قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني للكاتبة آية محمد الفصل الثاني

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني بقلم آية محمد

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني للكاتبة آية محمد الفصل الثاني

( وعشقها ذو القلب المتبلد )

مرت بضعة أيام منذ رحيله من القصر ومع ذلك مازالت تشعر بالخوف فكأن رائحته التي تعبق المكان من حولها تعطيها إنذار بعودته!، عقلها يكاد يتوقف عن التفكير في كونه من أحبته بجنون وتمنت بيوم مضي بأن يكون زوجاً لها، لا تعلم إن كان هو فعلياً أم يخدعها بكلماته، تحتاج فقط لدفعة حماسية لتستغيد قوة بدنها التي رحلت عنها دون سابق إنذار... تحتاجها لتباشر حربها الخاصة للاستعلام عن هذا الشخص او لمحاربتها بالفرار من هذا المنزل، كون "حنين" لجوارها يمنحها بعض الأمان ولكن إستسلامها الغير معهود لحالتها يؤنبها دون رحمة بكونها هزيلة للغاية...

ضمت "شجن" ساقها إليها لتغفو عليهما ببال مشغول بالفكر فيما تريده وما يريده القلب، طرق مختلفة ومسارها غامضة...
ومن خلف الكاميرات وخاصة شاشة حاسوبه كان يتابعها بحزن يتدفق من زيتونية عيناه المميزة، رؤيتها هاشة هكذا يكسره كلياً، يعلم بأن ما إقترفه كان بشعاً للغاية ولكنه كان يرتدي غيمة سوداء تحجر قلبه قبل عيناه، أغلق "رحيم" حاسوبه حينما شعر بأقتراب خطواته منه ليستقيم بجلسته، جذب "مراد" المقعد المجاور له ليجلس عليه بنظرات جاهد لجعلها أكثر ثباتاً، حارب ذاته ليومين كاملين بعدم التعرض له أو حتى قتله، التحكم بالذات أصعب بكثير من شعور النفور منه ولكنه أجبر علي ذلك ليس لحساسية المهمة التي تجمعهم ولكن لوعده القاطع لوالده بعدم التعرض لمن يدعي بأنه إبنه...

وضع "مراد" لوحة كبيرة من الورق الأبيض تضم المداخل والمخارج للمكان المقصود بعد بحث دام لأربعة وعشرون ساعة تمكنوا منه بالحصول علي المكان الذي يتم به تصفية الأطفال، أشار له "مراد" بهدوء_دي كل المداخل اللي قدرت اخمنها من درستي للمكان...
القي "رحيم" نظرة متفحصة عليها ليسترسل الجوكر حديثه _تدمير وقرهم أول خطوة للوصول لناس اللي وراهم...
أشار له بأقتناع والأخر يتطلع له مطولاً فكيف سيكون كلاً منهم حمي للأخر!..
قطع "رحيم" الصمت قائلاً _هنهجم أمته؟..

أجابه بهدوء متناسي ما بينهما فمراقبة الشاحنات التي تنقل الأجزاء الحيوية لهؤلاء الأطفال جعله يترقب فرصة عظيمة للقصاص منهم _بليل...
جذب "رحيم" سلاحه الموضوع علي الطاولة ليقوم بتنظيفه بعينان توزعان نظرات غامضة بين سلاحه وبين من يجلس أمامه ليبتسم الأخر بسخرية _أنت فاكر أن عملية زي دي هتخلص بسلاحك الكيوت دا!..

ونهض عن محله ليقترش من الفراش جاذباً ما عليه ليفتح الالواح التي إنصاعت إليه كأنها باب خزانة ليتفاجأ "رحيم" بعدد مهول من الأسلحة والرشاشات النارية ليتطلع كلاً منهما للأخر بنظرة يحفها الغموض ما بين تردد وعزم وحيرة وإندفاع!...

توقفت سيارته أمام القصر ومازال بجلس بها بأرتباك، لم يعد مثل قبل ولكنه سيحاول جاهداً أن لا يكشف ما يخفيه، فتح باب سيارته ليضع قدميه علي الأرض بثبات ثم هبط بجسده كلياً ليكمل طريقه للداخل بخطوات بطيئة للغاية، ولج "ريان" للداخل ليضع حقيبته علي الطاولة التي تتوسط مداخل القصر لينتبه لخطوات سريعة تقترب منه بشوق يكفي عالم بأكمله لتقف خلف ظهره قائلة بنوعاً من العتاب والحزن والأشتياق_"ريان" كنت فين كل دا قلقتني عليك...
" مروان" قالي أنك مسافر بس أزاي من غير ما تعرفني؟!...

أغلق عيناه بقوة ليستدعي جزء من قوته الغائبة ليستدير بملامح لا تعبر عن آنين قلبه وصراخ منبع الروح، وقف أمامها بلحظات صمت غير محسومة فلم يكن له بعلم بأن لقائها سيثير صمته ويدعي العينين برحلتهما المثيرة بالتشبع من نظرات فاتنة القلب وسُكنان الروح والدرب...

أطبق علي معصم يديه ليتمكن من العودة من عالمها التي تجذبه به عنوة منذ لقائهما الأول، خرج عن دوامة صمته المطولة قائلاً بلهجة تستمع لها لأول مرة حتى هو يستمع لذاته متعحباً_وأكيد برضو قالك أن الشغل مش بيستنى يعني من المفترض أعطل شغلي وألغي السفر عشان أبلغ جنابك أني عندي شغل برة مصر صح؟...

شعرت "سارة" بالحرج من طريقته فقالت بتلعثم من لهجته المفاجئة _مقصدتش كدا أنا بس قلقت عليك وأ...
قاطعها سريعاً قبل أن يضعف أمام ألم قلبه الذي بدى بعذابه_أنا راجع تعبان ومحتاج أستريح..

وتركها وتوجه للأعلى والأخرى تتطلع له بذهول وإستغراب من لهجته المختلفة كلياً عنه لتحسم الأمر سريعاً بأن هناك ما يثير إزعاجه لذا تركته حتى يستريح قليلاً...
أكمل "ريان" طريقه للأعلى والألم يختذل جزء كبير من جسده، ليست قدماه التي تؤلمه بل نظراتها التي ذبحت ما تبقي بوجدانه، فكم شيد أحلاماً وكانت هي بها علي الدوام فكيف لتلك العاصفة بهدمها بتلك الطريقة القاسية لتقتلع جذورها!...

طرق باب غرفته بقوة تعبر عن نيران صدرها المشتعلة ليدلف للداخل، جلس علي الأريكة ليحل رباط قدميه ليسقط الطرف الصناعي أرضاً مصدراً صوتٍ مزعج كحطام روحه وزهاق روحه التي تتم بصمتٍ دون سماعهما!..
مرر أصابعه بين خصلات شعره بضيق ليرفع عيناه مردداً بصوتٍ منخفض _اللهم لا إعتراض...

قال كلماته الأخيرة بطاقة نور تخترق ظلمة قلبه الذي يئن بصمت، إعتاد علي قوة إيمانه وصبره الذي يجتاز أصعب الأختبارات فهو بحاجته الأن ليعبر هذه الحرب الضالة بين قلبه وبين شيئاً لم يخير له!..
إستمع "ريان" لصوت طرقات باب غرفته ليأتيه صوت أخيه _"ريان" أنت جوا؟!..
جذب الطرف الملقي أرضاً ليرتديه مسرعاً قائلاً _ثواني يا" مروان"...
أنهي إرتدائه لينهض متوجهاً لباب الغرفة، ولج" مروان"للداخل بأستغراب من تأخره بالسماح له بالدلوف ولكنه لم يعلق فجلس علي المقعد قائلاً بضيق_كدا تسافر في أكتر وقت كنت محتاجلك فيه...

جلس علي الأريكة المقابلة له قائلاً بسخرية _وقت ايه دا اللي إحتاجتني فيه أكيد شيء هايف كالعادة..
أجابه ببسمة فخر _لا المرادي حاجة مهمه...
رمقه بنظرة متفحصة ليشير له بشك_ارغي وهنشوف..
أسرع إليه ليرتمي أسفل قدميه ببسمة عريضة_واقع في حبها لأخر ما تبقي بالقلب وما بعده..
أجابه "ريان" بدهشة_هي مين دي؟!..

هامت عيناه ليشرع بالأجابة بملامح نجخت بأيصال حبه الكامن لمن يجلس أمامه_"سارة"..
للحظة تمني لو أن أذنيه كانت مبتورة بدلاً عن ساقيه، هل إستمع لأسم معشوقته لتو؟!...
بدأت وكأن صاعقة قذفت علي رأسه لتجعل حواسه بتبلد تام فان عجز اللسان عن الحديث كيف يحق للقلب أن يثور علي ما تسلل له؟!..

أسترسل" مروان" حديثه بحماس لاستمالة عاطفة أخيه الأكبر موضحاً _المرادي بحب بجد يا "ريان" مش تسلية والله أنا عايز أتجوز "سارة" فعلاً، أنا عارف أنها غالية عندك عشان أخت "خالد" الله يرحمني بس صدقني أنا هعاملها كأنها ملكة ومش هأثر معاها بحاجة...
شعر بعدم قدرته علي الحديث فما يحدث حوله من المؤكد درب من الخيال يحتجزه تحت أجنحته بقوة تفوق طاقة بدنه الضعيف، أشار له بيديه ليتحدث بصعوبة بالغة_أنا راجع تعبان يا "مروان" نتكلم بعدين...

نهض عن الأرض بيأس _اوكي..
وخرج تاركاً خلفه العاشق الذي حطم ذاته لفقدانه جزء إستثنائي من جسده!..

بقصر "رحيم زيدان"...
جلست "نغم" جواره تتأمله بنظرات حزن، لم تتمكن من إخراجه مما هو به حتي أنها حاولت ان تتحدث مع "شجن" ولكن باتت محاولتها بالفشل فمنذ مجيئها للقصر وهي تلتزم غرفتها المظلمة ما بين صلاة تقضيها وبين بكاء يطوفها بقهر علي ما تمر به من أحداث عصيبة مرت بذلك الشيطان وإنتهت بأخيها الذي حذم فؤاد القلب!..
وضعت يدها علي كتفيه مرددة بحزن_وبعدين يا "يوسف" هتفضل بالحالة دي كتير!..
إستدار بوجهه تجاها بنظرات تحمل الكثير والكثير ليجيبها بكلمات مخالفة لما يود قوله_أنا كويس متقلقيش..
أجابته "نغم" بدموع غزت وجهها الرقيق_أنا حاسة اني إتسببتلك بمشاكل كتير مع أختك فلو بطلاقنا حل للخلاف دا فانا معنديش مانع...
إستدار بجسده كلياً ليجذبها لأحضانه بلهفة_أيه اللي بتقوليه دا يا "نغم" أنا مستحيل أسيبك... مستحيل...
ردد كلماته الأخيرة بسحابة حزن تجتاز عيناه فكيف له بالأختيار وبنهاية الطريقين نيران ستلتهمه بالأخير؟!...

بأعلي الدرج، كانت تستمع لحديثهم المؤلم بدمعات لمعت بعيناها لتحسم الأمر فتوجهت لغرفة "شجن" بأرتباك، طرقت باب غرفتها لتستمع إذن الدخول، ولجت "ريم" للداخل بتوتر كبير، بحثت عنها بعيناها لترى تلك الفتاة بفضول، رأتها تجلس علي الفراش بحجابها الازرق محتضنة بين يدها المصحف الشريف فبدى لها أنها أتت بوقت تلاوتها...

تعجبت "شجن" من تلك الفتاة فكانت تظن بأن الطارق "حنين" أو "نغم" التي تأتي كعادتها في محاولات مستميتة لرؤية "يوسف"، تقدمت منها "ريم" ببطء لتفرك أصابعها بأرتباك واضح_أنا "ريم" أخت "نغم"...
لاحظت "ريم" تغير ملامحها حينما ذكرت إسمها علي مسماعها لتسترسل حديثها بمعالم ترسم بالحزن والعينين بالدموع _أنا عارفة أنتِ حاسة بأيه بس الصعب اللي في الموضوع كله أنك شايفه اللي حصل بطريقة مختلفة..

شعرت "شجن" بالارتياح لتلك الفتاة التي ترأها لاول مرة فأغلقت المصحف الشريف لتصعه من يديها علي الكوماد ثم إعتدلت بجلستها قائلة ببسمة هادئة_وأنتِ شايفاه إزاي؟!...
صمتت قليلاً ثم أجابتها ببسمة تحمل ألم بمكنونها_شايفة ظلم وإضطهاد عاشتهم بنت متعودة علي التحدي والقوة بس مكنتش تعرف أنها هتنكسر بالشكل دا وعلي ايد واحد من المفترض أنه أخوها!..

شايفة امل إتولد بدخول "يوسف" حياتها اللي كانت شبه منعدمة...
"نغم" مش وحشة زي مأنتِ فاكرة "نغم" كانت محتاجة الامان اللي لقيته مع "يوسف" اللي رفض يشوفها بتضحي عشان الحب دا ومستحمله عشان كدا إتجوزها وهو ميعرفش أنك هتكوني العقاب للي عمله...

هوت دمعة حارقة علي وجهها وهي تستمع للحديث فختمت "ريم" حديثها قائلة برجاء _صدقيني مكنش يعرف أن كل دا هيحصل معاكِ ومعاه بلاش تخليهم يحطوا نهايه للعلاقة دي قبل ما تبتدي...
وتركتها "ريم" وغادرت لغرفتها، تركتها ولكن كلماتها لم تترك مسمعها ليطوف بها ذكريات مضيئة حملتها مع أخيها قرة عيناها...
ودعها "يوسف" ثم توجه للرحيل خائب الأمل بعودة شقيقته، يأتي باليوم أكثر من مرة علي أمل لقائها ولكنها رفضت لقائه كالعادة...
_"يوسف"...

كاد بالخروج ولكنه تسمر محله حينما إنطلق صوتها يرفرف بالأرجاء ليعود لطرب إذنيه من جديد، إستدار بلهفة تجاه صوتها ليجدها تقف على الدرج بملامحها الباهتة وجسدها الذي صار هزيل للغاية...
أسرع إليها ركضاً ليقف أمامها مردداً بلهفة _" شجن"!..

تطلعت لوجهه المتهجم من كثرة أحزانه، ذقنه التي طالت فهي تعلم بأنه لا يدعها هكذا اللي حينما تتغلبه الأحزان، لمعت عين"يوسف" بالدمع ليحتضنها بقوة قائلاً بصدق_والله ما اعرف ان كل دا هيحصل..
تخبأت بأحضانه لحاجتها له بعد ما رأته بجحيم خيل لها، تمسكت به بقوة كأنها تسكن بقبر وليس بقصر فاخر، كفوا عن الصمت وإحتضن كلاً منهما الأخر بمحبة فمهما تمكنت منهم الظروف هو أباً لها بالنهاية وهي إبنته المدلالة!...

تابعتهم "نغم" بدموع وبسمات لا حصي لها، سعادة الكون بأكمله حينما يبتسم "يوسف" محبوبها فما الذي ستريده بعد ذاك؟!..
إبتعدت عنه "شجن" لتكمل باقي الدرج حتي وقفت أمام "نغم" التي تتطلع لها بصدمة وخاصة حينما عانقتها "شجن" قائلة من وسط سيل الدموع_زوقك حلو علي فكرة..
ثم رفعت يدها علي ذقنها بخفة_مبروك يا حبيبتي..
تطلعت "نغم" ليوسف بدهشة لتحتضنها هي الاخري بعدم تصديق...

بشركات الحديد والصلب التابعة لرجل الأعمال الشهير "سليم زيدان"..
وقفت تتطلع علي اللافتة التي تحمل إسمه ببسمة حالمة بكونها ستصبح زوجة له يوماً ما بعدما زينت أحلامها بيدها!، اخرجت المرآة من حقيبتها لتلقي نظرة أخيرة علي ذاتها بعدما حرصت علي إرتداء ملابس بسيطة للغاية لتبدو إبنة رجل فقير وكأي فتاة بسيطة من حي شعبي بسيط، علمت بالطريق الذي سيسمح لها "سليم" بالبقاء بشركاته فأعدت ذاتها جيداً لحرصه علي الموافقة عليها فور اللقاء بها...

ولجت "هنا" من الباب الرئيسي لتنضم لصفوف الفتيات التي أتت لنيل وظيفة بشركة معروفة هكذا، جذبت الأستمارة لتجلس علي الأريكة بنظرة ساخرة علي من يتطلعون لها بنظرات ساخطة بعدما جاهدة لجعل ذاتها اكثر فقراً، تذكرت نفس النظرات حينما كانت ترمق بها زميلاتها بالجامعة من أصحاب الطبقات الوسطى ها هي تضع ذاتها بنفس الخانة، إبتسمت بسخرية لأجل الحب الذي جعلها كالمجنونة لتضع ذاتها بمثل هذا الأمر...

توافدت الفتيات للداخل واحدة تلو الأخري حتي حان دورها فنهضت متوجهة للداخل بأرتباك من أن يعرفها "سليم" فلم يسبق له التعرف عليها ولكنها ظهرت بعدد لا بأس به من الصحف والمجلات بصحبة والدها وأخيها، ولجت "هنا" للداخل لتجد غرفة بمساحة كبيرة تحوي مكتبين أحداهم يخص السكرتارية والأخر لسليم الذي يتابع المقابلة التي تحدث فيما بينهما بصمت، جلست أمام مقعد السكرتارية وعيناها تخطف النظرات لمن يقف أمام النافذة يتحدث بالهاتف بشرود بمن تحدثه، إحتقن وجهها بالدماء وهي ترأه يبتسم بهيام لتعلم من مظهره لمن يتحدث؟!..

بدأت تجيب علي أسئلة السكرتيرة وعيناها مازالت تتابعه، شعرت من طريقتها بأنها ستحظي بالفشل بهذة الوظيفة لكونها مازالت تدرس بالجامعة، أوشكت المقابلة علي الانتهاء والأخر يوليها ظهره، إشتعل غضبها فهل سيمر ما فعلته لأجله مرور الكرام!..
نهضت عن المقعد لتجذب حقيبتها متعمدة بأن تسقط المزهرية الموضوعة علي جانب المكتب لنثير جلبة بالمكان جعلت "سليم" ينتبه لها، لملمت ما وقع أرضاً مدعية الخوف والأسف_أنا بعتذر جداً مأخدتش بالي والله.

أشارت لها السكرتيرة بهدوء _ولا يهمك، إتفضلي والعامل هينضف المكان..
إستغلت إنتباه "سليم" لها لتقول بصوتٍ رقيق مدعية الخجل_طب لو حضرتك عاملة يعني علي دراستي فأنا مش بروح غير يومين بالأسبوع بس...
أشارت لها السكرتيرة بضيق من حديثها المفرط لتكمل "هنا" حديثها_أصل حضرتك متتصوريش أنا محتاجة الشغل دا إزاي أنا والدي متوفي وانا اللي بعيل أخواتي ووالدتي فلو يعني أ.

قاطعتها بحدة_خلاص يا أنسة هنشوف وهنكلمك..
طأطأت رأسها بخزي مصطنع ثم توجهت للخروج لترسم بسمتها أضعافاً حينما تحدث "سليم" _إستنى..
إستدارت إليه بملامح عادت لثباتها ليبتسم ذاك الوسيم الذي لا يعلم ما بنفسها الأمارة بالسوء_أنتِ إسمك أيه؟..
أجابته وعيناها جبرت بأن تكون أرضاً حتي ترسم دور الفتاة البسيطة الوقورة _"هنا"..
خدع بمظهرها ليعجب بأخلاقها سريعاً فقال بهدوء _من بكرا تقدري تبدأي الشغل بمكتبي، ريماس هتعلمك كل حاجة..
وترك المكتب وغادر لتبتسم الأخري بسعادة لأقترابها من هدفها المريض!...

بفيلا"عباس صفوان "...
كان يجلس علي الاريكة يرتشف القهوة ليتابع الملف من أمامه بتركيز، وضعه "يامن" أمامه ليتمتم بغضب_والقضية دي تتحل أزاي؟!..
ثم زفر بضيق_لا بقولك أيه انت لو مكسبتش القضية دي كمان أبوك هيشمت فيك وهيشغلك الشريط شوف إنجازات أبوك وهيترسم والحكاية مش ناقصة...
القي به علي الطاولة بتذمر من كونه إنصاع لرغبة أبيه في أن يكون خليفته بالمحاماة التي يبغضها هو، صدح رنين الباب فرفع صوته بضيق_حد يشوف مين؟!..
لم يجيبه أحداً من الخدم ومازال الباب يدق بطريقة مزعجة جعلته ينهض سريعاً، فتح "يامن" الباب ليبتسم مردداً بأستغراب _أيه المفاجأة الحلوة دي مش كنت تقول يا جد...
بترت كلماته حينما ناوله "جان" لكمة قوية أسقطت الأخر أرضاً فاقداً للوعي!..

الليل يدمس العالم بأكمله وبين ظلماته الكحيلة تحرك كلاً منهما بخفة نتجت بفعل تدربيات مميتة طالت لسنوات عديدة، تابع كلاً منهما إشارة الأخر ليتسلق الاسطورة الحبال للطابق العلوي ومن ثم راقب الجوكر المكان ليلحقه مسرعاً للأعلى...

ولجوا للداخل ليختبئ كلاً منهما خلف الحوائط لأستكشاف المكان أولاً، ثبت "رحيم" كاتم الصوت بسلاحه ليبدأ معركته بالتسلق للداخل ليسقط كلاً من أمامه سواء بسلاحه أو بكسر العنق، أما "مراد" فكان يتحرك بحذر ليتمكن من إستخدام السكين فهو بارع بالتحكم به، أخرج عدد لا بأس به من السكاكين الصغيرة فكان يصوبها بأحتراف ومهارة عالية إعتاد عليها، وجد بنهاية الروق رجلاً ضخم يقف أمام باب أسود اللون يجتاز نص الحائط بألوانه المخيفة، أخرج "مراد" سلاحه ثم تخفي حتي وصل إليه ليتسلل من خلفه ليخرج سكينه الحاد ثم مررها علي رقبته ليذبحه بقوة فسقط أرضاً يتلوي حتي بات صخراً لا يتحرك، نهض "مراد" عن الأرض ثم فتح الباب برفق ليدلف للداخل، أكمل طريقه فأذا برحيم يقف أمام عيناه مصوباً سلاحه بوجهه ليتطلع الأخر له بثبات فكان يعتاد منه الخيانة ولكن لم يتوقع بتلك السرعة!...

إنطلق الرصاص الحي ليجتاز رأس "مراد" مروراً لمن يقف خلفه لتستقر بين رأسه، إستدار" مراد" للخلف بأستغراب ليجد إحداهما ممدد أرضاً بعدما كان يستهدفه!، إستدار لرحيم بثبات ليقترب الأخر منه ببسمة ساخرة_أعتقد الخناجر العظيمة دي متلقش بمهمة زي دي...

وضع الخناجر بجيبه ليخرج سلاحه بغضب من تعقيبه الساخر ليتفرق كلاً منهما مجدداً وخاصة حينما شعرت المافيا بوجودهم بعدما كشفت الجثث إليهم، تسلل "رحيم" للداخل ليقضي عليهم واحداً تلو الأخر بحذر وبحركة خافتة حتي لا يشعر بوجودهم أحداً، تسلل من الجانب الأيسر ليتفاجأ بعدد من الأطفال يرتدون جلباب أبيض ليخفوا به جسدهم العاري، يجلسون مقابل غرفة الجراحه ليجلس كلاً منهم بأنتظار دوره للقضاء علي حياتهم!، لم يمنحوا الرحمة لملامحهم البريئة تعاملوا معهم بلا رحمة أو حتى إحساس بدموع صغير يحتاج لحضن أمه ليجذبوه دون رحمة لسرير تشريح لأعضائه الصغيرة، يمنحونهم موتة طويلة جزاء ماذا؟!..

ماذا إرتكب هذا الصغير ليحرم من حضن أبويه ويقتل دون أن يشعر به أحداً أو حتي يكرم موتاه؟!، ماذا فعلوا ليجلس كلاً منهما بمقعد بأنتظار موتة رحيمة بطفولتهم، من شعر بهم وبخوفهم وزالزلة قلوبهم حينما رأوا أدوات التشريح بالداخل!...
غامت عين "رحيم" بعاصفة قاتلة تشكل إنذار خطر لمن حوله ليتسلل حتي وصل لهذا الرجل الذي يتابع الدور للدخول للعمليات ليكمم فمه بيديه وبيديه الأخري يضغط علي سلاحه مراراً وتكراراً كأنه يفرغ شحنة غضبه بهؤلاء القتلة اللعناء...

بالداخل...
الدماء تغطي المكان بأكمله، دماء لطفولة بترت وصراخ كمم وجثث تلقي دون شفقة منهم أو حتي ملامة الضمير المبتور..
زعر الطفل الصغير والأخر يصطحبه للفراش المغطي بالدماء فقال ببكاء_لا أنا عايز اروح لماما ودوني لماما...
أشار الطبيب اللعين للممرض_ماذا تنتظر؟! إحقنه بالمخدر..

إستجاب له الممرض فقرب المحقن من يد الصغير لتتطاير الدماء بلمكان ليسقط الممرض أرضاً ويظهر الجوكر من خلفه بعينان تشتعلان بجحيم أسود مما يرأه أحداً بتلك الغرفة، ركض الصغير خوفاً منه بعدما رأي ماذا فعل بالممرض فأشار له "مراد" بهدوء _متخافش يا حبيبي أنا هرجعك لمامتك تعال هنا...
وكأن لهجته العربية بعثت بنفسه راحة عارمة ليركض سريعاً بإتجاه مراد ولكن يد الطبيب كانت الأسرع، إنتشله ليقربه منه ثم جذب المشرط المجاور له قائلاً بعد ملاحظته برغبة "مراد" بأنقاذه _كيف دخلت إلي هنا؟، ومن أنت؟!..

أجابه بصوتٍ يشتعل برنين خاص_أنا الهلاك الذي سيفتك بك، أنا الموت الذي سيبتلعك أيها اللعين...
إبتسم بخبث ليشير لمن يقف خلفه _حسناً فلنري لذلك الرجل الشجاع إلي أي جحيم دخل؟..
لم يفهم كلماته الا حينما إستدار ليجد من يقف خلفه ويصوب السلاح عليه، إنحني مراد ليلكمه بقوة أفتكت به ليقرب الطبيب المشرط من بطن الطفل الصغير الذي بدأ بالصراخ لينتبه له مراد فصرخ به الطبيب ببسمة تلذذ_والأن عليك الأنصياع لما أريد والا سأقوم بتشريح الصغير أمام عيناك وبدون أي مخدر..

وقذف الطبيب للرجل الملقي أرضاً إبرة مخدر ليشير له _إحقنه بها..
تناولها الرجل ليقترب من "مراد" الذي كاد بقتله ليقوم الطبيب بجرح الصغير الذي بكي بألم لينصاع له مراد بالأجبار لأجل حياة الصغير رغم أنه بعلم بأنه سيلقي نفس المصير!..

شعر بأن جسده لم يعد يحمله ليسقط أرضاً بعينان مازالت تلتقط الصور الأخيرة له، نقله الرجل بمعاونة الطبيب ليضعه علي الفراش ليصرخ به قائلاً بغضب_إذهب وتفحص المكان فربما أتي معه أحداً..
أشار له الرجل وخرج سريعاً ليتفحص المكان بينما شق الطبيب ملابس الجوكر العلوية ليجذب المشرط قائلاً ببسمة لعينه له _مر وقتٍ طويل علي تشريح رجل فأكن صادقاً معك إعتادت علي أجساد الأطفال..

حاول الحديث ولكنه لم يتمكن فغيمات سوداء تسحبه بأحضانه ليري أخر مشهد إقتراب المشرط من صدره والمشهد الأخير للطبيب الذي ذبحت رقبته لينزف بغزارة ليطل من خلفه "رحيم" الذي صرخ به بلهفة_"مراااد"...
تفحص جسده ليتأكد بأنه معافي كلياً فأستمع لصوت بكاء يأتي من خلف خزانة المعدات فتوجه إليها ليجد طفلاً صغير يضم قدميه لجسده ببكاء حارق ويديه تحتضن بطنه التي تنزف بغزارة، إرتعش جسده من هول المصدر ليعلم ما الذي وصل مراد لتلك الحالة إذاً كان يحمي الصغير!.

جذبه "رحيم" برفق ليداوي جرحه سريعاً فالمهمة أصبحت علي عاتقه بمفرده، جذبه للخارج ليضعه بالمكان السري الذي خبئ الأطفال به ثم عاد للغرفة مجدداً ليعبث بالخزانة حتي وجد غايته فتوجه لسرير الجراحه ليحقن "مراد" بالمادة التي ستجعله يستعيد وعيه بعد عشر دقائق كحداَ أقصي فكان بمتلك خبرة بالطب تجعله مؤهلاً لاي ظرف طارئ، ولج الرجل للداخل ليخبر الطبيب بالكارثة التي حلت بنصف رجاله ليتفاجأ به أرضاً ينزف بغزارة فإخرج سلاحه ليفتك بمن يقف أمامه..،

جذب "رحيم" سلاحه ليفتك به ثم ركل الفراش الذي يحمل مراد ليتسطح أرضاً ليجعله بحماية من الرصاص الحي الذي يتبادله مع المافيا، تخبئ خلف الخزانة ليتفحص الطريق بالزجاج الموضوع أمامه ليبدي مهارة عالية بالقضاء علي البعض منهم، كثر الطلق الناري والذخيرة علي وشك النفاذ فعليه ترك المكان علي الفور والا لسقط بأيدهم ضريع، ألقي بقنبلة مسيلة للدموع ثم جذب "مراد" ليسرع به من الباب الجانبي ليضعه خلف أحد الحوائط حماية له من الرصاص ثم بدأ يترصد لهم حتي كادت زخيرة السلاح الأخير بالنفاذ!.. بدأ يستعيد وعيه تدريجياً لينهض بفزع حينما تذكر إقتراب هذا الطبيب منه، وقعت عيناه علي "رحيم" الذي يتبادل الطلق الناري محتمياً بالحائط، تطلع للمكان من حوله ليعلم بأنه إنقذه أكثر من مرة وعرضه للخطر لتحمل عاتقه!...

شرد لوهلات طالت بصدماته ودهشة تكتسح ملامحه ما بين جواب وألف سؤال يلاحقه ليفق علي صراخ "رحيم" _ أستأذن جنابك عن الشرود الجميل دا محتاج مساعدة هنا والذخيرة خلصت مني...

نهض "مراد" عن محاه ليتفحص بنطاله باحثاً عن الرابط الحامل لخناجره، راي ملابسه جواره فعلم بأن "رحيم" أحضره معه فأرتدي الرباط حول جسده ليمنحه نظرة غامضة تعجب منها رحيم ولكنه لم يعلق فالوقت ليس مناسب تماماً، خرج "مراد" وسط الطلق الناري ليحميه "رحيم" بما تبقي بسلاحه ليلقي الجوكر خناجره بحرافية عالية ليسقط عدد لا بأس به فجذب أسلحتهم وقذفها لرحيم الذي خرج لينضم له ليقضي عليهم جميعاً بعدما بذلت طاقتهم ولكن بدافع الحقد والأنتقام من هؤلاء الاوغاد...

بحثوا بالمكان لعلهم يجدوا أحداً او معلومات توصلهم للهدف الأكبر، من يختبئ خلف هولاء، أطلق "رحيم" النيران علي باب موصود بعدة أقفال ليدلفوا سوياً فتسمر كلاً منهما محله بألم..
فكانت الغرفة عبارة عن براد ضخم يضم عدد مهول من الأعضاء البشرية، تفحصهما "رحيم" بملامح تنم عن الألم والحزن ومراد بغضب ودمعه فرت من عيناه أزاحها بقهر علي ما مر به هؤلاء الأطفال الذي لم يعد منهم سوى بقايا تضمها البراد؟!..

جذب "مراد" البنزين من الخارج ليضعها علي الخزانات بأكملها ثم ناول "رحيم" القداحة ليتطلع له مطولاً ثم تناولها منه ليشعل النيران بها لتلتهم ما ظنه اللعناء كنزاً ها هو يحرر أرواحهم من تلك الخزانات التي إحتوت طفولتهم...

توجه "رحيم" بالأطفال لأقرب سفارة لتوالي الأمر بعدما تدخلت الحكومة المصرية بينما عاد "مراد" للمنزل ليجلس علي المقعد بشرود بما فعله رحيم فلم يكن مكلف بأنقاذه حتي بعدما فقد الوعي!..
نهض عن محله ليجذب الأسطوانة الموضوعة بحقيبته ليجلس علي المقعد بالشرفة ليضعها بحاسوبه، ثم ضغط علي زر التشغيل ليظهر من أمامه "طلعت زيدان"!...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة