قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الخامس عشر

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الخامس عشر

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الخامس عشر

السلام عليك وعلى قلبك الجافي الذي لم يلن بماء حبي..
بتاريخ العشرون من أيار للعام الذي أثبتت لي فيه حقيقة رحيلك الأبدي..
وأما بعد السلام، وبُعد الانتظار. وما بعد الشوق.

أنا افتقدك كثيرًا، وألقاك في أحلامي كثيرًا، واتودد للأيام أن تجمعنا بصدفة لا يعقبها فراق، صدفة تأتي بك إلى هنا، فلا جدوى من صُدفٍ تملأني بك في ثانية أو اثنين إن طال الأمر ويعقب خلفها الغياب الطويل والحب العليل الذي لا يداويه سوى قربك..
ولكن
دعنا من صياح القلب، ف العقل ضَب حقائبه..

حان الآن موعد انسحاب قلبي من ساحة حربك التي لم تخط فيها خطوة واحدة لأجلي، لم أعد أكتب لك مرة أخرى، ولم اعد انتظرك، ولم أسلك طريقي عنوة باحثة عنك، ذلك عقاب تمردك السخيف ورحيلك المبهم! سأتوقف عن كل هذا أعدك بذلك..
ولكن
لن اتوقف عن حبك أبدًا
نهال مصطفى.

بعد شهور من الاستماتة في مقبرة العناد أخيرًا تبدل كفن الأوجاع لأجنحة قوية قادرة على التحليق بها لأعلى وأعلى يمكنها منافسة النسور فى الارتفاع، يظل المرء طول عمره ماشيًا على قدميه إلى أن تلفحه رياح الحب فيتذوق حينها لذة الطيران الحقيقة..

هناك بعض اللحظات يقف فيها الزمان والذاكرة الوعي ولم يبق حينها سوى قلبك الذي من شدة إخفاقه تظن إنه سينخلع، نالت روحها جرعة عظيمة من السلام كانت كافية أن يستريح جسدها بعدها بقية العمر، كانت تشعر بدفء يسري بعروقها مع سقيع العشق الذي يتضاعف بقلبها..

تتوسط فجر فراشها وهى تحملق بالسقف واضعة كفها على صدرها تراقب نبضه الهادي حد هدوء مياه النيل، عكس ما كان عليه من لحظات ثائرًا ك ثوران موج البحر، أغمضت عيونها محاولة أن تسترجع أي شيء، او أي حدث يفصح عن هزيمتها أمامها، ولكن دون جدوى، كان بارعًا في أن يسلبها من عالمها إليه بسحر طغى على ادراكها تمامًا..

رغم هدوء روعها الملحوظ إلا أن وخزات الخوف والحيرة أصابت جدار قلبها الذي يخشى الفقد مرة أخرى، يهاب الرحيل والواقع الرافض لهم دائمًا، سرعان من انهار خوفها بمجرد ما تذكرت كلمة جديدة غير تلك التى وقف عندها الزمن، انتفضت بانتشاء وهي تتذكر طريقة نطقه لحروفها
-أنت مراتي..
ثم تلك الكلمة التالية التي امتص بها فتات تمردها وهو يعلن تملكها له صراحة في اسمى لحظات ضعفه التى لم تراها من قبل، هامسًا.

-أنا مقدرش أعيش من غيرك، افهمي بقا..

انتفضت كمن أصابته الصاعقة وهى تلتقط أنفاسها سريعًا، فقد انفرد الحب بقلبها سيقتلها بدون رحمة، تناولت بعض الشيء الذي صادفته وارتدته سريعًا ثم جلست مستندة على الوسادة خلفها واخذت تتنفس بهدوء تارة يفرحها وتارة يقلقها وطور يود أن يأخذها لعنده مجددًا..

انتهى هشام من أخذ حمامه الدافىء الذي زال ما تبقى من ملوحة غيابها الطويل، حيث تناول منامته الخاصه وارتدها سريعًا وأخذ يصفف شعره أمام المراة وعلى وجهه ابتسامة رضا عظيمة، شعور الاكتمال قد هيمن عليه، عادت له روحه المنتقصة، وركاكة نفسه، وهشه قلبه، واكتملت ملامحه بابتسامة نابعة من أعماق قلبه ليصبح وجهه كالبدر في ليلة تمامه، نفث عطره بين يديه ثم مسح على وجهه وهو يتوعد لها في نفسه، ثم اخذ يدندن بأغانٍ غير مفهومة وفتح الباب، فأول شيء إلتقطته عينيه كانت هى، فتبسم قائلا.

-لسه قاعده مكانك!

كانت تتوسط فراشه كالؤلؤة التى تنتصف صدفتها في ثبوبها الأبيض المثير، رمقته بسخط ثم صمتت فتقبلها بضحكة خفيفة وأتبع غنائه وأخذ يتجول أمامها دون مقصد واضح كإنه يبحث عن شيء، أخذت تقضم في اظافرها بغلٍ وهى تتوعد له في نفسها حتى خرجت عن كبتها وقالت
-ممكن أعرف إنت ازاي تردني من غير مااعرف؟! كان مين سمح لك بكدا؟!
استقبلها سؤالها الثائر بهدوء تام وهو يفتح الخزانة ليتفقد شيء ما وهو يتوعدلها
-هرجعلك!

تهديده أثار غضبها أكثر، فعصفت من مكانها وذهبت إليه ووقفت خلفها وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها مترنحة.

-يعني أيه فكرك هخاف منك يعني؟!
دار إليها بفظاظته وتأملها بإعجاب
-بس إي الحلاوة دي؟!
تراجعت خطوة للخلف محاوله اخفاء اهتمامه بغزله وقالت
-أنت رديتني ليه يا هشام؟
-هو إيه نكد وخلاص!
ثم اقترب منها بحب متمعدًا أن يداعبها بملامحه قبل يده وقال بغمز
-ما أنت كنتي حلوة من شوية! قلبنا المحطة ليه.
هربت منه متعمدة كي لا يلاحظ ضعفها مرة أخرى
-فكرك إني كدا هرجع لك؟! بتحلم؟!

تناول بعض الاوراق من الخزانة ثم اقترب منها ممازحًا
-بقول لك إيه انا واخد عهد على نفسي مش هتعصب عليكي، اهدي كدا عشان أنا اصلا ماليش أمان..

تمسكت في الكلمة متحججة
-شوفت أديك بنفسك أهو قولت ملكش أمان، يبقى تطلقني بقي، منا مش هعيش معاك عمري كله قلقانه!

كانت شقاوتها تسكب مذاقًا جميلاً بجوفه يداعب كبريائه جعلته متلذذًا بالتلاعب معها، دنا منها بهدوء حتى تناولتها يده إلي صدره وأخذ قبلة من جبهتها وأخرى من ثغرها وقال
-أنت حبتيني كدا ومش هتغير ولا حبك ليا عمره ما هيتغير، يبقى ايه لزمتها تلاكيك العيال دي.

طوقها بكلامه قبل ذراعيه فتناست شحناتها الغاضبة منه وقالت بمداعبة تحفظ بها ما تبقى من تمردها وصوتها الخفيض
-أنت رديتني ليه..
-ما أنا قلت لك، عشان أنا مش هقدر أعيش من غيرك.
اتسع بؤبؤ عينيها بذهول من فرط مشاعر الحب التي سربت إليها وسألته كالطفلة
-بجد؟!
أوما مصدقًا على كلامه ثم قال متوعدًا
-عارفه لو سمعت كلمة طلقني دي تاني هيحصل فيكي ايه؟!
أحس برعشة الخوف بجسدها وهي تحت يده وهي تسأله
-هتعمل ايه؟!

-هعمل فيكي نفس اللي عملته من شويه، هتقولي طلقني هفهم على طول انت قصدك ايه، اتفقنا؟!

فاحت رائحة الحب من فمه وفغمرتها بالسعادة ولكنها عزمت عن ان تتبع مسلكًا جديدًا في علاقتهم وسألته بعد فهم مصطنع
-مش فاهمة، فهمني؟! قصدك ايه؟
-قصدي اللي انت فهمتيه وبتستعبطي، تحبي تشوفي
ارتبكت قليلًا وهى تتملص من قبضته
-يوووووه انت قليل أدب على فكرة..
رفعتها يده المُلتفه حول خصرها بعنفوان وهو يجهر
-تحبي أوريكي قلة الأدب اللي على حق!
ترنحت مستغيثة
-لا خلاص والله، اخر مره..
أجلسها على الاريكة وتراجع بشموخ.

-لحقتي نفسك..
-الطيب احسن، خلاص والله بجد
جلس بجوارها بعد ما طبع قبلة طويلة على رأسها وقال
-نتكلم جد بقا!
اندفعت بتلقائية
-هتطلقني؟!
تأهب للهجوم عليها بكلل ونفاذ صبر وهو يقول
-لا بقا دانت ناوياها..
فصاحت متوسلة
-بهزر والله مش قصدي، اخر مرة، اخر مرة
تراجع مرغمًا وهو يلعن الحظ في سره ثم قال
-اما نشوف اخرتك ايه..
خيم الحب على ملامحها التي فج عطرها هنا وهناك وقالت
-هتقول ايه؟!

تناول الملف الورقي وفتحه واخرج منه بعض الاوراق وأعطاها ورقة ما
-اتفضلي يا ستي..
أخذتها منه بفضول وهي تسأله
-دا ايه دا؟!
-دا ياستي عقد شرا الشاليه، ومكتوب باسمك، دي هدية جوازنا يا فجر وو
فقطعته معارضة
-انت بتقول ايه؟!
أشار إليها بكفه وعيونه متوسلا ليكمل حديثه
-انا مش هابقى راجل سوي وأنا مش منفذ شرع ربنا ومديكي حقوقك كلها قبل ما اطلب بحقوقي، والمكان دا كان البذرة اللي اتولدت فيه قصتنا وانسب هدية ليكي..

قطعته رافضة
-هشام..!
-سيبيني أكمل يا فجر المكان دا كله مش هيغلى عليكي، وربنا يكرمني كمان وكمان وأعوضك عن كل اللي فات، وهنرجع القاهرة وهكتبلك قايمة جديدة ومهر جديد، والشقة اللي إحنا فيها لو مش عاجباكي نغيرها، بصي قوليلي نفسك في ايه وانا اعمله..

اثق ان مهمة الرجل فى الحياه هى سد الفراغات الموجودة بقلب المرأة، ووصل ما بترته الأيام من روحها، هو الملاك البشري الذي يهبه الله رحمة من رحمته ليداوي بها قلب إمراته..

هي عشقته حد الجنون فبأي مرحلة سيطيح بها عشقه بعد ذلك، جذب الأوراق من يده ووضعتهم على الطاولة ونهضت لتجلس على ركبتيها وتقترب منه بحب وامتنان و
-مفيش كلام ممكن يوصف لك شعوري أيه دلوقت، بس أنا ممكن احضنه وانت هتفهم كل حاجة..
ارتمت بين يده وعانقته طويلا في حرم صمتهم الذي استمر لبرهة من الوقت فقطعها هو طالبًا
-انا عايز وعد دلوقت إن مفيش أي حاجة هتفرقنا مهما حصل!

انسحبت من حضنه تدريجيًا حتى طالعته بحب وهو يكمل بتردد
-انا معترف ان دمي سم وماليش في روشنتة شباب اليومين دول، ومابعرفش اقول كلام حلو واتلون وانت عارفه كدا كويس واظن انك متقبلاني، انا بوعدك إني هحاول اغير طباعي دي عشانك، مع اني ملاحظ الفرق بس انا هخلي هدفي طول الوقت ازاي ارضيكي وبس، وانت كمان ساعديني في دا وقوليلي كذا بيضايقني متعملهوش..

الانسان يخطئ حين يمنح نوع الحب الذي يحتاجه هو لا ما يحتاجه الطرف الاخر، همست له بحب
-هشام انا بحبك كدا، بس في نقطة صغيره خلي بالك منها
-هي ايه؟!
-امتص غضبي، دي كانت فجوة كل مشاكلنا من زمان، انا اتعصب تقوم انت متعصب هوب نوصل للي وصلنا له، غلط، لما تكون قدامك نار بتولع نار جمبها ولا بتحاول تطفيها الاول؟!

أيد حديثها متقبلًا
-معاكي حق، انا معنديش النقطة دي او على الاغلب متعودش إن حد يقف قدامي ويجادلني غيرك..
رجعت خصيلة من شعرها بخجل وهى تردف
-اتعود بقا..
-ياستي اتعودت وبصمت بالعشرة، هااا ايه كمان؟!

فكرت للحظة ثم تراجعت للخلف مستنده على الاريكة وعقدت ذراعيها امام صدرها ووضعت ساق على الأخرى و
-طالما الحيت عليا كتير عشان نرجع وحالتك صعبه من غيري وو.

جز على فكيه بغضب مفتعل مع صوت ايماءه توعد، فكتمت ضحكتها وأكملت
-فأنا موافقة نرجع، بس بشروطي..
عادت ملامحه الحادة مرة أخرى و
-ما تتظبطي، انت رجعتي خلاص لو كنتي نسيتي، انا جاهز افكرك
-لا ماهو كدا مش رجوع، دي معاهدة صلح بس مش أكتر..
-سمعيني بقا شروطك؟
دارت نحوه بحماس
-مانت سوري يعني مش هتضحك عليا بحتة شاليه وقايمة!
رمقها بسخرية مليئة بالحسرة.

-حتة شاليه؟! انت عارفه دا تمنه كام اللي مش عاجبك! بس ما علينا اتفضلي ياستي، سمعيني شروطك..

شردت للحظة قبل ما تُكمل ثم غيرت مسار شروطها وقالت بحنو
-هقول حاجة الاول..
-قولي..
-انا لما طلبت اننا نبعد، فده عشان انا محتاجة انجح وادرس وابقى واحدة تليق بحرم هشام السيوفي، تمشي جمبي وراسك مرفوعه تقول دي مراتي زي ما بيكون احساسي..

رفع يدها لمستوى ثغرها وقبله وقال بوعدٍ
-وانا أوعدك اني في ضهرك لحد ما تبقي انجح واحدة في الدنيا، وبعدين انت في عيوني انجح واحده كفايه إنك تفوقتي على قلبي..

-لا قلبك دا سيبهولي، له روقة معايا!
حدجها بشكٍ
-هتعملي فيه ايه تاني؟!
-سيبهولي انت بس..
-هو معاكي، دلعيه بقا..
ضربته بلطف ليصمت من تصريحات المُخجلة وأكملت
-وانا واثقه فيك يا هشام انك في ضهري ومش هتسيبني غير وانا فخر ليك ولولادنا..

كسا الفرح قلبه وداعبت يده شعرها بحنو و
-ان شاء الله، ها عندي فضول اسمع شروطك اللي مش عاجبها حتة شاليه..

نهضت كالملدوغة من جوارها وأخذت ترمقها بقلق حتى نطقت اخيرًا
-الشرط الأول، نعمل فترة خطوبة ندرس بعض فيها!
قفز من مكانه مذهولًا، وجهر
-نعم يا ختي؟!
-اهو انت رجعت تتعصب تاني، شوفت!
دفع الطاولة الصغيره بقدمه ودنا منها
-هتعصب وبس! دانا هكسر دماغك دي، بت اتعدلي!
قفزت فوق السرير وهى تلومه
-انت لحد امتى هتنسى اني مراتك وتعاملني معاملة العساكر دي.
اقترب من فراشهم وصاح ساخرًا
-طيب كويس فاكرة انك لسه مراتي!

-هشام فترة خطوبه نحب بعض فيها وتقف تحت شباكي وتحيبلي ورد وننام واحنا بنسمع عبدالحليم ومن كتر ما انت واحشني احضن التليفون..
اشتعل عرق التمرد برأسه
-شكلك اتخبطي في دماغك، اي جو المراهقين دا! انت عايزاني احب فالتليفون ليييه! في ثانوي؟

ضربت كفوفها ببعضهم وعزمت أمرها
-بس انت من اولها كدا بتستهتر باهتماماتي، بقولك ايه يا هشام، طلقني!
غلت الدماء بعروقه فقفز اليها فوق الفراش ولم تستطع النجاة منه، فتناولتها يده بانتقام و
-سمعيني كدا قولتي ايه!
بللت حلقها الذي جف وشرعت كفوفها ان تصعد لتُعانقه تدريجيا وهى تتغنج أمامه كطفلته المدلله فصهرت الحديد بجسده وسألها بهدوء وهو يداعب خصلات شعرها
-طبعًا هتقوليلي المرة دي من غير قصد واخر م.

فقطعته بسبابتها التي أغلقت فوهة غضبه وقالت بدلالٍ
-تؤ المرة دي قاصدة.

يقاسم الوجع نصف قلبها، وفرحتها، وطعامها وفراشها، ف ثمة خطايا لا تُغفر وحب لا يقل أبدًا، دومًا ما يخلق الحُب منا النسخة الأجمل والأبهج ولكن هذه ليست القاعدة الثابتة، فشواذها دائمًا ما تنال حوافرها قلوبنا، ويحول عطر الحب لدخان مُميت، فنخرج منه النسخة الأقبح والأكثر حزنًا حتى يصل بنا الحال ان نلعن قصر الحب وسكانه.

أعدت قمر كأس الشاي لزوجها وخرجت إليه في صمت ما زالت مُحافظة عليه لأيام، وضعت الصينية أمامها وانسحبت بهدوء ولكنه أوقفها مناديًا
-استني..
توقفت إثر طلبه ودارت اليه بصمت قاتل، فأشار اليها بالجلوس
-اقعدي يا قمر!
جلست بهدوء منتظرة حديثه الذي لن يداوي الوجع بل سيضاعفه ولكنها استمعت، اعتدل خالد في جلسته وسألها
-عاملة ايه!
اجابت بنبرة جافة
-أنا زينة يا خالد.
-لا منتيش زينة يا قمر، وشك لحاله يتفات له بلاد.

تجاهلت انتقاده وسألته
-عايز ايه!
-نتحدتوا؟! عاجبك أنت الوضع اللي احنا فيه؟!
-انت اللي وصلت لنا له يا خالد مش انا..
صمت للحظة
-انت حكيت لأمي حاجة!
انكمشت معالم وجهها
-وانا من ميتة بطلع أسرارنا بره؟!
رمقها بإعجاب
-اصيلة يا قمر!
بلعت غصة ألمها وسألته بتثاقل وتردد
-خبر ايه اومال مستنين خطوبتك مفيش حاجة حُصلت ولا هى العروسة تقلانه عليك.

انتقل خالد من مكانه إليها وحاول ان يمسك كفها ولكنها أبت بشدة فأسرها في نفسه وقال
-هتبقي هبله لو صدقتي كل اللي حصل واتقال..
حزمت أمرها رافضة
-هبقى هبلة لو اقتنعت بحرف من اللي هتقوله.
نفذ صبره
-يا قمر وحدي الله، انت مش فاهمة حاجة..
لم تسنح له الفرصة بأن يكمل، فهلت زعابيب الخفير وهو يأخذ نفسه بصعوبة
-الحق يا جناب العمدة، مصيبة هتقلب البلد حريقة.

-انا عايزة اروح لفجر، اتصرفوا.
تلك أخر جُملة اختتمت بها سعاد حديثها الذي تساقط كالجمر على قلب عايدة، فتركت الهاتف من يدها وثارت بوجهه
-انت عايزه ايه يا سعاد! عايزة تدمري حياة هشام ابني ليه، مش مرتاح معاها، طلقها، وداها في ستين داهية بعيد عن هنا انت مالك بينا ها!
تدخلت رهف لتهدأ الحديث
-يا مامي انتِ بتقولي ايه! ميصحش كدا.

صاحت سعاد معارضة لتوسلات رهف وقالت
-سيبي أمك يا رهف تقول اللي في صدرها خلى النفوس تتصافى..
وضعت عايده ساق فوق الأخرى و
-وعمرها ما هتتصافى وانت عينك في حياتي، ماتصفي قلبك بقا يا سعاد وتخفي سواد! مالك غيرانه مني ليه! إكمني ست شيك وناجحة ورجالة مصر كلها تتمناني! تدخلي بيني وبين جوزي ليه!

اختنقت سعاد من تلميحاتها السخيفة ولكنها تماسكت أمامها وتعمدت ان تتلاعب على اوتار الكيد النسائي
-والله انت مكذبتيش اللي بيتمنوكي كتير، المهم أن اللي انت بتتمنيه مابقاش طايقك ولا معبرك..
لُطخ وجه عايده بلهب الغضب وهى توجه حديثها لرهف
-شايفه اللي بتدافعي عنها!

صرخت رهف بنفاذ صبر
-يا جماعة ممكن تهدوا، ما ينفعش كدا؟!
نهضت سعاد بحزم
-فعلا امك خلتها خل يا رهف، انا سيبهالك وماشيه يا عايدة، بس عارفه هروح على فين؟! هروح على هشام في بني سويف واخد من ايده واقوله ترد مراتك وانا واقفه، عشان الحية اللي بخت سمها في حياتك تقول حقي برقبتي.

واجهتها عايدة بتحدٍ وهى تقف أمامها غير متقبلة فكرة عودتهم
-بتحلمي! هشام مبقاش طايقها اصلا، بلاش تحلمي.
أعلنت سعاد متحدية قبل ما تنصرف
-هتشوفي كلام مين فينا اللي صح..
تلك كانت آخر جملة اردفتها سعاد قبل ما تُغادر البيت، حجدت رهف امها بنظرات عتبٍ ثم ركضت خلف سعاد منادية
-يا طنط استنى بس.

-أنا جاهزة، يلا!
خرجت فجر من غرفتها مرتدية ملابس آخرى كانت بالخزانة من قبل، فرمقها هشام بإعجاب وهو ينهض من مجلسه
-دا ايه الجمال دا!
احمرت وجنتيها بخجل
-اللي لقيته في الدولاب الله!
انساق خلف قلبه إليها، فكان الشوق لها دائما قهرًا، اقترب منها وتعمد أن يديرها أمام عينه، فدارت في ثوبها الأبيض كالفراشة تحت يده حتى انتهى بها الأمر في حضنه وطالعها متغزلًا
-انت عمالة تحلوي كدا ليه!
-يمكن عشان معاك!

غمز لها بطرف عينه
-يا وعدي، دانا على كدا مش هتحرك من جمبك أبدًا..
ختم جُملته بقبلات عشوائية وحارة على وجهها وهو يدنوها منه أكثر وأكثر حتى غاصت في كينونة حُبه الهالك، أخر قبلة كانت من نصيب كفها الذي وضعته حاجز بينهم وهى تضحك
-خلاص يا هشام كفايه!
-هو إيه اللي كفاية؟
لم تكف عن الضحك والتمايل للوراء حتى استعادت اتزانها
-هو ايه تلكيك وخلاص!
أسبل عيونه بخبث وهو يردد
-تلكيك! انا بتلكك.

-ااه بتتلكك، وهو باين أهو..
-طيب تلكيك بتلكيك مفيش عشا برا وهطلبه يجي فالبيت وشوفي مين هيلحقك مني.

شردت بملامحه بمداعبته، بتلك الشخصية الحالمة التي ظهرت أمامها، اهل هذا حبًا او الشعور بالذنب، اين كنت أنت وبركان الحب هذا المتقد! كيف خضعت لى عيناك التى لا تؤمن بالحب! ولمَ أنا..

لاحظ شرودها الطويل، فمازحها
-اي نطلب العشا؟
رفضت بشدة
-لا طبعًا انت وعدتني هنروح نتعشا بره وبعدين هنرجع البلد، هترجع في كلامك ليه؟!
-عشان انا مش عارف أشبع منك، عندك ليا حل؟!
شدت قامتها لتطبع قُبله على وجنته الناعمة وقالت بحب
-ومين قال لك إني عايزاك تشبع مني؟!
ثم انتقلت الي أذانه هامسة
-بحبك ياابن السيوفي.

ظلت تتسابق رهف الخُطى لتلحق بسعاد وما أن وصلت للرصيف توسلت إليها
-يا طنط استنى بقا..
توقفت سعاد قسرًا
-اطلعي لامك يا رهف الله يصلح حالها.
تشبثت رهف بمعصمها متوسلة
-حضرتك رايحة فين دلوقت؟
اجابتها سعاد بتلقائية
-هطلب أي عربية توديني القسم عن أخوكي..
-روحة حضرتك مالهاش لازمه، لان هشام خلاص رد مراته وبيحاول يصالحها بطريقته.
قفز شبح الفرح بقلب سعاد وهى تتمسك بها
-بتتكلمي بجد يا رهف؟ يعني هشام معاها دلوقت.

اجابتها رهف على الرحب
-والله زي ما بقولك، دا خدني لعندها عشان اعزمها على كتب كتابي وبعدين اختفوا هما الاتنين..
ثم رفعت رأسها بشموخ
-هشام أخويا مش سهل بردو
رفعت سعاد انظارها للسماء وهي تشكر ربها
-الف حمد وشكرا ليك يارب..

لم تلحق أن تعاود الحديث لرهف، ففوجئت بيد حديدية تضربها في صدرها لتسقط صارخة أرضًا وتلتهم رهف بمنتهى الوحشية لتدخلها بجوف السيارة، ما بين الصرخات المتبادلة بين سعاد ورهف، نجح السطو المُلثم بالسيطرة الكاملة الى رهف والاختفاء سريعًا قبل ما يلحق بهم أحد.

احتشدت العامة وخرجت الأهالي من منازلها ومنهم من تفقد النوافذ اثر صريخ سعاد المرتفع والعاجز وهى تتوسل إليهم حتى سقطت مغشي عليها إثر الضربة القوية
-خدو رهف، البنت اتخطفت الحقوها يا ناس!

وصل ثنائي الحب الي أفخم المطاعم بالاسكندرية التي تطل على البحر، كانت تسبق خطواته بخطوة، كأنه اراد المكوث دومًا في ظهرها لحمايتها، التفت اليه بانبهار بعد ما تفقد المكان
-تحفه يا هشام، المكان يجنن.
ضم كفها بحب، ثم قال ممازحًا
-بردو بالنسبة لي قعدة البيت أحلى من كل دا.
دارت لتقف أمامه بتغنج
-اشمعنا بقى.
تفحص المكان سريعًا بعينه الصقرية حتى مال لمستوى أذانها وقال
-بحضن براحتي هناك..
حدجته معاتبة.

-ياربي منك، يلا هنقعد فين!
أتى النادل أنذاك ورحب بهما، فأخبره هشام
-كنت حاجز ترابيزة باسم هشام السيوفي.
اصطحبهم النادل الى المكان المخصص لهم، ثم تراجع قائلا
-سهرة سعيدة..
انصرف النادل، فلاحظت شروده الطويل بها، تبسمت بتلقائية ثم امتدت يدها ليده وسألته
-اللي واخد بالك؟!
بدل ترتيب أيديهم حتى أصبحت يده تحتويها وقال
-القمر اللي قدامي!
-انت اتعلمت الكلام الحلو منين!
فكر للحظة ثم أجاب.

-كلنا جوانا كلام حلو مش بنكون واخدين بالنا منه لحد ما يجي شخص كدا يفجر كل الكلام دا لحسابه.
لمعت عيونها بضي الحب ثم حركت شفتيها بهمس
-بحبك.
استغل فرصة وجود يدها بالقرب منه، فتذكر أمر الخاتم واخرجه من جيبه تحت عيونها الحائرة حتى فوجئت بخاتم رائع يخرجه من علبته ويضعه في يدها، توقف عن فعله إثر سؤالها
-ايه دا؟!
-دا خاتم جوازنا يا هانم، عشان اللي يفكر يبص لك بعد كدا هدفنه..

شدت يدها بسرعه وأعطته اليد اليُمنى وقالت
-لبسهولي هنا!
رفع حاجبيه بدهشة
-وليه مش في الشمال!
جحظت عيونها بذهول
-انت نسيت ولا كنت بتاخدني على أد عقلك عشان اللي في عقلك وبس؟!
-قصدك ايه!
-مش انت وافقت بالخطوبه.
-محصلش!
-لا حصل.
-كنت تحت التهديد!
-والله! ومين دا اللي استجرى يهددك!
-عيونك.
-يانهار ابيض عليا، يابني هتعود منك على الكلام الحلو وهتتورط..
-انا تورطت واللي كان كان هاتي ايدك بقا.
رمقته بتردد
-والخطوبة!
-هفكر.

-لا ما دا مكنش كلامك!
-قولتلك كنت مهدد..
كتمت ضحكتها فانعكس بريقها بعيونها
-لا، انت قلت موافق؟
أجابها مضطرًا
-ماشي تمام، خطوبة أسبوع؟!
شهقت باعتراض
-أسبوع! لا طبعًا قليل!
جز على فكيه بنفاذ صبر مغلوبًا على أمره
-٧ ايام ومش هزود ساعه كمان..
اتسعت ابتسامتها بانتصارٍ، فمدت يدها بحماس ليلبسها محبس عمره بأكمله بين اصابعها وكأنه يقر حقيقة تملكها له وتملكه لها للابد، انتهى الأمر قبلة منه ثم طالعها متسائلا
-نرقص!

أومأت بفرحة عارمة
-نرقص
وعلى الجهة الأخر جلس رجل غامض ذو هيئة مفزعة كان يتبع خُطاهم مذ لحظة خروجهم من البيت، وما أن اشعل سيجارته اشار للندال بفظاظة و
-هشام بيه السيوفي، روح قوله إني في انتظاره..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة