قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الخامس

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الخامس

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الخامس

مصيبتي بالحياة إنني أحببتگ كورطة، أصبحت تُلازمني كأنفاسي، مهما فررت منك رأيتك في كل الوجوه، وفي كل مكان، شبح حبك يطاردني أينما ذهبت كالقدر مهما هربت منه وجدته أمامي، كم هو مؤلم الفارق بيننا! أنت تقطن هنا خلف سياج صدري المنغلقة عليك، أما أنا لا أعد في سجل الأحياء بالنسبة لك.
( حمد لله على سلامة مراتك، خلي بالك منها عشان اللي جاي مش في صالحكم يا ابن السيوفي ).

تلك كانت الجُملة المكتوبة داخل الظرف الذي وجده تحت الباب، قرأ الرسالة عدة مرات حتى عصرها في يده من قسوة الحيرة التي ارهقته ولعن في سره مغمغمًا
-اااه يا ولاد الكلب!
ظلت مُحافظة على صمتها طويلًا تتقرب تغير معالم وجهه التى تبرز الحيرة حتى خرجت من صمتها بتردد وسألته
-خير!
رفع أنظاره إليها وهو يمسح على وجهه قائلًا بابتسامة مُزيفة
-مفيش ؛ متشغليش بالك.

أومأت بالإيجاب وهى تجلس على أحد درجتي السلم تحت قدميها حيث انكمشت حول نفسها وبدأ جسدها يرتجف بصورة ملحوظة حاولت أن تسيطر عليه بضم ذراعيها وركبتيها لصدرها ملتزمة الصمت، لاحظ هشام عدم اتزانها فإقترب منها وجلس بجوارها وهو يربت على شعرها بحنو
-فيكي حاجة؟! مالك! اطلب لك دكتور؟
فزعت من جواره كمن لدغ بصاعق كهربي وهي تتوسله
- لو سمحت، ممكن تبعد عني! متحاولش تقرب.

لأول مرة يراها أمامه بتلك الحيرة المروعة لقلبه، ذبحته برفضها الواضح له، وذبحته أكثر لتعبها الذي استفرد ببدنها الهزيل وهو يراقبها عاجزًا، وقف حائرًا يُطالعها بقلة حيلة وبكثير من الحب، لأول مرة يرى في عيونها غيم الحيرة، وفي شعرها ليل الوجع الذي استبد القلوب بدون شفقة.
حاول أن يقترب منها فاستقبلت قربه بخطوة أخرى للوراء وهى تترجاه بضعف
-لو سمحت.

بنفس ‏رجٌفِه الشوق الكائنة بقلبه زادها بُرد خوفها منه بعد ما كان مأمنها قبل لحظات، رفع كفيه أمام صدره مُلبيًا لطلبها
-تمام، تمام، اهدى وقولي لي عايزه أيه وأنا هعمله ؛ تمام!
اقتحم الصداع رأسها وهى ترى صورتها مشوشة أمامها وقالت
-عايزه أبقى لوحدي، ممكن!
هز رأسه رافضًا طلبها
-مش هقدر اسيبك في الحالة دي.
ثم اندفع صوبها بتلقائية وهو يكمل قائلًا
-اهدي كده وو
فقطعته صارخة.

-متقربش، قولت لك عايزة أبقى وحدي شوية.
-ما هو مش هينفع اللي بتطلبيه ده! أنا هطلب لك الدكتور.
انخرطت دموعها بغزارة وهى تتشبث برأسها من شدة الوجع والاضطراب النفسي الذي عقد حلقته حولها، وانهارت صارخة
-مش عايزه دكتور ومش عايزة أي حد، عايزة افضل لوحدي!
استسلم هشام أمام انهيارها الذي اطاح بقلب الثنائي وقال.

-اللي عايزاه هعمله، تعالى ارتاحى في الاوضة جوة وانا مش هقرب منك بس المهم ترجعي كويسة لو هو ده اللي هيريحك.
أصبحت تأخذ انفاسها بصعوبة وهى تستجيب لعرضه وتسبقه لغرفتها فلحق بها وما لبث أن وصل لأعتاب غرفتهم فوجئ بها تقفل الباب بقوة وتجلس خلفه سابحة في دموعها، تشعب الخوف في قلبه أدى به أن يتواصل مع طبيبها المختص الذي اجابه بعد ما انتهى هشام من وصف الحالة المفاجئة التى اصابتها وقال بهدوء.

-طبيعي يا هشام، كل اللي بتحكيه ده طبيعي، ساعه هتلاقيها بتعيط وتايهه وخايفة لانها مش فاكرة حاجة، وساعة هتلاقيها حد طبيعي جدًا، مسألة وقت وهترجع أحسن، المهم اللي تطلبه نفذه لها.
لم يقتنع بنصايح الطبيب وجهر ممتعضًا
-بقولك منهارة وانا مش عارف أعمل اي! وأنت بتقول لي اسيبها؟
أمره الطبيب
-اهدى ياهشام عشان تقدروا تتجاوزوا الفترة دي، ماينفعش الحالة اللي أنت فيها.
زفر هشام مختنقًا
-أيوه يعني أعمل ايه!

-طمنها، حسسها إنك جمبها ومش هتسيبها وأن ده كله فتره وهترجع احسن، فجر مش محتاجة دكتور لان مرضها مش عضوي، هى مش محتاجة حد غيرك دلوقت.
ألقى الطبيب حمل المسئولية على كتفي هشام فأحس بأن جبال الارض رست عليهما، انتهت مكالمته مع الطبيب ثم عاود الاتصال بسعاد قائلًا
-طنط ممكن تيجي حالاً.
-خير ياحبيبي مراتك مالها.
مسح على رأسه بعجز
-صدقيني معرفش، ومفيش غيرك ممكن يساعدها ويساعدني، لو سمحتي تعالي حالًا.

لبت طلبه على الفور
-مسافة السكة ياهشام ؛ سلام يا حبيبي.
ما لبث أن انهى مكالمته مع سعاد ثم عاد إلي غرفة فجر مرة أخرى وهو يدق الباب بتوسل
-طيب ممكن تفتحي.
لم يلق منها أي رد، فأشعل الصمت بقلبه لهيب القلق قائلًا
-فجر متعمليش كدا فيا، من فضلك افتحي.
مسحت دموعها الغزيرة وهى تتمالك أعصابها
-أنا كويسة، محتاجة أنام شويه.
-متأكدة إنك هتنامي؟
انتظر ردها طويلًا فكانت تتخلص من دموعها بمعاناة لتُجيبه بهزل
-ااه هنام.

لا أعلم إن راودك هذا الشعور قط، بأنك تود أن ينتهى كل هذا كانتهاء كابوس مزعج، أو ألا تكون فرد في ذلك العصر المُحزن، أو ألا تعي بوجودك، أو شيئًا مثل ذلك، أعتقد أنها رغبةٌ سوداوية جدًا عندنا يعاكسك كل ما تسعى لتحقيقه، شعور العجز قاتل، لكنّني أريده عندما أصبح هكذا، ولهذا أحاول ألا أفكر، أريد فقط أن يكف كل شيءٍ عن الدوران، اترقب مرسى سفينتي التي تقاذفتها الدوامات بقوة.

اقتربت من فراشها بضعف وهى مشتته، صداع قوي يصدح برأسها حتى أوشكت على الانفجار، ضمت الوسادة الي صدرها ودفنت رأسها ودموعها بها وهى تجهش ببكاء مكتوم وتناجي ربها بصوت غير مفهوم.

لا ثوابت في هذا العالم، كل ما يمنحك الأمان بإمكانه أن يبثّ فيك الرعب دفعةً واحدة، وكل تلك الأشياء التي هربت إليها ستجد نفسك هاربًا منها، رفعت رأسها بتثاقل وهى تتناول صورته الموضوع جانبًا بزيه الميري، مسحت الصورة بأهدابها المبتلة وهى تطالع أدق تفاصيله لتجهر صارخة بأنين الوجع
-أنا مين وبيحصل معايا كده ليه.

تشبثت برأسها بقوة وهى تغمض عيونها الذي تتقطر بالدموع ووتراجع بظهرها للخلف حتى هجم على ذاكرتها موقف من مواقفهم معًا
#فلاش باك
- بالمناسبة شكلك في البدلة الميري حلو أوي.

خربشت عبارتها على جدار قلبه بلفتة إعجاب هزت قلوبهم في لحظة واحدة متبعّا برسالة من مُقلتيها: أخجل أن أخبرك أنني أريدك معي دوماً لأن كل كلماتي ما هي إلا عزف لحن على آذان شخص أطرش، بعدها فقدت قُدرتها على الكلام كإنه تعلق بحبالها الصوتية غائصة في أعماق رجل لا زالت تبحث لإيجاد نصًا يتحدث عنه يصف كل هذا التناقض والصمت واللاشيء من الأشياء، ينظُر إِليها كما لو أنه للتو أبصر مًكبل بأصفاد كبريائه جملتها التي لا تقبل إلا ردًا واحداً ليطفئ ناره الكابية لا يتناسب مع هيبته ولكن لا يوجد ناجٍ على الأرض من عيون إمرأة صنعت بقلبه العواصف والدوامات، تجرد من قُبعته العسكرية وتركها بجواره وأقترب منها بحب أوشك أن يلتف على خصرها ليجذبها إليه و.

- يعني نمشيها ميري على طول!
ابتسمت بحياء و:
- ده لو حابب إني أعاكسك كد كل يوم .
#باك.

تكررت تفاصيل المشهد في رأسها مصطحبًا بصخب قوي منبعث من قلبها حاولت السيطرة عليها بالنوم ووضع الوساده فوقها وهى ترتجف وما أن لبث أن فرغت من ذكرياتها معه احتلت مكانها ذكريات اكثر ألمًا، لقطات عابرة لصورة زيدان المشوشة، والضرب والتعذيب والركض والخوف بدون جهة أو مقصد، لم تتحمل كل هذا بدأت بالأنين ثم الصراخ الغير مسموع وما أن فاض بها الأمر صرخت صرخة مدوية فزعت هشام من مقعده واندفع نحوها مهددًا وهو يطرق الباب بعنف.

-فجر لو مفتحتيش هكسر الباب، ارجوكي افتحي.
لم يلق منها أي رد حيث كرر تهديده ما أن تهيأ لدفع الباب بكتفه فوجئ بها أمامه شاحبة الوجه المغسول بالدموع وهى تنتفض وترتجف أمامه، حالة من الذهول اصابته لتدهور حالها وهى تخبره
-مش عارفة أنام.
ثم انفجرت باكية وهى تلوح بكفوفها بعشوائية
-كوابيس بشوفها وانا صاحية، وناس قدامي بتظهر وتختفي، وكمان كمان صداع جامد هيفرتك دماغي، انا مين والناس دي مين.

اضطرابها وخوفها لم يحتاج لكلام بل لعناق طويل، دوا هشام حالتها بضمة قوية جذبها من مكانها إليه وهو يتوسلها إليها أن تهدأ
-فجر ممكن تهدي أنا جمبك، ممكن!

لم تهدأ تلك المرة في حضنه كعادتها بل تضاعفت رجفتها وخوفها حتى كادت أن تفقد اتزانها بين يديه، انحني ليحملها بين يديه حيث كانت مستسلمة تمامًا ووضعها على فراشها ومدد بجوارها فاتخذت من صدره مسندًا لرأسها وخوفها، التزم الثنائي الصمت ولكن لم تكف كفوف عن حركات الأمان المتنقلة من رأسها لكتفها وهو يرتل بعض الآيات القرآنية عليها ، استمر الوضع طويل حتى بدات تدريجيًا ويحتل النوم جفونها المنتفضة فطبع قُبله خفيف على جبهتها ختمها باعتذار.

-أنا اسف..
لم يلق منها اي رد سوى ايماءة خافتة غاصت بعدها في سبات عميق على كتفه، كأنها القت على عاتقه القلق وأستمدت أمانها من قربه، هدوءه على كتفه كان صخب يصدح بصدره على حالتها والمخاوف التي يخشاها، غفوت جفونه بجوارها مستسلمًا للنوم قرابة النصف ساعة حتى استيقظ على صوت جرس الباب، تسلل بخفه ليفتح الباب حتى وجد أمامه عايدة التى دخلت قبل أن يأذن لها.

-قولت أعمل الواجب وأجي اطمن على مراتك، مش أنا أولى من سعاد بردو.
قفل الباب بهدوء ثم قال
-ممكن توطي صوتك عشان ما صدقت نامت!
التوى ثغر عايدة ساخرًا وهى ترمي حقيبتها على اقرب مقعد
-والله عال! لا سلامتها يا هشام.
ثم جلست ووضعت ساق فوق الاخرى وقالت
-حبيت افكرك أن بيتنا ولع باللي فيه، وكمان حال البيت كله متشقلب وأنت هنا كل اللي هامك صوتي العالي عشان مصحيش المدام.

زفر هشام باختناق وهو يجلس على المقعد المقابل لها
-قولت لمجدي يصرف.
-مجدي مجدي مجدي! وانت فين؟! طول عمرك شايل مسئولية البيت كله على كتافك من غير ما تحسسنا بده! جرى لك ايه؟!
جز هشام على فكيه بامتعاض كإنه رافضًا سماع المزيد ثم نهض قائلًا
-تشربي أيه!
-هتعمل لي بنفسك؟!
-مدام حضرتك عامله نفسك ضيفة هنا، مضطر اعمل لك بنفسي.
اشاحت بوجهها في استهانة
-مش عايزه حاجة يا هشام، انا جاية أعمل الواجب.

حملق هشام بها للحظات ثم اقترب منها وجلس بجوارها قائلًا
-ممكن لما تشوفيها تعامليها كويس، وبلاش تلمحي بأي كلام من أي نوع، ممكن! لو سمحتي بلاش كلام يجرحها ويهينني!
ألقى شرارة تحذيراته في قلبها فانفجرت معاتبة
-أنا عشان خايفة عليك وعايزاك تعيش حياة مرتاحة ومع واحدة تستاهلك وتريح أبقى كدا بهينك يا هشام.
نفى كلامها مبررا
-ااه، عشان أنا مش هرتاح مع حد غيرها.
ارتفعت نبرة صوتها أكثر.

-أنت هتفضل لحد أمتى تفصل كلامي على مزاجك، ماقولتلكش سيبها، بس بردو قدر نفسك واتجوز واحد تشرفك تخلف منها وتربي ولادك تربية تشرف.
-بالنسبة أن بنت الناس اللي تشرف من وجهة نظرك هتقبل تكون زوجة تانية.
-أنت ألف مين يتمناك يا هشام! أنت مش عارف قيمة نفسك ولا أيه.
لازال محافظًا على هدوئه وقال
-مع احترامي للكل اللي بيتمنوني دول أنا متمنتش غير واحدة وبس ومستحيل اجرحها ولا أذيها.
انفعلت عايدة من هدوءه وجهرت.

-يادي النيلة! وفين الجرح ولا الاذية دي شايفني بقولك طلقها وارميها فالشارع؟ هى واحدة زي مراتك كانت تحلم أصلًا انها تتجوز واحد زيك! ماتفوق يا هشام.
جز على فكيه منفعلًا
-من فضلك وطي صوتك، ممكن! وعشان اقفل الموضوع ده خالص ف أنا هقولك حاجة واحدة وبس ( فجر هي اللي كتيرة عليا مش العكس )، هعملك حاجة تشربيها.
حانت منه التفاتة الي ساعة الحائط متأففة
-ياربي يعني أنا غلطت عشان باكية على مصلحته.

بمجرد ما لمست اقدام هشام اخر درجة من السلم فوجئ بفجر أمامه مستنده بكفها على الحائط وترمقه بتردد، جف حلقه من هول ما تكاثر في جوفه من مخاوف وهو يحملق فيها تارة ولعايدة طورًا، بدا علي وجهه الانزعاج الذي حاول اخفاءه
-أنت صحيتي؟
اخذت تتبسم في هدوء عجيب مناقض لمجرى مخاوفه وكأنها متعمدة أن تطمئنه مما يخشى حدوثه
-صوتكم كان عالي، فصحيت.
ثم تحركت بتثاقل لتظهر أمام عايدة وقالت بحزن
-عايدة هانم ازيك؟

-أنا جيت اطمن عليكي.
تجاهل هشام حديثهم وركز في تذكرها، مسكها من معصمها وادارها امامه
-فجر أنت كويسة! انت عارفه عايده؟
تناهتت اليه بعيون لامعة بدموع الحزن
-أنا افتكرت كل حاجة يا هشام.
فرت دمعة من طرف عينيها واكملت
-ريحتك كانت كافية إنها تفكرني بكل حاجة، أنا شريط حياتي كله مر قدامي في الكام دقيقة اللي نمتهم.

اقترب منها اكثر بلهفة وهو يحوي كفها وملامح الحزن والفرح تتقاسم معالمه، لا يعرف يضحك أم يحزن، كانت ابتسامته مصحوبه بتنهيدة عالية وهو يداعب وجنتيها
-ده بجد، بجد يعني فاكره كل حاجة، يعني بقيتي تمام، بقولك انت واقفه ليه، تعالى تعالي اقعدي عشان ما تتعبيش.
صدر صوت عايدة من الخلف
-كويس إنك بخير.
لم يصدق هشام مسامعه لتلك اللحظة وهو يحاول أن يدرك معنى جملتها فسألها مرة آخرى
-انتي كويسة.
شهقت في استهجان.

-أنا عايزة اطلق يا هشام.
قد تبدُو لهم أن الأمور تنهار أمامهم، و لكنها في الحقيقة تعُود لمكانها الصحيح، المكان المُرضي بعيدًا عن شتات القلوب.

-أيوه مين بيخبط!
تلك الجُملة التى نطقت بها سلمى وهى تفتح باب شقتها ومعالم الضجر تنعكس في نبرة صوتها حتى فوجئت بهوية الطارق مردد بفزع
-مجدي! مجدي بيه؟!
خفض مجدي يده من على الجرس بثبات مرعب وطالعه بنظرة بثت القلق بجوفها وقال
-هنتكلم على الباب!
-ها؟! لا طبعًا بس اصل مفيش حد معايا ومينفعش اسمح لك تدخل!
مط مجدي شفته بمكر ثم قال بنبرة مهددة هادئة.

-بس مظنش هتبقى حلوة لو اتكلمنا على الباب والجيران تسمع ولا ايه!
سرت رجفه مباغتة ببدنها وسألت
-هشام يعرف إنك جاي لي هنا!
كتف مجدي كفوفه ببعضهم للخلف وقال بنبرة مخيفة
-ومال هشام! بتتكلمي كأنك حد تخصيه.
وخزات الابرة اصابت قلبها ولكنها تسلحت بصوت القوة المصطنع وردت متحدية وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها
-اه اخصه، انا و هشام هنتجوز قريب، واظن وقفتك دي مترضيش ابن عمك لو عرف.
ثم اطلقت ضحكة ساخرة.

-انت مفكرني عبيطة ومش واخدة بالي من نظراتك ليا طول الفترة دي! على فكرة بقى أنا بحب هشام وعمري ما ارتحت لك ومتأكدة أن وراك سر كبير، ااه وحاجة كمان الغيرة في عينك من هشام باينه أوي ياحضرة الظابط، بلاش ترسم عليا جو الجدعنة والشهامة.
لم يبد أي رد ولم تهتز برأسه شعرة من هواجسها ورد بثبات مرعب
-خلصتي!
-اه، ومضطره اقفل الباب قهوتي فارت، ياخسارة هعمل واحدة غيرها.

كانت جميلتها تتناغم مع حركة يدها وهى تقفل الباب بوجهه ولكن الي هنا طفح كيل مجدي من اتهاماتها السخيفة، لم يلجأ لاستخدام قوته قصادها اكتفى بدفعه بكفه بحركة مفاجأة ولم يعطيها الفرصة لتقبل الصدمه فتناولتها يده الأخرى وهي تكتم انفاسها ويديرها لتقع تحت أسره مستندة بظهرها على الحائط وجهر بقوته المرعدة
-ما تتعدلي، أنت هتنسى نفسك يا بت.

ارتعبت سلمى تحت سهام نظراته الحادة ونبرته الصارمة وما لبث فرماها بقذيفة إدانتها وهو يرفع شاشة هاتفه أمامها ويشغل فيديو الحادث قائلًا
-أي رأيك! تحبي نمشيها بلطجة ولا ودي؟

-بقولك طلقني يا هشام.
قفزت الفرحة في قلب عايدة بمجرد ما كررت فجر جملتها بإصرار غير قابل للنقاش، فنهضت متلونة بلون الحنية
-مالك بس؟ اخذي الشيطان وتعالي ارتاحي.
قال بصوت متهدج
-فجر أنت بتقولي أيه.
-اللي سمعته طلقني يا هشام.
-طب ليه؟!
طالعته بعوينات اللوم
-أنت عارف وأنا عارفة ليه، من غير كلام كتير طلقني.
-ولو قولت أن ده مش هيحصل يا فجر إلا على جيتي!

أغمضت عيونها لتقاوم وجع قلبها الذي أصبح كأزميل يأكل بالروح وقالت متعمدة أن تناطح رجولته متجاهلة صداع رأسها
-واللي يقبل يعيش مع واحدة من عايزاه يبقى مش راجل ياهشام.
اسفي على روح تآزر بها الوجع فأصبحت تأكل في كل ما يقابلها، صعق هشام من تحولها المفاجئ و رد عليها مذهولًا.

-أنت بتكذبي، أنت لسه قلبك بيحبني والدليل كل اللي حصل ما بينا، بصي في المراية واسألي قلبك وهو هيقولك الحقيقه! بلاش غلطة تعمي عيونك، أنا لو عندي شك للحظة أن حياتك معايا هتكون بالغصب عمري ما هتردد إني طلقك حتى لو فيها موتي.
أشاحت نظرها كي لا ترى عيناه وهي تتحدث فتصاب بأسهم الضعف وقالت بتحدٍ.

-للاسف كل اللي حصل مكنتش فيه بوعيي، لكن الحقيقة اللي لازم نتقبلها كلنا حتى عايدة هانم إن طريقنا مش واحد يا هشام، أحنا غلطنا من الأول ولازم ندفع التمن.
لم يتحمل سماع المزيد من الاحجار المتقاذفة من شدقها وقال قاطعًا.

-تمن ايه وغلطة إيه! احنا هنعيش عمرنا كله ندفع تمن غلطة، هنرتاح امتى؟ هنفضل نعيش في صراح البُعد والفراق لأمتى؟! ليه بتزودي قسوة الأيام ليه، أنتِ بتعاقبيني على حبي ليكي ليه! ليه قسوتك دي! فيها أيه لو ننسى ونبتدي من أول وجديد طالما الحب ما بينا موجود
عصفت بها سلسلة احاسيس متتابعة ومنعت دموعها بصعوبة
-مبقاش موجود من وقت ما قلبك طاوعك وقبل يلمس واحدة غيري.

يصارع عقلها لقتل ما يطويه قلبها لأنها تعي جيدًا أن بمجرد رؤيته يرتد العقل قتيلا في حضرته، أغمضت عيونها طويلًا وهى تتسلح بالقوة قائله في نفسها ( من اضاعني وأنا التي تركت لجامي بين يديه لا مربط له في قلبي )، انتعلت خف الحب وارتدت وشاح الكبرياء وأكملت
-مفيش حاجة بقيت موجودة ما بينا، كلم المأذون يجي حالًا.
حاول أن بتمسك بمعصمها راجيًا
-فجر ..
ولكنها قطعته صارخة.

-مفيش زفت، ومتقربليش، وفر محاولاتك يا هشام ملهاش لازمة، أنا خلاص قررت.
ارتسم الانشراح على أسارير عايدة وقالت
-قررتي إيه يا حبيبتي، ده حتى هشام بيحبك، أعقلي.
-قررت إني هرجع بلدنا وحضرتك بقى جوزيه اللي هتشرفه بمعرفتك.
تبادلت النظرات بين عايدة وهشام بحيرة حتى قطعتها صوت جرس الباب فاندفع هشام صوبه وفتحه وكأن روحه رُدت إليه برؤية سعاد قائلاً
-طنط جيتي في وقتك، تعالي شوفي الهانم عايزه إيه!

اندفعت سعاد نحوها راكضة واخذتها بحضنها وربتت كتفها
-مالك يا حبيبتي، جرالك إيه بس!
ثم ابتعدت عنها ورمقت عايدة بنظرة شك
-أنتِ قولتلها أيه.
جهر هشام بحزن كبريائه لم يظهره وتبدل لغضب جامح وقال
-الهانم طالبة الطلاق وعايزه ترجع لبلدهم، اتفضلي شوفي حل في لعب العيال ده.
ثم اشار بسبابته محذرًا
-ويكون في علمك أنا مقدر الحالة اللي أنت فيها كويس بس لو نشفتي دماغك أكتر من كده هكسولهالك يا فجر.

فاض غضبها لتحوله، رغم انها كانت منتظرة ضمة منه كافية أن تُنسيها علقم قراراتها إلا أن غروره وكبريائه ناطح كبرياء انثي أحبت من أعماق قلبها وقالت
-وأنت كمان ليك عين تتكلم، أنا مش عايزاك يا هشام، افهم بقى.
-وانا عايزك حتى لو أنت مش عايزاني يافجر، أيوه أنا أناني، وطلاق أنا مش هطلق فاهمة..
ثم كور قبضته متحاولًا تمالك غضبه وقال مهددًا.

-نص ساعه هسيبك سعاد هانم تعقلك وعايز أشوفك جاية لحد عندي في اوضة نومي وبتستسمحيني انسى كلامك اللي يسم البدن دا، فاهمة يا مدام، ومن اللحظة دي في معاملة تانية خالص، عشان مش أنا اللي يتقال لي لأ فاهمة، متنسيش نفسك.

قتلتني بنفس القلب الذي أزهر في ربيعك، تأكدت بأنها كانت على حق، مهما فاق الحب مشاعرهم فما زال الفراق بينهما قائم، انخرطت دموعها بغزارة وهى واقفة مكانها متجمدة، نظاراتها المهترئه مزقت قلبه بلوم لم يعترف به، بل أكمل متابعًا بنفس ذات النظرة
-مستنيكي جوه.
كانت صدمة عايدة وسعاد في تصرفات هشام فاقت صدمة فجر، حيث تدخلت سعاد لتهدئته وقالت.

-ادخل اوضتك صلي ركعتين يا هشام، روح ياحبيبي استغفر ربنا واهدى وسيبني معاها.
صمت مريب يحاصره الخوف والقلق من كل الاتجاهات ساد بينهم عيون الثنائي كأن كل منهم للتو يريد اكتشاف الاخر والتعرف عليه، غادر هشام ذاهبًا الي غرفته، فطلبت سعاد من عايدة
-روحي روحي يا عايدة عقليه، هشام اتجنن رسمي.

لا زالت فجر محافظة على صمتها المكدس بالحيرة عن هوية الشخص الذي ظهره أمامها للتو، باتت محاولات سعاد لاقناعها ما هى الا شفاه متحركة أمامها بدون صوت، مسحت سعاد على وجهها لتفيقها من شرودها الطويل وهى تقول
-فجر حبيبتي أنت روحتي فين، تعالي تعالي اقعدي ارتاحي.
لازالت تحت تأثير صدمتها وقالت
-أنا تمام.

دخلت عايدة وراء هشام فرأته يبحث عن علبة التبغ الخاصة به كالمجنون، قفلت الباب خلفها وشرعت الحية في ابراز ألوانها المبهرة وقالت معاتبة
-مالكش حق خالص يا هشام في اللي قولته، براحة عليها يا حبيبي دي واحدة تعبانه بردو ونفسيتها وحشة.
ركل المقعد بقدمه بغضب
-هى جايه دلوقت بمنتهي البساطة تقول طلقني يا هشام!
ثم رعد بصوت الغضب الذي وصل لأذانها بالخارج
-ماهو مش بمزاجك يا هانم.

جلست عايدة في منتصف مخدعه ووضعت ساق فوق الاخرى وأكملت
-أنا مغلطاك طبعا، بس برجع وأقول أنه رد فعل طبيعي عن كلامها ماهي بردو نسيت نفسها ومكنش ينفع تهينك كده قدامنا.
حدجها هشام بنظرة حادة
-من فضلك مش عايز اسمع كلمة.
نهضت بحماس لتواصل بخ سمها.

-أنت دلعتها يا هشام أوي، ونسيت فرق التفكير والطبقات ما بينكم، يعني سوري دي واحدة اتربت في بلدهم على انها جارية لجوزها مش عليها غير نعم وحاضر، طبيعي يا حبيبي لما تدوق دلالاك تشوف نفسها.

اشعل هشام سيجارته وبرغم إنه ليس من طباعه أخذ النصيحة من أحد إلا أن ثوران غضبه ونيران قلبه حرقت النسخة القديمة منه، بعد شهور من انتظارها أتت بتلك السهولة لتختفي من حياته للابد، رجل مثله صاحب الحب التملكي كيف لإمراة أمان لها فهو شديد التطرف في حضرتها، وأن تطالب معاذرته هذا يتنافى مع مبدأ رجولته، واصلت عايدة شحنه وأكملت
-لازم تاخد موقف، طالما هى مش عايزك اتفقوا على حل، هشام انت متأكد أن فجر بتحبك.

ضرب الارض بقدمه بتوتر واخذ نفس طويل من سيجارته وقال بحزم
-مش مهم، المهم إني بحبها حتى لو هحبسها غصب عنها هنا.
الفرصة تقدمت لعايده على طبق من فضة أن تصل لمرادها فظلت تتراقص فوق حبال الدخان المنبعث من قلوبهم واقتربت منه هو تربت كتفه الصلب وقالت
-أنت ابني يا هشام وانا معاك في أي قرار تاخده بس لازم أوضح لك كذا حاجة.
ارتشفت رشفة خفيفه من كأس المياه التي احضرته سعاد ثم اخذته منها وسألتها.

-كويسة يا حبيبتي! بقيت احسن؟!
أومأت فجر بالإيجاب وقالت
-هو إيه اللي حصل، مين اللي كان قدامي ده، ده هشام اللي حبيته.
-اهدي كده وفهميني حصل ايه.
ابتسامه خزى ارتسمت على ثغرها مصطحبه بدمعة انبثقت من طرف عينيها وقالت بشرود.

-تعوفي أول ما فوقت من الغيبوبة الدكتور كان بيسألني واكتشف إن عندي فقدان جزئي في الذاكره، أنا كنت عارفاكي وعارفه رهف وبس وفاكره هشام ويوم الحادثه بس قبل كدة مكنتش مجمعه حاجة، وقال لي متقلقيش هتبقى احسن مع الوقت.
انتبهت لها سعاد وظلت تمسح على شعرها
-كملي يا حبيبتي ؛ كملي.
مسحت المياه الجارية على وجنتيها واتبعت بنبرة مهزوزه.

-كان واحشني، حاسه بنار جوايا مش هتنطفي غير في حضنه، شوقي له غفر له كل حاجة عملها، كنت ضعيفة أوي مش قادرة أمنع نفسي عنه، اتلككت وقولت هدي له فرصه وأعمل نفسي مش فاكراه يمكن قلبي يسامحه ونعيش حياه هادية، بس
-بطلي عياط يا بنتي هتموتي نفسك، كملي.
شهقت بحرقة ثم اتبعت.

-نسيت كل حاجة معاه وقلبي سامحه والله سامحه معرفش يزعل منه لحد ما سمعت كلام عايدة، كل كلمة قالتها كانت صح، أنا وهشام طريقنا مش واحد والدليل أهو أنا النهاردة شوفت حد يخض، هو ده هشام اللي أنا مش بطمن غير في حضنه!
ضمتها سعاد الي صدرها فانفجرت فجر باكية وهى تنتفض وظلت سعاد تهلل
-منك لله يا عايده، اشوف فيكي يوم يابعيدة، اهدي يا نور عيني اهدي.
ابتعدت عنها واكملت.

-قلبي بيقول لي مش هعرف أعيش من غيره وعقلي مصمم يسيب له الدنيا كلها ويهرب منه، أنا عاجزة أوي، اسمع كلام قلبي ولا عقلي؟! أعمل أيه.
جفف سعاد دموع فجر حتى هدأت أمامها تمامًا وقالت لها
-ماينفعش تسمعي كلام حاجة فيهم، هتتعبي، لو ريحتي قلبك عقلك هيفضل تاعبك العمر كله، ولو سمعتي كلام عقلك مش هتدوقي طعم حلاوة الايام، لازم الاتنين يتفقوا عشان ترتاحي.

هرهرت الدموع من مُقلتيها، وتطوف الحيرة بملامحها، ياليت للزمان نافذة نطل منها نعرف أي طريق علينا أن نسلكه لنطمئن، واصلت فجر قائلًا
-مهنش عليا وجعه ودموعه كان معايا شخص جميل اكدلي إني لازم اديله فرصه، بس لا هو نهى كل اللي مابينا، انا هسمع كلام عقلي وهقفل الف باب ورايا.
تبسمت سعاد بقلة حيلة واخبرتها
-قبل ما تقفلي الباب وتمشي أعرفي أنك هتسيبي قلبك في المكان ده، عمرك ما هتنامي مرتاحة، طريق العقل مرهق.

-وطريق القلب كله ذل، وانا واحدة عمرها ما ترضى تتذل لأي حد ولا إني اكون تحت رحمته.
هل يكفى ماء رقراق أن يذيب ملوحه جبال القهره المتراكمه علي قلبها! انفعلت فجر واكملت بغل
-ده عايزني اعتذرله مش معترف انه غلطان، ده اتجنن رسمي! أنا مستحيل أعيش معاه بعد النهارده.
اخذت سعاد نفس عميق وقالت بحكمة.

-بصي أنا مش هقولك تعملي أيه، بس نصيحتي ليك كأم متمشيش في طريق وأنا سايبه قلبك أو عقلك في مكان تاني، خدي الطريق اللي يتفقوا عليه الاتنين، متعانديش، سواء قلبك أو عقلك كلكم في نفس المركبة لو عضو فيهم اتخدش حياتك كلها هتتهد، هشام طيب يا فجر متحكميش عليه في ساعة غضب، وفي نفس الوقت مش عايزاكي تحسي أن الموضوع جيه على كرامتك، أنا سامعه صوت ضربات قلبك وهو هيتخلع منك عشان يجري عليه بس عقلك مزلزلك بحديد الكبوياء.

تطرفت بخيالها لابعد مدى وقالت بحزن
-ده هان عليه قلبي وخانه طيب ازاي! وليه.
-أساليه واتفاوضوا، لكن بلاش طلاق وخراب بيوت واستهدي بالله كده، حرام عليكم حبكم.
انتهت سعاد من جملتها فتلاها رعد صوت هشام وهو يقول بكبرياء
-اتمنى تكوني عقلتي.
جمعت جيوش قوتها ووقفت متحدية
-ااه عقلت، وعقلي بيقول لي مستحيل أقعد معاك تحت سقف واحد لدقيقه.
جن جنون سعاد
-اهدي يابنتي احنا اتفقنا على أيه! يادي النيله.
فرفعت حاجبها متحدية.

-سمعت قولت إيه!
أعلن الاخر سيوف كبرياءه
-طنط سعاد خدي عايدة وامشوا.
وقفت فجر امام سعاد معلنة
-وانا همشي معاهم بس مش قبل ما ترمي اليمين.
تجاهل طلبها وصرخ في سعاد وعايدة
-قولت اتفضلوا أمشوا.
اقتربت فجر منه صارخة
-أنت ليه مش عايز تفهم إني مش عايزاك، قرفت منك، ومن انانيتك، اعمل حاجة صح في حق رجولتك وطلقني يا هشام.

باتت تهزمه فى كل مرة تلك الشفاة التى لم تتم قُبلة عليهما كيفما تمنى، حان الان موعد انسحاب القلب من ساحة حربه ( حبه ) التى ايقن هزيمته بها وقال
-حق رجولتي! هى حصلت؟ أنت معاكي حق، لو كان تمسكي بيكي هيهين رجولتي ف أنت طالق يا فجر.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة