قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الحادي والثلاثون

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الحادي والثلاثون

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الحادي والثلاثون

حمد لله على سلامتك يا بنتى، ده انا اتخضيت أوى لما يوسف كلمنى وقالى أنك أغمى عليكى
جففت مريم دموعها وهو مازال يضمها إلى صدره بحنان وقالت بخفوت: - ربنا يخاليك ليا يا عمى متقلقش عليا. الدكتورة قالتلى ان يمكن اكون أكلت حاجة ملوثة و الحمد لله أنى رجعتها بسرعة
مسح حسين على رأسها قائلا: - الحمد لله يابنتى. يالا اركبى علشان اوديكى البيت وارجع آخد عفاف والولاد من الفرح شكلك تعبانة.

تدخل يوسف قائلا: - أرجعلهم حضرتك يا بابا علشان محدش يقلق. وانا هوصلها
نظر لها حسين وكان يتوقع أن ترفض ولكنها قالت: - خلاص ياعمى يوسف هيوصلنى
أبتسم وضمها للمرة الأخيرة وهو يربت على ظهرها قائلا: - طيب يابنتى الحمد لله انى اطمنت عليكى. يالا مع السلامة. في رعاية الله.

أنتظرها يوسف حتى استقلت السيارة بجواره وانطلق بها عائدًا إلى البيت، كان يخطف النظرات إليها بين الحين والآخر، كانت تبدو مختلفة عن كل مره رآها فيها، نعم مازالت شاردة واجمة وكأنها في دنيا أخرى ولكنها مختلفة، لم يستطع أن يقاوم فضوله الذي ألح عليه بشدة ليتحدث إليها:
مريم
ألتفتت إليه وكأنه قد انتشلها من بئر عميق دفعة واحدة وقالت: - ها. قلت حاجة؟

قال مسرعاً قبل أن تهرب منه شجاعته: - الدكتورة كانت قلقانة مني وطلعتنى بره علشان تكشف عليكى. مقالتلكيش حاجة. بعد ما فوقتك
ألتفتت مرة أخرى تنظر أمامها وقالت بإقتضاب: - سألتنى تقربلى أيه
قال وهو يخطف النظرات السريعة إليها: - وقلتلها أيه
نظرت أمامها ولم ترد فشعر بسخافة سؤاله، صمت مرة أخرى، طال الصمت بينهما كثيرًا، حاول الحديث مرة أخرى قائلا:
أقولك على حاجة حصلت امبارح ومحدش يعرفها لغاية دلوقتى.

أنتبهت لحديثه مرة أخرى وقالت: - حاجة أيه؟
ظهر شبح ابتسامة على شفتيه وهو يقول: - البت اللى اسمها سلمى لبست قضية تسهيل دعارة
أتسعت عيناها وشهقت وهي تضع يدها على فمها وأخذت تتمتم: - لا حول ولا قوة الا بالله
ثم نظرت إليه بدهشة قائلة: - وانت عرفت ازاى؟
أتسعت ابتسامتة وهو يقول: - ماهو انا اللى عملت الواجب ده معاها.

لم تكد تصدق ما تسمع وهي تنظر إليه بحيرة، قطبت جبينها وقالت بضيق: - وانت عرفت ازاى حاجة زى كده علشان تبلغ عنها أصلا.

شرد وهو يقول ببغض: - زى ما وليد عارف مداخلى وطريقة تفكيرى وعرف ازاى يقنعنى بكل اللى كان عاوزه. أنا كمان عارف مداخله كويس أوى. علشان كده عرفت اوصله بسهولة واعرف هو راح فين بعد ما ابوه طرده. وساعتها كان سهل عليا اعرف انه عايش مع سلمى في شقة مأجرها. فضلت وراهم لحد ما عرفت انهم بيشغلوا الشقة دى في أعمال منافية للأداب. وفرصتى جات لحد عندى علشان أوفى بوعدى ليكى واخدلك حقك.

كانت تنظر أمامها بذهول وهي تستمع إليه وقالت ببطء: - يعنى وليد كمان اتقبض عليه
مط شفتيه وقال بحنق: - مع الأسف نفد منها. الشقة طلعت متأجرة باسم سلمى وهي اللى لبست الليلة كلها
أسندت رأسها إلى زجاج النافذة وأخذت تنظر إلى الطريق من خلاله في حسرة وهي تشعر بالحزن لأجلها، نعم هي ظلمتها وساعدت فيما حدث لها ولكن. ليس من السهل أبدًا أن لا تشعر بالشفقة عليها. أغمضت عينيها وهي تستغفر وتهمس بخفوت:.

للدرجة دى. توصل بيهم لكده
تمتم قائلا وكانه لم يسمعها: - بس مش هيفلت مني برضة
قالت دون أن تفتح عينيها: - سيبه لربنا، ربنا هو المنتقم الجبار
كاد أن يتكلم ولكن رنين الهاتف قاطعه، نظر سريعًا إلى شاشة هاتفه قائلا: - ده بابا، لو سمحتى ردى يا مريم.
نظرت إليه فقال: - معلش نسيت السماعة في البيت.

تناولت الهاتف وأجابته: - السلام عليكم. أيوا يا عمى. لا أحنا لسه في الطريق. أنتوا لسه طالعين دلوقتى؟ لاء أحنا قربنا نوصل. اه الحمد لله بخير. ماشى يا عمى مع السلامة
وضعت الهاتف مكانة مرة أخرى فقال: - هما طلعوا من الفندق
أومأت برأسها قائلة: - أيوا. عمى بيقولى راح خدهم ومشى على طول وجايين ورانا
أبتسم بحزن قائلا: - طبعا هو بيتصل علشان يطمنك انه جاى ورانا ومش هتروحى معايا البيت لوحدك.

نظرت له ببرود ولم تجبه فتابع حديثه بسخرية حزينة قائلا: - أبويا خايف عليكى مني
قالت بجفاء: - لو سمحت متكلمش في الموضوع ده تانى
صمتت لثوانى ثم قالت وهي ترفع أحدى حاجبيها بتفكير: - لا. ولا اقولك. أتكلم
نظر إليها متعجبا فتابعت ببرود وجرأة: - أحكيلى عملت فيا أيه بعد ما أغمى عليا يوم الحادثة.

ضغط مكابح السيارة حتى كادت أن ترتطم بزجاجها الأمامى لولا حزام الأمان التي كانت تلفه حولها، بمجرد أن توقفت السيارة بعنف حتى استدار إليها في غضب:
أنتِ ليه بتحاولى تستفزينى وتخرجينى من شعورى كل شوية. ليه كل ما احس ان ربنا قبل توبتى تفكرينى بذنبى تانى.

ثم عاد لجلسته الأولى وهدأ قليلاً ثم انطلق بالسيارة مرة أخرى، ظلا في صمت مطبق إلى أن وصلا إلى المنزل، دخل يوسف بالسيارة في هدوء وهو ينظر يمنة ويسرة و يقول:
هو نور الجراج مطفى ليه
شعرت مريم بخوف يدب في أوصالها ويقشعر له بدنها وهي تتذكر يوم الحادثة والظلام الذي كان يحيط بها فقالت في فزع:
مش عارفة
شعر يوسف بها وبصوتها المرتجف خوفًا فحاول طمئنتها قائلاً: - خليكى في العربية لحد ما انزل اشوف في أيه.

تشبثت بذراعه قائلة: - لا متسبنيش لوحدى
فى هذه اللحظة لعن يوسف الظلام لعنات طوال، فلولاه لكان ينظر الآن لعينيها ليرى هذا الشعور الذي تمنى أن يراه فيهما كثيرًا، شعورها بالأمان بجواره، ربت على يدها بحنان قائلا:
متخافيش.
قالت على الفور: - لاء ارجع بالعربية نستناهم. زمانهم جايين.

ضغط على يدها برفق وقال: - طيب تعالى أدخلك من باب الجنينة اللى قدام وابقى ارجع انا اشوف ايه اللى قاطع النور في الجراج واركن العربية واحصلك
تشبث به مرة أخرى وهي تقول بتوتر: - لا. هتسيبنى لوحدى وتروح لوحدك مينفعش
خفق قلبه بشدة للمستها وقال بهدوء: - يعنى يرضيكى يرجعوا يلاقونى واقف مستنيهم علشان النور بايظ. هيبقى شكلى وحش أوى
أضطربت كثيرًا وترددت وهي تقول: - خلاص هاجى معاك.

كان يتمنى أن تتطول هذه اللحظة أكثر من هذا ولكنه أحب طمئنتها أكثر من حبه لبقائه معها فقال بخفوت:
طيب خلاص اطمنى عموما كلهم طالعين بعربياتهم يعنى الجراج فاضى. هنور كشافات العربيه لحد ما اركن وبعدين انزل اشوف سكينة الكهربا
قالت وهي تبتلع ريقها الجاف: - طيب
زحف بالسيارة قليلا داخل الجراج إلى أن وضعها جانبا ثم ترجل من السيارة وماهى إلا ثوان حتى سمعت مريم صيحة مكتومة لا تحمل سوى الألم:
آآآآآآآه.

أرتدعت بقوة وهي تصرخ: - يوسف
لم تلقى جوابا وهي ترى على ضوء السيارة ظلاً يركد خارج الجراج ويعدو نحو الباب الذي يفصل الحديقة الداخلية عن باب المرآب، ظلت تصرخ باسمه:
يوسف. يوسف رد عليا.

لم تستطع أن تنتظر أكثر من هذا، خوفها عليه غلب فزعها من الظلام، ترجلت من السيارة ببطء شديد وتعلو شهقاتها من شدة البكاء خوفا وفزعا وترقبا وعندما دارت حول السيارة سمعت صوت تأوهاته المكتومة، رأته يزحف بجوار السيارة في اتجاهها وخيل لها أن قميصه قد تلطخ بالدماء، أقتربت منه وجلست إلى الأرض بجواره وهي تهتف بلوعة:
يوسف. مالك؟
تمتم بأنفاس متقطعة: - أنتِ كويسة؟

حاولت أن تساعده على النهوض ولكنها لم تستطع، وفجأة أقتربت أضواء كثيرة في طريقها للدخول إلى الجراج، وقفت تنظر إلى السيارات القادمة فتبين لها انها سيارات أخوتها وعمها، فأخرجت كل ما في صدرها من خوف وفزع كانت تكتمه في صرخاتها وهي تصيح بهم:
ألحقونا، ألحقونا.

توقفت السيارات وترجل منها الجميع في فزع باتجاه الصوت، أول من وصلا إليها كان إيهاب وعبد الرحمن، صرخت عفاف وهي تسرع باتجاه يوسف المسجى على الأرض مدرج في دماءه وبجواره مريم تسند رأسه على ركبتيها، صاحت بها:
مين عمل فيه كده يا مريم...
أسرع عبد الرحمن بالأتصال بسيارات الأسعاف بين صرخات وشهقات النساء، وإيهاب يهتف به:
مش هينفع نستنى لما الأسعاف تيجى تعال شيله معايا نوديه أقرب مستشفى.

وماهى إلا ثوان وسمع الجميع صوت ارتطام شديد اهتزت له الأرض التي يقفون عليها وكأن المنزل انهار بأكمله أو ضربه زلزال شديد، وبعد ساعة كانت سيارات النجدة والأسعاف تحيط بمنزل آل جاسر.

وقف الجميع في الممر المؤدى إلى غرفة العمليات التي يرقد يوسف داخلها، أختلطت مشاعرهم بين الحيرة والتسائل والفزع والخوف والألم والحزن، تحركت إيمان باتجاه عفاف التي كانت تبكى بين ذراعى زوجها وتتمتم بالدعاء وقالت هي تربط على ظهرها:
أنتِ مكانك مش هنا دلوقتى يا طنط. تعالى نروح نصلى وندعيله لحد ما الدكتور يخرج يطمنا.

نظر حسين إلى إيمان ثم نظر إلى عفاف وقال وهو يجفف دموعه: - أسمعى كلامها يا عفاف. روحى صلى وادعيله احسن من وقفتك هنا مية مرة ولما الدكتور يخرج هاجى اندهلك على طول
أومأت برأسها وقالت وهي تبتعد عنه وهي تبكى: - أول ما يخرج تعالى على طول
حاضر
ذهب عبد الرحمن إلى والده قائلا: - بابا تعالى اقعد شوية انت واقف على رجلك من بدرى
أستند حسين إلى ذراعه قائلا: - أرتاح ازاى بس مش لما نطمن على اخوك.

قبض عبد الرحمن قبضته في غضب وعينيه تحدق بالفراغ قائلا: - أنا غلطان اللى سمعت كلام ماما وإيمان وسيبته. كان المفروض اعلمه الأدب. وادى النتيجة. يضرب اخويا بسكينة في الضلمة، الجبان
شد حسين على ذراعه وقال: - أمسك نفسك يا عبد الرحمن. أهو ربنا اداله جزاءه. في ساعتها
ثم انتبه متسائلا: - عمك لسه ما اتصلش؟

حرك عبد الرحمن نفيا قائلا: - آخر مره كلمنى كان من ساعة ولسه واقفين قدام العمليات. ربنا ياخده ونرتاح من شره
قال حسين على الفور بضعف: - متدعيش عليه يا عبد الرحمن. ده عمك ممكن يروح فيها. روح يالا شوف اختك. جوزها مش عارف يسكتها.
وقبل أن يذهب عبد الرحمن ألتفت إليه قائلا بانتباه: - فين مريم؟
تلفت حسين حوله وقال: - كانت هنا من شوية. روح انت حاول تهدى اختك وانا هادور عليها.

كانت تجلس على الأرض بجوار غرفة العمليات وهي ضامة ساقيها إلى صدرها وتستند رأسها إلى الحائط للخلف وقلبها يتمزق لوعة عليه، تسكب دمعها وهي تتمتم بتضرع إلى الله سبحانه وتعالى في خفوت:
يارب نجيه. يارب انا مسمحاه على أى حاجة يارب نجيه يارب، يارب علشان خاطرى
أقترب حسين منها ووضع يده على كتفها قائلا: - قومى يا مريم قومى يابنتى.
رفعت راسها إليه وهي تقول ببكاء متقطع: - يوسف يا عمى. يوسف هيضيع.

أنهمرت دمعة كانت حبيسة عينيه وأطلقتها كلمات مريم، أمسك كتفيها وساعدها على النهوض واقفة، ضمها إليه وهو يمسح على رأسها بوهن:
أدعيله يابنتى. أدعيله ربنا ينجيه
قالت وهي تسكب العبرات في صدره: - والله العظيم بدعيله من كل قلبى
رفع رأسها إليه ونظر إليها بضعف ورجاء قائلا: - سامحيه يا مريم سامحيه علشان ربنا يسامحه
قالت في خفوت: - أسامحه على أيه يا عمى. يوسف معمليش حاجة.

قال في أسى: - انا قصدى على الحادثة يابنتى...
ثم تركها واستند إلى الجدار بكفه وأطرق برأسه بحزن قائلا: - أنا عارف ان اللى عمله صعب تسامحيه عليه. وعارف انك عمرك ما هتنسى أبدًا. لكن ده دلوقتى بين إيدين ربنا ومحدش عارف هايطلع منها ولا لاء
تقدمت منه ووضعت كفها على كتفه قائلة: - أرفع راسك يا عمى متعملش كده في نفسك. مفيش حادثة من الأساس يا عمى. يوسف ملمسنيش.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة