قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني للكاتبة آية محمد الفصل التاسع عشر

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني بقلم آية محمد

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني للكاتبة آية محمد الفصل التاسع عشر
(
وعشقها ذو القلب المتبلد )

لم يكن يعنيها ما يحدث حولها بالقصر فكانت وحدتها تطوف من حولها لتشعر وكأنها باتت منعزلة عن العالم بأكمله، وقفت تتأمل المياه الثائرة من أمامها، فخلعت حذائها لتلامس حبات الرمل الذهبية جلدها الناعم، جلست "نغم" أمام منسوب المياه المنخفض، فكانت تلامس المياه أطرافه، دمعاتها كانت تشاركها بكل طريق إختارته هي، وكعادتها تشعر بأنها بمفردها بهذا العالم القاسي، لم تعد تمتلك أم ولا شقيق ولا عائلة مثلما تمنت يوماً ما، كأس الأنتقام جردهم من أمان إشتقت له فظنت بأنه بأحضان من أحبته بصدق وإختاره القلب رغم الصعوبات والفروق التي تجمعهم، جعلت من ذاتها كفيفة عن الطبقة الاجتماعية التي تفرقهم وفتحت أبوابها المغلقة ليرفرف قلبها بعشقه هو!!..

مر شريط حياتها من أمامها فلم يخلو يوماً عاشته هي من حسرة قلب وإنكسار وأوجاع إختبارتها، وكأنها سور من زجاج هاش يتحطم كلما مرت ذكرى إضافية أمام عينيها، شعرت وكأن روحها قد إرهقت ونفذت طاقتها الضعيفة فلم تعد مثل سابق عهدها القوي، جذبت هاتفها من حقيبة يديها فرفعته أمام عينيها بأرتباك لمجازفتها بسماع صوته بعدما صرح لها بأنتهاء العلاقة بينهما، وضعته لجوارها ثم جذبته مجدداً بتوتر وخوف من أن لا يجيبها...،

إستقرت أصابعها فوق إسمه لتطلبه بخوف وتراقب لردة فعله، صدح رنين هاتف مجهول بجوارها على الشاطئ جعلها بحالة من الذهول فكلما أعادت طلب رقمه إستمعت للرنين مجدداً، نهضت "نغم" لتتبع الصوت بلهفة، بحثت بالعتمة التي إكتسحها الليل ليظلل على المياه، نهض "يوسف" من على مقعده البعيد قليلاً عنها فكان يراقبها منذ جلوسها بذات المكان، إنتهت رحلة بحثها وإنصات الآذان للصوت بوقوفها أمامه....

ضي القمر المتوهج حاوطتهما بهالة من الحنين فألتقت العينين ببعضهما وهمسها الساحر يخترق حواجزه حينما رددت بصوتها الرقيق على مسماعه:
_"يوسف"!!.. أنت هنا!!
رسم بسمة تصاحبها الهموم والحزن على الحالة التي أصبحوا بها فقال بألم وبكلمات مختارة بدقة:
_حاولت أكون بعيد معرفتش...

إنسابت دمعاتها دون إرادة منها فتمسكت بكف يديه قائلة ببكاء:
_وعمرك ما هتعرف تكون بعيد لأننا متعلقين ببعض ،أنا مش عارفة أيه اللي وصلنا للمرحلة دي بس أنا مش هتخلى عنك بسهولة لأنك اللي فاضل ليا..
وإلتقطت أنفاسها بصعوبة لتتحدث من وسط دمعاتها:
_أنا ماليش حد غيرك يا"يوسف"،عمر ما حد حس بيا ولا كان جانبي،عشت عمري كله في صراع ومشاكل عيلتي اللي مبتنتهيش،مشفتش يوم حلو غير لما أنت دخلت حياتي،كنت طاقة النور اللي نورت دنيتي وجاي دلوقتي وعايز تتخلى عني؟!...

لمعت عينيه ببريق موحد من كأسها المؤلم بعدما إهتز كيانه وهو يستمع لرحلتها البائسة،فتح ذراعيه دون إرادة منه ليحتضنها بقوة وتملك يحارب أفكاره السابقة بالأنفصال،أزالت كلماتها أخر الحواجز بينهما فقصت له دمعاتها كم المعانأة من دونها،تلاطم الأمواج من حولهما تسابقت بزف عاشقين أحداهما من الطبقة المخملية والأخر من الطبقة الفقيرة ورغم ذلك توحد القلوب ونشأت قصة غرام خطاها قلم العشق العتيق،سكنت الكلمات بينهما فيكفي سكون الألم والحنين بين أحضان من أحببت!...

طال الحضن الحنون والرابت على أحزانها فيما بينهما فأبتعدت عنه بخجل وهو تلهي ذاتها بأزاحت تلك الدمعات التي إمتزجت بين أحزانها وسعادتها لعودته،تأملها بنظرة حفظتها بداخل قلبه لعمراً لن ينتهي الا بتوقف الخفق المجنون،فأحتضن وجهها بيديه لتتطلع له رغماً عنها فقال بهيام بعينيها الزرقاء:
_هفضل جانبك لحد أخر يوم بعمري يا "نغم"...

إبتسمت بحياء فتمسك بيدها قائلاً ببسمة تزين وجهه الرجولي:
_مش هسيب أيدك تاني أبداً حتى لو أنتِ طلبتي مني أسيبها...
أشارت له بلا فكيف ستطلب منه الفراق وهو موت لها!!..
إبتسم"يوسف" على إشارتها المصرحة إليه فمشى جوارها بين أحضان المياه المتمردة على أطراف الشاطئ لتصل أقدامهم أمام القصر المهيب قصر "رحيم زيدان"...

قطرات المطر تهبط بدلال على ورقات الزهور النادرة ببوح القصر لتجعل الحديقة بمظهر رباني ساحر راقبته من تجلس على أحد المقاعد بحزن جلي يسود على وجهها الرقيق فيجعله معتم للغاية،فألم القلب يصعب وصفه أحيانا وقلبها الرقيق تعلق برفيق الدرب الذي عهدها منذ أن تفتحت عيناها على هذة الحياة فكان لجوارها خطوة بخطوة حتى صارة ملكه هو،وقف"سليم" يراقبها من على بعد بأرتباك فيما سيرسمه من معالم كاذبة يحاول بها إصلاح ما تلف...

إقترب منها بخطوات بطيئة ليجدها تمرر يدها على ذراعيها برجفة وكأن البرد ينخر عظامها لجلوسها بالخارج في وقت هكذا، حاوطها الدفء المعطر برائحته المميزة فأستدارت "ريم" بأستغراب لتجده على مقربة منها يداثرها بجاكيته الأسود الحامل لرائحة البرفنيوم الخاصة به..

الندم كان مصيرها لتسرعها بأن ترضي فضولها لتعلم إن كان يقف خلفها فتسربت رائحته إليها أم أنها كانت تتوهم ولكنها أوقعت ذاتها بهلاكها حينما باتت مقابله، العينين مقابل عيناه الطافية بطالة من الكبرياء المحطم بعشقها، الشفتين ترتجف أمام الأخرى برغبة عارمة تحطمها طباعه الخاصة بأنها يحق لها سعادة ليلة زفاف بفستان أبيض ملكي، وضع لذاتها حاجز رغم كونها زوجته وألف حاجز حينما كانت مجرد حبيبة حتى صارت زوجة له!!.. إستعاد إنتباهه فأبتعد عنها بهدوء ليجذب أحد المقاعد ثم جلس جوارها ببسمة هادئة:
_قاعدة لوحدك ليه؟!....

شددت من إغلاق جاكيته حول جسدها براحة عجيبة وكأنه هو من يحتضنها وليس جاكيته فحاولت إدعاء الأنزعاج من وجوده:
_إتخنقت فخرجت أشم هوا..
ضيق عينيه بأستغراب وهو يتفحص ساعة يديه:
_بالوقت دا!...
إستدارت بوجهها بعيداً عنه فأبتسم لعلمه بتذمرها من تصرفاته الأخيرة فتمسك بيديها قائلاً بهدوء:
_أممم....شكلك لسه زعلانه مني...

رفعت عينيها إليه بغضب ليتأكد حدثه فقالت بحزن:
_أنت إتغيرت اوي يا "سليم"..
إبتلع ريقه بأرتباك وهو يحاول ضبط إنفعالاته:
_إتغيرت إزاي؟!...
تطلعت لعينيه للحظات طويلة قطعتها بكلماتها:
_حاسه أن في بينا حاجز كبير حطيته لما بتحاول تخبي عني حاجة أنا مش عارفها!!.

سحب نظراته عنها ليجيبها بهدوء:
_مفيش بينا حواجز يا"ريم"...
ثم رسم بسمة ثابتة على طرفي وجهه ليجذبها لتقف أمامه ليقول وهو شارد بتفاصيلها:
_"ريم" أنتِ بتثقي فيا؟..
أشارت له بنعم فأستكمل حديثه:
_ممكن تتخيلي أني أجرحك في يوم من الأيام؟..

أشارت له بالنفي فأستكمل أسئلته ببسمة هائمة بعينيها:
_وعارفة أنا بحبك أد أيه وعشانك ممكن أعمل أيه؟...
أشارت له بنعم والخجل يتمكن منها فقال بمكر:
_طيب ليه أجوابة الاسئلة دي مكنتش شافع ليا عندك،مش يمكن الفترة اللي فاتت كنت بمر فيها بظروف صعبة في شغلي مثلا فخلعتني عصبي حبتين..
تطلعت له بشك فتعالت ضحكاته ليشير لها بخبث:
_يعني حبتين تلاته بس بالنهاية انا مين؟...

إبتسمت على ضحكاته التي غزت حيائها لتستهدف قلبها فقالت بمكر:
_أنت مين؟!..
وضع يديه حول خصرها ليقربها إليه مستنداً بجبينه على جبينها ليلامس كلماته وجهها:
_أنا اللي شايف ستات الدنيا دي كلها شكل بعض وأنتِ المختلفة اللي فيهم،أنا اللي إنتظرت أطول فترة عدت عليا بعذاب سنين لحد ما جمعنا عقد واحد وقسيمة واحدة،عرفتي أنا مين؟!..

إشتدت حمرة وجهها من فرط خجلها وهي ترأه قريب منها ويحاصرها بنظراته...
_"سلـــــــــــيم"...
صوت نجاتها خرج من داخل القصر لأحد شباب عائلة "زيدان" في محاولات للأستنجاد به،أغلق "سليم" عينيه بغضب مما سيخوضه بهذا القصر، تباعدت عنه سريعاً وهي تلتقط أنفاسها المنقطعة،توجه للداخل ليشير لها ببسمة مصطنعة يكبت بها غضبه الجامح منهما:
_هشوف اللي بينادي وراجعلك..

بالطابق الأول من القصر وخاصة بغرفة "ريان"...
وقفوا جوار بعضهما بصدمة حينما وجدوا بالغرفة سرير واحد فقط فكانت توقعات الجميع بأن الغرف تحوي على سريين على الأقل،ألقي"ريان" حقيبته أرضاً بصدمة:
_مش معقول!...

تطلع له "جان" بنظرة ساكنه ثم تحرك ببطء تجاه الطرف الأيمن للفراش ليجلس عليه بسكون عجيب وكأنه يحمل كوارث العالم على عاتقه،سلطت نظرات "ريان" عليه بذهول من حالته وكأنه يرى شخصاً لم يعرفه من قبل،للحظة ظن بأنه سيخسر عدائه ليعلم ما به ولكنه تعمد أن يتذكر "خالد" صديقه الذي لاقي حتفه بسبب من يجلس أمامه منكوس الرأس،وضع "ريان" حقيبته أرضاً بغضب ليتحرك للجانب الأيسر بعصبية،جلس قليلاً في محاولة لأقناع ذاته ولكن سرعان ما نهض وتوجه للأسفل مردداً بغضب:
_لا طبعاً مستحيل أنام كدا..
وهبط للاسفل لينادي بصوته كله:
_"سلـــــــــيم"....

بغرفة مكتب القصر..
جلس "يوسف" على المقعد المقابل للأريكة التي تحوي "رحيم" ومراد الذي بدأ بالحديث:
_تفتكر الدنيا هترسى على أيه؟..
إستدار إليه "رحيم" برأسه ومازالت أصابعه تلهو بطرف السكين الحاد بين يديه:
_طلعوا من دقايق والنتيجة شويه وهتظهر...

أشار له "مراد" ساخراً ليردد بمرح:
_أحلى حاجة عملتها أنك خرجت "أشجان" و"حنين" بالوقت دا...
تخلى "يوسف" عن صمته بعدما إستمع للحديث المتبادل فيما بينهما:
_الفكرة مش وحشة بس إنتحارية شوية..
تطلع "مراد" له بنظرة مطولة ثم تطلع لرحيم بغضب مصطنع:
_مين دا؟!..
إبتسم "رحيم" بتسلية على ما يحدث أمام عينيه من صراع متبادل بالمزح....

بغرفة "فارس"...
صعد كلا منهم الدرج والنظرات بينهما تشتعل فكادت بأحراق الأجساد حياً،دفع "مروان" باب الغرفة بقوة كادت بأسقاطه ليرمقه "فارس" بنظرة متعصبة،كان يقف كلا منهما بمقابل الأخر وكأنهما على خشبة ملاكمة وليست غرفة عادية تجمعهم،بالكاد سحبوا النظرات لتسقط على الكارثة الكبرى،السرير المتوسط للغرفة....

بالأسفل...
تجمع الشباب حول "سليم" الذي يحاول بشتى الطرق إخماد النيران المشتعلة بين كافة الاطراف..
صاح "مروان"بغضب مميت:
_أنا والحيوان دا على سرير واحد أنتوا بتهرجوا صح!! ...
رمقه "فارس" بنظرة نارية وهو يشير له بتحذير:
_لم لسانك بدل ما أحدفك على الدفاية اللي وراك دي...

إستند " جان" على حافة الدرج ببسمة ساخرة:
_بصراحه فكرة السرير الواحد دا مقلب خطير..
لوى "ريان" فمه بأستنكار:
_والاخطر وجودي مع واحد زيك في اوضة واحدة وعلى سرير واحد فمحدش يلومني بقى على اللي ممكن يحصل...
تدخلت "منة"بالحديث:
_"سليم" أنا لا يمكن أكون مع مرأتك بأوضة واحدة إتصرف..

أجابتها "ريم" بغضب:
_وأنا اللي عيوني بتطلع قلوب عشان هكون معاكي مثلا!!..
جذبت "سما" ذراع "سليم" قائلة بتذمر:
_وأنا مش بحب البت نغم دي دمها بارد...
كبتت "نغم" ضحكاتها لتبدو أكثر سخرية عليها:
_يعني يرضيكم أقعد مع واحد وإسمه بسيوني كفة!

إحتضن "سليم" رأسه بجنون ليعلو صوته بالمكان بأكمله:
_بسس، إخرسوا مش عايز أسمع صوت حد...
ضيقت "فاطمة" عينيها بعدم رضا وهي تتراقب حديثهم:
_طيب كل واحدة هتقعد مع حد على الاقل تعرفه ليه انا مع اللي اسمها "يارا" دي أنا معرفهاش حطوني مع "سلمى" أحسن..
"يارا" ببسمة هادئة:
_مالها اللي اسمها "يارا" يا ست بطة أنتِ تطولي تقعدي مع دكتورة نفسوية تحل مشاكلك كلها مجاناً..

وضعت "فاطمة" يدها حول خصرها لتقلد لهجتها:
_بطة دي تحمريها وتحطيها على عشواية حلوة مع حد من المجانين بتوعك لكن أنا إسمي "فاطمة" يا عمري..
سقط "سليم" على المقعد ليصرخ بصوت متقطع من فرط مجهوده المبذول_"مــــــــــــــــــراد"
"رحــــــــــــــــــــــــــيم"...

وفي أقل من دقيقة خرجوا سوياً من المكتب على الصراخ المكثف بالخارج...
التزم الجميع الصمت حينما خرجوا معاً فتطلع لهم" مراد" بغضب لما يحدث في أقل من دقائق من وجودهم بالقصر، حمل كلا منهم باقي حقائبه ليصعدوا للاعلى جميعاً بصمت، وقف "سليم" يتطلع للدرج بغيظ وخوف من القادم فأن كانت الدقائق الاولى هكذا فما سيحدث بعد ذلك...
خرج "يوسف" من المكتب ليلحق بهما فأرتشف من قهوته بأستغراب:
_هو في أيه؟!...

مر "آدم" من جواره بحقائبه فأرتطم به لتنسكب القهوة على ملابسه ليصرخ به بغضب:
_أنت أعمى مبتشفش!!..
ألقي "آدم" بحقيبته أرضاً ليقف أمامه بعصبية:
_هو مين دا الاعمى؟! وبعدين أنت مين وبتعمل هنا أيه ومين أداك الحق أنك تتكلم معايا بالطريقة دي؟!..
لوي "يوسف" فمه بأستنكار :
_وأنت مين أنت عشان أجاوبك من الأساس..
وتطلع لمن يقف جواره بغضب:
_ما تلم قريبك دا يا "رحيم" ...
تطلع "مراد" "لرحيم" بنظرة فهم معناها "سليم" جيداً فتحرك تجاههم ليدفشهم معاً برفق:
_على الأوضة اللي جنب أخوك..
ضيق عينيه بعدم فهم:
_أفندم!!..

أجابه ساخراً وهو يتطلع للجوكر والاسطورة:
_هنا اللي بيقل ادبه مع حد بيتحبسوا فى أوضة واحدة وعلى سرير واحد شالله تقتلوا كلكم بعض وأخلص ...
وأشار له بيديه بحذم وقد اوشكت طاقته على النفاذ:
_إتفضلوا معايا بهدوء..
صاح "آدم" بغضب:.
_أنت مجنون ولا ايه يا سليم هتحبسني مع الكائن اللي معرفش عنه حاجة دا..

أشار "مراد" لسليم باشارة خبيثة فحمل سليم آدم وصعد به للغرفة فقال "يوسف" بفرحة وهو يرأه محمولا:
_تستاهل..
إبتسم "رحيم" بمكر ليشير بيديه لحارسه الخاص فحمل "يوسف" وصعد به خلف "سليم" ليصيح بغضب:
_أنت إتجننت ولا أيه نزلني أنا مش من بقيت عيلتك أنا صاحبك...
وضرب كتف الحارس بغضب:
_أقف يا جدع أنت بقولك...

"رحيم" بلاش هزار أنا عندي شغل الصبح يخربيتك، نزلني بدل ما أطلق أختك...
لم ينصاع إليه فوقف "مراد" لجوار "رحيم" بالقاعة الفارغة ليبتسم براحة وسعادة حينما غمرها بعض الهدوء،إستدار إليه الأخر قائلاً بسخرية وهو يهم بالجلوس على الأريكة:
_لسه بدري لبسمة الأمل دي الطريق لسه طويل...
زفر "مراد" بغضب وهو يلحق بالجلوس لجواره:
_أنت على طول متشائم كدا!..

إبتسم بثبات وهو يريح رأسه على طرفيها ليسترخي قليلاً:
_الحقيقة مش تشائم والأعتراف بيها بيقربك من هدفك...
أرخى "مراد" رأسه هو الأخر جواره مربع يديه خلف رقبته براحة:
_ساعات بتمنى أن اللي حصل زمان دا يتمحي،بس للأسف الزمن مستحيل يرجع لورا...

وتطلع له بملامح تنم عن الأنزعاج:
_أكتر حاجة مجنناني أننا رغم المهارات اللي إكتسبناها من شغلنا وإجتهادنا الشخصي الا أننا مفكرناش ندي لبعض فرصة أو على الأقل نسمع بعض بدون تهديد أو أسلحة!!..
إبتسم "رحيم" ساخراً:
_أنا وأنت...والهدوء...معقول!!..
تعالت ضحكات "مراد" ليشير له بمرح:
_معاك حق بس على الأقل يعني كان ممكن نشوف الصح من الغلط ولا أيه؟!..

إعتدل "رحيم" بجلسته ليشير له بيديه بهدوء:
_يمكن أني بعدت فترة طويلة عن ربنا وعن حياتي وعن نفسي ولبست قناع شخص أنا محبتوش بس اللي أنا مأمن بيه أننا كنا مشين بطريق كله وساوس وسيطرة شيطانية يمكن كل دا كان بهدف ربنا أراده والهدف دا حصل بسببهم هما...
ضيق عينيه بأستغراب ليباغته بسؤالا:
_هما مين؟!..

أجابه "رحيم" ببسمة ثابتة:
_"حنين" و"شجن"...
ران عليه صمت مطولا فيكفي شروده بذكر إسمها،إستكمل "رحيم" حديثه بثقة:
_يعني أنت مش معترف أن حياتك إتغيرت بدخولها لحياتك؟!...

وضعه "رحيم" بزجاجه معبأة بذكريات طفيفة وأغلقها ليطوفه حنين الماضي،رؤية الفتاة القصيرة التى إخترقت عالمه...عالم الجوكر الغامض لتصنع جواً من البهجة الخاصة بهما،جعلته يبتسم لأول مرة،تذكر أول لقاء جمعهم حينما ظنت بأنه إبن من تزوجت به كونه عجوز هرم!!،تذكر نظرات إعجابها به وهيامها بشخصيته الغامضة،نظرات خوفها وحمايتها بأي ستار يقابلها والأجمل من ذلك لسانها السليط وحديثها الذي لا يكف،حبها لتناول مشروبه الخاص ومدحها الزائد لأي فعل يقم به،تذكر أول ليلة جمعتهم كونها زوجة له،تذكر كل شاردة وواردة تجمعه بتلك القصيرة...

راقب "رحيم" بسماته بخبث وهو يقرأ لحظاته الطفيفة من نظرات عينيه،إبتسم معه تارة ورأى شعاع منير من عشقها المتوج،تأجج ألم خافت صارع قلبه هو الاخر فعالم عشقه مشابه لعالم "مراد" ولكن مع حقيقة مرة وأنها لم تقبل به بعد...

وكأنهن إستمعن لنداء قلوب العشاق فأذا بالسيارة تقف أمام الباب الداخلي للقصر فهبطت "حنين" ولحقت بها "شجن" حاملة بعض الحقائب الخاصة بهما،ولجوا معاً للداخل ليتفاجئوا بهم على الأريكة بأنتظارهم،توجهت "شجن" للأعلى متحاشية التطلع إليه أما "حنين" فأقتربت منهم ببسمة تنطق بسعادتها:
_"مراد" قولي أنك مأكلتش لسه،جبتلك معايا بيتزا رهيبة...

كان هائم بذكرياته وهي أمامه بأبتسامتها الحالمة فظن بأنها من أحدى زويا رؤياه،إنكمشت ملامحها بأستغراب وهي ترأه صامت أمامها فقط يرسم بسمة ساحرة تكاد تخدرها ببطء، نادته بلهفة:
_"مراد" أنت سامعني!...

كبت "رحيم" ضحكاته ليهزه برفق فأستعاد ذهنه المفقود وثباته المهيب ليستقيم بجلسته بهدوء:
_أحمم... بتقولي أيه؟!..
إقتربت منه بأرتباك من نظراته المسلطة على عينيها فتستهدفها للأسر،فتحت الأكياس لتخرج منها علبة مغلفة بأحكام لتضع أمامه الطعام مشيرة له بأرتباك:
_بقولك جبتلك بيتزا...

إبتسم وهو يتأمل نظرات إرتباكها فعاونها على فتح العلبة ليضعها جوار"رحيم" مشيراً له بأن يبدأ بالطعام،أشار له بيديه بخفة:
_لا ماليش بالأكل دا ألف هنا على قلبك...
غمز له "مراد" بمكر:
_أسف نسيت أنك مش بتحب غير الأكل الصحي عشان جسمك...
جذبت "حنين" جزءاً منها لتقدمها له ببسمة مرح:
_حتة صغيرة مش هتأثر على العضلات يا عم...
تناول منها "رحيم" ما تحمله ببسمة هادئة على حديثها الذي ينجح برسم الضحكات على الأوجه ليتوجه للصعود للاعلى...

بغرفة "آدم"...
كان يجلس على أحد المقاعد واضعاً قدماً فوق الأخرى، يتطلع بسكون عجيب لمن يطرق الباب بكل ما أوتى من قوة والغضب ينهش حدقتى عينيه ليصيح بغضب:
_حد يفتح الباب دا بلاش هزار...
لم يستمع إليه أحداً فعاد"يوسف" للطرق مجدداً محدثاً جلبة عظيمة:
_إفتحوا الباب دا بدل ما أرتكب جناية...

إبتسم "آدم" ساخراً على كلماته فخرج عن صمته قائلاً بسخرية:
_أنت محبوس هنا عشان قليت ادبك بالكلام فكر تعمل الجناية بتاعتك دي وهتخش المعتقل الحقيقي......
إبتلع ريقه بتوتر فترك الباب وجلس لجواره قائلاً بأهتمام:
_تفتكر ممكن يعملوا كدا؟!...
أجابه ببسمة ثقة:
_أيه اللي تعرفه عن "رحيم زيدان" والجوكر!،لان الواضح ليا أنك علاقة من بعيد...

إبتسم "يوسف" على كلماته المختصرة الموضحة لأجزاء من حياتهم ليقول بأشارة بسيطة من رأسه:
_أنا معرفش غير "فريد" أو بالمعني الأصح النسخة الجديدة من "رحيم زيدان"...وموجود لصلة تانيه،" نغم" تبقى مراتي
ضيق"آدم" عينيه بذهول:
_هو أنا فاتني كتير بالغربة!...
تعالت ضحكاته ليرفع يديه بالأخرى بسخرية:
_تسمع؟...

أشار له ببسمة ترحاب:
_أكيد،إحكي أحنا ورانا أيه يعني...
شاركه الضحك:
_على رأيك،إسمع يا سيدي...
وشرع بقص ما حدث على مسمعه...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة