قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الثالث

رواية الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد

رواية الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الجزء الأول الفصل الثالث

( نثرات الروح والهوى )

وصل لمطار القاهرة فكان بأنتظارهم كما أخبر خالهم، رفع ساعة يديه بضيق فكانت تنص على الحادية عشر مساءاً، أخرج هاتفه ليتصفح الأنترنت من أمامه كمحاولة لألهاء ذاته عن تأخير الطائرة الملحوظ..
_"ريان"؟!...

إعتدل بوقفته ليبحث عن صاحبة الصوت فوجدها أمامه فتاة عيناه سوداء كمخمل الليل على إنشودة القمر، فكانت ذات ملامح رقيقة للغاية بأنفها المدبدب وشفتيها ذات اللون الكرزي، تطلعت له" سارة" بحيرة من أمره فأنتظرته ليجيبها إن كان هو أم لا، طال صمته فظنت أنها أخطأت بملامحه التى رأتها كثيراً بصور تجمعه بأخيها الراحل، خرج عن صمته أخيراً _أيوا أنا "ريان".

إبتسمت "سارة" قائلة بمرح_الحمد لله أفتكرتك مش بتسمع أو مش بتشوف..
تعالت ضحكاته الرجولية الجذابة فخلع نظارته القامة لتبرز عيناه الساحرة بوضوح قائلاً بلهجة قريبة من مرحها_هما كل اللي بيلبس نظارات بيقى كفيف!..
أشارت له بخفة_مقصدش بس دا مجرد تخمين لأني بكلمك من فترة مش بترد ولا بتتحرك..

تأملها بنظرة مطولة فكاد بأخبارها بأنه تصنم محله حينما وقعت عيناه عليها هي ولكنه قال بثبات _أكيد مأخدتش بالي..
أجابته ببسمتها الهادئة_ولا يهمك...
نقل نظراته من عليها بالكاد قائلاً وهو يتفحص المكان من حولها بأستغراب_أمال فين الباقي؟.
تطلعت له بذهول_باقي مين!...
أجابها بهدوء _أخواتك!...

سكن الحزن عيناها فقالت بصوتٍ مشحون بالألم_مكنش عندي غير "خالد" الله يرحمه.
_إزاي أنا عارف أن " خالد" عنده أكتر من أخت..
قالها بأستغراب فأبتسمت بألم بعدما عدلت من حجابها بعناية_لو تقصد ولاد خالي فخالد الله يرحمه كان بيعتبرهم أخواته، لكن أنا أخته الوحيدة..
شعر بالألم الذي تسبب به لها فقال كمحاولة لتغير الحديث_لسه في شنط غير دول؟..
أشارت له بلا فأبتسم وهو يحملهم بين يديه مشيراً لها بخفة_عربيتي بره، إتفضلي معايا.

أشارت له بأمتنان ثم لحقت به للخارج، فتح باب سيارته الأمامي ففركت أصابعها بأرتباك شعر به فأبتسم على أخلاقها التي مازالت متشبثة بالعروبة رغم إقامتها بالخارج فأغلق الباب الأمامي ثم فتح الخلفي تحت نظرات ذهولها ولكن لا تنكر سعادتها به، جلست بالخلف فكاد بأن يغلق الباب ولكنه إنتبه لطرف فستانها الطويل فأنحنى ليرفعه بخفة في نفس لحظات تمسكها به لتتقابل أصابعهما بلقاء مثير بدد القلوب وسرى كتياراً حراري بالأجساد، تحول وجهها لخجل لا مثيل له، سحب يديه سريعاً ثم أغلق الباب ليجلس بالأمام بذهول مما شعر به، أعاد خصلات شعره الطويل للخلف بأرتباك ثم قاد سيارته ببطء، بالخلف إبتسمت "سارة" رغماً عنها فقالت بمحاولات للحديث _هي شقة "خالد" قريبة من هنا؟..

خرج من شروده على صوتها فقال ببسمة هادئة_مش بعيدة متقلقيش.
إكتفت ببسمة صغيرة فما هي إلا دقائق معدودة حتى وقف "ريان" أمام أحد العماير المصممة بحرافية لتليق بهذا الحي الراقي، هبطت تتأملها بنظرة إعجاب فحمل "ريان" الحقائب وتوجه للداخل مشيراً لها بخفة_إتفضلي يا أ..
ثم حك رأسه بحرج فحتى إسمها لا يعرفه، إبتسمت قائلة بخجل_"سارة" إسمي"سارة"..

أشار لها ببسمته الساحرة فلحقت به للمصعد ثم صعدت معه للطابق الرابع ليخرج المفاتيح من جيب جاكيته ليفتح بابه، ولجت للداخل بأنفاس مضطربة، دموعاً تكتسح ملامحها حينما ولجت للشقة التي جمعت أنفاس أخيها للوهلة الأخيرة، هوت الدموع كالعاصفة فأخذت تمرر يدها على أساس المنزل بألم كأنها تلامس أخيها، لاحظ "ريان" ما تفعله فقال ببسمة هادئة_إدعيله بالرحمة..
نقلت نظراته إليه قائلة بصوتٍ مكبوت بالأنين_بدعيله في كل ثانية..

ثم أشاحت دموعها ببسمة ذائفة فأشار لها بهدوء على تفاصيل الشقة ليقف أمام أحد الغرف فأطبق عيناه بقوة كأن الذكريات التي جمعتهم عادت لتحاربه من جديد فقال ببسمة هادئة_عندك كذا غرفة نوم لكن دي يفضل أنك متستخدمهاش..
قالت بتعجب_ليه؟..
ثم قالت بفضول_ممكن أدخلها؟..

تطلع لها قليلاً ثم هز رأسه بخفة ولكنه ظل بالخارج لم يلحق بها مثلما فعل بباقي الغرف كأنه خشي الولوج لعرين ذكرياته، وجدت بالغرفة تخت مزدوج بدور علوي ودور سفلي وعلى الجانب الأيسر كان هناك تخت أخر، الحوائط ممتلئة بصوراً مهولة له ولشقيقها ولكن أغلبهم كان للصديق الثالث المقرب أليهم صاحب التخت الثالث الموجود بالغرفة...
صاحت بلهفة_"ريان"..

ولج للداخل على أثر مناداتها له وخطاه بطيئة للغاية، أقتربت منه وبيدها أحد الصور قائلة ببسمة مرح_دا الضلع التالت من الصداقة المتينة اللي" خالد" كان دايماً بيحكيلي عنها، على ما أعتقد كان إسمه" جان" ؟.
تلونت عيناه بغضبٍ قاتم حينما تردد إسمه أمام عيناه، أحيت تلك الفتاة ذكريات ردمها الماضي فعاد ليخترق قلبه من جديد، لم يحتملها فجذب الصورة منها بغضب فشل بالتحكم به _مش صحيح أنا وخالد ملناش صديق تالت وياريت متدخليش الاوضة دي تاني...

وجذبها برفق للخارج ثم أغلقها جيداً بمفتاحها الخاص الذي حملها بجيب جاكيته، تطلعت له بشك فقالت بتماسك وقد ساورها الشكوك_أخويا إنتحر ليه؟..
رفع عيناه التي تحولت لهالة من الحزن والجراح إليها فأقتربت منه خطوة والدموع تكتسح معالم وجهها فأشارت له بالصورة التي تحملها _الشخص اللي بالصورة دا له علاقة بأنتحار "خالد"؟...  
ومين البنت اللي كان "خالد" هيرتبط بيها؟

رفع عيناه إليها بثبات ليضع مفاتيح الشقة على الكوماد قائلاً بثبات مريب_دا مفتاح الشقة، والتلاجه أنا ملكيتها أكل، هتلاقي كل اللي هتحتجيه، وأنا الصبح هعدي عليكِ عشان لو محتاجة حاجة وطبعاً مش هفكرك أني زي "خالد" الله يرحمه بالظبط، تصبحي على خير..
وتوجه للخروج فلحقت به بدموع_من فضلك تجاوبني على أسئلتي.
رفع عيناه إليها يتفحص ملامحها بقلبٍ يسارع بالنبض فقطع بكلماته الثابتة_تصبحي على خير يا "سارة"..
وغادر "ريان" سريعاً حتى لا يقع في براثين الماضي الأليم الذي يجمعه "بجان زيدان"..

توقفت السيارة أمام القصر، فساد الصمت بينهما، مازالت لا تستوعب ما فعلته فهل قبلت بأن تصير زوجته بتلك البساطة!، هل تحدت ذاتها دون أن تعبأ بأخيها!...
ظل كما هو مستنداً بجسده على حافة شرفة السيارة بصمت، يراقب سكونها بنظرات جانبية ليقطعها بصوته الهادئ_خلاص يا "ريم" بقيتي مراتي..

تلون وجهها بالأحمر القاتم فسيطر عليها الأرتباك، لا تعلم ما الذي عليها فعله سوى الصمت، إستدار بجسده ليكون مقابل لها فرمقها بنظرة مطولة بتفكيراً عميق أنهاه حينما جذب يديها لتنتبه إليه، أثر "سليم" الصمت قائلاً ويديه تشير على الحدود الخارجية لمملكة "زيدان" _هندخل بالطريقة اللي هتختريها يا "ريم" لو حابه نعلن جوازنا حالا هدخل معاكِ أدام الكل وأولهم "رحيم زيدان"  ولو حبيتي نستنى شوية فأنا في النهاية هعمل اللي يريحك...

رفعت عيناها إليه بحيرة من أمرها فرأى الأرتباك يشدو على ملامحها، شدد على إحتضان يدها ليبث لها الأمان_قولي اللي شاغلك..
جاهدت لخروج صوتها حينما منحها الأمان للحديث_أنا لسه مش جاهزة أواجه "رحيم".
وأخفضت عيناها أرضاً سريعاً ظناً من أن ما تفوهت به سيثير غضبه، رفع أصابع يديه بحنان ليرفع وجهها إليه فتقابله تلك النظرات القاتلة، خرج صوته المضطرب من قربه منها _وأنا هستانكي لحد ما تجهزي وتعلني بنفسك يا "ريم"...
خفق قلبها رعباً حينما صرح لها بأنها من ستعلن زوجهما، إبتسم بخبث وهو يتأمل صمتها وبداخله قسم بتحطيم خوفها المرضي للأبد فحينها ستتمكن من مواجهة "رحيم زيدان"...

قاد سيارته بسرعة جنونية كحال عاصفة الماضي التي تكاد على إقتلاع حصونه، توقف بالسيارة فجأة فأصدرت صوتٍ مخيف للغاية، إستند "ريان" على مقبضها بغضب حينما عاد لماضي لاطالما كرهه  ..

صدح صوت الجرس فأسرع "ريان" ليحمل البيتزا التي طلبها من العامل ثم قدم له المال، عاد ليحملها للغرفة التي تجمعهم سوياً، ولج للداخل فوجد "خالد" ممدد على فراشه الذي يستحوذ الطرف الأيسر من الغرفة بمفرده، وضع البيتزا خاصته على الكوماد ثم غمز له بسخرية حينما إستمع لحديثه مع خطيبته، ثم حمل ما تبقى وصعد للدور الثاني من الفراش الخاص به حيث كان يقطن "جان"،مد يديه بأحدهم قائلاً بهدوء _إتفضل...

تعجب من عدم سماعه، فرفع عيناه يتفحصه ليجد السماعات تحتل أذنيه، جذبها بغضب_ بكلمك يا عم روميو.
رمقه بنظرة هادئة ثم عاد للشرود مجدداً فاعتدل "ريان" بجلسته بصدمة _الصمت دا أخرته كارثة، وقعت مين تاني؟..
إبتسم "جان" بسخرية_أنا مبوقعش هما اللي بيجروا ورايا..
تعالت ضحكات "ريان" بسخرية_ماشي يا عم الدنجوان.
أعتدل "جان" بجلسته قائلاً بفرحه_دي بيتزا؟...

أجابه بغرور_أيوا عشان تعرف بس أن إبن عمتك أد أيه بيحبك ..
تطلع له بغضب_أنت لسه هتدي مواعظ خش عليا بالتقيل.
تعالت ضحكاته فضيق عيناه بمكر ليبدل الكرتون الدائري قائلاً بخبث لعلمه بما يحب_طب جرب بقى تأكلها باللحوم وهجرب أنا الطلب المفضل عندك الجمبري..
تحولت نظراته للغضب المميت_وحياة أمك!..

تحكم بضحكاته ليبدو ساكناً ففتح العلبة وأخرج قطعة يتأملها بتلذذ، جذبها "جان" بغضب فحاول "ريان" جذبها هو الأخر لتستقر بالنهاية أرضاً بأكملها، تطلعوا لبعضهم البعض بغضب ثم تحولت نظراتهم على الكرتون الخاص بخالد، إنتبه لهم فعلم مع يشغل فكرهم فألقي بهاتفه ليجذبها إليه سريعاً قائلاً بتحذير_اللي هيقرب من حاجتي هولع فيه..

تطلع "جان" لريان ببسمة مكر فهبطوا من الأعلى ليهجموا عليه سوياً ليصرخ بألم_خدوا البيتزا وسيبوني أعيش..
سقط "ريان" أرضاً من فرط الضحك أما "جان" فجذب البيتزا ليلتهمها بتلذذ والمرح يشكل على وجهه بحرافية  ليجذب "خالد" قطعة منه بغضب_عاندوا بعض وتيجي عليا في النهاية ثم أنكم سايبن قصوركم الفخمة وجايين تقرفوا في اللي جابوني ليه؟..
رفع "ريان" يديه حول كتفيه بمرح_بنحب قعدتك يا لوزة..
"خالد" بحدة_لم نفسك ياض.

"جان" بسخرية_لا إمسك نفسك كدا دأنا وريان فكرنا نعمل شركة مشتركة بينا وهنأخدك معانا
"خالد" بتذمر_معاكم أنتوا؟.. بتحلموا ولا أيه، ثم إني مش عايز أتزفت وكل واحد يقوم يرجع بيته مش عارف أخد راحتي في شقتي يا ناااس..
رمقه "ريان" بغضب_شقة مين يابو شقة إشحال مكناش شارين السرير المزدوج دا عشان ناخد راحتنا...
_خدوها في بيتكم ياخويا..

قالها "خالد" بصوتٍ غاضب فتمدد "جان" على فراشه بعناد_أنا مش حابب أرجع للدوشة والخناق المعتاد بين "رحيم" و"مراد" أنت حابب ترجع يا "ريان"؟...
تمدد على الفراش السفلي ببسمة مكر_أنا برتاح هنا يا جو، طفى النور يا "خالد"..
رمقهم بنظرة مميتة ثم أغلق الضوء ليتجه لفراشه بغيظ فهتف "ريان" ساخراً _لو بتوزعنا عشان ترغي مع خطيبتك فخد راحتك أنا نومي تقيل مش هسمع التفاهة اللي بينكم..

"جان" ببسمة ساخرة هو الاخر_أشرفلك بدل ما تسمع الهم اللي بسمعه طول الليل.
إنفجر "ريان" ضاحكاً حتى أنه سقط من على فراشه فشاركه "جان" الضحك لتظل نظرات "خالد" تتوزع بينهم بغضب مميت..
عاد من ذكرياته ببسمة ألم مرسومة على وجهه فلم يشعر بنسيم الصباح الذي عبئ الأجواء بعد أن قضى ليله بسيارته يتذكر ما مر من حياة جمعتهم تحت مسمى صداقة خادعة!.

بمنزل "أشجان"
إستيقظ "يوسف" من يومه فأدى فرضه بطاعة ثم خرج ليستعد للذهاب للعمل، وجدها أعدت الفطور وببسمة هادئة قالت _صباح الخير يا حبيبي.
إبتسم برضا _صباحك عسل يا شوشو، ثم جلس أرضاً بعدم تصديق_أيه دا الفطار من غير ما أطلبه!...دا إيه الدلع دا.
رمقته بنظرة غاضبة بعدما جلست أمامه لتشاركه الطعام_هو أنا مش بدلعك ولا ايه؟...
أسرع بالحديث _لا طبعاً مقصدتش بس مش اخد على النشاط دا..

وشرع بتناول الطعام بتلذذ، تطلعت له "أشجان" بأرتباك لاحظه "يوسف" فقال وهو يلوك الطعام_عايزة تقولي أيه ومترددة؟..
قالت بأرتباك وهي تجاهد بخروج الكلمات الثقيلة_لا مش مترددة ولا حاجة بس أنا كل ما أجبلك عروسة بترفض حتى تقعد معاها وأخرهم البت "نسمة" صاحبتي..
ثم بتوتر شديد قالت _هو أنت لسه بتحب البنت اللي كلمتني عنها دي؟...

وضع الخبز من يديه بغضب حينما تذكرها فقال بهدوء حاول التمسك به _بصي يا "أشجان" أنا لما أشتغلت في مطعم الجامعه دا كنت بشوف كل يوم أشكال من الناس مختلفة عننا بمراحل عايشين بس عشان تصرف فلوس بتاخدها من غير تعب، ساعتها حطيت في دماغي أن عيشتي مش زيهم فأشتغلت من غير ما أبص على حد فيهم لا من بعيد ولا من قريب بس للأسف جيت بالأخير وغلطت لأني بشر، حبيت وعقاب الحب دا أنها فوقتني على الفروق اللي بيني وبينها عشان كدا سبت المطعم ودورت على شغل تاني عشان ميجيش اليوم اللي أتقابل فيها.

إستمعت إليه بحرص وغضبها يظهر بعينها بوضوح فقالت بأستغراب _هو لسه في حد بيدور علي الطبقات والكلام الفاضي دا؟..
إبتسم "يوسف" قائلاً بسخرية_أنتِ قلبك أبيض أوي يا "أشجان" وللأسف أول نوع الدنيا بتفعصه تحت رجليها..
ثم حمل مفاتيحه وتوجه للخروج ببسمة هادئة _أشوفك بليل... خلي بالك من نفسك..
أشارت له ببسمتها الرقيقة ليضع بين يدها مبلغ من المال كالمعتاد ثم توجه للأسفل ليخرج سيارة الأجرة التي يعمل عليها لأجل قوت يومه، لحقت به الذكريات وخاصة بعد حديث شقيقته عنها فتتهد متمتم بألم_كنت فاكر أني هقدر أنساكي بسهولة يا "نغم"..

تتابعته بخطوات مرتجفة وعقل مشتت من الفكر، إعترضت كثيراً لما يفعلونه ولكن أقنعها والدها أنه لأجل سلامتها عليها أن تتزوج من المدعو الجوكر، تتابعت مسؤولة الخدم للأعلى لترشدها لغرفتها التي ستمكث بها، طافت بعيناها أرجاء القصر المميز بألوانه الفريدة من نوعها، أثاثه الجوهري وطلائه الهادئ، وصلت لغرفتها فولجت "حنين" للداخل بخطوات بطيئة تخشى القادم فمن ستصير زوجة له بعد دقائق لا تعلم هل سيعاملها مثلما أخبرها "مصطفى" أم سيتقرب منها...،

ظنت من حديثهم عنه وعن بطولاته وهيبته المصونة بأنه بعمراً ينهاز الخمسون عاماً أو يفوقه كثيراً، تعلقت عيناها البنية بباب الغرفة الذي ما أن مرت الدقائق حتى ولج "مصطفى" حاملاً بين يديه أوراق  زواجها، تطلعت له بخوفاً شديد فجلس جوارها بحنان فلاطالما كان بمثابة أبٍ لها _اللي بنعمله دا لمصلحتك صدقيني محدش هيقدر يحميكِ منهم غيره هو..

رفعت عيناها إليه بتوتر فأشار لها بثقة_إمضي يا بنتي..
إنصاعت له بالأخير فجذبت القلم لتوقع سريعاً كأنها تخطو خطوة عنوة، حمل الورقة وهبط للأسفل فصارت زوجته قانوناً بعدما أكمل المحامي الأجراءات، توجه " مصطفى" للرحيل ولكنه توقف على صوت الجوكر الذي إقترب منه بنظرة غامضة قطعها قائلاً بثبات لا يضاهي سواه_وصل سلامي لمعالي الوزير وبلغه أن بنته في أمان...
صعق فتخشب محله من شدة الصدمة ليبتسم الأخر بمكر شديد فمن تصوره خصماً سهلاً نال هو منه بأفضل السبل

بقصر "رحيم زيدان"...
كان يعتلي مكتبه بكبرياء حينما علم بمن يريد مقابلته، ولج للداخل بخطوات مرتبكة كان تريد التراجع كثيراً ولكن معشوقته كانت دفعة الحماس للتقدم، وقف أمام مقعده بصمت قطعه "رحيم" حينما إستدار بمقعده ليكون مقابل له فأبتسم بسخرية _"جان زيدان" بنفسه في مملكتي!..

رفع" جان" عيناه المحتقنة بالغضب من ذاته عليه فأشرع الأخر بغرور على المقعد لينصاع له" جان"  فجلس بهدوء، ساد الصمت الأجواء المشتعلة بنظرات" رحيم" التي يتابع كل تعبيرات وجهه بتمعن فقال" رحيم" متصنعاً الثبات _جاي ليه؟..
إعتدل" جان" بجلسته قائلاً بثبات _  إنت فاهم كويس سبب زيارتي...
قال ببسمة ثقة وعيناه تتفخصه بنظرة عميقة_اللي هي!..

شدد على قبضة يديه كمحاولة للتحكم بذاته _أنا محتاج فلوس ورثي عشان أعمل العملية لسلمى...
نهض عن مقعده ببسمة ساخرة_أممم هي شجاعة كبيرة منك إنك تجيلي هنا وتطالب بحقك اللي للأسف مش هيرجعلك..
قال بغضب لا مثيل له _يعني أيه؟..
طال صمته عن تعمد ليثير غضبه ليخرج أخيراً بعدما طافت عيناه طفرة من الحقد والأنتقام_خارج منطق الورق والكلام الفاضي دا أنا بعرض عليك ديل مش هيتكرر تاني..

تحكم بذاته بأقصى درجة فهو بحاجة له بالأخير فقال بهدوء_اللي هو؟..
 إبتسم بخبث وهو يستجمع كلماته بنظرات تخترق "جان" _مستعد أتكفل بمصاريف عمليتها وكل اللي يخصها طول ما فيها النفس ولحد ما ترجع تقف على رجليها من تاني بس بشرط .
تطلع له بأهتمام فأكمل بكلمات بطيئة متعمدة إثارة غضبه _اللحظة اللي هتوافق فيها مش هتعرف عنها حاجه حتى المستشفى اللي هتتعالج فيها مش هتعرفها يعني هتكون ميتة بالنسبة ليك..

قال كلماته ببسمة مخيفة جعلت "جان" بأقصى درجات غضبه لينهض عن مقعده قائلاً بغضبٍ جامح_أنت شخص مريض يا "رحيم" ولازم تتعالج..
إبتسم بتهكم ليقول بتحد_هنشوف مين المريض بس خاليك فاكر أني مبديش لحد فرصة مرتين.
قالها ببسمة ساخرة ثم غادر مكتبه تاركاً خلفه "جان" بحالة لا يحسد عليها...

توجهت "فاطمة" للخارج بأنتظار صديقاتها للذهاب للجامعة فأذا به يخرج من الداخل ليجدها تقف على الطريق، وقعت عيناه على يدها الملفوفة بعناية بعدما كسر فقرتها، لا يعلم لما شعر بألم يخترق قلبه حتى بعدما خاربه بعناد وتكبر، إنتبهت له فرمقته بنظرة غامضة ثم أسرعت للصعود بسيارة رفيقتها حتى لا تلتقي به مجدداً..

توجهت "نغم" لجامعتها ليس من أجل إختبارها ولكن كالعادة لتبحث عنه مثلما تفعل كل مرة فلم تفشل من عدم رؤياه، وكالعادة ما أن وصلت لجامعتها حتى أسرعت للمطعم الذي كان يعمل به لتسأل أصدقائه عليه وكالعادة يدعي كلا منهم عدم معرفتهم به، شعرت بأنهم يخفون عنها أمره بتعمد، إستغلت إنشغال أحدهما بأعداد طلبات الموكلات لتجذب هاتفه سريعاً لتبحث عن إسمه لتدونه وترحل سريعاً بفرحة عارمة فأخيراً ستسنح لها الفرصة بأخباره بحبها له وإنها فعلت كل ذلك خشية عليه هو من مواجهة "رحيم" ولكنها الأن تعاني أضعاف وعليها تقبل الأمر فقلبها يعشقه حد الجنون!...

بقصر الجوكر...
ركض بسرعة قصوى على جهاز الركض وضعاً السماعات بأذنيه فلم يستمع لمن يتحدث لجواره، أبطئ سرعتها ثم هبط يجفف عرقه المتناثر على عضلات جسده المتصلبة بعينان يشوبها الغضب ولهيب الأنتقام ..
لاحظ وجود الخادم الذي يتراقبه بخوفاً بادي على عيناه الذي يحايطهما أرضاً، تطلع له بعيناه الثاقبة وبصوتٍ حاد قال _بتعمل أيه هنا؟..
رفع الهاتف إليه بخوف_في واحد عايز حضرتك على التلفون الخاص..

جذبه منه ثم أشار له بالمغادرة ليرفعه هو بثبات ليستمع للصوت فقال بتهكم_"عباس صفوان" بيكلمني شخصياً بعد الفترة دي كلها...
أتاه صوته قائلاً بهدوء _أزيك يابني، عامل أيه؟...
أجابه بسخرية_لا والله فيك الخير أنك بتسأل بعد السنين دي كلها.
" عباس" _أنت عارف كويس السبب!..

صاح بغضب _تأيدك للحقير اللي عملته بني أدم ونسبتله أملاك عيلة" زيدان" بمنتهى البساطة..
أجابه بهدوء _"طلعت زيدان " هو اللي نسبله الأملاك يا" مراد" مش أنا ثم إن دا اخوك وعيب تتكلم عنه بالأسلوب دا.
ثار غضبه بطريقة مرعبة فقال بصوتٍ كالسهام_أخويا مات من عشر سنين وأنت عارف كدا كويس فبلاش تكدب كدبة إخترعها" طلعت زيدان " وتصدقها، نصيحة مني إبعد عن النار عشان متحرقكش..

وأغلق الهاتف بوجهه فوضع "عباس صفوان" الهاتف من يديه بغضب من عدم تغيره بعد.
_بتكلمه ليه من البداية؟..
قالها "يامن" بغضب بعدما ولج للداخل وإستمع نص المكالمة بينهما، زفر والده بغضب _بحاول أحل الموضوع بينهم الأتنين بس للأسف مفيش أمل يتحل، النار عمالة بتزيد بينهم ودا مش كويس.

تطلع له" يامن" بأهتمام _أيه اللي سبب العداء الكبير دا بينهم؟...
تطلع له بنظرة مطولة ليشير له الأخر بأن ما سيقوله سيكون سراً حربياً لذا شرع بالحديث _"رحيم" مش توأم" مراد" وبس" رحيم" كان روحه وحياته كلها، تعلقهم ببعض كان مخيف لدرجة ملهاش وصف...
" يامن" بفضول _وأيه اللي شتت العلاقة  كدا..
صمت قليلاً ليكمل بصوت منخفض_موت" رحيم"..

وقعت كلماته على مسمعه بصدمة فردد بذهول_تقصد ايه بموت" رحيم" أمال مين دا؟!..
زفر بغضب_محدش يعرف يجوبك على السؤال دا غير "طلعت" أو "رحيم زيدان" نفسه...
"يامن" بأستغراب_بس انت أقرب صديق لطلعت زيدان والمحامي الخاص به..
أشار له بتأكيد _أيوا بس "طلعت" كان بحر أسرار وكان غامض بطريقه ملهاش حلول غير الألغاز..

صمت قليلاً ليعقب بذهول_طب دا مين وليه العيلة متقبلاله بالطريقة دي؟.. انا مش فاهم حاجه
أجابه بهدوء _اللي انا عارفه أن" رحيم زيدان" كان عنده السرطان بمرحلة متأخرة، تعبه زاد بعد دخوله الكلية الحربية، فدخل لاكتر من عملية بس حالته كانت متدهورة ودا قصر على حالة طلعت ومراد والعيلة كلها بس الأصعب كان والدته اللي متقبلتش الموضوع وأصيبت بجلطة خالتها بين الحيا والموت...
_وبعدين..

قالها بلهفة ليكمل "عباس" _"رحيم" توفى بعد دخولها في الحالة دي بيوم مكنش قدام"طلعت زيدان" الا انه يخبي خبر موته عن الكل عشان مراته صحتها متتدهورش بس للأسف معرفش يخبي عن" مراد" اللي شاف وسمع كل حاجه..
صاح بلهفة_وبعدين..

أشار له بغموض_بعدها ب٣شهور زوجة"طلعت زيدان" توفت والأغرب أن طلعت فضل مخبي حقيقة موت "رحيم" وظهر للكل بطفل بعمره تقريباً، محي كل أوراق خاصة بموت إبنه وفي ظرف ساعات بقى "رحيم زيدان" هو اللي انت شايفه دا...
" يامن" بشرود_ودا طبعاً عمل إنقسام بالعيلة فخلي جزء معاه وجزء ضده فعشان يضمن أن الكل يكونوا تحت جناحه كتب كل حاجة بأسم "رحيم زيدان" دا
_بالظبط...

قالها" عباس" بعدما نهض عن مقعده _والعداء الأكبر كان من نصيب "مراد زيدان "..
" يامن" بتفكير_بس ليه طلعت زيدان ينسب واحد زي دا لعيلته وكمان يفضله عن إبنه؟!
أسند "عباس" راسه بشرود_محدش عنده إجابة للسؤال دا غير "رحيم زيدان"..

توقفت سيارات الحرس بالخارج فذلك المكان محظور إليهم منذ أعوام يرفض "رحيم" بأن يتبعوه لداخل هذا المكان، ولج للداخل بخطاه الثابت فقط صوت خطواته هي التي تصدح بالرجاء، إنتبهت  لوجوده فنهضت لتسرع إليه بشوق، تعالت ضحكتها بفرحه فقالت "نجلاء" بعتاب_ "فريد"... غبت عليا المرادي أوي بجد وحشتني يا حبيبي..

إبتسم "رحيم" بخفة وعيناه الزيتونية تلمع بلمعة خاصة لا تزوره الا حينما يقف أمام والدته التي تحمل شتات ماضيه لتفصل بين حاضره الشيطاني وماضيه البشري لتعلمه بأنه مازال بداخله قلبٍ ينبض!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة