قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني للكاتبة آية محمد الفصل الخامس عشر

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني بقلم آية محمد

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني للكاتبة آية محمد الفصل الخامس عشر
(
وعشقها ذو القلب المتبلد )

صُدم من معرفة كنايتها الحقيقة فدارت الأسئلة برأسه دون توقف كوابل الأمطار المتلاحقة وكان أهمهم، لماذا أنكرت ثرائها لتدعي الفقر؟!...
إنتشاله "رحيم" من معاركه المميتة، فلفت إنتباهه بطرقات قلمه الحديدي على سطح المكتب، تطلع له "سليم" بأهتمام فرفع حاجبيه بأستنكار:
_لسه بتفكر في أيه؟!، قولتلك خلصانه..

وضع يديه على رأسه ليتمكن من حجب آلامه العصيبة التي تهاجمه، فقال بألم:
_أنا مش عارف هي ليه خدعتني من البداية بس النهاية إنتهت باللي حصل وحقيقة أنها بنت "عباس صفوان" متغيرش حاجة يا "رحيم"...
نهض عن مقعده ثم إقترب ليجذب المقعد المقابل له قائلاً بضيق من حديثه:
_اللي حصل دا كان بتخطيط منها...

تطلع له"سليم" بصدمة، فجذب "رحيم" الأوراق المتبقية من الملف ليضعها أمامه بغضب:
_أنا طلبت من الحرس يأخدوا فنجان القهوة دا ويفحصوه عند الطبيب الشرعي والنتيجة أكدتلي شكوكي...
ضيق عيناه بأنبهار:
_لحقت تعمل كل دا أمته!...
إبتسم بمكر ليضع الأوراق من يديه قائلاً بجدية:
_سيبك من اللي عملته وقولي أنت اللي هتعمل أيه؟!..

وضع عينيه أرضاً بألم فقد إستصعب عليه الأمر ما بين خطة مدبرة وما بين ضميره الجلي، فقال بوجع وهو يشير له بيديه:
_أنت ليه مش قادر تفهمني يا "رحيم"، أنا معرفش هى عملت كدا ليه بس اللي أنا متأكد منه أني مستحيل هقدر أتغاضى عن الموضوع دا وخاصة أنها كانت عذراء، فاهمني؟!...
ضيق عينيه الزيتونيه بهلاك قد يصيب من أمامه بجحيم متسلسل من النيران، لتطرق خطاه الثابتة الأرض بصوتٍ مهيب، ليجلس على مقعده المقابل لسليم بملامح لا تنذر بالخير أبداً..

بالخارج..
علمت من الخادمة بأن زوجها بمكتب"رحيم زيدان"، فهبطت مسرعة للأسفل بخوف شديد من أن يؤذيه بشيء، إقتربت"ريم" من المكتب بخطوات مرتبكة من أن يرأه أحداً من الحرس أو الخدم فيخبره بما تفعل خارج مكتبه، تسلل لمسماعها كلمات "رحيم زيدان" العاصفة فجعلتها بحيرة من أمره حينما قال:
_طيب إسمعني بقى، أنا مش هسمح للموضوع دا أنه يأثر على "ريم" بأي شكل ولو لمحتها بس حزينة أو شوفتها بتبكي همحيك من على وش الدنيا كلها يا "سليم"...
تطلع له"سليم" بصدمة وذهول مما يتحدث عنه فأستكمل "رحيم" حديثه بغضب مميت:
_أظن الرسالة وصلت...

نهض "سليم" عن مقعده بغضب:
_أنت بتهددني يا "رحيم"؟!...
نهض الأخر ليقف أمام عينيه مانحه نظرات شرسة تكاد تقتل الأخر من شدة تمردها:
_سميه زي ما تحب، أنا مش مستعد أشوف أختي بتنكسر قدامي وأنا واقف أتفرج..
ردد بسخرية:
_أختك؟!...

علم"رحيم" ما يلقيه "سليم" بكلماته فوقف أمامه وجهاً لوجه ليردد ببطء وثقة:
_أختي غصب عنك وعن الكل...
إبتسم "سليم" بغموض فقال بتسلية:
_مش عارف مين اللي واقف قدامي بالظبط، بس اللي أنا متأكد منه أنه بعيد كل البعد عن "رحيم زيدان"...
ثم توجه للخروج من مكتبه ولكنه إستدار بعينين تلمعان بالفرح ليؤكد له بالحديث:
_البنت دي غيرتك ولسه هتغيرك للأحسن...

وأكمل طريقه للخارج فأبتسم"رحيم" رغماً عنه حينما يذكر طيفها، تخبأت"ريم" خلف الأريكة الجانبية الموضوعة بعناية بأحد زوايا القصر حتى خرج من القصر بأكمله ثم خرجت بعدما تأكدت من رحيله لتشيع باب مكتب رحيم بعدم تصديق لما إستمعت إليه منذ قليل من دفاعه عنها أمام زوجها رغم أنها لا تعلم الموضوع المطروح أمامهم ولكنها شعرت بالسعادة ولأول مرة حينما إستمعت لما قاله عنها!...

وجدت ذاتها وبدون أي إرتباك او تفكير بالأمر تدخل بقدميها التي كانت تخشي الأقتراب منه وها هي بذاتها تتقدم لمكتبه الخاص، وقفت أمام مكتبه تتأمله بصمت وبتوتر...
شعر بحركة خافتة بغرفة مكتبه فرفع عينيه تجاه بابه ليجد شقيقته تقف أمامه بأرتباك ملحوظ، نهض "رحيم" عن مقعده بخطاه الثقيل الذي يعاونه على صنع جو مهيأ له، وقف أمامها بأستغراب من وجودها هنا فقالت بتوتر:
_هو أنت بجد إتغيرت؟!...

إبتسم بثقة بعدما ربع ذراعيه أمام صدره ليجيبها بثبات:
_لو مكنتيش حسيتي بدا مكنتيش دخلتي مكتبي ووقفتي قدامي ولا أيه؟..
أشارت له بنعم فأستكمل حديثه ببسمة لا تفارقه:
_ومكنتش سمحت لمراد أنه يفضل هنا صح ولا كلامي فيه غلط؟..
أشارت له بالنفي فقال بمكر:
_طيب مش هتحبيني زي "مراد"؟...

أشارت له بالنفي فجحظت عينيها بصدمة لما فعلته فأسرعت بتغير إشارتها بالموافقة، فأبتسم حتى كُشف عن أسنانه البيضاء ليبدو أوسم مما هو عليه، ربت"رحيم" على كتفيها بهدوء ثم تركها وخرج من مكتبه والأخرى تتأمله بصدمة وعدم تصديق لما أصبح عليه...

ظلام دامس يغمر الغرفة بأكملها وكأنها إعتاد العيش بالعتمة التي إستحوذت على قلبها قبل أن تستحوذ على حياتها، بحث عنها بجنون فأضاء "يوسف" الأنارة ليتمكن من رؤياها، وجدها تجلس على الفراش بسكون عجيب وكأنها لم ترى من يقف أمامها!...
جلس لجوارها بهدوء ختمه بكلماته التي عرفت طريقها إليها:
_وحشتيني...

لاحت على وجهها إبتسامة ساخرة كانت كافيلة بعتاب طويل بما مضت به من دونه، تمسك بيديها قائلاً بصوتٍ موجوع:
_مش بتردي على مكالماتي ليه؟...
أثرت الصوت لفترات طويلة حتى ظنت بأنها فقدته تماما، إنسابت دمعاتها دون توقف فما أن صارت زوجته وهي لا ترى سوى لهفته على شقيقته، لم يعبأ بها ولا بما تمر به...

دموعها كانت كنصل السيف المخترق لصدره القوي فنزف بغزارة، يعلم ما الذي تظنه به، ياليت لقلبه مرآة تتمكن هي من رؤية حبها المخترق لأضلاعها بتمكن وكأنه يحفر ذاتها بأغلال مؤبدة!...
سئم من التبرير إليها وشرح وجهة نظره وما يشعر به تجاه شقيقته من إلتزامات لا يحق له تجاهلها، زفر بألم وكأنه يخرج ما أصابه من حزن لفترة جعلت حياته بلون الموت فقال بخيبة أمل بمعاملتها له:

_حاولت أخليكِ تستوعبي اللي بمر به أكتر من مرة بس اللي في دماغك في دماغك...
وبحزن شديد بلهجته قال:
_كنت فاكر إنك هتفهميني وهتقدري علاقتي المهزوزة اللي بقت بيني وبين "أشجان" بس للأسف تفكيري كان غلط...
ثم إبتسم بسخرية تحتوي الألم بداخلها:
_كل اللي في دماغك أني إتغيرت أو مبقاش يهمني غير أختي!، أختي اللي مفكرتش فيها وفي اللي ممكن يحصلها لما أخدت قرار أني أتجوزك وأقف في وش أخوكي وبالنهاية دفعت هي التمن...

مهمكيش إحساسي طول الفترة اللي فاتت وأنا بحاول أخليها تسمعني وتسامحني ولما جيت الفرصه وحبيت أستغلها جيتي أنتِ تعاقبيني بأسلوب أنا مستحقهوش، حتى التليفون مكنتيش بتفكري ترفعيه ولو لمرة واحدة تطمنيني بها عليكي...
ثم تطلع لها بنظرة متفحصه داهمها الغضب على صمتها المبالغ به، فنهض عن محله ليترك الغرفة بأكملها ولكنه إستدار قائلاً بحدة:
_أحنا فعلاً منستحقش بعض...

وخلع خاتمه ليضعه على الكوماد ثم أكمل الطريق للخارج تاركها بدموع غزيرة تأنس وحدتها، شعرت "نغم" بعاقبة ما إرتكبت ولكنها كانت بحاجة لأحتوائه، كانت بحاجة لأن يريها حجمها ومكانتها بحياته مثلما يخبرها بعلاقته بشقيقته وندمه الشديد على ما إرتكب بحقها، كانت بحاجة للكثير ولكنها الأن وجدت نهاية لطريقها المظلم...

تساقطت قطرات المياه من ملابسه المبتلة جراء ما فعله لأنقاذ تلك الفتاة الغامضة، ولج "مروان" لغرفته ثم أغلق بابها سريعاً حتى لا يلتقي بأحداً ممن بالداخل، فأستدار ليتوجه لخزانته ليتفاجأ بأخيه يجلس على الأريكة المقابلة للفراش بأنتظاره...
تحكم بذاته بصعوبة ليتوجه للخزانه متجاهلاً وجوده، سحب ثيابه من الخزانة بأهمال فوقف "ريان" جواره مشيراً له بشك:
_أيه اللي عمل فيك كدا؟!..

رمقه بنظرة جانبية متعصبة وكأنه يود أن يصرح له بأن الأمر لم يعنيه ولكنه تماسك لأبعد الحدود قائلاً دون التطلع إليه:
_عايز أغير هدومي...
كانت كلمات تنص على رغبته بأن يخرج من غرفته بشكلا ملحوظ، وقف "ريان" أمام عينيه قائلاً بهدوء:
_لازم نتكلم...
ألقي بالملابس أرضاً بغضب:
_نتكلم في أيه؟!...هو أنت بعد اللي حصل دا ليك عين تقف هنا وتكلمني!...

تبدلت ملامح "ريان" للغضب المميت فصاح بعصبية:
_خد بالك من كلامك معايا ومتنساش أني أخوك الكبير..
إبتسم "مروان" بسخرية:
_أخويا!...
ثم قال بألم بدى بصوته:
_ومفكرتش نفسك ليه أنك أخويا وأنت بتجمعني بالبنت اللي بحبها وأنت عارف أنها بتحبك أنت!..

وإستكمل حديثه بعدما وقف أمامه بعصبية:
_سكت ليه؟!، ما تجاوبني أنت كنت عارف بحبها ليك...
أجابه "ريان" بحزن وبكلمات مبهمة للغاية:
_مكنش ينفع يا "مروان" مكنش ينفع...
لوي فمه بأستحقار:
_وأيه اللي ينفع من وجهة نظرك!...

ورفع يديه ليشير له بأستهزأ:
_حتى لو كلامها صح إزاي قدرت تفرط في البني أدمة اللي بتحبها وازاي قدرت تشوفها مع راجل تاني!...للأسف كل دا مالوش غير تفسير واحد عندي هو أنك د...
بترت كلماته حينما هوى "ريان" على وجهه بصفعة قوية صارخاً به بجنون:
_"مروان"...
وضع يديه على وجهه ليتطلع له بنظرة تمرد فمنحه الأخر نظرة شرسة فأنسحب من موجهته حتى لا تسوء الامور بينهما، توجه لغرفته وترك الأخر يأنب ذاته على ما تفوه به...

بقصر "رحيم زيدان"...
جلست"شجن" بالغرفة بملل حينما غفلت "نجلاء" بغرفتها قليلاً، طرقات على باب غرفتها أشبه للرقص والنغمات جعلتها تتيقن بمن الطارق فقالت بتذمر:
_كفايا يا "حنين"، إدخلي...
لم تنصاع إليها وظلت تترك بعناد لتصرخ بها"شجن" بغضب:
_يخربيتك أنا مصدعه خلقة، إدخلي...

طرقت غير عابئة بصراخها، فنهضت "أشجان" من على فراشها بغضب شديد لتفتح باب الغرفه فوجدت "حنين" أمامها تغمز لها بمشاكسة، أشارت لها بتوعد:
_طب أصبري..
وولجت للغرفة مجدداً لتفتح البراد الصغير جاذبة زجاجة من المياه الباردة لتركض خلفها بغيظ، تعالت ضحكات "حنين" بعدم تصديق لما تفعله "شجن" الهادئة!...
خرج من غرفته يتحدث بهاتفه بحذم لا يعرف التعامل سوى به:
_اللي أنا بقوله يتسمع بدون نقاش، لازم نسبقه بعشر خطوات مش خطوة واحدة...

حررت غطاء الزجاجة لتلقي بالمياه بوجه من تفادت المياه لتسقط على وجه "رحيم زيدان" التى تحاولت نظراته للهلاك ثم تغمدتها الريحان حينما طلت من أمامه من عشقها حد الموت!..
هدأت العاصفة التي إشتعلت بعينيه فور التطلع إليها، وكأن برودة المياه تسللت لتطفئ تلك الشعلة المتأججة، تراجعت "شجن" للخلف بأرتباك مما فعلته، فأسرعت "حنين" لتقف جوارها هامسة برعب:
_ملقتيش الا عم إبليس!..

رفع أصابعه ليزيح المياه العالقة على جبينه لتلمع عينيه الزيتونيه الساحرة بوميض خاص لا يضيء سوى برؤياها...
صمته كان يشعل الأجواء بالرعب الجالي إلي أن قال ببسمة ترأها "حنين" لأول مرة:
_ولا يهمك..

بقيت "شجن" تتأمله بغموض ما بين الكره والحيرة، تتمني لو تتمكن من إغلاق عنينه للأبد أو تفقد هى النظر لفترة فرؤية عينيه أكبر عذاب إليه، لونهما المميز تقودها لتذكر معشوقها فلا يوجد وجه مقارنة بينهما!...
إقتربت منه "حنين" ببسمة مكر:
_أنت بتضحك زي البني أدمين أهو!...

ضيق عيناه بذهول فقالت ببيمة واسعة:
_لا كدا هنفهم بعض...
ثم عدلت من حجابها الذي تساقط أطرافه من فرط الركض قائلة بلطف مبالغ فيه لتستميله:
_بص يا عمنا أنا كنت خارجه أعمل شوية شوبنج كدا وحاسه أن "أشجان" مخنوقة..
ورفعت يدها لتستوقفه قائلة بتعليق:

_عارفة أنها لسه جاية من عند أخوها بس دا ميمنعش أنك توافق تخرجها معايا فتقوم أيه بقى أنت تكبر بنظرها وتحبك أكتر وكل ما أفسحها تفتكر أنك السبب بتصريحك ليها بالخروج فدا يقرب المسافات ويوحد القلوب ويا سلام بقى لو شلت الدبابات بتوعك دول وتسبلنا السواق بس عشان نعرف نأخد راحتنا كدا، هتقولي "مراد" محذرهم من خروجي بدون حراسه مشددة هقولك إكسبني انا كمان ونفذ كلامك عليه لانك مبيهمكش حد وكدا قوم أيه بقى أعتبرك أخويا اللي مجبتوش أمي وأقف جانبك واقفة رجاله وأساعدك تتجمع أنت والبت دي هااااا قولت أيه يا عم إبليس؟!..

تطلعت له "أشجان" بتوعد "ورحيم" بصدمة من حديثها المتواصل دون أي إستراحة قصيرة بالحديث، رفع عينيه على من تقف خلفها بغيظ فقال ببسمة غامضة:
_لو كانت طلبت أكيد كنت هوافق من غير ما تقولي المرشح دا...
ثم قال بمكر:
_بس دا ميمنعش أني موافق على الجزء الأخير منه...

وتركهم وغادر لغرفته ليبدل ثيابه المبتلة مرة أخري ولكن سرعان ما توقف على أثر صرخات فأستدار ليجد أشجان منقضة عليها لتكيل لها الضربات بغضب مميت:
_أنتِ بتشحتي عليا مرة وتبعيني مرتين...
صرخت "حنين" بألم:
_لا يا هبلة بستعطفه الواد هيموت عليكِ وأنتِ مش واخده بالك...
جذبتها من حجابها بغضب:
_أنتِ وقعتي عليا من أنهي داهية..

دفشتها "حنين" بغضب:
_تصدقي أنا غلطانه أني عايزة أخرجك من مود الكأبه دا ومنه نتكلم على راحتنا زي أي ستات عسل متجوزيين بس أنتِ وش فقر عايزة تفضلي بوزك في الأوضة طول النهار مش عايزة تخرجي منها الا على القبر، خاليكي كدا أنا هخرج وأنبسط وأنتِ عفني مع نفسك..
وكادت بالأبتعاد فتمسكت بها "شجن" بغيظ:
_إستني...هتخرجي من غيري بجد!

رسمت على وجهها بسمة غرور:
_لو خلصتي لبس بعشر دقايق أفكر..
تركتها وهرولت لغرفتها ونظراته تتابعها حتى ولجت للداخل فأكمل طريقه ببسمة هادئة وهو يرى السعادة تبدأ بمحاوطتها تارة بعد الأخرى...

باغته الحزن لما تفوه به لأخيه الأكبر فسحب ذاته وتوجه لغرفته للأعتذار، ولج للداخل دون أن يطرق باب غرفته كعادته فقال بلهفة:
_"ريان" أنا أس...
بترت كلماته حينما رأه يزيل الطرف الصناعي من قدميه المبتورة، تجمد محله كالبلور القابل للكسر من أقل طرقة تهاجمه، صارعته الأحداث بعقله واحدة تلو الأخرى، هل ضحي أخيه بحبه لأجل ما حدث إليه والأهم من ذلك منذ متى حدث معه وكيف تمكن من إخفاء الامر...

صعق "ريان" حينما رأه يقف أمامه فحاول أن يعيد تركيب الجهاز سريعاً فسقط منه بدون أن يعي، إقترب منه "مروان" فأنحنى ليقدمه إليه بدموع تستنزف طاقته وكأنه نفسه يختنق فلم يعد يعلم كيف يتحكم بذاته ليبكي كالطفل الصغير قائلاً بصعوبة:
_ليه خبيت عليا؟...

ربت "ريان" على ظهره بلطف فأحتضنه "مروان" ليكمل ببكاء:
_أمته حصل معاك كدا وأنا كنت فين!..
لم يكن يحبذ أن يعلم بما يخفيه ولكن صارت الرياح بما لا تشتهي السفن، اجابه بصوتٍ يكسوه الأيمان والرضا لما حدث معه:
_الحمد لله على كل حال، أنا عايش ودا كفايا...

إبتعد عنه ليزيح دمعاته قائلاً بعتاب:
_أنت ليه دايماً بتعمل فيا كدا، ليه بتخبي عليا أي شيء يخصك؟!..أنا كان المفروض أكون جانبك مش بعيد بأكتر وقت كنت محتاج لحد فيه!..
وقف أمامه بصعوبة ليرسم بسمة مصطنعة على وجهه:
_أنت مكبر الموضوع على فكرة مأنت شايفني أهو بخرج وبشتغل ومحدش ملاحظ حاجة...

رمقه بنظرة تحمل العتاب والحزن ليتركه ويغادر بدموع تكسو وجهه فحاول "ريان" أن يلحق به قائلاً بصراخ:
_"مروان"..
إختل توازنه ليسقط أرضاً فعاد إليه سريعاً مهرولاً بصدمة:
_"ريان"!..
عاونه على الجلوس فتمسك الأخر به قائلاً ببسمة هادئة:
_مش تصبر لما أركب الجهاز وأجري وراك مش وأنا بالحالة دي...
كلماته مزقت قلب أخيه فأحتضنه ببكاء والأخر يربت على كتفيه بحنانه المعتاد أما الأخر فأقسم بأن يجمعه بمن أحبته وأحبها!..

صعدت "شجن" للسيارة بجوار "حنين" لتتحرك بهما أمام المول المخصص للمشتريات الخاصة بالفتيات ليقضوا ساعة كامله دون شراء شيئاً فصعدوا للسيارة للتوجه لمكان أخر...
لترمقها "شجن" نظرة غامضبة قائلة بتذمر:
_أنا غلطانه أني جيت معاكِ، أنتِ دخلتي المحلات كلها ومفيش حاجة عجباكي!..
إبتسمت "حنين" بغرور:
_أكيد يا بنتي أنا مفيش حاجة تنال إعجابي بالسهل وبعدين مأنتِ بتتفسحي أهو...

أشارت لها بأستهزاء:
_هو أنتِ فى دماغك أن كدا الفسح؟!..
ضيقت عينيها بسخرية:
_وأنتِ كنتِ طايله!...

كادت بأن تلتهم ذراعيها على أسنانها ولكن قطعهم صوت الطلقات الناري الذي إنطلق ليشق الصفوف ويزرع الرعب بقلوبهن فتمسكوا ببعضهن البعض بخوف شديد، وإزداد حينما أصيب السائق بطلق ناري بمنتصف رأسه فتكت به فتوقفت السيارة عن العمل، وفي لحظة واحدة خرجت سيارات المراقبة التابعة لرحيم زيدان لتدافع بأستماتة عن هذا العدو المجهول، فكانت تمنعهما من الوصول إلى السيارة التابعة للفتيات، دارت معركة غير متكافئة بين سيارتين من حرس"رحيم" وأربع سيارات ممتلئة برجال مسلحين على أعلى مستوى ليتمكنوا من القضاء على رجال "رحيم زيدان" بعدما تمكن أحداهما من النجاة فطلب الدعم من حرس القصر الخاص...

وصلوا للسيارة ففتح أحداهما بابها ليلقي بقناعه أرضاً فأرتعبت "حنين" لتردد بصدمة وهمس خافت:
_"عادل"!..
جذبها من حجابها قاصداً الضغط على شعرها بالقوة فصرخت ألماً فى محاولات بائسة لتحرير ذاتها، تمسكت بها ٠"أشجان" قائلة ببكاء:
_ سبها..."حنين"..

تمسكت"حنين" بذراعيها وكأنه تحتمي بها فحاولت الاخرى جذبها ولكنه كان أقوى منها فسلمها لأحداً من رجاله ثم عاد ليقف أمام"أشجان" الذي إرتجف جسدها بعدما خرجت من السيارة لترى جثث لا حصى لها، والدماء منسدلة بكل مكان، ولجوارها يقف عدد مهول من الرجال الحاملين الأسلحة التى تمقتها، حرر"عادل" سلاحه ثم سلطه عليها فتراجعت للخلف ببكاء ورعب فتك بها، رددت الشهادة بصوتٍ خافت وكأنها تحضر ذاتها لأنتهاء هذا البلاء، كاد بأن يصيبها ولكن تدخل حارسه الخاص سريعاً ليقف أمامه بتحذير:
_بلاش البنت دي يا باشا، أنت ضمنت عداوة "رحيم زيدان" بلاش تضمن موتك بأيدك...

تطلع له مطولاً فهو يعلم جيداً ما يقصده بحديثه عن هذا الشيطان الذي لا يعرف الرحمة بتعاملاته مع العدو، تعجبت "أشجان" من هذا الرجل الملقب برحيم زيدان الذي يخشاه اعدائه ويهابه الجميع لذا حق لها بأن تصدق بأن محبوب الطفولة ما عاد يتواجد بهذا العالم وكأنه صفحة وطواها "رحيم زيدان"، أخفض سلاحه عنها ليرفع ظهره ويهوى به على وجهها لتفقد الوعي تدريجياً ثم سقطت وسط الجثث ليمتلأ فستانها الأبيض بالدماء وكأنها أصيبت بطلق ناري، أما هو فلحق برجاله لمكان أختاره بذاته ليكون قبره ومسواه الأخير!...

بالمشفى...
ظل "مراد" لجوارها لعدة ساعات حتى إستعادة واعيها فطمنهم الطبيب بأنها لم تصيب بأصابات خطيرة وأنما فقدت الوعي لساعات جراء إختناقها أسفل المياه وخوفها المفاجأ، قدم لها "مراد" المياه قائلاً ببسمة هادئة:
_أحسن؟..
أشارت له "يارا" بهدوء:
_الحمد لله، أنا كنت حاسه خلاص أنها النهاية...

جذب المقعد المجاور للطاولة ليضعه أمام الفراش قائلاً بتحذير:
_متقوليش كدا تاني..
ثم قال بشك:
_أنتِ خرجتي إزاي؟!.
أجابته ببسمة حالمة بملامح هذا الشاب الغامض الذي ظهر لها كالرجل الخارق:
_في شاب أنقذني بس للأسف فقدت الوعي من غير ما أسأله عن إسمه...أحم...أقصد أشكره..

إبتسم بمكر وهو يتأمل إرتباكها الملحوظ:
_متقلقيش هجيبه وتسأليه أقصد تشكريه...
أخفت خجلها بصعوبة فأبن خالتها يكتشف ما تخفيه بسهولة، أشاحت وجهها بعيداً عنه بأرتباك فأبتسم بخبث وهو يرى حالتها المبشرة بحب سلب ما تبقى بعقلها الطفولي...

طرق على باب الغرفة بثبات ليستمع لأذن الدخول، فولج "رحيم" للداخل فأنقبض قلب "يارا" التي إعتدلت بجلستها على الفراش لتمتم بصوتٍ خافت ولكنه مسموع:
_أنا معملتش حاجة كنت بنفذ كلام "مراد" والله...
منحها "مراد" نظرة ساخرة:
_إعترفتي من أول قلم لا أصيلة يا "عفاف"...

جذب الحارس أحد المقاعد ليضعه لرحيم الذي جلس لجوار"مراد" ببسمة ثابتة:
_متقلقيش أنا مش جي أحاسبك...
إزدردت ريقها بصعوبة بالغة:
_أمال جي ليه؟!، أقصد يعني أ..
قطع كلماتها حينما وجه حديثه لمراد بهدوء:
_الدكتور قال أيه؟..
أجابه وعينيه تشير لأبنة خالته الحمقاء بالثبات قليلاً:
_مفيش أصابات الحمد لله تقدر تخرج كمان ساعة...

أؤما برأسه بهدوء:
_طب كويس نستنى الساعة ونطلع كلنا على القصر...
ربت مراد على قدميه ببسمة هادئة تعج بالأمتنان لوجوده لجواره بمثل هذا الموقف فهو يعلم بمعزة "يارا" الخاصة بقلب الجوكر، دق هاتف "رحيم" ليقطع هذة اللحظة فرفعه لتتبدل ملامح وجهه تدريجياً لغضب يصعب وصفه، فنهض عن مقعده بعنف أوقعه أرضاً ليصيح بجنون:
_أنت بتقول أيه يا حيوان أنت؟!...

دانا هطلع بروحكم...أقفل يا ____...
وأغلق الهاتف بعنف شديد اسرع إليه "مراد" بقلق:
_في أيه يا "رحيم"؟...
لم يجيبه وهرع لسيارته فلحق الاخر به ليسرع خلفه بسيارته ليصل للمكان المحدد بعد دقائق معدودة ليتنزع قلب"رحيم زيدان" حينما رأها غارقة بدمائها وسط حشد من الجثث الملقاة أرضاً ليستند على سيارته بأهمال وعدم مقدرة على الوقوف وقدميه ترتجف من الاقتراب وقلبه من النبض!...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة