قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الرابع عشر

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الرابع عشر

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الرابع عشر

أستيقظت إيمان صباح يوم الجمعة أكثر راحة عن أيامها السابقة وأسرعت لتوقظ إيهاب ليلحق بصلاة الجمعة، كالعادة استيقظ وأغتسل وذهب للصلاة، كانت إيمان قد دخلت غرفة مريم لتوقظها ولكنها لم تجدها بحثت عنها في جميع الغرف ولكن لا أثر لها إرتدت إسدال الصلاة وخرجت إلى الشرفة وظلت تبحث عنها بنظرها حتى رأتها تجلس على الأرجوحة الكبيرة في جانب من جوانب الحديقة بالقرب من أحواض الزهور.

كانت مريم يظهر عليها علامات الأسى الواضحة وهي تستعيد ما قصته عليها إيمان ليلة أمس عن مادار بينها وبين أعمامها في الشركة، هي لا تكذب ما سمعته من إيمان لحظة واحدة فلقد عاشت مع أمها وخبرت ذلك جيدا ً منها، وعاشت أيضا مع أعمامها وتعاملت معهم فترة كافية تجعلها تجيد الحكم عليهم وبمقارنة بسيطة تخسر أمها دائما، نعم فالإنسان يستطيع أن يغير فكرة الناس عنه بمعاملته وحسن عشرته أكثر من دفاعه عن نفسه بالكلام.

كانت مريم غارقة في بحر من الأفكار تتصارع في عقلها كالأمواج المتلاطمة لدرجة أنها لم تشعر باقتراب أحدهم منها من الخلف ووضع كفيه على عينيها في صمت، أختلج قلبها بشدة تصورت أنه يوسف، لا تعلم لماذا تمنت هذا مع علمها أن يوسف مستحيل أن يفعل ذلك معها وخصوصا أن العلاقة بينهما متوترة هذه الأيام، تحطمت أمنيتها على صخرة الواقع عند سماعها صوت وليد وهو يقول بمزاح:
أنا ميييين.

أستدارت فجأة وقالت بغضب: - لو سمحت متعملش الحركات دى تانى أنا مابحبهاش
وشرعت في النهوض ولكنها تعثرت في الأرجوحة وكادت أن تقع ولكن وليد ساعدها بيديه وأمسكها من ذراعها بقوة، إعتدلت مريم لتوبخه ولكنها تفاجأت بيوسف يقف خلفه وينظر لها بغضب ويقول لوليد:
إيه اللى بيحصل ده.

لاحظ وليد غضب يوسف مما يرى فقرر أن يستثيره أكثر فقال له غائظا ً: - ولا حاجة إنت عارف ابن عمك دايما بيجى في الوقت المناسب علشان يلحق العرض الأول
قالت مريم بانفعال: - عرض إيه...
ثم تابعت مدافعة عن نفسها: - أنا كنت هقع
قال وليد بإستفزاز: - آه طبعا ميضرش أبدا...
ثم نظر إليهما وقد حقق مراده وقال: - طب ألحق أنا بقى الصلاة، عن إذنكم.

حاولت مريم شرح موقفها مرة أخرى وهي ترى علامات الغضب مازالت ترتسم على وجه يوسف قالت:
أنا كنت قاعدة على المرجيحة وبعدين.
قاطعها قائلا بغضب: - مايخصنيش، أنا اللى عاوز أنبهك ليه. إنك هنا مش في الجامعة يعنى لازم تحافظى على شكلك قدام عيلتك ولو أتماديتى مع وليد إنتِ اللى هتبقى الخسرانة الوحيدة في اللعبة دي.

قالت بنبره تشبه البكاء: - إيه الكلام اللي بتقوله ده. هو أنا يعنى باعمل إيه في الجامعة علشان تقولى كده. وبعدين هو اللى مسك إيدى لما كنت هقع يعنى أنا ماتماديتش معاه فحاجة خالص
قال بسخرية: - صح أصل لو واحدة بتصد واحد هيجيله جرأة ويحط إيده على عينيها ويهزر معاها
هتفت بلوعة: - وأنا مالى هو اللى دايما بيطلعلى من تحت الأرض وبيتصرف كده وبيغلس عليا من غير سبب
تابع بنفس اللهجة الساخرة: - من غير سبب، متأكدة؟

قالت هاتفة: - طبعا ً متأكدة
رفع حاجبيه وقال بسخرية: - غريبة أومال يعنى مش بيغلس ليه على إيمان اختك
قالت بحنق شديد: - معرفش، وانا مالى ماتسأله هو
هز رأسه بعصبية وقال: - إنتِ اللى مش عاوزه تعرفى
قاطعهما صوت عمها إبراهيم وهو يلقى التحية من بعيد ويشير ليوسف أن يلحق بالصلاة فتركها وانصرف سريعا ً.

كانت إيمان تتابع ما يحدث من شرفتها فنادت على مريم التي نظرت للأعلى فأشارت لها بالصعود. صعدت مريم إليها قائلة بتسائل:
خير يا إيمان في حاجة.
إيمان: - أنا كنت واقفة وشفت اللى وليد عمله ولاحظت وشك وإنتِ بتكلمى يوسف. هو قالك حاجة زعلتك؟ وبعدين يا مريم إنتِ خليتي وليد ياخد عليكي للدرجة دى ليه؟
شعرت مريم أن الجميع يتكلم عنها بنفس الطريقة ويتهمها في تصرفاتها فقالت بانفعال:.

هو في إيه كلكوا بتتهمونى إنى أنا السبب وأنا اللى باسمحله يضايقنى ويغلس عليا. انتِ تقوليلى مأخداه عليكى. ويوسف يقولى إنى بتمادى معاه. هو انتوا شايفنى إيه بالظبط.

مسحت إيمان على شعرها وهدأتها وجلست بجوارها وقالت في حنان: - مريم يا حبيبتى انا قلتلك قبل كده الناس مش بتدخل جوانا وتشوف نيتنا إذا كانت طيبة ولا لاء، الناس بتحكم بالتصرفات الظاهرية لينا. يعنى مثلا إنتِ وقفتى قدام فاترينة خمور في الشارع. أى حد معدى هيقول بتتفرج على الخمرة ليه أو نفسها تشترى منها، لكن انتِ ممكن تكونى وافقة ترتاحى من مشوار طويل ووقفتى تاخدي نفسك شوية.

لمعت عيون مريم بدموعها وقالت: - يعنى إيه يا إيمان، يعنى أنا هيبقى ذنبى إنى واقفة أرتاح.
إبتسمت إيمان وقالت: - لا يا مريم مش ذنبك أنك بترتاحى. لكن ذنبك إنك إختارتى المكان الغلط اللى ترتاحى قدامه، يعنى ماشية مشوار طويل ومستحمله. كان ممكن تستحملى أكتر وتمشى خطوتين كمان لكن إنتِ إستقربتى ووقفتى في حتة ممكن تشبهك وإنتِ مش حاسة إن الناس هاتحكم عليكى من خلال المكان اللى وقفتى قدامه...

ثم طبعت قبلة حانية على وجنتها وقالت: - يعنى إنتِ كل مشكلتك يا مريم إن نيتك كويسة لكن بتستقربى الغلط وتقولى نيتى خير.
نظرت لها مريم بحنق: - يعنى مطلوب منى أعمل إيه علشان الناس تعرف إنى كويسة.
إتسعت إبتسامة إيمان وقالت بهدوء: - قوليلى يا مريم لما بتحبى تقرأي قصة. إيه أول حاجة بتلفت نظرك ليها
مريم: - العنوان وبعدين بشوف مضمونها
حصلت إيمان على ما تريد فقالت: - بالظبط كده...

العنوان الأول وبعدين المضمون علشان كده لازم تخلى عنوانك مظبوط أوى
نظرت لها مريم بعدم فهم: - يعنى إيه عنوانى
قالت ايمان موضحة وجهة نظرها: - عنوانك يعنى لبسك ومظهرك الخارجي. يعنى صحابك اللى ماشية معاهم ومصحباهم. يعنى وقفتك ومشيتك وطريقة كلامك وهزارك. يعنى الأماكن اللى وافقة فيها أو جواها أو خارجة منها
قالت مريم بتأفف: - فاهمة، تقصدى سلمى مش كده.

قالت إيمان بصبر: - مش سلمى وبس، لا. وكل سلمى ممكن تشبهك وتخلى الناس يفتكروكى زيها. يابنتى الرسول عليه الصلاة والسلام قال: المرء على دين خليله ؛ فلينظر أحدكم من يخالل
يعنى مافيش حاجة إسمها أصاحب واحدة تصرفاتها مش كويسة وانا واثقة من نفسى إنى مش هاعمل زيها، فهمتى، والدليل على كده إنك قبل ما تصاحبيها كان لبسك جميل ومحتشم ولا نسيتي...

قالت مريم بعناد: - طيب يا إيمان سيبينى مع نفسى شوية لو سمحتِ أنا مخنوقة دلوقتى
نهضت إيمان واقفة وقالت: - ماشى هاسيبك بس عاوزاكى تعرفى إن أنا بحبك أوي وإنك أغلى واحدة عندي. لكن ماتنسيش إنك مالكيش حجة أنا روحتلك كليتك كتير قبل كده وشفت بنات محترمة كتير يعنى ماتجيش تقوليلى مش هلاقى أصحاب والكلام بتاع كل مرة ده.
وإلتفتت إليها وأردفت: - ماتنسيش تنزلى بعد الصلاة علشان الغدا.

زفرت مريم بقوة وقالت: - مش طايقة أشوف حد، مش نازلة
ضحكت إيمان وهي تفتح الباب قائلة: - يبقى إنتِ لسه معرفتيش عمك لحد دلوقتى
تفاجأت إيمان بقبلة على وجنتها من الخلف إلتفتت إلى وفاء بسعادة وهي تحتضها وتقول:
وحشتينى يا إيمى
أبتسمت إيمان بسعادة وقالت: - وإنتِ كمان والله. أخبار المذاكرة إيه
وفاء: - إسكتى ياختى مش أنا اتخانقت مع المعيد بتاعنا
قالت إيمان بتسائل: - ليه يا وفاء.

وفاء: - عرضت عليه فكرة الرسالة بتاعته إنها تبقى مقارنة بين القانون الوضعي والشريعة
إيمان: - وبعدين
وفاء: - ولا قابلين ده طلع معيد فيونكة ولا فاهم أي حاجة في الشريعة
ضحكت إيمان وقالت: - وانتِ بقى شرحتيله بطريقتك قام كرهها من غير ما يعرفها
نظرت لها وفاء بتعجب وقالت: - عرفتى منين
تابعت والدتها إعداد الطعام وقالت: - يابت خاليكى في مذاكرتك وسيبك من الجنان ده متخليهوش يستقصدك.

قالت وفاء بتحدى وهي ترفع السكين: - أنا وراه والزمن طويل
وفى إحدى المشاهد المتكررة كثيرًا ولكنها محببة للنفس إلتف الجميع حول مائدة واحدة كبيرة، تناولت إيمان طعامها سريعا وقالت وهي تقوم:
بعد إذنك يا عمى انا نازلة
الحاج حسين: - رايحة فين يا بنتى النهاردة الجمعة
إيهاب: - أكيد عندك مقرأة...
ثم تابع قائلا: - الله. هو انتِ مش خدتى الإجازة بتاعتك
أومأت برأسها قائلة: - فعلا، بس هاستلم شهادة الإجازة النهاردة.

نظرت لها فرحة بتساؤل وقالت: - يعنى إيه شهادة الإجازة دى يا إيمان
أبتسمت إيمان بخجل وقالت: - يعنى شهادة معتمدة إنى ختمت القرآن وأقدر أدرسه في أى مكان
قال الحاج حسين بإعجاب: - ماشاء الله ربنا يبارك فيكى يابنتى
قالت فرحة في شغف: - إحنا لازم نعملك حفلة يا إيمان لازم نحتفل بيكى
قال يوسف وهو يخطف نظرة سريعة إلى مريم: - آه طبعا لازم نحتفل بيها ياريت كل البنات كده.

أشاحت مريم بوجهها فهى تعلم أن الكلام موجه لها وقالت بخفوت: - مبروك يا إيمان
قالت ايمان بحياء: - لا حفلة إيه وبتاع إيه كفاية الكلمتين الحلوين دول. ده أحسن تشجيع
نظرت وفاء إلى فرحة وقالت لها: - وأنا معاكى يا فرحة
وتابعت وهي تنظر إلى إيمان: - إنتِ تروحى مشوارك ترجعى تلاقى الحفلة جاهزة ومستنياكى وهتلاقى الهدايا نازلة عليكى زى المطر
أبتسم عبد الرحمن قائلا: - ومش أى مطر.

وفت وفاء بوعدها وقامت مع فرحة بتنظيم الحفلة السريعة، ذهبت إليهما مريم وإيهاب الذي قال ممازحا:
أنا قولت أساعدكم يعنى بصفتى بفهم في الديكور.
ثم تابع: - على فكرة اللى اختار الركن ده فنان بجد
قالت فرحة في خجل: - أنا اللى اخترته. حلو؟
نظر في عينيها قائلا: - إلا حلو. ده تحفة. حلو خالص
ضربته مريم على كتفه قائلة: - إيه ياعم انت أومال فين دروس غض البصر اللى كنت بتقولنا عليها.

فغض بصره وهو يستغفر وقال: - طب انا هستناكوا هناك لو احتاجتوا تنقلوا ولا تشيلوا حاجة عرفونى
قالت مريم: - ماشى يا عم هركليز
ضحكت الفتيات وبدأت كل واحدة تقوم بالعمل المخصص لها، نظرت مريم إلى فرحة وهي تختلس النظر إلى إيهاب الذي يجلس بعيدا وقد لحق به يوسف ووليد
فاقتربت منها قائلة بجرأة: - بصراحة الواد يتحب
إحمر وجه فرحة لكلمة مريم وقالت بصوت لا يكاد يسمع: - قصدك إيه يا مريم.

رفعت مريم كتفيها مشاكسة: - قصدى إيه؟! لا، ولا حاجة إشتغلى ياختى إشتغلى ربنا يوفقك
عادت إيمان بعد صلاة المغرب فوجدت الحديقة قد أعدت على أكمل وجه، بعض الزينة البسيطة والورود المنثورة حول طاولتين كبيرتين عليهما بعض أنواع الحلوى المختلفة وبعض المشروبات الملونة تحت المظلة الخارجية الكبيرة التي وضع عليها الأنوار الملونة فكان المنظر رغم بساطته إلا أنه بديع ويحمل معانى الدفىء التي افتقدتها منذ زمن.

إجتمعت العائلة الكبيرة في الحديقة حيث قال الحاج حسين: - لو كانت الحفلة دى بكرة كنت جبتلك الهدية اللى تستحقيها لكن ملحوقة إن شاء الله
وهنا قال عبد الرحمن بهدوء: - أنا بقى عندى لإيمان هدية هاتخليها تعيط
قال ايهاب بمزاح: - طب احتفظ بيها لنفسك
ضحك عبد الرحمن قائلا: - إستنى بس يا أخى
ثم توجه بالكلام لإيمان قائلاً: - قوليلى بقى عندك جواز سفر
أجابت إيمان بحيرة: - لا، ليه.

قال عبد الرحمن: - طب إلحقى بقى طلعيه بسرعة علشان تلحقى الفوج السياحى
قالت بحيرة أكبر: - فوج إيه؟!
قال بود: - ياستى الفوج اللى طالع بعد عشرين يوم، إيه مش عاوزه تعملى عمره ولا إيه
نظرت له بامتنان بالغ وقد برقت عينيها بدموع الفرح وكادت أن تبكى ولكنها قاومت دموعها بصعوبة وهي تقول:
جزاك الله خيرا يا عبد الرحمن بس مفيش داعى تكلف نفسك.

تدخل الحاج حسين قائلا: - تصدق والله فكرة يابنى أنا كمان بقالى فترة نفسى أطلع عمرة
ثم إلتفت إلى زوجته قائلا: - ها يا عفاف تيجى معانا
قالت بسرعة ولهفة: - إلا آجى طبعا هآجى
خلاص جهزى جواز السفر من بكرة يا إيمان
ثم أشار إلى إيهاب وقال: - وانت بقى تاخد أجازة وتلف معاها على حكاية جواز السفر دى. عاوزينه يطلع بسرعة علشان نلحق نسافر.

لم تستطيع إيمان أن تتمالك نفسها أكثر من هذا فانسابت دموعها على وجنتيها وهي تتمتم:
الحمد لله كان نفسى فيها من زمان...
فقبلتها أختها واحتضنتها وقالت: - ده عنده حق بقى لما قال هدية هتخاليها تعيط.

أقبل الجميع يهنىء إيمان في بهجة ومن وسطهم انسحبت مريم بهدوء إلى مكان بعيد نسبيا ووقفت تتأمل الأبواب الحديدية التي تحيط بالحديقة في صمت وحزن وهي تشعر أن هذه الأبواب القاسية بداخلها تحيط بقلبها وتعتصره في قسوة، تريد أن تتحرر، تريد أن تتقرب إلى الله مثل أختها لعلها تنال إحترام الجميع مثلها، ولكن هناك شىء يصدها دائما لا تعلمه.

شعرت أن أحدا يقترب من المكان التي تقف فيه فاستدارت مجفلة فوجدت يوسف يقف خلفها قائلا ببرود:
بابا بيسأل عليكى وقفة هنا لوحدك ليه
أشاحت بوجهها عنه وقالت: - حاضر جاية حالا...
مرت بجواره لتعود أدراجها ولكنه استوقفها بإشارة من يده وقال بهدوء: - هسألك سؤال وعاوز إجابة ب آه أو لاء، ممكن؟
قالت بضجر: - إتفضل
يوسف: - في حاجة بينك وبين وليد؟
نظرت له باستنكار وقالت: - لاء طبعا، وعلشان تتأكد وليد بيقابل سلمى صاحبتى.

وضع يديه في جيبه وركل حصى صغيرة أمامه بخفة وقال ساخرا: - ده دليل ميشرفكيش على فكرة، بالعكس
نظرت له بغضب وغيظ شديد ثم تركته ومضت في طريقها حيث الإجتماع العائلى المبهج تحت مظلة الحديقة.
مضت الأيام سريعًا وإيمان تستعد للسفر لأداء العمرة بصحبة الحاج حسين وزوجته عفاف.

وكانت المفاجأة أن عبد الرحمن أيضا سيذهب معهم لأداء العمرة فلقد كان يحتاج إلى مثل هذا الجو الروحانى ليخفف عنه ما يشعر به وليتقرب أكثر إلى الله بطاعة مثل هذه تخرجه من حالة الحزن الداخلى الذي يشعر به باستمرار ويخفيه بمزاحه ومداعباته دائما مع الجميع.

وبعد السفر بعدة أيام جاءت سلمى لزيارة مريم مرة أخرى ولكنها كانت على حريتها في المنزل أكثر من المرة السابقة فكانت تتحرك بحرية ولكن مريم لم تكن على طبيعتها معها فلقد بدأت تشعر بأن سلمى تسبب لها الكثير من الأذى دون أن تعلم وخصوصا نظرات الغضب التي تراها في عيون يوسف كلما رآها بصحبتها، كانت بداخلها تعلم أنه على حق ولكنها كانت تكابر دائما بعناد شديد.

وعندما حان وقت انصراف سلمى وقفت عند باب الشقة وصافحت مريم لتذهب فعرضت عليها مريم أن تهبط معها ولكنها أبت ذلك فتركتها مريم وشأنها فهى أصلا لم تكن مرحبة بوجودها معها هذه المرة.

إستقلت سلمى المصعد وبعد أن استقر وخرجت منه وجدت من يجذبها لداخل الشقة الموجودة بالدور الأرضى بجوار المصعد والتي يستخدمونها في تخزين الأشياء المهملة، إلتفتت لتجده وليد، حاولت أن تتملص منه بصوت هامس حتى لا يسمعها أحد وهي تنظر حولها وتقول:
بس يا وليد مينفعش كده سيبنى
ولكنه جذبها إلى الداخل وأغلق الباب بهدوء، وبعد ساعة كانت تعدل من مظهرها وتعيد شعرها إلى هيئته وتقول بدلال وهي تنظر إلى وليد:.

على فكرة بقى انت متوحش. دى طريقة برضة. إنت مبتسمعش عن التفاهم أبدا
قال وليد بخبث: - لا مبسمعش. وبعدين ما احنا متفاهمين أهو. ولا إيه؟
إنتهت من تعديل مظهرها وقالت له: - يالا بقى عاوزه أمشى
كادت أن تفتح باب الشقة ولكنه أوقفها قائلا: - إستنى هنا لما أشوف حد بره ولا لاء.

فتح الباب ببطء ونظر حوله بحذر فلم يجد أحد فأشار لها بالخروج وبمجرد خروجها كان يوسف عائد من الحديقة وفي طريقه إلى المصعد فتفاجأ بها تخرج مع وليد من الشقة وهي تهندم شعرها وهو يلمسها بطريقة معينة بمزاح خاص، بمجرد أن رأته احتقن وجهها وشحب وقالت في خوف:
يوسف.

لم يستطع يوسف أن يتحمل كل هذه القذارة التي رآها فلم يتمالك نفسه فصفعها على وجهها وطردها من المنزل فأسرعت تركض للخارج، تشاجر مع وليد وهدده أنه سيبلغ والده وعمه عن أفعاله هذه وأنه ينجس المنزل بتلك الأساليب الحقيرة، رأي وليد في عيون يوسف أنه سيوفى بتهديده فأراد أن يقطع عليه الطريق فتوجه له قائلا بتحذير:.

إنت لو قلت حاجة يبقى مش هتفضحنى أنا وبس، لا ده انت كمان هتفضح بنت عمك أمسكه يوسف من ملابسه بغضب قائلا:
تقصد إيه؟
نظر له وليد نظرة الواثق قائلا: - أقصد إن سلمى مش أول واحدة تدخل الشقة دى يا يوسف وخلينى ساكت أحسن.

ثم تابع بانفعال زائف: - يعنى انت تسكت أنا هدارى على صمعتها وأسكت لكن لو عملتلى فيها بطل ونضيف يبقى عليا وعلى أعدائى وهفضحها قدام العيلة كلها وانت عارف بقى أنا في الأول والآخر راجل ومفيش عليا لوم بالكتير هاخدلى كلمتين وخلاص...
ثم دفع يدى يوسف بحدة وتركه وصعد في سرعة إلى شقته، وقف يوسف غاضبا حائرا لا يدري ماذا يفعل؟ هل وليد صادق أم كاذب؟ ألم تخبره مريم أنه ليس بينهما أي علاقة!

ماذا يفعل! كاد أن يصعد إليها ويجذبها من شعرها ويسألها عن الحقيقة ولكن خاف من الفضيحة، ومن إيهاب.

قضى ليلته في الحديقة لم يذق طعم النوم وكلمات وليد تتردد في عقله، يريد أن يبرئ مريم بأي شكل ولكن المشاهد المخزية التي رآها فيها تتصرف بأسلوب لا يليق بفتاة محترمة تتوالى أمام عينيه تمنعه من ذلك، تغلي دماؤه في عروقه. غيرة على ابنة عمه، وفي نفس الوقت لا يستطيع أن يلتمس لها عذرا، كل الشواهد ضدها، من وجهة نظره!، لقد نجح وليد في زرع بذور الشك في أعماق قلبه، قطع أحبال أفكاره آذان الفجر يطرق مسامعه، فانتبه من جلسته ثم قام لأداء الصلاة لعله يرتاح مما يجيش به صدره، وبعد أن أدى الصلاة. خرج منها بقرار حاسم. قرر أن ينتظر والده حتى يعود من أداء العمرة ثم يخبره بما رآه وسمعه من وليد، نعم، لا يوجد حل آخر.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة