قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل التاسع

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل التاسع

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل التاسع

البارحة قطع سيف الواقع الأمل في عودتك، وسطر الزمان النهاية المحتومة، تقبلتها بقلب متصالح مع مشيئة الأقدار، ولكن لا أعرف كيف توقفت أقدامي عن المشي عندما فقدتك؟! أدركت حقيقة إنني كنت لا أمشي على أقدامي بل على قدميك! أدركت سبب خفة خُطاي التي كانت أشبه بالطيران، بتر الفراق أرجلي وبتر الحب أجنحتي التي كنت أحلق بهما في سماء حبك، عرفت ما معني أن يعجز الإنسان اذا فارق من يحب!

اشرقت شمس اليوم التالي بعد ليلة صعبة مرت على الجميع..
فجر التي تورمت شفاهها من قسوة تقبيل الوجع لهما، وباتت ليلتها متكدرة محاولة الهروب من أسر الحب الي نجاة التحرر من ذلك الحب، كل ما بها يريده وكل ما بها يرفضه في آن واحد..
وهشام الذي قضى ليلته على مكتبه وبات فريسة دسمة لنيران الغيرة والحب..

بسمة التي قضت ليلتها في ضب أشيائها بخوف يقرضها بدون رحمة وحالة الفزع التي خيمت على الجميع خاصة بعد انقطاع أخبار زياد وفشل أقارب اللواء نشأت في الوصول إليه..

طرق مجدي الباب حتى سمحت له بالدخول فاتبعته رهف المرتعدة من شدة الخوف، وجه مجدي كلامه لبسمة
-يابسمة ماينفعش نسيبك كدا تسافري لوحدك؟! أحنا مش عارفين في أيه هناك..
قفلت بسمة جرار حقيبتها ورفعت شعرها على هيئة ذيل حصان
-صدقني يا مجدي هو ده الصح، انا مش هطمن غير كدا..
-ياستي طيب استني حد فينا يسافر معاكي واعقلي كدا..
انتهت من ارتداء جواربها وهي تجيبه بعجل.

-صعب يامجدي وانت عارف كدا خاصة أن كلكم هنا محتاجين تصريح عشان تسافروا، ده غير الورقه والتأشيرة ووو، وانا الامر بالنسبة لي متسير لان معايا الجنسية الامريكية، متشغلش بالك..
رفعت رهف عيونها الباكية
-طيب اجي معاكي؟!
نهرها مجدي معارضًا
-ما تسكتي أنت؟! أنا مش موافق علي سفرها هي..
تدخلت رهف معارضة
-طيب افهم أحنا ما قولناش لهشام ليه؟!

-هشام الله يعينه على مهمته يارهف، ومش هيعمل أكتر من اللي احنا عملناه! المهم طيب يابسمة فهميني هتعملي إيه..
نفذ صبر بسمة من الجدال الطويل الذي تمرسه الجميع على رأسها، فحزمت أمرها وتناولت حقيبتها
-أنا مظبطه كل حاجة متقلقش، جماعة صحابي هناك، يلا هتوصلني ولا أخد أوبر؟!
باستسلام
-هوصلك ياستي..

حينما أكون بين يديك وتحت ظل أهدابك تفرض السكينة نفسها علي قلبي وتتسرب إلى كياني كله وتغلغل في كل جزء مني، بقدر ما اشتهيك أرفضك، وبقدر ما اريد تقبيلك أود قتلك، كل ما هو يبدأ بي من خوف ينتهى عندك..

استيقظت ندى من نومها بتثاقل لتقطع حبل فكرها المنسوج من ثوبه وقالت متبسمة وبمزاح
-أهل الحب صحيح مساكين، هو أنتو مش بتناموا خالص كدا؟ ياعيني عليكم!
بادلتها فجر بابتسامة متعبة ومتهالكة وقالت
-صباح الخير يا ست ندى، هنبتدي ولا أيه؟!
اعتدلت ندى من نومتها ضاحكة
-لا خالص، ها بتفكري في ايه؟!
-هي شادية لما قالت ( وحياة اللى جرالى وياه من غير معاد.

لأسهره الليالى وأحرمه البعاد واطفى بناره نارى واخلص منه تارى) مقالتش الطريقة؟
انفجرت ندى ضاحكة إثر سؤالها حتى اختتمت ضحكها
-والله مش متابعة، أنا واحدة كل همها تحافظ على ورثها من عمامها..
التفتت إليها فجر باهتمام
-احكي لي؟!
-هحكيلك ياستي..

شرعت ندى في ري قصتها على أذان فجر منذ لحظة وفاة والديها والخلافات الدائمة مع عمامها للاستيلاء على ميراثها وأخرهم جيزتها رغم عنها من احد ابناء عمومتها، فتنهتت بعتب بعد الكثير من الحديث وختمت حكايتها ب.

-العربية اللي هربت فيها نزلتني ع الطريق هنا فضلت امشي لحد ما لفت انتباهي الناس المتجمعة استخبيت وسطهم ولاحظت أنك عايشة لوحدك فقولت استخبي عندك لحد الوضع ما يهدا، اممم متقلقيش بكرة ولا بعده بالكتير وهمشي هروح عند خالي في اسكندرية.

اكتستها معالم الرأفه من مقلتي فجر وهي تربت على كتفها وقالت
-ياحبيبتي بيتك متقوليش كدا، انا اساسا باخد على الناس بسرعة وانت حقيقي نورتيني ومبسوطة جدًا بوجودك، ويمكن كل المشاكل اللي حصلت دي عشان ربنا يدلك علي هنا، زي ماانت كنتي محتاجة لمكان تستخبي فيه أنا كمان كنت محتاجة حد يهون عليا، معرفش مين فينا المحظوظ بالتاني..

ربتت ندى على كتفها بامتنان
-انا اللي مبسوطة عشان اتعرفت عليكي.
فزع الثنائي لصوت خبط شديد على الباب فتبادلت نظرات الحيرة بينهم حتى تفوهت فجر بتلقائيه يكسوها التمنى
-هشام؟!
نفت ندى شكها بنظرة منها وقالت
-او العمدة بتاعكم، تعالي نشوف..
هبطت فجر الي الطابق الاسفل وارتدت وشاحها وفتحت الباب فوجدت امامها رجل يرتدي زي عسكري ويحمل الكثير من الاشياء، بعد ما رمقته بغرابة
-نعم؟!
ترك العسكري كل ما بيده وقال.

-حضرة المقدم هشام بيه باعت لك دول وبيقولك خلي بالك على نفسك ومتخرجيش من البيت واصل.

لُطخ وجهها بدماء الغضب وهى تجز على اسنانها
-لا انت هتاخد الحاجات دي وتروح للي باعتك تقوله ان فجر مش عايزة حاجة من حد..
-انا بنفذ الاوامر يا ست، عن أذنك.
صرخت بغل منادية عليه
-خد يا جدع أنت هنا وخد الحاجات دي مش عايزه حاجة أنا..
ثم ضربت الأرض بقدميها واستدارت نحو ندى صارخة
-شايفه عمايله!

دخلت ندى في غيبوبة من الضحك إثر عبثهم وجنانهم وجثت على ركبتيها تتفحص ما أتى به العسكري، أذن بالكثير من الخضروات واللحوم المتعددة والفواكه بأفخم انواعها والكثير من المقرمشات والتسالي والعصائر وكل ما يلزمها لمدة شهر، شهقت ندى بانبهار
-اش اش اش! ايه ده كله؟!
لم يتحرك جفن اهتمام لفجر وما زالت صامدة يحرق بها الغضب وهى تأمرها
-ندى متقربيش على حاجة سبيهم كدا..

-اي الجنان دا؟! حرام عليكي في حاجات محتاجة تلاجة؟!
-ياكلوها كلاب السكك إلا انها تدخل البيت، انا مش عايزة حاجة منه!
وقفت ندى أمامها وحاولت أن تقنعها
-يافجر وضع البلد مش مستقر وأديكي شايفه اللي بيحصل حال البلاد كلها واقف وفيروسات وكل بلد بدأت تقفل على نفسها، فكتر خير الراجل إنه شايل همك وجايبلك حاجات من اخر الدنيا..

بعناد شديد
-لا يعني لا يا ندى، اتفضلي هقفل الباب..
-طيب انا جعانه طيب؟!
-هناكل جبنه وبيض من جوه لكن حاجة من الحاجات دي ع جثتي.
أصرت فجر ع موقفها، فلاحظت ندى ورقة موضوعه أمامها بداخل أحد الحقائب فتناولتها لتقرأ ما بها بصوت عالٍ
-فطار غدا عشا لمدة شهر أهو أحسن من رمرمة أكل جناب العمدة بتاعك.
ما أن انتهت ندى من قراءة جملتها انفجرت فجر صارخة بوجهها مصرة على رأيها.

-ادخلي جوه يا ندى وحاجاته دي سبيها مرمية هنا..
-حرام عليكي والله! مال المعدة بالخلافات اللي مابينكم؟! نعمة ربنا تتساب كدا؟! ده حتى مايرضيش ربنا..

بعيدًا في منطقة نائية يحيطها الغموض والشك والكثير من الذعر والاشمئزاز، استيقظ الذئب من فراشه بعد ليلة يحيطها الرجس، اكتسح جسد الفتاة العارية بجواره بنظرات مخيفة ثم قام ذلك ابيض الجلد أسود الأفعال والنوايا ليروي جسده بالنبيذ كأس يتلو الآخر، أخ منصور الشاذلي الذي يشبه أخيه في كل شيء ولكن الفارق بينهم أن منصور لا تهمه النساء كما تشغل كيان أخيه..

بصحبة كأسه اشعل سيجارته وجلس على مقعده وتناول هاتفه ليجري مكالمة قال بها
-جيسي هدي اللعب على الأخر الأيام دي وخفي رجلك في بني سويف، بس بردو عينك متنزلش من على هشام السيوفي..
-تمام يا بص.
-البضاعة متأمنة كويس؟!
-كله فالأمان يا بص..
-عال، سيبي الامور تهدا خالص مش عايزين نلفت الانظار علينا خاصة أن الحكومة مفتحة عينيها بزياده اليومين دول..

استيقظت تلك العاهره التى لازمته ليلته وشرعت في ارتداء ملابسها بهدوء لانها تعلم أن دورها انتهى عند هذه اللحظة، رجل مثله لا يكرر امراة على ممر أيامه، لديه جيش من النساء لدلاله فقط..
لم تلفت انتباه تلك الفتاه التي انسحبت بهدوء ولكنه انشغل في الصوره التي توجد على هاتفه بنظرات مرعبة و اجرى مكالمة أخرى قال بها
-صبحي، عينك اليومين دول تبقي على البت الصغيرة أخت الظابط دا، أقرب فرصة تجيبهالي..

بطاعة أجابه معاون إبليس
-اعتبره حصل يا بص
قفل هاتفه وهو يضحك بصوت جمهوري ويتوعد لهشام واسرته
-هدمركم يا ولاد السيوفي، همحي اسمكم من على وش الأرض.

انتصف النهار عليهما وما زالت فجر تتخبط بدروب الحيرة وهى توهم نفسها بكل طُرق كُرهه وهي لا تعرف الا طريق الحب لديه، ما زالت ندى تُراقبها بعناية حتى تابعت خُطاها الي المطبخ وسألتها
-عاجبك حالك؟!
تأملتها فجر للحظة ثم حركة رأسها بالنفي وقالت
-لا..
-بصي يا فجر إحنا بنات زي بعض وانا فهماكي بس مينفعش، طالما خدتي قرار بُعدك عنه يبقى كوني أد قرارك، أيه فايدتها انك عامله إنك كدا بتعاقيبه وانت بتعاقبي نفسك؟!

-بحاول والله بحاول
ثم أحمر وجهه بكلل وهي تثور كالمجنونه
-بس بيتنطط قدامي كدا، ملازمني زي ضلي؟!
-سهلة يبقى ارجعي.
-مستتحيل!
-ايه اللي خلاها مستحيل طالما الحب لسه مجننكم انتوا الاتنين!
ثم اقتربت منها خطوة وزاحت بابهامها دمعة سائلة وأكملت.

-اللي فهمته من كلامك على هشام انه شخصية صعبة تقيلة مش بتاع كلام ومثبتاتي كدا! هو راجل دغري واضح لو حبك هيخطفك من غير نقاش، شخص عنده كبر مش شايف الحب غير ذل وفي نفس الوقت قلبه مجرجره لعندك، لازم تتقبلي شخصيته زي ماهو طالما بتحبيه متستنيش منه كلام يصالحك بيه، اللي زيه لو حضنك هيروي روحك اسمعي مني..

فكرت في كلامها لبرهه ثم سألتها
-يعني انت قصدك اديله فرصة تانيه؟!
-ياروحي أنتوا مخدتوش فرصة أولى؟! حياتكم كلها مشاكل وتشتت مفيش مرة قعدته فيها تحطوا النقط فوق الحروف، انتوا عاوزين فرصه لنفسكم هو فجاة لقاكي اتفرضتي عليه فجات رجله وانت كنت هربانه من جوازه غرستي فالتانية، في حلقة مفقوده ما بينكم..

صمتت ندى لوقت لا بأس به تراقب ملامحها ولكن لم تجد رد فأتبعت
-هكلمك بصراحة شويه يافجر، أنا لو جيت لك من كام سنه وقولتلك انك هتتجوزي واحد زي هشام هتصدقيني؟! طبعا لا؟! واحده صعيديه من قرية حالتهم عدم عايشة يومها كله في عشة حياتها مقفوله بقفل حتى تعليمها اتحرمت منه، مع احترامي ليكي فرق سما وارض، طبقه تانيه خالص..

قطعتها فجر بأسف
-اختلاف الطبقات دا هو اللي وصلنا لكل اللي احنا فيه..

-لا يافجر، هل هشام قلل منك في مره؟! حسسك بالفرق دا؟! هشام لقى عندك اللي ملقهوش في بنت تانيه! لمستي حاجة جواه والا كان زمانه متجوز بنت وزير دلوقت يتفشخر بيها لو كان واخدك نزوة، ولو أنت مش فارقة معاه، لكن دا وقف قدام اهله وعيلته واختارك وجيه عشانك، وكون إنه اتغاضى عن كل الفروق دي يبقى بيعشقك، وكون إنه جيه دي لوحدها اغلى مية مرة من كلمة بحبك واسف، دي شخصيته هو كدا.

-يعني أنت عايزاني ارجع له بعد كل اللي حكيتهولك؟!

-انت كدا كدا هترجعي لانك مش هتعرفي تعيشي من غيره ولا مع غيره!
أخذت نفس عميق وأكملت.

-مش أنا لسه متعرفه عليكي إمبارح لكن الست هى ست، والراجل راجل وكون أن هشام بدا ينكشك كدا كل شوية معناها أنه بيفرض وجوده في حياتك، هيتلكك عشان يكلمك ولا يشوفك كل شوية، عاوزك تفكري فيه يومك كله، مش عايز حاجة تشغلك عنه لحد متحني وتلاقي نفسك مش قادرة تستغني عنه، دي لعبته وأنت كمان لازم تستغليها لصالحك وتسترد كراكتك وتقلبي السحر على الساحر وتكسبي انت فى الاخر عشان إحنا ما بنخسرش؟!

اتسع بؤبؤ عينيها بحماس
-ازاي..
-هقولك بس تنفذي كلامي بالحرف..
-طيب هعمل كوبايتين شاي كدا ونقعد نتكلم..
ما لبثت أن انتهت من قول جملتها فسمعت طرق الباب، فاردفت
-طيب اعملي أنت الشاى وانا هشوف مين بيخبط..

ذهبت فجر بعجل لتفتح الباب وهي ترمي وشاحها بعشوائية على رأسها مما جعل بعض الخصيلات تهرب من تحته، فتحت الباب ففوجئت به أمامها بصرمه وهيبته وجبروت والقميص الذي أوشك أن ينفجر عليه من قوة عضلاته تلاقت الأعين حتى اتكئ بكتفه على جانب الباب وهو يعقد ساعديه أمام صدره وتجاهل كل كوارثها وتحدث رجل الجليد بدلا عن الرجل العاشق الذي يسكنه.

-طبختي لي أيه النهاردة؟! عارفة لو عامله الكبدة اللي بحبها تبقى محصلتيش بجد.

ران عليها الصمت للحظات تجمع فيها شتات هدوءها لتواجه ثلجييته ولكنها انثى من نار مهما حاولت اخمادها ثارت من الجهة الاخرى
-أفندم؟! واطبخ لك ليه؟!
-ايه السؤال الغريب دا؟! ماانت عارفه إني معرفش حد غيرك هنا واكيد يعني مش هاكل من ايدين العسكري؟! يرضيكي..
-وانا بردو مش الخدامة اللي اشتريتها يا هشام بيه!
أوشكت أن تقفل الباب بوجهه ولكنه أوقفها قائلًا بصيغة آمره
-اومال الحاجات اللي بعتها مش هاكل منها؟!

ضاجت بوجهه غضبًا
-اهي مرمية عندك، كويس انك جيت عشان تاخدها؟!
القى نظرة سريعة على الحقائب المبعثرة تحت قدمه وقال بتوعد
-لا ما دي لسه هتتعاقبي عليها زي بالظبط ماانت فاتحة الباب وشعرك كله بره ياهانم..
حاولت أن تغطي شعرها بقدر الامكان بتوتر كسا نظراتها ونبرة صوتها
-هو انا مش قولتلك مش عايزه اشوف حتى صدفه؟!
-تمام؟! وانا جايلك قصد مش صدفه ولا حاجة..
-اووووووف..

تلك أخر رد فعل اصدرته وهى تقفل الباب في وجهه وتلعنه في العلن، جز هشام على فكيه وهو يسب جنونها ثم عاود الطرق مرة آخرى ففتحت على الفور بعصبيه
-نعم؟!
جهر مناديًا على العسكري
-دخل الحاجات دي جوه يابني..
كادت أن ترفع صوتها معارضة فسبقت نيرانها سهم نظرته الحادة وكلمته الصارمة
-ولا كلمة زيادة..
نفذ العكسري أوامره وخرج سريعا وهى تراقبه بذهول واغتياظ لم تكبحه لتثور في وجهه
-هي عافية يعني؟!
-تيجي نعمل ديل سوا.

-لا مفيش حاجة بينا تاني يا هشام.
-اي رايك تطبخي لي كل يوم وهبعتلك العسكري ياخد الاكل وهابقى اديكي مرتب شهري واهو شغل وانت قاعده في البيت، قولتي أيه؟
كتمت ندى ضحكتها بصعوبة وهى تتحسس على حوارهم ولم تنتظر رد فعل فجر فتدخلت بينهم وقالت
-انا موافقة بالديل ده، اهو شغل والشغل مايعرفش خلافات، انا موافقة يا حضرة الظابط حتى لو هى رفضت.
تفحص هشام ندى بنظرات اعجاب متعمدًا ان يثير غيرتها.

-مين القمر اللي بيفهم دا وكله ذوق..
تلك اخر جمله اردفها هشام ففوجئ باب المنزل في وجهه وهى تنهره بحدة
-امشي من وشي هشام وعرضك مرفوض..

ضغطت فجر على فكيها باغتياظ وهى تلوم ندى
-انت عملتي ايه؟!
-سمعتي كلامي، هينط لك كل شويه ويفضل يتلكك، وده اللي احنا عايزينه، عايزين نجيب رجله عشان يلقى حجة يشوفك فيها وانت حلوة ومبسوطة وبتدلعي شوية مع خالد، وفي نفس الوقت انت هتبردي وعياط نص الليل دا هيتحول لضحك وشغف وانك هتلاعبيه ازاي النهاردة وبكدا هتربيه، عايزاكي تثبتي على الوش الخشب دا، كل ما يحس انك بتبعدي هيقرب..

رمقتها فجر غير مقتنعه
-اسكتي انت كمان، انا كنت هقع من طولي وانا واقفه قدامه، وهو بيقول لي شعرك ومعرفش ايه!
-يابت الواد لُقطة حرام عليكي وشاري، احنا بقا هنربيه بمعرفتنا لحد ما يقول حقي برقبتي، وهتحبي اللعبة اسمعي مني بس..

-أما نشوف يا ست الفيلسوفه..
-نجهز للغلبان دا لقمة ياكلها ولا هتقتليني؟!
صرخت فجر في وجهها
-على جثتي
-خلاص خلاص احنا هنربيه بس، اول حاجة استعدي لانه كام ساعه وهتلاقيه هنا تاني، بحجة اي مش عارفه، بس هو جاي فأنا همخمخ له كدا واقولك..

وصلت بسمة للفندق الذي أخبرها زياد إنه سينزل فيه الي أن يفرغ من اجراءات سكن الجامعة، سألت على اسمه في الاستقبال وأكد الموظف انه موجود بالفعل، حالها اشبه بإناء متوهج من شدة السخونة وسكبت عليه مياه مثلجة فخمد مرة واحده، لم تصدق ما سمعته ولكنها كررت سؤالها ليتأكد مما يقول، فعندما تأكدت من وجوده طلبت أن تراه فورًا، حيث استقبل الموظف طلبها بسعة وامرها أن تنتظره في مكان الانتظار..

ظلت خطوات بسمة مهزوزة مرتجفه، بعد خوف دام اكثر من ٣٦ ساعة يأكل بأحشائها وكأن الخوف استقر بقدميها، مرت دقائق قليلة حتى انخلع قلبها بصوته من الخلف
-بسمة؟!
هبت زعابيب قلقها لتحدفها بين يديه صارخة باسمه
-زياااد؟!
اعترته معالم الحيرة وهى تتشبث وتضمه بقوة الغريق الذي تعلق بقشة الانقاذ، القت علي كتفيه حزنها وخوفها وجنونها عليه ليستوطن الامان محلهما، حاول أن يهدأ من جسدها المرتعش بين يديه.

-حبيبي مالك بس؟! حصل ايه فهميني!
اعتصرت اصابعها سترته وهى تبكي على كتفه
-انت بخير؟! صح؟!
-ااه يابسمة منا زي القرد أهو قدامك، روقي بس وفهميني.
ابتعدت عن حضنه بصعوبة الامر اشبه بنزع الروح من الروح وجففت يداه دموعها قبل يداها وهى تجهش باكية
-اول ما الطيارة طلعت جات لي رسالة جننتنا كلنا، ومحدش فيا عارف يوصلك، ما لقتش قدامي حل غير اجيلك..
انعقد حاجبيه باستغراب.

-انا حصلت معايا شويه مشاكل بس وحتى وصلت الفندق متاخر وعرفت ان في ناس سالت عليا بس مجاش في بالي خالص اي حاجة.

-دول كانوا قرايب اللواء نشات ومحدش عرف يوصلك، زياد إحنا لازم نرجع مصر الاوضاع مابقتش مستقرة والفيروسات والطيران بيقفل، وفي داهيه المنحة دي انا قلبي مش مطمن والله، في لعبة وفي ناس بتستغلك عشان هشام وحاجات انا مش فاهماها..

-يابسمة انا مضيت فالجامعة خلاص، بصي تعالى احجزلك اوضة كدا ترتاحي ولما تصحى نتكلم..

أوشكت أن تعارضه ولكنه سحبها من يدها صوب الاستقبال وطلب من الموظف حجز غرفة، فسأله الموظف اذا كان يريدها زوجيه أم فردية، بدون تردد اجابه زياد
-سينجل
فقطعته بسمة معارضة
-نو دبل!
رفع زياد حاجبه مستعجبًا لطلبها قائلًا
-دي لمين؟
تغلغلت اصابعها بين أصبعيه وقالت باستيحاء
-لينا؟! عشان بخاف انام لوحدي وكدا
اسبل زياد عيونه بتخابث
-والخوف دا من امتى؟!
حملقت بأعينه بجزع من غباءه المفتعل.

-من النهاردة يا زياد، ولو فاكر اني هسيبك لحظة تبقى بتحلم..
-ياستي دا يبقى يوم المنى..
ثم تناسى نفسه وجهر بهيام
-احلى اوضة دبل عندك يابني، دي شكل ليلتنا حرنكش!
-حرنكش؟! مصطلحاتك بيئة أوي
-بيئة ايه بس دانا جايبها بدبورة، أنت اللي مش فاهمة حاجة.

حل المساء في مصر وخيمت حالة من الهدوء التام على جميع المواطنين، كل منهما اتخذ منزله حصنًا له للحماية من انتشار الوباء الذي لا يرحم أحد، انتشرت قوات الجيش والشرطة في الشوارع والميادين لتسيطر على حركة المارة وتنفيذًا للتدابير الاحترازية..

نذهب لبني سويف والقرية التي تجمع عصافير الحب والحرب تحت سماءها، انطلقت قوات الشرطة لتطبيق الاجراءات والقوانين الصادرة وإجبار المواطنين على المكوث في بيوتهم..

وعلى المقابل فاض الضيق من صدر ندى وفجر فقرر الاثنان الخروج للتنزه بين الحدائق والاشجار وبعد جولة دامت حوالي ساعتين عادا الى منزلهم، ففوجئت فجر بظهور خالد أمامها وعلى يده طفلته وباليد الأخرى يمسك بأيوب وقال
-أيوب ياستي شبطان فيا وإلا توديني عند خالتي فجر.

ابتسمت فجر بحب لأيوب
-انت اصلا مشيت ليه امبارح ماانت ليك اسبوع قاعد معايا..
-بصراحة اتوحشت امي يافجر روحت سلمت عليها وجيت لك أهو..
داعبت فجر شعر رأسه بامتنان ثم ابتسمت لخالد بعرفان وهى تكشف وجه ابنته
-طالعة جميلة لمامتها، تبارك الله ياخالد..
افتعل خالد معالم الضجر
-قصدك إني وحش يافجر..
-أنت هتوقعنا في الغلط ليه؟! اقصد انها واخده ملامح قمر، ماشاء الله، ربنا يحرسها.

انفرد خالد بفجر خطوة بعيده عن ندى الواقفه تراقبهم وهمس لها
-اسف على موقف إمبارح يا فجر واني حطيتك في وضع مش مقامك
-متعتذرش ياخالد، المهم قمر احبر بخاطرها وفهمها وانا ممكن اروح افهمها بنفسي..
صمت خالد للحظات وقف على لسانه طلبها للزواج ولكنه تراجع إثر سعل ابنته الصغير وتقيئها، فتفجرت مشاعر الأمومة بفجر لتطالعها بحنان
-ياروحي، هى لسه راضعة مش كدا؟
-هتعبك يافجر خديها من ايدي اشوف لها منديل في جيبي.

اخذت فجر الصغيرة منه وشرعت ان تُلاطفها حتى سمعت صوته الاشبه بالرعد يصعق من خلفها
-كله في بيته واللي هنشوفه معدي بس هيقضي الليلة فالحبس..
ثم اقترب منهم وسبق حشد رجاله بخطوة
-هو جناب العمدة مش متبع الإجراءات الاحترازية ليه؟!
استدارت فجر لترمقه بنظرة خاطفة
-هشام!

ولكنها لاحظت غمز ندى لها من الخلف وهى تشيرها لها بأن تلاطف خالد في الكلام وبالفعل فهمت فجر سريعًا ما تشير له ندى وتجاهلت تواجد هشام تمامًا ووجهت انتباهها لخالد الذي اقترب منها لدرجة ملحوظه واخذ أن ينظف ثغر ابنته، فتعمدت فجر ان تدلل الصغيرة وتعلو بضحكتها أمامه
-ياقلبي انا، قمر اوي ياخالد اي الحلاوة دي، بس على فكرة بقا واخده مناخيرك بالظبط.
-طيب كويس مطلعتش برانية وخدت حاجة مني..

ضحكت فجر بصوت نزل على اوتار قلبه مزقها حتى صار الدخان يشتعل من أذانه وهو يقول بصيغة أمرة
-ياعسكري دخل كل واحد بيته واللي يعارض معاك حطه في البوكس على طول.
تدخلت ندى سريعًا بخوف لتتشبث بذراع فجر
-يلا بينا ندخل جوا احسن الظابط بتاعك دا شكله مجنون وهيحبسنا.
حمل خالد ابنته وجهر بصوت تعمد أن يصل لأذان هشام
-صنية العشا سبقتك لجوه، اسف لو انشغلت عنك الصبح.
تحاشت النظر نهائيا عنه هشام وقالت بدلال.

-والله مش عارفة اودي جمايلك فين ياخالد..
-في الزباله ياختي، اقرب مقلب زبالة ووديها..
كانت جملته تتقاذف كالجمر من شدقه وهو يزمجر بنيران الغيرة، سحبتها ندى عنوة ودخلت البيت وهى تلومها
-يخربيتك دانت تقلتي العيار أوي، الراجل كان هياكلك
تأكد هشام من رحيل فجر فوجه رصاصات غضبه نحو خالد
-ايه اللي جابك هنا تاني؟! احنا مش كنا قفلنا على الحوار..
-وانا حواري مش معاك ياولد السيوفي..
جحظت عيون هشام بلهيب الغضب.

-بلاش نبقى ضد بعض يا خالد هتخسر..
-وانا مستعد اخسر الدنيا كلها واكسبها يا هشام، ولعلمك طلبي لسه موجود بس هى ترضى، يلا يااايوب..
ارتفع صوت هشام
-جولتك خسرانه مليون في المية.
لم يلتفت خالد ولكنه جهر وهو يصعد سيارته
-وكلامك مدخلش ذمتي بتعريفة، واضح وضوح الشمس انها مابقتش عايزاك.
اشتعل غضبه وغيرته كاملة في طلقتين انفجرتا من مسدسه في الهواء وفي صياحه بأعلى صوته بعساكره.

-مش عايز اشوف مخلوق قدامي لسته الصبح، فاهمين..
ما زالت فجر تراقبه من وراء النافذة وتهمس
-ده هيتجنن، ندى انا كنت سخيفة اوي صح، قلبي واجعني اوي عليه مش هاين عليا اسيبه كدا.
لكزتها ندى بوعي
-اسكتي هو لسه شاف حاجة..
ثم لمحته يسحب مقعد خشبي كائن بجوار احد المنازل ليصف تحت بيتها ويجلس عليه متأففًا وهو يلهث في سره بلعنات متتالية مبهمة، فكتمت ضحكتها وهى تبتعد عن النافذة
-دا قاعدلك مش هيتحرك..

وما أن انتهت من جملتها سمعته يزار بالخارج فركضت نحو النافذة مرة اخرى، فرأته يستجوب شاب عائد من عمله وينهره بقسوة ليخرج هويته، تضاعفت دهشتها وهمست
-اهو هيفش غُلبه في المسكين دا..
ندى بحماس
-ادينا بنتفرج .
بمعجزة فلت الشاب من تحت شرارات غضبه وما أن ذهب ففوجئ بفتاة في آخر العشرينات تسير امامه، فأوقفها بضيق
-انت بتعمل لي ايه دلوقت، مش قاعده في بيتك ليه..

اقتربت منه الفتاة وهى تشهق بجماله متجاهله هيبته المفزعة وقالت بميوعة
-بشوف شغلي زي ماانت بتشوفوا شغلكم!
نهرها بحزم
-ما تتظبطي كدا يابت..
اختلج قلب الفتاة من مكانه وفي نفس اللحظة ارتفعت انظاره لتلمح ظلها من خلف النافذة فقرر ان يستخدم نفس سلاحها وينتقم منها وسرعان ما تحولت نبرة صوته وقال بغزل مفتعل
-متخافيش كدا دانا حتى خايف عليكي، فيرس والدنيا مش أمان والحلو دا خسارته في المرض.

مد بساطه للفتاة للتتراقص عليه، فاطلقت ضحكة رقيعة وقالت
-هو قانون حظر التجوال دا هيطبق على الكل؟مفيش استثناءات كدا؟
-انت قوليلي الاوقات اللي تناسبك وانا هوصلها لأعلى السلطات!

ضحكة أعلى صدرت من جوف الفتاة اشعلت لهب الغيرة في قلب فجر التى تراقبهم من أعلى وهى تأكل في شفتها السفلية حتى تقطرت الدماء منها، بدون تفكير عصفت بها رياح الثأر ف تناولت يدها ( القُلة الفخارية ) الموضوعة على النافذة أمامها وبدون تردد فرغت محتوى الاثنين في وقت واحد على رأسه ورأس الفتاة بغل وهى تقول
-حبيت افوقك عشان شكلك نسيت نفسك..
صفعت ندى بكفيها على وجنتيها بذهول وهى تقول.

-هشام السيوفي لو ولع فينا وفي بني سويف كلها هيبقى حقه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة