قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني للكاتبة آية محمد الفصل الرابع عشر

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني بقلم آية محمد

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني للكاتبة آية محمد الفصل الرابع عشر

( وعشقها ذو القلب المتبلد )

نظرات غامضة بين"مراد" و"نجلاء" دفعتها لتذكر ما حدث بالساعات القليلة الماضية..

مر "عمران" من أمام أعينهم بخطوات مرتبكة والسلاح بيديه ينتقل معه بكل خطوة يخطوها، كاد عقله بأن يتوقف عن العمل، راقبه "طلعت" بأستغراب لما يحدث معه ولكنه حاول أن يتجاهله بنظراته قدر ما إستطاع، تمسكت "نجلاء" بذراعيه بخوفاً شديد من السلاح الذي يحمله "عمران" ، إحتواها "طلعت" بتشديده على يديها ليشير لها بالهدوء فهو يعلم بأنه إن كان يريد قتلهما لفعلها منذ البداية...

حك بفوه السلاح رأسه وهو يردد بغضب يصاحبه الحقد:
_بعد كل اللي عملته دا مستحيل يبقوا مع بعض مستحيل ينسو العداوة اللي بينهم..
ضيقت "نجلاء" عيناها بعدم فهم عن ما يتحدث أما "طلعت"  فبدى الأمر أكثر وضوحاً إليه، إستكمل "عمران"  حديثه بكره شديد بعدما حطم زجاج النافذة بالسلاح الذي يمتلكه:
_مستحيل "مراد" و"رحيم" يبقوا أيد واحده مستحيل...

أجابه "طلعت" ببسمة سخرية وبكلمات طعنت ما تمكنت من كبريائه:
_مستحيل ليه؟! ، الدم بيحن أكيد عرفوا غلطهم...
إقترب منه لينحني ليكون على نفس مسافته قائلاً بعصبية:
_مش هيحصل حتى ولو كان على جثتي يا "طلعت" ، وزي ما حطيتهم الأتنين بمهمة واحدة عشان يخلصوا على بعض قادر أوقع بينهم وأخليهم أسوء من الأول...
إرتعبت "نجلاء"  من حديثه فشددت من ضغطها على ذراع طلعت الذي ربت على معصمها ببسمة هادئة ليستكمل كلماته وعيناه تقابل عين عدوه اللدود:
_اللي عندك إعمله...

جز على أسنانه بضيق لينهض عن الأرض متوجهاً للخروج ولكنه توقف على كلمات "طلعت":
_ بس خاليك متأكد أن" مراد" مستحيل يخسر أخوه لتاني مرة...
إستدار لمقابلته ببسمة ساخرة:
_دا على الأساس أنه مكنش هيقتله أكتر من مرة!،ولا على أساس أنك عارف طباع "رحيم" اللي قضيت معاه تلات أو أربع سنين!
إبتسم "طلعت"  بثقة لم تهتز لوهلة:
_يمكن ملحقتش أعرف "رحيم"  بس معرفتي بمراد تخليني أحذرك لأن تفكيره يخليني أشفق على أعدائي منه ما بالك بصديق زيك!  ..

قال كلماته ببسمة جعلت "عمران" يبتلع ريقه بأرتباك من مجرد التفكير بالأمر، خشي أن يشعر "طلعت"  بخوفه فتوجه للخروج ولكنه توقف حينما إنقطع التيار الكهربي من المكان بأكمله، طرق "عمران" الباب ليفتح له أحد رجاله ممن يقفون أمام الغرفة التي يحتجز بها "طلعت"  ولكن لم يجيبه أحداً، بدأ الخوف يستحوذ على فكره فأضاء(كشاف)  هاتفه ليصيح بصوتٍ مرتفع متعصب:
_حد يفتح الزفت دا...

لم يجيبه أحداهما ليعلو أصوات الطلقات النارية المكان فتراجع "عمران"  للخلف بخوفٍ شديد، ليحاول الأتصال بأحداً من رجاله ولكن بدون جدوى...
جذب "طلعت" "نجلاء"  لخلف أحد الأعمدة العملاقة التى تملأ الغرفة بأكملها تفادياً للطلق الناري أو أي رد فعل سيحدث، إقتربت الخطوات تجاه الباب الذي يضم ثلاثتهم ليضربه أحداهما بالرصاص فأنفتح الباب على مصراعيه...

سلط "عمران" ضوء هاتفه على الباب ليرى ماذا هناك ولكن لم تمكنه من رؤية من يقف أمامه فقال بضيق بعدما ظنه أحد رجاله:
_أيه اللي بيحصل بره دا!...
إبتسم الشبح الذي يقف أمامه، فرغم وجوده أمام أعينه الا أنه مازال غير مرئي، خرج "طلعت" و"نجلاء" ليقف كلاً منهما بالخلف بالظلام، إقترب "عمران" منه فكاد بتسليط ضوء هاتفه على وجهه ولكنه سقط أرضا حينما تلقي لكمة قوية ممن يقف أمامه جعلت الهاتف يلقي جواره أرضا، تمسك بفكه الذي ينزف بشدة ليردد بصعوبة بالحديث لظنه بأن أحدا من رجاله يفشل تعرفه عليه بالظلام!:

_أنا "عمران" بيه يا كلب...
إبتسم ساخراً فإمتلأت الغرفة بالمدرعات البشرية ليقول أحداهما بأحترام لرئيسه:
_كله تمام يا باشا...
إستمع "عمران" لصوت هذا الرجل الغريب فربط أحداث ما يحدث مع كلمة الباشا الملقبة "لرحيم زيدان" فردد بصدمة:
_"رحيم زيدان"!...
فور تفوه إسمه أسرعت "نجلاء"  بالظلام قائلة ببكاء وهي تستعمل يديها كبصيرة لها:
_"فريد"، إبني!...

كادت بأن تتعثر لتحتضنها ذراعيه فأحتضنته "نجلاء" ببكاء، تخشبت قدم "طلعت" محله فهو الوحيد الذي خمن من بالغرفة، رائحته من الصعب عليه نسيانها وخاصة حينما قضي أيام فراقه بأستنشاقها ليعوض حنينه إليه...
 عاد ليقف خلف الأعمدة حينما عاد الضوء ليشعل من جديد فكان يخطف النظرات لمن يوليه ظهره، قلبه ينتفض بعنف لرؤية وجهه وكيف أصبح بعدما غدا رجلاً قوياً يخشاه الكبير قبل الصغير...

تباعدت عنه "نجلاء" لتتطلع لوجهه فتلاشت بسمتها وهى تتأمل هذا الشاب الغريب الذي يتمسك بها، لا تعلم لما شعرت بشيء عجيب تجاهه ولكنها مازالت مرتبكة..
_"مراد"!...
قالها "عمران" بصدمة وهو يتأمل وجهه جيداً بالأضاءة التى عادت لتنير الغرفة من جديد،أشار الجوكر بيديه لرجاله ليقيدوه جيداً بينما ظل كما هو يتمسك بنجلاء التي رددت بذهول وهي تتأمل وجهه بأهتمام:
_أنت "مراد"؟!...

قبل يديها بأسف عما فعله بماضيه من أخطاء بحق هذة المرأة،عاونها على الجلوس بركناً بأخر الغرفة لينحني أسفل قدمياها قائلاً ببسمته الجميلة:
_أيوا أنا يا أمي...
حينما تفوه هذة الكلمة شعرت وكأن قلبها يتراقص بقوة ليمحي ما حدث من جديد،صمتها جعله يباغتها بسؤالاً مرتبك:
_أسف لو ناديتك بأ...

قطعت كلماته حينما قالت بفرحة ودموع تلمع بالسعادة:
_لأ أنا مش مصدقة أنك نادتني كدا وبالسرعة دي من غير ما حتى يكون في بينا معرفة..
إبتسم"مراد" بخفة وهو يحاول أن يتنشلها من الأجواء التي حدثت وستحدث هنا:
_أي شيء يخص "رحيم" فهو يخصني وأكيد أنتي هتكوني بمقام والدتي...

مررت يدها على وجهه بحنان وسعادة تكاد توقف قلبها الذي يخفق بجنون فتذكرت طلعت لتلتفت يميناً ويساراً بأستغراب ولكن جذب إنتباهها صرخات "عمران" الغاضبة بعدما علقه الرجال بحبال غليظة بأحد الأعمدة ليقف "مراد" من أمامه بنظرات تحد وغضب يكاد يفتك به،إبتلع ريقه بصعوبة وهو يرى نظراته الشرسة ليجاهد بالحديث وهو يحاول تخليص ذاته من الأحبال الغليظة:
_أيه اللي بتعمله دا؟!...

رمقه بنظرة غلفته من أخماص قدميه إلى رأسه ليجعله بأشد حالات رعبه بالتخمين عما يفكر به تجاهه،خرج صوته أخيراً داعياً لنظراته الأشادة بأخطارها:
_أنت اللي عملت لكن أنا لسه...
ثم أشار لأحداً من رجاله ليحضر له مقعداً سريعاً ليجلس أمامه مباشرة،واضعاً قدماً فوق الأخرى بتعالي وكبرياء،مشيراً بيديه للحرس ليضع أحداهما سلاحاً بيديه ليضعه أمام وجه "عمران" الذي إرتجف رعباً،رفع "مراد" حاجبيه بأستنكار:
_لا أجمد الليلة لسه طويلة...

حرك "عمران" ذراعيه المربوط بعنف قائلاً بغضب:
_أنت فاكر أن "ريان" هسيبك في حالك لو عرف باللي أنت بتعمله دا!..
عبث بسلاحه يميناً ويساراً متعمداً غرس الخوف به أكثر،ليقول بمكر:
_ عارف أيه هي مشكلتك يا عمي؟!...

تطلع له "عمران" بخوف فنهض "مراد" عن محله ليطوف حوله كالوحش المقيد وما أن سيحل وثاقه حتى سيلتهمه حياً:
_أنك عايش حياتك ورا ستار أسود بتخبي وراه وشك وحقيقتك الواسخة واللي أغبي من كدا أنك فاكر أن محدش شايفك...
ثم وقف أمام عينيه ليبتسم بسخرية:
_الرصاص اللي إتضرب عليا أكتر من مرة والرسايل اللي كانت بتوصلي والمهمة اللي جمعتني برحيم  كل دا كان بيديني إشارة إن في حد ورا كل دا...

ولكمه قائلاً بغضب:
_لعبت مع الشخص الغلط للأسف فلازم تستحمل نهاية أفعالك..
وأشار بيديه على "نجلاء" قائلاً بغضب:
_وأخيرهم كنت عايز توقع بينا من جديد فخطفت والدته عشان تلبسهاني مش كدا؟!..
إبتلع ريقه برعب جلي فمراد الوحيد الذي علم السبب الحقيقي وراء خطفه لنجلاء،لكمه "مراد" بغضب حتى سقط بالأحبال أرضاً ليشيعه بنظرات إستحقار ليكمل كلماته بغضب:

_أيه إتصدمت!،مكنتش فاكر إنك مكشوف بالنسبالي كدا...
وإنحنى ليجذبه مجدداً أمام عينيه ليكمل بنظراته المميتة:
_أنا كاشف ألعابك القذرة دي من زمان من أول ما إكتشفت أنك ورا موت أبويا،ساعتها أقسمت أنك هتعيش العذاب أضعاف،مكنش من السهل إني أريحك برصاصة لا أنا خطتت طول السنين اللي فاتت للحظة دي يا...ها...يا عمي...

ونهض عن الأرض ليرفع يديه بسخرية:
_وزي ما بيقولوا كنت بتلكك وأنت اللي ضغطت على زر الأستعجال لقدرك وجيتلك بنفسي أحققلك رغبتك بس مع أخر كارت...
وغمز بعينيه الزرقاء بمكر:
_إعتبره مكافأة أخر الخدمة...
وأشار لرجاله فتنحوا عن طريق الباب لتظهر تلك الفتاة من خلفهم،فردد "عمران" بصدمة:
_"كريستينا"!...

إبتسمت بسخرية لتضع يدها على كتفي "مراد" الذي يقف بثبات عجيب، وعيناه تشع كالبلور التي تحميه أشعة زرقاء بمظهرها الخلاب ولكنها بذات الوقت خطيرة قد تفتك بمن حولها...
تطلعت له بنظرة كره لتشير لمراد بأعجاب عما فعله به:
_حققت وعدك لي "مراد" ولكني مازلت أراه حياً!..
تطلع لها بصدمة ليحاول الحديث بصعوبة بالغة:
_"كريستينا"!...

لم تتغير بسمته الساخرة ليقترب منه مجدداً متعمداً الصمت لفترة،جعلت الأخر يكاد يقتل من الذهول  ليشق صوته حاجزه:
_المميز فيا يا "عمران" أني بحط إعتبار للصغير قبل الكبير،ليا عيون بكل مكان خاص بعيلة "زيدان" ورغم أنك مش بالأهمية اللي تخليني أحطك في دماغي بس برضو حطيتك تحت عيوني من البداية...
وإقترب ليهمس بآذنيه ببسمة تعج بالشر:
_أنا اللي وقعت "كريستينا" بطريقك من البداية...

وإبتعد عنه ليتمكن من رؤية وجهه بوضوح،سحب "مراد" زناد السلاح مشيراً إليه بحدة:
_وقتك خلص ودورك بلعبتي إنتهى...
إزدرد ريقه الجاف بصعوبة فأغلق عينيه بخوف من إختراق الرصاص صدره،عجل بقابض روحه حينما خطف "نجلاء"...
كاد بالضغط على الزناد لينطلق صوتٍ ما بالمكان بأكمله جعل الجميع ينصاع إليه:
_علمتك تنتقم من غير ما تقتل وتلوث أيدك...

تخشب جسده ونظراته على عمران الماسد أسفل قدميه،من المحال سماعه لصوت شخص دفن منذ سنوات،ببطء شديد إستدار"مراد" وعقله يرفض تصديق ما سيرأه من قبل رؤيته،ليصعق كلياً حينما رأه أمام!..
وجهه يعكس تقدمه بالعمر،شعره يغمره الشيب،كان يفتقد لرؤياه بعدما بعد عنه لأعواماً متتالية،ربما الظلام إنتشاله لأهوام إستحوذت عليه،ولكن مهلاً نظرات الجميع مسلطة عليه أي أنه لا يرأه بمفرده،فهو حقيقة..."طلعت زيدان" مازال على قيد الحياة!...

إبتسامة حزينة جابت وجهه وهو يرى إبنه أمامه بعد فترة من الفراق دام لأعوام وأعوام،يرأه أخيراً أمام عيناه وجهاً لوجهاً،شاباً قوي بملامح مطبوعة بالشموخ والكبرياء...
تصلب بمحله فود أن يستجيب جسده لأوامره ويقترب منه ولكنه لم يتمكن فأقترب منه "طلعت" ليرفع يديه على كتفيه بدموع سقطت على وجهه رغماً عنه:
_كنت خايف أموت قبل ما أشوفك وتسامحني يا مراد...
لمساته فصلته عن شرود عالمه وحقيقة واقعه ولكن الألم كان أصعب من ذلك فأستدار بسلاحه تجاه "عمران" ليصرخ بغضب هالك:
_كلب...

وأطلق الرصاص فرفع طلعت يديه للأعلى حتى أصيب سقف الغرفة بدلاً عنه معقباً على حديثه:
_لا قتلك  راحة له وعذاب لريان اللي هيدور على إنتقامه وأنا مش هسمح للماضي أنه يعيد نفسه من جديد،مش هسمح للأمل اللي إتولد على أيدك أنت وأخوك أنه يتهدم تاني،عيلة زيدان هتكون أيد واحدة فاهم...

إحتضنه "مراد" بقوة وهو لا يصدق ما يرأه،ربت "طلعت" على ظهره بقوة وكأنه ينقل له عذاب ما رأه بتلك الغرفة بعيداً عنهما ولفراقه هو بالأخص.
أفاق من شروده على هزات "رحيم" العنيفة فأستعاد كامل ثباته قائلاً بهدوء:
_في حاجة يا "رحيم"؟...

ضيق عينيه بغموض وهو يتأمله،فحك ذقنه النابتة قائلاً بمكر:
_لا مفيش بس أنت قولتلي لقيت أمي فين وسابت البيت ليه؟!..
إبتلع"مراد" ريقه بصعوبة لعلمه بأن كلمات طلعت إليه لا تتماشي مع شخص بدهائه فقال بثبات:
_هي أغنية ولا أيه قولتلك هي سابت البيت لأنها كانت حزينة عليك وعلى العداء اللي بينا وواحد من رجالتي قالي أنها بأسكندرية فسافرت وجبتها...

إبتسم "رحيم" بخبث ليجذب جواز سفر مراد من جيب جاكيته قائلاً بسخرية:
_ولما أنت كنت جوا مصر دا بيعمل معاك أيه؟!...
تدخلت "نجلاء" سريعاً بالحديث:
_هو في أيه يابني دا شكرك ليه أنه قدر يقنعني عشان أرجع ليك!...
تنحنح "رحيم" بحرج:
_أنا كنت بس أ...

قطعت كلماته حينما إقترب مراد منها ليتمسك بذراعيها قائلاً ببسمته الساحرة:
_أكيد أنتِ تعبانه من الطريق يا أمي تعالي أوريكي أوضتك..
إبتسمت "نجلاء" براحة له لتستند على ذراعيه وتتابعه بخطواته للأعلى والأخر يراقبهم بالأسفل بنظرات غير مريحة ليهمس بشك:
_مش مرتحلكم...

دق هاتفه برقم رفيقه فرفع هاتفه بأنزعاج:
_مفيش جديد!..
أجابه "يوسف" بغيظ:
_هو أنا لحقت  يابني،بحاول أخليها ترجع بدون ضغط...
ألقي "رحيم" بكأسه بغضب:
_لسه بتحاول يا يوسف أنا خلاص مش قادر أفصل بالمكان دا كتير يا ترجعها يا هجي أخدها بالعافية واللي يحصل يحصل..

أجابه مسرعاً:
_لا أوعى هتضيع كل اللي عملته،إنقاذك ليها وسماحك بأنها تخرج من القصر زال عقبات كتير بلاش تسود الدنيا...
مرر يديه بخصلات شعره البني الذي إستجابت له وتحررت لتساقط على عيناه وجهه بأكمله،إرتبك "يوسف" بالحديث:
_أنا كنت مكلمك عشان عايز أتكلم مع نغم مش مدياني فرصة أكلمها أو حتى أشوفها..
إبتسم بخبث:
_تنجز مهمتك مع شجن أخليك تشوفها وتكلمها..
وأغلق الهاتف ببسمة مكر لسهولة إنجاز مهامه الأن...

بقصر "ريان عمران"...
كان يجلس" مروان"جوارها على نفس ذات الأريكة وهى تتابع التلفاز بأهتمام،تردد كثيراً بأن يفعل ما يجوب بخاطره ليضع يديه فوق يدها الموضوعة لجوارها،فزعت "سارة" بشدة لتنهض من محلها مرددة بحدة:
_أيه اللي أنت بتعمله دا؟!...

وقف أمامها بهدوء:
_عملت أيه؟!...أنتِ مش شايفه أنك بتكبري المواضيع شوية...
رمقته بنظرة نارية لتترك القاعة بأكملها ثم صعدت لغرفتها سريعاً فلحق بها الأخر...
كادت بأن تغلق باب غرفتها ليضع قدميه عائقاً حتى لا تتمكن من إغلاقه،ولج خلفها ليغلق الباب هو فتعجب من يراقبهما من بعيد لما يحدث ليخرج من غرفته بلهفة ليرى ماذا هناك؟!..

بالداخل...
إقترب منها بملامح لا تنذر بالخير ليصيح بغضب:
_هو في أيه بالظبط،أنتِ ليه بتحسسيني أنك مخطوبالي غصب!..
أجابته "سارة" بلهجة ساخرة للغاية:
_دي الحقيقة...

تطلع لها بصدمة فقالت بصراخ محفز بعذاب فراقها عن من أحبته بصدق:
_فوق بقى أنا عمري ما حبيتك ولا هحبك أيوا دي الحقيقة المكان اللي عايز تكون فيه لواحد غيرك ..
هوت كلماتها على مسماعه كالصاعقة لتكمل ببسمة إنتصار رغم دموعها المنهمرة على وجهها كالشلال
_عايز تعرف مين اللي قلبي أختاره ؟ ...

رفع عيناه لها بعدم تصديق فأقتربت منه  بتعمد لتقول بسخرية
_أكيد عندك فضول تعرف مين اللي فضلته عليك!...
صمتت لوهلة لتشعل جمرات النيران بقلبه مثلما كانت تحترق كلما حاول التقرب إليها، لم يحتمل كلماتها فهوى على وجهها بصفعات قوية صرخت لأجلها بألم ، جذبها من حجابها بغضب لتقابل لهيب عيناه قائلاً بصوتٍ كالرعد _هقتلك وهقتله...

تطلعت له بتحد فشدد من ضغطها على حجابها لتصرخ بقوة فصاح بصوته القابض للأرواح _مين هو ؟ ..
بقيت صامته لوهلة ولكن أمام قواه التي فتكت بعظامها قررت تحرير تلك الكلمة المكبوتة بآنين فقالت والدموع رفيقتها _ "ريان" .. أخوك ..
تحررت أصابع يديه من عليها واحدة تلو الأخرة بصدمة،شعر بتجمد قدميه فلم تعد تحمله على الوقوف، أستند على الحائط بعدم تصديق لما قالته ..كان يود قتل ذلك الشخص منذ دقائق فكيف سيقتل شقيقه الأكبر!...

دقات على باب الغرفة تجتازها القوة والخوف حينما إستمع لصوت صراخها،صاح بحدة _"مروان" أفتح الباب دا فوراً ...
أنصاع جسده لأمر أخيه الأكبر فتوجه للباب كأنه جثة تتلقي الأوامر فقط ...
ولج للداخل وعيناه تجوب الغرفة بقلق بادي له _فى أيه ؟ .
رأها تفترش الأرض والدماء تندثر من وجهها كالسيل،ذبح قلبه فلم يتمكن من التحكم بذاته ليهرول إليها سريعاً بلهفة _"سارة" ! ..
تطلعت له بنظرة قاتلة ما بين العتاب والألم ...العشق والكره ...الحب والأنتقام ...الحيرة والعتاب ...

رفع يديه تلقائياً يزيل دمائها بأطراف أصابعه لم يرى نظرات أخيه ولم يستوعب ما يفعله، ثواني وأستعاد هيبته الموقرة ليقف بأتزان بعدما عاونها على الوقوف ..
إقترب من أخيه بغضب _فهمني أيه اللي بيحصل هنا ؟ .
رفع "مروان" عيناه ليطوفه بنظرة مطولة وكلمات تملأ نظراته يصعب قولها ..
تراقبت ملامح وجهه بأهتمام، صاح "ريان" بصوتٍ منفعل _لما أكلمك تجاوبني ...

خشي أن ينسى ما فعله أخيه لأجله فأنسحب على الفور، هرول للأسفل بعيداً عنهما ليتوجه لمكانه المفضل ليصعد على متن فرسه المفضل ويركض به بعيداً عن القصر لعل الهواء يريحه قليلا لا يعلم بأنه على أول طريق اللقاء بعشقه الخفي! ..
أما بالقصر ...
تراقب الطريق الذي غادره بغضب لعدم مبالاته بحديثه فأستدار لها بملامح ثابته _عملتي أيه عشان "مروان" يرفع أيده عليكي ؟
إبتسمت بسخرية تخفى ألم أعظم_هتفرق ؟

ضيق عيناه بغضب _متحاوليش تتذاكي عليا
أزدادت بسمتها وهى تقترب منه _.عرفته الحقيقة ..
تلونت عيناه بلونها القاتم فأسرع بالحديث _حقيقة أيه ؟! ..
إبتسمت ببرود _حقيقة حبي ليك ..

شدد على شعره بقوة ليزفر بغضب جامح وعيناه ترمقها بنظرة نارية_أزاي تعملي كداا .. أنتِ أكيد مجنونه ..
هوت دمعاتها بألم _المجنون دا هو أنت لما ضحيت بحبك بسهولة عشان أخوك ..
أستدار سريعاً حتى لا ترى عينيه _أنا محبتكيش وأنتِ عارفة كدا كويس وقولتلك ألف مرة بس أنتِ اللي مصممه ..
بدت كالعصا الهشة لم تعد تحتمل أكثر من ذلك فقالت ببكاء _أنت أعترفتلي بحبك  ! ..
تطلع لها بثبات _أنا كنت بشفق عليكِ بعد موت "خالد" لا أكتر ولا أقل ..

تراجعت للخلف خطوة وقلبها يزداد شرخه فأقترب منها ليكمل بثبات وهدوء بعد محاولات_فوقي يا "سارة" "مروان" بيحبك بجد بلاش تخسريه .
تأملت عيناه الغامضة لثواني ثم إبتسمت والدموع تأبي ذلك _شفقة ! ..
أشاح بنظراته عنها وإستدار ليوليلها ظهره حتى لا ترى عشقها يحطم عينيه ويمزق صدره بلا رحمة، تراجعت للخلف بألم ومع كل خطوه كأنها تمحى عشقه بقسوة مثلما فعل، تراجعت وتراجعت حتى خرجت من الغرفة ومنها أسرعت بالركض لتخرج من هذا القصر الذي أصبح كالجحيم ...

أكمل "ريان" حديثه وعيناه تكبتها الدموع _أنا كلمت خالك والفرح خلاص هيتعمل الأسبوع الجاي فاضل بس شوية ترت...
إنقطعت كلماته حينما إستدار ولم يجدها فهرول للخارج قائلاً بصراخ _"سارة" ..
أسرع للأسفل وعيناه تطوف القصر بأكمله وصوته يعلو بلهفة _ساررررة ..

بالخارج ...
ركضت وكلماته تترنح على مسماعها .. ذكرياته تطوف بها ...عيناه البندقية تراها ملازها ... همساته القاتلة ..لمساته الحنونه ...عشقه الاهوج حرقها قدمها لاخر ويخبرها بأنها شفقة  ! ..
الموت ...نعم انه بالنسبة لها الخيار الامثل ..
وقفت أمام النهر الهائج بأمواجه الثائره ترمقه بنظرات غامضة، أستندت بجذعها على الحديد لتصعد على سوره وتنهي حياتها البائسة ...
عبرت الحاجز وبقيت بين مسافة قليلة ستلقي بها لأحضان الموت ..
_ساررره ...

صوته أتى من خلفها أستدارت لتراه أمامها فأبتسمت وهى تتراجع بظهرها للخلف حتى كادت بأخر خطوة للسقوط، صعد فوق الحاجز ليكون على مسافة قريبة منها، عيناه على اخر مسافة أسفل قدماها، ابتلع ريقه برعب قائلاً بثبات _بلاش جنان  ..
إبتسمت بعشق وهى تتأمل ملامحه للمرة الاخيرة _كنت هزعل لو مشفتكش للمرة الاخيرة ..
وزع نظراته بينها وبين الفاصل الصغير قائلاً برعب _تعالي نقعد فى مكان ونتكلم ..
أشارت نافية _مبقاش في كلام خلاص .

ثم قالت بدموع _ كل اللي عايزاك تعرفه أني حبيتك أوي من قلبي وعمري ما شوفت نفسي لحد غيرك ..
لمعت عيناه بالدموع قائلاٍ بألم _اللي بعمله دا عشانك يا "سارة" ..
إبتسمت بسخرية _جوازي من أخوك ؟ ..
ولا عطفك عليا بعد وفاة أخويا ؟ ..

أقترب منها وعيناه تتنقل بين المسافة من خلفها _مش صح  أنتِ أحلى حاجة حصلتلي فى حياتي ...الايام اللي كنت فيهم جانبك يكفوني أكمل عمري ..
تطلعت له بعدم تصديق وسعادة فأستغل أنشغالها به ثم جذبها بقوة بعيداً عن الحاجز لتنقلب نظراته بغضب _جنونك دا هيكون له حد أنا خلاص كلمت خالك وهيرجع بكرا عشان إجراءات الجواز
ثم جذبها بعنف_..أمشي معايا ...

صدمت ببدأ الامر فجذبها بضع خطوات ولكنها أنتشلت ذراعيها بقوة قائلة بصراخ وقد بدت بالانهيار _أنت عايز مني أيييه أنت السبب فى كل اللي أنا فيه ...
ثم هوت أرضاً بأستسلام لتبكي بألم _ليه دايماً بتديني أمل وترجع تحطمه ...ليه بتديني الحياة وترجع تسحبها مني  ...أنت عايز تكسرني وأنا خلاص أنكسرت لسه عايز أيه ؟! ..

جلس أرضاً جوارها قائلاً بألم والدمع يتلألأ بعيناه  فرفع وجهها إليه_ هكسرك إزاي وأنتِ أغلي من روحي ! ..
تطلعت له بيأس فلم تعد تتمكن من فهمه، استرسل حديثه بعشق _أنا بعشقك .. بس مينفعش تكوني ليا
أجابته بصراخ _لييه ؟ ..
إبتسم بألم _أنا إتحكم عليا بالأصعب من الموت نفسه،يعني خلاص يا "ساره" أنا إنتهيت ! ...

كلمات غامضة قالها عاشق حطمه القدر ولكن ربما ستجول الاحداث بين أربع أطراف من داخل قصر "ريان عمران...
تركها محلها وأكمل طريقه للعودة للقصر فلحقت به لتتمسك بذراعيه قائلة ببكاء إخترق عذرية قلبه الذي لا يعرف سواها:
_أنت ليه مش قادر تفهم أني مقدرش أعيش من غيرك،ليه مش قادر تستوعب أني بحبك أنت..
إبتعد بذراعيه عنها قائلاً بحزن:
_مينفعش يا"سارة"...

وتركها وأكمل طريقه والأخرى تتابعه بعينين تشتعلان غضباً لتخرج عن حاجز الصمت بصراخها الجنوني:
_أنت فاكر أنك لما تفقد رجلك فدا هيأثر على حبي ليك!..
توقف محله بصدمة من معرفتها بالأمر فأستدار ببطء ليكون أمام عيناها قائلاً بصدمة:
_أنتِ بتقولي أيه؟!..

أسرعت لتقف أمامه مجدداً بعينين متورمتان من أثر البكاء:
_أنا عرفت كل حاجة مفيش داعي تنكر..
ثم قالت بعتاب صريح:
_ أنت تفكيرك كله غلط يا ريان،بس متقلقش أنت فعلاً خسرتني...
وتركته وغادرت وهو يقف محله بعدم إستيعاب لما يحدث أمام عينيه،

بأحد غرف قصر"رحيم زيدان"...
وقفت"نجلاء" أمامه ببسمة هادئة فقالت بأعجاب:
_لا بجد المكان جميل...
أجابها "مراد" بثبات وكأنه يجاهد لمحاربة أخر عقبة من ماضيه:
_ دا الجناح الخاص ببابا...
علمت بأنه كان يتشاركه مع والدته فقالت بأرتباك وهي تهم بالخروج:
_أنا ممكن أفضل في مكان تاني...
تمسك بها والأخرى تتطلع له بذهول فقال:
_لا دا مكانك ومكنش ينفع يكون لغيرك...

إنسابت دموع نجلاء دون توقف فأخيراً عوضها الله عما عانته لأعوام،أخيراً تفهم مراد بالحقيقة وأنها أول من سكنت قلب "طلعت زيدان" وليس بعاهرة إنتشالته من زوجته وأولاده كما زعموا!..
لم بحتمل بكائها فأحتضنها بحنان قائلاً بمرح ليخفف حدة الامر بينهما:
_أنا مش خايف غير من رحيم صدقيني لو بابا مظهرش وقاله الحقيقة هيعرفها من نفسه أو ممكن يستدرج مني المعلومات على طريقته الخاصة..

تعالت ضحكاتها لتبتعد عنه قائلة بتحذير:
_أحنا نعمل اللي "طلعت" طلبه مننا مدام فى دا الصلاح للعيلة كلها..
أشار لها بخوف مصطنع:
_والهلاك ليا...
إبتسمت وهى تربت علي كتفيه:
_بعد الشر عليك يا حبيبي...
_أنت بتخوني تاني يا "مراد"!...

صوتها إنطلق بالجناح كالرعد فأستدرت"نجلاء" بأستغراب لما تقوله تلك الفتاة أما "مراد" فحرك رأسه يميناً ويساراً ليتمكن من التحكم بذاته لتصدر صوتاً مرعباً...
إقتربت منهم "حنين" بنظراتها الشرسة فقطعت "نجلاء" حدة الأجواء قائلة بلطف:
_دي مرأتك يابني...
إستند بجسده على الحائط واضعاً يديه بجاكيته:
_للأسف الشديد...

إشتعلت عيناها غضباً من كلماته فخرجت عن صمتها بغضب أشد:
_طيب مش هتعرفنا؟!..
فشل بكبت بسمته الجانبيه على تلك المجنونة التى تكره أن تقترب منه أي من لقبت بنسل النساء،فعفت عنه "نجلاء" بأجابتها لتقول ببسمة تمنحها مظهر خلاب مخلد بالحنان:
_أنا أم "رحيم" و"مراد"...

إبتلعت لسانها بصدمة لتستدير للخلف لتلطم وجهها برفق محدثة ذاتها بصوتً منخفض:
_يادي الفضايح الولية تقول عليا أيه الوقتي غيرانه على إبنها منها بس إزاي مش امه ماتت لا في حاجة غلط..
منحته "نجلاء" سعادة لا تقدر بالمال حينما نسبته بالأبن لها،رأت "حنين" كم السعادة القابع بعينيه فأبتسمت بسعادة فتطلعت لنجلاء ببسمة هادئة تلاشت حينما تذكرت حديث "أشجان" عنها فقالت بحماس:
_أنتِ نوجه؟!..

تعالت ضحكاتها لتقول بعدم تصديق:
_أيوا أنا نوجة بس أ...
قطعتها قبل أن تسألها بسؤالا منطقي:
_"أشجان" حكيتلي عنك كتيييير...
تلاشت بسمتها لتقول بلهفة:
_أشجان هي فين؟!..
تطلعت لها بحزن:
_لا حوار طويل تعالي نقعد وأنا أحكيلك كل حاجة...
أشارت لها ببسمة هادئة:
_تعالي...
تابعهما "مراد" بفرحة ليجذب جاكيته على ذراعيه متوجهاً لجناحيه حتى يبدل ثيابه ويستريح قليلاً...

رمح الخيل بأقصى سرعة يمتلك وكأنه ينصاع لأوامر فارسه،خطى فوق الرمال التى تحد المياه من الجوانب،شعر وكأن الهواء البارد الذي يقابل وجهه وكأنه صفعات متتالية له...
كلماتها كانت تفترش أمامه على صفحات مياه البحر الأزرق ليخطو بخطوط سوداء معتمة كحال قلبه،إنتبه "مروان" لحركة خافته تأتي من أسفل المياه ولحركات الناس من على(الكوبري) العالي وهم يشنون بحادث أليم سقطت على أثره السيارة بالمياه،كالعادة يتحدث الناس كثيراً ويلتفون حول الحادث بعدد مهول ولكن قلة من تحاول إنقاذ من يواجه الموت،أوقف "مروان" الفرس ليقترب من المياه بتفحص فأخفض رأسه أسفلها ليرى السيارة تستقر بأحضان المياه ولكنه شعر بحركة لأحد مازال على قيد الحياة لذا وبدون أي تردد خلع قميصه ليغوص بالأعماق ليري إن كان بأمكانه المساعدة...

وصل للسيارة فأخذ يتفحصها بضوء هاتفه ليجد السائق قد فارق الحياة،شعر بالأسف لتأخره فكاد بالعودة ولكنه توقف فور سماعه لنفس الطرقات الخافتة التى أتت من الخلف،أسرع ليجد يد تطرق على نافذة السيارة بكل ما أؤتت من قوة لتظهر من خلفها فتاة بملامح مشوشة،بسرعة كبيرة بحث عما يمكن إستخدامه لكسر زجاج السيارة ليشير لها بالأبتعاد، فأنصاعت إليه ليحطم النافذة سريعاً ثم فتح الباب ليجدها فاقدة للوعي فحملها وخرج سريعاً لسطح المياه،ليسبح ببراعة للخارج...

وضعها على الرمال ليجدها لا تتنفس فأخذ يضغط بيديه على موضع قلبها لتستعيد وعيها بسعال حاد يخرج كمية من المياه الذي إبتلعته لتجاهد بفتح عينيه البنية لترى ملاكها المنقذ أمام عيناها الذي قال بلهفة:
_أنتِ كويسة؟!..

فقدت الوعي مجدداً ولم تنسح لها الفرصة بأجابته ولا حتى بشكره ولكن بعد أن طبعت ملامحه بقلبها قبل عيناها، تأملها بنظرات غامضة فمرت الدقائق وهو لجوارها،ثواني وتجمعت سيارات الشرطة والأسعاف،فهبط منها أحد الرجال لحملها على المشفي،إنحنوا لحملها فكاد مروان بالتراجع ليجدها تتعلق بيديه وكأنها تؤكد له حدث المجهول بأنها من نسبت إليه، حرر يدها بهدوء فنقلوها على السرير المتحرك وصعدوا بها سريعاً لتبتعد السيارة عنه وقلبه يخفق بجنون وكأنه فقد شيئاً يعني له الكثير،وقف محله بأستغراب عما يحدث  ولكن صهيل الخيل جعله ينصاع اليه ويصعد على ظهره ليعود به للقصر ومازالت ملامح حورية البحر تلازمه...

بحث عنه حتى علم من الخدم بمكانه السري فهبط للأسفل للبحث عنه،تعجب "مراد" من الظلام الحالك الذي يعم بالارجاء فتحسس بيديه موضع المفاتيح ليشعلها،إنفتح الضوء ليجده يجلس أرضاً من أمامه مرتدياً قطعة من القماش الأسود حول عينيه،إبتسم "مراد" فأقترب ليقف أمامه قائلاً بأنبهار:
_الاسطورة اللي بيقدر يحارب أعدائه من غير نور ويفكك السلاح بدون ما يتصاب...

إبتسم "رحيم" على إطرائه ليحرر عينيه ثم نهض ليجذب جاكيته ليرتديه قائلاً بهدوء:
_كأنك بتبالغ شوية...
إبتسم بتسليه:
_ممكن بس هنشوف..
لم يفهم"رحيم" كلماته الا حينما أطفأ مراد الضوء ليقترب منه بالظلام محاولاً لكمه ولكنه تفاجأ به يصد هجماته بأحتراف وكأنه يرأه بالظلام!...

فتح الضوء مجدداً ليشير له بحماس:
_بتعمل كدا إزاي!..
إبتسم "رحيم" بخبث:
_زي مأنت بتقدر تحبس أنفاسك تحت الميه لأكتر من 15دقيقة وبتقدر تشل  الجسم كله وترجعه بحركة واحدة..
حرر الجوكر يديه ليتخذ وضعيته المميزة قائلاً بمكر:
_تحب تجرب؟...

ضيق عينيه بتفكير ليضع جاكيته على المقعد قائلاً بهدوء:
_دا لو هتقدر ترجعني تاني..
غمز له بعينيه الزرقاء:
_عيب عليك يا نمس...ها جاهز؟!..
وقف أمامه ليشير له بهدوء:
_جاهز..
وفي لمح البصر أصيبت يديه حنجرته بحركتين متتاليتين ليتصلب جسد "رحيم" أرضاً وكأنه شل نهائياً فأنحنى "مراد" جواره ببسمة تعج بالشر:
_أيه رأيك بقى يعني ممكن ببساطة أخلص عليك وأنت كدا..

أشار له "رحيم" بعينيه ليحرك يديه بحركة محبوكة ليعيد جسديه كما كان،زفر "رحيم" براحة ليشعر بالتحسن فنهض ليقف أمامه بأعجاب:
_بتعملها إزاي دي!..
إشار له بيديه:
_هعلمك وتعلمني إزاي أشوف من غير النور وأعرف أدافع عن نفسي بدون ما أشوف اللي قدامي...
أجابه ببسمة هادئة:
_أكيد...
كاد "مراد" بأن يجيبه ولكن قطعه صوت رنين هاتفه فرفعه لتتصلب ملامحه ليردد بصدمة:
_بتقول أيه؟!..

طيب هي فين دلوقتي!...تمام تمام أنا جي...
وهرول "مراد" سريعاً فأستوقفه رحيم بأستغراب:
_في أيه؟!..
أجابه وهو يرتدي جاكيته ويعدل من ملابسه:
_"يارا" عملت حادث على الطريق ونقلوها المستشفى...أشوفك بعدين..
أشار له بهدوء:
_عندي كذا حاجة كدا هخلصهم وأحصلك..
توقف محله بصدمة:
_تحصلني!.

أجابه "رحيم" ببسمة مكر:
_يعني تجيبلي والدتي وتقنعها تفضل معايا بمكان واحد وأنا بحاول أقنعها من سنين ومش عايزني أكون كريم مع أهلك...
إبتسم "مراد" بثبات ليربت على كتفيه ثم تركه وتوجه للخارج بخطوات محسوبة،أما "رحيم" فرفع هاتفه ليحدث "حازم" بغضب:
_هو فين كل دا؟!..ماليش فيه انت تنفذ أوامري غصب عن أي حد..

وأغلق الهاتف بغضب لتظهر على شاشته صورتها هي التى وضعها خلفية تلازم هاتفه إينما كان لتمتص غضبه رويداً رويداً ولكن لتختبره بألم اخر مذاقه كالعلقم وينتهى ببلسمه الساحر،خرج ليجلس على البار الخاص به ليرتشف من المشروب في محاولات مستميتة ليتمكن من النسيان..

كان مقيد على المقعد فاقداً للوعي بعد كم اللكمات والأصابات التى نالت منه،بدأ يفتح عينيه بأنزعاج حينما إنسكب على وجهه المياه الباردة فبدأ "إياد" بأستعادة وعيه ليجد من يقف أمامه مستنداً بقدميه على مقعده وعينيه تتأمله بشرارة مميتة...
خرج صوته المتقطع جراء ما ناله من ضربات مميتة:
_أنت!...

اجابه من يقف أمامه بصوتٍ كالسهام:
_كنت متوقع تشوف غيري؟!..
ثم أشار للحارس بتحريره ليجذبه أمام عينيه قائلاً بصوتٍ متعصب:
_أنت إرتكبت أبشع الأخطاء اللي تخليني أقتلك دلوقتي وأدفنك مكانك هنا..
ولكمه "جان" بقوة طرحته أرضاً ثم جذبه مجدداً ليلكمه بقوة أكثر قائلاً بغضب:
_حاولت تتعدى على أختي وحاولت تقتل صاحبي قولي حاجة واحدة عملتها صح في حياتك تخليني أغفرلك!..

مرر يديه على أنفه بتعب ليقول ببكاء:
_أنا لازم أخرج من هنا..
وحك جسده بجنون وهو يجاهد للتتفس،لكمه "جان" ساخراً:
_عايز تخرج عشان تشم الزفت اللي بتشربه...
وجذبه "جان" ليدفعه بقوة بأحد الغرف قائلاً ببسمة تشفي:
_بس متقلقش أنا مش هضيع الفرصة دي من أيدي،لو أخوك العظيم مقدرش يربيك أنا اللي هنوب عنه..

وأشار للحارس بتحذير:
_الكلب دا يترمي هنا لو هرب منكم أو الحكومه وصلتله متلوموش الا نفسكم..
أشار له الحارس بأحترام:
_تحت أمرك يا باشا..
وأغلق الباب على "إياد" الذي ركل الباب قائلاً بجنون:
_لا أنا لازم أخرج من هنا...
غادر جان المكان بأكمله وبداخله قسم بالهلاك لمن يتجرأ على ملامسة فرداً من عائلته ولكن لا يعلم بأنه يشارك بصلاح شخصاً أعمته الحياة لتقتص مما لديه!..

بقصر "رحيم زيدان"
كان يجلس علي البار المقابل للقاعة الرئيسية للقصر بشرود يستحوذ علي تفكيره بأكمله، منذ رحيلها والظلام تسلل لأعماق قلبه وكأن الهواء إنقطع عن هذة البقعة بالذات، إرتشف كأسه المعبئ بالمحرمات وكأنه أصبح ملاذه الوحيد وبيديه الأخري كان يتمسك بسيجاره لينفثه بشراسة، غفلت عيناه بسكون عجيب فيتطلع للفراغ تارة ويتوه بأحزانه تارة أخري...

زفر بضيق من ذاته فأستدار بمقعده تجاه الباب الخارجي ليتصنم محله من الصدمة ففتح عيناه مراراً وتكراراً ليرأها أمامه!...
ظناً بأنه يتوهم ببدأ الأمر ولكن إقترابها منه جعله علي يقين بأنها ليست خيال بل واقع ملموس!..
خرجت عن صمتها بأرتباك ملحوظ:
_هحتاج وقت...

أجابها ببسمة فرح وهو يتمسك بيدها
_هستناكي العمر كله...
إستدارت بجسدها لمن يقف خلفها قائلة بغضب_مش قولتلك أنه وقح بيمسك أيدي وبيدخل أوضتي بدون إستأذن...
طل "يوسف" من خلفها ليفصل يديه عنها بنظرة غضب _أيدك يا عم الوقح ما صدقت أقنعها بالرجوع..
رفع "رحيم" يديه بأستسلام_تتقطع بس هي ترضي عني...

تطلعت له بنظرة غامضة حينما طافها شعوراً ما يحفزها علي رابط خفي خلف عشق طفولي سرمدي!،إستغل "يوسف" إنشغالهم وتسلل للأعلى ليرى محبوبته،إقترب منها "رحيم" فأرتبكت قليلاً ليتوقف هو محله بتفهم قائلاً ببسمة تعج بالفرح:
_المكان دا قبر من غيرك...
تأذت من رائحة الخمر الذي يشع من أنفاسه فتراجعت للخلف بغضب،لم يعلم ما أصابها ولكنه ظن بأنها لا تحبذ كلماته..
_"أشجان"!...

قالتها من تقف خلفها فأستدارت لتجدها تقف أمامها لتهرول لأحضانها بصدمة:
_نوووجه!...
إحتضنتها  "نجلاء" بدموع وإشتياق دام لأعوام طويلة والأخرى تتمسك بها بعدم تصديق حتى أنها بكت بجنون وشعرت بأن روحها ردت إليها فقالت "نجلاء" بدموع:
_وحشتيني أوي يا حبيبتي...
أجابتها أشجان باكية:
_مش أكتر مني أنا كنت هتجنن من ساعة ما إختفيتي أنتِ وفر...

بترت كلماتها بحزن فمن تزوجت به هو من عشقته بماضيها ولكن ما أصبح عليه جعلها تمقته بشدة،تألم رحيم لكلماتها فقال ببسمة هادئة ليخفف من إرتباكها:
_إنتِ لما رجعتي محضنتيش إبنك كدا في تفريقة!..
تطلعت له شجن بدموع فبكلماته أعادها لماضيه حينما كان يلوم نجلاء بمزح على حبها لشجن،إبتسمت نجلاء لتفهمها ما يود فعله فقالت نفس الكلمة التي كانت تقولها:
_بس يالا...

إبتسم بأشتياق لجزء بسيط من ماضيه بينما شردت "شجن" به لتبتسم بشكل لا إرادي ولكن سرعان ما خرجت منه على صوت أحبته وعادت إليه بأشتياق..
_"شجــــــــــــــــن"...
قالتها "حنين" وهي تهرول للأسفل راكضة فأحتضنتها أشجان بسعادة لتصعد معهن للأعلى لأستكمال حديثهم الفضولي...

تابعهما "رحيم" حتى إختفوا من أمام عينيه فأبتسم بسعادة على رؤية بسمتها،يرى العالم يفرش من أمامه باللون الزهري حينما يرى بسمتها وأسود حينما تبكي أو يلتمس حزنها...
ولج الخادم ليقطع لحظته الثمينة ليتحدث بهدوء:
_"سليم" بيه بره...
أشار له بيديه٠:
_خليه يدخل ...

إنصرف الخادم لينفذ ما طلبه فما لبث سوى ثواني حتى ولج "سليم" بملامح غاضبة للغاية ليصيح بعصبية:
_أنا مش عيل صغير عشان تخلي الحرس يجيبني هنا بالعافية يا "رحيم"..
بقي ثابت محله ليشير له بهدوء مميت:
_أنت اللي إضطرتني لكدا ومتخلنيش أتصرف بطريقة مش هتعجبك يا"سليم"...
زفر بغضب ليحاول التحكم بذاته:
_بعتلي ليه؟!..

وضع يديه بجيوب جاكيته ليتحرك لمكتبه بكبرياء:
_تعال ورايا...
زفر"سليم" بغضب ليلحقه مردداً بهمساً:
_مش هتتغير أبداً...
ولج خلفه لمكتبه ليجده يجلس على مقعده ببرود مشيراً له بالجلوس أمامه،فكبت غضبه وجلس بثبات،أخرج "رحيم" أوراقاً مطوية ليضعها من أمامه فجذبها سليم بأستغراب:
_أيه دا؟!..

أشار له  "رحيم" بنظرات غامضة:
_شوف بنفسك..
فتح الملف ليصعق بشدة فردد بصدمة:
_"هنا"!...
نهض "رحيم" عن مقعده ليقف أمامه ببسمة ساخرة:
_البنت الفقيرة المسكينة اللي خدعتك هي نفسها البنت الوحيدة لعباس صفوان!..
تطلع له "سليم" بصدمة كادت بأن تبتلعه والأخر يرمقه بثبات وبسمة تعج بالغموض الذي لا ينساب أمامه هو...أمام "رحيم زيدان"!...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة