قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الرابع عشر

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الرابع عشر

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الرابع عشر

ذات مرة سُئلت:
-كيف أميز بين الحُب الحقيقي والزائف؟!
كانت الحيرة والعناء من رحلتها محفورة على تفاصيل وجهها، لمحت الدمع في عيونها قبل أن يفضحها ويهطل، تبسمت ابتسامة بنكهة الشفقة وقُلت:
-جميع معارك الحُب يخوضها المرء بقلبه، ونسلم فيها قلوبنا على الرحب والسعة، ولكن الفارق هنا ؛ في الحب الحقيقي لا يستطيع الشخص منا أن يسترد قلبه عكس الحب المزيف الذي يركض القلب منه هاربًا بمجرد غياب الطرف الأخر.

هناك رحيل يحرر القلب وآخر يستولى عليه للأبد مهما بدت البدائل مثيرة...
نهال مصطفى.

تنهد بحرارة و بعيون متوسلة ونبرته ال مثيرة للشفقة
-من اللحظة دي مصير حياتنا بكلمة منك انا محتاج ارسى على بر معاكِ اتفقنا!
أصعب اختيار يضع فيه الرجل أي إمراة أن يتركها هى التي تحدد مصير علاقتهم، كمن أراد أن يسلمها كوجبة شهية لأنياب الندم بقية عُمرها، من المعروف أن ما يحكم حياة المرأة عواطفها، تقودها إلى حيث تشتهي دون تفكير!

فإذا اختارت قُربه ستهدأ عاطفتها يومًا ما وهنا تجد نفسها في مأزق أخر، وإن انساقت خلف كبريائها الذي حتمًا ستهزمه الليالي التي لا تأتي إمُحملة إلا بالحنين! ماذا تفعل وأي الطُرق عليها أن تسلكها!.

شعرت بأن الدوار قد أصاب قلبها من شدة الحيرة التي وضعت فيها، هى اعتادت منه أن تُجبر معه على كل شيء! عيونه أرغمتها على حبه الأبدي، عودتها له كانت بمجهود مكثف منه لتبقى، حتى الصدفة التي جمعتهم كانت فرضًا عليهما! لمَ انتقصت الأيام معها تلك المرة وتركتها أمام اختيار كهذا..

تقوقعت فجر حول نفسها إثر الصخب العنيف الذي اندلع بقلبها وهى بين فكي العناء والغناء، عناء العقل وغناء القلب الذي قرعت طبوله من أول كلمة هادئه تفوه بها..
لم يتركها كثيرًا لنيران تفكيرها، حيث عاد سريعًا بعد ما أحضر فطارًا لهما وبمجرد ما هَلّ هلاله رفعت أنظارها متنهدة فكاد الألم أن يفترس رأسها، قفل هشام الباب خلفه بهدوء ووضع الحقائب على الطاوله وقال بهدوء
-ممكن نفطر الأول!

تدلت أقدامها المثنية بتعب ملحوظ وقالت معتذرة
-معلش يا هشام مليش نفس.
جلس بجوارها وفرض قراره عليها وهو يفحص الحقائب ويمد لها الخُبز المحشو
-لالا مفيش الكلام دا! منا مش خاطفك وكمان هسيبك بالجوع، يلا اتفضلي.
بتردد بلغ ذروته بدَّ ف عيونها المتراقصة مدت يدها وأخذته منه وشرعت في فك تغليفته ببطء كي تشغل أنظارها عنه، بدأ الاثنان في الأكل بصمت تام وبين كل حين وأخر احدهما يختلس نظرة من الأخر..

انهى هشام أكله سريعًا عكس ما كانت هي عليه فأراد أن يقطع الصمت بينهم وسألها
-ساكتة ليه!
لَكت الكلمة في فمها من كثرة الارتباك الذي لم يستمر طويلًا و
-أبدًا بس مفيش حاجة أقولها
-لا ازاي انا جايبك هنا عشان تقولي كل حاجة؟!
تركت الخبز من يدها لتحاوره حيث فتح طريقًا للحديث بينهم وسألته باستغراب.

-اشمعنا المرة دي يا هشام! اتعودت منك أن كل حاجة بتحصل ما بينا بتكون بارادتك وبس، دايمًا بتجبرني ع كل حاجة أنت عايزها، اشمعنا المرة دي مستني مني قرار.
اسرها في نفسه ولكنه أجابها بحكمة
-يمكن عشان أجبرتك كتير زي ما بتقولي، جيه الوقت اللي ما ينفعش أجبرك فيه تاني يا فجر.
تسكعت بعيونها على تفاصيله وردت بشكٍ
-وأي اللي حصل جديد وبقى مينفعش؟!

-عشان أنا عايز استقر مش عايز أقضي الباقي من عمري بجري، مش هعيش عمري كله من هنا ومن هنا تايه، عايز حياة أكون عارف بدايتها ونهايتها، عايزك معايا طول العمر، ومفيش حد هيقدر يجبر حد أنه يلازمه عمره كله الا بارادته!
-بس أحنا وصلنا للنهاية يا هشام!
انعقد حاجبيه بدون اقتناع وقال بفلسفة.

-أي نهاية يافجر؟! النهاية اللي الشخص يفضل مستنى فيها التاني تبقى مش النهاية الصح، النهاية اللي تخليني اسيب الدنيا كلها وأرجع بلدكم عشانك تبقى مش الصح، النهاية اللي فيها تصحى عشان تعمل لي الأكل اللي بحبه وأحنا منتهيين تبقى مش الصح، النهاية اللي قلبك وعيونك رافضينها وانا شايف وحاسس دا تبقى مش الصح، أحنا كدا بنكذب على نفسنا ومنافقين كمان ومحدش هيتأذي غيرنا.

كمن كشف رداء الستر عن أحدهم فتعرى تمامًا، هذا ما فعله هشام تعمد أن يزيح ستائر التمرد التى تختبئ خلفها حقائق القلوب، فضل ألا يزيد من ضغطه عليها فآثر الذهاب قسرًا، وقف سريعًا بعد ما أحضر شبح المواجهة أمامها وقال
-وفي الأول والأخر القرار ليكي وفي ايديكي، أنا هنزل ألف شويه بالعربية وانت استرخي خالص ووقت ما تحبي تتكلمي كلميني هتلاقيني جيت..

ثم اقترب منها ومكث على ركبتيه أمامها وطالع بعيونه وجهها الحائر وقال وهو يشير على عقلها وقلبها
-عايز قرار الاتنين دول يتفقوا عليه، تمام!
كان صدرها يعلو ويهبط لدرجة ملحوظة، هل لقربه المبالغ به أم لصعوبة المأزق الذي علقت به! تجاهلت كل هذا وسألته بخوف يتطاير من وجهها
-هتروح فين؟! أنت مش لازم تمشي ع فكرة.
-عشان تاخدي راحتك يا فجر، أنا لو عليا مش عايز أمشي واسيبك لوحدك.

بد الذعر بمقلتيها وبنبرة بها الكثير من الترجي
-مش عايزه أقعد لوحدي، ه خاف، أممم أنا هقعد في الأوضة.
نصب قامته بشموخ الذي هزه نبرة الضعف الكائنه بصوتها، فلم يستطع أن يمنع نفسه من تقبيل رأسها و قال
-خدي راحتك فالبيت كله وأنا قاعد على البحر مش هبعد..

تقبلت لمسته الحنونه بقبول عجيب، لم تحس للحظة انه لم يخصها حتى كبريائها نفسه لم يمانع ذلك مُطلقا، ظلت صامته حائرة خائفة وهى تراقبه يحضر كوب الشاي لنفسه ويتأهب للذهاب، اقتربت منه وتكرمت مجاملة
-كان ممكن تطلب مني أعملك الشاي!
لمعت انظاره بوميض من الأمل
-ده على حسب قرارك هيكون إيه؟
ارتبكت قليلًا ثم قالت
-لا ابدا، دي غير دي أنت لسه مقدم لي خدمة دلوقت وجبت لنا فطار..

انطفئ الأمل فجأة بصدره وفضل الصمت على أن يُجيبها، انتظرت منه الرد ولكن دون فائدة حتى تقهقرت بهدوء
-أنا هقعد جوه..
-اللي يريحك.

صوت طرق عالٍ على باب منزل فجر في تمام الساعة الثامنة صباحًا، كانت ندى نائمة فوق الأريكة الموجودة ب ( صالة ) البيت وما أن فتحت جفونها بتثاقل وذهبت لتفتح الباب، فوجئت باثنين لم تراهن من قبل، دب القلق بقلبها ولكن كانت بارعة في اخفاءه وقالت بهدوء
-صباح الخير!
لاحظت نظرات السيدات الخبيثة حتى تفوهت أحدهن
-أنا جارتك سيدة ساكنة بعديكي بكام بيت.
-اهلا بيكي..
لم تمهلها المرأة الأخرى لتتحدث واندفعت.

-الا قوليلي يا حلوة، انت ع تتسحبي كل ليلة إكده قبل الفجر وتعاودي عتروحي فين؟! انا مراقباكي ليا ٣ ليالي!
جحظت عيون ندى بقلق
-افندم؟!
فأكملت الأخرى
-ع قولك إيه يابت، أنا عندي ولايا عايزه اربيهم وانتوا بصراحة جيره تعر، مش صحبتك دي سبق وهربت يوم جوازها! وسمعتها في الطين!
فمسكتها الأخرى من معصمها ورجتها بشكٍ
-انت منين ولا فين اصلك وفصلك يا بت! ما تنطقي؟! انتوا جايين إهنه تجرسونا!

تلوت ندى بوجع وهي تبعدها عنها، وزمجرت غاضبة
-بقولك إيه ياست انت وهى لو ممشتوش من هنا أنا هطلب لكم الشرطة، فاهمين؟!
ترنحت الأخرى كالثعبان وتغنجت بخبث
-مابلاش أنت يابتاعت نص الليل انت وصحبتك المشبوهة، احنا اللي هنطلعوا من إهنه على المركز ونشتكيكم ونقول ان سمعتكم مش تمام، واحنا مش عاوزين بِنته غريبة في بلدنا، احنا عندينا ولايا خايفين عليهم..
فأكملت الأخرى.

-عندكِ حق ياام مرفت، مش كفايه الرجالة داخله طالعه عليكم وكمان عتتسحبوا زي الحراميه في نص الليل عتروحوا فين؟!
فردت عليها الأخرى
-ولا هي فين المحروسة التانية؟! ولا عندها نمره الليلة؟!
فتوعدت الأخرى
-ورحمت ولدي ما انتو قاعدين في الدار دي ليلة كمان!
فاض صبر ندى منهم فدفعتهم للخارج بكل قوتها وقامت بطردهم وهي تنهرهم وما أن خرجا الثنائي صرخت وهى تقفل بابها
-اللي عايزينه اعملوه بعيد عن هنا يلا..

( بعيدًا في أمريكا ).

كانت الساعة قرابة الثانية بعد منتصف الليل بتوقيت امريكا، مر يومين على زياد وبسمة في حيرة وتفكير في أمر تلك الرسائل التي تحمل تهديدًا، والأمور المبهمة التي تحدث حولهم، حاول زياد الاعتذار مرارًا عن المنحة ولكن لم يلق سوى الرفض وتحمله ثمن المنحة في حالة العودة حتى استسلم للأمر وعاد لممارسة يومه الدراسي الطبيعي، غير ذلك زاد الأمر سوءًا بقفل جميع الخطوط الجوية والبرية وغيرها التى تيسر العودة لمصر، أدرك الاثنان أن الأمر بات لا مفر منه وعليهما السير مع الموج الي أن يصل بهم الي بر الأمان.

ما زال زياد محافظًا على العهد الذي أخذه بينه وبين نفسه وهو أن يعامل بسمة بالرحمة قبل أي شيء ولا يتعجل في أمر قد يُضيعها منه، رغم ذلك الضغوط النفسية التي تفاقمت فوق رأسه فتحت له طريق آخر وهو طريق التوجه الي السماء..

تذكر أن الحال ضاق عليه حد الاختناق فاقترحت بسمة عليه أن يتوضأ ويصليان معًا ويكون هو إمامها ولو لمرة واحدة فالعمر، ومن حينها نسج خيط رفيع من قلبه يجره الي الصلاة بمنتهى الحب، يترك كل ما بيده ويتوجه الي سجادة الصلاة بمجرد رفع الأذان..
كانت بسمة تلحظه باستمرار بحب وكثير من الدموع المخفية، تترقبه وهو يطول السجود ويهمس لربه بأسرار عدة وكان قلبها يردد خلفه بترجي
-أهديه للصواب يارب..

في تلك الليلة انتهت بسمة من هندمت غرفتها التي تنام فيها بمفردها ثم انتقلت الى غرفته وهيأتها للنوم وبعدها ذهبت لإعداد مشروب السحلب الدافئ واقتربت منه بحب وهدوء، فكان يلملم سجادته يردد بعض الأذكار، مدت له الكوب وجلست أمامه متبسمة
-انا مش مصدقة عينيا يا زياد!
أخذ منها الكوب ونهض ثم مد يده لها ليساعدها لتنهض هى الاخرى
-تعالى نقعد على الكنبة..
جلس الثنائي وشرعا في ارتشاف مشروبهم بهدوء فكررت بسمة سؤالها.

-معقول ركعتين وقت ضيقة يغيروا حالك كدا.
شرد قليلًا ثم عاد متبسمًا
-انت متعرفش الركعتين دول عملوا فيا أيه، أنا كُنت واقف قدام ربنا خايف مرعوب، كلي ذنوب وكبائر هو هيقبلني ازاي، كنت حاسس إن قلبي اطمس من كتر الذنوب، حسيت نهايتي خلاص قربت وانا بشوف الناس بتقع زي الفراخ في الشارع، انا كنت عايش في ضلمة والركعتين دول نوروا حياتي كلها، تفتكري ربنا هيسامحني!
داعبت وجنته بلطف و.

-ربنا كبير أوي، وردك له فى الوقت المناسب لإنك غالي أوي عنده، ربنا رحيم بينا أوي يا زياد!
قبل كفها ثم تنهد بتعب
-طيب وانت مسمحاني من قلبك؟!
-هو ليه الناس بتعقد الامور، وبيقفوا على الزعل كأنه أخر الدنيا ويعلقوا لبعض ولمصير علاقاتهم حبل المشنقة، انا قلبي ما بيعرفش حاجة غير إنه يسامحك يا زياد، عارف كان جوايا شعور كدا إنك راجع، انك بتاعي لوحدي، كنت سيباك تخلص لفتك دي كلها وترجع لي.
ثم ضحكت بسخرية واكملت.

-طبعا الفيمنست و رضوى الشربيني لو عتروا فيا هيعملوا مني بطاطس محمرة.
اقتربت منه أكثر واحتوت كفه
-بس انا طول الوقت كنت بحط نفسي مكانك، ليه ما ممكن تكون شايفني زي رهف وانا اتورطت في حبك، كنت بشوفك متناقض متردد، كنت بدعي ربنا كتير وأقول يارب رده لقلبي، انا مش عايزه حد غيره! واهو ربنا استجاب.
ارتشفت رشفة خفيفة ثم طالعته بحب وهو يقول.

-عارفة الواحد لما يكون في نعم كتير ومن كترها حاسس انها بقيت ملكه خلاص، هوب فجاة مفيش كل دا، مفيش دلع عايده هانم، مفيش جنان رهف، مفيش نكش مع هشام، فلوس زي الرز انت بتصرف وبس، فجاة كل دا بقا مفيش والدنيا كلها اتقفلت عليا وعلى الانسانه اللي محبتش غيرها مهما كابرت، وفي خوف محاوطنا من كل ناحية وانا واجبي أحميها واحافظ عليها..

اقتربت بسمة قليلًا بعد ما أخذت نفسًا عميقًا وأحمرت وجنتها بحُمرة الخجل وسألته بتردد
-زياد أنت ليه بعيد عني من وقت ما جيت، اممم يعني انا في اوضة وانت في اوضة، طول الوقت بتشغل نفسك في أي حاجة، وو
ثم همست له بشوقٍ
-أنا بحبك، وأنت كمان، يبقى ليه المُعاملة دي! ليه السور اللي مابينا دا!

-بعاقب نفسي يا بسمة، مش عايز أخد حاجة مش من حقي غير لما اديكي كل حقوقك، قايمة جديدة وفرح وشهر عسل، انت تستاهلي يتعمل لك كل دا.
بللت حلقها وهى تمسح على شعره بلطفٍ
-وانا مش عايزه من كل دا غيرك، انا سبت الدنيا كلها عشانك، فكرك هيهمني مهر ولا قايمة، انت عندي أغلى من كل دا.
تعمدت أن تهد هذا السور الليلة، تحرك من مكانها لتجلس على ساقيه بخفة وطالعته بكل الحب وأكملت.

-انت مش ملاحظ كدا بتعاقبني معاك! اننا نكون تحت سقف واحد وعايشين أغراب وكل واحد فينا في اوضه!
ثم استندت بجبهتها على حبهته وارتفعت انفاسها وهى تتفوه
-انا اخترتك ولو يرجع بيا العمر مش هختار غيرك، عايزين نعيش حياة طبيعية، ونحرق اللي فات كله، انا اصلا نسيته وأنت كمان لازم تنساه، وزي ما قولت ربنا كتب لنا حياة جديدة بعيده عن الكل سوا! بلاش تحمل نفسك زياده، احنا ولاد النهارده.

لعبت بسمة على أوتار حبه قبل ذكوريته حيث من شدة الضغط النفسي والعصبي تكورت قبضته بقوة حتى برزت عروق جسده محاولًا التمسك بقراره مهما بدت المُغريات، أتبعت بسمة بحنان وهى تفضفض له بأمل وتضع يده على بطنها
-حبي الكبير ليك يستاهل بيبي يشيل اسمك واسمي..

بعد ما قدمت له نفسها علنًا تلك كانت آخر جملة قالتها قبل ما تلتمس الشهد من شفته ولكنها لاحظت تجمده التام حتى ترجمته بمعنى الرفض، رفض وجودها بجواره، رفض أن يكمل الباقي من حياته معها، وخزات الندم اصابت قلبها وهى تبتعد عنه قسرًا
-أسفه، بس كنت محتاجة اتكلم..

تلك كانت آخر جملة اردفتها قبل أن تعود مخذولة مُحملة بندوب الوجع إلى غرفتها، كانت خطواتها مُكبله وهي تجفف دموعها التى انهمرت بدون توقف، شعور الحسرة والذنب يتأكل في قلبها حتى تمنت ولا إنها تخلعه من مكانه..

ظل زياد مواصلًا في محاولاته التي انتهت بالفشل وهو يعد من واحد لعشره كي يهدأ، يثبت على قراره، يقنع نفسه إنها تستحق الأفضل إلى أن انتهى به الأمر مجرورًا عند باب غرفتها، قبل ما تغلقه كانت يده منغلقة على خصرها وهو يجذبها إليه عنوة، فشهقت صارخة باسمه، فلم يمهلها التملص الاعتراض الابتعاد عنه كان مستحيلًا، غاصت بين يديه فأصبحت دموعها تذرف وجعًا وجوعًا إليه، كان يلتهم جشأة بكائها بقبلات اعتذاره التى اختتمها هامسًا وهو يركل الباب بقدمه.

-وأنا كمان يابسمة عايز بيبي تكونى أنت أمه..

(عودة الى مصر )
استيقظت عايدة ظهرًا إثر رنين هاتف رهف المتكرر دون رد، فنهضت بتعب شديد وهى تناديها فوجدتها بالمطبخ تعد قهوتها، تفاقمت الدهشه برأس عايدة
-ما انت صاحيه أهو.! مش بتردي ليه!
-ده مجدي يا ماما!
-ومش بتردي عليه ليه؟!
ارتبكت رهف بخوف
-متخاصمين!
اختتقت عايدك من تفاهات ابنتها فزفرت بضيق
-حصل ايه بس؟! حتى امبارح وهو بيوصلنا كنتي مطنشاه خالص..
انتهت رهف من إعداد كوب قهوتها
-متشغليش بالك يا ماما..

أوشك الصداع أن يفجر رأس عايدة، فاخذت قهوة ابنتها وقالت لها
-اعملي غيرها، هروح اكلم أخوكي زياد.
أوقفتها رهف
-ياماما استنى بس دا لسه مصحيش، انت نسيتي فرق التوقيت.
زفرت عايده باختناق وهى تعود إلى غرفتها وبيدها القهوة، فانكمش وجه رهف بضيق
-طب هاتي القهوة..
عادت متأففة لتعد واحدة أخرى وما زالت متجاهلة اتصالات مجدي المتكرره وهى تلعنه سرًا
-قليل أدب ومش متربي، هسيبك كدا ترن ومش هعبرك عشان أبقى تعملها تاني!

ثم لامست شفتيها بتردد وتبسمت
-أو اعملها تاني عادي
مرت بضعة دقائق حتى انتهت من قهوتها، ف سمعت صوت جرس الباب، تناولت قهوتها وذهبت لتفتحه ففوجئت بمجدي أمامها وعيونه يتقاذف منها الشرار، من شدة الهلع سقط الفنجان من يدها وهى تتراجع للخلف
-مجدي؟!
ما زال محافظًا على وجهه المكتظ
-أفهم مش بتردي ليه؟!
اجابته بتلقائية
-مسمعتوش، كان سلينت
عاود الاتصال سريعًا فأصدر الهاتف صوت رنين عالٍ، فأحتدت نظرته وهو يقول
-متأكدة!

ركضت رهف من أمامه لتبتعد عن نظراته الحادة
-اصلا مش هكلمك تاني، وكنت سامعه الموبايل بس مش عايزه ارد.
دخل مجدي وقفل الباب خلفه فاختبأت رهف وراء الكرسي وصاحت مستغيثة
-مامي، تعالي كلمي مجدي.
تجاهل ندائها وزمجر
-والله عال! جوزك يرن ويتجنن عليكي وانت مطنشاه!
بدهشة سألته
-ايه جوزك دي!
-لو نسيتي ممكن افكرك بطريقتي..
ابتعدت مرة أخرى للخلف بخوف
-بص انا اصلا زعلانه منك، ولو سمحت متقربش مني.

شمر مجدي كمه بشموخ وهو يقترب منها
-زعلانه! المفروض مين اللي يزعل؟!
وضعت يديها في خصرها معاندة
-والله يعني أنت مش عارف عملت ايه؟! وكمان بتنكر!
-لا معملتش حاجة انكرها.
اشعل النيران بجوفها أكثر اندفعت نحوه مهددةً
-بص يا مجدي انا بحذرك أهو لو فكرت تقرب لي تاني بالطريقه دي انا هقول لهشام وهو هيتصرف معاك، انت فاهم!
رفع حاجبه ساخرًا
-فكريني كدا عملت ايه!
-لا أنت فاكر وبتستعبط!

اقترب منها خطوة سُحلفية وبعيونه الماكرة سألها
-حقيقي مش فاكر غيررر
تمسكت بالكلمة
-اهو هو دا..
-فرحي اللي بوظتيه يا هانم.
انفجرت بوجهه معاتبه
-شوفت اديك بتستعبط أهو..
شدها بقوة وفجاة لحضنه وأحكم قبضته عليها حتى باتت جزءًا لا ينفصل عنه وقال بخبث
-هتقولي لهشام أيه بقا!
هدأت تمامًا في يده وتناست شقاوة الطفلة بها
-هشام! معرفش!
أخذت يده الأخرى تتدلل على شعرها بتخابث
-أنا هقولك بقا تقوليله أيه..

دار بها بخفه لتقع اسيره بين عينيه والحائط فتعمد طبع قُبلة خفيفة على ثغرها المرتجف حتى طالعته بتوسل
-ماما هنا.
-مش مهم
زاح خصلة من شعرها وعاد ليكمل مراده وهى بكامل ضعفها أمامه، ولكن قطعهم جرس الباب، فابتعد عنها عنوة بعد ما فشل مخطط انتقامه وجهر بغضب
-عرفتي هتقولي لأخوكي هشام بيه ايه؟!
ركضت رهف سريعًا وفتحت الباب مهللة
-طنط سعاد جت!

لا أحد يعرف كيف يبدو شعورك بالحيرة المستمرة، مرت ساعات كثيرة قضتها فجر في التجول في كل ركن من أركان الغرفة الواسعة، تارة تجلس وراء الباب لتفكر وتارة اخرى تدلف للمرحاض فتتذكر أول قُبلة جمعتهم كانت هنا، ثم تعود لتجلس بجوار الفراش ثم فوقه، ولم يتوقف بها الحال هنا كانت تخرج لتجوب أركان البيت وما أن ينفجر رأسها تصرخ جاهرة بوجه الالم أن يكُف، ثم تعود مرة أخرى الي الغرفة وتغوص في النوم لعدة دقائق وتقوم مذعورة وهي تنادي باسمه..

مرت أكثر من أحدى عشر ساعة وهي ضحية تحت فكي الحيرة، حتى انتهى بها الأمر الي أن تقف أمام النافذة تراقب البحر والمارة، تنتظر عودته ولكنها تخشاها.
أتكون أنانية ولا تفكر إلا في سعادتها وتختاره، ولا تكون كبش فداء للحب وتضحي به كي يسعد ويعيش حياة هينة! فزفرت بضيق وصلت غيمته للسماء وقالت بعناء
-متبقيش أنانية يا فجر، طيب انا لو سبته هابقى انانيه! ولو كملت هبقى بردو انانية، يارب اتختارلي متخيرنيش.

تلك الساعات الثقيلة لم تمر عليها وحدها بل كانت كالجمر على قلبه، مثله خلع قلبه ووضعه على طاولة أمام المرأة الوحيدة التى أحبها، يخشى أن تهمله حتى يجف، ويخشى ان تغدقه حنانًا فيذوب من فرط عطاءها! منتظر مصير حياة لم يُساق إليها طوعًا بل سُلب إليها جبرًا..

قضى نهاره في السباحة والركض والتجول في المكان، أخذ يجوب بعشوائية وحيرة لم يكنها قبل، شخص مثله لا يخطو خطوة قبل ما يعرف بدايتها ونهايتها ولكن تلك الفوضى لا تليق به..
توقف أمام أحد محلات المجوهرات ولم يمنع قلبه من تفقد خواتم الخطبة حتى جذبه واحد وتخيله في يدها فتبسم لانه احسن أنه صُنع لأجلها، ابتاع الخاتم وتمنى ألا أحد يلبسه سواها ثم مع مغيب الشمس تمامًا عاد الي البيت..

بمجرد وصوله خشي أن يقترب منها فتصعقه بقرار الرفض فتسطر صك وفاته بكلمة، نزع جاكته الشتوي وبدأ في اشعال النيران للتدفئه لبرودة الجو وجلس أمام النار ليلتمس منها دفء يده بصرف النظر عن المراجل المتقدة بقلبه..

كانت تراقبه خلسة من وراء النافذه حتى رأته هدأ تمامًا وقررت أن تخرج له بحزنها وارهاقها وتعبها الذي حطم قوتها واطاح بعقلها، اتجهت إليه وهى محملة بكثير من المقالات والأكثر من الاسئلة التي تود العثور على جواب منها، فتحت الباب ووقفت للحظة تتأمل ظهره العريض بحب أخذها مسحوبة إليه حتى وجدت نفسها أمامه.

رفع جفونه تدريجيًا بدءًا من قدمها الحافية لغطاء رأسها المُلقى عشوائيًا على رأسها، بمجرد ما التقت أعينهم تبخرت الحروف والكلمات من فمها ولم يبق سوى احتضانه وسينتهى الأمر..
دب الخوف بقلب هشام وسألها
-قررتي!
هزت رأسها بالنفي وهى تقاوم دموعها التى أوشكت على السقوط
-لا، بس لازم نتكلم.
-طيب اقعدي واقفة ليه.
جلست على الوسادة المجاورة له وهى تفرك كفيها بارتباك حتى أوقفها بهدوئه
-اتفضلي يا فجر، سامعك.

عُزف لحن الحيرة من فمها وهى لا تعرف من أين ستبدأ حتى ابتدت قائلة
-أحنا هنتكلم في كل حاجة يا هشام..
-تحت أمرك!
-الأول اوعدني مفيش عصبيه ولا نرفزة خالص من بتوعك.
أومأ متفهمًا
-انا تمام متقلقيش..
قال جملته واستئذانها للحظة احضر فيها دفتر وقلم ثم عاد إليها مرة أخرى وقال
-هاا يلا!
استسلامه لها كان مثيرًا للحب أكثر ولكنها ابتلعت زهور عواطفها واستبدلتها بأشواك عواصفها و
-فاكر أول مرة اتقابلنا فيها.

-آكيد، وده يوم يتنسى!
-ايه طباعك عن اليوم دا!
فكر للحظة ثم قال بشرود
-اليوم دا أنقذني من فخ عشان يوقعني في بير.
انكمشت ملامحها بعبث
-للدرجة دي!
-بس الغريب إني حبيت البير دا ومش عايز أخرج منه، أقولك على سر؟!
ارتعش قلبها
-قول..

-كنتِ أول واحده إيديا تلمسها من ١٠ سنين، كنت وقتها بحس النبض بتاع رقبتك، معرفش اتهزيت وحسيت النبض دا في قلبي أنا، كان شعور غريب ملوش تفسير وبالأخص لما شلتك بين ايديا وكل لحظة اخطف نظرة كدا وقلبي يدق بسرعة، كنت حاسس إني اعرفك، شوفتك قبل كدا، مش عارف حلم ولا حقيقه، بس كنتِ شخص معلوم لقلبي..

كانت جملته بتردد، حيرة، تقطيع الاعترافات التي تعصي الكبرياء، كان يصمت من بين جملة وأخرى كأنه اراد أن يتنفس الذكريات بينهم..
لم يكن حديثه هين على قلبها بل ضاعف من صعوبة الأمر، صمتت الالسن لدقائق وتحدثت العيون بلغة أدق وأعمق، قطعت ذلك الصمت بسؤال أخر
-عشان كدا كنت بتعاملني وحش!
-كنت بعاملك بالرفض القاطع يا فجر، حاسس بحاجة جوايا مش عارف إيه ولا مصدقها، كنت عايز أموت الحاجة دي.

ضمت ساقيها الي صدرها كأنها ودت أن تحضن قلبها كي يتوقف عن الإخفاق، أكملت باعتراف
-انا كنت متهددة يا هشام، متهددة بأبويا وسمعتي ومستقبلي لو معملتش كدا، اتحطيت بين نارين اصعب من بعض، انا عمري ما كنت خاينة ولا قصدت أخونك، انا هربت من الظلم مش عشان أذيك.
انهمر الدمع من عينيها واكملت.

-حتى لما طلعت اسرار شغلك لزيدان مكنش بإرادتي، يوم ما خطفني هددني بيك واخواتك وبأبويا اللي في السجن، معرفتش أعمل ايه، كنت واثقه فيك إنك ذكي و مش هتقع في فخهم، واهو الحمد لله ربنا نجاك..
كانت دموعها جمر يأكل في قلبه، سألها بفضول
-فجر هما فين أهلك، معقوله معندكيش عم خال خاله، أي حد في الدنيا..
صمتت للحظة ثم قالت.

-عندي، عندي عيلة كبيرة، لسه فاكرة شكل جدي لحد دلوقت وعمامي، كنا عايشين في بيت كبير وفيه ناس كتيرة، جدي كان من أعيان البلد، قضيت في البيت دا سبع سنين، لحد ما أمي اتهمت في شرفها ظلم وفي نفس الوقت ابويا اتهموه في سرقة فلوس ودهب من تاجر في البلد والا لازم يقتله، كانت امي حامل في يوسف، وعمامي بيكرهه ابويا عشان هو مش أخ شقيق ليهم وعشان الميراث، مكدبش بابا خبر والاتنين هربوا من البلد، بقا ابويا حد تاني خالص شرب وخمرة وستات لحد ما صرف كل فلوسه اللي هيعيشوا منها وطلق أمي، وكمان في الوقت اللي هرب فيه كان في قضية قتل فالبلد فلبسوها لأبويا، ومن يومها سبنا الأقصر باللي فيها وعشنا في بني سويف، وباقي الحدوتة أنت عارفها..

اختلج قلبه من مكانه على حالها وسألها باهتمام
-طيب أنت محاولتيش ترجعي لهم ليه!
-هرجع لهم ازاي؟! دول عملوا في اخوهم كدا، متخيل ممكن يعملوا فيا أنا ايه؟! انا معرفش عنهم أي حاجة غير انهم من اغنى اغنياء البلد، انا خبري ادفن مع ابويا وامي بالنسبة لهم خلاص..
رمقها بشفقة ثم قال.

-تعرفي إننا زي بعض! أنا ملحقتش اشوف أمي اللي تقريبا واخد كل ملامحها لاني مش شبه أبويا، اتربيت على ايدين عايدة وتحت صرامة عماد السيوفي، حتى عيلتي الكبيرة دي معرفش منها غير عمي منير، ااه بزورهم فالمناسبات بس باخد واجبي وامشي، يعني أنا زيي زيك، معنديش لا أب ولا أم..

-بس عندك أخواتك ياهشام وعمك وابن عمك، اوعى تنسى جميل عايدة هى بردو تعبت في تربيتك، عندك شغلك ومكانتك الاجتماعية اللي تخلي اي حد يحترمك، عندك اهلك على الاقل ليك نسب تتباهى بيه، أما انا معنديش أي حاجة من دول، احنا ممكن ظروفنا واحدة بس مش متشابهين..
أومأ بالإيجاب مقتنعًا ثم قال
-بس نفس الوجع..
-جايز..
ساد الصمت بينهم للحظات ثم اكملت.

-تعرف أن زيدان جالي عند بسمة وهددني يإما اقتلك يااما هيحصل ويحصل، كنت محتاجة لك أوي معايا، وانا مكنتش اشوف منك غير قسوة، هو يضغط من حته وانت من التانية، ورغم دا كله اخترتك.
مزقت بعتبها قلبه ثم سألها
-بالمناسبة، اي اللي يجبر واحدة زيك قوية انها تيجي تنام في حضني ليلة وتهرب! إنها تسلم لي نفسها كام ساعة وتمشي؟! ليه مكملتيش طيب!

كان السؤال كالجمر المتقاذف على قلبها يحرق قبل أن يقتل، صمتت لدقائق قليلة ثم قالت بحزن
-عارف احساس انك تحب بس من جواك متأكد إنك ماتستاهلش الحب دا، جيت لك عشان كنت واثقة أني مفيش حد يستاهلني بعدك وموافقة لو ههديك نفسي مرة واحدة في العمر، ومشيت لان دا عقابي لخيانتي انا مستاهلش حد زيك يا هشام!
-تعرفي أسوأ حاجة مابينا أي هي؟!
-ايه!

-أن كل واحد بيحكم على التاني من وجهة نظره ويأخد القرار اللي يخصنا لوحده ودي قمة الأنانية في وجهة نظري.
اقتنعت الي حد كبير بوجهة نظره ولكن اجابته بتردد
-بس في حاجات واضحة مش محتاجة مشورة.
حسم الجدال في ماضي انتهى وكتب بالخط العريض بحزم
-كدا نبقى خالصين في أول نقطتين، غلطك مقابل معاملتي اللي زي الزفت، نحرق الورقة دي بقا.

ألقى الورقة في النار لتأكلها ولتأكل وجعهم المتراكم من شهور حتى تصاعد دخانها وتصاعد أخر زفير للألم بينهم، فتنفست قلوبهم قليلا وشرعت الغمامة أن تتحرك..
تعجبت من تصرفه الذكي الذي فعله للتو، والحيلة التى اراد ان يقضي بها على تراكمات قلوبهم كي تصفي، توجه إليها باهتمام
-اللي بعده، قولي سبب كمان وصلنا للي أحنا فيه دا..
تراكمت الدموع في عينيها واعتصر قلبها من شدة الحزن وقالت.

-ازاي جالك قلب تكون في حضني وتروح لوحدة تانية؟!
زفر طويلًا حتى جمع الكلام الذي سيقوله حتى اردف
-مبدئيا مش معنى اللي هقوله إني ببرأ نفسي، انا عملت كبيرة من ضمن الكبائر ومعترف بده وهعيش عمري كله ادعي ربنا يغفر لي، ولاني كنت رايح وانا ناوي أعمل كدا يا فجر..
اختنق صوتها وهي تسأله
-ناوي! كنت معايا بتكذب يا هشام؟! أنا كنت بتعاقب في حضنك وساكته ومستحملة ومسلمة قلبي ليك، وأنت في نيتك تخون.

-اهدي يا فجر، أهدي أحنا بنتكلم أهو، طبعًا أنت عارفه الطريقة اللي اتقابلنا بيها كانت ازاي، انا نمت صحيت لقيتك في حياتي، حاولت ابعد نفسي عنك مش قادر، متعلق من رقبتي يا فجر، كل يوم مشاعري ناحيتك بتكبر، وانا قلبي رافض الحب دا، رافض ان واحدة تهزمني بعينيها، كنت متعقد منكم، معاكي كنت بتحول، مش شايف قدامي غيرك لو أطول افتح قلبي كدا اخبيكي جوه مش هتردد، بس كنت اسيبك شيطاني يلعب في دماغي، كل حاجة كانت غلط ما بينا، انا حاجة جوايا رفضاكي والف عايزاكي..

توقف عن الكلام لبرهه وهو يطالعها بأسف
-كنت شايف الحب دا سخافة من سخافات الأيام، انا راجل يرفض الضعف و الهزيمة، مكنتش عارف أشوف غيرك، ولا حتى يقرب مني غيرك، غروري كان بيعاند، وعايز يثبت لي العكس..
وجع الخيانة يحرق في جوفها
-عذر أقبح من ذنب يا هشام.
-عارف، قولتلك مش بنكر ذنبي! بس مش لدرجة إنك تبعدي عني عمرك كله يافجر، وانا اتعاقبت عليه في غيابك وزياده!

رمقته بتردد وقلب يطوف به حمامات السلام، فأمسك قلمه و كتب
-غلطتي ربنا عاقبني عليها فيكي..
ثم رفع نظره متوسلًا
-ربنا ردلك حقك ووجعك أضعاف! هتقسي عليا أيه تاني!
أومأت رأسها بتقبل الأمر فقطع الورقة على الفور وحرقها أمامها، ثم قال
-كدا تاني صفحة في قلوبنا احترقت، وانا بعتذرلك وهفضل اعتذرلك عن الغلطة دي الباقي من عمري!
ثم غمز بطرف عينه متأملًا
-ها مرضي كدا.

لاحظت صفاء قلبه صوبه تدريجيا ولكنه لم يسلم من تمرد الانثى بها وهبت كالرياح مُعاتبه
-أنت ازاي تمد أيدك عليا وتضربني..
أغمض عينه لبرهه محاولًا إخفاء حزنه عن فعلته ثم قلب الأمر ل مزحة خفيفة
-مش هقولك أنا عملت كدا ليه لأنك عارفه وكان رد فعل طبيعي من راجل شرقي زيي، بس هقولك دا قصاد القلم القسم اللي أنا مش عارف سببه لحد دلوقت!
تبسمت مُرغمة ثم قالت بتدلل
-حاولت تقل ادبك بس لحقتك..

ابتسامة خفيفة ارتسمت على وجهه و
-ماشي ياستى وانا مسامح..
ثم عاد ليكتب
-قلم
قلم، خالصين مش كدا؟
أومأت باستسلام وسرعان ما رمى الورقة في النار ثم وجهه إليها
-ها ايه تاني؟!
بدأ قلبها يعلو ويهبط بقوة وانفجرت في البكاء وهى تتذكر.

-مش قادرة اتجاوز نظرتك ليا وانت بتقول لي انا بالنسبة لك كنت مجرد ليلة واحدة، مش قادرة انسى ابويا وابني اللي راحوا مني في يوم واحد، انا كنت بموت وقتها وللاسف كنت محتاجة لك أوي وبدور عليك، مش ناسية يوم الحفلة وراجل غريب بيحاول يرتبط بيا وانا مش قادرة اقولهم إني اخصك واجبرك عليا، كنت حاسة اني لوحدي لدرجة تقتل أي حد، مش قادرة أنسى الزفته ميان وكلامها وتجريحاتها، انا حاسه أن وجع الدنيا جوايا يا هشام وعمره ما هيداوى..

لم يتحمل بكائها أكثر من ذلك، بدل مكانه وانتقل للوسادة التى تجلس عليها وأخذها في حضنه فانهارت من الحزن والألم، أخذ يُقبل رأسها لمرات متتالية ويربت كتفها بحب والكثير من كلمات الاعتذار
-حقك عليا، أهدي..
استندت على صدره حتى تخلصت من بكائها وهدأت تمامًا ثم ابتعدت عنه وسألته
-أنت عارف عواقب إنك ترتبط بواحدة زيي؟!
-عواقب ايه بس يا فجر! أنت ليه بتصعبيها كدا..

-مش هقدر أبص في عيون ولادي لو حبوا يبقوا في يوم من الأيام ظباط زي أبوهم وانا السبب اللي هيقف في طريقهم.
رمقها بعدم اقتناع
-وانت عشان ولادنا اللي لسه مجوش هتقرري تضحي بيا! دا مش منطق ولا عدل!
-دا مستقبلنا؟! وحياتنا، انا خايفه من نظرة الناس ليك، هشام انت من حقك واحدة تشبهك و تليق بيك، تتباهى بيها قدام الناس! اما انا هتقدمني للناس والمجتمع كأيه؟!
ثم جففت دمعه وأكملت.

-خايفه في يوم تعاملني زي ميادة وغيرها وغيرها، هشام انا مش عايزة أبقى انانية واظلمك، أنت تستاهل وحده تشرفك وتشرف ولادك، خلى فجر في حياتك النجمة البعيده اللي تستاهل الحب بس ما ينفعش تبقى ليك..
بعد ما أحيت الأمل في صدره حرقته مجددًا، كلامها التف حول قلبه وخنقه حتى لمح ظل انسحابها من حديثها، أغمض عينه لبرهه وسألها
-قرارك إيه هو يا فجر..

كالسهم الذي خصه راميه لقلبها مباشرة فاصابها في مقتل، ساءت حالتها وغرقت دموعها وجهها وهى ترتعش أمامه بضعف وهزل، تمسكت بيده وطالعت عيونه وقالت من صميم قلبها
-أنا بحبك، ومن جوه قلبي مش هبطل أحبك أبداً، وقلبي مسامحك من زمان، وعمره ما عرف يزعل منك.

ثم توقفت للحظة عن الكلام وتركت اللجام لعيونها و ما أن سربت عيونها نحوه فقفزت بين ذراعه لتتوسط كل شيء به، طوقته بعنف لم يشهده من قبل، تشبثت بملابسه كأنها لا تود مفارقته مهما عُصفت الرياح واشتدت، تعمدت أن تدفن جسدها كله بصدره، وتغرس وجهها بعنقها وتنفجر باكية..
ضمها إليه بكل ما أوتي من شوق وهو يسألها
-حصل إيه طيب؟
اعتصرت قميصه من شدة تمسكها به وقالت باكية.

-مش هينفع أكون أنانية يا هشام، لازم أبعد لحد ما أكون حاجة تليق بيك، أنت تستاهل الأحسن مني..
انهمرت قبلاته العطشانة إليها على كتفها وجدار عنقها، ولأول مرة تفيض دموع عينه وهو يسألها
-متشعبطة في حضني وبتقرري تبعدي عني!
كانت ترتعش وكل ما بها يرتعش وتستميت بكل قوتها لتضمه ضمة ترتوي منه بقية العمر..
ربت على ظهرها بحنو
-طيب ممكن تهدي!

أحس قلبها المرتجف الذي غازل قلبه بلهيب الشوق، عزم أمره فجأة وحملها بذراعه من خصرها وما زالت متشبثة به كمن يخشى الفقد ويهابه، بمجرد ما دلف إلى البيت ركل بابه بقدمه وما زالت هى في أسمى درجات ضعفها وانهيارها حتى لم تفق من كل هذا إلا وهو يغلق عليهما الغرفة الخاصة بهم..
بدأت تستعيد وعيها وتبتعد عنه تدريجيا وهى تتوسله ألا يفعلها، امتدت يده لوجهها وجفف دموعها بتوسل.

-عايزه تبعدي وانا روحي معاك! وكل دا عشان اوهام في دماغك.
ثم اقترب منها معاتبًا ورافضًا
-لا مش هسمح لك يا فجر، حتى ولو هجبرك عليا زي ما الدنيا جبرتنا على كل حاجة، مش هتردد، لإنك ليا وبتاعتي وبس..
كاد أن يدنوها منه ليمتلكها فتراجعت متوسلة
-هشام صدقني البعد هو الحل.
زمجرت رياح حبه واشتهائه مع غضبه.

-الحل في إني أعيش بفكر فيكي عمري كله! الحل اني اسيبك لوحدك ف الدنيا تخبط فيكي! لا يا فجر مش هو الحل، عايزه تعرفي الحل؟! انا هقولهولك دلوقت.
جذبها إليه عنوة حتى أصبحت تحت قبضته وطالع ملامحها بكل حب وأكمل بهدوء يعصف بأنفاسه التي تتخبط بوجهها، و
-أنت ليا وبس، فاهمة، بمزاجك أو غصب عنك.
بنبرة ضعف سألته
-هشام أنت هتعمل إيه؟!
-هفكرك بحضني يا فجر! اللي انت عايزه تسيبيه وتمشي!
-مينفعش يا هشام، انا مش مراتك!

-لأ مراتي، ومفيش يوم عدي وأنت مش على ذمتي! أنا رديتك في يومها يافجر...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة