قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

جلست رحمة على سريرها تضم ركبتيها إلى صدرها بيديها، وتسيل دموعها على وجنتيها كدماء سالت من جروح عميقة بروحها، مؤلمة حقا ومزهقة لأنفاسها، لا تدرى كيف وافقت على طلب أختها، كيف ستستطيع تلبية رغبتها الأخيرة، كيف ستصبح لهذا الرجل الذي ما تمنت يوما غيره والتي أيضا أدركت منذ زمن بعيد أنها لن تستطيع أن تكون له، كيف؟

نهضت من مكانها تدرك أنها لن تستطيع الحصول على الراحة هنا في تلك الحجرة لتخرج منها باحثة عن الراحة في مكان آخر، مكان لم تكن تحلم بالتواجد فيه ولكن ها هي متجهة إليه، وبكل حزم.

دلفت بشرى إلى حجرتها بعد أن وجدت المنزل ساكنا على غير عادته في مثل هذا الوقت، إنتابتها الحيرة تتساءل عن مكان وجود الجميع، وكيف كان لقاء زوجها برحمة، ورحمة براوية، وإلى متى تنوى رحمة المكوث هنا أم أنها تنوى المكوث طويلا؟أسئلة وأفكار عديدة راودتها، ولكنها كانت مرهقة للغاية فتركت أفكارها جانبا، ربما في الصباح تعرف إجابات تلك الأسئلة فكل ماتحتاجه الآن هو حمام دافئ وساعات طويلة من النوم كي تستعيد نشاطها مجددا، وتنجلى أفكارها، لتدبر لتلك الرحمة مصيبة تليق بها،.

أضاءت نور الحجرة، لتنتفض وهي تجد مراد جالسا في هذا الركن البعيد، ينظر إليها بملامح جامدة، لتبتلع ريقها وهي تقترب منه قائلة:
خضتنى يامراد، إيه اللى مقعدك في الضلمة كدة؟
لم يجيبها مراد وإنما سألها بدوره قائلا:
كنتى فين يابشرى؟
قالت بشرى بإرتباك:
هكون فين يعنى، كنت، كنت عند صفاء، أنا والشلة، حفلة بنات كدة ع السريع، خلصتها وجيت.
قال مراد ببرود:
ومقلتليش ليه؟
إقتربت بشرى منه قائلة:
إتصلت بيك وتليفونك كان مغلق.

نهض مراد قائلا بحدة:
يبقى متخرجيش، المفروض إنى لازم أعرف مراتى خارجة فين قبل ما تخرج من البيت وياأوافق ياموافقش، مفهوم؟
إتسعت عينا بشرى قائلة بإستنكار:
إيه الكلام اللى انت بتقوله ده يا مراد؟، ومن إمتى الكلام ده، ها؟من أول جوازنا وأنا بخرج ومبقولكش وانت مبتعترضش ومبتهتمش أصلا.
اقترب منها مراد قائلا في برود:.

من النهاردة ياستى ههتم وهعترض. من النهاردة ممنوع تخرجى من غير إذنى، كان منظرى وحش أوي أدام يحيى وأنا مش عارف مراتى فين؟
رفعت بشرى حاجبها الأيسر وهي تقول بسخرية:
يحيى، قلتلى، بقى الموضوع فيه أخوك الكبير ومنظرك أدامه وأنا اللى قلت جوزى فجأة بقى مهتم بية وعايز يعرف بروح فين وبعمل إيه.

أحس مراد لثوانى بالإرتباك، فبالفعل سؤاله عن مكان وجودها ما جاء سوى من تنبيه أخيه عليه، وشعوره انه مقصر في حياته الزوجية أما في الحقيقة فهو لا يهتم ببشرى أبدا ولا يود أن يعرف شيئا عنها، فهي بالنسبة إليه مجرد زوجة أجبر عليها ولم تستطع أن تكسب قلبه بسبب عنجهيتها وتصرفاتها البغيضة، ليفقد أي إهتمام بها كإمرأة رغم جمالها الرائع والذي يحسده عليه الجميع، فلم يشعر معها بتسارع دقات قلبه مثل هذا الذي حدث معه منذ قليل عندما ضم رحمة إلى صدره، ولم يشعر معها بالراحة كما يشعر مع، شروق.

لا يدرى لما اقتحمت صورة شروق مخيلته الآن، لينفض تلك الصورة وهو ينتبه إلى كلمات بشرى التالية وهي تقول:
متحاولش تتعب نفسك، وتدور على كلام تبرر بيه موقفك، وبصراحة انا تعبانة ومش حمل مجادلة معاك وعايزة آخد شاور وأنام، بعد إذنك.

تجاوزته ليمسك ذراعها يعيدها إلى مكانها أمامه، كاد أن تقع فإستندت إلى صدره مغمضة العينين تخشى السقوط ليدعمها بيديه، فتحت عينيها بقوة وهي تشتم رائحة نسائية تعرفها جيدا وتكرهها في آن واحد، فهي تذكرها بصاحبتها التي تكرهها بدورها، وبشدة، تبا إنها تقليدية للغاية تلك الرحمة، حتى عطرها مازالت تحتفظ به، ولم تغيره، ولكن ما الذي أتى به على ملابس زوجها؟، لتنتفض مبتعدة عنه وهي تقول بحدة:.

إيه الريحة دى؟فهمنى جتلك منين؟
عقد مراد حاجبيه قائلا بحيرة:
ريحة إيه؟
قالت بشرى بحدة وهي تشير بإصبعها إلى صدر مراد قائلة:
ريحة البرفيوم الحريمى دى.
أحس مراد بالإرتباك لثوانى وهو يدرك أنها رائحة رحمة العالقة به، ليتمالك نفسه قائلا:
راوية أغمى عليها ورحمة من قلقها كان هيغمى عليها هي كمان...
قاطعته قائلة بحدة:
وإنت طبعا الشهم الهمام اللى لحقتها قبل ما تقع وسندتها، صح؟
قال مراد بحدة:.

بالظبط، زي ما عملت معاكى دلوقتى، فيها إيه دى كمان؟
إزدادت نبراتها حدة وهي تقول:
بس أنا مراتك.
قال مراد بغضب:
وهي كمان مرات أخويا.
قالت بشرى بسخرية:
كانت مرات أخوك، كانت،
تجمدت ملامح مراد وهو يقول:.

رحمة هتفضل دايما مرات أخويا، فبلاش مشاعرك الغريبة واللى مش مفهومة بالنسبة لى من ناحيتها وناحية راوية اللى بتموت ومع ذلك مشفتش منك شفقة ولا عطف او حنية عليها، ياريت تصفى قلبك قبل فوات الأوان، ياريت تبعدى من جواه كل مشاعر الغل والكره اللى بحسهم ماليينه قبل ما تخسرى كل حاجة يابشرى، لإنى بجد زهقت ومليت من تصرفاتك.
ليتركها ويغادر الحجرة صافقا الباب خلفه لتقول بشرى بغل:.

مش ممكن قلبى يصفى من ناحيتهم ولايمكن انسى إنى بكرههم، الاتنين أخدوا منى حلم حياتى وحب عمرى، واحدة حبها والتانية إتجوزها، وأنا ورغم انى من دمه زيهم، عمره ما شافنى ولا حس بية، ومش ههدى ولا يرتاحلى بال غير لما أخلص منهم الإتنين.
ليظهر في عيونها كل التصميم وهي تدلف إلى الحمام، لتستسلم للمياه وتريح أعصابها فالغد يوم طويل وعليها الإستعداد له، تماما.

دلف يحيى إلى حجرته ليجد راوية مازالت تنتظره رغم تأخر الوقت، نظر إليها نظرة طويلة معاتبة قبل ان يتجه إلى الحمام ليوقفه صوتها الضعيف وهي تنادى بإسمه، التفت إليها لتشير إليه بالإقتراب، ليقترب منها رغما عنه فملامحها الشاحبة بشدة وحالتها الصحية، تملأ قلبه بالشفقة و ترغمه على الإنصياع لرغباتها، جلس بجوارها على السرير دون أن يتحدث، فقط ينظر إليها لتمد يدها وتمسك يده بحنو، لم يبعدها، لتقول هي بصوت هادئ ولكن يحيى إستشعر حزنها الدفين به:.

أنا عارفة إنك زعلان منى عشان طلبت من رحمة ومنك حاجة زي دى من غير ماأرجعلك في الأول وآخد رأيك، بس مكنش ينفع أقولك على رغبتى دى قبل ما آخد موافقتها.
قال يحيى بعتاب:
وموافقتى يا راوية ملهاش أي إعتبار عندك، ولا رأيي تحصيل حاصل بالنسبة لك؟
إلتمعت عينا راوية بالدموع وهي تقول:
تفتكر إن مكانتك عندى قليلة أوي كدة عشان أستخف برأيك؟، كل الموضوع إن أنا حاسة بيك وعارفة اللى في قلبك يايحيى.

أطرق يحيى برأسه قائلا بحزن:
إنتى متعرفيش حاجة.
مدت يدها ترفع ذقنه لتواجهها عيناه وتقول هي بتقرير:
أنا عارفة إنك بتحبها.
إتسعت عينا يحيى في صدمة لتستطرد قائلة:.

بتحبها من زمان، وأنا كنت عارفة، ولغاية النهاردة مقدرتش تحب غيرها، بسمعك بتنادى إسمها في أحلامك، لإنك مش قادر تكون معاها في الحقيقة، إتجوزت هي أخوك وإتجوزت إنت أختها، بس القدر أهو بيديلكم فرصة تانية وكأن قصتكم مش مكتوب لها تنتهى بالفراق، وكأن مصيركم إنكم تكونوا لبعض مهما حاولوا يفرقوكم.
إنتفض يحيى واقفا وهو يقول:
إنتى بتقولى إيه بس، قصة إيه ومصير مين؟إنتى جرى لمخك حاجة؟
إبتسمت راوية بحزن:.

الموت لما بيكون قريب منك بيخليك تشوف كل حاجة صح وبتحاول تصحح حاجات كتير غلط في حياتك وحياة اللى حواليك واللى يهموك، وانا عمرى ماكنت صح أد النهاردة، متحاولش تنكر حبك، اللى بيبان جوة عيونك، في قاعهم اللى حاولت تخبى حبك فيه، وبيظهر فيهم بس لما بتسمع إسمها، وعشان كدة محيته من حياتنا كلنا، عشان بيفكرك بيها، بيفكرك بحبك الأول والأخير.

نظر إليها يترك مشاعره لأول مرة تظهر على وجهه دون أن يواريها كعادته مع الجميع، ليجلس مجددا وهو يقول بألم:
هي السبب، هي اللى إتخلت عنى ياراوية وخانتنى، و مع مين، مع أخويا، محت إسمها من قلبى قبل ماأمحيها من حياتنا كلها، ياريت تقفلى على الموضوع ده لأنه بيوجع أوي، الموضوع ده منتهى بالنسبة لى، وبعدين مش انتى مراتى برده، إزاي بس تطلبى منى أعمل حاجة زي دى؟
قالت راوية بحزن:.

لإنى هموت قريب أوي بطلبها منك، لإنى مش هكون موجودة في حياتك وحياة إبننا بطلبها منك، بطلبها وقلبى بينزف بس لازم أكون واقعية وأطلبها منك، لإنى لو مطلبتهاش، وإنت لو موعدتنيش، مش هتعملها يايحيى.
نهض يحيى يقول بعصبية:
ايوة مش هعملها، لإنى مستحيل هقدر أسامحها، وبعيد عن إنك مراتى وتبقى اختها فالجواز منها أصلا شئ مستحيل افكر فيه لإنها إنتهت بالنسبة لى، فجوازى منها مستحيل هيحصل وده قرارى النهائى ياراوية.

نظرت إليه راوية متفحصة ملامحه وهي تقول:
وإن قلتلك إنها هتكون لغيرك من تانى يا يحيى.
لم يستطع يحيى إخفاء صدمته التي ظهرت على وجهه رغما عنه وهو يقول:
تقصدى إيه بكلامك ده يارواية؟
تأكدت راوية في قرارة نفسها أنه مازال يعشق رحمة ولكنه كبرياؤه الأحمق ما يجعله ينكر مشاعره لتقول بهدوء:.

توفيق إبن خالتى في زيارته الأخيرة لية قاللى إنه قابلها في دبي وإنه لسة بيحبها وعايز يتجوزها وفعلا طلبها للجواز، وأنها طلبت منه يديلها فرصة تفكر، وبتهيألى لو رفضت إنك تتجوزها هتوافق عليه يايحيى.
قال يحيى بتوتر غاضب:
هي قالتلك إنها هتتجوزه؟
قالت راوية بهدوء:.

قلتلك قالتله هتفكر، بس طبعا لما أقنعتها تتجوزك، بقى الموضوع ده بالنسبة لها منتهى، لكن لو رفضت فتوفيق مستعجل ومش بعيد يقنعها ويتجوزها في أسرع وقت، توفيق عريس كويس وميترفضش، القرار بقى في إيدك يايحيى، والوقت بيفوت بسرعة.
تمالك يحيى نفسه الممزقة في تلك اللحظة غضبا وألما وغيرة، ليقول ببرود صقيعي:
وقرارى لسة زي ما هو ياراوية، جوازى من رحمة مستحيل، تتجوز اللى تتجوزه، صدقينى مبقتش تفرق كتير.

ليغادر الحجرة مسرعا وكأن شياطين الأرض تطارده، تدحض خطواته الغاضبة برودة لهجته وكلماته، لتقول راوية بألم:
مهما حاولنا ننكر مشاعرنا مش هنقدر، في الآخر هنستسلم ليها وساعتها هنعمل أي حاجة، أي حاجة عشان نحميها من الأذى.
لتغمض عينيها تشعر بالإرهاق الذي أنهك جسدها وروحها، بشدة.

دلف يحيى إلى حجرة ولده يبغى أن يريح قلبه المتعب برؤياه، ربما وجد صغيره مستيقظا لينسى أفكاره التي تحرقه وهو يداعبه، ذلك الملاك الصغير الذي يعشقه والذي يجعله ايضا يحتمل تلك الحياة وآلامها، ليتوقف في مكانه متجمدا وهو يراها أمامه نائمة على هذا الكرسي الهزاز بجوار السرير، تضم طفله بين ذراعيها، وينام هو على صدرها بأمان، لا يدرى لماذا شعر بقلبه الآن يذوب في صدره، ولما إزدادت حرارة جسده وإشتعل كيانه بالكامل، هل لأن هذا المشهد لطالما راود أحلامه منذ أن شب على حبها ودق قلبه من أجلها، أم لإنها الآن تبدو كصورة مجسدة لجمال ملائكي برئ يخلب الألباب، أو ربما لأنها هي فقط رحمة وهذا الذي بين يديها هو طفله الصغير هاشم، وكليهما قطعة من روحه مهما رفض مشاعره وأنكرها، أغمض عينيه عن تلك الصورة الخلابة ليفتحهما مجددا تصارعه أفكاره من جديد، ترى هل سيأسر رحمة رجل آخر بالرباط المقدس، هل ستكون أما في يوم من الأيام لطفل رجل آخر يتأملها وهي نائمة يضم حضنها صغيره كما يتأملها هو الآن؟، أشعلته الغيرة، وأحرقه غضب شديد سري بعروقه وهو يتخيلها ملكا لغيره، مجددا،.

يشعر بأنه لن يتحمل ذلك تلك المرة، ورغم أنها تستحق الموت لما فعلته به بالماضى، لكن لابد وأن يعترف أنها لازالت تمتلك قلبه، ذلك القلب الخائن العاشق لها حتى الموت، يدرك وبكل ضعف أنه لن يستطيع أن يتركها لغيره، فإما هو أو الموت، ولا خيار آخر أمامها.

تراجع إلى الخلف بحذر، لينظر إليهما نظرة اخيرة قبل أن يغلق الباب متجها إلى حجرته، ليجد راوية مازالت مستيقظة رغم تأخر الوقت، تتطلع إليه في حزن، ليأخذ ملابسه متجها إلى الحمام في صمت ولكن يده توقفت على مقبض الباب للحظة وهو يستدير بجانب وجهه إليها قائلا بجمود:
أنا موافق ياراوية.
ثم دلف إلى الحمام وأغلقه خلفه، لتتسع عينا راوية لا تصدق أذنها، ثم مالبثت أن زفرت براحة قبل أن تنظر إلى السماء قائلة:
الحمد لله.

لتغلق عينيها وتستسلم لنوم عميق، ترتسم على شفتيها لأول مرة منذ سنوات، إبتسامة إرتياح.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة