قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل العاشر

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل العاشر

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل العاشر

قال فاروق جويدة بقلب نابض بالحب
‏مُجرد أغنيةٍ قصيرة، مُجرد كلماتٍ بسيطة، تُعيد للإنسانِ عمرًا كامِلاً، إننا نَسترجع أعمّارنا في لحظات، وهذا أعظمُ ما في الإنسان.

ووصف حالنا جلال الدين الرومي
-(من دون الحب كُل الُموسيقى ضجيج. )
-انت قوليلي الاوقات اللي تناسبك وانا هوصلها لأعلى السلطات!

ضحكة أعلى صدرت من جوف الفتاة أشعلت لهب الغيرة في قلب فجر التي تراقبهم من أعلى وهى تأكل في شفتها السفلية حتى تقطرت الدماء منها، بدون تفكير عصفت بها رياح الثأر ف تناولت يدها ( القُلة الفخارية ) الموضوعة على النافذة أمامها وبدون تردد فرغت محتوى الاثنين في وقت واحد على رأسه ورأس الفتاة بغل وهي تقول
-حبيت افوقك عشان شكلك نسيت نفسك..
صفعت ندى بكفيها على وجنتيها بذهول وهى تقول.

-هشام السيوفي لو ولع فينا وفي بني سويف كلها هيبقى حقه...

للحظة توقف الزمان، وتعطلت جميع عقارب الساعات، كل من حولهم توقف حتى أصوات الطيور حولهم صمتت وأصبح سقيع الجو يلفح في جسده وكأنه جمر متقاذف من السماء، تسمرت فجر في مكانها منتظرة رد فعله عما فعلته ربما ستقتل وتصبح كبش فداء للحب، أم تتفاقم الأمور بينهم سوءًا وتتأكد من نتيجة بعده الحتمي تلك الحقيقة التي يرفضها قلبها دومًا، أم ستفضح غيرتها الحب الساكن بها وينتصر عليها كعادته وتقدم اعترافها على الملأ بأنها فشلت في معاقبة رجل تعشقه وأن ما زال العشق الحاجز بينهم الذي يعري قلوبهم عما تحمله بدلًا من حماقات العناد والكبرياء التي لا تجني منهما سوى ليلة مظلمة تتقوس فيها حول نفسها مُغطاة برداء الوجع تتوسل فيها إلي الشوق أن يأتي به مع شروق الشمس..

برقت عيون هشام لأعلى محاطة بلمعة متناقضة وكأن نجمتين من السماء سقطتا بهما متجاهلًا ثرثرة الفتاة الواقفة بجواره وصوت شد أجزاء أسلحة العساكر التي انفجرت في نفس اللحظة، وعلى المقابل تراجعت فجر تدريجيا لتبتعد عن النافذة وهى تحدق النظر بندى وبصوت مختنق
-أنا عملت ايه؟!
خرجت ندى عن صمتها و ذهولها وأردفت
-لا معملتيش حاجة خالص، أنت مرمطتي هيبته بس قدام العساكر، سهله.

مسحت على وجهه بفزعٍ وارتباك انعكس على حركة يديها و خطواتها المهزوزة، وهي تقول
-طب هو هيعمل ايه؟!
تحركت ندى سريعًا نحو النافذة وأغلقتها فلمحت هشام وهو يشير بكفه الآمر للعساكر أن يخفضوا أسلحتهم وعلى حدا ظهر صدى صوت نهرهه للفتاة التي ما زالت تصيح وتتوعد لفجر وبنظرة ثاقبة وصوته المرتعد وكأن كل الظواهر الطبيعية ورثها نيابة عن الكون، جهر قائلًا
-اسكتي واتفضلي امشي.

أوشكت الفتاة أن تعارضه ولكنه بنبرة أقوى انتفضت لها فجر من أعلى
-قلت يلااا..
(في الأعلى )
تتنهد فجر من أعماق الخوف حتى خال لكل من يسمعها أنها تتنهد فتات قلبها، وهى تحدج ندى بتوتر
-هعمل أيه؟!
ابتعدت ندى عنها متراجعة وهي تلومها
-انا قولت لك ترشي مية؟! هاا؟! بتعملي المصيبة من دماغك والمفروض ندى تلحقك دلوقت؟!
-يوووه ما تبقيش رخمة، والله ما هيسكت أنا عارفاه! هيقتلني؟!
لانت ندى إليها وهي تقول بصوت مرتبك.

-هو معاكي مش هيسكت، بس مش لدرجة يقتلك؟! اومال انا روحت فين..
استجمعت ندى ما تبقى من قوتها وقالت بحماس
-بصي اسمعيني كدا، عايزاكي تبقي جامدة ومتتهزيش ااه عملت كدا واعلى ما في خيلك اركبه، ادخلي له من حتة الل ووو ولا اقولك متبرريش، قوليله السخافات دي تعملها بعيد عن بيتي مش هنا، فاهمه! بصي انت خليكي جامدة معرفش ازاي بس خليه يحس انك مش خايفه منه عشان لو حس بده هيدفنك..

رمقتها فجر بغرابة
-انت ازاي بتتكلمي عن هشام كإنك تعرفيه من زمان؟!
ارتبكت ندى قليلا ثم غيرت مجرى الحديث ممازحة
-له هيبة كدا يخربيته فضحاه..
ما أن انتهت ندى من جملتها شهق الاثنين بصوت اختلج قلوبهم إثر صوت كسر الباب بعد ما انتهى هشام من صرف العساكر بحجة التجول في ارجاء القرية كي ينفرد بفريسته، انكمشت فجر في ندى صارخة
-جيه!
ندى بقلق شديد
-جيه، زي ما قولتلك اجمدي كدا، هاا اجمدي، انا جمبك متخافيش.

سحبتها ندى من كفها خارج الغرفة وبخطوات سُلحفية لامست اقدامهن درجات السلم بذعر بالغ معالمه على الاثنين، وما أن لمحت ظله ينتظرها على مقدمة السلم تسمرت مكانها تبادله بنظرات تحمل بين طياتها القليل من الاعتذار والكثير من الخوف، بينما نظرته كانت ثاقبة واضحة لا تحمل إلا شرار الغضب..

استجمعت فجر شتات قوتها متجاهله أسهم نظراته وقالت بعتب
-يصح اللي أنت عملته دا وتدخل بالطريق الهمجية دي على اتنين بنات قاعدين لوحدهم؟!

حك ذقنه بهدوء وهو يوجه وميض نظراته تلك المرة لندي كي تنصرف فوقفت حائرة بين يد فجر المتشبثة بها وعيون هشام الاشبه بشعاع ليزر قادر على شق الحديد..

سحبت ندى يدها متفهمة بخوف طفل يهرب من ساحة الحرب كي يختبئ بمكان يحميه من رصاصات الحب المتقاذفه فوق رأسه، وركضت معتذرة لفجر باستيحاء وخوف
-طيب هسيبكم انا..

اختفت ندى سريعًا متجاهله نداء فجر ولوهلة أحست فجر بأنها في مواجهه الأسد لوحدها، ادركت أن الموت لا مفر منه، أتموت بشرف أم بخوف؟! لم تتردد في تسطر نهايتها، تلك إمراة النار التي لا يطفأها إلا مطر الأمان، فالخوف لا يليق بها حتى ولو كان يحمل الموت بين ذراعيه، ففي حضرة الذئاب لا تكوني الغزالة بل كوني في هيبة الأسود..

تدلت درجتين من فوق السلم حتى انتصفته ووضعت يدها في خصرها وتأهبت للمواجهه بعد ما ألقت نظرة على قميصه الملتصق بصدره وينحت تضاريس جسده الرياضي قائله
-ما ترد؟!

كان لديه هدوء عجيب رغم شعلة النار المتقدة بأهدابه إلا انها كانت تحمل نوعًا من الدفء يجعل الشجار بينهم شهيًا لدرجة لا توصف..

اقتطب جبينه متسائلًا
-وهو يصح اللي أنت عملتيه؟!
-وأنا كنت عملت أيه؟!
شجاعتها أمامه أدخلت نوعًا غامضًا من السرور على قلبه ولكن معالم وجهه الثابته لا تفصح عن دواخله مهما احتشدت، انتصبت قامته بشموخ وهو يفتح صدره لتلقي المزيد من الهواء أو من الحب، ايهما أقرب؟!

نظراته القوية صوبت نحوها جيش باسل من الشجاعة كي يخيل لها أنها تمتلك قوة تفوق قوته، اتزنت خطواتها حتى وصلت لنهاية السلم ولم يفصل بينهما سوى درجة واحدة وبجبروت امراة متكونه من لُبنة الحب من رجله مثله ولبنة غيابه رفعت رأسها لتناطحه
-تعرف أن ممكن اطلع على القسم دلوقت واكمل المحضر اللي ماكملش دا.
انتشاء رهيب نُحت على اساريره فأجابها
-أنا سؤالي مش بيتجاوب عليه ليه؟!
-هو ايه؟!

-يصح اللي أنت عملتيه دا من شويه؟!
-ااه عادي..
-هو عادي لما يكون في أي فصل من فصول السنة لكن مش في ديسمبر يدلق عليا مية متلجة!

أسبلت عيونها بذهول يحمل ألف سؤال والكثير من الضحك الذي كبحته بأعجوبة وهى تسأله بشك
-يعني هي فين مشكلتك دلوقتي؟!
اصدر إيماءه خفيفة وهو يكتسح المكان بعيونه التي استقرت على شفتيها المرتعشة فجعلتها تبتلعهم بتلقائيه لتخفي توترها، ولكنه ما زال صلب متراسخ كجبل حيث رأت في عيونه نظر تعترف ( بأنها أول امرأةٍ تُغرق وتُسعِد الغريق. ) وقال بهدوء لم تراه من قبل.

-مشكلتي هي امممم عايز أعرف هل رش المية عداوة زي ما بيقولوا ولا غيرة وهما مابيفهوش حاجة؟!

‏أسرتها طريقته بالحديث كأنه يُفتش عن معنى حقيقي بداخِل عينيها أحسه قلبه ولكن فضول الرؤية عنده عطشانًا، كان الحب يفيض منه ولا يوجد إناء يستطيع احتوائه سوى قلبها، ولكن ما الحل في ذلك الشعور المتوهج لأمراة اعتصمت بحبال الكبرياء أمام رجل يحمل بعيونه مقصًا لكل ما يحجز بينهما، كم كان جميلًا تدفق المشاعر الغزيرة بينهم ولكن المُحزن انهم لا يتلامسا!

-يا سيادة المقدم وجودك هنا ما يصحش؟!
-مين خلاه مايصحش؟!
-بصفتك مين؟!
-هسيب اجابة السؤال دا لقلبك..
‏يتدفق من ملامحها كُل ما رغبت في قوله ومنعته عنه نفسها، رجل ذكي يمتلك أوتار عودها ويمرر أعصابه على الوتر الذي يريده ليصدر الكلمة او النظرة التي تشبعه..

نفض اتربة الضعف من رأسها وثارت غاضبة
-طالما بتعرف تعاكس كدا وتهزر مع دي ودي ياريت السخافات بتاعة العيال دي متكونش تحت بيتي..
ضحك بصوت مسموع وسالها
-عشان كدا فضيتي القُلل على دماغي؟!
بتحدٍ جاوبته
-والمرة الجاي هنزل بالقُلل نفسها على دماغك..
ثم اقتربت من ناحية الباب المفتوح على مصرعيه واشارت
-تقدر تتفضل مفيش كلام ما بينا واللي حصل مني دا رد فعل طبيعي على الانحلال اللي ممكن اشوفه مع أي حد!

اقترب منها بخطوات متزنه وضحكة مبهمة
-يعني مش عشان غيرانه والغيرة هطق من عينيكي!
-اطلع بره يا سيادة المقدم؟!
دنا منها للحد الغير مباح حتى اصطدمت حرارة غيرتها ببروده عشقها التى طمنت به قلبه ولم تخل نظراته من الاشتهاء كالصائم الذي يطالع بقلبه قطعة الخُبز الساخن، ارتكزت عيناه عند بؤرة الترقوة وهو يهمس لها بخبث محب يتدلل على غرائز حبه.

-طالما مش غيرة وأنا مخصكيش، عايز مبرر واحد يخليكي تفضلي قدامي كدا بشعرك الغجري الملفوف حولين قلبي وجايبني لعندك ورقبتك المشدودة اللي بعتبرها ممر لقصرك الخاص؟! احسبيها كدا! هتلاقيها مش لايقه؟!
بتلقائية مررت اصعبها على رأسها شاهقة وبثغر مفتوح وعيون متسعة وهى تحت تأثير نظراته المُسكرة وأسلوب المغامر الذي يأسرها به، شق ثغره ضحكة انتصار وألقى جملته الاخيرة.

-هستنى القُلل ع دماغي بكرة وهجيب شاش ومكركروم معايا للاحتياط، أهو أهون من دور البرد اللي هناخده
انتهى زياد من نقل أشياءه وحقائبه الي الغرفة الجديدة التى انقفل بابها عليهما، كان الوضع طبيعي خالٍ من أي عواصف توصف يجلس على عرشه الصمت الذي قطعته بسمة عندما وجدت زياد شاردًا أمام النافذة، اقتربت منه
-كلمت خالتو ورهف؟!
-كلمتهم يا بسمة
كانت جملته مصحوبة بتنهيدة حائرة أثارت فضولها
-مالك؟!

-في حاجة غلط؟! بفكر بالرسالة دي وبربط الأحداث والمنحة دي أنا مكنتش عامل حسابها دلوقت خالص، وكمان في تسهيلات في الورق بطريقة تقلق، ومفيش حد من مصر اتقبل غيري؟! كلها شكوك في دماغي وخيووط مش لاقي لها حل، وحريق البيت والمشاكل، حاسس انهم قاصدين يفرقونا.

لأول مرة تلحظ بمعالمه الحيرة والمسئولية التى جعلت منه شخص أهدا يفكر في مصلحته متجنبًا امور العبث واللهو، أحست بإنها أمام رجل مسئول يستحق أن يُحب، فركت كفوفها بارتباك وهى تقترب منه خطوة وتطالعه بحب.

-تعرف من الحاجات اللي جات في بالي وانا فالطيارة أن الرسالة دي تكون انت اللي بعتها مثلا عشان أجي هنا وانت عارف أني هقدر اجي بسهولة، بس لما فكرت لقيت إنك مش مجبر على كدا ولو كنت فعلا عايز كدا مفيش حاجة هتمنعك، ااه احنا متفقين نبعد وكدا بس مش للدرجة اللي تجيبني بيها متجرجرة كدا وانا هموت من الخوف.

ضم كفوفها المرتعشه وطبع قُبلة طويله بداخلهم وقال
-حقك عليا، بس اللي واثق منه في حاجة غريبة ولازم اعرفها
-ممكن زي ما اتقال فالرسالة، تبع شغل هشام؟!
رفع حاجبه بعد اقتناع
-جايز؟! بس اي المقصد؟! ايه اللي عايزينه من هشام ومين اللي بيحذرك وليه؟!
أحست للحظه أن الخوف يحوم حولهم، قاسم خوفه معها فقاسمته الطمأنية بعناق حار تقطرت دموعه على كتفه وهى تشهق.

-زياد أنا مش هستحمل لو حصلك حاجة ماتقولش كدا أنا جمبك ومش هسيبك أبدا..

طوقتها يده فدب في قلبه شعور نقي كمن يطوق حمامة برقة السحب، تولد في قلبه أحساس يتنافي مع ميوله وغرائزه وهو شعور السلام الذي عانق قلبه، ظلت بين يده حتى هدأت تدريجيا وظل بين يديها مستمتعًا بمشاعر الاطمئنان التى أحسها فتمنى ولو يغرف المزيد والمزيد منها متسائلًا
كيف للمرء أن يلوث نقاء الحب بلحظة دنس ترضي أهوائه فقط؟! كيف لا يبحث المرء عن السلام أولًا قبل غريزته؟!

ابعدت عنه فرأت في عينه دمعة هاربة من طرفها، جففها سريعًا وسائلته
-مالك؟! أنت بتعيط؟!
ابتسم مجاملة وهو يسألها
-وجعتك كتير أنا؟!
داعبت وجنته بحب
-بصراحة أه، بس واثقة فيك أنك هتنسيني كل اللي فات، مش كدا؟!
طبع قُبلة حارة على جبهتها وأيد طلبها برحب وسعة وقال
-كدا، يلا روحي ارتاحي شويه.
-وانت هتروح فين؟!
-منا قاعد أهو، هروح فين، ممكن اتفرج عليكي وانت نايمة؟!
انكمشت ملامحها بغضب مفتعل.

-ااه تتفرج عليا! لا متتفرجش أحسن.
كبح زياد ضحكته وافتعل وضع اللامبالاه
-خلاص براحتك، كدا كدا أنا هنام على الكنبة دي واسيبلك السرير، عارف أنك مش بتحبي حد ينام جمبك وكدا.
حكت جدار عنقها باغتياظ وقالت متحججة
-مش أنا اتعالجت؟!
-والله؟! حمد لله على السلامه.
-اه شوفت تقدر تيجي تنام جمبي عادي، بدل نومة الكنبة وكدا عشان رقبتك ممكن تتكسر منها ان شاء الله.
ظهر عرق السيوفي الوراث المختبيء الذي يمر به ثلج وقال.

-منا متوعد متشليش هم.
تمالكت بسمة اعصابها الغاضبه
-ااممم طيب تمام براحتك، مش عايز حاجة مني؟!
-لا خالص، انت عايزه حاجة؟!
-لا وانا هعوز إيه..
استدارت وهى تجز على فكيها وتلعنه وتلعن نفسها حتى وصلت لفراشها وتأهبت للنوم حتى تذكرت شيئا و قالت
-زياد أنت تحت قولت حرنكش وحاجات غريبة كدا، كنت تقصد أيه؟!
-اااه ماهو دا الحرنكش، بنشوفه حلو وجميل وهنموت عليه بس محدش بيشتراه معرفش ليه؟!

انفجر الترمومتر من حرارة غضبها فلم تشعر بنفسها إلا وهى تضرب بالوسادة في وجهه متأففة بضيق
-طب خلي الحرنكش ينفعك بقا..

(إنها لا ترفض أنّ تموت، ترفض السَماح لك ‏بِقتلها إنها عنيدة من هذا النوع. )
-اطمنتي خلاص على زياد يا عايدة؟!
نزعت عايدة روبها الطويل وشرعت في أن تصفف شعرها
-ااه كنت هتجنن عليه يا منير، الحمد لله انها جات على أد كدا.
نزع منير ( جاكت ) بدلته وشرع في خلع حذائها ويبدو الضيق يقاسم معالم وجهه
-عايدة أنت بتنامي عادي زينا على المخدة وضميرك مستريح؟!
تركت مكواة الشعر من يدها واستدارت له باستغراب.

-منير أنت بتقول إيه، يبقى احساسي كان صح؟!
-والله؟! كمان لسه اللي واخدة بالك يا عايدة؟!
اقتربت منه
-انا مش فاهمه بجد في ايه؟! فهمني.
وقف أمامها وشرارات الغضب تتقاذف من عيونه
-انت السبب في طلاق هشام من مراته.
التوى ثغر عايدة ساخرًا
-ااه يبقى الست سعاد هانم حكت لك، تمام.
-يبقى الموضوع بجد..
ارتدت عايدة ثوب التضحية واقرت.

-هو عشان عايزة مستوى مرموق لعيلتنا وللناس اللي هناسبها وبدور على أمهات تشرف لأحفاد العيلة دي ابقى غلطت؟! منير فكر معايا كدا، واحدة زي فجر دي تربية قرى مقطوعة من شجره، دانا ما شوفتلهاش اهل غير ابوها اللي مات فالسجن، بنت مكانها في مطبخ بيتي، فجاة هوب تبقى مراة هشام اللي البنات تتمنى اشارة منه وتشيل اسم السيوفي؟! انت ترضاها على نفسك ياسيادة المحافظ؟!
لم تخل نظرات نشأت من السخط والاشمئزاز
-وبعدين؟!

-ولا قبلين يا منير، سيبني ارسم مستقبل ولادي بنفسي، هشام مش واعي هو عايز ايه وانا مش مفصلة العلاقه دي غير شفقة وانها صعبانه عليه مش أكتر، لكن حب واستقرار كله هبل وجنان، ولا انت شايف ايه.

-شايف أن اللي خلتينا نعيشه زمان بتعيشيه لهشام دلوقت؟! قبلتي بعماد اخويا عشان كان ظابط وله مركزه أما انا كنت حته عيل ملهوش لازمه في حقوق، بيحب فيكي ويدلعك ومديكي قيمتك بس لما جيتي تختاري اختري عماد السيوفي اهو مستقبله مضمون مش زي واحد لسه هيطبش في الدنيا!

صرخت بوجهه مذهوله
-انت بتقول ايه؟! اش جاب دي لدي؟! منير انت بتتلكك؟!

-دي هي دي ياعايده، وعمرك ما هتتغيري، ولعلمك بقا عشان تعرفي انك غلط، هشام في بني سويف بيلف ورا مراته ومأمنها من كل الجهات ااه مش هيرجعوا بسهوله بس هيرجعوا لان حبهم هينتصر في الاخر ومحدش هيخسر غيرك، ودلوقت بقا عرفت إني غلطت لما رجعت لك، غلطت لما اديتك فرصة تانيه نلحق فيها الباقي من عمرنا، كنت مفكر إنك عقلتي بس اللي فيه طبع ما بيغيروش، عايدة أنتِ طالق!

وصل هشام لمكتبه وبمجرد ما فتح الباب لقي مجدي في انتظاره يتجول هاتفه وما أن رأه اندهش قليلًا
-ما قولتش انك جاي؟!
قام مجدي وعانق ابن عمه
-وهو حد عارف يوصل لك؟! اخوك زياد عيشنا حته ليلة الله لا يرجعها..
ربت هشام على ظهره
-لسه قافل مع رهف وحكت لي..
ثم مجدي رمقه باستغراب
-انت مبلول كدا ليه؟! انت روحت الجزيره؟!
شرع هشام ف نزع ملابسه وتبديلها وهو يجيبه.

-الحب وسنينه ياخي، ابن عمك اتمرمط، بقا انا يدلق عليا ميه ساقعه قدام العساكر؟! شكلي بقا فنله أوي، اخرتها قُلل يامجدي!
انفجر مجدي من كثرة الضحك على حاله و
-اكيد روحت لفجر وحاولت تصالحها هوب رشتك بالميه؟!
-مش بالظبط ياابن عمي بس قول لي عشان قلبي يطمن، رش الميه عداوة ولا حب؟!
انقلب الحديث بينهم لسخرية، فأجابه مجدي بشك
-والله على حسب اترشت امتى؟!

تخلص هشام من نعله وجواربه ودخل المرحاض ليغسل وجهه ثم عاد وبيده المنشفة وأكمل
-بت الإيه مش لاقي معاها سكة؟! تعبتني؟
اشعل مجدي سيجارته حتى نفث دخانها وقال
-ليه يعني؟! معقوله مش عارف تصالحها بكلمتين!
بدل هشام قميصه وعلق الاخر مكانه ثم ارتدى فوقه جاكته الجلدي وجلس على الاريكة المقابله لمكتبه وأتبع.

-مش عارف، الدنيا ملخبطة، كل ما اكون محوش كلام حلو كدا اقوله، بقف قدامها بتنح، بنسى كل دا، والتور اللي جوايا بيطلع وبقلب الحوار لرخامه واستفزها واطلع اسوا ما فيها واعصبها والمشكلة إني بكون مبسوط بده!

-بتتكبر على مشاعرك، بتحس أن الكلمة الحلوه والدلع تصرفات عيال سذاجة متلقش بيك، مش كدا.

هشام مؤيدًا
-اااه هو كدا، لما اقول كلمة حلو بكون عايز اضرب نفسي بمية بُلغة بعدها، هي مش المفروض تحس بده من غير ما أقوله؟!

انتقل مجدي من مكانه حتى جلس بجواره وأجابه
-لا ياهشام، متحطهاش في اصعب اختيار في الدنيا انك تسيبها ضحية لقلبها وعقلها كل ليله، قلبها حاسس بس عقلها بيرفض لانه ماشافش دا، اللي بيحب حد بيتشقلب قدامه عشان يثبت له؟!

تناول هشام سيجارة من أمامه واشعلها ثم قال رافضًا
-ياعم احنا كبرنا على شغل العيال والدباديب دا!

-انت حاسس انك كبرت بس هي لا، ست ست يا هشام لو وصلت ٧٠ سنه هي ست بردو عايزه كلمة حلوه، حضن يطمنها، وكدا لكن مش قطر كل ما تشوفها تدوس بنزين، فجر مستنية منك تتغير تثبت لها انك بتحبها، انك شاريها، كلام عايده علم جواها مستنياك انت تمسحه، هي مش مستنية هشام اللي سابته ومش مضطره تستحملك تاني، هي مستنية نسخة جديده منك تعوضها عن كل اللي فات...

لم يبد اقتناعه بنصائح مجدي ولكنه غير مجرى الحديث
-والزفت خالد دا كمان لازقلها ورحمة ابويا فاضله تكة معايا وهجيبه هنا اعلقه زي الدبيحة وهو عامل فيها شبه الديك الرومي كدا.

-هشام السيوفي بيغير؟! اوعى؟!
-ماتتلم انت كمان ما بتزفتش.
-ااام طيب هى عرفت انك رديتها؟!
-بصراحة لا، خايف اخسرها للابد، عايزها ترجع بارادتها متحسش انها مفروضه عليا ولا مفروض عليها، عايز قلبها وعقلها يجيبوها لعندي..

-بردو مش عايز تخسر ولا تبان أنت اللي متمسك وهتموت عليها، ما تتواضع شويه ياخي، دانا زهقت منك.

انفعل هشام بقلة حيله
-اعمل ايه يعني، ارجع اقولها والنبي ارجعي لي؟!
-ااه وتبوس ايدها وراسها ورجليها كمان، دي مراتك ياهشام وفجر ملهاش غيرك، لو كنت حد من بره كنت هقولك اللي خلقها مخلقش غيرها يعني، ابعد واختار حاجة من توبك وكل الهبل اللي انت عارفه، لكن لما بشمر واخش جوه موضوعكم كدا بحسكم انتو الاتنين شبه بعض اوي، كل واحد فيكم ساند التانيه وهو مش واخد باله، اسألك سوال؟!

-قول؟!
-انت عايزها ليه؟! واشمعنا هي اللي بتجري وراها ومش شايف غيرها..

شرد هشام طويلًا يفكر في اجابة سؤال لم يسأله لنفسه من قبل حتى ارتسمت ابتسامة خفيفه على ثغره
-احساس انها منك، تخصك، بتاعتك، فاهم!

يمكن عشان ملهاش حد غيري واتظلمت كتير؟! والناس شايفيني كتير عليها، بس هى ما خدتش حاجة من الدنيا تتحسد عليها، بس انا لقيت معاها اللي مستحيل القاه مع حد غيرها، بالعكس والله هي اللي كتيره عليا هى اللي بتديني شعور مش هعرف احسه مع غيرها، فيها مغناطيس كدا بت الايه مبهدلني مخليني مش في وعيي!

انفعل مجدي مهللا
-الله اكبر، تعرف تثبت كدا وتروح تقولها الرصة دي زي ما قولتها..
ضربه هشام بعُلبة السجائر مغلولًا ولانه احس بأنه تعرى أمام رفيقه
-لا طبعا انت اتجننت؟! مستحيل!

-تصدق، البنت مطفشتش منك من قليل! ربنا نجدها نوسة والله؟!
-ماتتلم انت كمان!
-هاا هتصالحها
-هفكر حاضر..
-هتفكر؟!
اعتدل مجدى وغير مجرى الحديث نهائيًا
-المهم انا جايلك في موضوع تاني خالص.
-خير؟!
-بما ان البلد الاوضاع فيها لبش والامن مش مستتب ومشدودين شدة تقصر العمر، وفيروسات هتجيب اجلنا قريب، انا عايز اتجوز.
-تتجوز مين؟!
مجدي بنفاذ صبر
-اختك يا عم انت اللي خللت جمبي دي؟!
قرر هشام ان يداعبه بسخافاته المعتادة.

-لا مفيش جواز وانا مش مطمن على مصر؟!
-مصر مسئوليتك يا هشام انت ادها وسيبني انا اتجوز زي الناس اللي بتتجوز دي!
هشام بامتعاض
-مينفعش تتجوز انت والمفعوصه دي قلبي!
زفر مجدي مختنقًا
-ييييييه! مانت بحالتك دي مفيش امل..
ثم انتقل من مقعده وجلس بجواره يسايسه.

-اسمع مني بس سيبنا احنا نتجوز ونجيبلك عيل كدا يتنطط فوق كتافك يقولك ياخالو ويهدك ويطلع عليك اللي انت عامله في ابوه دا، هاا قولت ايه، كتب الكتاب والفرح الخميس؟!

رمقه باستنكار
-بردو ما ينفعش تتجوز قبلي، يرضيك تتجوز وانا في حالتي دي؟!
-ااه يرضيني! ياخي يمكن وشنا يطلع حلو عليك وربنا يكرمك كدا بتلاته كمان وتقفل الشرع، الهي يحنن قلب فجر بت ام فجر عليك ياهشام، عايز اتجوز، قول موافق، يلا انا واخد ١٠ ايام اجازه الحق اتجوز فيهم قبل مااتنش رصاصة ولا اتفيرس اخلص..

صمت هشام قليلا ثم قال
-بردو ما ينفعش، اصل زياد وبسمة مش موجودين..
-تخفيف عدد، وتزاحم، حفله على ادنا هنعملها، نكتب الكتاب وخلاص هاا انجز بقا! قول ايوه.

رمقه بنظرات مداعبة حتى تبسم مرغمًا
-طيب ياسيدي بس اللي مايندمش في الاخر ويتسحل السحلة اللي انا مسحولها دي..

انقض عليه مجدي بقبلات متتالية وهو يهلل، فابتعد عنه هشام ممازحًا
-فين التباعد اللي قالت عليه الحكومة، نفذ التعليمات بقا.
-ابن عمي حبيبي يا ناصفني روح ياشيخ ربنا يكرمك بنص دستة عيال كدا يخلصوا القديم والجديد منك، قول امين!

-فال الله ولا فالك، دانا كنت ضربتهم هما وامهم بالنار، قال ٦ عيال قال؟!
أنذاك رنت رهف على هاتف مجدي فتراقص قلبه فرحًا، ولم يعطيها فرصة للحديث حيث اندفع مغردًا وهو يرقص في وسط مكتب هشام
-ياولاد بلدنا يوم الخميس هكتب كتابي وابقى عريس..

لاحظ عدم تفاعل رهف معه، فلم تعط له الفرصه ليسائلها ما بها ولكنها انفجرت باكية
-الحق يا مجدي ماما وعمو اطلقوا، وماما بتقول مستحيل جوازتنا تتم..

علقت غصة الخزى في حلق مجدي فأردف باندفاع
-رهف حبيبتي انتِ بومة، طلاق تلاته انت بومة.

-ممكن تبطلي تضحكي؟! متنرفزنيش
تلك اخر جُملة قالتها فجر وهى تجوب في ارجاء البيت هنا وهناك، تلك المطبخ دون اي مقصد وتخرج منه وهي تلعن وتسب بصوت عالٍ، وتارة اخرى تصعد ثم تهبط الي اسفل وهي تسرد ما حدث بعصبية شديد واوشك صوت صراخها أن يصل لبروج السماء، تركت ندى طبق التسالي من يدها وقالت
-طيب والله الراجل طلع حلو أهو وبيفهم..

-ندى متعصبنيش انت كمان؟! دا غتت دا ماقالش كلمة واحده تشفع له، هيجنني، يعني بالعقل كدا اخطط عشان افرسه يجي هو بدون مجهود وينرفزني ويخليني احرق في دمي؟!

تابعت ندي خُطاها وهى تقول بخوف من رد فعل فجر
-يعني انت مخلياه يطلقك، وسيباه، ومبهدله برستيجه قدام العساكر وشغاله تتسهوكي مع خالد ومش مديه له ريق حلو، عايزاه يقولك ايه يعني؟! عارفه احساس انك بتاكلي في طبق كشري حار وموحوح كدا وبتتعذبي ومستمتعة اجي انا احطلك معلقة بسبوسه؟! هيحصل ايه؟! هترجعي، دا اللي بيحصل بينكم هشام ماشي معاكي مع التيار.

رمقت ندى بنظرة مقتنعة وسرعان ما رفضتها وقالت
-تعرفي انا بكون مستنية منه حضن، كلمة حلوه، يمتص غضبي كدا، مش يجي يولعني ويمشي يسيبني اكل في نفسي؟! يرضيكي.

-انت مش فاهمه حاجة احنا عايزين حب من ابو مواقف ده، انما انت شمسي وانت ضلي دا بيجيب حب شباب والقولون، سيبك منه انتو كدا شطة على نار الجو ده احلى..

انعقد جبين فجر بتوعد
-شطة على نار؟! طيب نار بنار بقا انا هوريك يا هشام...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة