قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل العاشر

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل العاشر

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل العاشر

وقف دقائق يستمع ويستمع وعندما انهت مكالمتها عاد ببطء وجمود إلى المصعد مرة أخرى وهبط إلى الأسفل واستقل سيارته دون أن يتحرك بها، أستند برأسه إلى ظهر المقعد وأغلق عينيه وهو لا يكاد يصدق ما سمع، كلمات زلزلت كيانه وفطرت قلبه، لا يعلم كم مر عليه من الوقت وهو في هذا الوضع خلف المقود فلم يعد يشعر بشىء غير الجمود، وفي النهاية سمع طرقات على زجاج سيارته، فتح عينيه والتفت فوجد والده قد عاد ووقف منحنياً ينظر إليه بدهشة، قلق الحاج حسين بشدة وهو يرى ابنه في هذا الوضع فهو يعلم أنه لا يجلس هكذا إلا إذا كان يشعر بألم حقيقى، فتح الباب وجلس بجواره قائلا بلهفة:.

مالك يا عبد الرحمن قاعد كده ليه يابنى؟
أرسل تنهيدة قوية وهو يقول: - تعبان يا بابا
ظهر التوتر أكثر على ملامح حسين وهو يقول متسائلا: - تعبان ازاى يعنى. فهمنى
أغمض عبد الرحمن عينيه بألم وهو يقول: - هحكيلك كل حاجة يا بابا...
وقص عليه كل ما دار بينه وبين هند وكيف عاد حتى لا يتركها بمفردها متألمة منه وماذا سمع منها وهي تتحدث في الهاتف، أنهى حديثه قائلا بأسى:
أنا آسف يا بابا. مكنتش أعرف أنها كده.

ربت والده على كتفه بقوة وقال بعزم: - أجمد يا عبد الرحمن الدنيا فيها ناس كتير بالشكل ده يابنى. وانت مش صغير. واللى حصل ده يعلمك مش يزعلك كده يابنى
أومأ عبد الرحمن برأسه في صمت حزين قاطعه والده قائلا: - تعالى معايا
لا يا بابا. مش عاوز أشوفها تانى بعد النهاردة
أمسك والده ذراعه قائلا بتصميم: - لا هتيجى معايا. عاوزك تسمع بس متعلقش على حاجة. تعالى.

قطع حسين الممر الطويل المؤدى إلى ردهة مكتبه الخاص بصحبة عبد الرحمن، نهضت هند عندما رأتهما، فأشار لها أن تلحقهما إلى المكتب
جلس حسين خلف مكتبه وأشار إلى عبد الرحمن أن يجلس في المقعد المقابل له ودخلت هند لتقف أمامه وكانت تتوقع أمراً من أمور العمل طلبها لأجله، ولكنها تفاجأت به يقول:
لو سمحتى روحى هاتى شنطتك
نظرت له في دهشة واستنكار، فأعاد أمره مرة أخرى: - هاتى شنطتك يا هند.

خرجت بخطوات بطيئة، يدور بخلدها ألف سؤال وسؤال، أحضرت حقيبتها وعادت إليهما، فمد يده أمامه قائلا بلهجة آمره:
هاتى تليفونك
أخرجت هاتفها وأعطته أياه: - ضغط عدة ضغطات على لوحة المفاتيح ثم أدار شاشته لها وقال بجدية: - رقم مين ده اللى كنتى بتكلميه من شوية
أرتبكت بشدة وزاغت نظراتها وهي تقول: - دى واحدة صاحبتى.
نظرت إلى عبد الرحمن فوجدته يشيح بوجهه عنها ويكسو وجهه الحزن والغضب والجمود.

فقالت: - في أيه يا حاج حسين؟!
نظر لها حسين وقال بثقة: - كدبتى ليه عليا وقولتى أن الجواب كان في صندوق البريد بتاع الشركة؟
هوى قلبها إلى قدميها واحمر وجهها خوفا، لا تعلم ماذا تقول، وكيف تفعل فلجأت إلى الكذب مرة أخرى وقالت:
ماهى هي دى الحقيقة يا حاج. أنا فعلا لقيته في الصندوق
خبط على المكتب فأنتفض جسدها وقال محذرا: - هتكدبى تانى؟ الجواب ده وصلك يدا بيد يا هند، صح.

ظهر الرعب على وجهها وقالت مدافعة عن نفسها: - مين اللى وصلك الكلام ده يا حاج اللى قالك كده كداب
أشار إلى عبد الرحمن الذي كسى الحزن وجهه أكثر وأكثر وقال: - عبد الرحمن هو اللى قالى
صمتت في دهشة وخوف لا تدرى ولا تفهم كيف عرف عبد الرحمن بالأمر
تابع الحاج حسين كلامه: - عبد الرحمن سمعك وأنتِ بتتكلمى في التليفون يا هند. ده أجابة السؤال اللى بيدور في دماغك دلوقتى.

أستندت إلى أقرب مقعد لها فلقد تخلت عنها قوتها واصفرت الدنيا أمامها وكادت أن يغشى عليها من الصدمة. وبدأت في البكاء
نهض عبد الرحمن قائلا: - أنا مروح يا بابا عن أذنك
أومأ له والده بالموافقة فانصرف دون أن يلتفت وراءه ليخفى ألمه وندمه ويداوى جرحه العميق
نهض حسين من مقعده ووقف بالقرب منها وقال: - معقوله يا هند. ده أنا كنت بعتبرك زى بنتى بالظبط تقومى تخونينى كده.

بكت بشدة أكبر وقالت بمرارة: - والله يا حاج أنا مكنت أقصد انى اخونك. أنا قلت يعنى ده مجرد جواب هوصلهولك وخلاص وبعدين هي فهمتنى أن الجواب ده في معلومات حضرتك بتدور عليها بقالك سنين وقالتلى أن ده عمل خير
أبتسم في سخرية مريرة قائلا: - وهو عمل الخير اليومين دول بياخدوا له مقابل...

هتفت ببكاء: - والله يا حاج أنا مطلبتش منها فلوس هي اللى عرضت عليا الفلوس علشان تتأكد أنى ههتم وأوصلك الجواب بنفسى لأنها كانت خايفة حد تانى يشوفه وميوصلهوش وأنا كنت محتاجة مبلغ كده في الوقت ده وكنت مكسوفة أطلب سلفه من حضرتك. وهو ده كل غلطى. أنا آسفه يا حاج أنا آسفه.

أنفعل عليها قائلا: - أنتِ لسه بتكدبى يا هند. أنتِ خدتى منها رقمها علشان تقوليلها أخبارى أول بأول. صح. أنا مش عارف أنتِ مستمرة في الكدب ازاى وانا بقولك عبد الرحمن سمعك وانتِ بتكلميها
أمتقع وجهها وقالت بارتباك: - لا والله يا حاج أنا منقلتش أخبارك لحد. هي لما أدتنى الرقم قالتلى علشان لو حصل وحضرتك مقرتش الجواب لأى سبب أبلغها.

وبعد كده كانت بتتصل عادى تقولى أزى الحاج عامل أيه وأزى عبد الرحمن ويوسف وأنا كنت بتعامل معاها على أساس أنها قريبتكوا يعنى فبقولها كويسين وخلاص
كاد أن ينفعل مرة أخرى وهو يستمع إلى كذبها المفضوح ولكنه صمت قليلا ثم قال فجأة:
خلاص يا هند أنا مصدقك. بس أنتِ عارفة طبعا أنك غلطتى. والغلط ده مينفعش يعدى كده
قالت بلهفة: - الله يخاليك يا حاج مترفدنيش أنا محتاجة الشغل ده اوى.

نظر لها بتفكير وقال: - أنا مش هرفدك. بس أبنى مجروح منك أوى ومش هيستحمل يشوفك هنا تانى. أنا هنقلك مكان تانى تكونى بعيدة شوية عنه. مش عاوزه يضايق كل ما يشوفك
قالت بحيرة: - يعنى يا حاج هو قرر...
قاطعها الحاج حسين قائلا: - سيبيه شويه كده لما يفوق من صدمته شهرين كده ولا حاجة. يكون نسى وهدى وبعدين أبقى أتكلمى معاه يمكن وقتها يسامحك. يالا دلوقتى خدى شنطتك وروحى وبكره إن شاء الله تيجى على شغلك الجديد.

معقوله يا حاج اللى أنت بتقوله ده. أزاى تسيبها في الشركة بعد اللى عملته.

أعتدل حسين في جلسته وهو يجيب زوجته عفاف قائلا: - أهدى بس يا أم عبد الرحمن. أنا عارف بعمل أيه كويس، هند بتشتغل معانا من زمن ومعاها أسرار كتير عن شغلنا متنسيش أنها مديرة مكتبى ومسؤولة عن ملفات كتيرة. لو طردتها وقطعت عيشها هتقول عليا وعليا أعدائى. إذا كانت خانتنى وهي شغاله معايا ومخطوبة لأبنى يبقى هتعمل أيه لما الخطوبة تتفسخ وكمان أطردها من الشغل
قالت عفاف بتفكير: - طب وبعدين.

ولا قابلين. أنا قلتلها تسيب عبد الرحمن شهرين كده على ما يهدى. أكون أنا غيرت تفاصيل وحاجات كتير في الشغل وساعتها تبقى المعلومات اللى هي تعرفها قديمة ومالهاش لازمة وضررها هيبقى قليل أوى إذا مكنش معدوم يعنى. والمكان اللى نقلتها فيه مفيهوش حاجة تعرف تضرنا بيها ولا تستعملها مع شركات معندهمش ذمة عاوزه تضربنا في السوق.

قالت عفاف بتعجب: - والله يا حسين أنا مش عارفة أنت بتعرف تمسك أعصابك كده ازاى مع واحده خانتك بالشكل ده
ضحك وقال: - أصلها بصراحة خدمتنى مرتين تلاتة كده من غير ما تحس
نظرت له بتعجب فأومأ برأسه قائلا: - زى ما بقولك كده خدمتنى وضرت نفسها.
تنهد بقوة وتابع كلامه: - أحلام كانت بتستخدمها علشان تعرف أخبارنا وأخبار يوسف علشان تعرف تقربه من مريم وأبتسم قائلا:
وأنا معنديش مانع. أنا نفسى في كده أنا كمان.

بس هند بقى بغبائها لما لاقت عبد الرحمن معجب بكلام إيمان وكمان راح قالها حلال وحرام أفتكرت أنه بيطفشها علشان خاطر إيمان فاتصلت بأحلام وجابت اللى عندها كله
قالتلها أنا أقدملك يوسف على طبق من دهب وأنتِ عاوزه تطلعينى من المولد بلا حمص
تنهدت عفاف بألم وقالت: - ياعينى عليك يا عبد الرحمن. ده كان بيحبها اوى. علشان كده يا عين أمه مخرجش من أوضته من ساعة ما رجع وقاعد في البلكونة من ساعتها حتى مرضيش يتعشا.

ثم نظرت له فجأة بانتباه وكأنها انتهبت لحديثه في التو وقالت: - يعنى أيه أنت كمان عاوز كده يا حاج
قال مبتسماً: - يعنى هي خططت علشان تقرب مريم من يوسف وتشغلها معاه وأنتِ عارفة يا عفاف أنى عاوز ولاد أخويا يفضلوا في حضنى علشان كده بقولك وأنا معنديش مانع. المهم عندى أن مريم تحب يوسف مش تبقى عاوزه تتجوزوا علشان تنفذ خطت أمها وخلاص
أستندت عفاف إلى قبضتها وهي تقول بتفكير: - وتفتكر مريم متفقة مع أمها يعنى.

قال بشرود: - مش متأكد يا عفاف، لما كانت متحمسة في الأول علشان تشتغل معاه كان ممكن أقول اه عارفة. لكن بعد المشاكل اللى حصلت بينها وبين يوسف مبقتش متأكد. لأنها لو كانت بتنفذ كلام أمها كان زمانها بتسمع كلامه وأنتِ عارفة يوسف بيتبسط من الست اللى بتسمع الكلام وأكيد أحلام وصلت المعلومة دى لمريم. وطالما مريم منفذتهاش يبقى اللى أنا حسيته أمبارح في المكتب وهما بيتخانقوا قدامى كان صح.

ألتفتت إليه عفاف بتسائل وقالت: - أيه اللى أنت حسيته، وهي أحلام يعنى بتعمل كل ده ليه
قال حسين بلا مبالاة: - مش مهم دلوقتى. أهم حاجة عندى دلوقتى عبد الرحمن. عاوزه يخرج من الحالة دى قلبى وجعنى أوى عليه. الله يكون في عونه. مش سهل عليه اللى حصل ده.

كانت هند تجلس في فراشها وتبكى بشدة وقد تورمت عيناها من كثرة البكاء بينما جلست أختها علا بجوارها ومسحت على ذراعها وحاولت أن تهدئها لكن هند نفضت يد أختها في قوة هاتفة:
أبعدى عنى. أنتِ السبب. أنتِ السبب.

وقفت علا ووضعت يديها في خصرها قائلة: - نعم يا ماما أنا السبب ازاى يعنى. أنا بس شجعتك أنك توصلى الجواب وتاخدى الفلوس لكن مقلولتلكيش تقوليلها أخبار أخو خطيبك يا هانم. وأنتِ أصلا غبية. لو كنتى قلتيلى كنت هقولك لاء. لأن اللى ترسم على واحد ممكن أوى ترسم على أخوه وتطلعى أنتِ من المولد بلا حمص وأهو ده اللى حصل يا ناصحة.

قالت هند برجاء: - لا لا عبد الرحمن مضعش مني. هو بس مصدوم وعاوز فرصة يهدى وبعدين مش هيقدر يبعد عني أنا متأكدة. متأكدة
علا: - وأنتِ فاكرة أن أبوه هيسمحلك تدخلى عيلتهم بعد اللى عرفه. والله أنا لو منك انتقم منه ده أنتِ تعرفى عنهم بلاوى
قالت هند بشرود: - لا الحاج حسين نقلنى بس علشان ميحصلش صدام بينى وبين عبد الرحمن لكن أنا متأكدة أنه مش هيعارض لو عبد الرحمن عاوزنى. ليه أروح أعاديه وأخسره للأبد.

علا: - وتفتكرى يعنى اللى أسمها أحلام دى وبنتها هيفوتوا الفرصة. دى أكيد هيستغلوا بعدك عنه ويفضلوا وراه لحد ما يتجوزها
نظرت لها هند نظرات شاردة وقالت: - خاليها بس تحاول تاخده مني. وأنا هوريكى هند ممكن تعمل ايه في شركتهم دى.

كان عبد الرحمن يجلس على مقعده الخاص به في الشرفة مغمض العينين يستعيد كل ذكرياته مع هند، كل كلمة حب قالها لها وكل نبضة قفز بها قلبه لأجلها، فتح عينيه ببطء لينظر إلى الحديقة المظلمة وكأنه ينظر إلى الظلام المحيط بقلبه، فلقد انطفأت شمس حبه فجأة وبدون رجعة!

رأى الرياح تعبث ببعض أوراق الشجر فتقاوم بعضها ويستسلم البعض الآخر فتسقطها أرضا، نعم من يستسلم للرياح يسقط فيصبح جزءًا من الأرض ليداس بالأقدام كما تداس الأرض التي سقط إليها راضياً، لمعت عيناه وقاتلت الدموع بضراوة من أجل أن تهبط إلى مجراها لتروى ظمأ محنته، ولكنها وجدته مقاتل من الدرجة الأولى، لم يسمح لها وسجنها في محبسها ليحتفظ بها ويجعلها مدادا لحياته القادمة والتي قرر أن تكون بلا حب وبلا مشاعر وبلا قلب. المعنى الحقيقى للجمود.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة