قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل السابع عشر

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل السابع عشر

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل السابع عشر

تمرّ عليّ رغم البعد، بين الحين والحينِ..
تمرّ كضحكةٍ تحلو، وأُقسمُ كم تواسيني!
كأغنيةٍ تحدّقُ بي، أغنّيها، وتُلهيني.
لقد أسعدتني زمنًا، لماذا صرت تُبكيني؟!
— أمل السهلاوي.

اندلع صوت انفجار مرتفع زلزل تلك البلدة بمساكنها، فزع الأهالي وثارت البهائم وهرع الصغار وتحولت القوية في دقائق قليلة إلي حلقة تحيط بها النيران من كل الجهات، وانعقد دخان الظلم فوق الأسطح..

ضاق الأمر على ندى التي لم تجد ملجئًا لكبح ذلك المخطط الشرير، وهى عملية نقل الأسلحة لتمويل الفئات الإرهابية خلف ستار الخديعة المزيفة التى ابتكرها العدو والشجار الوهمي، بعد ما أخذت قرارها وعزمت أن تتسلل إلى المستودع وبمهارة عسكرية استغرق ذلك منها القليل من الدقائق، بعد ما أمنت نفسها بمسافة كافية وجهت رصاصتها في أحد الذخائر التي انفجرت جميعها في لحظات قليلة..

ركضت ندى لبعيد مغادرة موضع النيران وما أن ظنت أنها لامست أرض الأمان فوجئت بصوت أنثوي يعيق خُطاه وبنبرة تهديدية.
-مكانك، خطوة زيادة وبقتلك!
جالت ندى ببصرها الذي لم تبد له الرؤية واضحة حتى رفعت كلتا يديها مستسلمة وهي تدور ببطء و
-تمام! تمام!
اقتربت منها جيسي حاملة سلاحها المصوب بوجه ندى وقالت بشرٍ
-بوليس ولا شو، احكي!
أقنعت ندى بنظراتها المرتجفة بالخوف جيسي وقالت بهلعٍ
-هحكيلك كل حاجة!

اقتربت ندى منها خطوة فأوقفتها جيسي صارخة وهي تتراجع خطوة للخلف
-اثبت مكانك عم حذرك..
ثم اخرجت جهاز اللاسلكي وحاولت أن تتواصل مع أحد رجالها مزفرة بغضب
-حد فيكم يرد عليّ!
لم تجد جيسي أي وسيلة إنقاذ أو مساعدة خارجية مما طمئن قلب ندى، وضعت الجهاز بمكانه واندفعت نحو ندى ب زعابيب شرها وأمسكت بشعرها متوعدة وهى توجهها نحو السفينة الراسية أمامهن
-امشي قدامي، ولا نفس، وإلا انت الجانية على اللي بيحصلك.

شعرت ندى بفوهة المسدس تلامس جدار عنقها، وألقت نظرة بالأسفل لتحدد مكان وقوف هدفها، باغتها جيسي بعنفوان وهي تدفعها للأمام
-تحركي!
فاجأتها ندى بخفة وبمهارة عسكرية وفي جزء أقل من الثانية كانت متكئة بكل قوتها فوق مشط قدمها وباليد الأخرى متحكمة بسلاحها لتوجه فوهته إلى السماء فتنطلق منه رصاصة طائشة.

نشب الشجار بين الفتيات وكل منهن يبرزن مهاراتهن القتالية، وبفنون رياضة الكارديو البارعة بها ندى استطاعت أن تسيطر سيطرة كاملة على جيسي وتجريدها من كل أسلحتها وهى تعقد كفوفها وراء ظهرها بشالها وتقول بقوة
-عايزة تعرفي أنا مين ولا عرفتي!
انبثقت سموم التهديدات من شدق جيسي
-والله لفرجك أنت واللي تبعك، اصبرين عليّ.
ركلتها ندى بركبتها في ظهرها صارخة
-اتكلمي على قدك..

ثم طوت شعر جيسي حول معصمها وشددتها بعنفوان وصرخت
-اتحركي يلا !
صرخت جيسي باستغاثة
-وينكم يا كلاب! وينكم؟!
لاحظت ندى اقتراب بعض الرجال منها مع إحداث صوت باللاسلكي من أحدهم
-يا هانم! ردي علينا، الو الو! لازم نتحرك، الحكومة ملت المكان!
سرقت ندى الجهاز وألقته بمجرى المياه الضيق ثم دفعت به جيسي إثر اقتراب الرجال منها وفرت هاربة بين أشجار الموز متجهة نحو قسم الشرطة.

انتهت فجر من إعداد كوب عصير الليمون وحملته أصابعها وخرجت إلى عايدة التي تذوقت مرارة غياب ابنتها صبارًا وهي تصيح بحرقة
-أنا كان لازم اروح معاهم؟! كدا كدا يا هشام تسيب أختك وتفضل الشغل عليها، مكنش العشم! هو دا الضهر اللي مسنودين عليه..
جلست فجر بجوارها بهدوء ووضعت العصير أمامها وربتت على كتفها وقالت بنصح
-ممكن تهدي طيب! مش عمو منير قال لك هيتصرف هو واللواء نشأت!
زاحت عايدة يد فجر بغضب.

-طبعًا ما أنت لازم تبقي باردة! أنت جربتي احساسي فين؟ يارب استرها على بنتي يارب!
أسرت فجر حزنها في نفسها وقدرت صعوبة الموقف عليها وقالت
-طيب اشربي العصير دا هتهدي.
انفجر عايدة بوجهها
-لا بصي يا حبيبتي كهن الستات دا انا حافظاه! مش هشام انا اللي هتضحكي عليه بشوية حنية وسهوكة..
ثم غمغمت بضيق
-بس ترجع يا هشام! فكركم البيت بقى مالوش كبير يعني؟!

ثم نهضت من مجلسها وأخذت تجوب الساحة بعشوائية وهي تضرب كف على الآخر وتمسح على شعرها وتهذي بملامح تجاوز التسعين
-طيب اكلم مين؟! ولا أروح فين؟! يا رب دلني يارب!
أشفقت فجر على حالتها حيث أخذت تفكر معها بعجز إلى أن تذكرت ذلك الرجل الذي نثر غموضه على ليلتهم واختفى، فزعت من مطرحها نحو سترة هشام المُلقيه أمامها وأخذت تفتشها إلى أن عثرت على الكارت، فهبت بحماس وهي تقول.

-عايدة هانم في حل! بس أنا مش عارفة هيكون إيه عواقبه!
انتابتها عاصفة من الأمل رجت قلبها وعصفت بها من مكانها لتقترب من فجر
-حل ايه؟!انطقي
-الكارت دا فيه رقم راجل جيه لهشام واحنا في المطعم وقال إنه هيساعده، إحنا ممكن نكلمه أكيد يعرف مكان رهف.
-طيب مستنية إيه اتصلي!
قالت عايدة جملتها وهي تناولها هاتفها بحماس، فاجبتها فجر
-منا مش عارفه ايه هيكون طلبه.
اندفعت عايدة
-إحنا لسه ه نضرب أخماس في أسداس! اخلصي كلميه.

بأنامل مرتجفة أدخلت فجر الأرقام ثم اتبعت بالضغط على زر الاتصال وهى تفتح مكبر الصوت و ترمق عايده بقلق، لم يستمر الرنين طويلا حتى صاح صوت ذلك الرجل مقهقهًا
-كنت متأكد إنك هتكلمني! أصل الخط دا مخصوص جايبه عشانك..
تبادلت عايدة وفجر النظرات الحائرة حتى تفوهت عايدة بأمل معلق في قشة وقالت
-أنا عايدة النورماندي، مامت هشام السيوفي..
اعتدل الرجل من جلستها وشعر بالقلق.

-بس مش دا الاتفاق! انا مش هتفق مع ستات لامؤاخذة! ولا هو البيه سلم أعماله للنسوان.
تدخلت فجر في المكالمة متوسلة
-لو سمحت ممكن تسمعنا! انا مراة هشام اللي انت قابلتها في اسكندرية، وهشام اصلا مش موجود، لان اخته اتخطفت ومش عارفين نوصلها، عندك علم هي فين ولا نفقل ونقصر الكلام!
انفجر الرجل ضاحكًا بثقة
-طبعا أعرف!
شهقت عايدة بترجي
-بجد! طب هي فين قول لي، ارجوك؟!
-للاسف يا هانم مفيش حاجة ببلاش، كله بمقابل.

وافقته عايدة بتوسل
-قول المبلغ اللي عايزو وانا تحت أمرك بس بنتي ترجع.
-طلبي محدش يقدر ينفذه غير ابنك، هشام السيوفي!
تدخلت فجر
-طيب ممكن تقول لنا هي فين وانا بوعدك انفذ لك كل طلباتك وهخلي هشام ينفذها!
ضحك الرجل بشماته ثم قال
-منا مش هشتري سمك في ميه! دي حياتي؟ ألعبو بعيد لحد ما حد كبير يكلمني.

بمجرد ما انهى جملته أنهى المكالمة، فبث اليأس بقلب فجر مرة أخرى والحزن بقلب عايدة تحول لنيران تأكل بدون رحمة، ثم تفوهت فجر
-طيب نكلم هشام يتصرف !
-لالا نشوف مجدي، كلم لي مجدي حالا وابعتي له الرقم دا يعرف مكانه، ولا أقولك منير، ابعتي الرقم لمنير هو هيتصرف.
نفذت فجر ما أمرتها به عايدة وأوشكت أن تنهي مهمتها ففوجئت برسالة نصية من نفس الرقم بها مقر ما وتحته مسدج.

-ده المكان اللي فيه بنتكم، وعربون محبة مني، لسه اللي جاي كتير!
شهقت فجر بذهول وهي تقول
-الحقي!

بعيدًا
الى أمريكا..
انفجرت بسمة من صمتها صارخة وهى تلوح بيدها
-شوفت اهو الموضوع مش لعبة ولا هزار! زياد انا مش هقدر اكمل في الرعب دا؟! انا عاوزة أرجع
حاول أن يربت على كتفها لتهدأ
-طيب ممكن تهدي؟!
بعدته عن طريقها واندفعت نحو غُرفة نومها وهي تهذي، وأخذت تلملم حقائبها بفوضوية
-منا مش هستنى لحد ما يدخلوا علينا الشقة ويقتلونا هنا، احنا هنمشي دلوقت يا زياد..

اقتحم زياد الغرفة وهو يبعد الحقائب عنها تارة ثم يعود إلى الخزانة ويغلقها وسرعان ما تعاود لتفتحها وتصيح
-متحاولش يا زياد، انا مش هقدر اقضي ايامي في خوف، بلا منحة بلا زفت، احنا هنرجع مصر!
عاق طريقها قسرًا ثم قال
-ممكن تبطلي جنان كدا وتهدي! نفكر بعقل؟
زفرت باختناق وهي تتحاشى النظر إليه
-العقل بيقول إننا نمشي وحالًا.
دنا منها خطوة ثم قال
-بسمة لو سمحتي إهدي..
زفرت مقاطعة
-يا زياد انت مش.

وضع أنامله على ثغرها لتتوقف عن الحديث ثم قال
-عارف إن في حاجة مش طبيعية، حتى المنظمة اللي بشتغل وبدرس فيها مُريبة، وفيها حاجة غلط، وملاحظ دا وبدأت اوصل لخطوط كتير..
انبثقت دمعة من طرف عينها و
-مالناش دعوه بكل دا، احنا نرجع ونسيب لهم حياتهم بكل العك اللي فيها.
ثم وضعت يدها على وجنته راجية
-انا لو خسرتك المرة دي مفيش رجعة، عشان خاطري بلاش!
قبل جبهتها بحب و
-متقلقيش، أنا معاكي ومش هسيبك أبدًا.

اغرورقت عيونها بالدموع ثم ابتعدت عنه مرغمة وبنبرة خوف
-ربنا يستر..
-خدي هنا رايحة فين؟!
قال جملته الأخيرة وهو يجذبها إليه من معصمها برفق، فاجابته
-هشيل الأكل، وكمان الشباك اللي اتكسر دا هنشوف له حل، انا خايفة بجد يا زياد، حقيقي مش مطمنه.
تنهد بتعب
-بكرة لو موصلتش للي عايزه هنزلك مصر.
بخوف سألته
-طيب وأنت!
حدجها بمكر وهو يحك ذقنه القصيرة وقال
-أنا ياستي شاغلني حوار تاني خالص من ساعة ما جيت؟!

اتسعت عيونها بقلق بالغ
-سؤال إيه!
مسحت أهدابه هيئتها من أعلى لأسفل
-تخنانه؟!
بذهول أردفت
-نعم!
كرر جملته
-اه تخنانه ومحلوة كدا؟! ولا أنا شايف غلط!
-زياد والله انت رايق!
قالت جملتها متأهبة للذهاب فأوقفها قائلًا
-وما روقش ليه وانا قدامي الجمال دا كله!
-زياد، انا حقيقي هموت من الرعب والقلق وانت ولا على بالك!
-منا ههديكِ!
سحبت ذراعها من قبضة يده وتركته ورحلت شاعرة بضيق يلتف حول عنقها
-انا مش فايقة لهزارك والله..

مسح زياد على رأسها مزفرًا بضيق
-ستات غاوية نكد.

-اهدي يا عايدة أهدي.
تلك الجُملة التي أردفها منير عندما استغاثت به عايدة ليساعدها في العثور على ابنتها، انفجرت باكية
-يعني الشرطة راحت على هناك!
-صدقيني القوات اتحركت، وكمان مجدي لحقهم، اهدي يا عايدة..
تلك أخر جُملة قالها منير قبل أن ينهي المكالمة، تجاهد لمنع عبراتها وهى تدعو ربها
-هات العواقب سليمة يا رب!
اقتربت منها فجر بحنو وبهدوء تام سألتها
-طمنيني!

رمقتها عايدة بنظرة غفران وسرعان ما طواها كبريائها
-القوات هتتحرك على المكان دلوقت، ومجدي معاهم.
ابتسمت فجر بأمل
-باذن الله هترجع، ساعة كدا ونلاقيها داخلة علينا، اطمني.
لم تتطلع إليها ومدت أنظارها لبعيد
-يارب..
فركت فجر كفوفها بخجل وهى تجاهد لمنع عبراتها من النزول وقالت بأسف
-أنا اسفه، عارفة إنه مش وقته بس
استدارت عايدة إليها بشموخ وهى تقاوم صراع عنيف بداخلها، اتبعت فجر بتردد.

-انا عارفه إنك مش حابة وجودي بينكم، وكمان كنتي بتحاربي عشان هشام يتجوز اللي أنت تختاريها، بس
-بس إيه؟!
ترقرقت عبرات فجر بغزارة وهي تجاوبها
-أنا بحبه، بحبه من أول لحظة قابلته فيها، حاولت ابعد عنه مقدرتش، كنت مستنياه، بدور عليه، بحلم بيه، هشام بالنسبة لي حاجة كبيرة أوي مفيش كلام هيوصفها، أسفه إني فشلت في دا، بس قلبي اختاره زي ما قلبه اختارني!
تطالعها بعيون مرتعدة ممزوجة بالعند والمغفرة وقالت بتمرد.

-دي حياتكم وانا ماليش دخل فيها، أنا قررت.
نهضت فجر من مكانها وجثت على ركبتيها، وتتطلعت إليها بحب وهى تحتوي كفها وأكملت معارضة
-لا أنا مش عايزة كدا، أنا عايزاكي تشاركينا حياتنا بتفاصيلها، عايزاكي تعتبريني زي رهف، أنت عارفة إني وحيدة وأهلي ميعرفوش عني حاجة، عايزاكم انتوا أهلي..
ثم مسحت دموعها السائلة بغزارة.

-انا والله مش حد وحش زي ماانت متصورة، انا ليا عيلة وأهل وناس كويسة جدًا بس الفرق إني بالنسبة لهم ميتة، الظروف حكمت عليا بكدة، دا مش ذنبي! محدش فينا اختار أهله.
تنزف روحها اثر طعنات الخذل فتساقط حزنها بين يديهم واتبعت.

-مش عايزة أشوف نظرة التقليل دي في عيونك، انا بحبك والله وهشام كمان بيحبك، وانا بوعدك هابقى واحدة تفتخري بيها، عايزين نتجمع ونعيش حياة هادية وبسيطة، عايزة أقولك يا ماما زي رهف، عايزة فرحتي بهشام تكمل.
سحبت عايدة كفها بحيرة وهى تتحاشى النظر إليها وقالت بهروب
-نطمن على رهف الأول وبعدين نشوف..
تحمست فجر أكثر لتكتسب ودها، خاصة بعدما رأت نظرة الغفران والمسامحة بعيونها وقالت.

-والله رهف هترجع سليمة، وهترجع تملى البيت فرحة وسعادة بعادتها، خلي عندك أمل ف ربنا..
حانت من عايدة نظرة طويلة إليها استقبلتها فجر بتوسل وحب حتى أردفت بكبرياء مفتعل
-انا مش بكرهك ولا بحبك، انا بس بغير على هشام أوي وبصراحة شايفة إنك خدتيه مني، وطبيعي لازم محبش وجودك..
نهضت فجر بحماس وهى تعاوضها.

-خالص والله! طيب تعرفي إن هشام طول ما هو معايا بيحكي لي أد أيه هو بيحبك واد إيه نفسه نتجمع ونعيش أسرة سعيدة، أنت عند هشام ليكي مكانتك الخاصة، اللي ولا انا ولا غيري يقدر يقرب منها، طيب تعرفي ساعات انا كنت أغير منك من كلامه عنك.
قاومت ابتسامة النصر بمعاناة كي لا تظهرها ولكنها فشلت، فتمتمت
-شكلك كدا بكاشة وهتاكلي علقي بكلمتين.
-خالص والله، دي الحقيقة.

ضعفت كل اسلحة عايدة فلم يعد لديها سوى سلاح الهروب فقالت متحججة
-انا هكلم منير اشوفهم عملوا إيه.

لم يتوقف صوت صراخها ومحاولات هروبها العديدة، والسب والضربات المسددة نحو المرأة المعينة بتجميلها، كانت ثائرة مثل البركان المتوهج، تطيح بكل ما يقابلها، ظلت على حالتها لساعتين بعد ما أصابت السيدة بالعديد من الجروح والكدمات..
عاد فهمي إلي غرفة وهو عبارة عن كرة نيران متنقلة، دفع الباب بقدمه فارتعدت رهف واختبأت وراء الخزانة وتركت السيدة بمواجهة المدفع، التى أقرت معترفة.

-والله يا فهمي بيه ما قدرت عليها، اهي عندك اتصرف معاها.
أشار للسيدة برأسه وقال
-امشي أنت.
صمت مريب يحاصره الخوف والقلق من كل الاتجاهات كساها من رأسها لأسفلها وهى تناجي ربها مستغيثة
-ياربي ساعدني وخليك جمبي، يارب متسبنيش.
ثم اندفعت من وراء الدولاب وجهرت
-انت فاكر اني هخاف منك بالشويتين دول؟!
-ومتخافيش ليه!
وضعت يديها في خصرها متحدية.

-عشان اسمي رهف عماد السيوفي، اللي لو قربت منها أهلها هينفسوك من على وش الأرض!
قهقهه الرجل بسخرية
-وهما فين اهلك دول يا قطة؟! اخوكي اللي فضل شغله عليكي! ولا المحروس ابن عمك اللي لو وقف على ايديه مش هيعرف انتِ فين؟! ولا سيادة المحافظ عمك اللي ممشي البلد كلها بتليفوناته! سوري المرة دي تليفوناته مش هترجعك، لانك دخلتي مملكة الشاذلي!
اهتزت قوة رهف قليلة وبشكل ملحوظ، ثم سألته
-يعني أنت عايز مني إيه دلوقت!

ثنى فهمي اكمامة واقترب منها بخطوات خبيثة و
-نقضي ليلة حلوة سوا وننبسط بدل العك اللي حصل الليلة دي، وبكرة نتفق بقا، اروح! ممكن تعجبيني و
صرخت بوجهه معارضة
-دا في خيالك المريض، انا هقتلك ولا إني انفذ اللي في بالك!
-ماهو للأسف يا حلوة، مش بمزاجك..
قال جملته وهو يطبق كلتا يديها حولها ولكنها تمردت ودفعتهت للخلف صارخة
-ابعد عني يا حيوان..

ركضت رهف نحو المرحاض لتحتمي به ولكن قدمه كانت عائقًا لنجاتها وضآلة قوتها مقارنة به فشلت، دلفت راكضة وتناول أي شيء لتضربه به ولكن تفادها بكتفه وهو يحكم سيطرته عليها من شعرها الذي لفه حول كفه وجرها بعنفوان وهو يتوعد لها
-وحياة اخوكي اللي انت فرحانة بيه دا لأقهره وانت في سريري تحبي ابعت له الصور دلوقت؟! تحبي..

وصلت لفراشه زحفًا وهو يسدد إليها الكثير من الضربات وتنوح متوسلة وباكية لا حول لها ولا قوة، حتى انحنى فهمي وحملها ووضعها بعنف على مرقده وتناول هاتفه وشرع في تصويرها حتى ثبت العدسة في مكان يكشف مقصده، وشرع في تنفيذ مخططه الشيطاني الذي بدأه بنزع ملابسه..

انتابتها عاصفه من الخوف رجت كيانها وهى ترمق ذلك الذئب المفترس يقترب منها بنظراته المرعبة، وبمجرد ما اقترب منها باغتته بالفازة على رأسه الذي اندثر فتاتها هنا وهناك.

على الفور تناولت سترتها وغادرت الغرفة راكضة وهى تبحث من مهرب من ذلك الوغد الذي اتخذها فريسة له، وطأت اقدامها منتصف السلم فأتاها جرسين احدها من الاعلى وهو يتوعد لها بشظايا شروره ، والأخر كجرس الإنقاذ وهو عبارة عن سيارات الشرطة التى انتشر اندلف الجنود منها كحبات الرز المسكوب أرضًا..
تقدم مجدي بكل قوته نحو باب القصر ففوجئ برهف تفتح له الباب وتركض نحوه بكل ما أوتيت من ضعف لتعانق باكية.

-كنت متأكدة إنك مش هتسيبني
طوقتها يد النجاة بلهفة وهو يسألها
-فيكي حاجة! انت كويسه؟!
انفجر رهف باكية وهى تبتعد عنه
-اتبهدلت أوي يا مجدي..
كان رجال الشرطة سيطروا على المكان أجمع برجاله حتى فهمي لم يجد وسيلة للهرب فتناولته رصاصة مجدي التي اخترقت فواصل السور ورست بقدمه صارخًا بوجع
-اااااااااه
جهر مجدي بصوت كالرعد
-كل اللي هنا على البوكس، مش عايزكم تسيبوا عامل!
ثم ضم يده على كف رهف وسحبها خلف وهو يسألها.

-قادرة تمشي!
أومأت بضعف ودموع ملأت وجهها وهى تندس في حضنه شاهقة حتى اختل اتزانها فلم يتردد للحظة ليحملها بين ذراعيه ويدخلها سيارته برفق، قفل الباب عليها وقال لها
-استنيني هنا راجع لك، كلمي عايدة وهشام طمنيهم..

وصل هشام لمقر مركز الشرطة فوجد ندى في مكتبه بعد ما أبدلت ملابسها وارتدت الزي العسكري وأخذت تفصح الأوراق أمامها، بمجرد دخوله وقفت وقدمت له التحية ثم قالت معتذرة
-مكنش قدامي حل تاني، انا اسفة
اندفع هشام نحو مكتبه وجلس عليه بعد ما نزع سلاحه
-اللي حصل حصل يا ندى، المهم أحكي لي..
جلست ندى على المقعد المجاور وشرعت في ري الأحداث.

-انا كنت متابعاهم من أول يوم حطوا رجلهم فيه هنا، وكان معاد التسليم المفروض بكرة، معرفش ايه اللي حصل وبقا الليلة، مكنش قدامي حل غير تفجير المستودع، بس القائد بتاعهم هربت مني.
ركز هشام في حديثها و
-هي بنت؟! اوصفي لي شكلها كدا؟!
-معرفش غريبة، شعرها احمر في اصفر ملامحها حادة..
أكمل هشام
-بتحط كحل في عينها كتير.
أيدت ندى كلامه
-بالظبط، عيونها مرسومة بالكحل..
ضرب هشام بقبضته على المكتب بضيق ثم اتبعت ندى.

-رجالة خالد ساعدوا الشرطة ومسكوا كل اللي هناك، إلا هى هربت في لانش والدنيا كانت ليل محدش عرف يلحقها.
لم يسطتع هشام أن يردف سؤاله حديث قطعه صوت رنين هاتفه فوجده مجدي فرد متلهفًا
-طمني يامجدي.
صاحت رهف فارحة وبصوت طفولي حزين
-انا بخير يا هشام..
وثب قائمًا بلهفة فتبعته ندى لتلحظه وهو يقول كمن عادت إليه روحه
-رهف؟! انت كويسه؟! تمام؟! فيكي حاجة؟! سليمة يعني.
تذكرت كل ما واجهته فسالت دموعها باكية.

-صدقني بخير، ومجدي معايا، وقبضوا على الراجل اللي خطفني متقلقش، يلا تعالى عايزه اروح البيت ألقاك هناك..
استجاب لطلبها بعرفان
-روحي وارتاحي وهتصحى تلاقيني، حمدلله على سلامتك يا روح قلبي..
-الله يسلمك يا حبيبي، يلا اسيبك عشان اكلم ماما..
-ماشي يا رهف ماشي، خلي مجدي يكلمني..
-حاضر
انتهت مكالمته مع رهف، فتنهد اخيرًا بارتياح وهو يسجد أرضًا ليشكر ربه ثم رفع راسه فارحًا
-رهف رجعت يا ندي..

-الحمد لله يا سيادة المُقدم، حمد لله على سلامتها، اخبار فجر إيه؟!
سرعان ما ارتسمت ضحكة ساحرة على ثغره انارت ملامحه وسألها
-قوليلي كدا، هي الهانم كانت بتقول عليا أيه في غيابي؟!
اطلقت ندى ضحكة عاليه وهى تعود لمقعدها وتسامره بمرح
-سوري يا فندم دي عمليات خاصة، وأسرار شغل.
أسبل عيونه بتوعد
-اسرار شغل، تمام..
ثم تناول ورقة وافتعل بكتابة شيء
-ابقي قوليلهم كدا وهما بيحققوا معاكي!
هرع قلب ندي
-نعم؟!

-متحولة للتحقيق يا سيادة النقيب!
-بتهمة ايه؟!
-مخالفة أوامر القيادات، اللي هما أنا..
كتمت ندى ضحكاتها حتى لمع الدمع بعيونها إثر ذلك، فرمقها ضاحكًا وسألها
-قالت لك بتحبني؟!
تحمحمت ندي بثقة
-دي حاجة المفروض معاليك تكون متأكد منها..
-يعني مقالتش؟!
عقدت ندى ذراعيها أمام صدرها وشرعت فالحديث بقليل من الشرود، وحكت.

-لما عرفت فجر حقيقي قدرت جملة أم كلثوم وهى بتقول ( أهل الحب صحيح مساكين ) حقيقي اللي زي فجر دي شافت الغُلب كله، ياروحي دي كانت تنام جمبي بتترعش من كتر ماانت واحشها، بتحلم بيك وتقوم صارخة باسمك تدور عليك، طول الوقت كانت تفضل سرحانة كدا ومفيش حد في بالها غيرك، ما يغركش جو العند والمقاوحة اللي هي فيهم، صدقني دي بتعشقك..
اتسعت ابتسامة هشام وهو يتمنى بأن تنقلب الأرض لتقذفه عندها وقال متخابثًا.

-يعني مشتمش؟!
ضحكت ندى ممازحة
-بصراحة كتير، بس كنت بسيطر على الأمر يا سيادة المقدم متقلقش.
أسبل هشام عيونه ساخرًا
-والله ما كنت خايف غير منك يا بتاعت حملات حقوق المرأة أنت.
انفجر ندى ضاحكة بصوت عالٍ و
-حقيقي الحب اللي شوفته بينكم يستاهل مليون حملة عشان تتجمعوا، خليك جمبها يا هشام، هى فعلًا تستاهل حبك وكل خير، البنت دي اتعذبت أوي في حياتها، خليك أنت العوض عن كل اللي شافته.

رمقها هشام بعرفان وارسلها لها ابتسامة شكرا
-حقيقي أنا مش عارف اشكرك أزاي، بس الأهم دلوقت إنك تتفضلي تكلمي سيادة المستشار لانه هيتجنن عليكي..
ضربت ندى على جبهتها
-يا خبر، بابا! انا ازاي نسيت أكلمه..
طرق العسكري أنذاك باب المكتب وبعد ما أدى التحية
-حضرة العمدة خالد نصير بره يا هشام بيه وعاوز يشوفك ضروري.

تقاذف الفرح بقلب عايدة كحبات الفشار وهى تستجوب رهف عن حالتها وصحتها وتتأكد انها سالمة، حتى أتاها صوت مجدي ممازحًا
-عايدة هانم، مش اطمنتي عليها؟، انا شايف اخدها بيتي بقا عشان انا كمان محتاج أطمن عليها بمعرفتي.
ضربته رهف برفق مع الكثير من نظرات العتاب
-بس بقا عيب!
ثم اتاه صوت عايدة متوعدًا
-ولد انت تجيب بنتي على البيت وتيجي انا بحذرك أهو والا..
قاطعها مجدي واثقًا
-والا ايه بس؟! دي بقيت مراتي خلاص..

صاحت عايدة بضيق
-يعني إيه ان شاء الله!
تراقص مجدي على أوتار ملاطفتها
-يعني مابنتهددش..
صاحت عايدة منادية على رهف
-رهف، حبيبة قلبي تيجي على البيت على طول، فاهمة؟!
اجابتها رهف بطاعة لتخمد حقل النيران الذي أشعله مجدي
-حاضر حاااضر يا ماما، نص ساعة ونكون عندك، بااااي.
ثم هتفت لمجدي متوسلة
-اركن على جمب بسرعة..

قفلت عايدة الهاتف وأحست بغمامة انشكعت من على صدرها وهي تحمد ربها كثيرًا ثم التفت لسؤال فجر الفارحة وهى تقف أمامها
-هي كويسة! اطمنتي خلاص.
بدون ادراك ضمتها عايدة إلي صدرها وربتت على ظهرها بحنو وقالت
-شكرا بجد يا فجر، لولاكِ ماكانتش بنتي هترجع.

لخبطة المشاعر التي أحستها فجر خارجة عن الوصف، ما بين السعادة والارتياح، الخوف والاطمئنان، نجاحها في اكتساب قلب عايدة وقلقها خشية أن يكون شعور مؤقت، ضمتها فجر بحب متنهدة بفرحة عارمة وهي تقبل وجنتها
-رهف اختي، وانت أمي، دا لو تسمحي لي يعني..!

رجت الكلمة قلب عايدة فتخلصت من بقاية التمرد في جوفها وتبسمت مرحبة وهى تربت على ظهرها بحنان والتزمت الصمت مكتفية بشد ضمتها واحتوائها لفجر الذي ترعرع السرور بقلبها..
تفوهت عايدة بهدوء
-يلا روحي ارتاحي شوية، ونامي.
-عايزه اطمن على طنت سعاد، مش هينفع اسيبها لوحدها!
ربتت على كتفها بحنو
-هي نايمة دلوقت، يعني لو روحنا من غير فايدة، نامي الساعتين دول وهنروح لها كلنا الصبح.
أومات فجر باستجابة وقالت.

-طيب هنام شويه في اوضة بسمة، بس هطمن على هشام الأول.
وقفت رهف أمام النيل وظلت تتأمله طويلًا وتسترجع شريط حياتها من أوله حتى أغمضت عينها لتقف عند تلك اللحظة التي هي عليها الآن وتنهدت بارتياح عندما تأكدت من وجوده الأبدي، وعدم استيعابها حياتها بدون ان تطالع ملامحه وتتلذذ بقربهم
دارت نحو مجدي الواقف خلفها وتسأله
-انا بالنسبة لك أيه؟
اندهش مجدي لغرابة سؤالها
-أفندم!
كررت سؤالها
-انا بالنسبة لك أيه يا مجدي!

-بنت عمي ومراتي!
كان رده هادئ ورسي كهدوء مياه النيل مما اشعل موج بحرها وقالت غاضبة
-بس!
-منا مش فاهم سؤالك يا رهف؟
-طيب بلاش دا، ايه اكتر حاجة شدتك فيا؟!
-كلك، من أيام ما كنت أخدك الاعبك وانت صغيره وتعيطي في حضني وتضحكي معايا..
ثم شرد طويلا و
-تفاصيل كتير محفورة جوايا، انت متعرفيش عنها حاجة!
سرت قشعريرة خفيفة تجتاح جسدها
-شايف إني عطيتك مقابل لكل الحب دا؟
-وجودك لوحده يا رهف أعظم مقابل، هعوز إيه تاني!

اقتربت منه واحتوت كفه الخشن مقارنة بكفها الرقيق وقالت بأسف
-اسفة لاني كنت غبية وما شوفتش كل الحب دا ولا قدرته، عمري ما كنت هسامح نفسي لو ضيعتك من ايدي..
ازدردت ريقها بصعوبة و
-مجدي انا لو كنت قبل بحبك، حاليًا أنا بعشقك، وهوعدك إني هعيش عمري كله عشان اسعدك وبس، بحبك يابن عمي.

بمجرد ما أنهت جملتها الأخيرة عانقته بشوق بالغ أعنان السماء وهي تصرخ بسعادة في حضنه الذي يديرها فيه كالفراشة بين يديه، حصنها غير كاف لترميم روحه، لحظاته غير كافيه لتعويض أيام انتظاره، ولكنها كافية أن تذيبه أوجاعه مع اول لمسه منها..

حل عصر اليوم التالي..
وعادت رهف إلى منزلها بعد ما استقبلتها عايدة استقبال ولا أروع وللحظة ادوكت فيها قدر المسئولية المُلقاة على كتفيها، وأن أولادها ثروتها الحقيقية..
عاد هشام بعد ما وصل ندى لمنزلها لتنال قسطًا من الراحة وأخذ اجازتها بعد معاناة متواصلة في تنفيذ مهمتها، وجد الجميع نيام إلا عايدة كانت ترتشف قهوتها وتشاهد التلفاز بعد ما تبادلا السلامات، سألها باستغراب
-البنات لسه نايمين!

كان حاملًا عبء رجوعهما والتحقيق الذي ستفتحه عايدة لجريمته العظيمة التي ارتكبها، خشى أن يترك فجر لوحدها في مواجهة التيار وعاد ليكون بجانبها..
جلست عايدة التي ترتدي جلباب أقرب بالقفطان المغربي وقالت بحنو
-اه يا روحي تعبانين من أمبارح، ما صدقوا نامو..
رفع هشام حاجبه إثر تلك النبرة الحنونة التى تفوهت بها عايدة فجذبه الفضول للجلوس بجوارها وسألها
-هما كويسين يعني؟!

ارتشفت عايدة رشفة خفيفة من فنجان القهوة وقالت
-ايوة يا حبيبي كلهم كويسين، مراتك نايمة في أوضة بسمة!
انعقد حاجبي هشام بذهول وأخذ يحك بسبابته أذنها ليتأكد مما يسمعه، فسألها بدهشة
-وانت كويسة!
-كلنا كويسين يا حبيبي، مراتك كانت هتتجنن عليك لانك مردتش عليها، أدخل طمنها.
-هاااا؟!
تركت الفنجان من يدها وسألته بغرابة
-مالك يا هشام؟!
-انا بردو اللي مالي؟!
-ااه مش مظبوط من وقت ما جيت! مالك تعبان؟

-انا زي الفل، انتِ تمام؟!
-اه تمام جدًا.
-مش حاسس!
حدجته بغرابة
-هشام!
وثب قائمًا حاملا على كتفيه اعباء الفضول وقال
-انا هروح لفجر يمكن افهم، عشان انا مش فاهم حاجة خالص!
قطع المسافة الفاصلة لغرفتها وهو يهذي مع نفسه ويهرتل كالمجنون حتى وصل لمرقدها وفتح الباب برفق فوجدها غائصة في نوم عميق، قفل الباب خلفه ودنا منها بعد إن نزع حذائه وجلس بجوارها بهدوء..

أخذ يتأمل ملامحها الملائكية النائمة، لم تستح عيونه ان تخفي رغبته فيها، للحظة صارت كل قوانينه بخار مما جعل يده تداعب شعرها النائم بحب بعد ما طبع قبلة خفيفة على جبهتها وهمس إليها
-في حد حلو كدا وهو نايم! مش كفاية نوم بقا!
أخيرًا اشرقت شمسها بعد ليل كاحل، فحملقت عيونها بعدم تصديق وهي تردد
-هشام!
مال حد عنقها ليدفن أنفاسه به ويزرع قُبلة طويلة ثم عاد إليها
-ها! صدقتي كدا؟

وثبت مفزوعة من مرقدها وعانقته بشوق وهي تقول
-كنت هتجنن عليك من القلق! حمد لله على سلامتك ياحبيبي.
اندفن كفه داخل شعرها الغزير وقال بتخابث
-وانا كمان كنت هتجنن عليكى، بس مش من القلق!
ابتعدت عنه وطالعته بفضول
-امال؟!
داعب أرنبة انفها بلطف وغمز لها بطرف عينه
-وحشتيني!
-كتير؟!
-فوق ما قلبك يتخيل.
تحمحمت بتدلل
-الله بقيت تقول كلام حلو أهو!
زفر ضاحكًا
-أبو فصلانك! اهو فصلت خلاص، شوفي بقا هتشغليني تاني ازاي؟

ضحك منها ملء القلب وقالت
-نسيت إنك بتشتغل ببطارية..
ثم طالعته بنظرة ناشدت فيها قلبه ان يذهب اليها بكل اوتى من حب وقالت
-المهم طمني عليك..
-المهم انت، قوليلي انت شربتي عايدة أيه عشان ترضى عنك كدا؟
ضحكت بصوت عالٍ وصل لأذان عايدة التي اشتغلت بلهب الغيرة، وتفوهت متوعدة
-هي الجوازة دي هتيجي على صحتي ولا ايه؟! لا ماهو كله بشروطي بردو!
فكتم هشام ضحكاتها بيده طالبًا
-بس عشان ممكن تسمعك وتقلب تاني!
همست له فجر.

-بتغير عليك جدًا على فكرة!
-منا عارف ومكبر، المهم انت كسبتيها ازاي؟
-بطرقي الخاصة!
كانت جملتها بثقة عارمة اشبه بالغرور، فاستقبلها بحاجب مرتفع وعيون متخابثة و
-والله؟! هي بقيت كدا؟!
مدت كفها لتحوي ذقنه بملاطفة
-اللي خلاني سيطرت على قلب هشام باشا السيوفي، ممكن يصعب عليا حد بعد كدا!
لمعت عيونه ببريق الإعجاب مرحبًا بقلبه الذي وقع بين يده على الرحب والسعة وقال
-في دي معاكي حق..

رجعت خصيلة وراء اذنها وسألتها بمكر
-انت وبتصحيني كنت بتقول إيه؟!
-امم مش فاكر؟!
-لا افتكر كدا، حاول..
غمز بطرف عينه ماكرًا
-قولت مش كفاية نوم؟!
-اللي قبلها بقا؟!
تعمدت التجاهل وقال بتغطرس
-لا مش فاكر.
-والله!
قالت كلمتها الأخيرة وهى تتأهب للمغادرة ومفارقة غرفته وهي تدندن
-انا اروح اقعد مع دودي حماتي وحبيبتي وانت خليك هنا افتكر براحتك..
شدها بقوة للخلف فسقطت بين يديه متأوهة بضحك وسألته
-افتكرت؟!

لمعت عيونه بزهو الحب وهي تطالعه بعيونها المفعمة بالشوق التي كلما تطلعت اليه ملأته بحبٍ لم يعلم من أي ثقب تسرب لصميم قلبه، نفى سؤالها وهو يعبث بشعرها الممتد على فراشها
-تؤ، مش فاكر، تغششيني!
تردف بجزل طفولى مدللة
-مش هينفع!
بلل شفتيه التى جفت شوقًا تلك المرة بلسانه واتبع بخبث
-بس أنت ماقولتليش قبل كدا انك بتحبيني أوي كدا للدرجة اللي تخليكي تنامي تحلمي بيا، دانت عشقتي!
-مين قالك كدا؟!

ارتسمت ابتسامه واسعه على محياه و
-قلبي، ينفع!
مدت كفها لأعلى لتسنده على قلبه الذي يعلوها وقالت بافصاح
-مش عايزه غيره من الدنيا والله، ولو كان على العشق، ف أنا بعشقك..
وما هى إلا لحظات وثار كل شيء بجوفه بنيران الحب العظيم الذي أحدثته صدفة ما، لتبقى وحدها إمراة الحب والحرب بقلبه، فمنها النار ومنها الغيث، وإليها رجل استسلم بكله ليسلم قلبه على يديها..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة