قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الخامس والعشرون

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الخامس والعشرون

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الخامس والعشرون

جلس الحاج حسين بجوار زوجته وهو يعاتبها: - ليه كده يا عفاف. أنا مش قلت محدش يفتح في القديم تانى
حاولت أن تسيطر على انفعالها وهي تقول: - يعنى أقف اتفرج عليها وهي بتهد بيوت عيالى يا حاج، لا والله ده لايمكن يمر بسهولة أبدا. كله إلا ولادى. أنا صبرت عليها كتير لكن توصل لخراب البيوت
تابع حسين حديثه معاتباً: - من أمتى يا عفاف وانتِ بترديلى كلمة.

قالت عفاف بلوم: - يا حاج انا سمعت كلامك كتير واتعاملت بالحسنى مع فاطمة. ياما كنت بتقولى معلش غيرانه خديها على قد عقلها لكن الغيرة توصل لكده ومع ولادك وتقولى مفتحش القديم.

نظر لها بحدة قائلا: - واستفدنا ايه بقى، كل اللى اتقال مش هايصلح حاجة وادينى اتصلت بإيهاب ومريم قالتلى مش عاوز يتكلم ونايم من ساعة ما رجعوا البيت. وايمان كمان شيطانها هيألها ان عبد الرحمن كان مصدق الكلام ده. وأنا كمان قلت نأجل زيارتهم لبكرة. أهو يكون عبد الرحمن رجع وتكون النفوس هديت شوية.
ثم التفت وكأنه تذكر شيئا وقال: - أومال يعنى مشوفتش يوسف من ساعة ما رجعت.

أنتبهت هي الأخرى وقالت: - والله ما اعرف راح فين، فجأة كده اختفى
قالت وقد بدا عليها القلق: - طب والفرح والناس اللى عزمناهم. دى شقة مريم خلاص خلصت وهدومها اترصت فيها هي ويوسف
قال في حسم: - كل كوم والفرح ده كوم تانى. الفرح هيتعمل في معاده مش هيتأجل يوم واحد
طرقت إيمان باب غرفة إيهاب وهي تقول: - إيهاب يالا علشان تتغدى
أتاها صوته الحزين: - ماليش نفس يا ايمان اتغدوا انتوا.

فتحت الباب ودخلت إليه فوجدته يجلس على طرف الفراش واضعا رأسه بين يديه، عندما شعر بها قال دون أن يرفع رأسه:
لو سمحتى يا ايمان سيبينى لوحدى دلوقتى.
جلست بجواره وربتت على كتفه وهي تنتزع ابتسامتها انتزاعا وقالت: - يا ايهاب انت قاعد لوحدك من امبارح. لازم تخرج من الحالة دى دلوقتى لازم نتكلم. يوسف عاوز يتكلم معاك كلمتين
رفع رأسه تجاه الباب فوجد يوسف يقف مستندًا إلى حافته وقال: - ممكن أدخل يا باشمهندس.

قال دون أن ينهض: - أتفضل يا يوسف
قال يوسف متفهما: - أنا حاسس بيك. بس الحكاية متتاخدش قفش كده. بطل الحمقة بتاعتك دى. ده انت مدتهاش فرصة تنطق.
قالت إيمان على الفور: - والله فرحة بتحبك أوى يا إيهاب
قال دون أن يتلفت اليها: - صدمتنى يا إيمان. آخر واحدة كان ممكن اتخيل انها تعمل كده. كنت فاكرها حافظانى وفاهمانى وأى حد هيجيب سيرتى في غيابى هتدافع عنى من غير حتى ما تسألنى.

حاولت أن تداويه وهي المجروحة وقالت: - متظلمهاش يا إيهاب. أى واحدة في مكانها هاتتلخبط ومتعرفش تفكر.

لم يأتيها منه ردًا فقالت بترجى: - أديها فرصة تدافع عن نفسها يا ايهاب. ده ربنا سبحانه وتعالى بعزته وجلاله مش هيدخلنا الجنة أو النار يوم القيامة إلا لما يخلينا نقرأ كتاب أعمالنا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا. حتى العبد المؤمن ربنا سبحانه وتعالى هايعاتبه زى ما الرسول عليه الصلاة والسلام قال اما العبد المؤمن يدنيه ربه فيضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول أتذكر ذنب كذا وكذا أتذكر ذنب كذا وكذا، قال: حتى إذا ظن أنه قد هلك قال: أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم: فيعطى كتاب حسناته بيمينه.

أومأ برأسه وقد هدأ قليلا وهو يقول: - عليه الصلاة والسلام. ربنا يبارك فيكى يا ايمان
أخترقت هذه الكلمات قلب وعقل يوسف الذي كان جالسا في شرود ويستمع لها وهي تتحدث
انا كمان مدتش فرصة لمريم انها تدافع عن نفسها. كنت القاضى والجلاد من غير ما اسمع دفاعها. كنت بسمع عنها أسوء شىء في الدنيا وفي نفس الوقت ماكنتش بديها فرصه تتكلم. أزاى احكم من غير ما اسمع من الطرفين ده انا كده ابقى سفيه واستاهل كل اللى جرالى.

أنتبه الجميع على صوت رنين باب المنزل ارتدت مريم أسدال الصلاة وخرجت من غرفتها التي دخلتها بمجرد أن علمت أن يوسف بالخارج، فتحت الباب وسمعها الجميع وهي تهتف بدهشة:
ماما!
خرجت إيمان وتبعها إيهاب ثم يوسف ليجدوا والدتهم تقف على باب المنزل ويظهر عليها القلق والإضطراب وهي تخطو داخل المنزل وتتجه لتعانق أولادها، قال ايهاب وهو يشير إلى يوسف:
يوسف ابن عمى يا ماما
ثم التفت إليها بتسائل: - هو حضرتك جيتى أمتى.

قالت وبصرها معلق بمريم: - لسه واصله
وقالت موجهة حديثها لمريم: - خدت أول طيارة نازلة مصر بعد مكالمتك امبارح
قال يوسف بارتباك: - طيب استأذن انا بقى
خرج يوسف وجلست أحلام بين أولادها الثلاثة، نظر ايهاب إلى مريم قائلا بحنق: - طبعا كلمتيها وحكتلها التفاصيل
قالت أحلام بغضب: - لا مكالمتنيش يا باشمهندس. أنا اللى كلمتها ومعرفتش تفاصيل ولا زفت وبعدين يعنى هي جريمة انها تكلم أمها.

نهض بعصبية قائلا: - لا مش جريمة. لكن الجريمة اننا نقعد نتجسس على ناس ونخطط علشان في الآخر ناخد فلوس مش من حقنا أصلا
وقفت أمامه وقالت بغضب: - أتكلم مع أمك كويس يا ولد. أنت نسيت نفسك ولا أيه. وبعدين مين قال أن الفلوس دى مش من حقكم أوعى تكونوا صدقتوهم ونسيتوا كلامى
قالت إيمان بمرارة: - لا يا ماما أحنا مصدقانهمش أحنا صدقنا الورق اللى شفناه بعنينا.

قالت في تهكم: - وايه يعنى. هما يعنى هيطلعوا الورق الحقيقى أكيد ورق مزور
وقفت إيمان ونظرت في عينيها وقالت: - وأعلان الوراثة كمان مزور. والورق اللى بابا مضاه بخط أيده على أنه استلم ميراثه كله يا ماما، كل ده مزور، مفيش داعى للكلام ده يا ماما، أنا اتأكدت من كل حاجة بنفسى. ظهر الإضطراب والتوتر على ملامح أحلام، تابع ايهاب بحنق:.

طبعا حضرتك مكنتيش متخيلة أنهم هيورونا الورق ده أبدا. مش عارف ليه. يمكن علشان مكنتيش متخيلة أن حد فينا يسأل عن الحقيقة. علشان زرعتى جوانا الخوف منهم من واحنا صغيرين، أفتكرتى أن محدش فينا هتجيله الجرأة ويروح يسأل ويدور ويطلع المستخبى. مش كده
نظرت له أحلام بارتباك وقالت: - وقالولكوا أيه كمان عنى
قالت ايمان بخفوت: - الشهادة لله محدش جرح سيرتك قدامنا أبدا.

تنهدت بارتياح ثم قالت بغطرسة: - ومحدش أصلا يقدر يجيب سيرتى بحاجة
وبدون مقدمات توجه إيهاب لباب المنزل وفتحه وهو يقول بضيق: - أنا خارج شوية
جلست أحلام بين مريم وايمان وقالت لمريم: - أنا عاوزه افهم أيه الكلام اللى قلتيهولى في التليفون ده
زاغت نظرات مريم بين والدتها وأختها ففهمت أحلام أنها لا تريد أن تتحدث في وجود ايمان.

ألتفتت إلى إيمان وهي تربت على يدها وهي تقول: - بغض النظر عن مقابلتك الباردة دى. لكن وحشنى طبيخك هتأكلينى ولا ايه
أبتسمت إيمان أبتسامة باردة ونهضت وهي تقول: - أنا أصلا كنت بخلص في الأكل قبل ما يوسف يجى. عن أذنكم
وذهبت للمطبخ. تناولت أحلام يد مريم وقالت: - تعالى نقعد في أوضتك...

دخلت وأغلقت الباب واستدارت لمريم بجسدها كله وقالت بحسم: - فهمينى معنى الكلام اللى سمعته في التليفون ده. يعنى أيه يوسف وافق يستر عليكى. أنتِ أيه اللى حصلك بالظبط. عمل فيكى أيه ابن حسين
جلست على طرف الفراش وهي تبكى وقالت بصوت متقطع: - مش هو اللى عمل يا ماما. أنتِ اللى عملتى
نظرت لها بحدة وقالت: - بتقولى أيه يا مريم.

مريم: - بقولك الحقيقة يا ماما. أنتِ معلمتنيش ازاى احافظ على نفسى فكان من السهل أى حد ينهشنى. من صغرى وانتِ بتجبيلى لبس مكشوف لما بقى كشف جسمى شىء عادى.

كنت بالبس قدامك عريان وضيق وكنتِ بتسبينى اخرج كده من البيت. مكنتيش بتخافى على لحمى للناس تنهشه بعنيها. كل ما كان إيهاب يضايق ويتكلم تقوليلوا دى لسه صغيرة خليها تتمتع بسنها خليها تلبس وتخرج خليتنى معرفش أفرق بين الحرام والعيب. طول ما لبسى في بنات تانية بتلبسه يبقى عادى. وكل ما إيمان تقولك اللبس ده حرام تقوليلها ما أصحابها بيلبسوا كده ولا عاوزاها تبقى نشاز وسط أصحابها. كنت باحكيلك على صحابى الولاد في المدرسة وكنتِ بتضحكى وتتبسطى ان بنتك كبرت وبقى ليها اصحاب ولاد وكنتِ بتكبريها في دماغى وتقوليلى وماله بس حافظى على نفسك. هو في حد عاقل يقول نحط وردة في وسط كوم زبالة وتفضل الوردة محتفظة بريحتها الجميلة. طب ازاى، طب احافظ على نفسى ازاى وسط كل ده. أحافظ على نفسى بأنهى مقياس. بمقياس العيب اللى خلانى أقلد اصحابى واقول لو كان عيب مكنش كل البنات دى عملته. ولا بمقياس الحرام اللى لو كنت مشيت وراه زى ايمان كان زمانى محترمة...

أنهارت أحلام على المقعد وهي تقول: - أنا كنت بحبك وعاوزاكى تبقى مبسوطة وزيك زى اصحابك
قالت مريم بأنفاس متلاحقة من كثرة بكائها: - لو كنتِ بتحبينى كنتِ سترتى جسمى ولو غصب عنى. كنتِ خفتى عليا اموت وانا كده وادخل قبرى اتحاسب. كنتِ منعتينى أكلم ولاد وعلمتينى ان ده حرام. كنتِ علمتينى ازاى أنقى اصحابى وعرفتينى أن مفيش حاجة اسمها ابقى كويسة وصاحبتى وحشة وماليش دعوة، وادى النتيجة سمعتى اتشوهت ولحمى اتنهش.

أمسكت أحلام ذراعها بقوة وأوقفتها أمامها وهي تحاول خفض صوتها: - قوليلى مين اللى عمل فيكى كده. يوسف ولا مين
هزت رأسها نفيا وقالت: - يوسف معملش حاجة. يوسف هو اللى ستر عليا ووافق يتجوزنى.

ونظرت لها بتهكم قائلة: - شفتى بقى الناس اللى كنتِ بعتانى انتقم منهم وألعب على ابنهم وقلتى عليهم انهم سرقوا ابويا وخدوا ميراثنا. هما دلوقتى اللى ستروا بنتك. وعمى ضغط على يوسف لحد ما وافق انه يتجوزنى وماعرفش أى حد أى حاجة ولا حتى اخواتى. مفيش غيرى أنا وهو ويوسف بس. حتى مراته طنط عفاف مقلهاش حاجة وسترنى وستر سيرتى عن كل الناس.

قالت أحلام بذهول: - أنتِ بتقولى أيه؟ واللى عمل كده متجوزكيش ليه وراح فين فهمينى
قالت مريم بسخرية لازعة: - هو اللى عاوز الحلال بيروح للحرام برضة يا ماما ولا حتى بيفضل لحد ما حد يجيبه يصلح غلطته. طبعا بيختفى ومحدش بيعرفله طريق، مش ده المهم. المهم انك تعرفى عمى حسين وقف جنبى ازاى هو وابنه علشان تعيشى بقية عمرك تشكريهم وتحمدى ربنا انه رزقنا بناس زى دول يستروا عرضنا.

بكت أحلام لأول مرة بحياتها بمرارة شديدة وهي تتذكر ماكانت تنوى فعله وما كانت تخطط له لتأخذ مال ليس من حقها، وفي نفس الوقت يستر هو ابنتها بكل شهامة ورجولة ويخفى الامر عن الجميع ويضغط على ولده ليتزوجها. ظلت تبكى وتبكى بمرارة حتى دخلت عليهم إيمان التي وقفت تنظر إليهما بتساؤل وقالت:
بتعيطى كده ليه يا ماما
قالت أحلام بضعف: - مفيش يابنتى، مفيش.

والتفتت إليها قائلة: - أحكيلى ومتخافيش أخوكى عاوز يطلق مراته ليه
نظرت إيمان إلى مريم التي كانت تنظر إلى امها ودموعها تنهمر في صمت شديد ثم أعادت النظر إلى والدتها وهي تقول:
هي مريم محكتلكيش حاجة
ربتت أحلام على ظهرها وهي تقول: - يابنتى قلتلك قوليلى ومتقلقيش مني. أنا خلاص مبقاش مني قلق. مش عاوزه حاجة من الدنيا غير سعادتكوا وستركوا وبس.

أختلت أحلام بنفسها في غرفة إيهاب وهي تبكى على حالها وماوصلت إليه مريم بسبب سوء تربيتها وبسبب أهمالها لهم جميعا، لماذا ظلت تلك السنين العجاف تكذب وتنمى فيهم كره أعمامهم بالباطل وهي تعلم أن كلامها غير صحيح، هل هو داعى الأنتقام الذي كان يسيطر عليها أم هو غبائها الذي أوقف عقلها في لحظة من اللحظات وصدقت كلام فاطمة وهربت بالأولاد.

عادت بذاكرتها سنوات طويلة وتذكرت لحظة دخول فاطمة عليها هي وعفاف ويظهر على وجههما علامات الفزع الذي كان مسيطر بشكل أكبر على وجه عفاف التي أخبرتها بأن فاطمة سمعت حوارا بين إبراهيم وحسين وعاملين عندهما في المصنع يخبروهما بأنهما يعلما أن علاقاتها بعصام قائمة من قبل أن يتوفى زوجها علي بسنوات.

وأنه كان يراه بصفة مستمرة يصعد شقتها في وقت غياب زوجها ولا ينزل إلا بعد ساعات وانه كان عندها بالأمس وغادر بعد حلول الظلام، وأكدت فاطمة على أن حسين وإبراهيم صدقا العاملين وبدءا يتشاوران بأمر الأولاد هل هم أولاد علي أم لا. وقالت فاطمة برعب عندنا في الصعيد اللى بيشكوا فيها بيقتلوها هي وولادها ومحدش بيعرفلهم طريق ومتنسيش ان علي كان بيشك فيكى في حياته وكان بيقول كده لحسين علشان كده كان سهل ان حسين وابراهيم يصدقوا العمال دول.

تذكرت وجه عفاف الذي كان يحمل كل معانى الخوف والذعر على زوجها وهي تقول انا مش عاوزه جوزى يروح في داهية. انا ماليش غيره في الدنيا. أرجوكى يا أحلام خدى الفلوس دى واختفى شوية زى ما فاطمة اقترحت لحد بس ما براءتك تبان وبعدين ابقى ارجعى هنا تانى.

لو لم تكن فاطمة أعطتها أمارة بأن عصام كان عندها بالأمس فلم تكن لتصدق، ولكنه بالفعل كان عندها بالأمس وغادر بعد حلول الظلام، معنى هذا انها مراقبة، ولكن هي بريئة، لم تكن هذه العلاقة قائمة قبل وفاة زوجها، كان مجرد شك من زوجها فقط، ربما كانت هي التي زرعت الشك بتصرفاتها لتجعله متعلق بها دائما ولتشعل نار غيرته بشكل دائم، كانت تظن انه بذلك سيظل يحبها وسيظل بقربها ولكنها لم تخنه أبدا، تعرفت على عصام قبل وفاة علي، ولكن كانت علاقتهما عادية، نعم هو صارحها بحبه ولكنها كانت تصده بطريقتها التي تجعله يتشبث بالأمر اكثر، نعم لو كانت بريئة مائة بالمائة لكانت دافعت عن نفسها بكل ما تأتى لها من أدلة فهى بطبيعتها ليست ضعيفة ولا مستكينة، ولكنها هي نفسها تشك ببراءتها الكاملة، فكيف هم سيصدقونها.

وفى الحال جمعت ما لديها من متاع وأموال وهربت مع عصام الذي أخبرته الأمر في عجالة وخاف هو ايضا على حياته وهرب معها، قالت أمام البواب بصوت مسموع اطلع على المطار يا اسطى وحجز لها عصام التذاكر على بلد لم يفكرا بالذهاب إليها أبدا في يوم من الأيام وكان كل هذا تدبير الخوف لا تدبيرهم هم.

أستفاقت من ذكرياتها وهي تضرب الفراش بقبضتها وتقول: - لو كنت سليمة ساعتها وواثقة من تصرفاتى ومن أنى ست محترمة بجد مكنتش صدقتها بغبائى.
كانت واجمة وهي تقول: - مكفاكيش يا فاطمة اللى عملتيه. كمان جاية تخربى بيت ولادى، لا ده انتِ حسابك تقل اوى.

لم تكن تعلم مريم لماذا برأت يوسف، ولكن ما علمته هو أنها أرادت أن تلقن أمها درسا قاسيًا يجعلها تعيد التفكير في حياتها ككل لعلها تفيق مما هي فيه، لعلها تصلح نفسها وقد تخطت الخمسين من عمرها وبدأ الشيب يتسلل إلى خصلات شعرها ويزحف إليه ببطء.

ولكن الدرس لم يكن لأحلام وحدها لقد لقنت نفسها أيضا دون أن تقصد نفس الدرس، نعم لم يكن يوسف هو المخطئ وحده، هي أيضا تتحمل معه الوزر والذنب بل هي صاحبة الذنب الأكبر لآنها هي من دفعته ليشك بها وهي من أعطته انطباع سيئ عن سلوكياتها.

هى التي دفعته دفعا إليها واتخذت نفس سبيل والدتها التي اتخذته منذ سنوات، لجأت إلى أشعال الغيرة في قلبه وحرثت قلبه بعناية وبذرت فيه بذور الشك وروتها بطريقتها الخاصة حتى نبتت فكانت هي أول من أكلت حصاده المُر.

وفى المساء وبعد صلاة العشاء بقليل طرق حسين بابهم وبصحبته أبناؤه جميعا عبد الرحمن. يوسف و فرحة ، لم يكن إيهاب قد عاد من الخارج بعد، أستقبلتهم إيمان ومريم، وكاد عبد الرحمن أن يعانق زوجته ولكنه تماسك أمام أبيه وأخوته وصافحها بحرارة ولكنه لم يستطع أن يترك يدها طواعية ولكنها سحبت يدها بهدوء وأقبلت على فرحة وعمها، خرجت أحلام إليهم، وقف حسين وهو ينظر إليها وكأنه قد عادت به السنوات في لحظة واحدة وكأن تلك اللحظات لم يمر عليها سوى شهور قليلة، قطعت هي صمته قائلة بترحاب:.

اهلا وسهلا يا حاج نورت.
أومأ برأسه في وقار: - اهلا وسهلا. حمد لله على السلامة
أشارت لهم وهي تقول: - أتفضلوا يا جماعة البيت بيتكم
لم يتحدث حسين معها كثيرًا ولكنه شعر بتغير قد طرأ عليها، نظرتها بها الكثير من الأمتنان،
هذه ليست أحلام المتجبرة، وكأنها قد كسرت غطرستها فجأة، هل هو تقدم العمر أم شيئا آخر!

لم يكن عبد الرحمن يجلس بينهم بل كان يغوص في عيون زوجته وكأنه يتحدث معها بلغة العيون وهنا قالت فرحة بلهفة:
اومال فين ايهاب؟
قالت إيمان وهي تحاول تحاشي نظرات زوجها: - خرج ولسه مرجعش
نهضت فرحة وقالت لمريم: - عاوزاكى شوية يا مريم وهمست لها: - ممكن تودينى أوضة ايهاب
أومأت لها مريم موافقة وأخذتها وأدخلتها غرفته، طلبت منها فرحة أن تتركها في غرفته قليلا وحدها وأغلقت الباب خلفها.

تحدث الحاج حسين إلى أحلام قائلا: - أخبارك ايه يا أم ايهاب؟
أحلام: - الحمد لله يا حاج أحنا كويسين طول ما انتوا كويسين
ثم نظرت إلى يوسف وقالت بانكسار وكانها ترجوه: - إن شاء الله الفرح في معاده؟
قال يوسف بحسم: - إن شاء الله في معاده
نهضت إيمان وهي تقول: - ثوانى هعمل الشاى يا عمى
وتوجهت إلى المطبخ تبعتها نظرات عبد الرحمن وتحرك في مكانه في لهفة ولكنه لم يقم بعد، لاحظت أحلام ذلك فقالت له بأبتسامة:.

أدخل لمراتك يابنى
نهض مسرعًا خلفها متوجهاً نحو المطبخ، فجأة شعرت إيمان بيد تطوقها من الخلف وقبلة تطبع على شعرها، حاولت أن تستدير فساعدها على مواجهته وقال وهو ينظر في عينيها:
وحشتينى. كده برضة تسيبى بيتك من غير ما تقوليلى
تراجعت خطوة للخلف وهي تقول بخجل: - مكنش ينفع أسيب ايهاب لوحده
أقترب منها مرة أخرى قائلا: - يعنى ينفع تسبينى انا.

أبتعدت مرة أخرى وهي تقول بعتاب: - وبعدين يا عبد الرحمن. ممكن مريم أو ماما يدخلوا فجأة
نظر في عينيها في تمعن قائلا: - لا الحكاية مش كده. أنتِ اللى مش عاوزانى أقرب منك. طب انا عملت أيه مزعلك مني قوليلى
شعرت إيمان بالإحراج من أن تتحدث في الموضوع مرة أخرى فقالت: - صدقنى مفيش حاجة. أنا بس مش هينفع أسيب اخواتى لوحدهم
قال عبد الرحمن بضيق: - يعنى مش هترجعى معايا إلا بيهم.

أومأت برأسها قائلة: - متزعلش بس كمان ماما لسه واصلة النهاردة مينفعش أمشى واسيبها
أطرق برأسه وقال بحنق: - براحتك يا ايمان
تملكت الدهشة من يوسف عندما سمع مريم تناديه وتقول له بارتباك: - لو سمحت يا يوسف عاوزاك لحظة
خرج إليها ووقف أمامها متسائلا، فقالت في خفوت وبملامح هادئة: - أنا بعفيك من جوازك مني.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة