قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الأول

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الأول

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الأول

كانت الرياح عاصفة بالخارج وباتت السماء مكدسة بالضباب الرمادي وخيمت أصوات الضوضاء على صخب القلوب التي تآزر بها الوجع، حالة من الذعر أصابت الجميع إثر تصادم الأبواب والنوافذ التي أوشكت على الانخلاع، بعينين هالكتين من كثرة ما أمطرت سحب العين ألمًا فارق مقعده الكائن بجوار فراشها بالمشفى واتجه نحو النافذة ليحكم غلقها وأسدل الستار عليها وما لبث أن انتهى من فعله استدار وتوقف مكانه للحظات يتأمل تلك الحورية النائمة وكأن ذاكرتها خشيت أن تعيش القهر مرة أخرى فاختارت الهدوء وتركت له القلق ليتقلب في لهيبه آمد..

غير مسار اتجاهه حيث اقترب من الاريكة الجلدية فالقى جسده فوقها بكلل و أخذ يقلب في شاشة هاتفه يتفقد الصورتين الوحيدتين لها عليه، لم يعلم كم مرة يطالع ملامحها في اليوم ولكن لا يروي الظمأن سوى الغيث فجميع البدائل زوائد غير مُرضية.

سرت رجفة مباغتة بجسده عندما طالع ابتسامتها التي شقت له دروب السعادة بأقل مجهود، حيث بلغ منه الشوق مبلغه وتمتم
-وحشتيني.
ذات مرة أخبرته بأن الفراق قاتل، حينها سخر قليلا في نفسه العنيدة التي همست له تلك حماقة النساء لا عليك فهن دائما ما يعشقن المبالغة في كل شيء ولكن نفسه المتجرعة لألم الفراق أقرت حقيقة الأمر والأن أصبحت قتيلة في هوى امرأة فارقته.

لا أعلم لمتى سيظل الإنسان غبيًا لا يعرف قدر الاشياء إلا عند فقدانها، و لا يدرك حقيقة مشاعره الا مؤخرا بعد فوات الاوان، لمتى سيترك نفسه للأيام تضعه في معمل تجاربها القاسي وتفرض عليه طرق لا ينتمى إليها، لمتى سيعيش مرغمًا ويفقد فرص الاختيار طوعًا! لمتى سيظل الإنسان غبيًا!

ترك هاتفه جنبا ونهض مرة ثانية بجسده الذي خسر الكثير من وزنه في حضرة غيابها الشرس، الذي غرز أنيابه ببدنه وبدل ما يؤلمه ابتلعه، كل ما يحيط به ينتقص ما عدا حزنه وشاربه الذي أصبح أكثر كثافة، جثى على ركبته ملاصقا صدره بحافة فراشها، وملأ بأصبعه فراغ أصابعها أو على الادق هو الذي ملء خلو أيامه بقربها، ظلت عيونه متأرجحة على ملامحها يتسائل في نفسه.

-كيف لتلك الملامح الصغيره أن تكون بيتا تحوي رجل يافع مثلي!

زفر ثاني أكسيد غيابها وخرج عن صمته قائلا بتوسل
-ست شهور بلياليهم قاعد معاكي مفيش ليله صعبت عليكي فيها وتفوقي! من أمتى كنتي عنيدة كده؟!

تحمحم بخفوت ليزيح جفاف الحزن من حلقه واتبع بحنو
-جيلك بخبر حلو، النهارده فرح زياد وبسمة، وكمان رهف ومجدي، كان نفسي أوي تكوني معايا وتختاري لي بدلة الفرح بنفسك..
مال بوجهه على كفها وطبع قبلة طويلة ثم أكمل بعدها.

-تعرفي أن غيابك علمني حاجات كتير أوي، أولهم أن في تفاصيل جوايا مش هعرف أعيشها مع حد غيرك، اكتشفت أن ليكي نصيب عظيم من الحب متشالك في قلبي عمره ما كان هينفع لواحده غيرك لانك إنتي اللي خلقها لي ربنا رحمة منه على قلبي، اتأكدت أن الحياة كلها تتلخص فيكي، إنتِ حياتي اللي مش بتمنى غيرها يافجر.

ضم كفها أكثر وواصل بحرقة
-ارجوكي متمشيش، أنا ما صدقت لقيت نفسي معاكي، بُعدك مُرعب.

الشبح الوحيد الذي يظل دوما يطارد الشخص هو الصبر، الصبر على حبيب رحل بقلبك بعيدًا ولم يخبره بأنه سيعود، الصبر على ابتلاء لا يعلم متى سينتهي، الصبر على من ظلمه وعلى أحلامه الضائعة النائمة في أحضان غيره، علة الصبر إنه غير مقترن بموعد محدد ولذلك جعلت مفاتيح الجنان وراء أبوابه الموصدة لشدة ما يعانيه أصحابه.

اعتدل من وضعيته على صوت فتح الباب الذي تلاه صوت الطبيب وهو يقول
-مساء الخير، اي الأخبار.
هندم هيئته قليلا وازاح أخر عبرة متقطرة من فوق وجهه
-الأخبار عند حضرتك؟!
ران عليهما الصمت للحظات يفحصها فيهما الطبيب وما لبث أن انتهى فألقى تقريره المختصر للحالة بأسف يخفيه.

-مش هكذب عليك بس الوضع صعب، إحنا جربنا معاها كل المحاولات بس الضربة كانت شديدة أوي على الدماغ، مش بحبطك بقولك اللي شايفه بس مفيش حاجة بعيدة عن ربنا.
وخزات الابرة أصابت قلبه، وبصوت متهدج يرفض فكرة بُعدها قال
-بس هي لازم ترجع، أنا بسمع أن ناس كتير بتفوق من الغيبوبة دي وبترجع أحسن من الأول.
-الأمر كله في إيدين ربنا أنا لسه قايلك أهو، بس الفكرة إنها مسألة وقت، ومحدش عارف امتى، على كل خليك جمبها.

تلك كانت أخره جُملة ألقاها الطبيب المتابع لحالتها على أذانه فتلقى أثرها الناري على قلبه الذي يحترق لغيابها، فازدرد ريقه بصعوبه وهو يتفرس في ملامحها بأمل عاشق يهاب الغربة من دونها
-بس هي هترجع، وقريب قلبي حاسس بكدا.

ضرب الطبيب كف على كف بقلة حيلة وهو يغادر غرفتها ويتساءل في حُشاشة نفسه عن أعجوبة أمر الحب التي تخر قوة الرجال ولم يُصف لها دواء في الطب المُعالج.

علي غير العادة بخطوات عشوائية تتنقل هنا وهناك وكأن ثمة عاصفة اجتاحت تفكيرها فأفقدتها اتزانها، فتحت باب الثلاجة ووقفت أمامه اللحظات وسرعان ما قفلته متأففة، وأخيرا خرجت عايدة عن مراقبتها الصامتة وتفوهت قائلة
-وأخرة حيرتك دي ايه؟
ازدردت ريقها بصعوبة وهي تسحب مقعد الطاولة التي تتوسط المطبخ وقالت
-خالتو هو ممكن الراجل بعد ما كان نینجا كده ومقضيها ربنا يفتح عليه فجأة ويتوب؟

انتهت عایدة من صنع قهوتها حيث دنت منها وجلست بقربها ضاحكة
-والله على حسب!
اقتطبت ملامح بسمه بضيق
-خالتو مش وقت هزار وحياة عيالك!
ارتشفت عايدة رشفة خفيفة من فنجانها واعقبت.

-شوفي يا بسمه، لازم تعرفي يا حبيبتي إن الرجالة نوعين، في منهم اللي بيتعامل مع الست كأنها قطعة كيك داير على كل المحلات يدوق دي ويجرب دي وحتى ولو عجبته طعم واحدة هيفضل معتقد إن لسه في حلويات كتير مداقهاش، وهيفضل على الحال ده لما لا نهايه.
اكفهر وجهها و غمغمت
-طيب والنوع الثاني؟
واصلت احتساء قهوتها بهدوء تام واتبعت.

-النوع التاني يا ستي هو اللي بيتعامل مع الست كأنها تحفة اثرية ملهاش زي، بيفضل يلف ويدور ويعاين في دي ويقيم دي ويشوف إذا كانت مناسبة له ولا لا لحد ما يفرمل عند واحده بس ويؤمن إنه لو كمل لف في العالم كله مش هيلاقي زيها، فيكتفي بيها ولو جيه بعدها جيش من المغريات.
تشعبت الحيرة بذهنها حتى انعكس بريقها بمقلتيها وفكرت لبرهة ثم
- تفتكري زياد ابنك هيطلع أي نوع من دول؟!

داعبت شفتي عايدة ابتسامة واسعة حالت حيرة بسمة لضجر وسرعان ما قالت بیاس
-النوع الأول، مش كده؟!
-في مثل بيقول لا تذم ولا تشكر إلا بعد ست أشهر
أطرقت بسمة متأففة بنفاذ صبر
-وانا كمان لسه هستنى ست أشهر علشان أحدد مصير علاقتي مع ابنك، ده الفرح النهاردة!

- بقولك الصح و عايزاكي تقضي الفترة دي كإنها تجربة جديدة، لا أنت مدیاه كل حاجة، ولا كمان قرفاه في عيشته فبسرعة يتلكك ويجري ويرجع يرمي اللوم عليك في الاخر، بسمة دي فرصتكم الأخيرة انت وزياد عافري عشان تخرجي منها بنتيجة حتمية مرضية.
ما انتهت عايده من إلقاء نصائحها التي اختتمت بصوت قفل الباب بقوة، وسرعان ما غادرت وتركت بسمه لحيرتها وشكوكها تفعل بها ما تشاء.
التقت بهشام في ساحة المنزل فنادته بلهفة.

-حمد لله على سلامتك يا حبيبي، كده يا هشام! أومال لو مكنتش مأكدة عليك ترجع بدري تقف مع أخوك.
ألقى مفاتيحه فوق أقرب منضدة وهتف معتذرا
-معلش كنت عند فجر و محستش بالوقت.
أخذت الجملة على مضض وهي تعافر ان تخفي ضيقتها حيث دنت منه خطوتين وربتت كتفه بحنو
-وبعدين! هتفضل على حالتك دي لامتى؟! ياحبيبي فوق لشغلك وحياتك، إنت بتكبر يا هشام وانا نفسي اطمن عليك واشوف ولادك.

أدرك حقيقة موضوعها التي لم تمل من الحديث عنه، زفر بضيق
-إن شاء الله!
بدت ثغرها متبسمًا بانتصار وهي تقول
-ان شاء الله يعني وافقت كده اجمعلك عروسة من الفرح النهاردة!
-أنا طالع أنام شوية قبل الدوشة.

اعتاد أن يستخدم سلاح الهدنة عندما تشتد عليه المعركة و ينسحب عندما تتآزر عليه الجولة كى يستعد لها من جديد، مثله يأبى الهزيمة ولم يعد الا والفوز نهايته الحتمية، لذلك فضل هشام أن يسايس الجميع إلى أن تحول آماله لحقيقة مهما طال وقت انتظارها.

يعز على الانسان أن يسير في سُبل لم تكن من اختياره ولكنها هي الحياة، هل سيظل معلقًا بأطراف الجسر المهشمة أم يقفز معهم في مركبتهم التي يرونها مُنجية! المؤسف بالحياة أن الجميع منا يرى نفسه على صواب رغم تعدد الآراء ولكن الأشد أسفا محاولاتهم الدائمة في اقناعك بوجهة نظرهم التي قد تكون لا تُناسبك ولا تُناسب ثوب سعادتك.

بثقل حقائب الصبر المُحملة فوق عاتقه تركها بهدوء وصعد درجات السلم واحده تلو الاخرى دون أن يلتفت إلى الشرار المنبعث من مقلتي عايدة والتي تحرق في ظهره، ما لبث أن وصلت لغرفته فألقى جسده الهالك في منتصف فراشه بعد ما خلع خف الحزن من قدمه وارتدى ثوب الشوق الفائض إليها وأصبحت أنظاره معلقة بالسقف وتنهد بحرارة بركان متوهج من فوهة صدره وهتف:.

-وكأن العالم بأكمله اتفق على أن يباعد بيننا! متى سيرد لي قلبي بمجيئك!

تجوب حديقة منزلهم بحماسة شديدة وهي تلقي أوامرها على العمال لتجهيز المكان الذي سيقام عليه ليلة زفافها، حيث تعالت نبرة صوتها معارضة عندما وجدت ما طلبته لسيت على ما يرام وهتفت رهف بصراخ
-أيه العك اللي بيحصل هنا؟! مش ده شكل الورد ولا الألوان اللي اخترتها.
توقفت المهندسة عن عملها، وعارضتها
-لا هي نفسها يا عروسة.
-لا طبعا مش هي، اتفضلي شيلي العك ده كله يلا حالاً.
انعقد حاجبي المهندسة بغرابة.

-إزاي يعني ماينفعش وبعدين أنا بنفذ كل الأوامر اللي وصلتني من أسبوع.
غلت الدماء في رأس رهف
-وإنتِ كمان بتجادليني؟! قلت العك ده يتشال حالاً
بدى على وجهها الانزعاج ولكنها تمالكت زمام الأمر وهدأت مرغمة
-ياانسة رهف ممكن تقوليلي اللي مش عاجبك بالظبط وأنا هحاول أغيره، لكن كله كده صعب بصراحة!
أقبل مجدي على صوتها رهف المرتفع الذي لاحظه الجميع وهو يقول من الخلف
-في أي هنا؟!مالك يارهف.
اندفعت غاضبة.

-الهانم عايزة تعمل كوشة على مزاجها، اتفضل اتصرف معاها.
ألقى نظرة متفحصة تابعها منبهرا
-الله!ايه الحلاوة دي يا مها!
اتسع بؤبؤ عيني رهف الغاضبة حيث سبقتها مها وهي تفتح هاتفها وتقلب بالصور
-أنا بصراحة مش عارفة عملت إيه غلط، وكمان يا انسه رهف تقدري تقارني بين الصورة اللي بعتها لي مجدي بيه وشغلي.
غمغم مجدي بسره قائلا
-ايه النداله دي يا مها!
شهقة عالية اندلعت من جوف رهف التي توجهت لتفجر غضبها بوجهه.

-أنت أزاي تختار دي مع نفسك كده من غير ما تاخد رأي! ده انت يومك اسود م
كتم مجدي أنفاسها سريعا وهو يضمها لصدره كي يوقف حرب كلماتها، وتفوه بصيغة آمره وهو يسحب رهب أمامه
-مها كملي شغلك أنتِ.
سار الثنائي العنيد بعيدًا عن مجمع العمال وبالأخص لتحت غرفة هشام، ولم ينج مجدي من نحيب رهف المكتوم وبعض الضربات التي سددتها في صدره فتركها أخيرا وهي تصيح
-أنت بأي حق تختار حاجة زي كده من غير ما تاخد رأيي!

أدخل كفه الأيمن في جيب بنطاله وقال مداعبًا
-مش واثقة في ذوقي!
رفعت كفها كحاجز بينهم
-لا ما أنت مش هتضحك عليا زي كل مرة، مجدي دي قواعد هيتبني عليها حياة بعدين، ماينفعش تاخد من دماغك قرارات تخصنا من غير ما ترجع لي، فاهم!
شرع أنا يجيبها ولكنها اتبعت دون أن تعطيه مساحته للحديث
-وانسى بقي جو إنك الراجل وأنا الست وأنت الليدر والهبل ده، الحياه دي متنفعش معايا! جواز يعني مشاركة.
لم يخل وجهه من الابتسامة وقال.

-بس أنا الراجل فعلًا واللي شايفه صح هو بس اللي هيمشي!
فارتفعت نبرة صوتها وقالت
-يبقى الجوازة دي ما تنفعنيش.
-أنا كمان شايف كده والله.
فتدخل في حديثهم صوت ثالث من أعلي حيث خرج إثر ثرثرة أخته العالية وبيده قارورة المياه فقال جملته الأخيرة التي تلاها جملة مجدي
-ياعم البوتجاز أنت هي مش ناقصاك دي والعه لوحدها.
وضعت رهف يديها في خصرها وضربت الأرض بقدميها بطفولية وزفرت باختناق حيث وجهت سؤالها لهشام.

-إتش ينفع نلغي الجوازة دي!
اتكئ على سور شرفته واتبع بفرح
-ينفع جدًا، ده يوم المُنى!
أومأت بالإيجاب وبحزم
-مجدي طلقني!
فتلاها هشام مؤيدًا
-اتفضل اسمع كلامها وطلقها بدل ما استخدم معاك القوة.
انعقد حاجبيه بتعجب
-اي العيلة الهبلة دي! وانا كنت اتجوزتك الاول عشان اطلقك!
اسبلت رهف مقلتيها بحيرة
-بجد! هما بيقولوا إيه طيب في الفسوخة!
مال على أذنها وهمس بحب.

-بيقولوا أن المفروض في دانص سووت أنا دفعت دم قلبي فيها، مين هيلبسها!
لمع بريق عيونها وابتسامتها تتسع بحياء وباتت اناملها تتنقل على جدار عنقها بتوتر حيث قالت بهدوء
-قصدك اللي جبناها من سيتي ستارز دي!
-هي بعينها، ها نخلع ولا نلبس؟!
فكرت لدقائق بحيرة فاقت منها على صوت هشام
-ولاه متضحكش على أختي بكلمتين من بتوعك، أنت خلاص مالكش آمن.
رفعت رهف جفونها لأعلي وقالت بتردد.

-ماهو ابن عمنا بردو يا هشام، معلش ممكن نعديها له.
صاح مجدي مهللًا
-قصدها تقولك اطلع منها أنت بس يا ابن السيوفي وهي هتعمر.
لم يجد هشام ردا مناسبًا لسماجتهم سوى سكب قارورة المياه فوق رؤوسهم وهو يسبهم في سره ثم رفع صوتها أثناء ركضهم وقال
-بس اللي مايجيش يشتكي بكرة.

توقفت أمام غُرفته بعد ما قطعت مسافة لا بأس بها من الحيرة وأخيرًا رفعت كفيها ودقت بابه بخفة فأتي وصوته الرخيم وهو يقول
-أدخل.
وضعت كفها على المقبض وفتحته وتقدمت خطوتين
-خمنت ألاقيك نايم.
تراجع بمقعده الجلدي ونهض من أمام مكتبه تاركًا حاسوبه مضيئًا واقترب منها وقال
-أنا اللي المفروض ألقاكي بتعملي حاجات أهم من وقفتك دي.

فركت كفيها بتردد وكادت ان تستدير لتغادر ولكن يده سبقتها وهو يقفل الباب خلفها ويتمسك بمعصمها باليد الأخرى وقال
-طيب مش تسألي أي هي الحاجات دي الأول!
تأرجحت مقلتيها بقلق بين وقالت
-هسيبك تكمل اللي بتعمله.
تجاهل سؤالها وانخرط في ما يهمه بعيونه الثاقبة التي لا تخل من الغزل تفحصها من رأسها للكاحل
-بس إنتاج الجيم باين!
-مش فاهمه؟! قصدك إيه!
-فاضل إني اطمن على الترابيس بنفسي.
-زياد بطل أسلوبك ده ممكن؟

-ماله أسلوبي بقى!
-بيخوفني.
ابتعد عنها قليلا وهو يفتح ويقفل في باب غرفته وصوب اهتمامه إليه حيث تغلب على مخاوفها المفتعلة وقال
-إنتي فهمتي أيه! قصدي ترابيس الباب، ركزي بتطلع صوت مش كده!

مذ الساعة التي اتفقا فيها الثنائي أن يعطي كل منهما مساحته الخاصة لاتخاذ القرار في شأن علاقتهم، أصبحت العلاقة بينهم تنحدر في وادٍ أكثر جمالًا من قبل، باتت العلاقة بينهم ك اثنين يتعرفان على بعضهما لأول مرة، بقيت تعشق تمنعه عنها جبرًا وهو يحاول إخفاء مشاعره اللامعة كالنجوم في ظلمة مسرحيتها التي فرضتها عليه، اكتراث وقته لعمله الذي برزت نجاحاته بصورة متتالية، مداعبته التي يتسلح بها عندما تقذفه موجة الشوق لشواطئها، اللقاء الفقير بينهم كان سببًا في خلق حب يغلفه الحنين الدائم، مكالمتها التي تفزعه من نومته في منتصف الليل لتخبره بأنها اشتاقت لسماع صوته و ستقفل بعدها ولكنها خديعة الحب التي تضم الساعات والمهام ليتفرغ لها حتى تحاوطهم الشمس وتفسد ما سكرهم به الليل من لذات محادثاتهم الطويلة، العشاء الاسبوعي لهم في الأماكن العامة وبعد انتهاء سهرتهم يوصلها لمنزلها ويعود لعمله او بيته مثقلًا بشوق لا يرويه إلا وجودها الابدي، باتت ملامحها جنته الحقيقة حينما كان غائصًا في عالمه الخداع الذي كان يركض وراءه دومًا، فاليوم أكد صدق جملتها (النجوم عن بعد أجمل ).

انخرط مرة ثانية في الحديث معها عندما اقتربت من حاسوبه وسألته
-في عريس يشتغل يوم فرحه!
-أبدا، كام ريبورت كدة هبعتهم واجهز بقى، وأنت مش المفروض تجهزي ولا أيه!
أومأت بالإيجاب مبتسمة
-الميك اب ارتست على وصول.
اقترب منها واستند على سطح مكتبه حتى تلاقت أنظارهم وقال
-عينك فيها كلام كتير، احكي.
لا زال يعريها أمامه ويعري حيرتها المدفونة فقالت مداعبة
-كده مش هعرف أخبي عنك حاجة طول ما أنت بتكشفني من عينيا.

امتدت أنامله ليداعب خصلة من شعرها وقال بغزل
-بحبهم ياستي وهما كمان بيحبوني عشان كده مش بيخبوا حاجة عليا.
بللت حلقها الذي اشتعل فيه نيران حبه وقالت
-متأكد بقرارك؟
-أي قرار!
-جوازنا! قصدي إعلان جوازنا.
خيمت الحيرة على عقله لبرهة وهو يتفنن في انتقاء جملة معبرة تشع الطمأنينة بقلبها ولكنه قرر يطيل مدة الحديث وقال
-قبل ما اجاوبك، هسالك سُؤال، كل اللي فات ده كان ليه؟
تجولت بهدوء في غرفته وهي تقول.

-مايتسألش كده، السؤال الحقيقي هو ليه دايما قلبي بيغفرلك!
رفع حاجبه متعجبًا
-غيرتي الموضوع!
-لا يا زياد، هو ده نفسه الموضوع، غفراني الدايم وطلبي منك نعيش فترة خطوبة، تعرف الغلط فين من الأول، أنا وأنت كنا طايشين بدأنا علاقتنا من أخر سلمة، ولم بدأت تاخدنا وتهبط بينا للي وصلنا له كان رد فعل طبيعي.
أيد زياد كلامها وردد موافقا
-كنت طايش، فاكر إن الدنيا فيها حلو كتير ف ليه الحلو ده كله ما يكونش ليا.

عقدت ذراعيها أمام صدرها وواصلت حديثها
-هل لو أنا عملت كل اللي أنت عملته كنت هتغفر لي!
أحمرت الغيرة في وجهه و تهدجت ملامحه التي استقبلتهم مبتسمة.

-شوفت ملامحك قالت كل حاجه، عارف ده ليه، أو الاصح ليه بغفرلك دايمًا! اللي هيبص على موضوعنا من بره هيقول دي واحده معدومة الكرامة ازاي وازاي ووو، بس الفرق هنا أن قلبي قبل ما يحبك كان ملهوف عليك، فيه لهفة تعرف كل كل تفاصيلك، لهفة إني ابقي معاك طول الوقت، لهفتي في الكلام وإزاي بحاول افتح مواضيع عشان يطول، سر الغفران اللهفة، الحب وحده مش كفاية عشان يغفرلك كوارثك الماضية.

ثم اقتربت منه ووقف أمامه ووضعت كفها على قلبه تتحسس نبضه وأكملت.

-زي ما أنا ملهوفة عليك دلوقت ونفسي أحضنك وأحس قلبك بيقول إيه، ده بالظبط اللي كان نفسي أوصلك له، لهفتك عليا الدايمة هتفتح عينيك على تفاصيلي اللي حاجات كتير عمتك عنها زمان، كنت دايما بتعمد إنك اوقات تدور عليا متلاقينيش واوقات تانية أظهر لك فيها ويومك مدربك أو وسط نومك مع لهفتك هتنسي كل ده وتتعامل كأنك أخدت كل الباور اللي في العالم لحسابك، لو مفيش لهفة هبقي مفيش أتقل من وجودي على قلبك، فهمت أنا عملت كل ده ليه.

تناهت إليها منبهرًا بذكائها، فكيف لإمراة تجعله أسيرا لها رغم خبرته الفائقة بعالم النساء، طالعها بإعجاب وهو يدنو منها أكثر يقر اعترافه
-اسمحي لي أعترف أنك انتصرتي على قلبي.
عصفت بها سلسلة أحاسيس متتابعة، وسرت رجفة مباغتة بجسدها وبرقت عيونها بنور الفوز
-وأنا مش عايزه حاجه من العالم غير قلبك.
-يا باشا أنا كلي بقيت ليكِ خلاص.

يجب عليك أن تدرك خسارة بعض المعارك كي تكتشف أنك كنت تحارب لأجل وهم، اعترافه كان انتصارها الأعظم وما يليه من انتصارات هو مجرى منح فلا يوجد شعور يضاهي شعور فوز امرأة برجل راهنت عليه ذات يوم.

هل تمادينا في الأحلام ونسينا أن أقدارنا مكتوبة! أيعقل أن تكون الأحلام هي خطة أبليس المستهدفة للإيقاع بنا كما توعد من قبل! هل هي لعنة الشيطان التي أخبرنا الله عنها وأنها الطريقة الوحيدة التي يتسلل منها الشيطان إلى مداخلنا ليوقعنا في غرام أحداث وهمية تخالف واقعية أيامنا فنصاب حينها بنقمة السخط عما نملك ونركض في هراء خلف ما تشتهيه القلوب! والأحرى هل الأحلام حقيقة بوابة الشيطان أم جنة الدنيا التي تهون علينا شدائد الحياة!

تجرع أخر رشفة من كأس الشاي الذي بيده حيث وضعها جنبًا وشرع يهندم سترته ووشاحه المُلقي على كتفه وهو يصيح مناديًا بصوته الجمهوري علي أحد الخفر ولكنه لم يلق أي إجابة إلا صوت قمر صاحبة الابتسامه التي يبتهج لها القلب وهي تقول
- يسعد صباحك يا خالد.
- خير عليكي يا قمر، صح النوم!
دنت منه بخطواتها الأشبه بالنسيم وهي تلامس كفه وتتولي مهمة تهندم هيئته وقالت معتذرة.

- ولدك غلبني طول الليل، عيني ماشافت النوم غير الفجر.
طبع قُبلة خفيفة على جبهتها ورتب كتفها بحنو
- ربنا يقويكي.
صعقته بسؤالها المفاجئ
- مفيش أخبار عن فجر! قصدي يعني لسه مفاقتش؟

أشاحت بنظرها بعيدًا وهي تلقي سؤالها الأخير كي لا تلتقي عيونهم فترى بريق الحب الذي تمنته لها ينعكس منهما، لمعة الحب المختبئ التي دومًا ما تفضحها الأعين، بدا على وجهه الحزن الذي يتقلب في لهيبه ليلا ويتنساه نهارًا، حيث تغلب على دواخله التي تحمل عكس ما يظهره
- ربنا ينجيها.
- لسه بردو مش بتتكلم مع المقدم هشام!
أحمر وجهه بحمرة الغضب وثار عن صمته.

- هيفضل في نظري شايل دمها لأخر يوم في عمري، أنا سبتهاله عشان يحميها، لكن هو معرفش يصونها ولا يقدر النعمة اللي معاه.
علقت غصة الغيرة بقلبها وقالت بأسف
- المهم انت تقدر قيمة النعمة اللي معاك ياخالد عشان ما تطلعش خسران!
صمت للحظة مدركًا عاقبة انفعاله حيث اتبع قائلا بهدوء مفتعل
- قمر! بلاش تفتحي السيرة دي تاني!
عقدت ذراعيها أمام صدرها وكأنها تحتوي قلبها كي لا ينهار واتبعت بصوت خفيض.

- خالد لو في فرصة ترجع لها هترجع!
انفعل مرة أخرى ليخبىء الحقيقة خلف ستار ثرثرته المبالغة وقال وهو ممتقع الوجه
- أنت بتغيري من واحدة بين الحياة والموت يا قمر؟! أنت اتجننتي! ولا حصل لنفوخك أيه؟
انفعلت هي الأخرى ولكن كانت دموعها سابقة.

- اللي بين الحياة والموت دي ساكنة كل حتة في كيانك حتى وهي علي سريرها في المستشفى! أنا مش بلومك ولا بعاتبك على حاجة أنت بتحارب عشان تخفيها عني، بس بعرفك أن الست بتحس لما تكون هي الوحيده اللي في قلب جوزها، ولما واحده تشاركها ده، للاسف بيبان أوي يا خالد، عاوز تعرف ازاي!
اصاب جسدها رعشة خفيفة من الوجع واكملت بصوت أقل انفعالا ولكنه أكثر ألمًا.

-بينك وبين نفسك كدة لو فجر هي اللي مراتك كنت هتبقي معاها نفس الشخص اللي معايا؟!
زفر مختنقًا هاربًا من أسهم اتهاماتها وقال
-أف أنا ماشي.
توقفت أمامه لتمنعه من الرحيل وقالت بترجي
- ياريتني فضلت أحبك من بعيد ولا كنت قربت خطوة، أهون كتير من أنك موجود بجسمك معايا لكن روحك مع واحدة تانية! حقيقي يابختها.

أغمضت عيونه تبث شكواها لرب السماء يائسة حتى مُلأت مُقلتيها بدموع العجز التي أبت أن تشق طريقًا جديدًا على وجنتيها مفتعلة اللامبالاة وهي تسحب نفسًا طويلًا ( ‏دع كُلّ شيءٍ يأخُذ مجراه في هذه الحياة، يكفي الجُهد المُهدر المُقترن بالأذية الحتمية، تكفي محاولاتي العديدة لأشياءٍ لنّ يتعدّل اتجاهُها إلّا بكسرها. ).

انتهى نصف اليوم والجميع منشغل في تجهيزات العرس الذي سيقام بعد بضع سويعات، حيث خيمت الفوضى والدربكة على الجميع باستثناء هشام الذي قضى أغلب نهاره نائمًا لا يكترث أي أهمية لحدثهم العظيم التابع لتلك الليلة، ولا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لعايدة المنغمسة في تجهيز إطلالتها علي أتم وجه وكل ما شغل رأسها هو لون طلاء الأظافر الغير متناسق مع لون فستانها، كادت ستجن من الحيرة وخاصة الماركة التابعة له ليس باليسير توافرها في هذا الوقت، باتت تلعن كل ما يواجهها حتى اقتحم منير زوجها الغرفة بابتسامته الساحرة.

- عندك شك أنك هتكوني أحلى من العرسان النهاردة؟
زفرت باختناق وهي ترمق انعكاس صورته بالمرآة
-والله يامنير أنت رايق وأنا مش في المود نهائيا.
اقترب منها بخطواته الهادئة وضمها برفق تابعه بقُبلة رقيقة علي كتفها وقال
-واحد متجوز أعظم ست في الكون ما يكونش رايق إزاي!
رفعت انظارها في المرآة تطالعه بحب أنساها الكارثة التي كانت تشغل رأسها وتدللت قائلة
-انت هتبطل بكش أمتى!
-لما تبطلي تحلوي كده!

أسبلت عيونها بتخابث وبثقة عارمة ومازحته
-كده ضمنت أن عمرك ما هتبطل بكش!
-ودي الحقيقة لأنك عمرك ما هتبطلي تحلوي قدام عيني!
فكت يده التي تحاوط خصرها الرشيق بدلال وتستدير بخفة وهي تقول
-طيب تعالى شوف المشكلة اللي أنا واقعة فيها وتفضل حلها يا معالي الجنيرال حالًا.

فات على زواجهم شهرين، حيث باتت أعينهم وتصرفاتهم تخبرهم بالحادث الأشنع الذي ارتكباه، خطأ دفع الاثنان ثمنه ثلاثين عامًا وكل منهما تائهًا يتخبط في دروب الحياة يبحث عما يفقده والكارثة لا يعرفا عما يبحثان وجدا الكثير أثناء رحلتهم ولكن الكثير غير مشبع بالنسبة لأرواحهم الحائرة، الباحثة عن بذور الحب المدفونة، أعترفت عايدة القاسية لعايدة المُتيمة بالهزيمة وأقرت حقيقة أنك قد تكون محاطًا بكل الاشخاص بينما قلبك لن يكفيه الكل و ينقصه حياة محصورة في شخص، شخص تود أن تهزم كل شيء لتصل إليه.

فاق هشام على صوت دق باب غرفته فهتف بصوت مفعم بالنوم وقال
-ادخل
فتح مجدي الباب وهو يمازحه
-بقى جايلك نوم و ابن عمك عريس الليلة!
اعتدل من نومته بتثاقل وهو يداعبه
-دي المهمة الوحيدة اللي ماينفعش فيها تدخل ياسيادة الرائد!
ألقى مجدي على نفسه نظرة خاطفة بالمرآه وتتغلغل انامله بشعر رأسه وقال
-طيب أي دعم، نصيحة..
ثم غمز له بالمرآة واتبع
-بيقولوا اسألوا أهل الخبرة، ولا أنا جيت للشخص الغلط؟

-لا ياراجل! دلوقت بقيت أهل خبرة وجاي تاخد نصيحتي! فين كلامك بتاع زمان؟
قال هشام جملته الاخيرة وهو ينزع سترته عنوة فبرزت تقاطيع صدره الرياضي، وفتح خزانته متناولا منشفته متهيئًا لأخذ حمامه، فاستدار إليه مجدي ضاحكًا
-أنت هتذلني! بس تعرف أن ده غلطي سايب زياد الاسطورة وجاي للجوكر!
انكمشت ملامحه بغضب مفتعل وأجابه بنبرة تهديد
-طيب اتمسى بدل ما أمسيك بطريقتي وساعتها هتنسى موضوع الجواز ده للابد.

انفجر مجدي ضاحكًا
-لا وعلى ايه الطيب احسن يا ابن عمي.
تحرك هشام بتثاقل صوب المرحاض ولكنه توقف للحظة
-مقولتليش جاي لي هنا دلوقت ليه!
-لميح من يومك ياسيادة المُقدم.
-ماهو مفيش عريس هيسيب اللي وراه ويجي يتسامر معايا يعني.
-أنت صح! المهم أن اللواء نشأت باعتلك معايا رسالة، وفي أخبار مش مبشرة، ومستنيك تعدي عليه بكره، أنت موبايلك مقفول ليه
أومأ هشام رأسه بطاعة وبعض من الضيق وهو يفتح هاتفه الذي وصله بالشاحن.

-فاصل شحن.
ربت مجدي على كتفه واتبع بنصح
-ليك شهور مش مهتم بشغلك، وفي عك كتير الفترة الاخيرة، مش محتاج افكرك أن شغلك أهم حاجه مينفعش تخسرها يا هشام.
تنهد بحزن
-غيابها طالع أوي يا مجدي، كل حاجة من غيرها بقيت سخيفة.
هز مجدي رأسه كأنه متفهم الامر وأكمل
-مش بقولك انساها وتعايش عادي، بس على الأقل أرجع هشام بتاع زمان.
تقاسم الحزن معالم وجهه وأقر.

-هتصدقني لو قلت لك أنا بسأل نفسي كل شوية أنا كنت عايش أزاي من غير ما أقابلها.
رمقه مجدي لبرهة حائرًا، ثم نبش بداخله قائلًا
-ما يمكن اللي جواك ده شعور بالذنب مش حب!
لمعت عيونه بالحزن وهو يقول بنبرة عاجزة
-متفرقش معايا المسميات النتيجة واحدة وهي أنها بقيت متعلقة في قلبي مش مفرقاني أبدًا، أنا مش لاقي نفسي من يوم ما بعدت يا مجدي.

أغمض عيونه للحظة وافتعل انشغاله بهاتفه لينهي مجرى الحديث الذي لا يحمل إلا كسرته، فرفع عيونه يترقب خطوات رحيل مجدي الثقيلة الخالية من أي رد، وما هي إلا لحظة حيث انقلب الحال رأسًا على عقب وأصوات الغناء الصاخبة بالخارج تحولت صرخات استغاثة، لم يلحق مجدي فتح الشرفة ليرى ما الأمر وظهرت أمامه النيران المرتفعة تحرق كل إنشٍ بأجزاء البيت، و على حدا اشتعلت نيران جوال هشام برسالة نصية.

(حبينا نبارك لك بطريقتنا ).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة