قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الثاني والثلاثون والأخير

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الثاني والثلاثون والأخير

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الثاني والثلاثون والأخير

لتف الجميع حول فراش يوسف في غرفته بداخل المشفى وهم يستمعون إلى الطبيب الذي يتكلم بابتسامة مطمئنة:
الحمد لله. الجرح مكنش عميق بدرجة خطيرة. مش محتاجين العناية المركزة
فتح يوسف عينيه بضعف، كانت الصورة مشوشة أمامه غير واضحة المعالم بعد وبعد دقائق استطاع الكلام بوهن فقال وكأنه يهزى:
مريم. أنتِ هنا؟
أقتربت منه وربتت على كفه بهدوء قائلة بخفوت: - حمد لله على السلامة.

حاول أن يستوضح ملامحها بصعوبة وأعاد سؤاله مرة أخرى: - حصلك حاجة؟
قالت بصوت مبحوح: - الحمد لله انا كويسة. المهم انت
أبتسم بضعف وهو يغمض عينيه بألم فأقبلت والدته في لهفة وهي تقبل رأسه وتقول: - ألف حمد لله على سلامتك يابنى. أنا مش عارفة ده كان مستخبلنا فين
بدأت الصورة تتضح أمام عينيه وهو ينظر لوالدته وقال بضعف يحاول أن يداعبها: - كان مستخبلنا في الجراج.

قالت فرحة التي تجلس عند قدمه على طرف الفراش: - انت فيك حيل تهزر يا أخى موتنا من الخوف عليك
تابع عبد الرحمن قائلا: - ياستى سبيه يهزر الحمد لله انه كويس.

بحث يوسف عن وجه أبيه بين الوجوه الدامعة: - فوجده مصوباً بصره إليه بلهفة وابتسامة حزينة، تعلقت أنظارهما ببعضهما البعض، شعر يوسف أنه أحب تلك الطعنة لما رآه أخيرًا من عطف أبيه الذي كان يفتقده، فلقد كانت لها الفضل عليه أن يسترجع نظرة حنان في عينيى أبيه، كان ينظر إلى عينيه ينتظر كلماته الحنونة، لم يبخل عليه والده ولم يجعله ينتظر قليلا فقال:
حمد لله على سلامتك يابنى.

تنهد يوسف بارتياح وقال وهو ينظر إليه بحب: - الله يسلمك يا بابا
قبض على كف مريم بوهن وهو يوجه حديثه لعبد الرحمن: - وليد هو اللى عمل كده صح؟
قالت فرحة على الفور: - والحمد لله ربنا انتقملك منه في ساعتها والأسانسير وقع بيه
أتسعت عيناه بذهول وقال بدهشة كبيرة: - أيه، أسانسير أيه. وحصله أيه؟!
أجابه عبد الرحمن بهدوء: - أسانسير البيت عندنا يا يوسف.

تدخل إيهاب قائلا: - نفسى أعرف كان طالع البيت يعمل ايه. اللى يعمل عملته دى كان المفروض يهرب طالما محدش شافه. ايه اللى خلاه يطلع البيت مش عارف
قالت ايمان بثقة: - أكيد ربنا ليه حكمة فكده
تنهدت عفاف وهي تقول: - ونعم بالله يابنتى
اكتسى وجه يوسف حزنا وهو يتسائل: - وحصله ايه لما الاسانسير وقع بيه.

قال عبد الرحمن: - الأسعاف نقلته المستشفى بعد ما عرفوا يفتحوا باب الاسانسير بصعوبة. لكن انا مش عارف ده حصل ازاى. أحنا لسه كنا عاملين صيانة وكانت حالة الأسانسير ممتازة. ازاى يقع فجأة كده
وجه له والده الحديث قائلا: - أتصلت بالشركة بتاعة المصاعد؟

أومأ عبد الرحمن برأسه قائلا: - أتصلت بعد ما يوسف خرج على طول. وأصلا كده المفروض النيابة هتبدأ تحقيق في الموضوع. وكانوا مستنين يوسف لما يفوق علشان ياخدوا أقواله.
وبعد ساعتين وهم جلوس حول يوسف، طرق إبراهيم الباب ودخل وهو يتوجه ليوسف مباشرة: - حمد لله على سلامتك يا يوسف يابنى.

نظر إليه الجميع، كان كأنه يحمل جبال فوق كتفه وهم الدنيا فوق صدره وكأن المشيب قد زحف إليه بعنف على حين غرة، جلس على طرف الفراش بجوار يوسف قائلا بأسى:
ربنا خدلك حقك يابنى
ونظر إلى مريم وقال: - وانتِ كمان يابنتى. ربنا خدلكوا حقكوا انتوا الاتنين
طأطأ رأسه وقال بألم: - الخبطة كانت شديدة أوى. جاله شلل نصفى
تسمر الجميع وكأن عقارب الساعة قد توقفت فجأة، أتسعت عيونهم في ذهول وعدم تصديق وهو يتابع بحزن:.

من ساعة ما فاق وعرف اللى جراله وهو بيصرخ من الحسرة والندم. ده غير الألم اللى حاسس بيه
ثم التفت إليهم مقراً بذنوب ولده قائلا: - كان موصى امه تنقله الأخبار. ولما قالتله ان مريم تعبت ويوسف خادها البيت لوحدهم. سبقنا على هناك وعمل اللى عمله. لا وطلع علشان يسرقنى كمان
اقترب منه حسين وأمسك كتفه قائلا: - انت راجل مؤمن يا ابراهيم. وان شاء الله ابنك يقوم منها. أصبر وأحتسب
ف.

ى الصباح حضر وكيل النيابة ليأخذ أقواله قائلا: - أنت شفت اللى ضربك يا يوسف؟
نظر له يوسف بصمت ثم قال بحسم وهو يهز رأسه نفيا: - لاء، الدنيا كانت ضلمة مشوفتش حد
خرج وكيل النيابة من غرفته ودخل الجميع إليه متسائلين، قال حسين: - قلت ايه يا يوسف
أبتسم يوسف وهو يقول: - هقول ايه يا بابا. هو انا شفت حد علشان اقول عليه
أبتسم والده وهو يربت على كتفه قائلا باعتزاز: - راجل يابنى.

حاول يوسف أن يحرك ذراعه الأخرى ليمسك يد أبيه ويقبلها ولكن جرحه آلمه، قال حسين وهو ينظر إليهم:
يالا يا جماعة الحمد لله اننا اطمنا عليه
ثم نظر إلى عبد الرحمن وايهاب قائلا: - يالا روحوا ده محدش فيكم نام من امبارح. أنا هقعد معاه
قال عبد الرحمن على الفور: - معلش حضرتك يا بابا. روحهم انت وانا هستنى
تدخلت عفاف قائلة: - محدش هيفضل مع ابنى غيرى. روحوا انتوا.

قاطعهم يوسف بأشارة منه وقال مبتسما: - ياجماعة روحوا كلكوا. أنا لو احتاجت حاجة هبقى انده على الممرضة
ألتفتت مريم إليه لتتكلم أخيراً قائلة: - وتنده على ممرضة ليه. أنا هفضل معاك
خفق قلبه مع ابتسامته فلم يعلم أيهما سبقت الآخرى، كل ما كان يدركه هو الدهشة فلم يكن يتوقع أن تفصح عن رغبتها في البقاء معه، بل لم يكن يحلم وهو يلمح الغيرة في عينيها من أمرأة أخرى.

قالت عفاف بإرهاق: - يابنتى روحى انتِ. شكلك تعبانة أوى.
قاطعها حسين بابتسامة لامعة: - لا يا عفاف. مريم معاها حق. هي اللى المفروض تقعد معاه. يالا احنا نروح البيت نريح شوية ونشوف هنعمل ايه ونبقى نرجعلهم تانى
ودعه الجميع بعد أن اطمئنوا عليه أما هو فقد نام طويلاً بعد تناوله الدواء وعندما استيقظ وجدها تغفو على مقعدها بجوار فراشه الأبيض، ألتفت إليها وناداها بلهفة وعندما استيقظت قال بهدوء:.

قربى الكرسى بتاعك من السرير
نهضت واقفة وتمطت بتكاسل ثم وضعت مقعدها بجواره وجلست فقال وهو ينظر لعينيها بعمق:
مروحتيش ليه
تجنبت النظر إليه وهي تقول: - المفروض انى اكون معاك
قال على الفور: - الكلام ده لو لسه مراتى. لكن انتِ اللى صممتى على الطلاق
نظرت له بتحدى قائلة: - وانت مصدقت وطلقتنى.

أبتسم من طريقتها الطفولية في الحديث نظرلها قائلا: - أنا كنت متمسك بيكِ لآخر لحظة ومقدرش الومك. واهو ربنا خدلك حقك. وفنفس الظروف. يوم فرح. وبالليل والدنيا ضلمة
تنهد في ارتياح وقال: - الحمد لله ان ربنا خلص مني في الدنيا. مش ناقص غير حاجة واحدة بس...
لمس يدها وهو يقول: - أنك تسامحينى من قلبك
رفعت رأسها إليه قائلة بتلعثم: - أنا سامحتك من قلبى فعلا.

قبض على يدها بضعف وهو يتأملها وقال ببطء: - مريم. لو رديتك. هتحسي انى رجعتك غصب عنك؟
حاولت سحب يدها ولكنه تمسك بها وقال برجاء: - أنا مش قادر اضغط. متسحبيش ايدك، كده هتتعبينى
قالت بصوت يسمعه بالكاد: - طيب سيب أيدى
تمسك بها أكثر قائلا بحب: - لما تردى عليا الأول. انتِ عندك استعداد تكملى حياتك معايا وتنسى اللى فات؟

صمتت ولم تجبه، كانت تشعر بأن قلبها سيقفز من صدرها من فرط الإنفعال والإضطراب والخجل، حاولت أن تهرب من حصار عينيه ولكنها لم تستطع، كانت نظراته تحيط بها من كل اتجاه، تحتويها بل وتفصلها عمن حولها
قاطعتهم طرقات خفيفة على الباب، يتبعه دخول الطبيب الذي أخذ يفحص يوسف الذي لم يرفع بصره عن مريم، وبعد أن انتهى الفحص وخرج الطبيب، توجهت مريم إلى ركن من أركان الغرفة لتصلى.

تعمدت أن لا تنظر إليه وهي تتوجه إلى الفراش المقابل له، صعدت إليه واسندت بظهرها وهي تغمض عينيها بأرهاق يبدو على ملامحها بشكل واضح فقال يوسف:
شكلك مرهق أوى. نامى انتِ ارتاحى شوية
قالت وهي تسحب الغطاء وتتدثر به جيدًا: - هنام ساعة بس. لو احتاجت حاجة صحينى بسرعة متترددش
قال مداعبا وهو لا ينظر إليها: - لالا نامى انتِ ولو احتجت حاجة هبقى اقول للممرضة.

أعتدلت لتجلس مرة أخرى فقال وهو يشير لها أن تعود كما كانت: - بهزر والله. نامى. أنا كمان محتاج ارتاح شوية
فى اليوم التالى صباحا كان حسين هو أول من طرق باب غرفة وليد في المشفى ودخل بعد سماع الأذن بالدخول، لم يكن هناك أحد بالغرفة سوى وليد المسجى على الفراش ووالدته تجلس بجواره تبكيه، فقال بحرج:
السلام عليكم.

فتح وليد عينيه على صوت عمه فلم يستطع مواجهته، كانت آلامه رهيبة ولكن رؤيته لعمه جعلته يشعر وكأن الهواء انقطع من الغرفة فجأة، وأخيرا تكلم حسين قائلا بجمود:
حمد لله على السلامة
وقفت فاطمة في حرج وهي تتمتم: - الله يسلمك يا حاج حسين. أتفضل.

قال بهدوء: - لا متشكر مفيش داعى. أنا جيت بس أطمئن على وليد واقوله ان ابن عمه قال في التحقيق انه ماشفش اللى ضربه وكان هيموته. ياريت لو حد سألكوا تقولوا نفس الكلام سواء من النيابة ولا من غيرها...
أطرقت فاطمة برأسها ولم ترد فقال حسين: - حمد لله على السلامة مرة تانية. سلام عليكم.

خرج حسين من الغرفة وقبل أن يصل للمصعد وجد إبراهيم مقبل عليه من بعيد فوقف ينتظره، سبقته عينيه ونظراته المتسائلة قبل أن يصل إليه بجسده، وما إن وقف أمام أخيه قال:
انت كنت بتزور وليد؟
أومأ حسين برأسه قائلا: - ده واجب مهما كان. وبرضة كنت باعرفه يوسف قال أيه في التحقيق. علشان تحت أى ظرف يبقى عارف انه مش متوجهله أى تهمة.

زفر إبراهيم بارتياح وقال بامتنان: - أنا مش عارف اقولك ايه يا حسين. بس انت عارف ان يوسف احسن عندى من ابنى
ربت حسين على يده قائلا: - المهم دلوقتى أخبار فريق العمال اللى جايين علشان الأسانسير أيه. وصلوا للسبب؟
قال إبراهيم بحيرة: - هما خلاص بيخلصوا ومعاهم كمان ناس من الحكومة بيطلعوا على التقارير النهائية
قال حسين في قلق: - والنتيجة ايه؟
قال إبراهيم وقد خلا وجهه من كل تعبير: - قضاء وقدر.

نظر له حسين بتمعن وقال بدهشة: - معقول؟ يعنى مفيش سبب معين
حرك إبراهيم رأسه نفيا وقال: - بكرة المحرك فلتت من غير أى سبب واضح. ومنقدرش نتهم الشركة بأى حاجة لأن مفيش أى عيب يخص الصيانة أو التركيب
ثم نظر إلى أخيه نظرات مضطربة حزينة فقال حسين: - عاوز تقول حاجة يا ابراهيم.

فقال على الفور بانكسار: - سامح وليد يا حسين. اللى وصله ده غلطتى انا وامه مش غلطته هو لوحده. سامحه وخلى يوسف يسامحه، يوسف راجل وكفاية انه قال انه ميعرفش مين اللى ضربه
وضع حسين يده على كتف أخيه قائلا: - ربنا يسامحنا كلنا يا ابراهيم. احنا محتاجين نسامح بعض علشان ربنا يسامحنا. يلا استأذن انا بقى علشان اروح أطل عليه. سلام عليكم.

ذهب حسين بينما دخل إبراهيم حجرة وليد فوجد الطبيب يتمم فحصه وعندما انتهى سأله في رجاء:
أيه الأخبار يا دكتور. هيقدر يمشى تانى ولا لا؟
أومأ الطبيب برأسه وهو يدون ملاحظاته عن حالة وليد وقال: - يا حاج انت بتسأل عن حاجة لسه بعيدة أوى احنا لسه يدوب في البداية. والحالات اللى زى دى بتاخد وقت طويل لحد الشفا الكامل وده محتاج جهد وصبر واستعانه بالله
خفض إبراهيم رأسه وهو يقول: - ونعم بالله يا دكتور.

ربت الطبيب على كتفه وخرج من الحجرة وتركهم، جلس إبراهيم بجوار زوجته وهو ينظر لولده الممدد أمامه على فراش المرض، حالته غير مستقرة، آلامه متواصلة، قلبه يعتصره الألم حزنا وندما، فلم يكن له الأب الناصح المربي الحنون، وإنما انشغل وتركه هو وأخته وتصور أن جمع المال هو أقصى جهد يمكن بذله من أجلهم، نسى دوره الأصلى، حتى زوجته لم يعاملها كما يجب ليصلح أخطائها وعيوبها، وإنما كان يتركها ويهرب منغمسا في عمله، شعر أنه المسؤل الأول والرئيسى عن ما وصلوا إليه جميعا، أخذ يستغفر ويسترجع ويدعو الله أن يساعده ويقويه في طريق أصلاح ما تركه يفسد طيلة السنوات الماضية.

طرق حسين باب حجرة ولده في المشفى ودخل إليه مبتسما، أقترب من فراشه وقال بابتسامة حانية:
أزيك النهاردة يا يوسف
حاول يوسف النهوض أو الأعتدال في فراشه ولكن والده ساعده في العودة كما كان في وضع الأستلقاء وهو يقول:
خليك يابنى متتعبش نفسك
قال يوسف بسعادة لرؤية أبيه: - الله يسلمك يا بابا. انا بخير طول ما حضرتك راضى عنى
وضع المقعد بجوار فراشه وجلس عليه وهو يقول: - ربنا يرضى عنك وعنا يابنى...

ثم قال وهو ينظر إلى الفراش الآخر: - مريم فين؟
قال يوسف بابتسامة: - في الحمام بتتوضا
وهي عامله ايه دلوقتى كان شكلها تعبان أوى امبارح
خرجت مريم من الحمام وهي تجفف يدها من أثر ماء الوضوء، أبتسمت وهي تنظر إلى عمها وذهبت إليه تصافحه فقبل جبينها وهو يقول:
عاملة أيه النهاردة. شكلك اتحسنتى عن امبارح كتير الحمد لله
قالت بابتسامة رضا: - الحمد لله يا عمى. كنت مرهقة بس مش أكتر.

قبلها على رأسها مجدداً وهو يهمس لها بخفوت: - قولتيله؟
حركت رأسها نفيا بينما قال يوسف: - انتوا سابينى هنا وواقفين تتكلموا. المفروض ان انا المريض على فكرة
قال حسين وهو يتجه إلى مقعده مرة أخرى ويجلس عليه: - متستعجلش دلوقتى تلاقى اخواتك وامك طابين عليك
ذهبت مريم إلى ركنها الذي اتخذته مصلى في الحجرة ووقفت تصلى، فنظر يوسف لأبيه وقال بصوت منخفض بعض الشىء:.

بابا لو سمحت انا عاوز ارد مريم بس مش عاوز يبقى غصب عنها ومش عارف اعمل أيه
تفحصه أبيه وقال بنفس النبرة الخفيضة: - ومسألتهاش ليه
مط يوسف شفتيه في تبرم قائلا: - سألتها مردتش عليا. مرضتش أحاول معاها كتير علشان متحسش انى بضغط عليها بتعبى واللى حصلى ده.
وأستدرك قائلا برجاء خجل: - ممكن حضرتك تكلمها وتحاول تقنعها.

حسين: - أنا رأيى انك تستنى لما ربنا يتم شفاك وتخرج من المستشفى وترجع البيت. ساعتها تكلم معاها تانى وهيبقى ليها وقتها حرية الرفض أو الموافقة. لكن انا لو كلمتها هتفتكر ان دى رغبتى وممكن توافق علشان متزعلنيش
أنتهت مريم من صلاتها وجلست تتلو الأذكار، طرق الباب ودخلت عفاف مسرعة إلى ولدها جلست جواره تتحسسه بلهفة:
عامل ايه يا حبيبى النهاردة. أنا كنت هموت واجيلك من بدرى بس ابوك منعنى.

أخذ يد أمه وقبلها قائلا: - الحمد لله يا ماما متقلقيش انا بقيت زى الحصان
أطل إيهاب برأسه إلى الداخل قائلا بابتسامة مرحة: - صباح الخير يا مطعون
ضحك يوسف وهو يتحسس جرحه قائلا: - بطل تضحكنى يا جدع انت حرام عليك. الجرح بيألمنى لما بضحك
تبعته فرحة التي لحقت بأمها بجواره تطمئن عليه وقالت: - ايمان وعبد الرحمن بره ومعاهم وفاء وجوزها
نظر حسين إلى إيهاب قائلا: - خليهم يدخلوا يابنى.

وقفت وفاء أمامه بعينين دامعتين وقالت بخجل: - حمدلله على السلامة يا يوسف ربنا يقومك بالسلامة
قال بابتسامة صافية: - الحمد لله يا وفاء انا كويس.
بينما قال عماد بدهشة: - أنا مش عارف ايه اللى حصلكوا ده. انت ووليد في يوم واحد حاجة غريبة فعلا
قال عبد الرحمن مقاطعا: - قدر الله وماشاء فعل ربنا يقومهم بالسلامة هما الاتنين
واستدرك قائلا: - تعال معايا نجيب للجماعة دول حاجة يشربوها بدل ما يدعوا علينا ولا حاجة.

نهضت وفاء قائلة: - لا مفيش داعى يا عبد الرحمن احنا ماشين على طول
قال عبد الرحمن بتصميم: - لا مينفعش. يالا يا أستاذ عماد
خرج عماد وعبد الرحمن وأغلق الأخير الباب خلفه فقالت وفاء: - أنا عرفت اللى عملته مع وليد في التحقيق يا يوسف. حقيقى انت راجل أوى. وطول عمرك شهم، وانا عارفة انى موقفى صعب لأنى أخته لكن انت عارفنى كويس.

ولم تستطع أن تتحدث أكثر وبدأت دموعها في الحديث عنها فقالت عفاف: - متعيطيش يابنتى. انتِ طول عمرك قريبة مننا وعارفينك كويس واخوكى ربنا يسامحه ويسامحنا كلنا
قال يوسف مستكملا لحديث والدته: - متعيطيش يا وفاء دموعك غالية عندى. وانتِ عارفة مكانتك عندى كويس مش محتاجة تتكلمى الكلام ده.
نظرت له مريم نظرة ذات معنى وجلست بعيدًا وهي تشعر بالحنق من كلماته لها بينما قالت إيمان:.

الحمد لله الدكتور طمنا قبل ما ندخلك وقالنا بالكتير يومين تلاتة وتخرج بالسلامة
ذهبت وفاء وزوجها وانصرف الجميع عند انتهاء الأوقات الرسمية للزيارة وبقيت مريم مرافقة له، جلست على الفراش الآخر بجواره وفتحت المصحف وبدأت بالقراءة في همس.

جعل ينظر إليها وهي تقرأ وكلما واتته الفرصة ليقاطعها ويطلب منها العودة تخونه شجاعته ويصمت في تردد حتى انتهت ووضعت المصحف وقامت لصلاة العشاء وبعد أن انتهت من أذكار الصلاة ونهضت متجهة إلى فراشها مرة أخرى قال سريعاً:
مريم.
ألتفتت له فقال: - ممكن تحطيلى المخدة ورا ظهرى. عاوز اتعدل علشان اصلى انا كمان
ترددت لحظات فقال: - خلاص لو هضايقك...
قالت متلعثمة: - لا. مفيش مضايقة ولا حاجة.

كان لابد أن تتخذ وضعاً معينا لكى تستطيع أن تساعده على الإتكاء قليلاً لتضع الوسادة خلف ظهره فابتعدت مرة أخرى مترددة في ارتباك وخجل فقال لها:
طيب خلاص ارفعى السرير مش لازم مخدة
وعندما انتهى من صلاته التفتت إليه وقالت: - تحب انزلك السرير شوية
أبتسم وهو يحرك رأسه نفيا قائلا: - لا متشكر. انا اصلى مش جايلى نوم دلوقتى
تنحنحت في حرج وهي تقول بارتباك: - طبعا انت مش زعلان من وفاء. صح.

نظر إليها قائلا: - وهزعل منها ليه وهي ذنبها أيه. وفاء طول عمرها بنت كويسة أوى
شعرت بالحنق مرة أخرى وظهر ذلك على نبرة صوتها وهي تقول: - اه ما انت قلتلها كده
ونظرت له نظرة جانبية وهي تستدرك قائلة: - وأكتر من كده كمان
راوده أحساس بالسعادة عندما لمح الغيرة في صوتها ونظر إليها بعمق يتأملها ويتفحص معالم وجهها المضطرب وقال بخفوت:
قلتلها أيه مش فاكر.

قالت باندفاع وهي تلوح بضجر: - قلتلها دموعك غالية عليا أوى وانتِ عارفة مكانتك عندى كويس
منع الأبتسامة التي كانت تريد القفز على شفتيه حتى لا يقطع عليها استرسالها الحانق على كلماته لوفاء وقال بهدوء:
ماهى فعلا طول عمرها ليها مكانة عندى
لم تلحظ استدراكه لها فقالت بضيق: - ومتجوزتهاش ليه بقى لما بتحبها أوى كده
لم تستطع الأبتسامة الصبر أكثر من هذا، خدعته وقفزت على شفتيه رغما عنه وهو يقول:.

أنا قلت برضة أنى بحبها. جبتى الكلام ده منين
رأت ابتسامته وشعرت بمراوغته في الحديث فأشاحت بوجهها بعيداً ولم تجبه، فأردف قائلا وهو يتفحصها بابتسامته العذبة:
أنا محبتش غير واحدة بس، وبدعى ربنا في كل وقت انها تسامحنى وترضى ترجعلى تانى
سحبت غطاءها وهي تنظر بعيدًا عنه وقالت باقتضاب: - تصبح على خير
قال ببراءة مصطنعة: - يعنى هتسبينى متعلق كده. طب نزليلى السرير الأول كده ظهرى هيوجعنى.

نهضت مرة أخرى واتجهت إلى فراشه فقال مشاكساً: - طب ممكن تظبطيلى المخدة دى تحت راسى. مش مرتاح خالص
قالت وهي ترفع رأسه بيد وتحرك الوسادة باليد الأخرى: - أنت شكلك بتدلع على فكرة
أمسك يدها وجذبها إليه برفق فشعرت بأنفاسه تلفح وجهها وهي تحاول الأعتدال ولكنه لم يسمح لها واستنشق عبيرها وقال بصوت رخيم:
أنا رجعتك لعصمتى يا مريم.

ثم فك أسر يدها فاعتدلت وقد شعرت بسخونة تسرى في اوصالها اقشعر لها بدنها وكأن نبضات قلبها أخذت تبطئ شيئا فشيئا مما أشعرها بالدوار، لكنها لم تغضب ولم تستنكر ما قاله، خطت نحو فراشها وصعدت بصعوبة وتدثرت، جملة واحدة منه جعلتها تذوب بعضها في بعضها ونامت في ثوان معدودة كأنها غابت عن الوعى.

فى اليوم التالى فحصه الطبيب وقال بابتسامة: - والله أنت بطل يا يوسف. ماشاء الله عليك
قال يوسف على الفور: - هخرج أمتى طيب يا دكتور
أبتسم الطبيب وقال: - مستعجل أوى كده ليه
قال يوسف بشغف: - الله يخاليك يا دكتور أنا أصلى بكره القاعدة الطويلة دى وعاوز اروح بيتنا بقى
دون الطبيب ملاحظاته قائلا: - خلاص خاليك النهاردة بس وروح بكره الصبح لو عايز. وقوم اتمشى لو الراقدة مزهقاك اوى كده.

زم شفتيه تبرما ثم قال: - طب مينفعش اروح اتمشى في بيتنا. أنا والله حاسس انى بقيت كويس
زفر الطبيب بنفاذ صبر ثم ابتسم له قائلا: - أنت ملكش حل بجد. لكن عموما هكتبلك على خروج اخر النهار...
حاول يوسف الكلام ولكنه قاطعه قائلا: - ومفيش خروج قبل كده، فاهم
ثم نظر إلى مريم وقال: - تعالى يا مدام لو سمحتى علشان افهمك هتتعاملى مع الجرح ازاى بعد ما يخرج وربنا يقدرك عليه، بصراحة جوزك ده لا يُحتمل.

أبتسم يوسف وشعر بالبهجة، أخيرا سيعود لمنزله بصحبة زوجته ليبدأ معها حياة جديدة لن يشوبها إلا ما حدث في الماضى، فهل من الممكن أن يرأب هذا الصدع في يوم من الأيام؟!
وفى المساء كان يخطو خطواته الواهنة بعض الشىء داخل بيته وعبد الرحمن يساعده إلى الصعود إلى فراشه والجميع ملتف حوله في سعادة مرحبين بعودته لمنزله سليماً معافى.

بعد أن اطمأنت مريم لأستغراقه في النوم، فتحت خزانتها بهدوء وأخذت ملابسها وأغلقتها بهدوء، دخلت الحمام واغتسلت وبدلت ملابسها وخرجت وهي تجفف شعرها بالمنشفة، فوجئت به يجلس على طرف الفراش ينتظرها، تعثرت قليلاً في خطواتها ثم استعادت توازنها بسرعة واتجهت إلى المرآة لتمشط شعرها، فقال وهو ينظر لصورتها المنعكسة في المرآة:
مريم. لو سمحتى تعالى غيريلى على الجرح.

ألفتت إليه بدهشة وقالت: - الدكتور لسه مغيرك عليه الصبح!
قال بعناد مشاكساً: - لا مش مرتاح، حاسس ان في حاجة مش طبيعية. لو سمحتى تعالى شيليه، حاسس ان في نملة بتقرصنى
تنهدت بتعجب قائلة: - نملة! أظاهر الدكتور كان عنده حق لما قالى ربنا يصبرك عليه
وضعت المنشفة وأحضرت الأدوات الطبية، وضعتها بجوارها على طاولة صغيرة بجوار الفراش وقالت:
طيب فك زراير القميص لو سمحت.

تصنع الألم وهو يقول: - مش قادر يا مريم. ممكن تفكيهالى انتِ
ونظر لها برجاء وقال: - من فضلك
جلست أمامه وشرعت في فك الأزرار بارتباك، حاولت أن تسرع ولكن سرعتها جعلتها ترتبك أكثر وتتعثر، كان في قمة سعادته من قربها منه إلى هذه الدرجة، وأخذ يتأمل شعرها الندى الذي مازال تعلق به قطرات الماء ود لو أنها تعثرت أكثر لتبقى، قال بعبث ليربكها أكثر وهو يتأملها:
كل ده بتفكى كام زرار.

قالت بارتباك وقد أحمرت وجنتاها: - أهو خلاص خلصت
أنتهت وقامت بمساعدته في خلع قميصه في حرج شديد وجلست تزيل أثار اللآصق الذي وضعه الطبيب، حاولت أن تنتهى سريعًا كما علمها الطبيب، تهرب من نظراته المخترقة لها وكأنه يغوص بداخلها من عمق النظرات المتفحصة محتفظًا بابتسامته العذبة الحانية، مرت اللحظات القليلة عليها وكأنها ساعات طويلة وأخيرًا انتهت وهي تقول بتلعثم:
يعنى لا كان في نملة ولا حاجة.

تتبعها ببصره وهي تلملم أشيائها وتضعها في صيدلية صغيرة في الغرفة، أتممت تمشيط شعرها وعقصته للخلف بطوق بنفس لون ملابسها وقالت وهي تخرج من الغرفة:
أنا هروح انام بقى تصبح على خير
فقال ببطء وهو ينهض متجهًا إليها بخطوات ضعيفة: - مريم، أنتِ لسه بتخافى مني؟
أشاحت بوجهها وهي تستدير لتنصرف قائلة بخفوت: - مش وقته الكلام ده. أنا مرهقة وعاوزه انام.

وضع يده أمامها ليمنعها من المرور وقال بحزن: - أنتِ لسه مسامحتنيش يا مريم. مش كده؟
قالت دون أن تنظر إليه: - أنا قلتلك قبل كده انى مسامحاك
قال بتلكأ: - طب انا راجعتك غصب عنك؟ يعنى مكنتيش عايزة ترجعيلى؟
تابعت وهي مازالت تنظر بعيدًا عنه: - ده حقك اللى ربنا ادهولك، أنت ممكن ترجعنى لعصمتك حتى من غير ما تقولى.

حرك رأسه نفيًا قائلا: - بس انا مش عايزك تعملى حاجة غصب عنك، أنا راجعتك تانى علشان حسيت انك بتحبينى وبتغيرى عليا. لكن لو الأحساس ده غلط وانتِ مش عايزانى قوليلى.

لم تستطع أن تجبه، أنما اكتفت بنظرة لوم وعتاب طويلة ودفعت يده بلطف ومرت من أمامه للخارج ثم إلى غرفتها الأخرى لتنام بها، جلس على طرف فراشه وهو يشعر بالحيرة، أهذه النظرة المعاتبة من أجل كلماتى، أم من أجل أنى راجعتها رغما عنها، أم ماذا؟!، لكن أحساسى يقول غير ذلك، أشعر بنبض قلبها لا أخطىء هذه النظرة أبدًا، أستجيبي حبيبتى. أستجيبي. فأنا وإن كنت شتاء، ففى قلبى ربيع نابض لكِ بالأزهار.

دخلت فراشها وتدثرت جيدًا وكالعادة عندما تواجهها أزمة، وضعت الوسادة فوق رأسها وحاولت أن تنام، لكن هيهات، تشعر بالضجر الشديد:
لماذا لا يشعر بى، لماذا يعتقد أنى عدت إليه رغما عنى، لماذا لا يتمسك بى أكثر من هذا، لا تجعل ترددك سكينًا يمزق قلبى فيصبح حافرًا لقبر حبى.
غلبهما النوم، وفي الصباح كانت والدته أول من تطرق بابهم، أبتسمت لها مريم مرحبة بها قالت عفاف:
هو يوسف لسه نايم
مريم: - ثوانى اشوفه لحضرتك.

طرقت الباب ولم يأتيها رد فعلمت أنه مازال نائماً، ترددت في الدخول ولكن لابد وأن تدخل، لم يكن الباب مغلقًا بشكل كامل فدفعته بهدوء ودخلت، ذهبت إليه في فراشه لتوقظه، كان ما يزال على نفس هيئته السابقة عندما تركته بالأمس، شعرت بالخجل الشديد وهي تلمس يده لتوقظه ونادته بهدوء حتى استيقظ ونظر لها قائلا بتكاسل:
صباح الخير
قالت على الفور وكأنها تدفع تهمة وجودها في غرفته: - صباح النور. مامتك بره يلا قوم.

وقبل أن تستدير لتغادر أمسك يدها قائلا: - أستنى طيب قومينى
نظرت له وقالت بعناد: - أنت بقيت كويس. بلاش دلع يلا قوم بقى
تصنع يوسف الضعف وهو يقول: - بطلى ظلم بقى يا مفترية حرام عليكى تعالى ساعدينى
تسائلت مريم بضجر: - أساعدك ازاى يعنى
قال ببراءة مصطنعة: - أمسكى أيدى بس
أستدارت مندهشة وقالت: - افندم
ترك يده تسقط على الفراش بضعف قائلا: - حرام عليكى انا تعبان قومينى بقى زمان ماما مضايقة بره.

زمت شفتاها بحنق وقالت رافضة: - طيب خاليك بقى وانا هروح أنده مامتك تقومك بطريقتها
وخرجت سريعًا وهو يهتف متوسلاً: - لا بلاش ماما الله يخاليكى يا مريم. معندهاش هزار في الصحيان
وفى اليوم التالي وبعد يوم طويل، دخلت مريم الشرفة ووضعت أكواب الشاى أمام يوسف على الطاولة الصغيرة وجلست بجواره وقد بدى الإرهاق على وجهها وهي تقول:
أنت فعلا بتدلع أوى. مع انك بقيت كويس يعنى ماشاء الله.

نظر لها وداعبها قائلا: - هو أنا عملتلك حاجة. ده أنا غلبان
قالت بحنق: - اه غلبان أوى. عاوزنى أقومك واقعدك وافصصلك واحطلك الأكل في بؤك واغسلك ايدك وانشفها
قال بحزن مصطنع: - زهقتى مني قوام كده. ده انا مريض
قالت ساخرة: - اه مريض أوى. شكلك كده هتخف وانا هرقد مكانك.

قال بنظرة حانية: - بعد الشر عليكى يا حبيبتى. خلاص مش هتعبك تانى. أنا فعلا بدلع بس ببقى مبسوط وانتِ مهتمة بيا كده. وبعدين الأكل ليه طعم تانى من أيدك
بدأت مريم بارتشاف بعضا من الشاى وهي تنظر إليه نظرة جانبية وقد بدا أنه سيهم بقول شىء ما ولكنه يقاوم التردد بصعوبة، لحظات صامتة منه ومترقبة منها حتى قال ببطء:
مريم انا عاوز اسألك سؤال كده بس متردد
واستدرك قائلا: - وبصى لو ضايقك خلاص مش مهم.

أومأت برأسها موافقة فقال: - هو احنا لما كنا في الجراج، والدنيا ضلمة. مكنتيش خايفة مني؟
حركت كتفيها للأعلى وقالت بلامبالاة: - واخاف منك ليه
أردف قائلا وهو يبتلع ريقه بشرود: - يعنى بقيتى تحسى بالأمان معايا؟
نظرت له بجانب عينيها وقالت: - أنت ليه مهتم أوى بالسؤال ده. سألتهولى أكتر من مرة
زفر بحزن قائلا: - لما كنا مسافرين قولتيلى وانتِ بتعيطى انك لما سمعتى صوتى في الضلمة حسيتى بالأمان...

ثم التفت إليها متابعًا: - نفسى ترجعى تحسى بالأمان معايا تانى
أجابته بخفوت وهي تضع عينيها في الكوب الذي بين يديها: - لو مكنتش حسيت معاك بالأمان مكنتش فضلت ماسكة فيك واحنا في الجراج والدنيا ضلمة ومفيش حد غيرنا زى ما كنا فاكرين
تنهد بارتياح وهو ينظر إلى الحديقة قائلا: - الحمد لله، دى أقصى حاجة كنت بتمناها
سمعت صوت رنين هاتفها فقالت: - هروح اشوف مين.

أخذت الهاتف وابعتدت عنه لتتحدث إلى عمها دون أن يسمعها، فتحت الأتصال واستمعت إليه ثم أجابته قائلة:
النهاردة أحسن كتير الحمد لله
قال باهتمام: - هو جانبك دلوقتى
لا في البلكونة
قولتيله ولا لسه؟
أبتسمت ابتسامة خفيفة وقالت: - لاء لسه. بصراحة يا عمى عاوزه اربيه شوية
ضحك بسعادة قائلا: - يبقى ردك لعصمته تانى مش كده؟
قالت مريم بحرج: - أيوه ردنى قبل ما يخرج من المستشفى.

ضحك مرة أخرى وقال: - خلاص ربيه براحتك انا موافق
دخل يوسف من الشرفة إلى الغرفة التي تتحدث بها فوجدها تغلق الهاتف وتضعه مكانه فقال وابتسامة مشاكسة مازالت عالقة بشفتيها:
كنتِ بتكلمى مين؟
قالت بعدم اهتمام: - ده عمى حسين. كان بيطمن عليك
كادت أن تتركه وتخرج من الغرفة لولا أن وقف أمامها يسد عليها الطريق، تلاقت عينيهما فقال بهمس:
بحبك.

كان يتوقع أن تشيح بوجهها وتتركه وتذهب كالعادة كلما قالها، ولكن هذه المرة وقفت تنظر إليه ثم قالت بنظرة لم يفهم معناها:
من أمتى؟
تفاجأ بالسؤال فقال: - يعنى أيه؟
تابعت: - يعنى بتحبنى من أمتى. أحنا من ساعة ما اتقابلنا واحنا بنتخانق زى القط والفار
قال يوسف بخفوت: - والله ما انا عارف من أمتى. أنا فجأة كده لقيتنى بغير عليكى من كل حاجة وكان نفسى أوى تسمعى كلامى وتغيرى تصرفاتك.

بدت على وجهها ملامح ساخرة وهي تقول: - ليه مكلمتنيش بود وقولتلى انك مش راضى عن تصرفاتى بدل ما كنت بتتخانق وتزعق وتتريق أحيانا
أرسل تنهيدة حارة وقال بوجوم: - زى ما قلتلك واحنا في نويبع. أنا عمرى ما حبيت قبلك. ومكنتش عارف أعمل ايه. كل اللى كنت بحس بيه انك لازم تسمعى كلامى ومجاش على بالى ساعتها طريقة نصحى ليكى خالص. كل اللى كنت بفكر فيه انك مبتسمعيش الكلام وبتعاندى وخلاص.

أستعاد نظرته العذبة وهو يتابع: - وبعدين يا مريم انا كنت حاسس انك حاسة بيا. وكنت متوقع انك لما تحسى بمشاعرى وتلاقينى بغير هتحترمى ده وهتسمعى كلامى من أول مرة. لكن انا لقيتك بتعاندى أكتر من الأول مش عارف ليه.

نظرت له نظرة طويلة وقالت بهدوء: - مكنتش متأكدة. وتصرفاتك العصبية كانت مشككانى. لو كنت اتعاملت بطريقة مختلفة ونصحتنى بهدوء ولمحتلى انك غيران من كلامى مع وليد مكنتش عمرك هتشوفنى بكلمه. لو كنت في الفرح جيت قلتلى مين اللى واقفة معاهم دول ومتقفيش معاهم كنت هاسمع كلامك. لو كنت لما مشيت ورايا بالعربية نزلت وشدتنى قدام الناس غصب عنى علشان مطلعش مع سلمى كنت هسمع كلامك. صدقنى كنت هسمع كلامك. وكنت هتأكد من اللى كنت بعمل كل ده علشان أتأكد منه. أنك بتغير.

لكن انت كنت دايما تكتم في نفسك. وتكتفى بالتصرفات العصبية. وحتى لما كنت بتكلمنى كنت بتحسسنى انك بتأمرنى لمجرد أنى بنت عمك وبس.

لمعت دمعة في عينيها فمسحها بأنامله وقال بحب: - كنت غلطان سامحينى. أنا كنت سىء الظن لأبعد الحدود معاكى. لكن عاوزك تعرفى انى مكنتش مبسوط يعنى وانا بكتم في نفسى كده. أنا كنت بتعذب يا مريم. وعذابى وصل للمنتهى ولأبعد حد في يوم الحادثة. لدرجة انى أخدت الحبوب والسجاير من غير تفكير وكأنى منوم وفاقد للسيطرة على نفسى. لغيت عقلى. سامحينى يا حبيبتى.

نظرت له مرة أخرى بنفس النظرة المبهمة قائلة: - فاكر لما سألتك في العربية واحنا راجعين من فرح وفاء وانت اضايقت من سؤالى وقلتلى أنى باستفزك. أنا عاوزه اسألك نفس السؤال تانى ولو سمحت جاوبنى.

أشاح بوجهه بعيدًا وأغمض عينيه وهو لا يريد التذكر وقال ببطء وقد شعر بغصة في حلقه: - صدقينى لو قلتلك انى مش فاكر حاجة خالص. كل اللى فاكره أني حضنتك وقلتلك الكلام اللى قلته وانتِ بتقاومينى. وفجأة لقيتك اتخبطى في الحيطة ووقعتى على الأرض
صمت وهو يضغط عينيه بقوة كرها لما تذكره في هذه اللحظة فقالت: - وبعدين أيه اللى حصل؟

مسح وجهه بيديه وقال لها: - أنا مش عاوزك تفتكرى التفاصيل دى. انا ماصدقت انك بقيتى كويسة معايا
فتابعت وكأنها لم تسمعه: - وبعدين يا يوسف حصل أيه
رضخ لرغبتها وقال بشرود: - صدقينى مش فاكر. كل اللى فاكره ساعتها لما وقعتى على الأرض وانا قربت منك.

بدأ جبينه يتعرق وهو يستحضر تلك اللحظات بصعوبة شديدة وهو يقول: - كنت بحاول اشيل عنك الهدوم وانا دماغى بتلف. وبعدين بدأت اشيل هدومى وفجأة حسيت أنى صنم. عقلى أتجمد وقلبى ابتدى ينبض ببطء شديد. حاولت بعدها افتكر أى تفاصيل مافتكرتش حاجة أبدًا. مش فاكر غير أبويا وهو بيشدنى يقومنى من جنبك وأديه بتنزل على وشى وشفتك في حضنه ورجليكِ كلها دم فتوقعت انا عملت أيه. صدقينى ده كل اللى فاكره.

تركها وخرج من الغرفة إلى حجرة المعيشة، هوى إلى الأريكة وبدأت دموعه تنهمر بصمت وهو يتصور كل مشهد مر أمام عينيه وهو يعصى الله فيها، وهو يتذكر كلماتها وهي تصرخ فيه فوق يا يوسف انا مريم.

خرجت إليه ورأته يدفن رأسه بين كفيه ويبكى وشهقاته تعلو وهو يستغفر الله، أطرقت برأسها ولم تعد تتحمل كتمان الأمر أكثر من هذا فهو يتعذب بما لم يفعله يومًا بعد يوم ويأكله الندم ويلوكه بين فكيه بكل قوة، شعرت أن عقلها ينبض في قلبها ويحثها على أخباره بما حدث فهو قد تربى بما فيه الكفاية، لم تتردد أكثر من هذا وقالت وهي تجلس بجواره:
مصدقاك يا يوسف. عارف ليه. لأنك ملمستنيش. معملتليش حاجة أبدًا بعد كده.

توقفت الدموع فجأة وكأن الدنيا قد توقفت فجأة عن الدوران وسكت الكون، ألتفت إليها بذهول وقطب جبينه قائلا:
يعنى ايه؟
أفلتت دمعتين من عينيها وقالت: - فاكر لما ودتنى لدكتورة النسا لما أغمى عليا والدكتورة طلعتك بره.

أومأ برأسه وهو ينظر إليها بصمت مخلوطاً بذهول فقالت: - الدكتورة فوقتنى وسألتنى عليك وقلتلها انك جوزى. قالتلى طب احتمال يكون القىء والدوخة بسبب الحمل نتأكد. طبعا انا كنت هموت. وافقت على طول وبعد الفحص بصتلى باستغراب وقالتلى أومال بتقولى عليه جوزك أزاى ووافقتى أعمل فحوصاتى ليه لما انتِ لسه بنت بنوت!

ساعتها روحت في دنيا تانية. مبقتش عارفة أضحك ولا اعيط. أصرخ ولا اعمل أيه مش عارفة. لقيت دموعى نازلة زى المطر. ولما خرجت من عندها والبنت الممرضة شافتنى بعيط سألتنى مالك لقيت نفسى بقولها الدكتورة كانت فاكرانى حامل. طبعا هي افتكرت ساعتها انى بعيط علشان مطلعتش حامل وفضلت تواسينى.

توقفت الساعات والعقارب حتى أنه شعر بأن الهواء أيضا توقف، فلا يستطيع التنفس ولا الحركة، وكأن قلبه رفض نبضه وكأن عقله تمرد عليه ورفض التصديق، لا يستطيع شيئًا سوى الذهول، الذهول وفقط، فقال في هذيان:
يعنى أيه. والدم. أومال ده حصل ازاى. ازاى.؟!

قالت من بين دموعها: - أكيد أغمى عليك. وإلا مكانش عمى لما دخل بعد الفجر لقاك جمبى. وطبعا كانت رجلى غرقانة دم علشان لما وقعت على الأزاز اتجرحت جامد والموقف مكنش يحتمل تفسير تانى
قفز المشهد في عقله مرة أخرى بقوة، لقد تذكر فجاة لحظة سقوطه وكأنها حلم بعيد من مشهد قديم، نعم لقد سقط وهو ينزع ملابسه، عندها كان يترنح بقوة، لابد وأنه قد سقط غائبا عن الوعى بعدها.

أستدار إليها بجسده كله دفعة واحدة، وكأن روحه التي غادرت سقطت فجأة بداخل جسده من جديد وهتف بها:
ومقولتيش ليه من ساعتها. ليه يا مريم
ثم وقف ناهضًا وقال بعينين زائغتين مشدوهتين: - يعنى ايه؟ يعنى انا مش زانى؟، يعنى، يعنى انا لسه يوسف. أنا مضعتش من نفسى. أنا ربنا حصنى وحمانى من الجريمة دى
نهضت لتقف أمامه وقالت ودمعها تنهمر كالشلال وتمد أناملها تمسح الدموع عن وجهه وتقول:.

وأنا لسه مريم. أنا كمان لسه مريم يا يوسف. لسه بعفتى وطهارتى وربنا حمانى وحصنى رغم كل الافترا اللي اتقال عنى
نسي ألمه وجرحه الذي لم يندمل بعد وحملها بين ذراعيه وطاف بها وهو يهتف تارة ويصرخ تارة أخرى ويبكى بضحكات ويضحك بدموع واختلطت دموعه بدمعها وهو مازال يهتف:
مش مصدق. مش مصدق يا مريم. مش مصدق
أنزلها إلى الأرض فجأة هاتفاً بسعادة: - بابا. بابا لازم يعرف.

عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بمكر: - وانت فاكر انه لسه مايعرفش. أنا قلتله وانت في العمليات. وهو كمان مكنش مصدق زيك كده
أحتضن وجهها بكفيه بقوة قائلا: - ومقولتليش ليه من ساعتها
قالت وهي تنظر لعينيه وتمسك بقبضتيه: - كنت عاوزه اربيك شوية
تأمل وجهها لفترة طويلة وقد عادت روحه تلمع في عينيه مجدداً واحتضنها بين يديه للحظات ثم أبعد وجهها مرة أخرى ونظر إليها يتفحص عينيها ثم قال بشغف و تحدى:.

تصدقى بقى ده انا اللى هربيكى
قرأتها في عينيه فابتعدت وهرولت سريعاً إلى غرفتها وأغلقتها من الداخل، لحق بها و طرق الباب بقوة هاتفًا:
أفتحى يا مريم احسنلك
وقفت خلف الباب وقلبها يخفق بشدة هاتفة: - مش هفتح
طرقه مرة أخرى صائحاً: - بقولك افتحى بدل ما اكسر الباب
بادلته الصياح من خلف الباب وهي تضع يدها على صدرها اضطرابًا وسعادة: - بقولك مش هفتح مهما عملت. مش هفتح يعنى مش هفتح.

وبعد مرور شهرين وفي يوم الجمعة تحديداً كان موعد اللقاء الأسرى المعتاد حول مائدة الطعام الكبيرة، جلس حسين على رأس المائدة كالعادة وهو يقول:
أومال يوسف ومريم منزلوش ليه لحد دلوقتى
قالت عفاف بنفاذ صبر: - والله زهقت يا حاج. بقالى ساعة كل شويه اتصل ويقولوا نازلين ومفيش فايدة
ضحك حسين ضحكات جعلت الجميع يبتسم ثم قال: - وباقى البنات فين. إيمان وفرحة ووفاء مش كانوا هنا من شوية.

تدخل عبد الرحمن قائلا: - أصل يا بابا إيمان عملت حركة تمرد عليك وقالت الستات لوحدها والرجالة لوحدها. طبعا حضرتك عارف انا جاى اهدى النفوس مش أكتر
ضحك والده مرة أخرى وقال: - خلاص طالما هي حابة كده والبنات موافقين خاليهم على راحتهم
طرق يوسف ومريم الباب ففتح إيهاب باب المنزل وهو يمسك معدته قائلا: - حرام عليكوا موتنا من الجوع.

دخل يوسف وهو يلف كتف مريم بذراعه ويقول: - معلش يابنى انا عارف ان اختى مجوعاك. قدرك ونصيبك بقى
خرجت فرحة قائلة بشغف: - أنا سامعة حد بيجيب سيرتى
تلقاها يوسف بذراعين مفتحتين قائلا بمرح: - أهلا يا ام العيال وحشانا يا غالية
ضربت يده وهي تقول هاتفة باعتراض: - أم العيال في عينك. ده انا لسه يدوب في الشهور الأولى. سابقة إيمان بشهر واحد.

نهض عبد الرحمن واقفا وهو يقول باعتراض: - لا بقولك أيه. ولا سابقاها ولا حاجة. دى الحكاية كلها فرق التوقيت مش أكتر
علت الضحكات بينهم مجدداً وقالت مريم: - طب ادخل انا بقى للبنات قبل ما حد فيكوا يصطادنى
ربت يوسف على كتفها وقال مشجعا: - أدخلى يا حبيبتى بس على مهلك.
ثم نادها برجاء: - الله يخليكى يا مريم كفاية ترجيع بقى. كده على ما تيجى تولدى مش هنلاقى حاجة جوه أصلا.

وأثناء الغذاء ألتفت عبد الرحمن إلى والده قائلا: - عمى مجاش النهاردة ليه يا بابا
بيحضروا نفسهم علشان هيسافروا يعرضوا وليد على دكتور بره مصر
ألتفت إليه يوسف قائلا: - هوأبتدى يتحرك ولا لسه
تدخل إيهاب قائلا: - على كرسى متحرك كده جوى البيت
تمتم يوسف قائلا بعدم اهتمام: - ربنا يشفيه.

ربت والده على يده قائلا: - لا يابنى أدعيله من قلبك إن ربنا يشفيه. وليد عرف غلطته وندم على اللى عمله وعرف ان اللى هو فيه ده عقاب من ربنا
تدخلت عفاف قائلة: - ومش هو وبس والله يا حاج. دى فاطمة كمان كأنها اتبدلت لواحدة تانية خالص. الحزن على ابنها كسرها أوى وخلاها في دنيا تانية. ربنا يرفع عنهم ويسامحهم.

يوسف
نعم يا حبيبتى
ناولنى البسكوت المملح اللى جانبك ده
مريم. مكنش حمل ده. كل شوية بسكوت بسكوت. أنتِ حامل في عيل في الحضانة ولا أيه
كده يا يوسف. مش كفاية امبارح زعلتنى ومرضتش تشيلنى
أولدى انتِ بالسلامة يا حبيبتى وانا اشيلك زى ما انتِ عايزة. أصل بصراحة معنديش غير عمود فقرى واحد
قصدك أيه. أنا تخنت يعنى
لا يا حبيبتى هو انا أجرؤ اقول كده
طب هات البسكوت بقى
بقولك أيه يا مريم
نعم يا حبيبى.

عبد الرحمن كان بيحكيلى على سياحة جديدة كده. أسمها السياحة الزوجية
يعنى أيه. الناس بتسافر مجوز؟
مجوز!
مجوز ايه بس هو انا بكلمك على جوز حمام
طب فهمنى انت
طب تعالى جوه. الدنيا برد هنا
طب شيلنى
ليه؟!
علشان تحكيلى جوه على السياحة!
سياحة أيه؟
السياحة الزوجية اللى عبد الرحمن قالك عليها!
عبد الرحمن مين؟
أخوك!
أخويا مين انا ماليش أخوات، قال شيلنى قااال!

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة