قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثامن

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثامن

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثامن

اخبرك بسرٍ ما وسبب قوتي بالحياة
-إنني أحببت نفسي أكثر من أي شيء ولم أنتظر يومًا أن يُحبني أحد..
واعتدت أن أُضحك الناس وأنا في قمة حُزني، وأن ابكي كثيرا وكثيرًا دون أن يسمع صوتي أحد.

كالسماء أن تخلصت من ضبابها باكية تصفو كأن لا شيء كان بها، اعتزل الناس في بؤسك ولا تسمح لأحد يراك وأنت في أسوأ حالاتك , اجعلهم لا يروا منك إلا وجهك الضاحك لأنهم لا يقدمون لك إلا الشفقه أو الشماتة، وجميعهما لا يليقون بك.

يصبح الأنسان ناضجًا عندما يرفض التعلق بأي علاقة مؤقتة أو صداقة غير أمنه , أو جدال أحمق لا ينشر ألا سلبيات، ينضج عندما يرى أنه لا يستحق أن يتعلق بالزائفين، حينها يخلع الأبواب المواربة ويقيم بدلا منه سدًا منيعًا..

لم يتحمل رؤية ورقة إضافية أمام عينه، أخذ يبعثر في الأوراق بعشوائية، ويتغلب علي دخان قلبه بتبغ سيجارته المتواصل وكأنه ينتقم من نفسه , ترك مقعد مكتبه وأخذ يجوب ذهابًا وإيابًا وهو يضرب كفوفه ببعضهما، ويتحدث مع نفسه بغضب كافٍ أن يحرق البلدة بأكملها ويتذكر حديث عايدة الأخير معه.

-أوعي ياهشام تزعل نفسك هي اللي اختارت وكل اللي حصل ده برغبتها أنت كنت متمسك بيها لاخر لحظه وطبعا مش هتجبر واحده مش عايزه تكمل معاك عليك، اوعى تحمل نفسك ذنب حاجة هي لو عايزاك وبتحبك هتغفرلك، لكن اللي أنا شوفته انها بتتلكك، وعمرها ما حبتك، يمكن كلامي صعب بس صدقني الأيام هي اللي هتقولهولك، والبعيد مهما بعد بيحن لأهله، فوق كدا لحياتك وسيبك من حوارات الستات دي..

عقد يده خلف ظهره وشد قامته للحظة وجز على فكيه
-طيب يافجر! عامله لي فيها عروسة أنت والتور اللي معاكي؟! مش انا اللي اتختم على قفايا واسكت، عايده طلع عندها حق..
ثم صدح صوت عقله متسائلًا
-يعني هتسيبها تتجوزه؟
انكمشت معالم وجهه بغضب وتفوه بتوعد
-علي جثتي تكوني لراجل غيري..

لا يعرف ماذا سيفعل رجل مثله عندما يقف أمام قلبه وعقله وكبريائه؟! ماذا يفعل بامرأة وضعت حد المستحيل بينهما؟! أيكون استقراطيًا ويتخذ مذهب الرجال ويستبدلها بامرأة أخرى أم ديكتوريًا ويأسرها في قفصه حتى ولو أبت الأسر تحت ظله لا يعنيه!

‏لا شيء بوسْعه أن يصِف ذلك الشّعور الداكن الممتدّ الساكن في روحه مذ لحظة رحيلها شيء يجهل هويته أيسميه حزنًا؟! أم حُبًا؟! الصمت الذي يملأه هل هو خيبة أم تعب أم استراحة محارب؟! هل صمته رضاء أم نفور؟!أم أنه يحاول الثبات ولكن كل ما به مبعثر؟!

-طيب فهميني بس انتي بتعيطي ليه دلوقت؟!
مسحت فجر دموع الألم من وجهها وقالت
-دي مش دموع دا كلام انا مش قادره أوصفه ولا اقوله!
ربتت ندى الضيفة سيئة الحظ على كتفها وقالت
-كل حاجة ليها حل؟!
فزعت فجر من مجلسها كالمجنونه وأخذت تهذي مع نفسها بكلام سريع أغلبه غير مفهوم.

-لا أنا مش هينفع أقعد ساكته كده؟! كده ياهشام؟! هو اصلا كان ايه جابه هنا؟! هو كان جاي عشاني صح؟! وجيه لقاني بتخطب كمان؟! طيب هو كان عايز ايه؟! اكيد كان جاي يصالحني وانا اللي غبيه غبيه؟!

ثم ركلت المقعد بقدمها وكسرت الأطباق التي تقابلها
-لا انا مش غبية هو اللي حلوف ومتخلف؟! اصلك مشوفتيش هدوئه وبروده لا وبيبارك لي كمان؟! ده ما صدق خلص مني ابن السيوفي؟! فكرك هعديها بالساهل يا هشام لا دانا صعيديه ومش انا اللي يضحك عليا؟!
ثم توقفت للحظة وهي تصرخ كمن اصابها صرع الحب.

-انا هتجنن؟! كده ياخد عني فكرة زي الزفت ويقول سبته عشان ارجع لخالد؟! ااه ايوه ماهو غبي ومتخلف ويعملها , عشان عمر دماغه ما فكرت في حاجة عدلة، قوليلي أعمل ايه بقا؟! فكرك هسكت؟! لا منا مش هسكت، والله منا معدياهاله.

تراقبها ندى بذهول ودهشته حتى خرجت عن صمتها
-يادي المصيبة اللي أنا وقعت فيها؟! أنا اروح لعمامي يقتلوني أرحم، ممكن تهدي انا مش فاهمة أي بجد، من أول ما دخلت وانت بتكلمي نفسك.

الصدمة في الحب تحدث بعدها دمار شامل لا يتحدث عنه الإعلام ولا يكترث العالم له أي أهمية، لم تعط لحديث ندي التي حدفها القدر لترافقها ليلتها أي أهمية وقالت
-مش لازم تفهمي! أنا خارجة؟!

حاولت ندى أن تمنعها ولكن بدون أي فائدة لقد انطلق سهم القلب فلا يوجد رجعة، تسير هائمة بدون مقصد أو هدف معين، يسحبها قلبها بدون أي رادة مثبطة لتوقف خُطاها، افتعلت الكثير من الأفلام التي ستدور بينهم حتى وجدت نفسها أمام قسم الشرطة فتسارعت ضربات قلبها واختل اتزان خطواتها وهى تغوص بساحته حتى وصلت لمكتبه وطلبت من العسكري
-هشام بيه جوه؟
-ايوه ياست، بس مانع أي مخلوق يخش له.

لم تنتظر أن تحاول مع العسكري فقد نفذت طاقتها في الحروب التي نشبت بجوفها وفجأة فتحت باب مكتبه وقالت
-لازم نتكلم!
تابعها العسكري متوسلا
-ياست أنت ما ينفعش، اسف يابيه هي اللي فتحت الباب وانا قولتلها ما ينفعش..
شيء ما عاد النبض لقلبه وأحيا حبها المتمرد بكيانه، رجة الحنين تسللت لقلبه فجعلته يتناسى غضبه منها ولم ير أمامه سوى مستقبل يجمعهما، ظل يطالعها بغرور يتضرمه القُبل.

في معظم الأحيان، ومن فرط يأسنا نختار أن نستمر بالمضي قدمًا في المنعطف الخطأ في الحياة، والطريق الخطأ على أن نعود من البداية أو على الأقل لنرضي أهواء قلوبنا، انتعلت خف الغضب وارتدت وشاح الحنين إليه حيث اكتست نبرتها بالرعشة وقالت
-هشام لازم نتكلم لو سمحت.
بنظرة آمرة غادر العسكري والثانية كانت بمشاعره الثلجية في صيف حبها قال بثبات يُحسد عليه
-هنا أنا اسم المقدم هشام أو هشام بيه السيوفي..

ثم نصب قامته الشامخة بشموخ الجبال وأكمل بنبرة مخيفة
-ثانيا أنت عارفه عقوبة أنك تقتحمي مكتب ظابط؟!

وخزات الإبرة اصابت قلبها فأيقظت جبروت المرأه بداخلها وقالت بهدوء
-انا عايزه اتكلم معاك!
عاد الي مكتبه مرة آخري وقال بسخرية
-ها جايه تبرري؟! اسف مش فاضي لمبررات سخيفة متخصنيش.
ضرب الأرض بقدميها مغلولة
-هشام مابحبش الجو دا؟!

تجاهل صوتها المرتفع وتعمد تسلط انتباهه في الأوراق التي يتفحصها بعد ما اشعل سيجارته مما جعل دخانه يمتزج مع دخان غضبها فتنفجر كالبركان، حيث انطلقت نحوه وشدت السيجارة من يده ورمتها بعيدًا ولملمت جميع الأوراق وألقتهم بالأرض ولم تكتف بذلك حيث أصرت أن تزيل أي شيء ممكن أن يشغله عنها من أمامه، صارخة
-ادي الورق وادي السجاير واي زفت هيشيغلك، مش انا اللي اتعامل بالبرود ده يا هشام.

المثير للدهشة بروده غير المتوقع فاتكئ على مقعده وظلت عينه تراقبها بصمت تام، ارتفع صوت انفاسها وهى تقف بجواره مترنحة
-كل اللي حصل النهاردة جنان ولو صدقته تبقي مغفل ومابتفكرش ولا بتفهم.
رفع حاجبه ساخرًا
-كمان سب وقذف؟!
انفلت زمام غضبها وثورة العصبية اندلعت بجوفها فانفجرت بوجهه
-انا مش جايه اشحت منك للأسلوب دا؟!

احس للحظة بالشفقة على حالتها فتمنى ولو يسمح له الزمان بأن يحتضنها حضنًا اخير، وقف بهدوء واقترب منها وتعمد أن يمسك معصمها لتكُف عن التكسير بمكتبه وقال بهدوء
-فجر ممكن تهدي؟! أنا مش فاهم أنت متعصبة كدا ليه؟!
التقت عينيهم في بؤرة الحب المدفون عنهم، وجفت شفاههم عن الكلام وظلت ترتعش لتبتل بترياق الشوق، فكم من قُبل مؤجلة التنفيذ!

بلل هشام حلقه وعاد لجموده وقال
-هديتي؟!
-هشام أنت بطلت تحبني؟!
خرج سؤالها برعشة طفلة تاهت في الحرب تسير ف حقل الغام وتخشي أن تخطو خطوة اضافية لتطيح بحياتها، كان تأثير سؤالها عليه لم يقل عن سوءا عن حالها، ولكن غضبه من بعدها عنه كان أقوى، تنهد بتمرد وما زال محافظًا على بروده
-فجر لو مش واخده بالك أن كل مبرراتك دي ملهاش لازمة ولا تخصني دي حياتك أنت وأنت حرة، انت اخترتي بُعدي خلاص مش هجبرك؟

اغرورقت عيونها واجهشت بالبكاء المكتوم
-يعني أنت مكنتش جاي عشان تصالحني!
-أنا كنت بشوف شغلي يا فجر لقيت الناس متجمعة نزلت اشوف في ايه؟! ولكن اللي المفروض اسأله دلوقت اي اللي جابك هنا؟! احنا خلاص اطلقنا لو نسيتي؟!

يطوف الضجر بملامحها وتشعر بأن لسؤال انياب تطاولت على قلبها لتنهشه ولكن غرورها استيقظ فجاة ودفعته بعيدًا عنها بكل قوتها وقالت معانده
-والله؟! عايز تعرف اللي جابني؟! تمام هقولك، انا جايه اقدم بلاغ، بلاغ فيك ياهشام.
بدهشته تتدرجت لذهول وهو يراقب مكتبه الذي أنقلب رأسًا على عقب وقال
-والله؟! اتفضلي قدمي بلاغ، بس ب متهمة أيه؟!
وقعت في مأزق آخر أمامه ولكنها هربت سريعًا من أمامه وتركت مكتبه قائلة.

-هتعرف دلوقت
حتى وصلت لعسكري تلقي البلاغات وما أن نظرت خلفها فوجدته وراءها وقالت بحرقة
-عايزة اقدم بلاغ دلوقتي
رمق العكسري هشام الذي جهر متقبلا
-نفذلها طلبها يابني.
-بلاغ في مين ياست.
-بلاغ في حضرة الظابط بتاعكم؟!
اتسع بؤبؤ عين العسكري بذهول و
-افندم؟!
فأكملت
-بتهمة التعدي عليا في مكتبه وكمان اكتب عند تحرش ووو
فقطعها هشام متسائلا
-ووو ايه كملي
فجهرت
-وحاولت تمسك ايدي تنكر؟!

علي قدر قسوته عليها إلا أن قلبه لم يكف عن معاتبه ولكن جمود كان قاتل وتمالك ضحكته علي حبها الذي تأكد منه للتو وإنها ما زالت تعشقه كما يتنفسها حبًا ولكن ما زال سد العناد قائم بينهم، سر متبعًا خُطاها وهو يواكب خطتها وامر العسكري
-ومحضر تاني يابني عندك بتهمة التعدي على مقدم في مكتبه وفعل اتلافات وكمان سب وقذف!
رمقته شاهقة
-هتحبسني يا هشام هي حصلت؟!
طالعت عويناته السقف بتحد ثم قال.

-عملتها مرة، فكرك مقدرش اعملها تاني؟!

للحظة تجمدت مكانها، للتو ادركت بإنها أمام رجل الجليد! فكرة قتله اصبحت المنفذ الوحيد للتخلص منه حقها، انفلت زمام قبضة يدها بضرب قوية وقعت علي صدره فجعلته يأوه متألمًا وخطت متأهبة للهرب من جموده
-اصلا بكرهك، وانا غلطانه إني جيت لك هنا..

تركته وهي تلعن قلبها والحظ وتلعنه وتلعن الحب الذي يسوقها إليه في كل مرة (ستشهدُ كل تلك الدروب التي خطوتُ فيها إليك بقلبي قبل قدماي، فعدتُ منك خالية من شغف الحياة عدت بقدماي مثقلة وقلبي تركته معلق في دروبك. )
-غبي!

تلك الكلمة التي قالها لنفسه ما أن غادرت اشتعل في قلبه نوع آخر من الالم الذي أطاح بساحة غروره الي القاع ليلحق بها سريعا، وبعد العديد من الخطوات التي كانت تأكل الأرض أخيرًا أحكم قبضته على معصمها ووقف أمامها
-وبعدين؟!
تجاهلت سؤاله وتأهبت لتواصل طريقها ولكنه أفشل مخططها بسؤاله
-طلبتي إني اطلقك عشان ترتاحي؟! ارتحتي في غيابي يافجر؟!
-انا مش طايقاك ممكن تبعد عن طريقي.

أصعب ما يواجه المرأة هو أن تدلي ستائر حبها لتحافظ على حبها وتتفاجئ برجل أحمق يركل تلك الستائر ولا يبالي..
أحس هشام بدرجة نفورها منه وحاول أن يمتص غضبها ليكسب جولته الأولى معها
-أنا مصدقتش ولا حاجة من الهبل اللي حصل النهاردة.
ردت عليه بنفور
-والله! طيب تمام؟! تصدق ولا متصدقش ميهمنيش، اوعي من قدامي.
تشبث بمعصمها أكثر وتجاهل طلبها وقال
-لعبة القط والفار دي هتستمر كتير؟! مش كفاية وتتظبطي؟!

ارتفعت نبرة صوتها وهي تحاول أن تحرر معصمها من قبضته القابضه أيضا علي قلبها وافصحت
-هى خلصت فعلا يا هشام؟! وعايز تعرف اجابة سؤالك؟ ااه ارتحت وارتحت جدًا، واللي اكتشفته إنك شخص لا يُطاق وانا مستحيل هقدر اكمل معاك، ارتحت أنت كدا..
ثم دفعته بقوة من أمامها ولكنها تذكرت شيئا آخرا
-ااااه وياريت مش عايزة المحك تاني حتى ولو صدفه؟! عشان انا مش عايزه اشوفك تاني..
ثم اشارت بسبابتها مهدده.

-وحوار خالد ده كله صح؟! وانا خلاص يا هشام خدت قراري وهو أني هنساك مش عايزة افتكرك تاني؟!
ولم تخل كلماتها من نظرات الاشمئزاز.

-جربت مرة واخدت فيها اللي بحبه، كسبت ايه غير خيانه واهانه وعدم تقدير، المرة دي مش هعمل كدا وهعيش مع اللي بيحبني يا هشام، ماله خالد على الأقل مش هيسيبني ويروح يقرب من واحده غيري فالحرام؟! انت ما تتصورش أنا شيفاك ازاي؟! انا بقيت اكره كل حاجة كانت سبب انها تجمعني بيك، برافو انا دلوقت عرفت أن كل اللي كانوا قبلي وسابوك كسبوا نفسهم وقلوبهم، يلا الانسان مش بيتعلم بالساهل.

رغم حدة كلماتها التي تساقطت علي قلبه كالجمر إلا ان عيناه أعلنت الحرب وهمس بحزم
-عمرك ما هتكوني لحد غيري سواء بمزاجك أو غصب عنك، والأحسن ليكي خليها بمزاجك لأن الهبل اللي سمعته دا علي جثتي يحصل.
لم تخل نظراتها من التحدي وقالت بجبروت امراه كواها العشق
-هاا! وعلي جثتي أوهامك دي تحصل..

يتمرد الرجل عندما يضمن بقاء إمراة، ويتحول لذئب عندما تستغنى عنه، من طباع الرجال السيطرة يعشق الامساك برباط الامور ليسوقها كيفما يتراءي له، فكرة أن امراة تتركه تشعل الشيب في رأسه..

-هذا الصوت الذي يأتي من جميع الأماكن ماذا أفعل كي لا أسمعه! كي لا يقتلني؟ تلك الأقاويل التي تجرحنا فجأةً يصبح صوتها مثل الهلع، ثم مثل صوت الموت، أصحبت أرتدي بؤس الأيام مثل جوارب ممزقة، ابتسم للناس لأُخفي تجاعيد أيامي الحزينة، حريص على إظهار السعادة مشرقة كهدية عيدية لمن يريدني مبتسمًا، أصبحت أعرفُ اللحظات التي لا تتكرر من توهجها، والأحلام التي أعيشها لوحدي، أعرف الآثار التي تُخلفها الأمال من سُقوطها المُفاجىء، أعرف جيدًا عندما يرحل قلب المرء، من فرطِ غربته، وكأنه زُرع في غير أرضه فذبل.

وضعت قمر طفلها في فراشه وما أن طفت لهيب حزنها بوجهه الملاكي دخل خالد الغرفة ونزع عباءته وهو يقول
-مساء الخير
بادلته بابتسامة باهته وهي تأخذ منه عباءته وأجابت
-حمد لله على سلامتك..
جلس على الاريكة لينتعل خفه وهو يقول
-انا واقع من الجوع يا قمر، شوفي لي لقمة اكلها.
وقفت متسمره مكانها حائره بين قلبها وعقلها حتى اخرجت الكلمة العالقه بحلقها
-مبروك يا خالد.
اقتطب حاجبيه باستغراب
-مبروك علي ايه يا قمر؟

ابتلعت غصة الحزن وقالت
-خطوبتك من فجر..
تأهبت للذهاب ولكنه اوقفها قائلا
-مفيش حاجة من ده كله، الفكره اني انقذت موقف مش اكتر، قمر انا بحبك.
مسحت دمعة هربت من طرف عينها وقالت مرغمة
-وانا كمان بحبك، وبحب اشوفك مبسوط وسعيد، ولو جوازك من فجر هيخليك سعيد انا معنديش مانع، انت بتحبها يا خالد وانا مش هقدر الومك علي قلبك..

وقف امامها معارضًا
-قمر أنت عتقولي ايه؟! دي كلها تخاريف
انشق قلبها لنصفين واكملت
-مش تخاريف، لمعة عيونك ضحكتك وفرحتك بيها، الفطور اللي بتوصله بنفسك لحد بيتها كل صبح، نومتك في المندرة ومابتخطيش أوضتي غير عشان تغير لبسك، صدقني كل حاجه واضحة وضوح الشمس.

اعلم ان البعد أحيانًا لا يُؤلم، ولكنّ المُؤلم حقآ أن يبتعدَ عنك شخصٌ أفصحتُ لهُ يومًا بأنّ بعده هو الشيء الوحيد الذي يكسرنك، اجهشت قمر ببكاء غزير واتبعت
-اتجوزها يا خالد، بس خليني على ذمتك، انا راضيه بالقليل منك، مش عايزه احس إني السد الوحيد بينك وبين البنت الوحيده اللي حبيتها، انا ممكن اروح اطلبهالك من بكرة لو حابب.

موقف تلو الأخر يثبت له أنه ملكه، أن الدنيا قررت أن تصالح قلبه أخيرة بالفتاة التي تمناها عمره كله، وجد الطرق تمهد له بدون أي جهد منه فماذا يفعل؟
كم كان ضجيج قلبها مؤلم و متعبٌ هذا الفراغ الهائل بعد الإمتلاء، الوحشة التي تطوي على قلبها بعد أن كان غارقًا بالطمأنينة، عاشت طويلا داخل هذا الألم حتى أصبحتُ جزءًا منه.

قطع حديثهم طرق الخادمة وهي تقول
-هشام بيه تحت عايزك يا جناب العمدة ..
حاله من الذعر أصابت منزل بسمة، كل افراده يسيرون في اتجاهات مختلفه للوصول لحقيقة الرسالة التي وصلت لبسمة فجر اليوم ومحاولة الوصول لزياد الذي لم يكن له سبيلا للاطمئنان، وسيلة اتصال واحدة تهدأ روعهم ولكن دون نتيجة..

انتحبت عايدة صارخة
-يعني خلااص ابني الوحيد راح مني؟! راح فالرجلين؟!

تدخلت سعاد لتهديها
-فال الله ولا فالك يا عايده؟! اهدي كدا وتلاقي حد بيسخف مع بسمة من البنات اللي كانوا في حياته ومفيش حاجة.

فاقت بسمة من شرودها وضياعها وقالت بندم
-انا قلبي مكنش مطمن للسفرية دي؟! وقولت له والله؟!
رن جرس الباب فركضت رهف نحوه بلهفة فوجدت امامها مجدي واللواء نشات ومعالم الخزي تملأ ملامحهم، فصعقت قائلة
-زياد جراله حاجة يامجدي.
ربت مجدي على كتفها
-اهدي يا رهف، طيارته وصلت دلوقت، واللواء نشأت كلم ناس قرايبه هناك يستقبلوه في المطار وهيطمنونا، ساعه كدا وهنوصله.

تدخلت سعاد في الحديث لتسأل اللواء
-يعني هو بخير ولا اي طمنونا؟!
-متقلقيش ياسعاد هانم انا كلمت ناس كتير فالسفارة هناك والمطار وزياد مش هيخرج من بره المطار غير لما نطمن من صحة الرسالة.
تنهد الجميع بارتياح ولكن عايدة لم يهدا قلبها قط
-انا مش ههدا ولا اطمن غير لما اسمع صوت ابني؟! لا انا هسافرله ورجلي على رجله..

تدخلت بسمه معارضة
-انا مسافره ياطنط، لقيت تيكت على بكره الصبح، انا مش هقدر اسيب زياد لوحده حتى ولو هيتوقف على مستقبلي؟!

تدخل منير في حديثهم
-اي الجنان بتاعكم دا؟! ما تهدي يا عايده! وانت يابسمة يابنتي تسافري فين ماينفعش..

أصرت بسمة علي قرارها الغير قابل للنقاش وقالت
-اللي ماينفعش إني اسيب جوزي ياعمو، الصبح هسافرله انا مش هقدر أعيش وهو بعيد عني.
ربتت سعاد علي كتفها
-عين العقل يا حبيبتي، هو ده الصح، سافري لجوزك متسبيهوش مهما حصل، العمر بيجري
ضرب منير كف علي الاخر
-لا حول ولا قوة الا بالله!
-أنا مستحيل أغفرله لأنه عمل أكتر حاجتين يعتبروا خط أحمر في حياتي، طلبت منه ما يوجعنيش ووجعني، وقلل مني قدام نفسي..

اختتمت فجر قصتها بتلك الجملة الأخيرة وهي تروي قصتها معه لندى التي انصتت لها باهتمام بالغ حيث استراحت متنهدة
-دي قصة ولا في الخيال؟! ده اي الدراما دي كلها! أنا مش متخيله..
رمقتها فجر معتذرة
-انا معرفكيش واسفه صدعتك بس حقيقي يعني هتفجر لو متكلمتش وأنت ربنا جابك ليا من السما في حالتي دي
ثم غيرت مجرى الحديث لينقلب إلى سيرته و
-بس حقيقي حقيقي انا بقيت بكرهه بكرررهه وبكره كل حاجة فيه، كله كله.

لم تستطع ندى أن تخفي ضحكتي على أسلوبها ثم أتبعت
-أنت مش بتكرهيه هو يا فجر، أنت بتكرهي كل حاجة وحشة حصلت كانت سبب في بعادكم، اانت كارهه بعده مش كارهاه هو..
فكرت للحظة في كلام ندى ولكن غضبها منه نفاه سريعًا
-لا أنا بكرهه كله علي بعضه كدا رخممم، لوح تلج متحرك.
سايرتها ندى في كرهها المزيف وسألتها
-طيب سيبك من كرهك له؟! ليه قولتيله على خالد كدا؟! أنت عندك نية يكون بينك وبين خالد حاجة؟!

-اسكتي أنت كمان، أنا حبيت بس اغيظه وافهمه إنه مش مهم بالنسبة لي ولا حاجة، معرفش بس حسيت انه وجعني أوي فرديت له الوجع..
-اااممم كيد ستات يعني؟! والله انتو مجانين واللي بيحصل دا لعب عيال وحرام الحب اللي في عيونك ده يروح عشان عناد منك ودبش منه..
تمسكت فجر بأخر كلمة قالتها ندى
-ااااه دبش هو دبش فعلا، اللي هو يرمي كلام وخلاص ومش مهم اللي قدامه يتحرق..

تعمدت ندى أن تتسلل بداخل قلبها لتتأكد من ظنونها فقالت متخابثة
-يعني عمره ما قال كلمة حلوة كدا ولا كدا تشفع له في قلبك..

انتفض قلبها إثر سؤالها الذي سيعريها أمام نفسها ولكن سريعا ما تحولت ملامحها الثائرة لابتسامة ساحرة وقالت
-بصي عشان للامانه يعني بيقول وبيقول كلام يدوخ كمان، جميل أوي يخربيته
ثم ثارت فجاة كثوران البركان
-بس ابدا، عمري ما هسامحه ولا هفكر ارجع له مهما حصل، خلي غروره ينفعه، بصي أنا مش هجيبلك سيرته تاني ولو جبتها حتى بيني وبين نفسي اضربيني بصي من اللحظة دي مبقاش فيه هشااام تاني خااالص.

رمقتها ندى بإعجاب شديد وشيء من الشفقة
-أنت طيبة أوي يافجر..
استقبلت فجر مدحها بابتسامه ثم قالت
-بصي أنا نسيت اسالك أنت مين وهربانه من أي، بس أنا قلبي ارتاح لك والله وبحقيقي باين عليكي طيبة أوي مش هتحكي لي قصتك؟!
-طيب أي رأيك ننام واصحى الصبح احكيلك كل اللي انت عايزاه، عشان أنا مش قادرة خلاص وأنت بصراحة طيرتي شويه العقل الفاضلين.

تركتها ندى ومددت في مكانها وسرعان ما غاصت في نوم عميق وانتقلت فجر لبحور التفكير وأمواج الحيرة التي تأخذها هنا وهناك حتى بسطت جسدها بكلل وهى تنتوي له
-طيب ياهشام اما خليتك تقول حقي برقبتي مبقاش أنا .

جميعنا نعيش في مستنقع من الوجع والعذاب المستمر، يزداد ظلامه يومًا بعد يوم كلما عايشنا ورضينا بالأمر أكثر واستسلمنا لتخبط قلوبنا، أصبح كل شيئ قاتل هنا، حتى الأمل لم أجد له ولو ومضة نتبعها لننجو.
-نورت القصر كله يا هشام بيه؟!
تلك الجملة التي اردفها خالد بنبرة مختنقة وهو يرحب بهشام ترحيبه الزائف، فاستقبله هشام بسخرية وهو يقترب منه
-أنت أخد العمودية والطمع من عمك ولا أيه ياخالد؟!

تقابل الثنائي في نقطة ما وشرارات الغضب تتقاذف من أعينهم
-طمع؟! وما تقولش ليه بكوش على الفرصة اللي غيري ما عرفش يحافظ عليها!
مط هشام شفته مع إيماءة منخفضة يمتلك بها زمام غضبه وقال
-اه نظريه بردو..
ثم اقترب منه خطوة إضافية واكمل
-بس تقدر تطبقها على اي حد يعجبك، الا هشام السيوفي وأي حاجة تخصه.
تجاهل خالد حديثه وجهر بصوت عالٍ
-شاي للبيه يا وِلد..
-مش جاي اضايف يا خالد.
رمقه خااد ساخرا.

-اومال جاي تهددني في قلب بيتي يا هشام بيه؟!
ما زال هشام محافظا علي ثباته وأكمل
-لا مش تهديد ولا حاجة، بس خايف عليك من اللي ممكن يجرالك مني..
فأجابه خالد بنبرة لا تقل جمودًا عن نبرته وتعمد العزف على أوتار قلبه
-انت فعلًا خايف، بس خايف لأحسن قلبها يميل ناحيتي وساعتها هتطلع خسران في الاخر، انت خايف لما لقيتها بتسرسبك من جواها..

اعتصر هشام قبضة يده حتى برزت عروقه مشتعله بنيران الغيرة التي تود أن تلهم خالد وقال
-فجر خط أحمر يا خالد، وكل اللي عملته عشانها مستعد أعمله أضعاف في سبيل أنها تكون ليا، أنا بحب فجر وهي كمان بتحبني، بلاش تدخل جولة خسرانه وتخسر بيتك ومراتك في مقابل وهم في دماغك أنت وبس..
-هو أنت مش طلقتها، تلزمك في أي تاني؟!
بشموخ اجابه
-أنا حذرتك أهو وانت حر
ثم أخفض صوته هامسًا.

-مش حلوة رجلك تاخد علي مكان فيه ست متجوزة وفي عصمتي!
ثم جهر بصوت عالٍ
-سُك علي الشاي يابني، وخليه لمون لجناب العمده .

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة