قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني للكاتبة آية محمد الفصل الثامن عشر

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني بقلم آية محمد

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني للكاتبة آية محمد الفصل الثامن عشر
(
وعشقها ذو القلب المتبلد )

إرتعبت أواصرها حينما رأته يقف أمامها،كشفت حقيقتها أمامه ولكن مازالت تحتفظ بالرد المناسب حسب مخططاتها الكاملة لأى فعل ستتعرض له،حافظت على ثباتها قدر ما إستطاعت لتشير له على المقعد بهدوء:
_إتفضل....

ضيق عينيه بأستهزاء على تعاملها السمج معه وكأنها لم تفعل شيئاً،فقال بصوتٍ تعمد جعله أكثر حدة:
_أنا مش جاي عشان أقعد،أنا جيت عشان أقولك كلمتين وأتمنى أنك تفهميهم كويس أوي...
تطلعت له "هنا" بأستغراب فقد ظنت بأن سبب قدومه لصالحها وإن كان فيه إنكشاف لأمر كنايتها الحقيقة فقالت بمكر :
_يعني الأكيد أنك جاي عشان تصلح غلطتك اللي أنت عارف كويس عقابها هيكون أيه مع محامي زي بابي...

قطع المسافة بينهما بخطاه المحلاة بالثقة ليقف أمامها ببسمة ساخرة جعلتها تقف بأرتباك،خرج صوتها بنبرته المخيفة التي تستحقها فقال بمكر:
_دا قبل ما يعرف بنته المصون كانت بتخطط لأيه خلها تشتغل بمكتب "سليم زيدان"  وبالأخص لو عرف أنه معرفش يربي بنته كويس أو يعترف أنها مريضة نفسية عشان تخلي راجل يتهجم عليها بأرادتها!...

إزدردت ريقها الجاف بصعوبة بالغة بعدما صار على علم بما فعلته ليلحق بها ما سبق،بدى الارتباك على ملامح وجهها لتقول بكلمات متقطعة:
_أيه الهبل دا!!...
ثم قالت بثبات مخادع جاهدت للتحلي به:
_منكرش أني كدبت عليك بأني بنت مين بس أنا حبيت أشتغل بنفسي بعيد عن فلوس بابا وسلطته...
تعالت ضحكاته الساخرة فلوي فمه بأستنكار:
_وليه شركتي أنا بالذات!...

إنسحبت أنفاسها من مواجهته فكان يسد عليها كل طريقاً تسلكه،قالت بتوتر ملحوظ:
_يعني شوفت الأعلان بتاع الوظايف وإختارت أحضر المقابلة....
هز رأسه بسخرية وعدم تصديق:
_أممم،لا صدقتك...

رسمت الغضب على وجهها لتصرخ بعصبية مصطنعة:
_تصدقني أو متصدقنيش اللي حصل حصل وإنتهى بحقيقة واحدة إنك إعتديت عليا وأنا مش هسكت يا "سليم" بيه...
تحاولت نظرات عينيه لعاصفة من الرمال الواشكة على إلتهامها حياً لدرجة أنها ندمت على فعلتها مرتين، تراجعت للخلف برعب حينما تقدم ليقف أمامها دون أن يرمش له جفن ليقول بهدوء مخالف عنا يجوب بخاطره:
_إسمعيني كويس وركزي في الكلام اللي هقولهولك كويس لأني مبعدش كلامي مرتين...

أنا مش عارف أيه اللي في دماغك ولا أيه السبب الحقير اللي خالاكي تعملي فيا وفي نفسك كدا بس اللي أقدر أعمله حاجة واحدة بس...
إبتلعت ريقها الجاف من فرط توترها قائلة بصعوبة بالحديث:
_حاجة أيه دي؟!..
تطلع لها بنظرة مطولة تعج بالقسوة والجفاء وكأن الكلمات ثقيلة على لسانه فيحاول جاهداً نطقها:
_هتجوزك فترة وبعديها هتطلقك وكل واحد هيروح لحال سبيله...

كادت برسم بسمة إنتصار على وجهها ولكنها قطعت حينما رفع إصبعيه أمام وجهها بتحذير مهلك:
_بس وقسماً بالله لو "ريم" عرفت حاجة أو أي حد من عيلة "زيدان" مش هيهمني ضميري ولا مبادئي اللي بسبب "ريم" ممكن أدوس عليها وعلى نفسي أنا شحصياً...

تشكل الحقد بعين "هنا" وهى ترآه يعترف بعشقه المتيم بزوجته المصون، ردد كلماته الأخيرة بنظرة كره شاملتها من رأسها لأخماص قدميها:
_أظن كلامي واضح..
أومأت برأسها بهدوء مصطنع ليمنحها نظرة متعصبة ثم خرج ليترك النيران تكاد تلتهمها حياً.....

جلس بالداخل بأنتظارها بعدما تركت باب شقتها مفتوح،وضعت "سارة" العصير من يدها على الطاولة المقابلة لمروان لتجلس أمامه بتوتر، لم يكن حاله أقل منها فكانت تسيطر عليه حالة من الأرتباك لما سيقوله بموقفه الحساس...
بدأ بالحديث متحاشياً التطلع إليها:
_"سارة" أنا أسف مكنتش أعرف بعلاقتكم ولا بحبكم،صدقيني أنا أ...

قطعت كلماته ببسمة هادئة تحمل ألم يكفي عالم بأكمله،ألم لا يعرفة سوى العاشق المجروح فؤاده:
_متعتذرش يا "مروان" أنا اللي المفروض أعتذر أني وفقت على العلاقة دي من الأول...
وبدموع تساقطت على وجهها بآنين قالت:
_أنا اللي حبيت أعاقب "ريان" على تخليه عني بالسهولة دي...

وزفرت بصعوبة لحاجتها للتنفس بعدما إختنق تنفسها لتستكمل كلماتها الحزينة:
_كنت فاكرة أني كدا صح بس لقيتني بخسر نفسي كملت بالطريق دا وأنا بموت من القهر وأنا شايفة الأنسان الوحيد اللي حبيته واللي ماليش غيره بالدنيا بيضحي بيا بسهولة،كملت بالعلاقة دي حتى بعد ما عرفت الحادثة اللي إتعرض ليها ويمكن تكون السبب في اللي هو عمله..
وأزاحت دموعها رسمة بسمة بائسة:
_أنت مالكش ذنب يا "مروان"...

رفع عينيه إليها بحزن على ما تشعر به تلك الفتاة فتنحنح بتوتر ومجاهدة للحديث لكسر ما تبقى بقلبه:
_"ريان" مختلف يا "سارة" بيفكر في اللي حوليه أكتر ما بيفكر بنفسه...
وتطلع لها بدموع تلمع بعينيه وبسمة صادقة تشرد بشخصية أخيه العظيمة:
_زمان لما إتوفت ماما كان هو جانبي أنا وأخويا،وبرضو كان جانبنا لما قضى أبويا عمره كله بالشغل بره مصر حتى لما إتجوز بنت من دور عياله، فضل جانبنا وعمره ما أتخلى عني أو عن أخويا...

ثم قال بألم يخرج بوضوح من لهجة صوته:
_مبيحبش حد يعرف مشاكله ولا عمره فضفض ولا إشتكى همه لحد يمكن عشان كدا رفض يشاركك معاناته مع واضعه الجديد ويمكن عمل كدا لأنه عرف بأعجابي بيكِ، أيا كان السبب فهو عمل كدا مجبور....

هوت الدموع على وجنتها فهي تعشقه بكل ما إمتلكت، إبتسم "مروان" برفق ليستكمل كلماته:
_أنا هنا النهاردة يا "سارة" عشان أغيرلك مفهوم أخدتيه عني،أوقات القدر بيحطنا بأماكن مش لينا وبيجبرنا نكون بصورة مش بتعبر عننا،فأنا حابب أنك تنسي اللي أنا عملته وتعتبريني زي "خالد" الله يرحمه...

إبتسمت بفرحة لمعت بعينيها لتمحي دمعة الحزن والآم فأشارت له برأسها وهى تزيح دموعها:
_أكيد طبعاً...
نهض "مروان" عن مقعده ببسمة هادئة مشيراً له بخفة:
_حيث كدا بقى واجب الاخت طاعة أخوها يعني هتيجي معايا لمكانك المناسب ولا أيه؟..
تلاشت بسمتها تدريجياً لتقف أمامه بحزن:
_مش مكاني طول ما "ريان" مش حابب أكون موجودة فيه...
أشار لها بالنفي:
_مش صحيح هو أكتر واحد بيتمنى رجوعك دا صدقيني أنا بفهمه من عيونه...

عبست بوجهها بأسف لتتحدث بأنكسار:
_لو كلامك صحيح كان هو اللي هيكون هنا...
إقترب منها بمسافة محدودة قائلاً بثبات:
_أنا لسه قايلك يا "سارة" أنه بيفكر في اللي حوليه أكتر من نفسه،يعني خطوة زي دي هتكون بالنسباله صعبة عليا لأنه مفكر أني لسه في من نحيتي حاجة ليكِ فاهماني؟...

أشارت له بتفهم وخجل من جرحه مجدداً فأشار لها بمكر:
_ها...هتسمعي كلام أخوكِ يا بنتي ولا هتغلبيني؟..
تعالت ضحكاتها بعدم تصديق على شخصيته المدهشة فقالت بصعوبة بالحديث:
_حاضر،هغير هدومي بس..
جذب مفاتيح سيارته ليشير لها ببسمة هادئة:
_وأنا هستناكي تحت...
سعدت لمنحها خصوصية كهذة فأغلقت الباب خلفه ثم ولجت لغرفتها لتستعد للعودة بقلب يخفق بجنون لرؤياه....

صعد لسيارته فكاد بالخروج من حدود مملكة "زيدان" ليجد من يقف أمام سيارته ببرود يتزين بعينيه الزرقاء فقال بثبات:
_على فين؟!...
إنتهت "فاطمة" و"سلمى" للمتحدث فلم يكن سوى الجوكر المزعوم،خرج "جان" من سيارته بملامح كافيلة بتخمنيات "مراد" عما يحدث معه فقال بهدوء:
_لو حابب تشرف أوضتك الوقتي عادي أحنا فيها بكرا من الوقتي مش هتفرق كتير ولا أيه؟!..

أشار له "جان" بأستسلام عجيب زرع القلق بقلب "مراد" فأشار للخادم قائلاً بلطف:
_وصل البنات لغرفهم..
تطلعت "سلمى" بأرتباك لجان فأشار لها بالأطمئنان فتمسكت بذراع فاطمة لتلحق بالخادم للداخل،رفع "مراد" يديه على كتفي "جان" بشك:
_كنت رايح فين؟!..
إبتسم بألم:
_هتفرق!..

إحتضن كتفيه ببسمة هادئة:
_أممم،شكل الموضوع كبير وفيها قاعدة...
وجذبه ليتمشي لجواره مخرجاً تلك الكلمات التي تحرق صدره لرفيقه الغائب لسنوات عنه،أنهى "جان" حديثه ليستمع لما سيقوله مراد بحرص فقال الأخر بهدوء:
_تعاملك مع الموضوع غلط يا "جان"...

ضيق عينيه بغضب:
_هو أيه اللي غلط؟!،بقولك أمي عايزة تفرقني عن البنت الوحيدة اللي حبيتها،عايزة تخرب حياتي بعد ما شافت أد أيه أنا إتعذبت من غيرها!!!...
_والهروب من المواجهة الحل؟...

قالها"مراد" بثبات وهو يتطلع لعينيه مباشرة،زفر "جان" بضيق وكأنه لم يعد يشعر بعالمه هذا بعد تلك الحقيقة الصادمة،وضع "مراد" يديه على كفه الممدود قائلاً ببسمة هادئة:
_حل مشاكلك مع والدتك بهدوء،الهروب مش الحل ومتنساش أنها بالنهاية أم عمرها ما تضر أولادها..
تطلع له بسخرية فقال بتوضيح:
_من وجهة نظرها أن اللي عملته دا في صالحك أنت فلازم تعرف الصح من الغلط ودي بقى مهمتك أنت...

أشار له بهدوء فربت على كتفيه ببسمة مرح ليخرجه مما هو به:
_سيبك بقى من كل دا وركز معايا،أوعى تنسى نفسك عشان مع خطيبتك بمكان واحد فتقضيها مراجيح،مش هقدر أخلصك من أيد "رحيم" فأحترم نفسك بنفسك..
إبتسم بتهكم على حديثه مردداً بهمساً ساخر:
_يعني فضلت معاها خمس سنين وعلى سرير واحد وهجي أعملها هنا!...

شاركه "مراد" الضحك ليقطعها بسؤالا طل على ذهنه على ذكر الموضوع فقال بتذكر:
_قولي صحيح،أنت ليه روحت طلبت فلوس العملية من "رحيم" ومطلبتش مني!...
تطلع له مطولاً ثم قال بغموض عصف بكلماته:
_"رحيم" معاه ورث عيلة "زيدان" يعني من حقي أطالب بجزء من ميراثي عشان أعالج بيه زوجتي ولا أيه؟!..

أجابه بأستغراب:
_بس علاقتك بيه مكنتش كويسة يعني كان ممكن تطلب مني!..
حك ذقنه النابتة كتهرب من سؤاله ليجيبه بتردد:
_وأنت كنت عارف أني بمر بالظروف دي ومعرضتش مساعدتك من البداية بدون ما أطلب منك.
شعر بعاقبة الماضي فقال بأقتناع لما إختبره لأعوام:
_كلنا غلطنا،بأتمنى أننا نقدر نتغير كلنا..

أشار له "جان" ونظراته على قصر "رحيم زيدان"  قائلاً بسخرية:
_وتجمعنا هنا الحل؟...
إبتسم "مراد" بمكر،ليرفع ياقة جاكيته بغرور:
_هتشوف...
_أيه سر الأجتماع الليلي دا!!..

صوته إنطلق ليشق تجمعهم فأستدار "جان" ليجد "رحيم" أمام أعينهم،إقترب ليقف جوارهم بهدوء فقال "مراد" بثبات:
_أول واحد من العيلة إنضم وسكن أوضته عقبال الباقي لما يتجمع بكرا..
قال كلماته بخبث داهي فأبتسم "رحيم" رغماً عنه حينما تذكر أول ليلة جمعته مع "مراد" بنفس الغرفة،جذب المقعد ليجلس لجوارهم متجاهلاً نزيف قلبه على ما حدث منذ قليل...

مرت "يارا" من جوارهما فأوقفها "مراد" بأستغراب:
_كنتِ فين بالوقت دا؟!..
أجابته بمشاكسة بدت بلهجتها:
_أنت جايبني هنا عشان تحبسني ولا أيه،نزلت أتمشى شوية مصر وحشتني يا جدع الله...
ردد بصدمة:
_جدع!!،أنتِ إتلميتي على"حنين" أمته!!..
أجابته ببسمة واسعة:
_من ساعة تقريباً ويعتبر بدأت بمتابعة حالة "أشجان"...

نهض"رحيم" عن الطاولة حينما رأهم يقفون على مسافة منهم بملامح بدت له بالمشاجرة فأقترب منهم قائلاً بنظرات شك:
_في حاجة ولا أيه؟!..
أشارت له "يارا" بالنفي وبداخلها يرتجف رعباً لطالة هذا الرجل المهيب،صدح صوت توقف السيارة التي تقف من خلفهم بالمكان بأكمله فبعدما أزال "رحيم" و"مراد" الحواجز حول القصور الخمس وصاروا كالكيان الواحد وأصبحت الرؤية مرئية للجميع..

هبط "مروان" من سيارته ففتحت "سارة" الباب المجاور له لتهبط هى الأخرى،ذهلت "يارا" بما رأته حتى "مروان" تطلع لها بذهول وصدمة فهي تلك الفتاة الغامضة الذي أنقذها من ترحاب الموت،وقف أمامهم بأستغراب من وجود تلك الفتاة هنا وعن صلة قرابتها من تلك العائلة،أشارت "يارا" لمراد قائلة ببسمة واسعة:
_دا الشاب اللي إنقذني يا "مراد"...

ثم قالت بأستغراب لوجوده هنا:
_هو أنت تعرفه؟!..
صمت قاطع يعم بالوجوه فقط نظرات ثائرة بين الأثنين قطعها"مراد" ببطء ساخر:
_بيقولوا أنه إبن عمي..
أجابه "مروان" بغضب بدي بعينيه الشرسة التى لا تنصاع لأحداً:
_بيقولوا ولو أني أشك في دا..
_"مروان"...

صوت "رحيم" الحازم وضع الحد له فتراجع عن حديثه إليه ليتطلع ليارا قائلاً بلطف متعمداً تجاهل نظرات الجوكر الغاضب:
_حمدلله على سلامتك يا أنسة...
أجابته ببسمة حالمة وهي تتطلع إليه بهيام:
_الله يسلمك...
إستدار "مروان"  برأسه لرحيم قائلاً بهدوء:
_تصبح على خير..

وأشار بيديه لمن تقف لجواره بشرود بمن يقف على مسافة منها:
_يلا يا "سارة"...
لم تستمع إليه فكانت بعالم اخر يطالبها بالقصاص لقاتل أخيها الذي يقف على بعداً منها،عاد ليقف أمامها حينما وجدها لم تلحقه ليجذب إنتباهها بصوته المنادي:
_"سارة"!!!...
إنتبهت إليه فأزاحت عينيها من عليه بصعوبة لتلحق به للقصر الخاص بهم بينما صعد"جان" للأعلى هو الأخر...

تأملته وهو يبتعد عنها حتى تخفي من أمامها فقالت بشرود به:
_مين البنت اللي معاه دا...
تحولت نظرات "مراد" للغضب فأشار لها بحذم:
_عارفة لو مختفتيش من قدامي هعمل فيكِ أيه؟!..
هرعت للداخل بمظهر مضحك للغاية لتأكدها بما يتحدث عنه وعن ما يتمكن من فعله..

وقف "مراد" لجوار "رحيم" الذي تناول كأسه من الخادم ليرتشفه بشرود بما حدث معه بالأعلى منذ قليل...
أشار له "مراد" بأستغراب:
_أخدت بالك من نظرات البنت اللي مع "مروان" لجان!!..
تطلع له "رحيم" ببسمة خبث:
_في حروب كتير هنخوضها مش مع ولاد عمك بس...
وكأن بلهجته معرفة لسراً ما هكذا شعر "مراد"،حمل"رحيم" كأسه وتوجه للداخل قائلاً بثبات:
_تصبح على خير...
وغادر من أمامه ليتركه في حيرة مما حدث أمام عينيه منذ قليل...

جلس "طلعت" على المقعد الذي يحمل أثر للغبار الساكن بالمكان المجهول ليشير إليها بهدوء وهو يتناول قهوته بتلذذ:
_معقول كنتِ مخطوفة؟!..
أجابته "حنين" بتأكيد:
_أيوا يعني كان زماني الوقتي مشوية زي السردينة الناية على نار عالية...
تعالت ضحكات "طلعت" على حديثها المرح فقال بصعوبة بالحديث:
_طيب الحمد لله أنك بخير..

أجابته بهيام وهي تعبث بحجابها بشرود وكأنها ترسم صورة منقذها أمام عينيها:
_البركة في إبنك دايما بيتطلعلي بالوقت المناسب،أه لو تشوف وقفته ولا إزاي قتل أكتر من حد لوحده أه والله مكنش معاه حد "رحيم" جيه بالأخر...

إبتسم وهو يستمع إليها فرغم أنه يعشق الهدوء ولكنه أحب تلك الفتاة ذو القلب النقي،تذكر كيف إلتقت به بالأمس حينما كان يتسلل لغرفة"نجلاء" فكادت بالصراخ ظناً من أنه لصاً فكمم فمها ليشرح لها بهدوء بأنه "طلعت زيدان" ورغم ما بذله من جهد لأقناعها لم تقتنع الا حينما جذبته لتوقفه جوار أحدي الصور القديمة التى تحمل ملامحه بالتفاصيل وحينها قررت أن يخبرها بالتفاصيل عما كان يحدث معه فذهبت معه لمكانه السري بالقصر لتستمع لما حدث إليه وبحديث مطول إستطاع كسبها لصفه وبعدم إخبار "رحيم" عن ذلك ولكنها منذ ذلك الوقت وهي تأتي كل ساعة تقريباً حاملة لأصناف عديدة من الطعام وكأنه بنزهة ما!!..

عادت من شرودها لتنهض عن المقعد قائلة له ببسمة هادئة:
_طيب هروح أنا قبل ما "مراد" يرجع الجناح ومش يلاقيني..
أشار لها "طلعت" ببسمة هادئة:
_روحي ومتنسيش اللي قولتلك عليه..
رفعت يديها أمام فمها لتشير له بأنه مغلق لن تفتحه للحديث عن الأمر فأبتسم على طريقتها المضحكة لتغادر للأعلى....

طرق باب الغرفة ثم فتحها ليجد أخيه يعد حقيبته والملابس من جواره بكل مكان،وضع الثياب بالحقيبة ليتطلع "ريان"  لمن يقف أمامه بضيق:
_كنت فين كل دا ؟!...
لم يجيبه "مروان" فزفر "ريان" بغضب:
_وبعدين ليه محضرتش شنطك مش عارف أننا هنكون بقصر "رحيم" بكرا...

إحتفظ بصمته فأنهى "ريان" إغلاق حقيبته ليقول دون النظر إليه:
_فكرة أني هكون مع الحيوان دا بأوضة واحدة كفايا عليا أوي فأبوس إيدك بلاش تعمل مشاكل وبالأخص مع "مراد" فاهمني؟..
أشار له بهدوء فوضع "ريان" الحقيبة بزواية الغرفة ثم وقف أمامه بتفحص:
_مقولتليش كنت فين؟!..

أجابه ببسمة هادئة:
_كنت بجيبلك هدية..
ضيق عينيه بأستغراب:
_ليا أنا!!..
أشار إليه بتأكيد والبسمة تزين وجهه ليتطلع لباب الغرفة قائلاً بلهفة:
_إدخلي يا "سارة"...

إنصاعت لكلماته لتدلف على مهل وإن كانت خطواتها بطيئة للغاية وعينيها تجوب الأرض بخزي وحرج لوجودها هنا،رقص قلبه طرباً مع سماع إسمها ومزمار حينما طلت أمامه بما تمتلكه من سحراً خلاب يؤثر عليه بجنون،خرج"مروان" من الغرفة بهدوء ليتوجه لغرفته أما "ريان" فوقف أمامها صامتاً غير مستوعب لما يحدث أمامه ولوجودها معه بذات الغرفة،ترقبت ما سيقوله أو ردة فعل ولو صغيرة لوجودها هنا،إبتسم "ريان" وهو يتأملها بلحظات طالت عليه دون ملل فقال بهيام:
_كنت عارف أنك هترجعي...

تطلعت له بغضب من كلماته فقالت بسخرية:
_أنا ممشتش بمزاجي اللي عملته كان السبب...
أجابها بحزن تشكل على وجهه بحرافية:
_عارف،وعارف كمان أد أيه أنا غلطت في حقك يا "سارة"...
هوت دموعها دون توقف لتهمس بأنكسار:
_أنت خاليتني أتمنى الموت على معاملاتك ليا وتضحيتك بحبي بمنتهي السهولة...

أجابها ببسمة تعج بالأنين:
_كان غصب عني صدقيني...
ثم تمالك ذاته ليقول بنظرات محفورة بالعشق:
_إديني فرصة يا"سارة" وأنا هعوضك عن كل اللي أنا عملته..
رفعت عينيها إليه بنظرة مطولة.أخفته من إجابتها فقالت ببكاء:
_عطيلك الفرص من زمان وهديلك لأخر يوم بعمري...

رفرف قلبه عالياً ليزداد رجفة القلب فبسمته وسعادة لا تكفي العالم من حوله،تمنى لو كانت زوجته ليتمكن من ضمها لصدره ولكن لا بأس لتكن زوجته بالغد إذا...

بقصر "سليم زيدان"...
هبطت" منة" مسرعة حينما علمت بأمر إصابة شقيقتها لتجد الجميع بالأسفل بالأضافة لأخيها الذي وصل من الخارج لتو...
رددت بهمساً متقطع حينما رأته يجلس جوار أخيه:
_"فارس"!!..

إنتبه إليها فأبتسم وهو يرأها تقترب لينهض عن مقعده ويكون مقابلها،بادلته النظرات وببسمة جعلت وجهها ينير بسعادة عجيبة فأشاحت عينيها عنه بصعوبة لتنتبه لشقيقتها فأسرعت لتجلس جوارها لتحتضن ذراعيها بين يديها بتفحص ودموع هبطت لرؤية كم الأصابة التي تعرضت إليها..
شق صوت "سليم" حالة الصمت بينهما قائلاً بشك واضح:
_ممكن حد يفهمني في أيه؟!.

كاد "فارس" بأخبره بما حدث ولكن قطعه "آدم" بحديثه السريع وإشارة التحذير إليه:
_مفيش حاجة حصلت،زي ما قولتلك "سما" كانت بعيد ميلاد صحبتها وإتكعبلت ووقعت على طبق مكسور...
رمقه بنظرة شك جابت وجهه ليسأله بتفحص:
_وأنت عرفت إزاي وأيه اللي وصلك بيها؟!..

أجابه بهدوء جاهد إليه أمام شخصية بقدر دهاء "سليم":
_إتصلت بيا وروحتلها وهناك عرفت اللي حصل..
هز رأسه بعدم إقتناع ليشير إليه بهدوء:
_تمام..
ثم إستدار لمنة مشيراً له بود:
_ الوقت إتاخر خدي "سما" وإطلعي عشان ترتاح شوية..

أشارت له سريعاً ثم تمسكت بذراعيها لتخطو بها للأعلى بأستخدام الدرج مانحة الفارس نظرة يعبقها الحب وطيور من غرام أما "سما" فتوقفت محلها على الدرج حينما تسلل إليها صوت "آدم" حينما قال:
_أحنا كمان هنرجع القصر بس متنساش يا "سليم" تحضر الورق المطلوب عشان كتب الكتاب بكرا...
أشار لها ببسمة هادئة وهو يربت على كتفيه:
_متقلقش مجهز كل حاجة..
منحه بسمة صغيرة هو الاخر ليغادر مع أخيه أما الأخر فجلس على المقعد بحزن فعقله مازال منحسر بما حدث معه بالفترة الاخيرة...

شهدت السماء على شروق يوماً مميز حيث إجتمع الشباب بأكملهم بقصر "رحيم زيدان" حيث تم عقد قرآن "سارة" و"ريان"،و"منة" وفارس" و"آدم" و"سما" بجو خالي من الأحتفالات والزينة فقط يشهد تجمع مليء بالكراهية ونظرات البعض الأنتقامية والأخر بالتوعد وخاصة حينما سيجمعهم مكان واحد....
وقف الشباب جميعاً أمام الدرج ليتحدث "مراد" بنظرات مسلطة على الغرفة المتوسطة للدرج وللغرف بأكملهم:
_"سليم" أنت أوضتك في النص ما بين غرف الشباب والبنات...

أجابه بأستغراب وبملامح حملت الضيق:
_ ليه؟!
أجابه الجوكر ببسمة مكر _زي ما سمعت كدا هتمنع البنات تتعدى على ملكية الشباب والعكس صحيح..
صاح بغضب:
_اللي هو إزاي دا إن شاء الله!!...
وضع يديه حول كتفيه مردداً بسخرية:
_متغفلهاش بقي الله يرضي عنك المهمة بمنتهى السهولة..
أشار له بضيق:
_متنازل عنها لحد غيري شهم..

_شهم في دول!!  ، مفيش غيرك شهم ودا إعتراف من كل عيلة زيدان...
لوى فمه بأستنكار:
_أنا لا أمت للشهامة بشيء وممكن أكون أول واحد أتسحب للأوض
_لا متقلقش مش هنعرفك" ريم" في اي أوضة
لاحت على وجهه نظرة مكر:
_حيث كدا بقي مش لاعب غير لما أعرف الأوض من بعضها عشان أعرف أنا بحرس أيه بالظبط، أفرض واحد حب يقل بأصله مش أعرف هيقل بالأوضة أنهي؟!!!...
تمسك "مراد" برأسه ليرفع صوته قليلاً:
_"رحيم" تعال حل المشكلة دي عشان أنا تقريباً فصلت...

نهض "رحيم" عن مقعده بعدما كان يتابعهم بصمت،تلجلج الجميع بوقفتهم فقال بصوتٍ إنطلق بصداه الخاص:
_أظن الكلام مفهوم ومش محتاج نعيد عليه،ياريت كل واحد يطلع لأوضته بدون كلام كتير...
ما أن أنهى كلماته حتى حمل الشباب حقائبهم وصعدوا جميعاً للأعلى واحداً خلف الاخر وكلاً منهم يرمق الأخر بنظرة نارية حتى إختفوا جميعاً من أمامه حتى "مراد" توجه مع "سليم" للمكتب الخاص حينما شرع له بأن هناك أمراً هام يريد الحديث به معه...

بقى "رحيم"  بمحله منفرداً يتأمل الفراغ بشرود،كاد بمغادرة القصر ولكن أصوات خطوات مترددة تصل لمسمعه، خطوات ناعمة نقلت إليه تخمين بسيط لمن تهبط درج قصره الذهبي، إنتظار ولهفة  عينيه جعلته كمن ينتظر الحبيب الغائب لأعوام وليس فراق دام لليل كامل!!...

طلت من أمامه لتقف أعلى الدرج بأرتباك وخجل سيطر على حواسها قبل أن يخترق غرف قلبها الأربعة ليزيد خفقه بجنون،وكأنه يحثها على التقدم،يكفي ما فعلته به،على الأقل تجاهد وتحاول مراراً وتكراراً لمحو الغبار الأسود الذي يحيط بفريد حبيبها ليلبسه ثوب شيطاني تحت مسمى "رحيم زيدان"!...

تسرب الهواء العليل من أحضان نوافذ القصر ليتمرد أطراف فستانها الواسع فأستجاب للمساته وكأنه يزف عروساً مزينة لمحبوبها،وقف يتأملها بصمت وعقلاً تخلى عنه بذات اللحظة المزلزلة بتاريخ حياته الأسود،المحفز بالسلاح والأنتقامات المتتالية،رأها تقف أمامه وكأنها تثبت إليه بأنها ستكون لجواره رداً على سؤاله القاسي...

رُسمت البسمة على جانبي شفتيه حينما رأها ترتدي من الثياب التي إشتراها لها منذ وجودها هنا ولكنها كانت ترفض إرتداء أي شيء أحضره هو لها...
رغم أن ملامحها عادية للغاية ولكن بعينيه الزيتونية كانت أثمن الجواهر التى إمتلكها بحياته بأكملها،هبطت"شجن" حتى أنهت المسافة بينهما فوقفت أمامه بمزيد من الارتباك والتوتر الملحوظ من حركتها الدائمة حينما تتمسك بطرف من فستانها وتعبث به دون توقف،إبتسم "رحيم" ليقطع هو باقي المسافة بينهما حتى صار أمام عينيها فقال بنظرات أربكتها:
_صعبت عليكي فهتديني فرصة؟...

إبتلعت ريقها الجاف بصعوبة لتتحاشي النظر إليه قائلة بهدوء مخادع:
_لو هتبعد عن كل القرف دا مستعدة أكيد..
ضيق عينيه بعدم فهم فأشارت بعينيها على موضع البار المعبئ بالخمر لتستكمل حديثها:
_هتقدر؟...

إبتسم بسخرية فأن تحمل ألم يكفي لأعوام من حياته لأجلها ألم يستطيع تخطي تلك العقبات من أجلها؟!!..
وضع يديه بجيوب جاكيته الرمادي ليتطلع للبار بمكر:
_تفتكري!...
منحته نظرة متعصبة لتستدير في إستعداد للصعود بيأس من تغيره ولكنها توقفت محلها حينما إستمعت لأصوات إنكسار أكواب تتسلل إليها فأستدارت لتتأمل ما يفعله بصدمة..

كان يجذب زجاجات الخمر ويلقي بها أرضاً فتنكسر محدثة صوتٍ مجلجل وعينيه تتأملها ببسمة هادئة ليجذب أخرى فأخرى حتى كاد بتحطم باره الخاص بأكمله،أتى "مراد" و"سليم" من الداخل بفزع لرؤية ما يحدث، إبتسم "مراد"  وهو يتأمل ما تمكنت تلك الفتاة من فعله،كاد "سليم" بالتداخل فأوقفه "مراد" مشيراً له بثبات:
_دا اللي كان لازم يحصل من زمان واللي أنا مقدرتش أعمله..

شاركه "سليم" البسمة ليتركه ويستكمل طريقه فى محاولات متعسرة ليضبط إنفعالات وجهه حتى لا تشعر من تنتظره بالحديقة بشيء ولكن ترى هل سيتمكن من إيقاف تلك اللعينة من التسلل لحياته مجدداً؟!...

أما بالأعلى
فكانت المعارك شبه نارية وبالأخص بالغرفة التي تحوي "مروان" وفارس ولكن ترى هل سيتمكن  الجوكر والاسطورة من التصدي لما سيحدث؟!...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة