قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني للكاتبة آية محمد الفصل السابع عشر

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني بقلم آية محمد

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني للكاتبة آية محمد الفصل السابع عشر
(
وعشقها ذو القلب المتبلد )

خرج ليتمشى معه بعد إصراراً منه بذلك، ولكن لم يتمكن من كسر حاجز الصمت المسيطر على وجه أخيه حتى بعد ما بذله لأجله، فظن بأن بخروجه معه سيتح له فرصة الحديث عما يضيق صدره ويشتت عقله بالفترة الأخيرة، زفر "فارس" بملل من صمته المبالغ به:
_وبعدين بقى أنا مخرجك عشان تمشي لوحدك!!..
أفاق "آدم" على كلماته فتوقف محله بحرج حينما وجد خطاها أسرع من أخيه، لحق به "فارس" ليقف أمامه بحزن لحالته المخيفة:
_مالك يا "آدم" فيك أيه؟!...

رسم بسمة تكاد تحتل ثغره بصعوبة، فجلس على الأستراحات المتتالية على مياه النيل ليجيبه بصوتٍ منهزم:
_أنا نفسي معنديش إجابة لسؤالك دا يا "فارس"....
جلس لجواره بهدوء محاولاً إستدراجه بالحديث:
_أنت خايف من الأرتباط بسما؟...
لوي فمه بأستنكار:
_مش عارف بصراحه بس اللي حاسس بيه أننا مختلفين عن بعض، هي ليها طباعها وأنا طباعي وعاداتي مختلفة عنها تماماً...

وضع يديه على قدم أخيه قائلاً بعقلنية:
_إسمعني يا"آدم"،" مراد" و"رحيم" خلاص الخلافات اللي بينهم إنتهت يعني أنت معتش مجبور تكمل بالعلاقة دي...
تطلع له "آدم" بنظرات تعجز عن وصف ما يشعر به فأستكمل حديثه بتحذيره الملحوظ:
_بكرا كلنا هنعيش بقصر "رحيم زيدان" يعني مفيش قدامك فرصة غير النهاردة قبل كتب الكتاب، أنت لسه فيها، تقدر توقف كل دا حالا، قبل ما ترجع تندم تاني...

الصمت سكن بغرفه من جديد فحتى إجابة سؤاله لم يمتلكه، لا يعلم أيود الأقتراب منها أم البعد لأميال، صدح هاتفه برنين مزعج أخرجه من شروده بها ليجدها تنير شاشة هاتفه كما تضيء،إرتبكت أصابعه على الهاتف لا يعلم لما خفق قلبه بجنون،هذا الابله الذي قابل العديد من الفتيات يفشل بالتعارف على الحب الحقيقي الذي إستعوذ على كافة أحاسيسه،رفع الهاتف ليستمع إليها بملامح أعدت بأنزعاج تهيأ لما ستقوله من مشاكستها المعتادة ولكنه تفاجأ بصراخها بأسمه بصوت مقهر يغلبه الخوف والرعب لتشرع بعده بالكلام المرتبك والغير مفهوم:
_"آدم"،إلحقني أرجوك أنا خايفة أخرج ومحدش سامعني...

نهض عن المقعد بصورة مفاجئة لما يستمع إليه وكأن النار مست جسده بأكمله ليسرع بالحديث:
_"سما"!!....
بكت بجنون لتكمل حديثه المهتز كحال جسدها الذي ينتفض كلما إقترب أحداهما من الباب:
_متتخلاش عني أرجوك...
أسرع بالحديث بعدما هرول تجاه سيارته السوداء المصفوفة على بعداً منهم:
_أنتِ فين يا "سما"؟...

على الطرق على الباب فأنخرطت بموجة من البكاء الحارق لتخبره بصعوبة عن محلها، طمنها بحديثه بأنه سيصل إليها بأقرب وقت،فأغلق هاتفه ليفتح باب سيارته سريعاً،إستوقفه"فارس" بقلق مما يبدو على ملامحه:
_في أيه؟!...
أجابه وهو يهم بالصعود:
_معرفش،مش قادر أفهم منها حاجة غير أنها واقعة بمشكلة....
أشار له"فارس" بعدما صعد لجواره:
_طيب إركب أنا جاي معاك...
وبالفعل صعد ليقود سيارته بأعلى سرعة للمكان المنشود وقلبه يتمرد خوفاً من بين أضلاعه وكأنه يحمل إجابة سؤال "فارس" رغماً عن صمته القاطع!....

إزدردت حلقها الجاف برعباً جلي وهى ترأه يجلس أمام عينيها بثبات ونظرات تشتعل بالغضب الكفيل بالقضاء عليها...
نهض "جان" عن مقعده ليقف أمامها،تخلت عنها الكلمات فقالت بأرتباك وتشتت بالكلمات:
_أنت دخلت هنا إزاي؟....
رُسمت بسمة المكر على وجهه ليردد بهمساً تعمد جعله مخيف قدر ما تمكن:
_دا سؤال يتسأل لجان زيدان!...

ثم إقترب منها أكثر حتى حاوطتها بين الحائط ويديه ليستكمل حديثه بنفس نبرة الصوت:
_أنا أدخل المكان اللي أحبه وبالوقت اللي أختاره...
وإنحنى ليستكمل همسه الخبيث:
_وأعمل اللي أحبه...
ولف معصمه حول رقبتها ليضغط عليها بالقوة قائلاً ببسمة مخيفة:
_يعني تقدري تقولي أن مستحيل حد يخلصك من الموت...

إحتقن وجهها بشدة جراء قبضة يديه القوية،فحاولت أن تتحرر منه وبصعوبة تمكنت لتسقط أرضاً،فزحفت بأنفاساً متقطعة...
حاولت الحديث وهى ترأه يقترب منها مجدداً فقالت بكلماتٍ متقطعة:
_أنت بتعمل أيه؟!!...
إنخفض لمستواه ليصيح بغضب وهو يجذبها ليوقفها أمامه من جديد:
_اللي كان من المفروض يتعمل مع أول محاولة ليكي لقتل "سلمى" ومع ظهورك بحياة "خالد" عشان تكوني جانبي وتحاولي تثيري إهتمامي فأرجعلك من تاني...

ولطمها بالقوة مستكملاً حديثه المتعصب:
_وبسببه خسرت أعز أصدقائي،ودلوقتي راجعه عايزة تفريقني عن "سلمى" تاني فحبيت أحقق وعدي ليكي عشان ما تفتكريش أني كنت بهددك بس...
إبتلعت ريقها الجاف بصعوبة وهى ترأه يكاد يقتلها فقالت مدعية البكاء لتلجأ لحيلة ذكية للخروج من مقتله المحتوم:
_صدقني أنا ماليش ذنب،"مايسة" هانم هي اللي طلبت مني أعمل كدا...

جحظت عينيه بصدمة غلفت جسده بطبقة باردة حتى أنه شعر بأنه يتجمد كلياً،فتحررت يديه من على خصلات شعرها تدريجياً،فرك وجهه بيديه بقوة ليعد لوعيه مردداً بتعصب:
_كدب،خدعة جديدة من الزبالة اللي بتعمليهم ...

أشارت إليه برعب بالنفي،وهرعت لحقيبتها الصغيرة الملقاة أرضاً لتجذب الهاتف منه ثم فتحت الرسائل التي تجمع حوارهما وتسجيلاتها على رسائل (الواتساب)،ليته كان جثمان لا يعي قدر الحياة قبل أن يستمع بآذناه صوت والدته المصون وهي تشرع بكرها الشديد إلي من عشقها حد الجنون،أردت تحطيم علاقته الذي سعى إليها وإنتظارها لسنوات متتالية،لم يشفع إليه معاناته التي شهدتها بعينيها وهي ترأه يترقب عودتها بفارغ الصبر حتى أنه زهد النساء لأجلها...

تعثرت خطواته وهو يتوجه للخروج بعدم إتزان وكأنه فقد التحكم بجسده كلياًّ فخرج من شقتها بصعوبة ليصل للمصعد بثبات مخادع لمن تراقبه بخوف وتراقب من عقابه المختار لتجده ينسحب بصمت...
صعد لسيارته ليصل أمام المقود لدقائق يستعيد بهما عقله المفقود،يحاول تجميع معلوماته في كيفية إستعمال سيارته،أفقدته الصدمة كل ما يمتلكه ليصبح بائساً محطم،فجاب بخاطره سؤالا واحد،هل تكره الأم رؤية سعادة أبنائها حقاً؟....

ضرب المقود بقوة ألمت يديه ليصرخ بجنون:
_لـيه!!!....ليه بتعملي معايا كدا؟!!!...
وشغل المحرك لينطلق بسرعة جنونية عودة للقصر لمواجمة من أردت تدميره ببعده عنها!!...

وصلت سيارة "رحيم زيدان" للقصر فهبط منها بخطوات مسرعة تجاه الباب المقابل إليه،فوجده يهبط بمفرده دون حاجته للمساعدة،رسمت بسمة خفيفة على زاوية فمه ليردد بهمساً ساخر:
_لو تعبان إسند عليا وسيبك من المظاهر...
خطى "مراد" بضع خطوات ليرفع عينيه الزرقاء إليه ببسمة هادئة ممتنة عما فعله لأجله:
_متقلقش عليا أنا متعود أساعد نفسي بنفسي...
أشار له "رحيم" بأستسلام:
_زي ما تحب...

ورفع يديه ليطرق بهما طرقة خفيفة فأذا بحازم يسرع لتلبية ندائه فقال وعينيه تتفحص القصر من حوله:
_كله تمام؟...
أجابه "حازم" بتأكيد:
_كل اللي أمرت بيه تم يا باشا،الهوانم بالمكتب السري لحضرتك من بدري...
أشار له ببرود:
_أوكي،روح أنت...
ضيق "مراد" عينيه بأستغراب:
_أيه لزمته كل دا؟!...
رفع حاجبيه بأستنكار:
_كسبت حربين لسه واحدة...
تطلع له بعدم فهم فأبتسم "رحيم" بخبث:
_أنت ناسي أن لسه ليها إبن عم،وعلى حد علمي أنه أصعب من الأتنين اللي قتلتهم يعني لازم تكون حريص...

زفر بملل زهو يعيد خصلات شعره المنصاعة لتيار الهواء الليلي للخلف:
_وسيادته دخلته أيه دا،أومخبئه فين؟!
إحتلت المعالم الشيطانية وجهه بنجاح ليبتسم بخبث وبلهجة تفوح منها الشر قال:
_لا دا تسبهولي،إعتبره هدية جوازك....
تعالت ضحكات "مراد" ليضم صدره بيديه بألم مشيراً له بمعصمه:
_تاني يا "رحيم"!،تاني؟!..

غمز بزيتونية عينيه الساحرة:
_تابوت واحد مش هيأثر على البشرية ولا أيه!..
أشار له بأستسلام:
_أعمل اللي يريحك،المهم دلوقتي توديني لمرأتي...
وكاد بأستكمال خطاه للداخل ولكنه توقف حينما تمسك"رحيم" بذراعيه قائلاً بخفة:
_مستعجل على أيه!...
تطلع له بأستغراب:
_لسه في مصيبة جديدة ولا أيه؟!...

إبتسم "رحيم" ليضع يديه بجيب جاكيته الأسود بثقة:
_والله لو أنت شايفها مصيبة فأنت من أهلها وأدرى بدا أكتر مني...
صيق عينيه بعدم فهم:
-هي مين!!..
أتاه الرد من خلفه بغضب:
_بقى أنا مصيبة يا "مراد" ماشي،دأنت حتى الدكتور قالك ساعة وتخرج وأنت قولت يا فكيك
إستدار ليجد "يارا" تهبط من أحدى سيارات حرس "رحيم زيدان"،فرفع يديه على جبينه بضغطة خفيفة ليردد بذهول:
_نسيت إزاي!...
ردد"رحيم" بهمساً منخفض:
_أنا مبنساش....

إبتسم "مراد" على كلماته الخبيثة التى تمنحه نظرة دقيقة على جزء من شخصية "رحيم زيدان" الغامضة...
إنكمشت ملامح وجهها بذهول حينما رأته يحمل كتفيه برباط يطوف برقبته،أسرعت إليه بلهفة وعينيها تتفحص ذراعيه بتفحص:
_أنت كويس؟...
تطلع لما تتطلع إليه ببسمة هادئة:
_حاجة بسيطة متقلقيش...

ضيقت عينيها بشك فأكدت لها بسمته الخبيثة بأنه طلق ناري وليس مجرد كسر،قطع "رحيم" الصمت قائلاً بلطف:
_أكيد أنتِ راجعة تعبانه...
ثم أشار للخادم بهدوء:
_خد الهانم لأوضة الضيوف....
إنصاع إليه فأبتسمت له بأمتنان ثم غادرت مع الخادم أما "مراد" فلحق برحيم لمكتبه بلهفة لرؤيتها...

توقف "آدم" أمام المكان المنشود فهبط من سيارته بأقصى سرعة يمتلك،قصد الطريق للداخل ولكنه تفاجأ بشاب طويل القامة يسد طريقه قائلاً بطريقة عملية:
_أسف المكان مقفول...
تطلع له "فارس" بأستغراب بعدما إنضم ليقف جوار أخيه:
_بس الأماكن دي مبتقفلش غير وش الصبح!...
إرتبك الرجل بوقفته ليتحدث بهدوء بعدما أوجد حجته:
_أيوا بس النهاردة محجوز،سهرة خاصة...

راقبه "آدم" بصمتٍ قاتل وهو يدرس أصغر تفاصيله ليدفشه بغضب ويسرع للداخل غير عابىء بصراخه به،كاد الحارس بأن يلحقه للداخل ولكنه توقف حينما جذبه "فارس" مدعياً الهدوء ليتحدث بنبرة أثارت قلق الرجل:
_إهدى كدا عشان منعملكش مشاكل..
أجابه الرجل بشجاعة مصطنعة:
_المشاكل دي هتكون ليكم لما أطلبكم الحكومة وألبسكم قضية سرقة أنتوا الجوز...

تعالت ضحكات "فارس" ليقطعها مرة واحدة بتظرات مميتة،رفع ياقة الرجل بيديه ليجذبه إليه بقوة هامساً بسخرية:
_شكلك متعرفش مين اللي وقعت معاهم،أو يمكن أنت مبتقرأش جرايد أو مجلات تهيألك من هما عيلة"زيدان" أو على الأقل تتعرف على أفرادها...
إبتلع الرجل ريقه الجاف بصعوبة ليستكمل "فارس" كلماته بتحذير وبنظرات جعلت الرجل يقتل رعباً:
_كدا تعجبني،خليك عاقل كدا وإدعي ربنا أن كلامك يكون صح لأنه لو غلط هتدفع التمن غالي أوي..

أسرع الرجل بالحديث بخوف فقال بأرتباك:
_يا باشا أنا ماليش دعوة هما اللي هددوني أني أمنع حد من الدخول وأ...
لم يستمع "فارس" لباقي كلماته فهرع للداخل مسرعاً حينما تأكد حدث أخيه ليكون لصفه خشية من أن يصيبه السوء...

بالداخل...
نجح أحداهما بأقتناع الحارس بأن يخلي المكان بطريقة غير ملفتة مقابل مبلغ باهظ من المال،وبالفعل إستجاب إليه وشرع بذلك فما أن تأكدوا من أن المكان أصبح فارغ بهما حتى بدأوا بتحطيم الباب الذي تحتمي به...
تراجعت "سما" للخلف برعب وهي تحتضن ثيابها وكأنهما أعز ما تمتلك،غزت الدموع وجهها دون راجع لتردد بصوتٍ هامس مرتعش:
_يارب أحميني منهم يارب أموت أشرفلي...
قالت الكلمات بدموع لا تتوقف ليحل على تفكيره طيفه الخفي فرددت بأمل خافت:
_"آدم"...

قالتها ببكاء وكأنها تتمسك بأخر رمق لحياتها للخروج بما تمر به،تحطم أملها مع حطام أخر ركلة للباب الذي إنهار حصونه ليجذبوها بالقوة للخارج،صرخت بجنون حينما تمسك بها أحداهما بقوة ليحرر خمارها الفضفاف من عليها فتبقت بالأسكارف الصغير الذي ترتديه أسفل خمارها الزهري،بكت بجنون وهى تحاول دفعهم بعيداً عنها ولكنهم كانوا يحكمون بقبضتهم على يديها،فكيف ستقوى على ثلاث رجال وهى بمفردها!،ورغم ذلك بذلت ما بوسعها لتحرير ذاتها مما تمر به...

بحث عنها بكل مكان بالخارج حتى تسلل لمسمعه صوت صراخها وإستنجدها بأي أحد بالمكان،ركض "آدم" تجاه الصوت ليقف مصعوق محله حينما رأى من يقيد حركاتها ومن يقف أمامها يحاول تجرديها من ملابسها!...

لم يشعر بذاته الا حينما وقف أمام هذا اللعين ليلكمه بقوة أسقطته على الحائط فرفعه عليه بعدما أحكم يديه حول رقبته بغضب يشتعل بحدقتي عينيه،تركها الرجلين حينما رأى صديقهم يتعرض للهجوم من شخصاً مجهول فحاولوا تحرير قبضة"آدم" المحكمة،فلكموه بأماكن متفرقة بجسده،شعر بالألم فحرر قبضته من على رقبته ليحاول الدفاع عن ذاته ليصبح منفرد بالقتال أمامهم..،

تراجعت "سما" للخلف بصدمة وعدم إستيعاب لما يحدث حولها وكأنها ترى حلم مزعج أطاح بها للهاوية،قيدوه وكادوا بضربه بزجاجة الخمر الفارغة ولكن تدخل "فارس" ليحول الضربة للرجل بالزجاجة التى تهشمت على رأسه لتقتص منه فتحرر "آدم" من قيدوهم ليلكم أحداهما بغضب مميت ليجذب هذا اللعين مجدداً ليطيح به أرضاً وينقد عليه كالفريسة الصائغة لينهش به دون رحمة أو شفقة لما إرتكبه حتى فقد الوعي جراء ما تعرض له أو ربما فقد الحياة بأكملها...

جذب "فارس" "آدم" بقوة:
_خلاص....
لم ينصاع إليه وظل يلكمه بغضبٍ وبكل ما أؤتى من قوة فصرخ به أخيه:
_كفايا يا "آدم" الواد مات تحت أيدك..
وأبعده عنه بصعوبة والأخر مازال يتأمله بنظرات لم تهدأ نيرانها،شهقات بكائها من أعادته لأرض واقعه لينتبه إليها،وجدها تجلس أرضاً بزاوية منفردة عنهم تتابعهما بعينيها وخوف يشق وجهها كالرعد..

هبط "آدم" لمستواها ليصيح بغضب شديد:
_أيه اللي جايبك الأماكن الزبالة دي!!...
لم تجيبه وإكتفت بالبكاء فقط فجذبها "آدم" من ذراعيه بغضب لتقف أمامه بأنصياع وكأنها فقدت قدرتها على تحريك جسدها الثقيل:
_عاملالي فيها محترمة ونازله كبارية،طيب ليه اللبس المحتشم دا ما تلبسي عريان أفضل...

كلماته مثل السوط الذي جلدها بقسوة ألمتها أكثر من جرح ذراعيها الغزير حينما حاولوا رغمها على ما يريدون،إنزعج "فارس" من حديث أخيه المهين فقال بغضب:
_أيه اللي بتقوله دا!.
أجابه بسخرية وهو يتطلع لها:
_بقول أيه يعني،أنت شايف بنفسك أحنا واقفين مع الهانم فين؟!...الحمد لله أننا مجبنهاش من شقة مفروشة...
_"آدم"...

تفوه بها "فارس" بحدة ليدفشه بعيداً عنها بحذم وبغضب يثور بعينيه:
_أنت زودتها أوي ...
وجذب خمارها الملقي أرضاً ليضعه علي كتفيها ثم أشار لها بحنان وبهدوء يتغمد قلب الفارس الغيور على نساء عائلة محبوبته!:
_إمشي يا "سما"...

كانت تلتزم الصمت فلم تتفوه بأي كلمة من البداية فأن أخبرته بأنها لم تكن تعلم بأنه ملعي ليلي الا بعدما أتت لهنا لما صدقها،إتبعت "فارس" للخروج فلحق بهما "آدم" بصمت ليرأها وهى تحاول إرتداء خمارها ليرى نزيف ذراعيها بوضوح،أسرع بخطاه حتى صار من يسبقهم ليقف أمامها بصدمة وهو يرفع طرف أكمام ذراعيها،وجدها تمتلك جرح عميق ومع ذلك لم تصرخ ألماً كانت تلوذ بالصمت لعلمها بخطأها الجسيم،قال بخوف عبرت عما يفيض بالقلب لها:
_ محتاج خياطة...

ثم أشار لفارس بلهفة:
_فين أقرب مستشفي؟...
إبتسم وهو يرى حبها يلمع بعين أخيه فأكمل طريقه للسيارة ببسمة هادئة:
_قريبة متقلقش...
تمسك بها للسيارة وهى كالدمية تتحرك معه أينما اراد وبأي مكان،فتح باب السيارة الخلفي فصعدت وصعد لجوارها...

قاد "فارس" السيارة للمشفى وهو يخطف بعض النظرات بالمرآة لأخيه الذي يجلس بالخلف لجوارها،عينيه تتطلع لجرحها بلهفة،حاملاً ذراعيها بين يديه حتى تلوثت ثيابه بالدماء وهو يحاول إيقافه بالمناديل الورقية،طافت عينيه على الخاتم الذي ترتديه ليمر ذكري هذا اليوم على خاطره فأبتسم رغماً عنه حينما تذكر كيف تمت خطبتهم بسابقة لم تحدث بعهدها...

توقف "فارس" أمام المشفى ليتمكنوا بعد ذلك من الصعود للطبيب الذي قام بعمله،كاد "آدم" بأن يلحق بالطبيب لداخل الغرفة ليكون لجوارها ولكنه توقف حينما تمسك به "فارس" مردداً ببسمة خبث:
_أنا عرفت الأجابه على سؤالي،يعني تقدر تكتب كتابك معانا بكرا...
وغمز له بعينيه ليدلف فارس خلف الطبيب وتبقى "آدم" محله بصدمة من كلمات أخيه ليسأل ذاته بذهول هل أحبها بصدق؟!..

فتحت "سارة" باب المنزل بعد عدد من الطرقات المتتالية فهرولت لترى من بقلب يرجو بأن يكون معشوقها،تلاشت بسمتها تدريجياً حينما رأت من يقف أمامها فقالت بأرتباك:
_"مروان"!!..

بفيلا "عباس صفوان"...
أخبرتها الخادمة بأن هناك من يريد رؤيتها بالأسفل ويرفض أن يخبرها بكنايته،فتوجهت"هنا" للأسفل بأستغراب لهذا الضيف الذي يرفض أن يخبر الهادمة بأسمه،وجدت من يقف ويوليلها ظهره فقالت بأستغراب:
-أفندم،حضرتك طلبت تشوفني!...
إستدار بوجهه أمامها لتردد بصدمة إكتسحت معالم وجهها:
_"سليم"!!!...

جابت الغرفة ذهاباً وإياباً والقلق ينهش قلبها عليه،فشلت "أشجان" بتهدئتها فحتى هي بحاجة لمن يهدئها بعدما تعرضت لما رأته....
فتح باب الغرفة ليطل من أمامهم "مراد" فأسرعت "حنين" لأحضانه ببكاء حارق مرددة بصوتٍ بح بالبكاء:
_كنت خايفة أخسرك..

إحتضنها "مراد" مطولاً بأنفاس كانت تعلو صوتها كلما تبقت جوار خفق القلب العاشق لرائحتها الطيبة،يقولون أن لكل عاشق قلب ينبض وروح تحوم ورائحة مميزة يستنشقها من أحب كل شيء متعلق به فيصبح بدونها كالمتعاطي المجنون الذي يبحث عن إدمانه وهكذا هي بالنسبة له،إدمان لا علاج له سوى الأقتراب...
تملك ذاته أخيراً وخاصة حينما إنتبه لوجود "شجن" وبدخول "رحيم" للغرفة هو الأخر،تعلقت عينيه الزيتونية بمن تقف بالغرفة قريبة منه ولكن تفرقهم أميال ومسافات يفشل بتقلصها مهما فعل ومهما حارب لأجلها...

تباعدت "حنين" عنه بخجل شديد،ففركت أصابعها بتوتر وإرتباك،إبتسم "مراد" وهو يتأملها فتمسك بيديها متوجهاً للخروج ليشير لرحيم ببسمة هادئة:
_تصبح على خير يا شريك...

إبتسم "رحيم" على لقبه الجديد المضحك وكأنه شريكه بالمصائب والقتال الذي سيفتك بهم جثث لا محالة ذات مرة،إكتفى بأشارة بسيطة إليه فخرجوا من الغرفة لتتبقي من لبست ثوب الأرتباك والتوتر لوجودها معه بمفردها فأسرعت بخطواتها للخروج،وضع يديه أمامها ليسد طريقها قائلاً دون ملامستها:
_مش هتعرفي تخرجي من هنا لوحدك،خاليني أساعدك..

لم تنصاع إليه وخرجت من الغرفة لتجد طرق مظلمة وملتوية بطريقة غريبة،وكأنها بشق جبل وليس بمكان ما بقصره المتفرع،عادت للخلف خطوتين وكأنها إنصاعت إليه أخيراً،واضعة عينيها أرضاً بترقب لخطاه،إبتسم "رحيم" على إقتناعها الذي أتى بعد معاينة ليخرج من الغرفة بمنحنى جانبي سري فلحقت به لتجد ذاتها بالحديقة الخلفية للقصر...

وقف بأنتظارها حتى خرجت فكادت بأن تكمل طريقها للقصر ليتمسك بذراعيها:
_"شجن"..
تطلعت ليديه بغضب فرفعهما عنها مردداً بسهو:
_أسف...
ثم قال بهدوء:
_طيب ممكن نتكلم شوية...

تطلعت له بحيرة فأشار لها على الطاولة المقربة منهم على مسافة بسيطة،جلست عليها بأرتباك وهى تترقب حديثه،تطلعت على القصر المنصوب أمامها بكبرياء بعدما جلست بمقابله ليبتسم قائلاً بهدوء:
_شايفة أيه يا "شجن"؟..

تطلعت له بنظرة متفحصة ثم قالت بصدق تفوه من قلبها بدون زينة للكلمات:
_شايفة قبر كبير جدرانه متزينة بأجمل ما يكون ومن جواه بير غويط وريحته كلها ذنوب ومعاصي،شايفاه مجرد قبر إتدفن جواه أكتر إنسان إتمنيت كل ثانية أنه يكون عايش لحد مأنا دخلت القبر دا...

وتنفست بصعوبة لتستكمل كلماتها الثقيلة على أنفاسها:
_مبحسش فيه بالبهجة ولا بشوفه جميل،مش بحس بيه غير بطلوع روحي ونفسي اللي مش بقدر أخده وأنا جواه،والأصعب من كل دا لما بشوفك أنت شخصياً...
ثم قالت بدموع والأخر يستمع لها بصدمة وعذاب يرهق أعتى الأجساد:

_عيونك بتعذبني أكتر من المكان دا،بتعاتبني بذكريات مش عايزة أفتكرها،فكرة أن الشخص اللي بيملك العيون دي هو نفسه الشيطان اللي كرهته من كل قلبي ودعيت عليه بالموت بتعذبني،غصب عني بفتكر اللي حصل معايا ومع أخويا،غصب عني بحط إفتراضات أن لو بنت تانية غيري كانت ممكن تكون جوا السجن دا ويحصل معاها اللي أنت وقفته أنه يحصل معايا لمجرد أني"شجن"،وسؤال كتير بيلاحقني يا ترى أنت ظلمت كم حد بحياتك ويا ترى لسه هتظلم مين؟!..

شعر بنيران تلتهم غرف قلبه الأربعة لتذيقه ألم يختبر مذاقه للمرة التي تعدت المليون،عانى ومازال يعاني ببحر إستنذف مهاراته ومازال يطالبه بالمزيد...
خرج"رحيم زيدان" عن صمته المطول قائلاً بصوتٍ يجاهد للثبات:
_أنتِ حكمتي بدون ما تسمعيني أو حتى تشوفي أنا شوفت أيه بس جاهز أخدك بجولة صغيرة كدا بحياة الشيطان اللي أنتِ شيفاه..
وجذبها من معصمها بالقوة ليدلف للداخل قاصداً جناحه والأخرى تحاول جذب يدها قائلة بخوف وهى تصعد خلفه الدرج:
_أنت رايح فين سيبني...

أجابها دون النظر إليها وهو يفتح باب غرفته:
_متخافيش يا "شجن"...
ودفعها للداخل برفق ليغلق باب غرفته،إبتلعت ريقها بصعوبة وخوف من إنفردها معه بمكان واحد فقالت بصعوبة بالحديث حينما رأته يخلع جاكيته ويحرر أزرار قميصه:
_أنت بتعمل أيه؟..
إبتسم بألم ساخر وهو يلقي بقميصه أرضاً:
_بوريكي جزء من القبر اللي أنتِ فشلتي توصفيه...

جحظت عينيها مما رأته فرفعت يديها تكبت شهقات بكائها وهى تحاول إغلاق عينيها عما ترأه من إصابات مذرية تفتك بصدره وبطنه وبكتفيه العلوية وكأن هناك من مرر نصل السكين على كل شبر بهما،عينيها بكت وقلبها شهق مما رأته حتى أنها تراجعت للخلف لتسقط المزهرية من على الطاولة دون أن تعي فأنعطفت تجاه الأخر لتستقر محاصرة من الحائط ومن معاناتها التى تقف أمامها،وقف أمامها يتأمل نظراتها ببسمة ساخرة ليردد بأسى:
_كنتِ عايزة تعرفي أيه اللي حولني بالشكل دا،يا ترى الأجابة كافية ولا أضيف كمان الأيام اللي قضيته بره الحبس بس بمعتقل أكبر وكلبشات أوسع...

إقترب منها أكثر ليهمس جوار آذنيها بألم:
_عايزة تعرفي أنا شوفت أيه هنا بالبيت دا؟..
أشارت له بجنون وكأنها لم تعد تحتمل فيكفي القدر الذي رأته:
_لأ، لأ...
إبتسم وهو يرأها مغلقة العينين وتصرخ بهسترية به بالا يكمل حديثه فردد بصوتٍ منخفض يحمل آنين عوالم بأكملها:

_أنتِ مش قادرة تبصي على جزء من معاناتي،أنا عايش معاها لحظة بلحظة وثانية بثانية وكان ممكن أتحمل أكتر من كدا عشانك يا "شجن"، عشان"فريد" اللي عرفتيه مكنش يقدر يعيش ثانية وهو شايف الحيوان دا عايش أما "رحيم" اللي قدام عيونك فدا شخص ميت،كان عايش عشان يقتص من كل حد سببله أذي ولو صغير في يوم من الأيام لحد مأنتِ رجعتي بذكرياتك ترجعي جزء من حياته فحاول أنه يغير نفسه ويرجع زي ما كان رغم الصعوبة والعقبات اللي هيشوفها بس حاول لكن أنتِ إستكتري عليه أنه يلاقي نفسه يا "شجن"،أنتِ كمان دفنتيه بالحيا وطلبتي منه أنه يخرج من التابوت اللي تحت كوم من التراب لوحده بدون مساعدة،أنتِ بتشيلي الأمل اللي ربنا زرعه برجوعك ليه يا"شجن"..

وتركها وتراحع للخلف ليتطلع لها بنظرة أخيرة ثم خرج من الجناح بأكمله تاركها خلفه بحالة لا ترثي لها من الدمعات والقهر عما أصابه فجلست على المقعد بأستسلام وتفكير يكاد يفتك بها...

بقصر"جان زيدان"...
ولج للداخل بخطوات هادئة للغاية ليجد الجميع بالداخل،إقتربت منه والدته بقلق:
_كنت فين يا حبيبي قلقتتي عليك أوي...
إبتسم بألم وهو يتطلع لتمثيلها الحرفي ليتركها تتأمله بأستغراب ثم إقترب من"سلمى" ليجذبها من ذراعيها وشقيقه،تطلعت له "فاطمة" بأستغراب وهو يجذبها للخارج معه:
_في أيه يا "جان" أخدني فين!..

لم يجيبها وتوجه بهما للخارج،وقفت والدته أمام عينيه قائلة بذهول:
_في أيه يابني وواخدهم على فين؟!..
أجابها بنظرات تشع بوميض غامض:
_هخرج من هنا وهما معايا مهو بصراحه أخاف أسيب أختي ليكي تدبري ليها مكيدة ولا حاجة فتبعديها هي كمان عن "يامن" ومش بعيد تكوني أنتِ اللي سلطتي الكلب دا عشان يقتله..

صرخت به فاطمة بصدمة:
_أيه اللي بتقوله دا أنت إتجننت..
أجابها ببسمة هادئة ودموع تلمع بعينيه:
_يارتني كنت مجنون وأنا بكتشف حقيقتها وخططها الدانيئة مع الزبالة دي عشان تفرق بيني وبين "سلمى"..

وقعت كلماته على الجميع كالصاعقة ليشت البعض عن التفكير ولكنها بكت بحسرة والبكاء كأعتراف بجريمتها فقالت بدموع غزيرة:
_أنا محبتهاش وقولتلك ألف مرة مش عايزة البنت دي وأنت رفضت تسبها..
تأملتها"سلمى" بصدمة من كرهها الشديد الغير مبرر،فماذا فعلت لها حتى تنال هذا القدر الوفير من الحقد تجاهها!!...
إقتربت منها "فاطمة" بصدمة:
_إزاي!!،لا مش ممكن أصدق،معقول أنتِ اللي حرضتي البنت دي على "جان"!!...

أجابتها بدموع:
_كان غصب عني...
لم يعد يحتمل سماع المزيد فجذب سلمى ليخرج بها من هذا المكان لتلحق به فاطمة بعدنا شيعت والدتها بنظرة حزينة على ما إرتكبت...
توجه للصعود بسيارته للخروج من هذا المكان بأكمله ليجد من يقف أمام سيارته قائلاً ببرود:
_على فين؟!..

تسللت"حنين" على أطراف اصابعها لتهبط للأسفل وهى تتفحص الطريق جيداً خشية من رؤية الحرس،فرفعت صوتها الهامس بعض الشيء:
_أنت فين يا صديقي الصدوق،أخرج الجو أمان...
تعالت ضحكات من خرج من مخبئه ليداهمها بكلماته:
_أنتِ بتحضري عفريت!!..

إقتربت منها لتقدم له الطبق المغلق جيداً قائلة ببسمة واسعة:
_جبتلك محشي ورق عنب بس أيه لوز اللوز مهنش عليا أنام من غير ما أجبلك العشا..
تعالت ضحكات "طلعت زيدان" ليشير له بعدم تصديق:
_أنتِ مش طبيعية!!...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة