قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

وقفت رحمة تتطلع إلى هذا المنزل الكبير، ورغما عنها عندما تقابلت جروحها القديمة مع حاضرها لأول مرة حدث انفجارا لسد أحزانها وسقط على خديها شلال من مياه مالحة مرة المذاق، تعبر عن مرارة شعورها بعودتها مجددا إلى هذا المنزل، منزل عائلة الشناوي.

نظرت رحمة إلى ذلك البيت الذي غادرته مجبورة منذ خمس سنوات مضت، لقد خرجت منه مكسورة الفؤاد، ذليلة، دامعة العينان غاضبة من قاطنيه، واليوم عادت إليه، مضطرة مجبورة أيضا، مازالت مكسورة الفؤاد دامعة العينان، ولكنها أبدا ليست بذليلة فقد تخطت ماحدث وأصبحت أقوى مما كانت عليه بالماضى ومستعدة للمواجهة بكل حزم، ولم تعد أيضا غاضبة من قاطنيه، فقط هم لا شئ بالنسبة إليها، وربما تشفق علي بعضهم، لكنها تقسم في نفسها أن من سيلتزم منهم جانبه ستدعه وشأنه أما من سيحاول أن يضايقها فستتصدى له بكل قوة حتى وإن كان يحيى بنفسه من يفعل ذلك، نعم، ستكون له بالمرصاد ولن تدع له أي فرصة ليحطمها من جديد.

ذكرتها دموعها بضعفها القديم، لتنتفض ماسحة إياهم بعصبية قبل أن تتجه بخطوات رشيقة بإتجاه الباب تأخذ نفسا عميقا قبل أن تمد يدها و تدق جرس الباب بحزم، غافلة عن عينان تابعتها منذ اللحظة الأولى لدلوفها من باب الحديقة، عينان اشتعلت فيهما نيران الشوق والنفور، العشق والكره، الشفقة والغضب، نيران امتدت إلى قلب صاحبها تشعله بدورها بكل تلك المشاعر المتناقضة وتمزق نبضاته ليدرك أنه أخطأ بشدة حين لبى طلب زوجته وإستدعاها إلى هنا، ولكن بماذا يفيد الندم الآن، وقد فات الأوان؟

فتحت الخادمة روحية الباب لتفاجئ برحمة تقف أمامها لتظهر السعادة جلية على ملامحها وهي تقول:
ست رحمة، حمد الله ع السلامة.
إبتسمت رحمة قائلة:
الله يسلمك ياروحية.
أفسحت لها الخادمة لتدلف إلى المنزل قائلة:
اتفضلى ياستى، بيتك ومطرحك، نورتينا، ووحشتينا والله.
دلفت رحمة إلى المنزل قائلة:
تسلمى.
لتتبعها روحية التي مالبثت أن سبقتها قائلة بحبور:
ثوانى بس أبلغ كل اللى في البيت إنك رجعتى.
إستوقفتها رحمة قائلة:.

إستنى ياروحية.
توقفت روحية تنظر إلى رحمة بتساؤل لتقول رحمة بهدوء:
من فضلك بلغى بس راوية إنى جيت و عايزة أشوفها.
نظرت إليها روحية في حيرة قائلة:
بس ياستى، يحيى بيه...
قاطعها صوت تعرفه رحمة جيدا يقول بصرامة:
نفذى كلام الهانم ياروحية.

أغمضت رحمة عينيها عند سماع نبرات صوته التي زادت من دقات قلبها، قاومت رغبة هائلة في أن تلتفت إليه تشبع شوقها إلى رؤيته، تملأ عيونها بملامحه، لتفتحهما مجددا على صوت الخادمة وهي تقول بإحترام:
أمرك يايحيى بيه، عن إذنكم.

لم تلتفت إليه رحمة بعد إنصراف الخادمة، بل ظلت واقفة مكانها في جمود تدرك أنه يقترب منها من خلال صوت خطواته، لتشعر أنه أصبح خلفها تماما تصل إليها رائحة عطره المميز والتي لطالما أسكرتها، لتغمض عينيها مجددا وتأخذ نفسا عميقا ثم تفتحهما على إتساعهما عندما سمعته يقول ببرود:
حمد الله ع السلامة ياهانم.

لاحظت تجنبه نطقه لإسمها، لتلتفت إليه ببطئ تتلاقى به وجها لوجه لأول مرة منذ خمس سنوات، رغما عنها رقت عيناها لثوان وهي تلتقى بعينيه الخاليتين من المشاعر، تتشرب بلهفة من ملامحه التي شعرت بها قد زادتها السنون وسامة ولكن في نفس الوقت جعلته يبدو أكبر من سنه، تبا، لقد إشتاقت إليه حقا، ولكن برودة ملامحه رغم تأمله لوجهها بدوره أعادتها من رحلة شوق بائسة وجدت نفسها فيها، لتتذكر حاضرها المرير وأن هذا الرجل الذي أمامها الآن لم يعد حبيبها الذي دق القلب لأول مرة على يديه، بل إنه جارحها وهو أيضا زوج أختها الآن لذا لابد وأن تتعامل معه بما يناسبه حقا، لتظهر على وجهها بدورها برودة قاسية وهي تقول:.

الله يسلمك.
أحست رحمة بلمحة من الإعجاب ظهرت في عمق عسليتيه لا تدرى سببا لها، ثم مالبثت ان اختفت وكأنها لم تكن أبدا، آه من عسليتاه، و اللتان تطالعانها الآن ببرود، تشعر بقلبها يذوب فيهما، فهي تعشق عيناه، فلطالما كانتا نافذتها إلى روحه، ولكن تلك النافذة مغلقة الآن أمامها، لتشيح بوجهها بعيدا عنه، ثم تعود إليه بنظراتها مجددا عندما قال في برود:.

ياريت ما تتعبيش راوية في الكلام، الدكتور قايل متتكلمش كتير، وحاولى متزعليهاش او تضايقيها بأي شكل من الأشكال، أنا على فكرة، مكنتش موافق على زيارتك دى بس مع الأسف مرضيتش أزعلها لما طلبت تشوفك.
رغم قسوة كلماته التي غرست سكين بارد في قلبها فقد عبر بكلمات واضحة ومباشرة عن عدم رغبته في رؤيتها، ولكنها تجاهلت ذلك الألم بقلبها تماما وهي تقول بقلق:
هي أخبارها إيه دلوقتى؟وهو إحنا ممكن نسفرها تتعالج برة؟

تأمل يحيى قلقها بريبة يتساءل هل حقا لديها مشاعر تجاه أختها أم أن قلقها هذا مجرد تمثيل؟، لم يتوقف كثيرا عند تلك النقطة بل تخطاها وهو يقول ببرود رغما عنه أمتزج بالألم:
مريضة سرطان وبتموت، هتكون حالتها عاملة إزاي يعنى؟أكيد تعبانة وبتتألم، ولو ع السفر برة فأكيد مكنتش هستنى اقتراحك عشان أنفذه، انا عرضتها على أكبر الدكاترة برة وجوة، ومع الأسف، الكل أجمع على إن الحالة ميئوس منها.

أحست رحمة بالتحطم لدى سماعها كلمات يحيى، لقد كانت تعلم أن حالة أختها ميئوس منها ولكن كان لديها أمل في عرضها على بعض الأطباء بالخارج، لكن يحيى أزال هذا الأمل بكل قسوة، شعرت بالدوار وأن المكان من حولها يلف بشدة، كادت أن تسقط ولكنها شعرت بيد قوية تسندها، نظرت إلى صاحبها تلاحظ القلق في عينيه، إرتعشت أطرافها من نظراته ولمسته لها، أعادها قربه هذا لذكريات مضت، حين كانت تذوب بين يديه، رمشت بعينيها وتسارعت أنفاسها، وإرتعش جسدها تأثرا، لتفيق من حالتها تلك على برودة اجتاحت ملامحه بقسوة، تذكرها مجددا بحاضرها المرير، لتعتدل بسرعة، مبتعدة عنه تشيح بوجهها، تلتقط أنفاسها بصعوبة، وتحاول أن تهدئ نبضات خافقها، بينما تأملها هو بوجه بارد لا يعكس ذلك الإشتعال الذي أحرق كيانه بالكامل حين لامسها وطالعته بتلك العيون الرمادية البريئة التي لطالما سحرته، لقد زادتها السنون جمالا بالفعل، ربما غيرت لون شعرها من الأسود إلى الكستنائي ولكن تظل رحمة كما هي، الوحيدة التي إستطاعت أن تجعل خافقه يدق بتلك الطريقة، يطالبه بإمتلاكها، ولكن كيف؟، كيف وبينهما كل الحواجز والسدود والخطوط الحمراء؟، فلو تغاضى عن خيانتها له قديما فكيف يتغاضى عن أنه الآن زوج أختها، أشاح بوجهه عنها بدوره ليخفى ذلك الألم الظاهر بعينيه، يدرك أن رحمة جاءت إلى منزله وجلبت معها كل شعور قد تناساه، وأهمهم الآن هو هذا الشقاء، الذي يشعر به بين أركان فؤاده، مجددا.

أفاقا سويا من مشاعرهما على صوت الخادمة تقول بإحترام:
راوية هانم مستنياكى في أوضتها ياست رحمة.
ألقت رحمة نظرة أخيرة على يحيى قبل أن تومئ برأسها وتتبع روحية، تتجه إلى حجرة أختها، لينظر يحيى بإثرها تاركا مشاعره الحقيقية تظهر على وجهه بعد أن أخفاها كثيرا، قبل ان يتهدل كتفاه ويتجه بدوره إلى حجرة المكتب،.

لتتراجع بشرى بحذر، تتجه إلى حجرتها بعد أن شاهدت هذا اللقاء من مكان خفي، كادت ان تشعر بالسعادة ف بداية هذا اللقاء وهي تستشعر البرودة والجمود في لقاءهما ولكن ظهور مشاعرهما رغما عنهما أشعل الحقد في قلب بشرى من جديد، لتعقد النية على فعل أي شئ لكي تغادر تلك الرحمة المنزل بأسرع وقت، تلك التي حصلت على قلوب رجال الشناوي بينما لم تحصل هي على شئ، حتى الآن.

دلفت شروق إلى الحجرة تحمل في يدها صينية عليها كوبين من العصير، لترى مراد يلبس قميصه ويبدوا مستعدا للمغادرة، لتضع الصينية على تلك الطاولة الصغيرة الجانبية وتتجه إليه قائلة في حيرة امتزجت بالحزن:
إنت ماشى بسرعة كدة؟
إلتفت إليها ليرى ملامحها الجميلة تمتزج بهم الحيرة بالحزن، ليرفع يده ويقرص بها أنفها بخفة قائلا:.

معلش مضطر أمشى، بنت عمى ومرات أخويا الله يرحمه جاية من السفر النهاردة ولازم أكون في البيت دلوقتى، عموما متزعليش، هحاول أجيلك بكرة.

أومأت برأسها موافقة دون أن تنطق بحرف، ليقبلها في رأسها بحنان قبل أن يتجه لمغادرة الحجرة ليوقفه صوتها المتهدج حزنا وهي تنادى بإسمه، إلتفت إليها يدرك أنها حزينة على فراقه من ملامحها الشفافة، فهو يعلم أنها تعشقه بجنون وتود لو ظل بجوارها إلى الأبد، يؤلمها إبتعاده الحتمي وذهابه إلى زوجته بشرى، يشعر قلبه بألمها وغيرتها، مشاعرها الحزينة و التي تخفيها عنه بصعوبة ولكنه يدركها، ويحزن من أجلها، ولكن يسعده أيضا ان هناك من تجعله ملكا على قلبها وتاجا فوق رأسها، بينما يؤلمه أنه لا يستطيع أن يبادلها كل ذلك الحب، فقلبه قد مات منذ زمن، فقده منذ أحب فتاة جعلته عاشقا لأول مرة وجعلت خافقه يدق بشدة وحين كاد ان يصارحها بعشقه، اكتشف أنها على علاقة غير شرعية مع أخيه ليزوجهم الجد خوفا من الفضيحة ثم يبتعدا عن عائلة الشناوي لسنوات، سنوات شعر فيها بموت القلب والمشاعر، حاول فيها أن ينسى هذا العشق الذي أضناه، يكاد يقسم أنه قد نجح في ذلك، لولا أن رآها مجددا عند موت أخيه ليدرك أنه لم ينساها يوما، بعد ذلك حاول أن يؤكد لنفسه أنها ربما تكون السبب في موت أخيه، حتى يغضب منها ويتناساها، خاصة عندما رفضت الرجوع معه لتحضر مراسم دفن زوجها، ليغضب منها بشدة، ليعتقد بأنه صار يبغضها ولكنه ليس متأكدا من ذلك الآن، خاصة بعد سماع صوتها في الصباح تخبره بأنها قادمة، وقلبه الذي ازدادت دقاته وقتها، ربما يخشى هذا اللقاء، أو يخشى حقا تجدد مشاعره؟، هو حقا لا يدرى.

، تأمل شروق الماثلة أمامه، تلك الفتاة الجميلة والتي تزوجها لأنها تشبه رحمة في شقاوتها وطيبتها القديمتين، تشبه حبيبته التي لم تعد حبيبته، نسخة منها تختلف فقط في الملامح، أو ربما تزوجها لأنها على نقيض زوجته بشرى المتعالية، خالية المشاعر، والتي يملأ قلبها حقد تجاه الجميع، حقد اكتشفه بعد زواجها منه، شعر بأنه تسرع في ذلك الزواج ولكنه لم يستطع أن ينفصل عنها، فهي إبنة عمه اليتيمة والتي لا أحد لها سواه، ليكمل معها حياة بائسة لا يهونها سوى لحظاته مع شروق، رآها تتجه نحوه، تمسك كوب العصير من على الطاولة وتناوله إياه قائلة:.

طيب، إشرب عصير المانجة قبل ما تنزل، إنت بتحبه وأنا عاملاهولك مخصوص.

إبتسم وهو يأخذ الكوب منها يرتشف منه بينما أخذت هي كوبها وإرتشفت منه بدورها، نظر إلى تلك القطرة من العصير والتي إستقرت على شفتيها الكرزيتين لتغيم عينيه وهو يتطلع إليها، مد يده ومسحها بنعومة وهو يلامس شفتيها برغبة جعلتها تتمسح بيده كقطة صغيرة ليميل آخذا شفتيها في قبلة خطفت أنفاسها، لتقع أكواب العصير من أيديهما ولكن أحد منهم لم يهتم، ليحملها مراد بين يديه دون ان يفارق شفتيها ينهل من شهدهما، يمددها على السرير وهو يفك أزرار قميصه بسرعة يتأمل عيونها الخضراء الناعسة والتي تدعوه بكل نعومة للعودة إليها، ليرتوى من فيض عشقها، حد الإرتواء.

أمسكت بشرى هاتفها لتتصل برقم ما وما إن رد عليها محدثها حتى قالت بعصبية:
إنت فين، بقالى ساعة بكلمك وتليفونك خارج التغطية؟
إستمعت إلى محدثها لتقول بعدها:
طيب إستنانى في الشقة أنا جاية حالا.
لتغلق الهاتف وهي تتجه إلى دولابها تختار منه فستانا كي ترتديه للخروج، تفرغ مشاعرها الغاضبة قبل ان تنفجر غيظا لتعود لتلك الفتاة بخطة جديدة تخرجها من حياتهم للأبد، نعم، للأبد.

كاد مراد أن يقود سيارته متجها إلى المنزل عندما إستمع إلى رنين هاتفه ليمسك الهاتف ويرى رقم أخيه، وضع السماعة في أذنه وهو يجيب قائلا:
آلو.
أجابه يحيى قائلا بإختصار:
رحمة جت.
أخذ مراد نفسا عميقا وهو يقود السيارة قائلا:
عارف.
عقد يحيى حاجبيه قائلا:
وعرفت منين؟
قال مراد:
كلمتنى الصبح قبل ما تركب الطيارة.

شعر يحيى بغيرة حارقة تكوي شرايينه وهو يدرك أنها تحادث أخاه الذي يدرك أيضا مشاعره تجاهها، ليقول بهدوء لا يشعر به البتة:
تمام، إنت فين دلوقتى؟
قال مراد:
أنا في الطريق.
قال يحيى بجمود:
طيب، مستنيك.
ثم أغلق الهاتف ليزيد مراد من سرعته متجها إلى المنزل وقلبه يرتجف قلقا، يشعر من لهجة يحيى، إلى جانب قلبه الذي ازدادت دقاته وهو يشعر بقرب لقاءه بها مجددا، أن حياتهم جميعا على وشك التغير، تماما.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة