قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل الثلاثون والأخير

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل الثلاثون والأخير

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل الثلاثون والأخير

تأمل تلك النائمة بلهفة، بشوق دام أيام ولكنه يشعر وكأنها سنوات، فاللحظة في فراقها أعجزت قلبه، وألم بعدها جعله يهرم في لحظات، تمدد إلى جوارها يسحبها برقة إلى صدره، يشعر بها بين ذراعيه، لتتململ بين أحضانه، وكأنها قطة تتمسح به، ليدق قلبه بسرعة وهو يشعر بالإكتمال أخيرا بعد أن كان هناك ماينقص كيانه في هجرانها، ليقسم أن لا فراق بعد اليوم، مد يده يرفع وجهها إليه يتأملها بشغف، يلاحظ بعض الدموع العالقة برموشها، ليإن قلبه ألما، يدرك أنها كانت تبكى قبل أن تنام، مال يقبل رموشها يمسح دموعها بشفتيه، ثم تراجع حين إهتزت رموشها تعلن إستيقاظها لترى وجهه القريب منها، لتبتسم إبتسامتها التي تخلب لبه وهي تقول برقة:.

وحشتني يايحيى،
لتتنهد مستطردة:
يارب حلمى ده ميخلصش، وأفضل في حضنك كدة علطول.
إبتسم لتظهر غمازتيه وهو يقول بحنان:
إنتى كمان وحشتيني يارحمة، ولغاية مالمستك أنا كمان كنت فاكره حلم، وهصحى منه ملقكيش جنبى وأتعذب من جديد.
إتسعت عيونها وهي تدرك أنه حقيقة أمامها وأنه ليس حلما، لتتغير ملامحها العاشقة وتحل البرودة في ملامحها وهي تحاول الإبتعاد عنه، ليتمسك بها بين أحضانه قائلا:
رايحة فين؟ده أنا مصدقت لقيتك.

تململت بين يديه، تحاول الخروج من محيط ذراعيه دون فائدة، لتقول بعصبية:
سيبنى يايحيى، لو سمحت إبعد عنى، أرجوك.
إعتدل وهو يجعلها في مواجهته، ممسكا بكتفيها قائلا وهو ينظر مباشرة إلى عينيها بثبات:
أنا مش هبعد عنك غير بالموت يارحمة، لو عايزانى أبعد عنك، أنا أهو أدامك، إقتلينى أرحم.
لاحظ ظهور الخوف بعيونها، ثم الحزن في نبراتها وهي تقول:
ربنا يخليك لهاشم يايحيى.
مال ينظر إلى عينيها قائلا بحنان:.

وإنتى ياقلب يحيى.
نظرت إلى عيونه بعيون غشيتها الدموع قائلة:
وأنا إيه بالنسبة لك، واحدة مرت في حياتك، كل شوية بتوصمها بالعار وتتخلى عنها، وتسيبها لا هي حية ولا ميتة.
قال يحيى بحنان:
بعيد الشر عنك يارحمة، إنتى فاهمة غلط، إسمعينى للآخر ولو لقيتينى زي ما بتقولى يبقى حقك ياستى تقولى أكتر من كدة كمان.
كادت أن تتفوه بكلمات ليقاطعها وهو يقربها إليها قائلا بصوت تهدج من المشاعر:.

بقك ده ميتفتحش خالص وأنا بكلمك وإلا هسكتك بطريقتى يارحمة.
إبتلعت ريقها بصعوبة ليبتسم بإنتصار، رأت إبتسامته فشعرت بالغيظ منه وكادت أن تتفوه بكلمات تعارضه، لينفذ تهديده حرفيا ويميل مقبلا إياها بشوق، قبلة أخذت أنفاسها، وكادت أن تستسلم لها ولكن وجع قلبها وقف بينها وبين الإستسلام لتضربه في صدره تبعده عنها ليترك شفتيها مرغما وقد غامت عيونه بالمشاعر، ليقول بصوت متهدج:.

إفتحى بقك تانى يارحمة والمرة دى والله ما هسيبك أبدا.
أغلقت رحمة فمها على الفور، وهي تحبس انفاسها ليبتسم بداخله على مظهرها البرئ كالملاك، الرائع كالأطفال، ثم أخذ نفسا عميقا يتمالك به نفسه قبل أن يقول:
الحكاية بتتلخص في يوم ما إعتدوا على شروق وإكتشاف مراد بإن بشرى هي اللى ورا الموضوع ده.

عقدت رحمة حاجبيها وكادت أن تقول شيئا ولكنها تذكرت تهديده لتزم شفتيها حنقا، لتكاد أن تفلت ضحكة من شفتيه وهو يلاحظ رد فعلها، ليقول بإبتسامة:
شاطرة يارحمة.
نظرت إليه بغيظ، تجاهله وهو يقول:.

طبعا مراد كان عايز يطلق بشرى ويبعدها خالص عن حياتنا، بس ساعتها العيلة كلها كانت هتقف قصاده، و بتمثيلية بسيطة بشرى كانت هتطلع نفسها ضحية وهتسبب له مشاكل كبيرة، ورغم إنه أدها بس هو في غنى عنها، كان لازم عشان يطلقها نوقعها في شر أعمالها، وده اللى حصل، نصحته يومها بتركيب كاميرات في شقته ولإنى واثق إن بشرى متهورة ولازم هتغلط، كنت مستنى غلطتها دى، بس للأسف مكنتش متوقع إن غلطتها هتبقى إنتى ضحيتها، يوم ما كلمتنى وجيت شفتك، يمكن غصب عنى إتجمدت وماضى بحاله بيظهر أدامى، بيفكرنى بعذاب سنين، لكن مع الفرق، وهو إنى المرة دى كنت واثق مية في المية إنها لعبة قذرة من بشرى اللى متعرفش بإنى عرفت لعبتها اللى لعبتها زمان لإن الفكرة دى كانت أكيد فكرتها، ولإنها غبية كررتها وهي متعرفش إنى إتأكدت من برائتك بنفسى، بس كان لازم أبين إنى صدقت لغاية ماأشوف آخرة لعبتها دى إيه، ورغم وجعى للألم اللى ظهر في عيونك كنت واثق إنى هعرف أداويه بس لما نرجع بيتنا، نزلتى من هنا وجريت على أخويا أفوقه وأتأكد إنه كويس، وخرجتلها وأنا عارف ومتأكد إنها مش هتسيبنى أخرج بالساهل وهتقول حاجة تدينها وفعلا، بشرى حفرت الحفرة بس هي اللى وقعت فيها، ومعانا دلوقتى تسجيل يوديها في ستين داهية مش بس يسجنها أو يخلى العيلة تغضب عليها، لأ، دول لو شافوه هيشربوا من دمها كمان، وساعتها هنخلص كلنا من شرها.

كانت رحمة تستمع إليه بقلب أدرك أنه لم يخذلها، بل كان فقط يحاول مساعدة أخيه ونحر شر تلك العقربة للأبد، راجعت ماحدث، فوقتها قبض على يده ولكنه بسطها بعد ذلك، وهذا بالضبط مايفعله أثناء التوتر والقلق، وليس الغضب، فلو كان غاضبا مابسط يده قط كالمرة الأولى تماما، لتدرك بالفعل أنها ظلمته، ولكنه جازف أيضا بعلاقتهما ووضعها على المحك في سبيل ما فعل، ليظهر على وجهها الضيق رغما عنها ويحيي يقول:.

فهمتينى يارحمة؟صدقتى إن ثقتى بيكى بقت من غير حدود، وإنى مستحيل أشك فيكى تانى.
أومأت برأسها ليضم ذراعيها يقربها منه قائلا بهمس:
طيب حقى فين؟
كادت أن تنطق ليرفع حاجبيه فإلتزمت الصمت وهي تزم شفتيها مجددا ليبتسم قائلا:
إتكلمى، مش هعاقبك، متخافيش.
تراجعت رحمة بظهرها قائلة بحنق:
وهخاف من إيه يعنى؟
ليرفع حاجبه مجددا لتقول بإضطراب:
ما علينا يعنى، حق إيه سيادتك بقى اللى بتدور عليه؟

إبتسم وهو يقترب منها يميل عليها قائلا:
حق أيام مشفتش فيها طعم الراحة بسبب بعدك عنى، حق أيام لا كنت فيها باكل ولا كنت بنام وأنا مش عارف إنتى فين وعاملة إيه، حق ساعات إتمنيت فيها إن ربنا ياخد عمرى بس أطمن عليكى يارحمة.
أسرعت تضع يدها على فمه قائلة:
بعيد الشر عنك يايحيى، متقولش كدة تانى، أنا من غيرك أموت.

قبل يدها لتبعدها بخجل وقد أقرت له بعشقها وخوفه عليه بلحظات، متناسية كل ضيقها منه، ليبتسم وهو يرى وجنتيها تشتعل بنيران الخجل، ليقول بحنان:
خايفة علية، يبقى لسة بتحبينى يارحمة.
أطرقت برأسها قائلة في حزن:
وأنا من إمتى بس بطلت أحبك يايحيى، أنا بس زعلانة منك شوية.
مد يده يرفع ذقنها بيده لتواجهه عيناها ليقول بحيرة:
ليه بس؟
نظرت إلى عمق عينيه قائلة:.

لإنك كان لازم تصارحنى بكل حاجة بتحصل في حياتك، يمكن لو كنت صارحتنى مكناش بعدنا عن بعض، إنت مش آخد بالك إنى كان ممكن يجرالى حاجة من صدمتى اللى خدتها فيك لتانى مرة؟
أخذها في حضنه على الفور يقول بلهفة:
بعيد الشر عنك ياحبيبتى، بس إنتى معاكى حق، في دى أنا غلطان وبتأسفلك، وأوعدك إنى أقولك على كل حاجة بتحصل معايا من النهاردة، أنا مش مستعد أخسرك من تانى بعد ما خلاص لقيتك يارحمتى.

خرجت رحمة من حضنه قائلة بنبرة شابها الخجل:
على فكرة أنا مبقتش لوحدى، يعنى لازم تاخد بالك مننا كلنا.
إبتسم يحيى قائلا:
إنتى وهاشم في عيونى يارحمتى.
إبتسمت وهي تمد يدها تمسك يده وتقربها من بطنها تضعها عليها قائلة:
أنا وهاشم والبيبى اللى في بطنى يايحيى.
نظر يحيى إليها مشدوها، ينقل بصره بين بطنها ووجهها، ليقول بعد لحظة:
إنتى بتقولى إيه يارحمة؟
إتسعت إبتسامة رحمة قائلة:
بقول إنى حامل يايحيى.

عقد يحيى حاجبيه قائلا:
بس إنتى قولتيلى...
قاطعته قائلة:
قلتلك اللى سمعت الدكتور في الإمارات بيقولهولى، لما تعبت وهشام ودانى ليه وقاللى بعد عمل التحاليل، إن عندى عيب خلقى في الرحم يخلينى عقيمة، الدكتور اللى إكتشفت دلوقتى وبعد حملى وكلام الدكتورة هنا، إن هشام أكيد كان متفق معاه، عشان أفقد الأمل نهائيا في إنى ست طبيعية، ممكن تتجوز من تانى وتخلف وتعيش زي باقى الستات، فأرضى بحالى وأكمل معاه.

قال يحيى وقد بدأت ملامحه تنفرج سرورا:
يعنى أنا هجيب طفل منك يارحمة؟
اومأت رحمة برأسها قائلة:
طفلة، قلبى حاسس إنها طفلة يايحيى، بنوتة صغيرة تكون أخت لهاشم، عشان ياخد باله منها.
قال يحيى بسعادة شعت من عيونه:
ولد أو بنت، نعمة وفضل من ربنا، الحمد لله،
ليمسك رحمة من كتفيها يقربها منه قائلا:
إنتى خليتينى النهاردة أسعد واحد في الدنيا يارحمة.
إبتسمت وكادت أن تقول شيئا ليضع إصبعه على شفتيها قائلا:.

لأ، لحد كدة وكفاية كلام.
ليميل ويختطف شفتيها في قبلة أودع فيها عشقه وشوقه وسعادته، ومشاعره كلها، في تلك اللحظة.

كان الجميع يجلسون مجتمعين لأول مرة، كانوا فرحين بتجمعهم ولم ينغص عليهم سعادتهم في جلستهم تلك سوى خبر إستطاعة بشرى الهروب من محبسها بمساعدة ذلك المأفون فتحى، قبل أن يستطيع رجال يحيى القبض عليه ولكن بشرى هي من إستطاعت الإفلات منهم، ليقول يحيى بعصبية:
أكيد مستخبية عند الحيوان اللى في التسجيل ده واللى ساعدها يوم ماحاولت تقتل رحمة وشروق ويوما ماخدرت رحمة تانى،
قال الحاج صالح بغضب:.

يامين يطولنى رقبتها وأنا أقتلها بإيدى، دى طلعت حية كبيرة ولازم تتقطع رقبتها عشان نبعد شرها عننا،
ليقول فارس في غضب:
وإحنا فين ياحاج، نجيبهالك متكتفة لحد عندك وننحر رقبتها قصادك.
قال يحيى بحدة:
ملوش لزوم الكلام ده دلوقتى، نلاقيها بس وهتاخد جزائها على كل عمايلها السودة وغلطاتها في حق ولاد الشناوي كلهم، وخصوصا مراد.
تنهدت الحاجة آمال قائلة:.

مراد، ياضنايا ياإبنى، الله يكون في عونه، ده كان عايش مع شيطانة، الحمد لله إنه خلص منها.
لتقول رحمة بقلق:
صحيح، هو مراد راح فين يايحيى؟
مرر يحيى يده في رأسه قائلا بتوتر:
راح العربية يجيب موبايل بشرى منه، جايز نلاقى فيه حاجة تفيدنا.
ليدلف مراد في نفس الوقت وعلى وجهه ظهرت ملامح خيبة الأمل وهو يحمل الهاتف يناوله ليحيي قائلا:
آخر رقم كلمته كان واحد إسمه مجدى، ده الكوافير بتاعها.
عقد يحيى حاجبيه وهو يقول:.

كوافير إيه بس اللى هتكلمه في الوقت ده؟، أكيد مش هو، أو يمكن مسحت الرقم.
لتتنحنح نجاة قائلة بتوتر:
تسمحولى أتكلم،
أشار لها الحاج صالح بالكلام، لتستطرد قائلة:.

بنتى لبنى قالتلى إنها في آخر زيارة لبشرى هنا سمعتها بتكلم واحد إسمه مجدى وإنها أول ما شافتها، إتخضت ووشها إصفر، أنا مرضتش أقول لحد، إفتكرت إنها أوهام أطفال، ومحبتش أعمل مشاكل، بس الواضح إن مجدى ده مش الكوافير بتاعها زي ما حضرتك بتقول ياأستاذ مراد، أكيد ده اللى ساعدها في كل بلاويها.

عقد مراد حاجبيه بقسوة، يدرك كم كان مخدوعا بتلك الحية ليقرر أن يكون مقتلها على يده، ويده وحده دون غيره، ليترك المكان مغادرا بخطوات واسعة، لتقول رحمة بعجلة:
روح ورا مراد يايحيى، شكله هيعمل مصيبة.
لينظر يحيى إلى الهاتف قائلا بغموض:
مش هيلحق يارحمة، مش هيلحق.

كانت بشرى تقبع بين أحضان مجدى، تقول بحنق:
شفت يامجدى، عملوها فية الكلاب، كل ده عشان إكتشفوا إنى بحبك إنت، معرفش عرفوا إزاي بس، أكيد العقربة رحمة ليها إيد في الموضوع ده، تعرف يامجدى؟، حبسونى في مخزن قديم مع الفيران، وحرمونى من الأكل والله أعلم كانوا هيعملوا فية إيه تانى، لولا فتحى كنت مت.

زاد من ضمته إياها بقوة يود لو أدخلها بين ضلوعه يرفض فكرة موتها بشدة، ويتوعد لمن أراد بها سوءا بالموت كعقاب له، ليقول بغضب لما حدث لها على أيدي هؤلاء القذرين:.

إهدى بس يابشرى، إنتى دلوقتى معايا وفى حضنى، مفيش أي حاجة ممكن تإذيكى، ياما قلتلك سيبك منهم وخليكى معايا أنا، إتطلقى من مراد وتعالى نتجوز، وكفاية الفلوس اللى معايا، بس إنتى اللى مرضتيش، عموما ملحوقة، أما مراد و يحيى فوعد منى هنتقملك منهم واحد واحد، هموتهم كلهم وأريحك من أرفهم، إصبرى بس وهتشوفى.
خرجت بشرى من حضنه قائلة بغل:.

أيوة يامجدى، موتهم وريحنى منهم، وساعتها هبقى ليك لوحدك، إنت وبس، وفلوس عيلة الشناوي كلها هتكون لينا.
نظر إليها مجدى لثوان يتفحص ملامحها ثم قال بحيرة:
غريبة يابشرى، إشمعنى دلوقتى وافقتى على موتهم، رغم إنى عرضت عليكى قبل كدة الإقتراح ده ورفضتى.
قالت بإضطراب:
عشان، يعنى، زمان، زمان مكنش فيه حاجة ممكن تحرمنى منك، موتهم أو حياتهم مكنتش تفرق معانا كتير، دلوقتى ياهما ياإحنا، وطبعا هختارنا إحنا ياحبيبى.

إبتسم مجدى وهو يميل مقبلا شفتيها بنعومة ثم يعتدل ممررا يده على وجنتها قائلا بحنان:
قلب حبيبيك، يلا بقى روحى ياحبيبتى، إدخلى الحمام وخدى شاور يريح جسمك وبعدين تعالى هتلاقينى محضرلك أحلى أكل، لأحلى بشرى.
إبتسمت وهي تومئ برأسها إيجابا لتتجه إلى الحمام، تدلف إليه ثم تنظر إلى مجدى الذي أرسل لها قبلة هوائية لتبتسم وهي تغلق الباب خلفها، لتختفى تلك الإبتسامة مباشرة وهو تقول بحقد:.

ماشى يامراد إنت ويحيي، بتتفقوا علية، طيب مبقاش بشرى إن ما إنتقمت منكم، كلكم.

كان مجدى يعد صينية الطعام لبشرى، ويضع زهرة حمراء في فازة صغيرة بالمنتصف تماما، حين رن هاتفه يعلن عن وصول رسالة ما، أمسك هاتفه يفتح تطبيق الواتس آب، ليجد أنها رسالة من هاتف بشرى، عبارة عن فيديو ما مازال قيد التحميل، ليعقد حاجبيه بحيرة، يتساءل عن مرسل هذا الفيديو وهو يعلم أن الهاتف ليس بحوزة بشرى وأنها تركته بالمنزل حين أخذها كل من مراد ويحيي إلى هذا المخزن القديم، كاد أن يذهب إلى بشرى يشاركها هذا الفيديو بعد أن تكونت لديه فكرة عن مرسله، حين إستوقفه ذلك الفيديو الذي حمل الآن تماما ففتحه رغما عنه، لتظهر بشرى وهي تتوسل ليحيي أن يتزوجها، تنطق حروفها بعشقه، ليشعر مجدى بالخيانة، نعم لأول مرة يشعر بالخيانة حقا، فعيون بشرى وكلماتها الآن وفى هذا الفيديو اللعين تنطق بالحب، الحب الواضح والصريح، وليس هذا العشق المزيف الذي كانت توهم به مراد من قبله، والآن توهمه به، والذي لولا رؤيته لنظرات الحب تلك الآن وحروفها التي تنطق به، ماأدرك قط أنها كانت تخدعه، فالفرق واضح وقاطع، ليشعر بطعنة نجلاء في قلبه من تلك التي أحبها بلا حدود، ولو كانت طلبت روحه ماتردد في منحها إياها بصدر رحب، ليكتشف في النهاية أنها مخادعة، خدعته، فأصبح مثل غريميه تماما.

ألقى الهاتف من يده بقوة لينكسر بشدة ويتحول إلى حطام، إحمرت عيناه من الغضب، يشعر بكيانه يتحطم، بروحه تذوب ألما، لتتحول عينيه فجأة إلى عيون خالية من الحياة وكأنهما قطعتي ثلج باردتين، وهو يتجه بخطوات بطيئة خالية من الروح إلى حجرته، حيث توجد بشرى، حبيبته، وخائنته الوحيدة.

، دلف إلى الحجرة في نفس الوقت الذي خرجت فيه بشرى من الحمام، تلف نفسها بمنشفة عريضة، تظهر بجسدها العاري أمامه، لتقترب منه بخطواتها، تتدلل في مشيتها، ليستقبل إقترابها بجسد بارد كالثلج بعد أن كان يشتعل إشتعالا من قربها في الماضي القريب جدا، وقفت أمامه لا تلاحظ برودة ملامحه وهي تميل عليه تحتضنه بنعومة قائلة:
وحشتني يامجدى، ووحشنى حضنك.
رفع يده يضمها إلى صدره قائلا:
إنتى كمان هتوحشينى يابشرى.

خرجت من حضنه تنظر إلى عينيه قائلة في حيرة تلاحظ بروده لأول مرة:
هوحشك إزاي يامجدى؟ما أنا أدامك أهو.
رفع يده يمررها على يديها الناعمتين حتى وصل إلى جيدها يلمسه برقة وهو يقول:
متعلقيش على كلامى يا بشرى، أنا معاكى ببقى في حالة مش طبيعية، مببقاش عارف أحضنك، ولا...
كانت بشرى قد أغمضت عينيها تأثرا بلمساته لجيدها لتفتح عينيها حين توقف عن الكلام قائلة بعيون غائمة من المشاعر:
ولا إيه يامجدى؟

لم يجيبها وإنما بدأ بالضغط على رقبتها بقوة لتجحظ عينيها وهي تشعر بالإختناق، تحاول المقاومة، الإفلات من قبضتيه الفولاذيتين، دون جدوى، تقول بصوت مختنق:
مجدى، هموت يامجدى.

لم يعير كلماتها أدنى إهتمام، تلمع عيناه وكأن شيطانا تلبسه، يزيد من ضغط قبضتيه، وتحاول هي المقاومة، الصراخ، الإستنجاد بأي شئ، ولا شئ ينجدها من يديه، حتى لفظت بشرى أنفاسها الأخيرة بينهما، ليتراخى جسدها ويسقط أرضا، ليضحك مجدى بجنون، ثم يتهاوى أرضا يستند إلى ظهر السرير، ينظر إلى جسد بشرى الملقى أرضا وقد فارقته الروح، ليبكى بقوة، ينعى قلبه الذي حطمته تلك الخائنة، وينعى روحه التي فارقت الحياة بدورها، مع فراقها.

كانت شروق تشعر بالقلق على مراد الذي إختفى منذ الأمس، تحاول الإتصال به كل دقيقة، فلا يرد على مكالماتها ليزداد قلقها عليه، حتى أصبح هاتفه مغلقا تماما، لتشعر شروق بالخطر، تتصل بيحيي فيخبرها أنه يبحث عنه بدوره وعندما سيجده، سيطمئنها عليه، ولكن هذه الكلمات لا تطمأن بالها أبدا، تريد أن تخرج بنفسها لتبحث عنه ولكن أين تبدأ؟دق جرس الباب لتسرع إليه وتفتحه بلهفة، لتقف متجمدة من مرأى مراد، يقف أمامها بهيئة مزرية، فلقد نمت لحيته وظهر اللون الأسمر حول عينيه، وتبعثر شعره، إلى جانب تجعد ملابسه، لتدرك أن هناك أمرا جللا قد حدث، خاصة ومراد يقف هكذا، ينظر إليها بإنكسار وقد تهدلت كتفاه، لتسرع وتمسك بيده تدخله إلى المنزل، تتجه به إلى حجرة النوم دون كلمة، لتتركه لثوان وتدلف إلى الحمام، لتعود وتجده واقفا كما تركته، لتأخذ بيده، تدخله إلى الحمام، تزيل عنه ملابسه وهو مستسلم لها، ثم تجلسه في حوض الإستحمام الذي ملأته خصيصا لأجله، تصب عليه الماء برفق، وتدلك كتفيه بحذر، تزيح عنه هموم جسده، وقلبه في آن واحد، حتى أحس بالإسترخاء التام، لتحضر بشرى روب الإستحمام الخاص به وتنهضه لتلبسه إياه، ثم تتجه به إلى سريرهما تمدده وتتمدد إلى جواره، تسحبه إلى صدرها لتستكين رأسه عليه بينما تربت هي على ظهره بحنان، ليغمض عينيه وهو يستمع إلى خفقات قلبها، ليشعر بالراحة ويستسلم لنوم عميق، عميق جدا.

قالت شروق بصوت منخفض:
أيوة يايحيى، هو بخير متقلقش عليه، نايم جوة أهو.
إستمعت إلى يحيى قليلا ثم قالت بحزن:
انا كدة فهمت، متقلقش، مش هسيبه خالص،
إستمعت إليه مجددا ثم قالت:
مش عارفة يايحيى، إذا كان هيوافق ولا لأ، عموما أنا هقوله وربنا يقدم اللى فيه الخير.

لتغلق الهاتف ثم تنظر بإتجاه باب الحجرة بحزن على حال زوجها وسبب تلك الحالة التي هو عليها، قبل أن تأخذ تلك الصينية التي أعدت عليها الإفطار لمراد، وتتجه إلى تلك الحجرة لتبعد عن عيونها الحزن وهي تفتح الباب لتجد مراد مستيقظا، يجلس في السرير ويستند إلى الوسادة لتبتسم قائلة:
صباح الخير يامراد.
قال مراد بنبرات حزينة:
وهييجى الخير منين بس ياشروق؟

وضعت شروق الصينية من يدها وهي تقترب منه وتجلس على السرير إلى جواره قائلة:
تؤ تؤ تؤ، النبرة الحزينة دى مش حلوة على الصحة أبدا يامراد، إيه يعنى اللى ممكن يخليك بالشكل ده؟
كاد أن يتحدث ولكنها وضعت إصبعها على فمه تصمته وهي تقول:
أيا كان اللى حصل، مش هقولك غير الكلام اللى قلتهولى في المستشفى، وخلانى أتغلب على محنتى الكبيرة، فاكر كان إيه؟
نظر إليها في حيرة، لتبتسم وهي تخفض إصبعها تمسك يديه بين يديها قائلة:.

من يوم ما إتجوزنا وإنت مش لوحدك يامراد، أنا جنبك ومعاك في كل حاجة، على الحلوة وعلى المرة، كل حاجة هتعدى، وكل حاجة بتهون، خلى بس أملك في الله كبير.
نظر إليها يتأمل ملامحها بعشق، قبل أن يقول:
ونعم بالله، أنا مش عارف من غيرك كنت عملت إيه في حياتى ياشروق.
إبتسمت ثم قالت بحب:
سواء كنت معاك أو كنت من غيرى، فمراد اللى أعرفه، أقوى من أي محنة ممكن يمر بيها.
رفع يديها إلى شفتيه يقبلهما بحنان، لتقول بتردد:
مراد،.

نظر إليها مستفسرا يشعر بترددها لتستطرد قائلة:
يحيى كلمنى يعنى، عشان يطمن عليك وعايزنا...
قاطعها قائلا:
عايزنا نروح نعيش في بيت الشناوي.
أومأت برأسها دون أن تنطق ليقول مراد بهدوء:
وإنتى رأيك إيه؟
قالت شروق:
اللى تشوفه يامراد، أنا مش مهم عندى المكان، المهم تكون معايا فيه.
إبتسم قائلا:
وفيلا الشناوي هتنور بيكى ياشروق.
إتسعت عينيها بفرحة لتتسع إبتسامته وهو يدرك سعادتها، ليقول بحب:
إنتى حلوة أوي ياشروق.

أحست بالخجل لترفع خصلة من شعرها خلف أذنها ثم تمالكت نفسها وهي تقول بمزاح:
متاخدنيش في الكلام، قوم يلا عشان نفطر، وبعدين أحلقلك دقنك دى اللى مخبية ملامحك وراها.
إبتسم قائلا:
هتعرفى ياشروق؟
نهضت وهي تؤدى التحية العسكرية قائلة بمزاح:
معاك الأومباشى شروق، تخصص حلاقة يافندم.
ضحك مراد بقوة لتنظر إليه شروق بحب قائلة بهمس:
ربنا ما يحرمنى من ضحكتك يامرادى.
توقف مراد عن الضحك وقد وصلت إليه همساتها ليقول بعشق:.

ويخليكى لية ياشروقى.
إبتسمت شروق وهي تنظر إليه بعشق تنطق به نبضات خافقها، ليجيبها بعشق تظهره نظراته.

دلف يحيى من باب الحجرة، ليجد رحمة التي تنتظر إياه بقلق، لتسرع إليه تحتضنه بقوة قائلة:
إتأخرت ليه يايحيى، انا كنت هموت من القلق عليك.
ضمها بقوة يقول بلهفة:
بعيد الشر عنك يارحمة،
ليبتعد عنها وهو يضع يده على بطنها مستطردا:
ربنا يخليكوا لية.
ليمسك يدها ويتجه بها إلى الأريكة يجلسها ويجلس بجوارها، لتنظر إلى ملامحه التي يبدو عليها الإرهاق، لتقول بقلق:
مالك يايحيى، كنت فين كل ده؟
زفر يحيى قائلا:.

كنت بدفن بشرى يارحمة.
وضعت رحمة يدها على فمها تكتم صرخة كادت أن تفلت منها وهي تنتفض مبتعدة عن يحيى قائلة بجزع:
إنت اللى قتلتها يايحيى؟
قال يحيى بإستنكار:
قتلتها إيه بس؟إنتى شايفانى سفاح؟، أقعدى يارحمة وإسمعينى.
هدأت نبضاتها وجلست إلى جواره مجددا ليقول بهدوء:.

النهاردة الصبح لقوا جثة بشرى مخنوقة ومرمية في أوضة في شاليه من الشاليهات، وجنبها جثة مجدى اللى الظاهر بعد ماقتلها مستحملش وقطع شرايينه ومات، الظابط صاحبى كلمنى لما إتأكد من هوية بشرى وانا بإتصالاتى وعلاقاتى لميت الموضوع، وخرجت تصريح الدفن ودفنتها بعد العشا، طبعا كان لازم أروح لمراد وأقوله على اللى حصل وأطمن عليه وبعدين سيبته مع شروق وجيت علطول.
نظرت إليه رحمة قائلة في أسى:.

لا حول ولا قوة إلا بالله، أهي ماتت ومأخدتش معاها غير عملها، ربنا يرحمها ويغفر لها، الحمد لله إن نهايتها مكنتش على إيد مراد.
قال يحيى:
الحمد لله.
لتعقد رحمة حاجبيها قائلة:
بس إيه اللى خلى واحد زي مجدى يعمل العملة السودة دى، بعد مساعدته ليها طول الوقت اللى فات ده.
قال يحيى بغموض:
أكيد فتح عيونه وشافها على حقيقتها يارحمة.
قالت رحمة بحزن:
لا حول ولا قوة إلا بالله، ربنا يرحمهم ويغفرلهم.
أومأ يحيى برأسه قائلا:.

آمين.

، بعد مرور ٨ شهور...

قبلت رحمة رأس الصغير هاشم بحنان، ثم دثرته وهي تنظر له بإبتسامة شغوف، قبل ان تنتقل وتفعل بالمثل مع صغيرتها راوية التي إنتهى حفل سبوعها منذ قليل، والذي إجتمعت فيه العائلة بسعادة، فرحين بمولد تلك الصغيرة، أصغر أحفاد عائلة الشناوي، والتي خطفت القلوب بجمالها آخذة من أمها لون عينيها الرماديتين وشعرها الأسود كالليل، وآخذة من والدها جبهته وغمازتيه وآخذة من خالتها إسمها، ليتكالب الجميع على حجزها لولده حتى مراد الذي علم لتوه بخبر حمل زوجته، ليحجزها بدوره لطفله الذي مازال في علم الغيب ولكنه يشعر في أعماقه أنه ولد، رافضا فرق السن الذين تحدثوا عنه وقال أنها شهور فقط، فلا داعى لتلك الترهات التي يقولونها، فراوية لهشام وهشام لراوية، ليضحك الجميع.

إبتسمت رحمة وهي تتذكر تلك الليلة الرائعة، تحمد الله على تلك النعم التي يغدقها عليها، واحدة تلو الأخرى، أغمضت عينيها وهي تشعر بدقات قلبها تزداد لتدرك وجود معشوقها بالحجرة، لتفتح عيونها مجددا وهي تلتفت وتجد يحيى واقفا بالفعل يستند إلى الباب يتأملها بإبتسامة إرتسمت على ثغره، لتبتسم بدورها قائلة:
واقف من بدرى؟
إتسعت إبتسامته وهو يقترب منها قائلا:.

من أول ما بتوزعى كريز شفايفك على حبايبك وسايبانى نفسى في الكريز.
إتسعت إبتسامتها وهي تقترب منه قائلة بدلال:
وأنا من إمتى بس حرمتك منه؟
وقف أمامها تماما، وهو ينظر إلى ساعته ثم ينظر إليها قائلا بهمس:
بالظبط من ٨ ساعات، و٢٠ دقيقة، و٣٠ ثانية.
قالت وهي تقترب منه بوجهها تقف على أطراف أصابعها قائلة أمام شفتيه:
تؤ تؤ تؤ، خليتنى أحس بالذنب يايحيى.
همس بدوره:
قلب يحيى وعمره كله.

لتتلاقى شفتيهما في قبلة عشق أبدي، كتبت سطوره من قبل خلق البشرية، لينهى يحيى قبلتهما كي يستطيعا التنفس، وهو يضع جبهته على جبهتها مغمض العينين، يشعر بأن الله يحبه لأنه جمعه بمحبوبته مرة أخرى ورزقه الله منها براوية التي وافق أن يسميها بإسم أختها رغم ما فعلته بهما في الماضى، لأنها فقط كانت السبب في جمعهما من جديد رغم كل شئ، وتلك السعادة التي يعيشها الآن مع فاتنته السمراء، كان لها فضلا فيها كما أخبر رحمة سابقا، ربما هناك أشياء تمر بحياتهما تعكر صفو سعادتهما، كخبر وفاة والدة رحمة بعد تلقيها عدة طعنات من الرجل الذي تعمل لديه عقب مشاجرة بينهما على مبلغ من المال أخفته عنه، فهو لم يخبر رحمة بعملها كفتاة ليل بالماضى وقوادة بالحاضر، كما لم يخبرها أيضا بخبر وفاة والدتها، فهو يعلم أنه رغم عدم سؤال رحمة عن والدتها إلا أن غدرها بها يؤثر بها وبقوة إلى جانب أنها رغم كل شئ ستحزن عليها، إذا فلا داعى ليحزنها الآن وهي ترضع طفلتهما، وليدع فقط السعادة تظلل حياتهما، فقد مرا بالكثير حتى حصلا على تلك السعادة التي يدعو من كل قلبه أن تكون أبدية، كعشقه لرحمته، تماما.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة