قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

كانت رحمة جالسة بهدوء، تتأمل هذا العشب الأخضر الممتد أمامها بلا نهاية، ورغم ان هذا المنظر الطبيعي لطالما أراح أعصابها بالماضى، إلا أنه الآن لا يؤثر فيها مطلقا، فصورة يحيى وهو ينظر إليها بجمود لا تفارق عيينها، لقد صدق ما رأته عيناه للمرة الثانية، ورفض أن يثق بها مجددا، ليهدم بيده عشق سكن قلبها وزواجا ظنت أنه لآخر العمر، تنهدت بحزن، ليخرجها من أفكارها صوت نحنحنة باتت مألوفة لديها لتلتفت وترى الحاجة آمال تقف خلفها تماما، حاولت رحمة أن تبتسم وهي تقول بأدب:.

إتفضلى ياحاجة آمال، واقفة كدة ليه؟

نظرت آمال إلى إبتسامتها الباهتة، وعيونها الحزينة والتي تعكس حالتها منذ أن جاءت إلى هنا منذ ثلاثة أيام، تبكى بحرقة لتأخذها آمال بحضنها، وتجعلها تفضفض لها بمكنون قلبها، لتتحسر آمال على رحمة وكل ما مر بها وتتوعد لتلك الأفعى بشرى، هي والحية بهيرة بقصاص يكون عبرة لأمثالهم، وحين أراد الحاج صالح أن يحضر يحيى ويصلح بينهما، رفضت رحمة بشدة وهددت بالهروب، ليضطر الحاج صالح أن يخضع مؤقتا لرغبتها حتى تهدأ ثم يستطيع أن يجمع بينهما بكل خير، فهو يدرك أن يحيى يحبها وقد ظهر ذلك بوضوح في تلك المرة التي زارهم فيها هو وعائلته، ولكن تلك الشيطانة لعبت لعبتها مجددا لتعمى الغيرة عيون يحيى عن رؤية تلك اللعبة الحقيرة، التي كررتها بشرى بمنتهى الغباء، أفاقت الحاجة آمال من شرودها على صوت رحمة وهي تقول في حيرة:.

حاجة آمال!

إبتسمت آمال وهي تتقدم وتجلس بجوارها قائلة:
أعذرينى يابنتى، سرحت شوية في حالك وحال جوزك اللى مش عاجبنى خالص.
أطرقت رحمة رأسها قائلة بصوت يقطر حزنا:
نصيبنا كدة ياحاجة آمال، حياتنا مع بعض تنتهى في الوقت ده وبالشكل ده.
قالت الحاجة آمال بهدوء:
الست العاقلة يابنتى متسيبش بيتها أبدا وتبعد عن جوزها لمجرد إنه غلط، لأ، تقف وتدافع عن بيتها وحياتها وراجلها، خصوصا لو بتحبه زي ما إنتى بتحبى يحيى.

رفعت رحمة رأسها تنظر إلى آمال بعيون غشيتها الدموع وهي تقول:
كان ممكن أقف أدام الدنيا بحالها لو حسيت للحظة واحدة إنه بجد واثق فية إنى مش ممكن أخونه، لو حسيت لثانية إنه شاكك في اللى بيحصل، لكن هو وقف يبصلى زي مابصلى زمان وكأن خيانتى شئ متوقع، وكأن متأكدش بنفسه بظلمه لية في المرة الأولى.
أطرقت آمال برأسها في حزن قائلة:
معاكى حق يابنتى.
لترفع رأسها قائلة:.

بس اللى بيحب بيبقى أعمى يارحمة وغيرته على حبيبه بتعميه أكتر، مبيشوفش أدامه غير اللى غيرته بتصورهوله، لكن لما بيهدى ويفكر بيعرف إن فيه حاجة غلط، وبيبدأ يحلل صح، ويعرف إنه غلطان، زي يحيى دلوقتى.
عقدت رحمة حاجبيها قائلة بحيرة:
قصدك إيه ياحاجة آمال،
إقتربت منها الحاجة آمال قائلة بحذر:.

وصل للحاج صالح إن يحيى قالب الدنيا بيدور عليكى في كل حتة لدرجة إنه سافر الإمارات يدور عليكى هناك، ده أنا سمعت إنه ياحبة عينى لابياكل ولا بيشرب ولا بينام، وحالف ما يرتاح غير لما يلاقيكى.
أحست رحمة بوجع في قلبها لسماعها أحوال يحيى المؤلمة، لتنفض هذا الوجع وهي تخبر نفسها أنه ربما يبحث عنها ليقتلها إنتقاما لشرفه الذي يعتقد أنه تمرمغ في الوحل، لتترجم إحساسها إلى كلمات وهي تقول بهمس حزين:.

غالبا بيدور علية عشان يقتلنى ياحاجة آمال ماهو فاكر إنى خنته مع أخوه.
أصدرت الحاجة آمال صوتا يعبر عن رفضها وهي تهز رأسها نفيا قائلة:
لأ يارحمة، مظنش، أنا حاسة إنه بيدور عليكى من حبه فيكى يابنتى، كلنا شفنا الحب ده في عينيه لما وقعتى من طولك يوميها ياضنايا.
قالت رحمة بألم:
ياريت نقفل الكلام في الموضوع ده عشان خاطرى ياحاجة آمال، الكلام فيه بجد بيوجعنى، وكفاية وجع لحد كدة.
تنهدت آمال قائلة:.

اللى تشوفيه يابنتى.
نهضت رحمة قائلة:
أنا قايمة أروح أوضتى أرتاح شوية، بعد إذنك ياحاجة.
قالت آمال:
إذنك معاكى يابنتى.
لتمشى رحمة بخطوات بطيئة حزينة تتابعها عيون الحاجة آمال بحزن قبل أن تسقط أرضا لتصاب الحاجة آمال بالجزع وهي تسرع إليها لتجدها فاقدة الوعى لتصرخ قائلة:
إلحقينى يانجاة، إلحقنى ياحاج صالح.

قال مراد:
أنا بخير ياحبيبتى، إنتى أخبارك إيه؟
قالت شروق:
أنا بخير طول ما إنت بخير يامراد، مش ناقصنى بس غير إنى أشوفك.
تنهد مراد قائلا:
إنتى شايفة ياحبيبتى الظروف اللى إحنا فيها، نلاقى رحمة بس وهتلاقينى عندك في ثوانى.
قالت شروق بحزن:
والله أنا قلبى واجعنى عليها، بدعى كل يوم في صلاتى تلاقوها، أنا عارفة يحيى بيحبها أد إيه.

نظر مراد إلى أخيه الذي يزرع الحديقة جيئة وذهابا يتحدث في الهاتف بعصبية، ليقول بأسى:
والله إنتى لو شفتى حالته دلوقتى يصعب عليكى ياشروق، ربنا يكون في عونه، أنا كنت مكانه وعارف هو حاسس بإيه دلوقت.
لمعت عيون شروق لتقول:
طيب ما الحل أدامنا أهو يامراد.
عقد مراد حاجبيه قائلا:
تقصدى إيه؟
قالت شروق:
حادثة يعملها يحيى ورحمة اكيد اول ما تسمع هتيجى تشوفه علطول.
قال مراد بإستنكار:.

إنتى إتجننتى ياشروق؟، يعنى عشان نرجع رحمة نضيع يحيى.
قالت شروق بحنق:
وأنا قلت كدة برده، يامراد ياحبيبى، خبر مزيف في الجرايد، ويحيي في أوضة في المستشفى بتاعة صاحبه، وكل شئ يتظبط عشان يبان زي الحقيقة، ساعتها رحمة لو شافت الخبر هتيجى علطول، أنا متأكدة.
مرر مراد يده في شعره قائلا:
والله هي فكرة، هقوله عليها، رغم إنى معتقدش إنه ممكن ينفذها، بس أهى محاولة، يمكن تصيب.
قالت شروق:.

طيب قوله واللى فيه الخير يقدمه ربنا ياحبيبى.
قال مراد وهو يلاحظ أن أخاه أنهى مكالمته ويتجه إليه بخطوات عصبية:
خلاص ياشروق يحيى جاي أهو، خدى بالك من نفسك ياحبيبتى.
قالت شروق بحب:
وإنت كمان يامراد، خد بالك من نفسك وطمنى عليك أول بأول.
قال مراد:
حاضر، سلام دلوقتى.
ليغلق الهاتف ويحيي يقف أمامه تماما، ملامحه لا تبشر بالخير، أبدا.

قالت الحاجة آمال بقلق:
كدة مبقاش ينفع نخبى على يحيى مكانها ياحاج صالح.
قال الحاج صالح وهو يطرق بعصاه الأرض قائلا:
معاكى حق ياحاجة، الموضوع مبقاش زعل بين زوج وزوجة، الموضوع بقى أكبر من كدة ولازم الإتنين يبقوا قصاد بعض، عشان يتراضوا ويرجعوا لبعض.
قالت الحاجة آمال:
يعنى هتقوله ياحاج؟
نظر إليها الحاج صالح قائلا:.

لا ياحاجة، دى حاجة بين الراجل ومراته، ملناش دخل بيها، أنا هتصل بيه وأقوله على مكان مراته وهو لما ييجى تبقى تقوله.
أومأت برأسها قائلة:
عين العقل ياحاج، عين العقل.
ليمسك الحاج صالح هاتفه ويتجه إلى حجرته يجرى هذا الإتصال الذي أصبح ضروريا لجمع زوج وزوجة، وطفلهما معا.

قال مراد بقلق:
مالك يايحيى، فيه جديد؟
قال يحيى بغضب:
لسة حالا المحقق متصل بية، بيقول إن إبنه حصله حادثة وعشان كدة إتأخر في إنه يجيبلى نتايج فرز الشرايط بتاعة ليلة الحفلة وإنه بعد كدة حاول يوصلى كتير ومكنش بيقدر، طلع الخاين ياسيدى في رجالتى واللى دخل الحرباية اللى حطت السم لرحمة وحاولت تقتلها يوميها يبقى، فتحى.
قال مراد بصدمة:
مش معقول، مش الراجل ده اللى ياما عطفت عليه وجوزت بنته السنة اللى فاتت.

أومأ يحيى برأسه قائلا في غضب:
كلب ومطمرش فيه، مش دى المشكلة أصلا، المشكلة في الحرباية اللى عملت كدة، تعرف طلعت مين؟
نظر إليه مراد بتوجس ليومئ يحيى برأسه قائلا بحقد:
أيوة هي، بشرى.
لتتسع عيون مراد في صدمة.

جلست الحاجة آمال على السرير بجوار رحمة التي شعت السعادة في وجهها، لتبتسم بحنان قائلة:
مبروك يابنتى، ألف مبروك.
قالت رحمة بسعادة تقطرت من كلماتها:
الله يبارك فيكى ياحاجة آمال، إنتى متتخيليش فرحتى بالطفل ده عاملة إزاي، أنا لحد دلوقتى مش مصدقة.
ربتت آمال على يدها قائلة:
لأ صدقى يابنتى، إنتى سمعتى الدكتورة بودانك قالت إيه؟
قالت رحمة بعيون شعت منها الفرحة:.

سمعتها، سمعتها ياحاجة آمال، بس أعذرينى، غصب عنى، أنا عشت فترة كبيرة فاكرة إنى مبخلفش، الله يسامحه هشام بقى، أكيد كان متفق مع الدكتور عشان أحس بعجزى وأرضى بنصيبى معاه، الحمد لله إن ربنا أرادلى الخلفة، دى نعمة كانت نفسى فيها، وكنت بدعيله ليل ونهار يرزق كل مشتاق، الحمد لله إنه إستجاب لدعوتى.
قالت الحاجة آمال:
الحمد لله يابنتى.
لتصمت لثانية قبل أن تقول:.

طب ويحيي يابنتى، مش من حقه يعرف إنه هيبقى أب هو كمان؟
إنطفأت ملامح السعادة من وجهها وحل مكانه الحزن وهي تقول:
لأ مش من حقه، هو إتنازل عن الحق ده، لما ظن فية ظن السوء، مش بعيد يشكك في نسب الطفل ده ليه، مش بعيد يحاول يقتله ويقتلنى.
لتحيط بطنها بذراعيها وكأنها تحمى طفلها من الخطر، لتقول الحاجة آمال بحسرة:.

لا إله إلا الله، يحيى عمره ما يعمل كدة يابنتى، إنتى زعلك منه عاميكى عن معرفة طبعه، يحيى راجل بجد وميإذيش حد بيحبه أبدا، راجعى نفسك يابنتى وفكرى في طفلك قبل ما يفوت الأوان.

نظرت رحمة إلى آمال تدرك أنها على حق، ربما مع مرور السنوات تخبر يحيى بأن لديه طفل منها، وربما لا، هذا ما لا تستطيع أن تقرره الآن مع هذا الألم الكبير الذي تشعر به بداخلها والذي يجبرها على تكتم خبر حملها، على الأقل، في الوقت الحالى.

قال مراد بغضب:
بشرى حسابها تقل أوي يا يحيى،
قال يحيى بغضب:
أنا بلغت الرجالة يقبضوا على فتحى، ويحطوه جنبها على ما أفضالهم وأروحلهم،
قال مراد بضيق:
أنا مش عارف بس إنت مستنى إيه؟، ما نبلغ عنهم وبكل المعلومات اللى معانا والتسجيلات، بشرى أكيد رايحة في داهية، والكلب ده كمان.
قال يحيى:.

مش قبل ما أعرف منها مين الحيوان اللى شفناه في التسجيلات، و اللى ساعدها في اللى عملته، اللى خدر رحمة مع أمها، وشالها على إيديه اللى هقطعهمله، وساعتها بس هعرف أنتقم منهم هما الإتنين.
قال مراد في غيظ:
بشرى وبلاويها بقى، هتلاقيه حد من معارف صاحباتها.
قال يحيى بغضب يحمل بعض الغموض:
مش باين كدة يامراد، الظاهر الموضوع أكبر من كدة.
قال مراد:.

فكرة وضع كاميرات في شقتى واللى قلتلى عليها في المستشفى كانت فكرة ممتازة، بس مش المحقق قالك إنه في خلال يومين بالكتير هيجيبلك كل المعلومات عن الحيوان ده؟
هز يحيى كتفيه قائلا في مرارة:
مفيش حاجة مضمونة يا مراد، ما هو قاللى الكلام ده قبل كدة عن رحمة، وأدينا لسة لغاية دلوقتى منعرفلهاش مكان.
ربت مراد على يد يحيى قائلا:
هنلاقيها يايحيى، لازم هنلاقيها.
تنهد يحيى قائلا:.

يارب يامراد، أنا حاسس إنى تايه من غيرها وقلبى واجعنى، وكأنها سابت جرح في قلبى مش هيشفيه غير طبطبتها عليه.
قال مراد بحزن:
حاسس بيك ياأخويا، حاسس بيك.
ليصمت لثانية ثم يقول بتردد:
شروق قالتلى، يعنى، على فكرة ممكن تجيبها.
نظر إليه يحيى بإستفسار قائلا:
فكرة إيه دى؟
قال مراد:
نفبرك خبر حادثة في الجرايد حصلتلك وأول ما رحمة هتقرا الخبر هتيجى المستشفى علطول زي ما حصل مع شروق.
هز يحيى رأسه قائلا:.

مش هتنفع الفكرة دى خالص، أولا لإن رحمة مبتقراش جرايد، ثانيا أنا معنديش صبر أقعد أستنى في أوضة في المستشفى على أمل رحمة هتظهر أو لأ، أنا عندى ألف القاهرة عليها بيت بيت أحسن.
نظر إليه مراد قائلا:
أنا قلت كدة برده،
ليصمت لثانية مفكرا ثم يقول:
طب مش يمكن رحمة مش في القاهرة؟
عقد يحيى حاجبيه قائلا:
قصدك إيه؟
ليرن هاتفه فنظر إلى شاشته ويجد رقم الحاج صالح، ليرد على الفور قائلا:
ألوو.
قال الحاج صالح:.

إزيك ياإبنى، أخبارك إيه؟
تنهد يحيى قائلا:
أنا بخير ياحاج صالح، إزاي الحاجة والولاد.
قال الحاج صالح:
بخير ياإبنى، كلنا بخير.
ليصمت لثانية قبل أن يقول بحزم:
أنا عايزك في البلد ضرورى يايحيى، النهاردة قبل بكرة.
قال يحيى:
أنا بستأذنك نأجل الموضوع ده يومين ياحاج، فيه موضوع شاغلنى هنا، هخلصه وأجيلك علطول.
قال الحاج صالح:
الموضوع اللى شاغلك، أصله هنا ياإبنى، معانا وفى بيتنا.
عقد يحيى حاجبيه وهو يقول:
قصدك إيه ياحاج؟

قال الحاج صالح:
قصدى إنى مراتك هنا ياإبنى، منورانا بقالها كام يوم.
لتتسع عينا يحيى بصدمة إمتزجت بفرحة شعت من عيونه، ليشعر مراد بأن تلك المكالمة تحمل خبرا مفرحا، للجميع.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة