قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الرابع

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الرابع

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الرابع

لا اتزوج إلا عندما التقي بشخص يُلائم حياتي.
تلك الجمله سخرت منها كثيرًا عندما سمعتها من رجل ما، لا يتقبل إلا قناعاته العقيمة، لذا تحفظت بالجواب لنفسي بدلًا من الخوض في أحاديث فارغة ؛ ( لا يوجد شخص يلائمك تمامًا، يوجد شخص يتنازل من أجلك و تتنازل من أجله لأنكما ترغبان بالبقاء معًا. ) أما المعادلات الموزونة تلك تتم بمعمل الكيمياء لست بمعامل اختيار شريك الحياه.

مكالمة واحدة حولت الرؤية أمامه لسواد حالك جعل خطواته السريعة هائمة رغم صلابة بُنيته الخارجية إلا أن التصدع بروحه تلك المرة، ‏ليس هناك ما يؤلم الإنسان أكثر من كونه يعيش حالة حزن خامدة معلقة بروح غائب حتى البوح عاجزًا عنه فلا يُريد سواها ليشكو لها عن مرار غيابها، كانت له وطن عندما غربت أصبح لاجئًا بلا مأوى، اقتحم غرفة المكتب الخاصة بالطبيب واندفع قائلًا.

-يعني إيه اللي سمعته، مين الناس دول وازاي تسمحوا لهم يقربوا منها!
ثم كور قبضته متحاولا تمالك غضبه وهو يضغط على فكيه
-وأنت اصلا ازاي سايبها وقاعد هنا في مكتبك! دانا هخلي سنينك سودة.
نهض الطبيب المرتدي سترته البيضاء بهدوء وقال
-اهدى يا هشام وتعالي اقعد!
هدوءه أدى إلى انفعال هشام أكثر ونهره
-أنت لسه هتقول لي أقعد! مراتي فين بقولك؟ وإلا هقفلكم المستشفى دي.

حينها دخل مجدي ثم تابعته رهف وسعاد، فاقترب منه الأول وربت على كتفه
-استنى يا هشام نفهم..
اندفعت سعاد ناحية الطبيب
-ما تطمن قلبي يا بني وقول لي حصل إيه للغلبانة دي، وسابت أوضتها وراحت فين بس!
لم يعط هشام فرصة للطبيب أن يتفوه وسرعان ما قبض على ياقته ورجه بعنفوان
-أنت شايفنا هنموت من القلق وواقف تتفرج.
زرع مجدي نفسه بينهم ليفك قبضة يد هشام الممسكة بالطبيب بعناء
-اعقل يا هشام وحكم عقلك يا اخي.

شرع الطبيب في هندمة ملابسه ولا زال محافظًا على هدوءه وقال
-فجر فاقت يا هشام!

شهقة قوية اندلعت من جوف الجميع وبعدها صمتت الألسن وتفجرت برك الأعين، تلقى خبر إفاقتها كتلقي جمرة نار البُعاد بمياه النيل، صعقه الخبر، ألف سناريو دار برأسه، لهفته شوقها الكثير لبريقها ولمعة حضورها، كرباج خطأه مر على جروحه مرة آخرى وبات نزيفها خوفًا تلك المرة من فُقدانها الحتمي، صدح صوت الشوق بقلبه معلنًا برغبته القوية بأنه يفتقدها، ولكن صوت الندم لجمه صارخًا بأن ذلك لم يعُد كافيًا لتغفر، لان بعض الأخطاء غير قابلة للتبرير، تبريرها الوحيد اعتذار، وأي شيء آخر سيزيدها سوء.

حروبه الداخلية عزلته عن أحاديث من حوله، لبس معطف القوة فوق رداء الحب ونطق قائلًا
-هي فين، عايز اشوفها.
تحرك الطبيب أمامه صوب مقعد مكتبه وقال
-اللي حصل كالاتي، في حد اقتحم غرفة المدام ورفع كل الاجهزة عنها، وفي نفس الوقت كان فيه استف كامل من الدكاترة الأجانب بيسألوا عنها تحت ومعاهم أمر برعايتها، وكمان مش بس كده وو
اندفع هشام بقوته
-أنا مش عايزه اسمع حاجه قبل ما اشوفها هي فين؟

أومأ الطبيب متفهمًا ثم ضغط على الجرس اقصى يمينه، أتت الممرضة الي الغرفه فأمرها الطبيب
-وصلي هشام بيه لغرفة مراته.
اندفع هشام نحوها بحماس ولكن اوقفه نداء الطبيب قائلًا
-خلي بالك يا هشام لانها مش هتكون فاكراك أصلا..
شهقت سعاد بحرقة وانهارت في البُكاء
-البت جرالها ايه يا دكتور.
شحب وجه هشام وتصلبت قدميه مكانهما أرخى الشغف سدوله وتحول إلي صدمة
-إيه!
همَ الجميع كي يلحقون بهشام ولكن أوقفهما نداء الطبيب قائلاً.

-لو سمحتوا، سيبوا هشام يقابلها لوحده.
ثم جلس على مقعده واكمل
-مجدى بيه في تفاصيل كتير لازم تعرفها لان هشام مش في وعيه عشان يسمع حاجه.

-مسافر؟! إيه التهريج ده؟!
كنت تلك الجُملة الاخيرة التي تفوهت بها عايده كرد فعل منها على خبر سفر ابنها، سعل منير بوهن ثم قال بصوت يكسوه التعب
-استني يا عايده نفهم!
-استنى ايه؟ بسمة أنت موافقة على الجنان ده!
انفعل زياد بنفاذ صبر
-وأنا طالع اتفسح يا ماما! دي منحة ألف غيري يتمناها.
-بس الألف دول فيهم اللي محتاجها! لكن أنت ناقصك إيه؟
تدخلت بسمة آنذاك وقالت
-ده مستقبله يا خالتو!
-يعني أنت مسافره معاه؟

سألتها عايدة بنبرة لامعه ببريق الأمل أن تتلقى الاجابه والموافقة ولكن سرعان من طمستها بسمة بالنفي وقالت بتردد
-ماينفعش.
فأعلنت عايدة بتحدٍ
-زي ما ينفعش كدا تسافر من غير مراتك، ولو جاي تاخد رأيي يا زياد فأنا مش موافقة ولا موافقة تغيب عني كل ده! احنا هنلم شمل العيلة دي أمتى؟! هنعيش متفرقين لأمتى!

فهم زياد ما تشير إليه أمه بصورة غير مباشرة فأنها تخشي أن ينقلب حاله ويعود لأيام طيشه الذي سيخسره حياته الفعلية تلك المرة وحينها سيصبح غير جديرا بالعفو، ساد الصمت بينهم وتركت الأعين أسهم الشكوك تتبادل بينهم، تنهد زياد بعجز المُجبر، السفر في ذلك الوقت تحديدًا أفسد عليه حياته الجديدة ولكن ما باليد حيلة، الجميع مجبر على السير في طرق لا ينتمى إليها ولكن رغم عنه يخطوها لأن أحلامه معلقة بنهاية الطريق مهما كلفت الرحلة، الوضع بات أشبه بحفلة سخيفة مهما انعدمت رغبتنا فيها ما أن وصلنا إليها سنغني ونتراقص.

رن هاتف منزل بسمة فغادرت مجلسهم لتحضره وما هى إلا لحظات وعادت إليهم وهى تتحدث مع رهف بلهفة مردده
-إيه فجر فاقت! معقولة! لالا أنا جيالكم حالًا مع زياد.
صُعقت عايدة بالخبر الذي قضى على ما تبقى منها وقالت بضيق
-فاقت!
أيدت بسمة كلمتها بفرحة
-ااه يا خالتو فاقت فاقت، يلا يازياد نروح لهم.
اخذت تتبسم في هدوء عجيب مناقض لمجرى الأحداث
-وأنا اللي افتكرت ربنا عمل كده عشان يوعي هشام، أهي رجعت وبوظت كل اللي مخططاله.

حدجها منير بعتب
-البنت غلبانه يا عايدة، حرام عليكي.
-غلبانه وطيبة معاك، لكن متناسبناش يا منير! الواحد عايز عيلة يتسند عليها هو وولاده بعدين، الحب مش بيمشي مصالح في الدنيا دي.
-بس بيمشي الحياة ويوقفها، من غير حب مش هنعرف نعيش، ولا ايه رأيك! البنت مش ذنبها أنها فقيرة ولا ده شيء يعيبها.
اخجلها حديث منير المُقنع فقالت بارتباك
-بس متشرفنيش.
تدارك منير فقر التفاهم بينهم فقرر أن يرمي كرته في ملعبها بمهارة.

-وأنتِ تشرفي بلد كامله يا كوين هانم مش محتاجة حد يقلل ولا يزود منك، أنت تكفي.
سرت قشعريرة تقبل الأمر مجبرة بجوفها بابتسامه بدت على ملامحها وهى تغير مسار الحديث بينهم
-أنت بقيت أحسن دلوقت! أجيبلك تاكل.

في الحب واجب عليك أن تدفع الثمن مرتين، مرة للحصول عليه وآخرى للتخلص منه، ولكن ما سيكون الثمن الذي سيدفعه هشام!
تحولت خطواته السريعة التى تأكل خطاوي الأرض إلي خطوات سُلحفيه أمام أعتاب غُرفتها، طالعته الممرضة بهدوء وأشارت
-دي غُرفتها الجديدة، أهم حاجة الوضع النفسي بتاعها مش هوصيك.

انصرفت الممرضة عقب جملتها الأخيرة فتوقف هشام حائرا أمام الباب يواجه جيش الاسئلة التي انهالت فوق رأسه، كيف سيتعامل مع من انتظر عودتها لأشهر وعندما عادت إليه كان ساقطًا من ذاكرتها، هل جزاء التوق في لهب الحب النسيان ولا ربما تكمن الحكم في الابتلاءات وشاء القدر أن يمنحهما صفحة بيضاء من جديد! كيف سيقتحم حياتها من جديد وهو بهذا الكم الهائل من الشوق إليها الذي لا يرويه إلا عناق طويل!

لامست أنامله مقبض الباب ولكنه توقف حائرًا ؛ ماذا سيكون رده عندما تسأله عما أدي بها إلى هنا! سيكذب عليها ويبدأ صفحتهما بنقطة سوداء أم سيصارحها بالحقيقة التي ستطمس الورقة بأكملها! صدح الشوق بصدره وحاصرته براثين الخوف والقلق، ماذا ستكون النسخة الجديدة منها؟ القديمة أرهقته في حُبها كثيرًا، إذن فالجديدة ستسطر خاتمته بسحرها!

لا يعلم هذا من حسن حظه ولا من سوءه أن يقع في غرام إمرأة تشبه البحر، ولكن الفارق العملاق بينهما أن الغرق فيها نجاة، أخذ نفس عميق قطع به ثوب مخارفه ورفع عيناه متمنيًا ( أرجوك تدلني على موطئ أقدامي بدون توهان، ألا يمّر بنا العمر في طرق لا تنتهي من محاولاتٍ يتبعها تعثّر. ).

ضمت يده مقبض الباب وضغط عليه بتردد وما أن فُتح أمامه دق قلبه بصوت مسموع، اتسعت زاوية الباب تدريجيا كضربات قلبه تماماً وساقه فؤاده تلك المره الي داخل الغرفة، قعر خطوته جعلها تلتفت لظله الذي سبق خُطاه، وما أن وصلت أقدامه إلى مؤخرة سريرها، تكورت قبضته بارتباك ملحوظ أدي إلي اتساع بؤبؤ عينيها وهي تراقبه وما أن رفع جفونه إليها تضاعف بريق عيونهم، استمرت النظرات متأرجحه بينهم على صوت دقات قلوبهم التي تراقصت بجوفهم.

نظرته لها كانت تبحث عن رد حقيقي لحيرته هل ستتذكره ولا أصبح كالغريب بالنسبة لها، رُسمت ابتسامه خفيفه على ثغره ولا زالت حدق أعينه تعانقها وتمتم لنفسه متعجبًا
-هذه أول مرة أجد امرأةٍ تُغرق وتُسعِد الغريق مثلك.
بدت الحيرة تقاسم معالم وجهها، من يكون هذا الذي دق بقعر قدمه قلبي؟! من سيكون الذي أعاد لروحي الشغف للحياة؟! من هو الذي كاد قلبي ينخلع مني ليضمه شوقًا؟! وما سر تلك القشعريرة التي انتابت جسدي فجأة!

فَرْطْ الشوق على فرط الانتظار سَقَمُ، حتى وأن سكت الجرحُ لكن الألم سينطقُ، باتت حالة قلوبهم كالجرح وضمادته لا فائدة لأحد دون الأخر وإن اجتمعا حتما سيلتئم الجرح.
اصابته لعنة الشُح وفقر الكلام كعادته، فلسانه الذي لم يكف عن الحكي لها ابتلعه بنظرة منها، تقدم نحوها بهيبته التي أحدثت رجة قويه بجوفها، لا يعرف ماذا سيقوله ولكنه اكتفى بصوت يكسوه الحنين
-حمد لله على سلامتك.

ًوما أن جلس على طرف السرير وشرع أن يمسك كفها ليقبله فوجئ برد فعلها الذي جعلها تقفز من مرقدها لبين ذراعيه، ارتمت في حضنه وأحكمت قفل مرفقيها على عنقه وانهالت في بُكاء غزير، رجفة قلبها وارتعاش بدنها شعور شق قلبه لنصفين! ما تلك المشاعر التى تسربت اليهما دفعة واحدة، جعلتها تنفجر في صراخ مثقل بالألم والرعشات، وولدت من قلب هشام مشاعر الأبوة التي تسمو مشاعر الحب!

لف ذراعه حول خصرها النحيل وضمها إليه أكثر حيث اتخذت من فخذه مجلسًا لخوفها، باتت انفاسها تعلو وتعلو حتى أوشكت على الانقطاع وهي تشهق في جدار عنقه، مسح بكفه الأخر على شعرها قائلًا
-أشش أهدي أهدي أنا جمبك ومعاكي أهو..
غرز أنفاسها في شعرها وسحب نفسًا طويل ممزوجًا برائحتها التي افتقدها طويلًا وهمس متألمًا
-هونت عليكي تفارقيني كل ده!

شعر بارتخاء قبضها على عنقه تدريجيا حتى غادرت حضنه بخجل وتقهقرت للوراء بحياء تورد على وجنتها وهي تحاشى النظر إليه وقالت معتذرة
-اسفه أنا معرفش عملت كده ازاي!
اختلط عليه الامر للحظه ثم تذكر جملة الطبيب فتدارك الأمر سريعًا
-أنت مش فكراني؟
اختلست من ملامحه نظرة سريعه واخفضت انظارها أرضا وحركت رأسها يمينًا ويسارًا، لمعت ابتسامة هشام وهو يداعب ذقنها بلطف
-أومال حضنتيني ازاي.

رفعت كتفيها بتلقائيه وهي تجهل تمامًا مبرر فعلها الساذج وقالت بارتباك
-معرفش، مش عارفة عملت كده ازاي وليه، بس حسيت قلبي هيتخلع من مكانه، هو اللي خطفني لعندك، أنا اسفه بجد.
ثم اطرقت بحياء معتقدة أنه الطبيب المُختص لحالتها
-دكتور، هي دي حالة نفسيه.
تقمص دور الطبيب بحرافية وقال مداعبًا
-أنت مش لسه قايله أن قلبك اللي خلاكي تحضنيني!
-بس م
قاطعها مكملًا
-يبقى اسمها حالة قلبية مش نفسية ولا إيه!

-أنا مش فاهمة حاجة؟!
-ولا فاكرة أي حاجة خالص! حتى اسمك!
فرت دمعة من عيونها بحزن بالغ وهي تؤيد سؤاله وقالت
-الدكتور اللي قبلك قال لي اسمي فجر، بس قال لي كان انها فترة مؤقته وهرجع فاكرة كل حاجة!
ثني ساقه وارتخى في جسلته أكثر وقال مداعبًا
-طيب فاكرة حضنتي مين قبلي!
ضمت فجر ركبتيها الي صدره بقلق وهي تنفي سؤاله
-أشمعنا أنت!
غمز لها بطرف عينه
-يمكن اشبه حبيبك؟!
-أنا عندي حبيب؟!
مط هشام شفته و أسبل عيونه.

-أنا بسألك؟!
بللت فجر حلقها الذي جف من شدة ارتباكها وقالت بحزن
-مش فاكرة، مش فاكرة، بس ممكن اسألك سؤال.
-آكيد!
-أنت الدكتور النفسي اللي بعته الدكتور اللي قبلك ليا، مش كده.
قطب حاجبيه بتعجب وقال بثقة
-مشيها كدة!
-يعني دي أول مرة نتقابل فيها؟
-يعني!
تقابلت انظارهم المرتجفه في نقطة واحدة جعلت الكلام يتقطع بثغرها.

-طيب أنا ليه كنت بحلم بيك على طول، حاسه إني اعرفك من زمان، حاسه بإنك تخصني، ده شعور طبيعي لأي حد في حالتي!
-أنت حسيتي بكدة مع الدكتور اللي قبلي!
هزت فجر رأسها بالنفي
-للاسف لا، منا عشان كده مستغربة.
-تبقى مش حالة طبيعية لأي حد في حالتك، ولا إيه رأيك؟
اقتنعت بكلامه وهو تؤيده برأسها
-معاك حق.
تغير مجرى الحوار بينهم ليصبح بأكثر لهفة وسألها
-أنت حلمتي بيا كام مرة!
تطلعت اليها بعينين دامعتين وبنبرة خزى.

-مش فكرة!
مد كفه ليحتوى كفها المرتجف وقال بثقة
-كنت متأكد أن ذاكرة قلبك مش هتخون زي عقلك.
اختلست نظرة على كفه الذي أهدأ من روع جسدها بأكمله حائرة حيث لمعت عبراتهت فى عيونها وقالت متمنية
-أنت تعرفني!
اقترب منها أكثر وانتقلت انامله لتُلاطف ملامحها وقال بحب
-أنا هشام يا فجر، حبيبك وجوزك وكل دنيتك دي!

هُناك نظرة لا نستطيع النجاة منها حتى وإن تجاوزنا، لم يعطيها الفرصة لتستوعب ما قاله، فارتفع بمستوي شفتيه لجبهتها وطبع قُبلة طويله عليها احدثت خللا بجسدها وهى تحاول استعاب ما سمعته، ابتعد عنها مرة واخرى وسألها
-ليه الدموع دي، خايفة مني ولا مش مصدقاني!
تفوهت بهمس بين شفتيها الموتعشه باسمه
-هشام! أنا سمعت الاسم ده كتير.

غير مكانه لينتقل جوارها وما أن جلس أقصى يسارها ضم رأسها إلى صدره بحنان غلفه بحركة يده المتنقله على ظهرها
-كل حاجه هتمر طالما أحنا سوا، عاوزك تتطمني خالص.
استسلمت في حضنه فقربها إليه أكثر وهمس نبضه شاكرًا ( ‏وإني أراك رحمة الله عليّ في بؤس العالم إن كنت لا تعلم فإني أحبك بقدر ما ضاقت عليّ سعة الأرض و ضمتني رحابة صدرك، كوني بخير لأجلي!).

اتخذت من بين ذراعيه متكئًا لها خاضعة تحت سلاح الحيرة والتفكير، ابتعدت عنه ببطء ثم قالت
-يعني أحنا متجوزين!
مازحها قائلا
-أول ما نروح هوريكي القسيمة.
-طيب عندنا ولاد؟!
طالع هشام ملامحها الطفوليه وقال بحب يفيض من عينيه
-لسه ربنا ما أرادش، بس عشان خاطر عيونك الحلوة دي أول ما نخرج من هنا هيكون عندنا ولاد وهتكوني أحن ماما فالدنيا.
تلك المرة تبسمت روحها قبل شفاها، فسألته بتردد
-متجوزين لينا كتير.

ضاقت عيونه واصدر ايماءه خافته
-العمر كله جمبك لحظات، مش هتفرق، أنا كده كده ما بشبعش منك.
كانت جُملته هائمة بمخدر الشوق الذي جذبه عنوة نحو ثغرها ليروي قلبه منها وما أن لامست شفتيه الجافه بلل شفتيه المرتبكة انتفضت مبتعدة وهى تسأله
-أنت كذبت ليه وقولت إنك الدكتور النفسي!
تسمر مكانه وهو يلعن ذلك الحظ حيث ألتقم شفته السفلية بغل وقال
-أنت اللي قولتي مش أنا؟
-بس كان واجب عليك ترفض كلامي!

أحس انه وقع في مأزق آخر ولكنه قرر أن يتجاوزه بذكاء
-ما أنت ادتيني حضن شقلب كياني، نساني أن كنت ظابط ولا دكتور ولا حتى تمرجي.
اتسع بؤبؤ عينيها بحماس
-أنت بجد ظابط؟!
تمتم بغل
-وحياتك كنت ظابط الاداء جدًا مش فاهم أيه اللي حصل.
لم تترجم حركة شفتيه وسألته
-بتقول ايه مش سامعة!
-بقول إنك وحشتيني.
أحمر وجهها بمشاعر حب كستها ولكن ثمة الشعور بالخوف يطاردها وقالت
-ممكن تعرفني على نفسك، وتحكي لي أنا مين وفين أهلي!

ما لبثت أن انتهت من جملتها فاقتحمت رهف ومن بعدها سعاد بصياح صخف وتهليل وهما يحتفلان بها، فتمتم هشام
-أهم عيلتك وصلوا، اتعرفي براحتك، أنا لو بكفر ذنوب كفار قريش كلهم مش هيحصل فيا كده!

-ممكن أفهم في أيه يا دكتور! أنت قلقتني!
بدا على ملامحه القلق وقال الطبيب بفتور
-الموضوع يقلق بجد يا مجدي بيه، وأحنا لازم ناخد إجراء قانوني ضده.
تململ مجدي في جلسته بحماس وقال باستهجان
-بس اللي سمعته أن مرأة هشام بقيت أحسن!
شبك الطبيب كفوفه على سطح المكتب ونصب قامته وأكمل
-فجر لو كنا اتأخرنا عليها كمان خمس دقايق كانت هتروح فيها بس اللي حصل كالاتي.
انصت إليه مجدي باهتمام بالغ، فواصل الطبيب حديثه.

-في حد رفع كل الاجهزة عنها وواضح أنه شخص متمكن عارف بيعمل إيه كويس أوي، واستغل الفوضى اللي حصلت فى المستشفى وعمل جريمته.
رفع مجدي حاجبه بامتعاض
-حد! وهيستفادوا أيه لما يقتلوها!

-والمثير للقلق أكتر وجود استف أجنبي وطلب يشوفها حالاً وانهم معاهم أوامر بالاهتمام بحالتها، وبأمانه لولاهم محدش كان هيقدر ينقذنا، الحالة كانت محتاجة معجزه أنا مش هخبي عليك ولا أذوق في الكلام زي ما بعمل مع هشام، بس طالما بعتوا تقارير الحالة لحد بره على الاقل أدوا المستشفى خبر!
تراجع مجدي بظهره للخلف وهو يقلب الكلام برأسه نافيًا جملة الطبيب.

-بس هشام مابعتش تقارير لحد خاصة بعد ما فهمتوه أن الأمر مسألة وقت، وكمان مين دي اللي رفعت الأجهزة عن مراته وفي نفس التوقيت اللي وصل فيه الدكاتره دول، في لبس في الموضوع! هما الدكاتره دول لسه موجودين؟!
اجابه الآخر بخذل
-للاسف خلصوا شغلهم وبالاضافه أن القدر والحظ ساعدهم واختفوا من المستفشى قبل ما هشام يوصل بدقايق.
-كمان!
ثم دار جهاز الحاسوب الذي التقط بعض المقاطع لسلمى وهى ترتكب جريمتها وسأل مجدي.

-أظن ده دليل كافي للاتهام.
حملق مجدي في الشاشة بوجه ممتقع
-سلمى!

دقت عقارب الساعة ببدء يوم جديد قضاه الجميع في المشفى بين الفتيات وهن يتبادلن الحديث والقبلات والكلام العذب بينهم، وسعاد التي لم تبعد فجر عن حضنها للحظة حتى غفوت الاخيرة على كتفها، ولا زال مجدي يبحث عن حل اللغز ويربط الخيوط ببعضها من أول حرق المنزل حتى طاقم الأطباء المجهول، وماذا سيفعل مع سلمى الافعى المتنكرة!

كان فراقها للحظة آخرى عصيب ولكنه اضطر أن يعود لمنزلهم ليقفل إجراءات المحضر ويعاود البحث عن طرف آخر للمصائب المحيطة بهم، منذ أن اطمئن قلبه عليها وتركها مع الفتيات وبث مجيئها وميض الطاقة بجوفه فتولد بداخله حب الحياة دفعة واحدة.
حممت سعاد فجر بحذر شديد وساعدتها بسمة في ارتداء ملابسها التي احضرتها لها رهف وسندتها سعاد حتى فراشها وشرعت في تصفيف شعرها بحب وهى تقول.

-وحشتيني أوي يا روح قلبي، كنت هتجنن عليكي.
اكتفت فجر أن تربت كفها بامتنان ثم قالت
-واضح إني تعبتكم أوي معايا، بجد أنا حاسه بحاجات كتير حلوة مخلياني طايره بس.
تدخلت رهف سريعًا
-بس اييه! لالا البيت كله مصايب لوحده مش ناقص بسبسه، بس تعرفي أحلى حاجه ختمنا بيها اليوم إنك رجعتي لنا تاني.
جلست بسمة بالقرب من فجر وهى تدلك ركبتها بحنان.

-هشام تعب أوي من غيرك، واتعذب جدًا، اتجدعني بقى عشان تعوضيه عن كل اللي فاتكم.
قرعت طبول قلبها بمجرد سماع اسمه فسألتها
-هشام! هو راح فين؟!
انتهت سعاد من طوي شعر فجر ووضعت الحجاب فوقه واحتوت كتفيها بدفء
-جاله شغل ودلوقت يجي ياحبيبتي، أي وحشك!
تتدرجت عيون فجر اللامعة لأعلى وهى تخفي ابتسامة برقت بمعالم وجهها
-تعرفي أنا لما شوفته اترميت في حضنه من غير مااعرف هو مين، ولحد دلوقت مستغربة أنا ازاي عملت كده.

اتسعت ابتسامة سعاد
-ياحبيبتي ده القلب مهما نسينا هو له ذاكرته الخاصة اللي ما بتنساش حبايبها، ربنا يلم شملكم على خير أنت وهشام يارب واشيل ولادكم قريب
تذكرت جُملته التى أصابت منتصف قلبها كالسهم وقالت بهيام
-هو قال لي كدا، أول ما نخرج من هنا هيكون عندنا ولاد كتير.
انفجرت رهف في ضحك أشبه بالقهقهة وهى تتراجع برأسها للخلف وتضرب كف على الاخر
-عليا النعمه أخويا ده نمس.
لكزتها بسمة بعتب
-ما تتلمي بقى!

اقتحم هشام الغرفة آنذاك وهو يقول
-مين دا اللي نمس ياهانم اعترفي.
عصفت بها سلسلة احاسيس متتابعة بمجرد ما سقطت كلماته على مسامعه للحد الذي جعلها ترتجف في مجلسها ثم تتطلعت إليه بشوق يغمرها حيث اقترب منها أكثر وطبع قبلة على رأسها وقال مغازلا
-مأحنا بقينا حلوين أهو ومش محتاجين مستشفى.
بات قلبها تحت خيمته يتراقص وابتلعت الكلام أمامه فتدخلت رهف فى حديثهم بسماجة.

-ليه مش محتاجين مستشفى ها ليه ليه! عايز تاخدها وتروحوا فين؟!
زفر هشام بغيظ
-رجعنا للحشرية تاني، قوليلي بقى قبل ماادخل كنتي بتقطعي في فروة مين!
-فروتك طبعا.
-كمان وبتقوليها في وشي ومش خايفة.
نهضت بحماس من مكانها ودنت منه أكثر واضعه كفها على كتفه ممازحة
-ياحبيبي طبعا بكل خير، كنت بقولها أني صبرتك كتير وكنت مصدر سابورت ليك واقولك أن محدش هينفع يكون ام لولادك غير جوجو، وانكم لايقين على بعض جدا.

تجاهلت نظرات هشام الخبيثة واكملت رهف بشغف
-عارفه يا جوجو هفتنلك فتنة صغيرة أد كده، لو فتحتي موبايل هشام هتلاقي صورتك أول حاجة وكنت أدخل عليه كل ليله القاه فاتحها وبيكلمك كأنك قدامه بالظبط، أنا قولت الراجل اللي حيلتنا خلاص ضاع واتجنن، عليه العوض فيه بقى.
فوجئت بهشام يلف شعرها على كفه متوعدة
-كلمة كمان وهديكي في سنانك.
تملصت تحت يده بدلع
-ياهشام شعري دا جزاتي إني بلطف الجو ما بينكم!

دخل مجدي حينها ورأى رهف تحت قبضة أخيها فنهره
-نهارك مش فايت يا سيوفي انت مين سمحلك تمد ايدك على مراتي!
فرت رهف من تحت اخيها بأعجوبة لتحتمى خلف ظهر مجدي
-أنا اتبهدلت أوي من غيرك الحقني.
اقترب منها هشام وحاول أن يمسكهت ولكن كان مجدي كالحصن المنيع بينهم فقال
-طيب خليه ينفعك.
-طبعا هنفعها أومال هتنفعها أنت، في حاجات يابن عمي لا ينفع فيها اخ ولا أب.
التهبت عيون هشام بالغيرة وقال بشر
-زي أيه الحاجات دي.

لكت الملكات بفم مجدي وهو يقول
-حاجات! حاجات كده ياهشام لما تنضج هقولك عليها.
همست له رهف محذره
-يخربيتك، بتعك خلي في بالك أنك بتعك.
افتعل هشام وضع الغضب وهو يحدجه
-أيه الحاجات اللي بتفكر فيها مع أختى يالا وبتفتح عينها عليها!
ضحكت رهف بصوت مكتوم ثم همست
-ألبس!
وما انهت كلمتها فتفوهت بصوت مسموع وقالت.

-تعرف ياهشام كان بيفضل يقول لي كلام كتير كده كله مخدش للحياء، ولما كنت اهدده بيك عشان يبطل، كان يقول لي ولا هشام ولا عشره زيه! مش صح؟
جز مجدي على فكيه وهو يريد أن يفتتك بها وما أن فاض به الامر دفعها الي أخيها قائلًا
-أبوكي لأبو أخوكي، خد اتعامل معاها براحتك، أنا لو متجوز واحده من تل ابيب مش هتشلوح الشلوحة دي.
فدفعها هشام بلطف واعقب ممازحًا
-شيل شيلتك بقى عشان أنا مش هبقى فاضيلها خلاص.

-لالا ياعم أنا رجعت في البيعة وجاهز لأي شرط جزائي.
نفى هشام جملته غير قابلا للمناقشه
-للاسف معندناش الاوبشن ده، أنت خلاص لبست.
وضعت رهف يديها في خصرها ووقف أمامهم شاهقة
-لا والله! بقى كده بتحدفوني لبعض! نهاركم مش فايت.
تدخلت سعاد بينهم بنفاذ صبر
-بسسسس، أعقلوا بقى، وانت ياهشام شوف مراتك يا حبيبي، وانا يامجدي خد البنت دي وانزل هاتلنا تاكسي يوصلنا.
جرها مجدي أمامه من معصمها عنوة وهو يتوعد لها قائلًا.

-بقى أنا بخدش حياءك!
ثم خرج وقفل الباب خلفه واكمل
-قولت ولا هببت أيه أنا خدش حياءك يا بت السيوفي!
-فاكر لما قولت لي أني اشبه مسدسك، بضغطة منك هتطلع مني واحدة تانية خالص هتبسطك، بس أنا صابر عليكي لحد ما تيجي بمزاجك.
ثم اشارت له بسبابتها محذرة
-كنت واثقه أن غرضك وقتها مش شريف، اعترف الانكار مش هيفيدك.
-عارفة أنا هجيب المسدس ده وافرغه في دماغك واخلص منك أنت وشريف في طلقه واحدة، امشي قدامي.

-طب مين شريف ده كمان! فهمني؟ براحة طيب كتفي! انت هتبطل معاملة العساكر والمجرمين دي أمتى اوف منك.
( عودة الي الغرفة )
-الدكتور كتب لك على خروج، يلا، ولا أنت حبيتي القعدة هنا! البيت من غيرك مضلم.
قال جُملته وهو يداعب وجنتها برقة ويرمقها باشتهاء ( كم علي الانتظار كي ابلغ شفتيكِ) حتى ختم جملته متنهدًا
-جاهزه.
حانت منها التفاتة إلى سعاد ثم عادت إليه
-طنط سعاد هتيجي معانا.

-مممم لو حابة كده أنا معنديش أي مانع.
تدخلت سعاد رافضة اقتراحها
-ياحبيبتي ده جوزك، روحي ارتاحوا أنتوا تعبتوا أوي وانا من النجمة هكون عندك.
ثم نظرت لهشام موصية
-مش هوصيك عليها ياحبيبي، حطها في عينك.
ظهر الانشراح علي اساريره
-دي في قلبي، يلا.
لملمت بسمة اغراض فجر من الغرفة في حقيبتها واستأذنت
-هنادي حد ينزل الشنطة تحت.

ما لبثت أن تفارق الغرفة فوجدت اللواء نشأت أمامه فرحبت به على عجل واكملت طريقها، طالعها من فوق عويناته فرفر قلب نشأت قائلًا
-سعاد هانم ازيك، دانا حظي حلو إني هشوفك هنا كمان.
تلجلجت سعاد بوضوح
-الشرف لينا معاليك.
نهض هشام مرحبًا
-تعبت نفسك وصممت تيجي
ثم همس له برجاء
-عارف إني قصرت أوي في شغلي، مش طالب غير يومين اجازه كمان وهرجع هشام اللي تعرفه واحسن، ده وعد مني.
اطال النظر صوب سعاد قائلًا.

-عشان خاطر سعاد هانم اجازه لاخر الاسبوع ده.
تأرجحت نظرات فجر بين سعاد ونشأت فأختبئت ضحكتها وراء ندائها قائلة
-طنط ممكن تساعديني أقوم.

-البنت فاقت وكل اللي أمرت بيه حصل يا بُص، وهشام السيوفي تلاقيه بيضرب أخماس في اسداس دلوقت.
شد نفس طويل من سجارته الثمينة وقال
-عظيم عظيم، زي مابيقولوا بالمصري، رمينا للكلب عضمه تلهييه وبقاله نقطة ضعف، نبتدي الشغل بقى.
رمقه فهمي بنظرات حائرة
-نفسي أفهم ايه بيدور في دماغ معاليك.
قهقه الاخير بكبرياء
-ماينفعش، وإلا زمانك قاعد على الكرسي ده.
اطرق فهمي بطاعة
-أي اوامر تانية لحد دلوقت!

-عينك ما تنزلش من عليهم، وابعت لي ( چيسي )
-أعتبره حصل، بعد اذنك.
انصرف فهمي وما أن تأكد من مفارقته للمكان ألقى الاصلع سيجارته تحت قدمه ودهسها بمشط رجله متوعدًا
-اتلقى اللي مستنيك مني يا حضرة الظابط.

هبط هشام وفجر من سيارة الاجرة التي نقلتهم من المشفى، وانتهى من محاسبة السائق بعد ما وصل حقيبته لبوابة البُنية وشكره، كانت تراقبه هدوئه بإعجاب شديد وتحسد نفسها قائله ( أأنتسب أنا لرجل عظيم هكذا )، فاقت من شرودها على صوته
-هتقدري تمشي ولا اشيلك.
ردد جملته بدهشة
-تشيلني!
-ااه عادي وفيها أيه، يلا.
-قادرة أمشي على فكره.
فابتسم بتخابث قائلًا
-ياستي اعتبريني بتلكك! ولا مش مسموح؟!

اشعل الحب بعيونها التي اكتسحت المكان وسألته بعدم تصديق
-أنت جوزي بجد وانا مراتك يعني!
دخل في نوبة ضحك طويله قطعها بواب العماره مرحبًا وهو يرفع الحقيبة
-يااهلا وسهلا يا مية مرحب، ست فجر هانم حمد لله على سلامتك، العمارة كلها ضلمت من وقت ما غبتي، يا مرحب يا مرحب.
رفع هشام حاجبه مؤيدًا
-محتاجة حاجه تثبتلك كمان.
رغم عنها ابتسمت وقالت برعشة خفيفة.

-اصلي بجد مش فاكرة أي حاجة، وكمان أنت جميل أوي وانا مش مصدقة أن الجمال ده كله ليا لوحدي.
جملتها حركت بداخله كل ساكن ودفعته ليقبل رأسها ويضمها إليه قائلاً
-أنا لو كنت جميل زي ما بتقولي فده لاني معاكي، أما في غيابك ما كنتش جميل ولا نيله.
دغدغ بجملته كيانها فلم تكن جملته كنسمة من نسمات الربيع بل كانت زلزالا مهولا لبدنها، وطالعته بعيونها المفمرتين وقالت بدلال.

-أنا بقول بعد الكلمتين دول تشيلني أحسن لاني بالحالة دي هيغمى عليا وهتكون عيونك هي السبب.
انحنى قليلًا ليحملها برغبة شديدة في فعل ذلك هامسًا
-الواضح كده ان فايتني كتير اوي لسه محستهوش ولا عشته معاكي.
وصل بها الي باب شقتهم وكم كانت منتشية وهى تتأمل ملامحه عن قرب ومن حين لاخر يرسل لها ابتسامة ساحرة حتى فتح الحارس الشقة ودخلت بها لغرفته ووضعها في منتصف فراشه بحب وقال
-هشوف البواب وارجع لك.

انكمشت حول نفسها وهى تكتسح معالم الغرفة بعيونها شبر شبر وركن ركن حتى اخذها الفضول في أن تنهض لتفحص خزانة ملابسها فوجدت الكثير من الملابس التي راقت لها، ولم تمنع نفسها من فحص خزانته هو الاخر واستنشاق رائحته التي قلبت الذكريات بقلبها لا بعقلها تلك المرة.
مرت عدة دقائق فعاد إليه ووجدها امام خزانتها حتى استند عليها قائلا
-عايزة تغيري هدومك!

كانت ترتدي بدلة كامله باللون الازرق وفوقها حجابها الأبيض حيث القت نظرة على نفسها في المرآة
-آكيد مش هفضل بيهم، أنا كنت اتخن من كده صح!
-مش مهم المهم انك عجباني مهما كان شكلك.
اطرقت بخجل
-لا بس ملاحظة اللبس واسع عليا وكدة.
-هو كبيرك اسبوع دلع معايا وهترجعي أحلى بطة.
قفلت باب الخزانه بهدوء واقتربت منه
-حاسه أن جوايا كلام كتير عايزة اقولك عليه، بس معنديش كلام، قلبي عايز يفضل باصص لك كدة وخلاص.

وقف بمحاذاتها وشرع في فك حجابها.

-شوفي يافجر أنت غايبة عني بقالك كتير، وانا اتعذبت أوي من غيرك واللي واثق منه أن قلبك كمان اتعذب، ممكن منخوضش في أي تفاصيل ودوشة وننبسط يومين بس، مش عايز اسئلة كتير ولا لخبطة وحيرة، انا عارف والله أن ده حقك، بس أنا كمان محتاجك ومحتاجك اضعاف اضعاف الاول، محتاج اثبت لك حبي اللي بخلت بيه عنك كتير، محتاج اعوض قلبي عن كل لحظه غبتي فيها، محتاج اخد هدنة يومين واعتزل البشرية واهرب وأنت خير ونس ليا.

ما أن انتهى من فك حجابها اتبع متنهدًا في حضرة جمالها
-عايزك تسيبي قلبك يعمل اللي هو عايزو معايا بدون تردد أو خوف، بالمختصر اللي يقولك عليه اعمله زي مثلا حضن المستشفى.
اتسعت ابتسامتها بعنفوان وهى تحاشي النظر اليه فأكمل بغمز
-كان حتة حضن انما ايه حكاية.
حاولت التملص من قربه المُربك متحججه
-آكيد محتاج تاخد حمام دفي، أنا هجهزلك هدومك.
قفل الخزانه فورا في وجهها واكمل.

-قلبك قالك اتحججي واهربي مني زي ما عملتي كدة!
هزت رأسها بالنفي فاكمل
-أومال انا بتفق مع عيلة يعني!
-أصل.
استند بذراعه على الخزانه خلفها لتبقي تحت ظله وقال
-أنا متفهم جدًا حالتك، وصدقيني أنا هنا مش عشان اجهدك أكتر ولا أطلب منك حاجة خارج طاقتك واستيعابك، أحنا هنا سوا على مركبة الأستراحة من حرب الايام، مسموحلك تعملي أي حاجة وكل حاجه، اتفقنا.

بث الطمأنينة بجوفها ومنحها رُتبة القطبان لسفينة حياتهما، ابتسم ثغرها بأمان خال من أي رعشة تلك المرة وأعلن هزيمته أمام تلك الشفاه التي لن يرتوي منها مهما قبلها.
تعمد أن يكسب راية قلبها دون فعل تصرف يُخيفها أكثر
-هدخل أخد شاور واخرج أعمل لك أحلى فطار، أي رايك.
-اتفقنا.

تعمد هشام ألا يُرعبها أكثر وألا يكلفها في شيء لا ترغبه فاتخذ قرار الانسحاب بلطافة من أمامها، ظلت تأكل ظهره المتناسق بأهدابها حتى اختفى، ظلت تخطو خطوات خفيفة في الغرفة وتستكشفها حتى طرأ برأسها فكرة تبديل ثيابها.

دخلت بسمة غُرفة المكتب الخاصة بزياد فوجدته نائمًا في سبات عميق فوق الاريكة الجلدية، دنت منه بهدوء شديد حتى جثت على ركبتيها بجواره واخذت تمرر نجوم حبها على معالمه، لامست اناملها ذقنه المهندمة وهى تقول
-هتفضل نايم لحد أمتى، عندنا شغل كتير واوراق لازم نخلصها يا دكتور.
رفع جفونه بتثاقل وأوشك الصداع أن يفتتك برأسه وهو يسألها
-الساعه بقيت كام.
-دلوقت ١٠، يناسب معاليك تصحى ولا اسيبك كمان شوية!

حملق زياد بها أكثر متناسيا وجع رأسه
-دا ايه الرضا ده كله، شكلي هغير رأيي و ابطل اسافر.
تبدلت ملامح وجهها الحنونه لقطة شرسة
-ما تخلص وتقوم يا زياد، اي دلع العيال ده.
اعتدل بتكاسل وهو يقول
-ااه هي بسمة اللي طفشتني من البلد كلها حضرت أهي، اصطبحنا.
مداعبته كانت كافيه لرسم ضحكه خفيفة على وجهه، حيث أكملت
-لازم ازعق يعني!
-أنت على طول بتزعقي ما فرقتش.

لازالت انظاره تعلوها حتى تركزت في بؤرة ما اشعلت لهب الغضب بوجهه
-أنت لابسه حاجه فوق التوب ده؟
حيث كان عبارة عن رداء أبيض ماسك على جسدها يغطي نصف ذراعيها ذو فتحة مستطيله عند الرقبة تبرز معالم جمالها، حرارة تظرته جعلتها تنهض على الفور من مكانها لتجلس ع المقعد المجاور وقالت
-اه ماله ما هو مغطي دراعي ومحترم.
-هو أيه اللي مغطي دراعك ومحترم وصدرك كله بره!
-اي الوقاحة دي؟!

فزعت من مجلسها مرتبكة لتبتعد عن نظراته الثاقبه
-هتفضل طول عمرك متخلف كده..
فصاح معاندا
-انا متخلف تقومي تعملي اللي يعصبني متجوزه نجفة!
اقتربت من المقعد المجاور للباب وتناولت جاكتها الجلدي الاسود وارتدته بعجل وهي تتمتم
-أنا غلطانه اني افتكرتك ارقى من كدة واتعاملت عادي؟
فصاح جاهرًا
-هو ايه اللي عادي! دي اسمها مرقعة ومش عامله اعتبار للتور اللي يعتبر جوزك.
انتهت من غلق سترتها الجلدية وهى تغمغم مقتربة منه.

-أنا قلعت الجاكت بس عشان المكتب كان دافي وو
فقطعها قائلًا
-ما أنت قمر كده! مش تقولي في جاكت والتوب ده ليا لوحدي.
نفذ صبرها من همجيته التي لم تتغير بعد وقالت متأففه
-أنت ازاي بتفكر كده، انا غلطانه اصلا اني عبرتك وجيت عشان اصحيك، شيل شيلتك لوحدك بقى.
كانت تلك أخر جملة قالتها وولت ظهرها متأهبة للذهاب فأوقفها نداءه
-بسمة استني
-نعم! في اهانه تاني.
اقترب منها بثغر مبتسم وعيون لامعه وقال.

-ما عاش ولا كان اللي يهينك! أنت بس اللي بتحطيني في مواقف صعبة.
-وهو فين الصعب في إني قلعت الجاكت لاني حرانه!
-مكنش قدامي اختيار تالت ياما هزعق واتعصب يا أما هتحرش! شوفي اللي يرضيكي وانا اعمله
-والنبي أنت فايق ورايق.
كانت تلك اخر جمله القتها على مسامعه قبل أنا تقفل الباب وتغادر فانفجر ضاحكًا وهو يتراقص بفخر معجبًا بنفسه وتحكمه بذاته أمامها تاركًا افعاله السمجة ذات المتعة المؤقتة.

انتهى هشام من حلاقة ذقن الحزن ولمع تحت نور الحب، هندم شاربه الكثيفه وصفف شعره امام المراة حتى هجم طيف الالم على مخيلته فجرح وجنته حد المكينة لامس قطرات الدماء بأنامله فهجات احزانه قائلًا.

-يارب فرصة واحدة منها مش محتاج حاجة تاني، أنت العالم أنا بحاول ابعد عنها ازاي عشان حسابي ما يتقلش عندها وابقي استغليت ضعفها وكسرتها تاني، يارب حياه هادية وبيت مليان حب وأمان، دلني أنا مش عارف أكمل كذب ولا احرق الفرصة اللي عطتهاني!

ظل حيرتها تنعقد فوق رأسه حتى انتهى من كل شيء وارتدى بنطال بيجامته فقط تاركًا صدره عارية لسقيع عينيها، خرج من الحمام يبحث عنها حتى وجدها في الصالة تتجول، تسكعت عيناه على منامتها القطنية التي لا تصل لركبتها والتى تبرز تفاصيلها التي لم تهزمها النحافة وما أن استدارت وجدته خلفها يمعن النظر بها فقالت
-شقتنا حلوة أوي، أنا حاولت اشغل التكييف على السخن والحمد لله بعد معاناه لقد فعلتها.

(‏لك أن تتخيل أن النظر إليكَ وأنتَ تبتسم، كافي لإذابة أصفاد هذا القلق المُستمر داخلي. )
دلالها افقده مبادئه وعقله وعهده مع نفسه بخصوصها حيث اقترب منها قائلا بحب
-نورتي البيت وقلبي.
-أحم، أنت مش قولت هتفطرني ولا رجعت في كلامك!
-نحن رجال افعال مابنرجعش في كلامنا مهما حصل.
ثم انحنى قليلًا باسطًا كفه
-اتفضلي معاكي قدامي واقعدي اتفرجي وشوفي أنا هعملك إيه!
رن جرس الباب فقطع نظراته التي تعانقها وقال.

-أكيد البواب جاب الحاجة، هاخدها منه واحصلك.
مرت عدة دقائق شرع فيهما هشام في اعداد الفطار ببراعة وهو يشاهد مقاطع الطبخ الأجنبية ويقلدها بطريقة مثيرة للضحك، كان الصمت ضيف مرحب بهما ولكنها قطعته قائله
-أخدت بالك من اللي حصل النهاردة؟!
انتهى من ضرب البيض وقال
-في أيه بالظبط؟!
-طنط سعاد واللواء اللي جيه النهاردة، هما مرتبطين!
-لا ليه بتقول لي كده!
اتسعت ابتسامتها.

-لا دا كان باين أوي، سعاد هانم وخاطر سعاد هانم! أنت ازاي مااخدتش بالك.
-شكلي أنا الوحيد اللي مش واخد بالي فعلا.
نزلت من فوق المعقد العالي الذي يحاوط بار المطبخ ودخلت لتساعده قائلة
-أنا شيفاك محتاس ليه.
التفت الي الاناء الذي نساه يحترق على الموقود قائلًا
-دي أول مرة في حياتي ادخل مطبخ.
شرع في اصلاح الامر سريعا ولكنه فوجئى بقوبها المبالغ متعمدة أن تلامس عضلات ذراعه وقالت.

-كنت خليت عم عبدو بالمرة يجيب فطار.
سقطت أنظاره على كفها الذي يلامسه وومض عيونها الذي ارسل له رسالة صريحة ( لم ألمس طمأنينتي إلّا بقربك ) تمالك هشام اعصابه متحمحمًا وقطع الصمت قائلًا
-سبتي ليه مكانك، ولا واضح أنه ما يعتمدش عليا في امور المطبخ دي.
دنت منه خطوة آخرى وقالت بصوت خفيض وهى تتطالع تقاطيع جسده
-أحنا ممكن نعمل الاكل سوا على فكرة.

تعمد البعد عنها ليأخذ شيء ما بالثلاجة، كان امره مكشوفا للغايه فسألته
-أنت صحيح كنت تكلم صوري واتجننت في غيابي زي ما رهف قالت!
قفل باب الثلاجه وقال
-رهف يعتبر ما قالتش حاجة من المعاناه اللي عشتها في غيابك.
اكتسحت بُنيته باهدابها بنظرة قلقته أكثر
-غريبة، مش شايفه ولا حاسه بده لما فوقت.
-ازاي؟!
قالت جُملتها وهى تقفل الموقد وتدنو منه اكثر بخطوات كانت يحسها فوق قلبه.

-مش عارفه حاسه بحاجة غريبة، كأنك متعمد تخلق مسافات بينا مثلا!
انعقد جبينه بدهشة وقال بتلقائية
-مسافات! أنت عايشه وسط روحي أصلاً
لقد كانت نبرته وتحركاتها رقيقةً جدًا، مع ذلك وبكل خفّةٍ ممكنة تخطت كل حدثٍ قاسٍ مر عليهما وقررت أن تتبع نصيحته وتدرك قلبها اينما ذهب بها، تشيثت بكفه بقوة ورمقته بوهن
-هشام!
ذاب في حروف اسمها الخارجه من شدقها، فاجابها
-أؤمريني.

بد الخجل والقلق يقاسم ملامحها ولكن صدح قلبها كان أقوى من أنها تتجاهله، صمتت قليلا تحت غيمة نظراته وقالت متنهدة بلمعة الدموع في عيونها
-حاسه إني عايزة احضنك ومستنياك تبادر بيها بس خلاص حاسة إني مش قادره.

كانت تتنهد كأنما لم يبقَ في جوفِها نفس، حتى لم تنتظر رده بعد انتهائها من جملتها حيث تقدمت وعناقته بقوة لم يتحسسها من قبل، كان شعور صعب أن يوصف كأنهم لمسا الشمس معاً وعانقا بكفوفهما الغيوم، تحول ذراعيه لجناحي فراشة تضلل عليها، وأصبح عبير الحب يغلفهما من كل صوب وحدب.
سالت دموعها على كتفه وهى تقول بصوت باكٍ
-أنا جوايا مشاعر كتير ملخبطاني! أنا مش فاهمه حاجه بجد.

نصب قامته ليرفع ساقيها التي تلامس الارض وغرز انفاسه بشعرها المنسدل هامسًا
-قوليلي عايزه أيه بس وانا هعمله حالًا
ظلت معلقه في حضنه حتى جلس على اقرب مقعد واجلسها على فخذه وأكمل بحنان
-طيب بتعيطي ليه؟!
رفضت أن تطالعه وظلت مختبئة بجدار عنقه وقالت
-متلخبطة، حاسه نفسي تايهه ومش عارفه عايزة ايه، انا حتى مقدرتش افضل قاعده اتفرج عليكي من بعيد، حاسه إني لقيت حاجه غالية أوي كنت بدور عليها من زمان.

ربت ظهرها بلطف ليطمئنها وقال
-مش احنا اتفقنا انها مسألة وقت وهنرجع أحسن وأنا اهو معاكي، بتصعبيها على نفسك ليه.
احس بارتخاء قبضتها عليه وهى تتراجع لتلتقي عيونها المتهرئة من كثرة البكاء بعيونه العاشقه فغرزت سهم الشوق بقلبه وارتفعت انفاسه الحارة التي يحاول بها يكبح مشاعره المنفرطه، اجابته بهون
-قولت لي شوفي قلبك عايز أيه واعمليه، وانا عايزه أقولك أن قلبي عايز يفضل في حضنك كدا على طول.

الحب ليس القيام بأشياء خارقة للعادة، بطولية إنما ممارسة الأشياء العادية بحنان، لم شعرها جنبًا وسألها بتعب
-فجر أنت كويسه؟!
-مش فاهمه؟!
-في حاجة في جسمك بتوجعك دايخة حتى صداع ياستي.
هزت رأسها بالنفي وقالت
-لا أنا تمام، بس ليه؟!
كانت نظرته تطلب منها ( ان تغلق عينيها، وتفسح له مجالا كي يقبل تقاسيم وجهها دون ارتباك..!) زفر بقوة كافية أن تغير مسار غيمة وقال بشوقٍ انسدل على شفاهها
-بس أنا مش تمام.

‏ارتمى بين يديها بنيّة ‏السكينة عن كُل قلق الأيام، حيث كانت امرأة حَادّة حتى حبها يجرح، والقُبله مِنها تلسعُ الروح تمَزِّق الجلد، انفلت زمامه صبره عن شاطئها فتناسى العالم بأكمله، كانت تبادله بقلب يصم تفاصيل ويحتفظ بكل ما يرق له فعله، ‏هذهِ البحّة التي تكمن في صوته ماهيَّ إلا إكمال لِقصيدةٍ غرامية لا زال لها بقية.

كانت ضمته عليها قوية للحد الذي أراد أن يُخبئها بين أضلعه كي لا يجرب مَرارة المسافة بينهم أبداً.
فاق الثنائى من حروب المشاعر الناشبة بينهم على صوت دق الباب فابتعدت عنه متخذة نفسها الذي اوشك أن ينقطع وقالت له بخجل عما دار بينهم
-هشام الباب بيخبط.
سكن جسده للحظات يستجمع فيها قوته التي انخرطت تحت يدي إمراة فداعبت وجنته بحب وقالت بخفوت
-قوم شوف مين.

ابتعدت عنه لتجلس بالمقعد المجاور تلتقم تفاصيل خطوته التي انهار لها فؤادها وهى تحتوي كفها الذي أوشك على الانخلاع من مكانه بسبب دفعة المشاعر التي تولدت في قربه.
فتح هشام الباب ولكن لم يجد احد، فقفله مرة آخرى حينها اتت اليه لتسائلة ولكنه اخبارها
-مفيش حد، ممكن حد غلطان في الشقة.
اومأت بهدوء حتى سقطت عيونها ارضًا واشارت إليه بسبابتها
-هشام أي الظرف الواقع تحت رجلك ده!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة