بس مقلق من الرسايل اللي وصلتك ومكبر الموضوع شويه.
شرع في تناول الطعام متأملاً
-يارب يابسمة، يارب فعلًا يكون زي ما أنت بتقولي.
صمتت للحظة ثم قالت
-زياد انا ممكن اديك كل الفلوس اللي محتاجها في سبيل إنك تلغي المنحة دي، طالما قلقان!

هز رأسه نافيًا
-في سر ولازم اعرفه، مش حوار فلوس!
ثم غير مجرى الحديث سريعًا
-المكرونة تجنن..
اتسعت ابتسامتها بفرحة
-بجد عجبتك؟!
-جدا، دانا هاكل الصنية كلها..
-هنا وشفى يا حبيبي.
انغمست هى الاخرى في تناول الطعام ثم تذكرت شيئا جعلها تترك ما بيدها وتطالعه متبسمه حتى لاحظ ذلك فسألها
-اي البصة دي بقا؟! انا بتعاكس!
عقدت ذراعيها أمامها مستندة بمرفقيها على الطاولة وقالت ممازحة
-أي في مانع!

-وانا اقدر، يا باشا انا كلي بتاعك..
تلألأت عيونها بلمعة الأمل وقالت
-تعرف طول اليوم النهاردة بفكر في إيه!
وضع قطعة من الخبز بفمه ثم داعبها
-فيا! معروفه يعني.
ابتسمت ملامحها بتدلل واتبعت
-معاك حق، بس حد كان مشاركك.
رفع حاجبه متعجبًا
-دا مين اللي اتجرأ وعملها؟!
حلت ذراعيها حيث امتد كفها الايسر يربت على كفه والآخر وضعته على بطنها وقالت متأملة.

-مستنية اليوم اللي اشوف ولادنا فيه، وبدعي ربنا بفارغ الصبر يقرب اليوم دا، تعرف أنا متفائلة جدًا وحاسه أن ربنا هيفرحنا قريب، ياااه يا زياد، انا حلمت باليوم دا كتير، متتصورش اول ما اسمع خبر اني حامل، دا انا ممكن اتجنن فيها!

وثب من مكانه بأسف ليقبل رأسها قبلة طويلة وتوسل إليها
-اسف يا بسمة، اسف اني حرمتك من كل دا، وكنت اناني معاكي..
ثم جثى بجوارها على ركبتيه وقبل كفها
-على فكرة مش لوحدك اللي مستنية اليوم دا، أنا كمان نفسي يكون عندي ولاد كتير يجننوني كدا زي ما أمهم جننتني.

ثم عاد ليقبل أناملها بحب ورفع انظاره إليها
-مسمحاني! مش كدا!
ذرفت دمعة من عيونها ثم قالت بيقين
-اللي فات كله مش بتاعنا، أما اللي جاي أنا واثقه إنه هيكون العوض ليا.
ضغط على كفوفها برفق ثم قال بمزاح
-تعرفي إني طول اليوم مش بفكر غير فيكي من غير مايشاركك حد، هاا.
ثم غمز بطرف عينه متنهدًا
-وحشتيني.

ما لبث أن انتهى من قول جملته ففزع الاثنان على صوت صخب بالمطبخ، إثره تقدم زياد سريعًا نحوه ثم اتبعته بسمة وهي تتأكد منه
-سمعت اللي انا سمعته؟
وصل زياد إلي المطبخ فوجد النافذة زجاجها مهشم أرضًا، فاندفع صوب النافذة وامتدت انظاره للخلف فلم يجد شيئًا، دنت منه بسمة برعب
-ممكن قطة؟!
سخر منها بقلق
-قطة إيه؟! في حد رمى حاجة..

تجولت عيون بالأرض حتى وجد حجرًا صغيرًا ملتفة حوله ورقة، انحنى سريعًا وفتحها وقرأ بها
-( بلاش تورط نفسك أكتر من كده، ارجوك ارجع مصر ).

-بنتي هتروح مني يا مجدي! ااه يا قلبي عليكي ياحبيبتي.
اردفت عايدة جملتها الأخيرة وهي تنوح بوجع عندما فتحت الباب لمجدي الذي أوشكت رأسه على الانفجار وهو يصرخ
-حصل ايه فهموني!
اندفعت سعاد نحوه وهى تمسك ب صدرها الذي يؤلمها كثيرًا إثر الواقعة، وقالت بوجع
-كانت واقفه معايا وجم خدوها من جنبي، لازم تتحركوا..
في تلك اللحظة وصلت منير ثم تبعه اللواء نشأت، فقال منير بقلقٍ
-ازاي دا يحصل ومين دول، وصلتو لحاجة؟!

أجابت سعاد ببكاء
-انا قدمت المحضر والعربية فص ملح وداب.
اقتربت عايدة من منير متوسلة
-إلحق بنت أخوك يا منير، عشان خاطري رجع لي بنتي.
تدخل نشأت
-اهدي يا هانم، القوات اتحركت ورهف مش هتبات الليلة غير في بيتها..
صرخ مجدي منفعلًا
-يعني إيه؟! هما ازاي يتجرأوا وياخدوها كدا؟! هما مش عارفين دي تبقي مين؟! انا هنزل اقلب الدنيا عليها.

ارتمت عايدة بالأرض إثر ثقل الواقعة التي حلت فوق رأسها وصرخت
-رجع لي بنتي يا منير، أبوس إيدك.
خرج مجدي مسرعًا وهو يتوعد علنًا فلحقه نشأت وأوقفه
-مجدي استنى هنا، رايح فين الساعة دي؟!
انفجر مجدي غاضبًا وهو يضغط على زر المصعد
-هروح ادور عليها، منا مش هقعد اولول زي النسوان.
نهره نشأت معارضًا
-استنى هنا، انت جالك امر بالتحرك أنت وهشام على بني سويف حالًا..
جهر مجدي رافضًا.

-لو هتفصل وهتحاكم انا مش هينفع اسيب مراتي مخطوفة وامشي!
حاول نشأت ان يقنعه
-يا مجدي افهم، دول قاصدين يشلو حركتكم! لعبوها صح، لازم نبقى أذكى منهم.
شد مجدي باب المصعد صارخًا
-في مليون ظابط غيري يقوم بالمهمة دي، انا نازل ادور على مراتي..
ضرب نشأت كف على الأخر بقلة حيلة ثم عاد مرة أخرى للمنزل وتبادلت الانظار بينه وبين منير حتى قال الأخير
-كثف القوات يا نشأت، وانا هعمل اتصالاتي، البنت لازم نلقاها.

صرخت عايدة مستغيثة
-هاتولي هشام، انا عايزة هشام ابني دلوقتي.
اشتد وزر الألم على سعاد فاستندت على المقعد بتعب شديد لترتشف المياه وما أن تناولت يدها الكأس سقط من يدها وسقطت وراءه، اندفع نشأت بخوف نحوها وهو يحاول إفاقتها
-سعاد هانم، يا هانم فوقي؟!
فركض منير نحو الهاتف طالبًا الإسعاف وجهر
-عربية اسعاف حالا على العنوان دا! اكتب يا بني ..

بات الاثنان داخل السيارة كثمرة الطماطم التي يراقصها الخلاط من شدة السرعة التي يقود بها هشام والعديد من الاشارات التي يكسرها، والسبات واللعنات التي تلحق به..

تبتهل فجر بالتشهد ثم الصراخ محذرة
-خلي بالك يا هشام..
ولكنه أصيب بحالة من التغيب عن الواقع، لا يدرك سوى التوعد والتهديد لمن تطاولت يده أن تلامس عرضه، صرخت فجر بصوت أعلى وهى تضع يديها على اذنيها
-حاسب يا هشام..

وما أن تفادي الأمر بحرفية أقرب لمعجزة إلهية، هدأت وعادت أن تذكر ربها وتناجيه، عكس هشام الذي صاحب لسانه الكثير من اللعنات والسبات وتجمد معالمه التي أصبحت كبركان يتوق للانفجار، تضاعفت سرعة سيارته حتى هاتفه مجدي، فأجابه سريعًا
-وصلت لحاجة؟!
مجدي بقلة حيلة وهو يضرب على مقود السيارة
-لا يا هشام، انا هتجنن انا مش عارف اروح فين ولا اجى منين! حاسس انى عاجز..
جهر هشام موجهًا.

-ارجع لكل المحلات اللي تحت البيت واعرف رقم العربية وابعته لأبوك..
-عملنا كدا يا هشام، ولسه بيدوروا..
بنبرة أحد أردف هشام
-انزل بنفسك عند أقرب إشارة للبيت وارصد حركة العربية، اكيد هنوصل لحل، انا ساعة وهكون عندك..
ثم صرخ مجدي عاجزًا وهو يغير مسار سيارته
-لو اعرف مين بس اللي عمل كدا؟
-هيتعرف وساعتها ورحمة أبويا ما هعتقه من تحت ايدي..

قفل هشام الخط ثم عاود للطريق وضغط بنزين ليضاعف سرعة السيارة فسألته فجر بخوف
-وصل لحاجة، طمني؟!
-لسه.
تمتمت بقلق
-ان شاء الله ربنا يطمنا، خير يا هشام، خير..

في قصر كبير تحاصره الصحراء صفت السيارة السوداء أمام بوابته واصدر صوت مزمار للحارس أن يفتحه وسرعان ما دلفت السيارة الى الداخل حتى وقفت في مكانها المخصص، هبط منها الملثمين وشد احدهم رهف من داخل السيارة وهي تتملص معاندة
-شيل ايدك عني يا حيوان، انت ما تعرفش أنا مين.
ثم رفثته بقدمها بقوة كي يتركه ولكن قوته فاقت عنادها وحملها على كتفه وانزلق بها للداخل تحت صرخاتها توسلاتها بأن يتركها..

وصل بها الرجل الى المكان الذي يجلس به فهمي وانزلها من فوق كتفه فانهالت عليه باللكمات والسبات والصراخ
-بقولك روحني يا متخلف انت..

أتاها صوت خشن من الخلف وهو يعارض تصرفاتها حتى توقفت عن الضرب واستدارت إليه، فوجدت أمامها رجل في مقتبل الخمسين من عمره يرتدي ثوب شبابي لا يتناسب مع عمره زعم جسده الرياضي الممشوق، يتفحصها من رأسها للكاحل ويقول متغزل
-بطة مصرية متأصلة، مالك يا حلوة عاملة دوشة ليه؟
اقتربت منه بتحدٍ ووضعت يديها في خصرها.

-أنا هنا بعمل ايه، وانت مين أصلًا، ومتعرفش أنا بنت مين ولا اخويا مين عشان تجيبني بالطريقه البشعة دي لحد هنا؟ اخويا اللي ممكن يفرمك..

قهقهه الذئب ب عواء الشر وهو يطالعها بنظرات المكر
-أنت هنا عشاني أنا مش عشان سي هشام بتاعك اللي ممكن افرمه بكلمة واحدة، بس انت الطعم الذي هصطاده بيكي.

صرخت بوجهه متحدة
-ولا تقدر تعمله أي حاجة، أنت واحد جبان، عايز تعرف ليه؟ عشان اضعف من انك تواجهه وعايز تكسره ببنت..

ثم أشارت له بسبابتها
-خليك واثق ان هو اللي هيفرمك، انت متعرفش مين هو هشام السيوفي ولا ايه؟

انتشت معالم وجهه بلذة التحدي المنبعث منها وقال باشتهاء
-طلعتي أحلى من الصور.

بث الخوف بصدرها وتراجعت تدريجيًا واهتزت نبرة صوتها بفزعٍ
-انا لازم اروح دلوقت حالا، دا لو خايف على عمرك.
اقترب منها فهمي بوحشية محاولًا أن يمتلكها ولكنها لم تسمح له ثم قال
-سيبك من هشام دلوقت، أنا هخليكي سيدة القصر دا، ايه رأيك؟!

صرخت بوجهه وبدأ الخوف يكسو ملامحها
-بقولك سيبني أروح.
-مش بعد ما نخلص حسابنا..
قال جملته وهو يسيطر عليها تمامًا بين يديه محاولًا تقبيلها بعنف ولكنها تمردت وصاحت رافضة وهي تبعده عنها بشتى الطرق حتى التهمت أظافرها وجهه حتى سال من بينهم الدماء، فانهزم متألمًا وهو يلعنها علنا، ركضت لتمسك بالفازة مهددة
-انت لو ممشتنيش من هنا انا هقتلك.

اشار بعينه الي الحارس فهجم عليها مكبلًا كلتا يديها ودفعها بضعفها أمامها صراخًا وباكية
-ابعد عني.
وقف فهمي أمامها بعد ما طالع وجهه بالمرآة ثم نالت وجنتها صفعة قوية سال الدم من فمها إثرها، ثم جهر
-انتي اتجننتي؟! انتِ عارفة انتِ عملتي ايه؟ انا لو سبت عليكي واحد من رجالتي هتموتي في ايدهم..

ثم تطاولت يدها لتشق سترتها لنصفين تحت صوت صراخها الذي دوى صداه في جميع أرجاء المكان، وتناولت يده شعرها ليجذبها بقوة ويهددها
-وشرف أمي لادفنك هنا يا بت السيوفي..
ثم دفعها بقوة نحو الأريكة فارتمت مذعورة وهي تتوسل إليه أن يتركها خاصة عندما رأته نزع سترته ويحدفها بعيدًا، فانكمشت حول نفسها إثر تلك الذئب الثائر أمامها وهى تنوح صارخة
-هقتلك لو فكرت تقرب لي..

أوشكت يداه أنا تلتهمها حتى ارسل لها منقذ من السماء على هيئة رجل وقال متلهفًا
-مصيبه يا فهمي بيه، الحق.
استدار نحوه بغضب
-حصل إيه؟!
-المستودع اللي في بني سويف ولع.
شرار نار القتيت في حقل بترول غضبه فصاح صاخبًا
-يعني ايه؟! والبهايم اللي هناك بيعملوا إيه! دانا هقتلكم واحد واحد..
ثم نادى على أحد خادماته وأمرها
-تاخدي البت دي تجهزيها ولو فتحت بؤها أنت عارفه هتعملي إيه، عايز ارجع القاها في سريري فاهمه؟!

وصل هشام الي منزل بسمة وهبط من سيارته هائمًا فاتبعت فجر خُطاه سريعًا صامته، وقف أمام المصعد فوجده بدور عالٍ، فلم ينتظره حيث أكلت اقدامه خطوات السلم سريعًا فلحقت به فجر حتى وصل الثنائي الي باب الشقة، طرق بابها بعنف حتى فتح منير الباب وقال
-تعالي شوف عايدة جالها هبوط ومش قادرة تتحرك..
اندفع إليها فوجدها نائمة على الاريكة، فطلب منها
-أجمدي كدا وقومي..
بمجرد أن رأته نهضت وارتمت بحضنه وصرخت متوسلة.

-اختك ضاعت يا هشام، يا ترى بيعملوا فيها أيه.
ربت على كتفها
-هترجع والله هترجع، انت اهدي بس..
اقتربت فجر منها وجلست بجوارها وربتت على فخذها
-متقلقيش، كلها ساعه وتلاقيها داخله علينا، قولي يارب بس، تحول حزن عايدة لصدمة انعكست في بؤبؤ عيونها الجاحظة وهى تسألها
-انت بتعملي ايه هنا!
اشار هشام الي فجر
-مش هوصيكي علي عايدة..
اردفت عايدة بذهول أوشك أن يشل جسدها
-انتوا رجعتوا لبعض!

نهض هشام متجاهلًا سؤالها وتوجه بالحديث إلى منير، طالعت عايدة فجر من رأسها للكاحل وكررت سؤالها مرة أخرى، ف ربتت فجر على كتفها راجية
-ممكن تهدي!
-يعني رجعك؟
تلك أخر جملة قالتها قبل أن ترتمي للخلف صارخة بآهات الخيبة والعجز وتنوح كإمراة سبعينية وتدندن
-ليه كدا يا ربي، ولاد عماد السيوفي ناويين يشلوني..!
على الجهة الأخرى سأل هشام عمه
-نشأت بيه كان هنا؟! راح فين!
-راح هو ومراة البواب المستشفى مع سعاد هانم.

فزعت فجر بقلق
-طنط سعاد جرالها إيه!
طمئنها منير
-هتبقى كويسه، متقلقيش.
نزع هشام سترته وألقها على أقرب مقعد وأخذ يثني في أكمام قميصه وقال بحماس
-عمي إحنا لازم نتحرك، هنحتاج رجالتك والحرس
اوقفه منير متسائلًا
-هشام الحكومة شايفة شغلها.
فنهره معارضًا
-وانا كمان هشوف شغلي، دي اختي.
بمجرد ما وطأت أقدام هشام عتبة الشقة وجد اللواء نشأت في وجهه وهو يقول
-هشام، لازم ترجع بني سويف حالًا، نقيب ندى في خطر..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة