قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

تأمل يحيى ملامح رحمة الشاحبة بقلق، ورغم أن الطبيب طمأنه عليها إلا أن إرتعاشة جسدها وشحوب وجهها غمروا قلبه بالخوف عليها، يتساءل ماذا حل بها؟وماالذى أوصلها لتلك الحالة، فعندما سأل الحاج صالح عن المكان الذي ذهبوا إليه وجعلها بتلك الحالة، أطرق الحاج صالح رأسه بحزن قائلا له أنه سر بينه وبين رحمة والحاجة آمال وأنه وعدها بعدم البوح بسرهم،.

أي هراء هذا؟هو من بين الناس جميعا من يحق له معرفة كل الخبايا بحياة رحمة، فمن حقه أن يعلم كل صغيرة وكبيرة عنها، فهو زوجها، بل حبيبها، نعم، حبيبها، لقد أيقن منذ اليوم الأول والذي رآها فيه من جديد، أن الحب هو ما في قلبه لها، الحب فقط ولا شئ غيره، خاصة في تلك اللحظة التي شعر فيها بأنه من الممكن أن يفقدها، إحساسه وقتها بالروح تسحب منه كلية، وبأنه لن يستطيع الحياة إن هي تركته، كل هذا جعله يدرك أنها هي حياته، أنفاسه التي يعيش بها، إلى جانب أنه أصبح يشك كثيرا بماضيها مع أخيه، يعلم بوجود خطأ ما، وسيعمل على كشفه وتصحيحه، نعم، سيفعل.

أفاق من أفكاره على صوتها الضعيف ينادى بإسمه، وجدها تنظر إليه بضعف، فمال عليها يزيل خصلات شعرها المتعرقة عن جبينها بحنان يمرر يده على وجنتها قائلا بهمس:
عيون يحيى.
همست بدورها برجاء:
خدنى في حضنك، ضمنى، أنا خايفة، خايفة أوي.

أسرع يتمدد إلى جوارها دون تردد، يسحبها إلى صدره لتستكين داخل حضنه، يحكم ذراعه حولها، يضمها إليه بقوة يغلف قوته شوقا وحنانا، لتستمع رحمة إلى دقات قلبه وتهدئ إرتعاشاتها تدريجيا ويحيي يمرر يده في خصلات شعرها الحريرية بحنان، حتى سكنت تماما، وإنتظمت أنفاسها ليدرك يحيى أنها إستسلمت لنوم عميق، رق قلبه عشقا ليشرد في حياتهما مجددا، وفيما حدث مؤخرا، يدرك أن هناك أحد يريد بحبيبته السوء، لتقسو عينيه وهو يشك بإحداهن، فقلبها الأسود هو فقط من يستطيع ان يفعل شئ مشين كهذا، وإن تأكدت ظنونه فلن يرحمها حتى وإن كانت إبنة عمته، لحمه ودمه، وزوجة أخيه.

قال مراد في غضب:
إنتى السبب في كل اللى حصل النهاردة، انتى اللى بلغتى الحاج صالح بالكلام الفارغ ده.
قالت بشرى في إرتباك:
إنت أكيد جرالك حاجة عشان تتهمنى بإتهام زي ده من غير دليل.
إقترب منها يمسك ذراعها بقوة قائلا بحدة:.

دليلى كان كلام محدش يعرفه غيرى انا وإخواتى وجدى هاشم وراوية ورحمة وإنتى يابشرى، دليلى كانت إبتسامتك اللى ظهرت تشفى في بنت خالك يا بنت عمتى وفرحك باللى بيجرالها، دليلى كان في نظرة من عمى صالح ليكى قالتلى أد إيه سقطتى من نظره بعد ما رحمة خليته متأكد إن كلامك كله كدب.
نفضت بشرى يدها بقوة قائلة بحدة:.

ضحكت عليه، أكيد ضحكت عليه، بس إزاي خليته يصدقها وإحنا كلنا زي ما قلت كنا شاهدين على اللى حصل زمان، مش ده يأكدلك إنها حرباية قدرت تعمل تمثيلية دخلت على الكل، وقدرت تتلون بلون الضعيفة وتكسب عطف العيلة بعد ما كانت منبوذة منهم، مش ده يأكد كلامى وفكرتى عنها.
زفر مراد ضجرا وهو يقول:.

الحاج صالح مش صغير ولا راجل أي كلام عشان يتأثر بتمثيلية او كدبة، دليل برائتها كان قوى وإلا مكنش الحاج صالح هيسيبها وكان النهاردة هيبقى يوم بطعم الدم، كان هيروح فيه زينة شباب عيلة الشناوي وكل ده بسبب حقدك وغيرتك منها، كنتى هتفرحى لو جرالى حاجة، كنت هتنبسطى لو يحيى أو حد من ولاد الحاج صالح جراله حاجة؟

أطرقت برأسها تتخيل لو هذا بالفعل حدث وقتل يحيى، كانت ستجن بالتأكيد، لترفع إليه عينان ظهر بهما الخوف والألم وشحب وجهها ليظن بالخطأ أن لها قلبا رغم كل شئ يخشى عليه، ليزفر مجددا قائلا:
اللى انتى عملتيه، رحمة لحقته ووقفت بحر الدم، بس اللى باين أدامى دلوقت إن إحنا لازم نسيب البيت، إنتى ورحمة مش ممكن تعيشوا في بيت واحد.
رفعت إليه وجهها تقول بإستنكار:
وليه إحنا اللى نمشى؟ما تمشى هي.

نظر إلى عيونها مباشرة وهو يقول بصرامة:
لإن البيت ده بيت عيلة الشناوي، يعنى بيت كبيرهم، وكبير عيلة الشناوي هو يحيى يا بشرى، ولا إنتى مش آخدة بالك؟
ظهر الغضب في عيونها ليتجاهله وهو يقول:
أنا هروح أشوف شقتى اللى في المعادى ناقصها حاجة ولا لأ، وهرجع آخدك عشان نعيش هناك، ياريت على ما أرجع تكونى جهزتى شنطنا.

ثم تركها مغادرا الحجرة، لتغلى هي من الغضب، تدرك أن خطتها قد إنقلبت عليها فبعد ان ظنت أنها بمكيدتها ستصبح هي سيدة المنزل وسيدة قلب يحيى، أصبحت خارجهما إلى جانب أنها أصبحت منبوذة من عائلتها، فقد رأت نظرات الحاج صالح والسيدة آمال إليها قبل ذهابهما، ليشتعل قلبها حقدا، تتساءل ما هذا الدليل الذي أنقذ رحمة من براثن الموت الأكيد، والذي كان يحاصرها من كل جانب، أتعبها التفكير، لتزفر بقوة وهي تقول بهمس حقود:.

حتى لو بعدت، هفكرلك في مصيبة وأرجعلك من تانى يارحمة عشان أخلص منك، وآخد مكانك وأبقى أنا ست البيت، ما هو ياأنا ياإنتى يابنت بهيرة.

دلف مراد إلى شقته فوجدها هادئة على غير العادة، فدائما ما تكون شروق جالسة في الردهة تتابع مسلسلاتها التركية، فيجدها إما باكية أو هائمة مع حلقاتها، ليظل يمزح حول هوسها بتلك الحلقات الخيالية والتي تجعل البطل فارسا رومانسيا من الدرجة الأولى يتنفس فقط من أجل إسعاد حبيبته، حقا ستتسبب تلك المسلسلات في طلاق نصف النساء وعنوسة النصف الآخر، فالفتيات ساذجات وسيضعن أبطالها معيارا للمتقدمين لخطبتهم، فيفشل العريس وتفشل الزيجة بكل تأكيد، زفر في حنق، فالمسئولون يجب أن يمنعوا عرض تلك المسلسلات على الفضائيات وإلا سيندمون.

إتجه إلى حجرة النوم وفتحها ليجد شروق نائمة، عقد حاجبيها لنومها في تلك الساعة المبكرة، ليتوجس قلبه خيفة أن تكون مريضة، أسرع إليها ليجلس بجوارها على السرير يهزها برفق قائلا بلهفة:
شروق، ياشروق.
إنفلجت عيناها الجميلتين ببطئ لتراه أمامها يطالعها في قلق، لتفيق كلية وتتسع عيناها من المفاجأة مع ملامحها التي أشرقت لرؤياه، لتقول بسعادة:
مراد، إيه المفاجأة الحلوة دى؟
زفر مراد قائلا:.

خضتينى يا شروق، أنا إفتكرتك تعبانة، ما هي غريبة إنى ألاقيكى نايمة في الوقت ده.
إضطربت ملامحها وهي تقول بإرتباك:
لأ، ما هو أنا كنت فعلا تعبانة شوية وطلبت نهاد تجيلى ولسة نازلة من شوية.
عقد حاجبيه قائلا في قلق:
تعبانة مالك؟فيكى إيه؟
قالت بإرتباك:
ها، لا، أبدا، شوية دوخة كدة وراحوا لحالهم خلاص.
نظر إليها بعتاب قائلا:
حتى لو كانوا شوية دوخة يا شروق، تقومى تتصلى بنهاد، طب أنا روحت فين، متصلتيش بية ليه؟

أطرقت برأسها قائلة في حزن:
أنا عارفة إنك مشغول ومحبتش أعطلك أو أشغلك أكتر.
مد يده يرفع ذقنها لتتقابل عينيه البنيتين بعشبيتيها، وهو يقول بعتاب:
إنتى مراتى ياهبلة، وتشغلينى في أي وقت، ده حقك.
نظرت إلى عيونه، يصرخ قلبها، هل أنا حقا لدي حقوق؟إن كنت كذلك فهل أستطيع أن أحتفظ بطفلى منك؟طال تأملها لملامحه ليبتسم قائلا:
بتبصيلى كدة ليه، وحشتك؟
تنهدت قائلة:
بتوحشنى وإنت قصاد عينى يامراد.

إتسعت إبتسامته وهو يمد يده يمررها على وجنتها الناعمة قائلا:
ياجمال كلامك ياشروق.
إبتسمت شروق قائلة:
ده مش كلامى، ده كلام الست.
ضحك ثم نهض قائلا:
عظمة على عظمة ياست.
إختفت إبتسامتها وهي تقول:
إنت رايح فين؟
جعد أنفه قائلا:.

للأسف مضطر أمشى، أنا كنت بس جاي أطمن عليكى، لإنى مش هقدر أجيلك اليومين الجايين دول، فيه مشاكل في البيت، ومضطر أسيبه أنا وبشرى ونقعد في شقة المعادى، وطبعا مش هينفع أسيبها الفترة الجاية لوحدها في مكان غريب، وأول ما تتأقلم هرجعلك تانى.

شعرت شروق بالإحباط والألم، تتساءل هل سيتركها الآن وهي في أمس الحاجة لوجوده بجوارها؟و لماذا يترك منزل عائلة الشناوي؟هل بسبب وجود مشاكل حقا بالمنزل كما قال، أم بسبب عدم إحتماله لرؤية رحمة كزوجة لأخيه؟لترجح بحزن هذا الإحتمال الأخير، أفاقت من شرودها على صوته وهو يقول بحنان:
محتاجة حاجة يا شروق أجيبهالك قبل ما أمشى.

هزت رأسها نفيا دون ان تنطق بكلمة، ليمد يده بجيبه ويخرج رزمة من المال وضعها على الكومود بجانبها قبل أن يميل مقبلا وجنتها لتغمض عينيها ثم تفتحهما مجددا عندما إعتدل قائلا:
أشوف وشك بخير.
إبتسمت إبتسامة لم تصل لعينيها، ليغادر الحجرة تتبعه عيناها ثم ما لبثت أن إستمعت إلى باب الشقة يغلق، لتترك دموعها الحبيسة تهبط بصمت، بألم، بقلب يملؤه الحزن.

إستيقظت رحمة لتجد نفسها بين احضان حبيبها لتتذكر طلبها منه أن يضمها، علت وجهها حمرة الخجل، فترى، ماذا سيظن بها الآن؟

رفعت رأسها قليلا تتأمل ملامح وجهه وهو نائم بعمق، لتتردد لثوان ثم تمد يدها تمررها على وجهه برقة، تترك لنفسها حرية التنقل على ملامح إشتاقت إليها، إبتداء من شعره الأسود الكثيف مرورا بجبهته ونزولا إلى وجنته الخشنة قليلا، لتستقر يدها على شفتيه الرائعتين، كم إشتاقت لقبلتهما التي كانت تحملها إلى أعالى السحاب، ليفتح عينيه فجأة وتستقر نظراته على عينيها التي إتسعت في صدمة، سحبت أصابعها في خجل وكادت أن تبتعد ليمد يده بسرعة يحكمها على كتفيها يعيدها إليه، نظرت إلى عسليتيه بمشاعر مضطربة نتيجة قربه منها ونظر إلى شفتيها بنظرة غائمة ليقترب منهما يلامسهما في تردد، فشعرت بقلبها ينتفض مع لمسته إياهم، ولكنها لم تقاوم بل إستسلمت كلية لقبلاته، بدا في البداية مترددا وكأنه يختبر مذاقهم، يقارن بين حاضر وماض، ليتعمق في قبلاته وقد شعرت بخفقات قلبه تدوى تحت يدها لتبادله قبلاته، تشعر بقلبها بدوره ينتفض، ليمرر يده على جسدها يضمها إليه ويقلبها ليشرف هو عليها، يتأملها لثوان بعشق قبل أن يعود فيقبلها مجددا ويجتاحها بعشقه وهي مرحبة بذلك الإجتياح، لا يهمها عواقبه وكأن إتحادهما هو، قدرهما.

، إنتفضت، تفتح عينيها بقوة لتجد نفسها بالفعل في حضن يحيى، يقبع رأسها على صدره، وتحيطه بإحدى ذراعيها، بينما يحيطها بذراعه بدوره بإحكام، رفعت رأسها ونظرت إليه، تتأمل مجددا ملامحه وهو نائم، أدركت أنها كانت تحلم، وأن ما حدث بينهم كان حلما رائعا إستيقظت منه، مدت يدها تود لو تمررها على ملامحه الحبيبة مجددا، ترغب في إشباع رغبتها وشوقها للمسه، ولكن خوفها من تحقيق حلمها وإتحادهما وقف حائلا دون تحقيق رغبتها، لتتوقف يدها بالهواء ثم تسقط إلى جوارها لتهمس بحزن قائلة:.

آسفة.

لتنهض متجهة إلى الحمام، ولكنها توقفت لتلتفت وتنظر إليه بقلب إشتاقت إليه خفقاته، كادت أن تعود إليه تلقى بمخاوفها بعيدا، تبغى عشقه وليذهب كل شئ للجحيم ولكنها إن عادت إليه، إن عرف الحقيقة، ستنكث بوعدها لأختها وتضرب به عرض الحائط، لتتنهد وتكمل طريقها إلى الحمام، تعاتب أختها في سرها، يصرخ قلبها، مالذى فعلتيه ياراوية؟، لقد ألقيتينى في جحيم مستعر، فإما ان أنكث بوعدى لك وأعترف له وأريح قلبى وإما ان اظل هكذا، في نظره خائنة، لا أستطيع الإقتراب منه،.

وفى كلا الحالتين، أعيش في جهنم، لتغلق الباب خلفها بهدوء، ويفتح يحيى عيونه ينظر إلى الباب المغلق بحيرة، يتساءل، ماذا قصدت رحمة بكلمتها، آسفة، هل تعتذر له على خيانتها بالماضى؟أم تعتذر عما تخفيه عنه؟أو ربما تعتذر عن عدم مبادلته مشاعره؟أوجعه ذلك الإحتمال الأخير، ليغمض عينيه على دموع غشيتهم، قبل أن يفتحهما مجددا، وقد توقفت تلك الدموع وظلت حبيسة مقلتيه، لينفض الغطاء عنه وهو يتجه إلى الدولاب يسحب ملابسه ويأخذها معه إلى خارج الغرفة هربا من آلامه، ومنها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة