قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل الثالث عشر

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل الثالث عشر

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل الثالث عشر

كان يحيى ممددا على الأريكة داخل حجرة مكتبه داخل منزله، يفكر فيما يحدث بينه وبين تلك الشقية الفاتنة والتي ستودى به يوما إلى حتفه من جراء ذلك الصراع الذي يكتنفه حين يكون معها، فتارة يود لو آلمها كما تؤلمه كلماتها وخيانتها له قديما، وتارة يود فقط لو إحتضنها حتى يعتصرها ويشبع توقه إليها والذي يأخذ أنفاسه بعيدا ويزيد من نبضاته مجرد تخيله لذلك...

فجأة، ومض بعقله ما مر به اليوم معها لترتسم على شفتيه إبتسامة حانية، وهو يسترجع ما حدث.
فلاش باك
إنت إزاي تكلمنى بالطريقة دى؟
قالت رحمة تلك الكلمات بحنق، ليقترب منها يحيى خطوة قائلا بصوت حاد النبرات:
والهانم عايزانى أكلمها إزاي يعنى، ها؟بتصغرينى أدام مراد النهاردة ولا همك، بتعمليله أكل وبتقوليله ياكله عشان خاطرك، وأنا قاعد جنبك زي شوال البطاطا ولا لية أي لازمة.
إتسعت عيناها بصدمة قائلة:.

إنت بتقول إيه؟مراد ده أخوك يايحيى؟وإبن عمى.
إقترب منها بسرعة يمسكها من كتفيها يقربها منه لتلفحها أنفاسه الغاضبة وهو يقول بمرارة:
وأنا جوزك، فاهمة يعنى إيه جوزك؟

تأملته بعيون واسعة وشفاه إرتعشت من لمسته جسدها وقرب وجهه منها، وأنفاسه التي ودت لو إستنشقتها بالكامل لتمتزج مع أنفاسها، يتخبط قلبها في صدرها ويظهر نبضه السريع في ذلك العرق النابض في رقبتها، ليتأمل هو ملامح وجهها وصولا إلى ذلك العرق النابض بقوة ثم يصعد بعيونه إلى شفتيها لتغيم عيناه وهو يقترب منهما رغما عنه فقد بلغ شوقه إليها منتهاه، ليقاطع رغبته تلك صوت طرقات على الباب وصوت روحية وهي تخبرهم أن الصبي إستيقظ ويبدو أنه يرغب بحضور السيدة رحمة إليه لتهرب رحمة من بين يديه بسرعة تاركة إياه لاعنا تلك الطرقات التي حرمته رغبته في تذوق شفاهها، والتي إشتاق إليها حد الجنون، نعم الجنون، فذلك الصراع في المشاعر بين إيلامها وتقبيلها هو بذاته جنون لابد وأن يتحكم فيه أو يحسمه لصالح أحد تلك المشاعر، وإلا جن بالكامل.

قاطعت أفكاره تلك الطرقات مجددا ليقول بملل:
إدخلى ياروحية.
دلفت روحية إلى حجرة المكتب، تبدو على ملامحها إمارات القلق، ليعتدل يحيى على الفور و هو يقول:
خير ياروحية؟
قالت روحية بإضطراب:
الحاج صالح ومراته وولاده في الهول، ومعاهم رجالة كتير مستنيينهم برة البيت يايحيى بيه، وطالبين يشوفوك إنت والست رحمة حالا.
عقد يحيى حاجبيه، يفكر لثوان، ثم قست ملامحه وهو يقول:.

قولى لرحمة تنزل عشان العيلة جت وحابة تشوفها وخليكى إنتى مع هاشم، مفهوم؟
قالت روحية بإحترام:
مفهوم يابيه، عن إذنك.
لتغادر روحية ويخرج يحيى هاتفه، يتصل بمراد الذي أجاب على الفور، ليبادره يحيى قائلا بنبرات صارمة:
العيلة كلها هنا يا مراد، والموضوع ميطمنش، أنا مش مرتاح، الزيارة غريبة وحاسس بحد لاعب في الموضوع ده، تعالى ع البيت وخلى الرجالة مستعدين لأي غدر.
قال مراد في حزم:
متقلقش يايحيى، مسافة السكة.

ليغلق يحيى الهاتف وهو يغلق زر قميصه العلوي، إستعدادا للخروج ومواجهة عمه صالح والعائلة، فتلك الزيارة لا تبشر بخير، لا تبشر بخير أبدا.

قالت رحمة في توتر:
عمى صالح والعيلة، أنا مرحتلهمش من زمان أوي وهما مش بيخرجوا من البلد، إلا في أقصى الظروف، غريبة.
قالت روحية وهي تتناول منها هاشم قائلة:
إلا غريبة، ولا وشوشهم ياستى، مكشرين كدة وتحسى إن ميتلهم ميت، ربنا يستر، أنا خفت، ولولا إنى عارفة إن يحيى بيه قدهم، كنت إترعبت.
نظرت إليها رحمة قائلة:.

متقلقيش ياروحية، إنتى عارفة إن يحيى فعلا أدهم، وهما برده على أد ما يبانوا قاسيين لكن قلبهم طيب وميتخافش منهم.
تنهدت روحية لتمرر رحمة يدها على وجنة الصبي بحنان ثم تقول لروحية:
خلى بالك منه يادادة وأنا بإذن الله مش هتأخر.
قالت روحية:
في عيونى ياستى.

إبتسمت رحمة وهي تغادر الحجرة، ولم تلبث أن إختفت إبتسامتها وهي تترك قلقها يظهر على ملامحها توجسا من تلك الزيارة الغريبة من عائلة الشناوي، تدعوا من كل قلبها ان تمر تلك الليلة، بسلام.

تأمل يحيى ملامح عائلة الشناوي المتجهمة بتوجس، يزداد شعوره بوجود خطأ ما، يتساءل عن كنهه، وما ان إقتربت رحمة من يحيى ورآها الجميع حتى تحفزوا جميعا ليتقدم منها فارس، الإبن الأوسط للحاج صالح وهو يقول بغضب:
تعالى يافاجرة يابنت الفاجرة.
وقف يحيى في مواجهته والغضب يعلو ملامحه وهو يهدر قائلا بغضب:.

فارس إنت إتجننت؟، إزاي تكلم مراتى بالشكل ده، أقف مكانك ومتقربش منها خطوة واحدة، وإلا قسما برب العزة لأموتك بإيدية دول وما أعمل حساب للقرابة والدم.
تجمد فارس في مكانه يطالع يحيى بنظرات حانقة بينما يرمقه يحيى بنظرات غاضبة متحدية، ليردع فارس صوت أبيه الذي قال بهدوء:
إهدى يافارس وتعالى جنب إخواتك ياإبنى الله يرضى عنك.

تراجع فارس ليقف خلف أبيه رغما عنه، بينما توارت رحمة خلف يحيى الذي شعر بخوفها وإحتمائها به منهم، تمسك قميصه من الخلف كما كانت تفعل بالضبط وهي صغيرة، ليرق قلبه ويشعر بالألم، فمازالت هي كما هي، رحمة الضعيفة والتي تشعر بكره الجميع لها رغم أنه لا ذنب لها فيما فعلته والدتها، ومازالت تحتمى به لينقذها من براثن كرههم، شعوره بأنه حاميها دفع الدم لعروقه وأكسبه تصميما على ردعهم جميعا اليوم وقد ظهر الغدر في عيونهم، حتى وإن عام في بحر من الدماء فلن يمسوها بأذى، طالما هو حي يتنفس.

ليطالع الحاج صالح بنظرة قوية أثرت في الحاج صالح إعجابا به رغما عنه وهو يقول:
ممكن أعرف سر الزيارة الغريبة دى واللى الواضح إنها مش ودية أبدا، ممكن أعرف جايين ليه النهاردة ياحاج صالح؟
قال صالح بهدوء وهو ينقر بعصاه على الأرض مقتربا من يحيى قائلا:
جايين نحمى شرفنا يا ولدى، شرف عيلة الشناوي، جايين نغسل عارنا بإيدنا.
إتسعت عينا رحمة في صدمة بينما عقد يحيى حاجبيه قائلا:
عار إيه وشرف إيه، تقصد إيه ياحاج؟

دلف مراد في تلك اللحظة إلى المنزل، لتظهر بشرى بدورها والتي كانت تتابع ما يحدث من بعيد، ليجتمع الكل ويقترب الحاج صالح من يحيى أكثر قائلا:
وصلنى إن بنت بهيرة دايرة عليكوا واحد واحد، ياولاد عيلة الشناوي، بتوقعكم في مصيدتها واحد ورا التانى بألاعيبها اللى بتوصلكم لسريرها وبعدين تضطروا تتجوزوها عشان تداروا الفضيحة، مظبوط كلامى؟ولا إيه؟

كادت رحمة الآن ان تموت حزنا من كلمات الحاج صالح، بينما علا ثغر بشرى إبتسامة وارتها على الفور ولكن ليس قبل أن يلمحها مراد ويدرك انها هي من أخبرتهم بذلك ليتوعد لها بعد إنتهاء تلك المهزلة، أما يحيى فقد قال بصوت قاطع صارم متوعد النبرات:.

خد بالك إن اللى بتتكلم عليها دى تبقى مراتى، مرات يحيى الشناوىطي والعرض اللى بتخوض فيه ده، هو عرضى، والله في سماه اللى يجيب سيرة مراتى أو يخوض في عرضى ما أسيبه عايش على وش الأرض ولو كان مين؟
تحفز أبناء الحاج صالح وتقدموا بإتجاهه ليرمقهم يحيى بصرامة ويقترب مراد من أخيه بسرعة بينما إتسعت عينا بشرى بخوف، فلم تكن تتوقع ان تتدهور الأمور بهذا الشكل، ليرفع الحاج صالح يده، بإشارة لأبنائه قائلا:.

خليكوا مكانكوا ياولاد صالح.
ليتوقف الجميع مكانهم ينظرون إلى بعضهم بحيرة وحنق بينما رمق الحاج صالح يحيى بنظرة عميقة غير مفهومة وهو يقول:
رد على سؤالى ياإبن صديق، إتجوزتها بسرعة كدة ليه وإنت لسة دافن مراتك يا إبن الأصول.
نظر يحيى إلى عمق عيني الحاج صالح وهو يقول بحزم:.

رغم إن دى حياتى الشخصية وأنا حر فيها، ومش مجبر إنى أبرر، بس هقولك ياحاج، جوازى من رحمة كان بوصية من أختها، اللى شافت إنى عمرى ما هرضى أتجوز وأجيب لهاشم مرات أب، وفى نفس الوقت خافت إن هاشم يتحرم من حنان الأم وملقتش أحن من أختها كأم بديلة ليه،
ليخرج من جيبة ورقة مطوية وهو يناولها للحاج صالح مستطردا:
الوصية أهي، تقدر تقراها بنفسك.

فتح الحاج صالح تلك الورقة وقرأها بهدوء، ليهز رأسه قبل أن يمنحه إياها قائلا:
مظبوط كلامك ياابنى، طب ده بخصوص جوازك لكن جوازها الأول بأخوك وجدك هاشم اللى لقاها في أوضته وهي...
قاطعه يحيى وهو يهدر قائلا:
عمى، الكلام ده محصلش منه حاجة ومراد يشهد بكدة،
ليقول مراد بسرعة:
فعلا محصلش ياحاج، اللى قالك كدة كداب ويستاهل الحرق.
قالها وهو ينظر إلى زوجته التي أشاحت بوجهها بعيدا عنه، بينما قال يحيى بصرامة:.

ياريت نقفل بقى ع الموضوع ده، لإنى قلتلك ياحاج صالح، اللى بتتكلم عنها دى مراتى ومش هسمح لأي حد مهما كان يجيب سيرتها،
ليقول فارس بحدة:
بس ده شرفنا كلنا، شرف عيلة الشناوي.
كاد يحيى أن يتقدم بإتجاهه ينوى ضربه ليمسكه الحاج صالح من ذراعه بقبضة حديدية رغم سنه الذي تعدى السبعون لينفض يحيى يده بغضب وكاد أن يشتبك الجميع، لتصرخ رحمة قائلة:
كفاية بقى، كفاية.

إلتفت إليها الجميع لتطالعهم جميعا بعيون غشيتها الدموع ولكنها قوية تحمل إصرارا وهي تقول:
مش عشان أمى طلعت ست خاينة ووحشة، أبقى أنا كمان زيها وأفضل طول عمرى عايشة بوصمة عارها، أنا إستحملت ظلمكم وقسوتكم علية كتير، ومن قبلكم جدى الحاج هاشم، بس خلاص مبقتش قادرة أستحمل ظلمكم أكتر من كدة.

التفت إليها يحيى يظهر الألم على وجهه تأثرا بألمها الذي يقطر من كلماتها، وهو ينادى بإسمها، لتشير إليه بيدها أنها بخير وهي تلتفت إلى الحاج صالح قائلة بحزم:
أنا معايا دليل برائتى ياحاج صالح.
عقد صالح حاجبيه بينما تبادل الجميع النظرات، ليقول صالح بندوء:
وإيه هو الدليل ده؟، وريهولنا يابنت بهيرة.
هدر يحيى بصرامة قائلا:
حاج صالح.

لمست رحمة ذراع يحيى مهدئة إياه لينظر إليها فتومئ إليه بعينيها ان يترك لها هذا الأمر، ليتركه لها بالفعل وسط حيرته، إلتفتت هي إلى صالح قائلة بثبات:
دليلى مش هقوله غير للحاجة آمال، وده آخر ما عندى.
نظر الجميع إلى آمال الواقفة بهدوء بينهم، لتومئ برأسها لهم وهي تتجه إلى رحمة قائلة برصانتها المعهودة:
وأنا مستعدة أسمعك يابنتى.
أشارت لها رحمة أن تتقدمها لتخطو بالفعل معها ليقول حامد مناديا إياها:
أمى.

إلتفتت إليه قائلة بهدوء:
متقلقش ياحامد، دقايق وراجعالكم.
ثم نظرت إلى صالح ليومئ لها الحاج صالح برأسه وتذهب آمال مع رحمة ليدلفوا إلى حجرة المكتب وسط توتر وحيرة وقلق من الجميع وخاصة ذلك الذي تعلقت عيناه بحبيبته التي نظرت إليه نظرة طويلة قبل ان تغلق الباب خلفها، بهدوء.

، بعد مرور بعض الوقت
كان الجميع ينتظرون خروج رحمة و الحاجة آمال من الغرفة المغلقة، لتتعلق العيون بالباب حين فتح وظهرت الحاجة آمال وهي تمسك بيد رحمة على عتبته، يبدوان وكأنهما كانتا تبكيان من تلك العيون المتورمة والأهداب التي مازالت ندية، ليقترب يحيى من رحمة على الفور وهو يقول بقلق:
إنتى كويسة؟

أومأت برأسها بينما إبتسمت الحاجة آمال وهي تسلمه يدها لتستقر في يده وسط دهشة الجميع، بينما إتجهت آمال إلى الحاج صالح ومالت على أذنه هامسة ببعض الكلمات، لتتسع عينا الحاج صالح في صدمة وهو ينظر على الفور إلى رحمة التي أطرقت برأسها على الفور، بينما شعر الجميع بان هناك لغز ما يسيطر على الموقف، وحل هذا اللغز عند اثنين فقط، رحمة وآمال، والآن أضيف لهم الحاج صالح، ليقول صالح بثبات:
إحنا لازم نتأكد،.

إتسعت عينا آمال قائلة بدهشة:
إنت بتقول إيه ياحاج؟
قال صالح بحزم:
اللى سمعتيه ياحاجة.
قالت آمال:
بس...
قاطعتها رحمة وهي تقول بثبات:
وأنا مستعدة أروح معاكم بنفسى عشان تتأكدوا.
قال يحيى بحدة:
تروحى على فين؟إنتى إتجننتى؟
إلتفتت إليه قائلة بحزن:
لأ تعبت، تعبت ظلم ولازم أرتاح بقى، وإنت مش هتمنعنى.
كاد ان يتحدث لتقاطعه وهي تضع يدها على فمه قائلة:.

مش هقولك عشان خاطرى، بس عشان خاطر راوية وهاشم، سيبنى اروح معاهم وأوعدك إنى هرجع عشان...
لتصمت لثانية وقد كانت أن تقول (عشانك)لتستطرد وهي تصححها قائلة:
عشان هاشم.
نظر إلى عينيها لثوان، ثم لم يلبث أن أومأ برأسه في هدوء، لتنزل رحمة يدها وهي تتجه إلى الخارج مغادرة المنزل مع صالح وآمال، بينما ظل الجميع بالمنزل ليقول يحيى هادرا:
حاج صالح.
إلتفت إليه صالح ليستطرد يحيى قائلا:.

مراتى ترجعلى زي ما خرجت من بيتى، لو إتمس شعرة واحدة منها مش هيكفينى قصادها عيلة الشناوي كلهم، مفهوم؟
أومأ صالح برأسه بهدوء، وإلتفت مغادرا، ترتسم على شفتيه إبتسامة إعجاب هادئة، فهذا الشبل حقا من ذاك الأسد، ويحيي إبن صديق، يشبهه تماما.

بعد وقت قليل...

دلفت رحمة إلى السيارة بعد ان انهوا مهمتهم بنجاح وظهرت برائتها لتدحض كل شكوكهم تماما، جلست إلى جوار الحاجة آمال التي رفعت يدها ووضعتها على كتف رحمة لتضمها إلى جانبها وتربت عليها بحنان، شعرت رحمة بحنانها وتعاطفها معها لأول مرة منذ أن عرفتهم رحمة كأقارب لأبيها، لتسقط دمعة من عيني رحمة أسرعت تمسحها، وهي تتمنى من كل قلبها الآن أن تكون أمام يحيى لترتمى في حضنه وتبكى لتشعر بالراحة بعد طول عناء، حانت من الحاج صالح الذي يجلس بجوار السائق إلتفاتة إلى رحمة القابعة في حضن آمال بضعف، ليلوم حاله على التشكيك بكلماتها وإخضاعها لتلك التجربة البغيضة، ولكن ما باليد حيلة فمن بثت السموم في عروقه هي بنت رباب، من كان يعتقد أنها أكثر نساء عائلة الشناوي عقلا كأمها تماما، و التي كان يستطيع الوثوق بها كلية، ليتضح أنه على خطأ، وأن كل ما في الأمر، هي غيرة، غيرة نسائية بغيضة من جانبها، ولكنها رغم قباحتها إلا أنها أرجعت إليه إبنة ناجح من جديد، أرجعتها إلى عائلتها بعد وقت طويل قاست فيه ظلمهم وتجاهلهم ونكرانهم، ولكن آن الأوان لكي تعود لأحضانهم من جديد وينقشع ضباب الظلم عن سماء المظلوم.

تبادل كل من الحاج صالح وزوجته آمال النظرات لتومئ إليه برأسها وكأنها تقرأ افكاره، وتوافق عليها، كلية.

نزلت رحمة من السيارة لتنزل خلفها آمال، كاد الحاج صالح أن يسبقهما حين نادته رحمة بضعف قائلة:
حاج صالح.
توقف صالح وهو يلتفت إليها قائلا بحنو:
نعم يابنتى.
أطرقت برأسها في خجل قائلة بهمس:
ياريت يحيى ميعرفش باللى حصل، إنت عارف يحيى وعصبيته، وأكيد مش هيعدى حاجة زي دى بالساهل، إنت فاهمنى طبعا؟
أومأ برأسه قائلا:
فاهمك يابنتى.
ليستطرد قائلا بإعجاب:.

يحيى راجل من ضهر راجل ويستاهل واحدة زيك يارحمة يازينة بنات عيلة الشناوي كلها.
رفعت رأسها إليه تغشى عيونها الدموع بسرعة، فلقد قال الحاج صالح جملته الأخيرة بفخر جعل دقات قلبها تتقافز فرحا، فأخيرا إعترفت بها العائلة كإبنة لها، فقط تمنت لو جدها هاشم كان هنا الآن ليدرك بدوره كم ظلمها ويعترف بها أخيرا كحفيدته، أفاقت على ربتة يد صالح على كتفها قائلا:
تعالى نرجعك لجوزك يابنتى، ربنا يوفق بين قلوبكم ويسعدكم.

قالت الحاجة آمال:
آمين ياحاج.
بينما أومأت رحمة برأسها وقلبها يؤمن على دعوته، ليمشوا سويا متجهين إلى منزل عائلة الشناوي، ويدلفوه، سويا.

قال يحيى بحنق غاضب:
يعنى إيه عربيتهم إختفت، فهمنى؟إحنا مشغلين معانا حمير؟
ليرفع عيونه إلى السماء قائلا في مرارة:
إرحمنى يارب، رحمة لوحدها مع الحاج صالح والحاجة آمال، والله أعلم ودوها فين، ولا عملوا فيها إيه، وانا واقف هنا متكتف مش عارف مراتى فين؟وجرالها إيه؟

جلس مطرقا برأسه وهو يضعها بين يديه، يتهدل كتفاه في صورة واضحة عن ضعفه وقلة حيلته، يراه مراد لأول مرة بتلك الحالة ليدرك عمق مشاعره تجاه رحمة ويقرر نهائيا نسيان ذلك العشق، ووأده في قلبه، حتى إن كان الثمن إبتعاده عن أخيه، تماما.

في تلك اللحظة دلف الحاج صالح وإلى جواره الحاجة آمال ورحمة ليقف يحيى على الفور يتفحصها بعينيه، إبتداءا من ضعفها الواضح، و شحوب وجهها، إلى رعشة جسدها الواضحة، ليسرع إليها بينما كانت تبحث عنه بعينيها حتى وجدته متجها إليها لتمد يدها إليه فمد يده إليها بدوره وعندما تلامست أيديهما، تركت نفسها تغرق في ذلك الظلام الذي أحاطها، والذي قاومته كثيرا حتى وجدت نفسها في أمان يديه، ليلقفها يحيى قبل ان تقع أرضا، ويكون آخر ما تسمعه هو صراخه بإسمها، في لوعة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة