قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الثلاثون

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الثلاثون

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الثلاثون

نهض يوسف مهزوماً أمام والده الذي وقف بعصبية شديدة وهو يهتف بانفعال: - ازاى تعمل كده. ازاى تطلقها من غير ما تقولى
تابع يوسف بحزن شديد: - هي اللى أصرت يا بابا. كانت حالتها صعبة ومكنش ينفع اقولها لاء. لو كنت قلت لاء كانت انهارت أكتر. لكن انا اشترطت عليها ان محدش يعرف بحكاية الطلاق دى لحد ما نرجع ونقولك الأول وهي وافقت.

زفر والده وهو يستعيد جلسته الأولى خلف مكتبه وهو يقول: - أستغفر الله العظيم يارب. كل ما احلها تتعقد
ثم نظر إلى يوسف وتابع: - وهنقول ايه للناس. اخواتك واخواتها. هنقولهم ايه سبب الطلاق بعد كام يوم. كده هيفتكروا أنك لقيتها فيها حاجة
نهض يوسف وافقا وقال دون أن ينظر إليه: - صدقنى يا بابا مكنش قدامى حل تانى.

أسند والده ظهره إلى المقعد وأغمض عينيه وهو يستغفر وفجأة فتح عينيه قائلا: - الحمد لله ربنا ألهمنى الحل
ألتفت له يوسف بنظرة متسائلة فأردف والده: - أنتوا هتعيشوا مع بعض زى ما انتوا كده فشقتكوا عادى. كأنكوا لسه متجوزين ومحدش هيعرف حكاية الطلاق دى دلوقتى خالص
زادت حيرة يوسف وهو ينظر لوالده قائلا: - أزاى يابابا نعيش مع بعض وانا مطلقها.

أبتسم والده وهو ينهض وافقا ويشير إليه أن يتبعه، خرج حسين من غرفة مكتبه وصعد هو ويوسف إلى مريم.
طرق الباب ففتحت، لم تكن قد أبدلت ملابسها بعد رغم الأرهاق الذي تشعر به من آثر السفر زاغت نظراتها بينهما فقال حسين مبتسما:
مش هتقوليلنا أتفضلوا ولا ايه يا مريم
أفسحت الطريق أمامهما وهي تقول بخفوت: - اتفضلوا.

جلس حسين وهو يقول: - أزاى تصممى على الطلاق كده يامريم من غير ما ترجعيلى. في بنت تطلب الطلاق من غير ما تاخد رأى ابوها
صمتت مريم وهي تتحاشى النظر ليوسف ثم قالت: - سامحنى يا عمى بس انا مش هقدر استحمل اكتر من كده
نهض وافقا امامها وقال وهو ينظر لعينيها: - طب واخواتك والناس كلها هيقولوا ايه دلوقتى
أشاحت بوجهها بعيدا وهي تقول بانفعال: - اللى عاوز يقول حاجة يقولها. أنا أصلا كده كده سمعتى متشوهه لوحدها.

أطرق يوسف إلى الأرض في ألم فقد فهم ما ترمى إليه فتابع حسين حديثه إليها: - تفتكرى إيهاب هيسكت لما يعرف ان أخته اطلقت بعد دخلتها بكام يوم. أنتِ يابنتى كده هتقوملنا حريقة في البيت
صاحت وهي تستند إلى أقرب مقعد أمامها وهي تقول: - كفاية ضغط عليا يا عمى. أنا مش هقدر استحمل اكتر من كده. مش عاوزه ابقى على ذمته يوم واحد بعد كده. وعمرى ما هوافق ارجعله أبدا مهما حصل.

لف حسين ذراعه حول كتفها مهدئا أياها وقال بهدوء: - ومين قال انك هترجعيله. أنا مقلتش كده
قالت وهي تلتفت إليه: - أومال حضرتك بتقولى كده ليه
ربت على كتفها وقال بحنان: - بقولك كده علشان تتقبلى الحل الوحيد اللى هيرضيكى. وفي نفس الوقت هيمنع المشاكل اللى ممكن تحصل لو حد عرف بالطلاق دلوقتى
حل أيه.

قال حسين بهدوء: - شرع ربنا يابنتى بيقول ان الست اللى بتطلق طلاق رجعى تفضل قاعدة في بيت جوزها لحد فترة العدة ما تخلص
وقف يوسف قائلا: - يابابا طب ماهي هي. منا هنزل أعيش معاكوا تحت وبرضة الكل هيسأل ليه
ألتفت إليه والده قائلا: - ومين قالك انك هتعيش معانا تحت. انت هتعيش في بيتك برضة معاها. لحد فترة العدة ما تخلص
نظرت له مريم بذهول وهتفت: - وانت يا عمى ترضى كده لفرحة.

أومأ برأسه قائلا: - أيوا ارضاه. علشان ده شرع ربنا مش حاجة جايبها من عندى
تدخل يوسف مستفهما: - ازاى يابابا
جلس حسين وبدأ في شرح الأمر قائلا: - الآية الكريمه في سورة الطلاق بتقول.

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ).

يعنى يابنتى شرع ربنا اللى ناس كتير نسيته دلوقتى بيقول ان الست اللى تطلق طلاق رجعى تفضل قاعدة مع جوزها في بيتها زى ما كانت بتقعد معاه بالظبط وهما متجوزين. يعنى تقعد بلبس البيت عادى. وتكلمه ويكلمها وكأنه زوجها لكن بدون جماع. عرفتى بقى ليه بقولك اه ارضاه لبنتى. لأن ده شرع ربنا وأمر من ربنا انها متخرجش من بيتها بعد الطلاق الرجعى لاء دى كمان لو خرجت تأثم.

صمتا يوسف ومريم وهما يستمعان لأول مرة لهذا الحكم الشرعى الذي لم يكونا يعلما عنه شيئا من قبل، أردف حسين قائلا:
علشان كده بقولك الحل ده هو أفضل حل هيمنع الخلافات. وفي نفس الوقت هيريحك لأنه هيفضل مطلقك زى ما انتِ عايزة. ولما العدة تقرب تخلص نبقى نشوف ساعتها هنعمل أيه بس يكون عدى وقت. مش الناس تعرف انكوا اطلقتوا بعد دخلتكوا بكام يوم.

تنحنح يوسف بحرج وقال بتردد وهو يتحاشى النظر إليهما: - بس يا بابا أنا مدخلتش بيها يبقى مالهاش عدة أصلا
أشاحت بوجهها بعيداً بينما قال حسين بنفاذ صبر: - في حاجة اسمها عدة احترازية ودى بتطبق على الحالات اللى زى حالتكوا كده. لما بيحصل فرح ويتقفل عليهم باب واحد والناس كلها بتبقى عارفة انها دخلة. لما بيحصل طلاق بعدها حتى لو مدخلش بيها بيطبق عليها العدة الاحترازية اللى بقولكم عليها دى.

قالت مريم في شرود: - بس يا عمى انا طلبت الطلاق علشان مش عاوزه اعيش معاه في مكان واحد. يبقى انا كده عملت ايه
أومأ برأسه متفهما وقال: - انا فاهمك يا مريم. بس ده دلوقتى حكم ربنا مش حكمى انا. وإذا كان في أيدك تنفذيه. وإذا كان في أيدك توافقى عليه وتمنعى مشاكل ممكن تحصل. يبقى ليه متجيش على نفسك شوية؟ وبعدين دى فترة العدة يعنى بعدها هتبقى حرة خلاص.

تدخل يوسف بشكل حاسم قائلاً: - متقلقيش يا مريم. أنتِ فكل الأحوال مش هتشوفينى تانى. أنا وعدتك انى اخدلك حقك من اللى ظلمك وأولهم انا. وأنا هوفى بوعدى ليكى والنهاردة مش بكره
تركهم يوسف وفتح الباب وخرج مسرعًا، هبط الدرج بسرعة كبيرة وهو ينوى الوفاء بوعده.

وفى الصباح وأثناء متابعته لأعماله في انهماك شديد جاء أتصال داخلى من مديرة مكتبه الذي أجابها دون أن يرفع عينيه عن الأوراق التي بين يديه، فقالت:
في واحد على التليفون عاوز حضرتك وبيقول انه من النيابة
قطب حسين جبينه وقال بقلق: - وصلينى بيه
وبعد دقائق خرج حسين ملهوفا من مكتبه وهو يقول للسكرتيرة: - أجلى أى شغل دلوقتى لحد ما ارجع
جلس أمام يوسف بلوعة شديدة وقال: - أيه يابنى اللى خلاك تعمل كده.

تدخل وكيل النيابة في الحديث قائلاً: - والله يا حاج حسين لولا سمعتك الطيبة وسمعت شركاتك اللى مفيش عليها غبار مكنتش اتدخلت في الموضوع بشكل ودى. وكنت مشيت في المحضر بشكل رسمى. لكن انا قلت أديك خبر الأول لعل وعسى
ألتفت إليه حسين بامتنان قائلا: - جميلك فوق راسى
نهض يوسف في انفعال قائلا: - وانا مش عاوز الجميل ده. أنا عاوز المحضر يمشى بشكل رسمى وانا معترف على نفسى والتفت إلى وكيل النيابة قائلا:.

ولو سمحت يا فندم والدى شاهد أثبات في القضية دى
حاول والده أقصاءه عما يريد ولكنه هتفت بتصميم: - لو سمحت يا بابا أنا عاوز آخد جزائى علشان ابقى عبرة. وعلشان ربنا يتقبل توبتى
أعتدل وكيل النيابة في جلسته وقال: - انا قدام التصميم ده مفيش قدامى غير انى استدعى البنت اللى بتقول انك اعتديت عليها.

صاح حسين بوجل: - دى تبقى فضيحة يا فندم. دى بنت عمه. وكلنا ساكنين في بيت واحد. ازاى عسكرى يدخل البيت ويجيبها ويجى هنا ازاى
طرق وكيل النيابة بأصابعه على حافة المكتب في تفكير ثم قال: - خلاص مفيش مشكلة. حضرتك ممكن تروح تجيبها بشكل ودى ولما تيجى وتدلى بشهادتها نبقى نشوف هنعمل ايه ساعتها.

هاتف حسين مريم وهو في طريقه إليها وأمرها أن تبدل ملابسها بسرعة وتهبط للأسفل وتنتظره في الجراج، حاولت أن تعرف مريم ماذا حدث، ولماذا يريدها ولكنه قال باقتضاب:
لما اشوفك هقولك
أبدلت مريم ملابسها في عجلة وذهبت لتنتظر عمها بالجراج ولم يتأخر كثيرًا، استقلت سيارته وبمجرد أن اتخذت مكانها بجواره حتى قالت:
خير يا عمى في ايه
أنطلق بسيارته وهو يقول: - يوسف راح النيابة قدم بلاغ في نفسه واعترف فيه انه اعتدى عليكى.

شهقت مريم وهي تضع يدها على فمها وتنظر له بذهول وقالت: - وحبسوه
هز رأسه نفيا وهو يقول: - لا. وكيل النيابة مرضيش يقفل المحضر إلا لما اتصل بيا. ولما روحت لقيته هناك مصمم ان المحضر يكمل بشكل رسمى. ووكيل النيابة كتر خيره مرضيش يبعتلك عسكرى ولا أمين شرطة يستدعيكى علشان تقولى أقوالك وسابنى آجى اخدك بشكل ودى.

مازال الذهول يسيطر عليها وهي تنظر إلى الطريق أمامها حتى وصلوا إلى مقر النيابة وبعد السماح لهم بالدخول، دخل حسين بصحبة مريم التي كانت تخطوا ببطء وهي تنظر حولها حتى وقعت عيناها على يوسف الذي يجلس على مقعد جانبيا واضعًا رأسه بين يديه وكأنه في عالم آخر.
وقفت مريم أمام وكيل النيابة فرفع يوسف رأسه ولم يجروء على رفع ناظره إليها وهو يسمعها تجيب سؤال وكيل النيابة وتقول:
أنا مريم يا فندم.

مد يده إليها قائلا: - بطاقتك لو سمحتى يا مريم
نظر إليها ثم وضعها على المكتب أمامه وهو يشير لهما بالجلوس قائلا: - اتفضلى يا مريم. اتفضل يا حاج حسين
ثم أشار ليوسف أن يأتى ويقف في مواجهتها وقال: - الأستاذ يوسف قدم بلاغ بيعترف فيه انه قام بالأعتداء عليكى. ايه أقوالك
نهضت مريم واقفة في سرعة وقالت: - محصلش يا فندم
هتف يوسف صائحا: - لاء حصل وانا معترف ومش هتنازل عن البلاغ وأقوالها مالهاش أى لازمة.

نظر له وكيل النيابة بحدة قائلا: - أنت هتعرفنى شغلى ولا أيه
ثم التفت إلى مريم قائلا: - يعنى انتِ بتنفى الواقعة
أومأت برأسها بجدية وثبات وهي تقول بثقة: - أيوا يا فندم بنفيها. الكلام ده محصلش
هتف بها يوسف: - حرام عليكِ. أنتِ كده بتضيعى حقك. أنا عاوز اتعاقب واخد جزائى حتى لو أعدام هبقى مرتاح انى رجعتلك جزء من حقك
أشاحت بوجهها عنه ونظرت إلى وكيل النيابة قائلة: - اقدر امشى يا فندم.

شبك وكيل النيابة اصابعه قائلا: - طبعا تقدرى تمشى
ثم نظر إلى يوسف قائلا: - وانت كمان تقدر تمشى كده مفيش قضية من الأساس
وقف حسين أمام سيارته وهو يقول ليوسف بحدة: - أركب
هز يوسف رأسه نفيا قائلا: - سيبنى لو سمحت يا بابا
فتح حسين باب المقعد الخلفى للسيارة ودفعه داخلها بغضب شديد، أضطر يوسف أن يمتثل لأمر والده، استقل حسين سيارته وجلس خلف المقود ومريم بجواره، نظر له في المرآة التي أمامه قائلا بغضب:.

انت هتفضل متهور ومتسرع كده لحد امتى. رايح تبلغ في نفسك. عارف لو القضية دى راحت المحكمة هيحصل أيه. هتبقى فضيحة للعيلة كلها واللى ميعرفش يعرف
قال يوسف بحزن: - يا بابا انا كل اللى عاوزه انى ارجعلها حقها وبس
وضعت مريم يديها على وجهها وظلت تبكى بحزن شديد ومرارة، بينما انطلق حسين بسيارته عائدًا إلى المنزل.

بمجرد أن دلف الثلاثة إلى الحديقة وقع نظر يوسف على وليد الذي كان خارجا من المنزل متجها للبوابة الخارجية بحنق، وبدون وعى هرول إليه يوسف وباندفاع شديد وبكل الغضب الذي يعتمل في صدره هجم عليه ووجه له لكمة في أنفه أرتد على أثرها للخلف بقوة ونزفت أنفه، تلقى يوسف ارتدادته مرة أخرى ووجه إليه لكمة ثانية وثالثة أردته أرضاً وهو يترنح حتى كبله أبيه من الخلف ولف ذراعيه حوله بقوة وهو يصيح به:.

كفاية يا يوسف. كفاية هيموت في أيدك
حاول يوسف أن يتخلص من ذراعى أبيه ولكنه أحكم ذراعيه حوله بقوة و دفعه للمدخل الداخلى للمنزل ثم داخل المصعد الذي صعد بثلاثتهم إلى الطابق حيث شقة يوسف ومريم.

حاول وليد أن ينهض ولكن لكمات يوسف القوية جعلته يفقد توازنه فترة من الزمن فلم يستطع القيام إلا بعد وقت ليس بالقصير، لجأ إلى صنبور صغير في جانب الحديقة وجعل يغسل انفه من أثر الدماء، وما إن انتهى حتى جلس إلى الأرض ثانية يحاول التقاط أنفاسه
كانت مريم مشدوهه لا تصدق ما يحدث منذ أن عادوا من سفرهم، نيابة وتحقيق ثم مشاجرة انتهت بدماء ينزفها وليد من وجهه، ألفتت إلى حسين الذي كان يصيح في ولده بغضب:.

أنت ايه اللى حصلك. أتجننت ولا أيه. أياك تتحرك من هنا النهاردة. أنت فاهم ولا لاء.

وتركهم وغادر مغلقاً الباب خلفه بقوة، جلست على المقعد المجاور له ووضعت رأسها بين يديها وأغمضت عينيها تحاول استيعاب ما يحدث حولها، ألقى عليها نظرة سريعة ودخل غرفة النوم، أخرج حقيبة سفر كبيرة وفتح الخزانة، أخرج ملابسه منها ووضعها في الحقيبة بغير ترتيب وخرج من الغرفة واتجه إلى غرفة أخرى صغيرة، وضع ملابسه وأشيائه بها ثم ألقى بجسده على الفراش وراح في نوم عميق.

بعد دقائق ليست بالقليلة تقدمت خطوات من غرفته ونظرت نظرة جانبية من خلف الباب الذي لم يوصده فوجدته غارقا في النوم، من الواضح بأنه لم ينم منذ ليلة أمس، ظلت تنظر اليه وهي تتذكر صياحه بها أمام وكيل النيابة لتقول الحقيقة وتتهمه بما فعل.

كانت الفرصة سانحة لها أن تفعل لتنتقم منه، ولكنها لم تفعل، وهذا ما زاد عذابه وحزنه وحنقه على نفسه ومنها ومن والده، عادت لغرفتها وأوصدتها وجلست تفكر في الوضع الجديد التي اضطرت أن تتعايش معه، ولكن شيئا ما في نفسها كان يشعر بالإرتياح بعد الموقف الذي اتخذه يوسف من نفسه وبعد تصميمه على إعادة حقها المسلوب من نفسه أولاً.

أستقلت سلمى السيارة بجوار وليد وقالت في لهفة: - مالك يا حبيبى في أيه. وأيه الجرح اللى تحت عينك ده
تحسس وليد عينيه وهو يقول بحنق: - ده الزفت اللى اسمه يوسف. خدنى على خوانة وهو عامل زى الطور كده
هتفت سلمى بدهشة: - ويوسف عمل فيك كده ليه
تحسس أنفه بألم وهو يقول: - ما انتِ نايمة على ودانك. الحكاية اتكشفت يا سلمى. يوسف ومريم عرفوا كل حاجة
أتسعت عيناها وهي تقول: - ومريم عرفت انى معاك.

قال بسخرية: - طبعا ياختى
ثم تابع وهو ينظر أمامه ببغض: - ومش كده وبس. النهاردة ابويا طردنى من البيت ومن الشركة وامى بجلالة قدرها مقتدرتش تقف قدامه. وفي الآخر سبتله البيت ومشيت
وانت دلوقتى هتعمل ايه هتروح تقعد مع والدتك
قال بغضب: - نعم ياختى أومال الشقة اللى انا مأجرهالك دى راحت فين
أرتبكت وهي تقول: - موجودة طبعا. موجودة هتروح فين. بس هو انت يعنى هتيجى تعيش فيها.

نظر إليها بتفحص قائلاً: - ومالك اتخضيتى كده ليه. مالها الشقة
أرتبكت أكثر واصفر وجهها عندما انطلق بالسيارة قائلا: - وانا اقعد اسالك ليه انا هروح اشوف بنفسى
وفى الطريق أطلق ضحكة عالية وهو يقول لها: - يابنت اللذين. قال وانا اللى كنت فاكر انى انا السبب في انحرافك. أتاريكى كان عندك استعداد اصلا بس محتاجة حد يوجهك.

أشاحت بوجهها وهي تقول: - أنا مكنش قصدى على فكرة. دى الحكاية كلها جات صدفة وعموما دى صاحبتى واللى بيجى معاها ده جوزها بس عرفى يعنى
نظر لها نظرة جانبية وقال باستهزاء: - عرفى...
ثم أردف بخبث: - وبتاخدى منهم كام في الليلة تمن بياتهم في الشقة
قالت بسرعة: - مبخدش حاجة. بقولك صاحبتى والراجل يبقى جوزها
قال بمكر: - عاوزه تفهمينى انك بتبيتيهم عندك لوجه الله.

تلعثمت وهي تقول: - هما مش بيباتوا كل يوم. ده هو يدوب تلات أو أربع أيام في الأسبوع
حرك رأسه وهو يقول: - يابنت الأيه. بتعرفى تستخدمى كل الأمكانيات اللى تحت أديك بكل الطرق
لمعت الفكرة برأسه وقال: - وماله. فكرة برضة. أهو الواحد يلاقى شغلانة بدل ما انا بقيت عاطل كده
قالت على الفور: - يعنى هتستسلم كده ومش هترجع البيت تانى.

قال بغل: - لا يا أموره مش انا اللى استسلم. مسيرى هرجع واللى هلاقيه قدامى هتبقى امه داعية عليه.

لم يكن عبد الرحمن يصدق ما يسمع وهو ينظر إلى فرحة وإيمان ووالدته ووفاء فهتف بدهشة قائلا:
معقول اللى بسمعه ده. ووليد يعمل كل ده ليه. أيه اللى بينه وبين يوسف ومريم علشان يخطط كل التخطيط ده
قالت وفاء بانكسار: - وليد اضايق لما حس ان يوسف بيحب مريم. وماما بقى الله يسامحها كانت مكرهاه في ولاد عمى من زمان ومكنش عاوز أى حاجة بينهم تتم.

ألتفت لها عبد الرحمن متسائلا: - واشمعنى مريم ويوسف يعنى. طب ما انا اتجوزت إيمان وإيهاب اتجوز فرحة
قالت: - أنا كنت حاسة من زمان ان مريم عجباه. لكن مكنتش افتكر أبدًا انه هيعمل كده لما ترفضه
زاغت نظرات فرحة بينهم ثم قالت برجاء: - أرجوكوا محدش يجيب سيرة لإيهاب عن اللى حصل. إيهاب متهور وممكن يعمل حاجة في وليد واخسره للأبد. والحمد لله هو شغله بعيد ومبيرجعش غير متأخر أوى يعنى مش هيحس بحاجة.

نظرت وفاء نحو إيمان وقالت: - أنا آسفه يا إيمان. مش عارفة أودى وشى منكوا فين. لكن انا خلصت ضميرى وحكتلكوا على اللى عرفته
ربتت عفاف على ظهرها قائلة: - مكنش في داعى يابنتى
قالت بحزن: - لاء في يا طنط عفاف. لما بابا طرد وليد سمعته بيتوعد مريم ويوسف. خفت عليهم وانا عارفة وليد شرانى. كان لازم تعرفوا علشان تخلوا بالكم منهم وخصوصا من مريم.

وضعت إيمان كفها على صدرها قائلة بأسى ممتزج بالخوف: - هو في كده في الدنيا معقول
أطرقت وفاء رأسها وقالت بخفوت: - أنا اتصلت على عماد وقلتله يعجل بالجواز. أحنا المفروض مكناش هنتجوز قبل شهرين لكن انا خلاص مبقتش قادرة اقعد في البيت ده. وهو قدر الظروف ووعدنى انه هيكمل اللى ناقص بسرعة ونتجوز بالكتير بعد أسبوعين وقلت لبابا وهو وافق.

نهض عبد الرحمن بحدة قائلا: - متعرفيش وليد ممكن يروح فين بعد ما مشى من البيت يا وفاء
وقفت إيمان بقلق وصوبت والتفتت نحوه وقالت بلهفة: - عبد الرحمن أرجوك. ملكش دعوه بيه
أعاد سؤاله مرة أخرى على وفاء وكأنه لم يسمعها فلمعت عيناها بالدمع قائلة: - أرجوك يا عبد الرحمن انا ماليش غيرك...
بينما قالت وفاء: - لا معرفش
نظرت إليه والدته قائلة: - أسمع كلام مراتك يا عبد الرحمن. وبعدين الحكاية خلصت وابوه طرده.

قال بجدية: - وانتِ فاكره انه هيسكت يا ماما
قالت: - خلاص ناخد بالنا وخلاص. لكن مش نروحله احنا لحد عنده يابنى
هتف قائلا بانفعال: - اللى حصل ده مش حل يا ماما. كده الموضوع هيفضل متعلق. لازم نحسمه علشان نخلص. وبعدين يعنى انتوا شايفنى هروح اقتله
تعلقت إيمان بذراعه قائلة: - أرجوك اسمع كلامنا.

نظر إلى عينيها فوجدها ترجوه بشدة فربت على وجنتها بحب قائلا: - متخافيش يا حبيبتى. انتِ عارفة انى مش متسرع. وبعدين انا معرفش مكانه لحد دلوقتى
قالت وقد أفلتت دمعة من عينيها: - طب على الأقل استنى لما النفوس تهدى وبعدين ابقى دور عليه. بلاش دلوقتى علشان خاطرى
أفلت ذراعه التي كانت متعلقة بها وأحاطها بها وضمها إليه وقبل رأسها قائلا: - حاضر يا حبيبتى. مش عاوز اشوفك متوترة كده وخايفة.

مر الأسبوعين وأضطرت فاطمة إلى العودة للمنزل لحضور حفل زفاف ابنتها، في هذه الفترة كانت مريم لا ترى يوسف تقريبا، كان يخرج باكرًا جدًا ولا يعود قبل منتصف الليل فيدخل غرفته ولا يخرج منها إلا وقت أذان الفجر، لم تكن تسمع صوته إلا مرة واحدة عندما يطرق باب غرفتها قائلا:
الفجر يا مريم قومى صلى.

ولم تكن تراه إلا حين عودته من صلاة الفجر وهو يلقى عليها السلام ذاهبا إلى غرفته مرة أخرى، حتى أيام العطلات لم يكن ليبقى في المنزل حتى لا يضايقها بل كان يتطوع مكان عبد الرحمن ليسافر في عمليات التخليص الجمركى.

كان حفل الزفاف في أضيق الحدود لم يحضرها سوى المقربين فقط من العائلتين واضطر حسين إلى الضغط على أولاده وأزواجهم لحضور الحفل من أجل وفاء ووالدها فقط، جلست فاطمة بالقرب من ابنتها ولم تتحرك إلا لمصافحة المدعوين ببرود.
ضغطت إيمان على يد زوجها قائلة بعتاب: - انت مش هتبطل تبصله بقى. الراجل مش عارف يودى وشه منك فين. شيله من دماغك بقى
ألتفت إليها وقال بجدية: - وهو يهمك في حاجة يا هانم.

أبتسمت بحب قائلة: - اه يهمنى. يهمنى انك تعرف انى بحبك انت وبس
لانت ملامحه كثيرا وقال بخفوت: - من ساعة ما شفته بيبصلك أول مرة لما اخوه جه يتقدم لوفاء وانا بكرهه لله في لله ومبطيقهوش
قالت مداعبة: - بس انا بقى بتبسط لما بشوفه
ضغط على يدها بقوة وقطب جبينه قائلا: - نعم بتتبسطى لما بتشوفيه
أبتسمت بألم وهمست تشاغبه قائلة: - أصله بصراحة لى عليا فضل كبير أوى. من ساعة ما شوفته بيبصلى وانت بقيت تغير عليا وتحبنى.

نظر لها بتأمل وعمق يتفرس في ملامحها عن قرب وقال: - لا انا كنت بحبك من قبلها بكتير بس انا مكنتش عارف
أسندت رأسها إلى قبضتها برقة قائلة: - وأيه بقى اللى خلاك تاخد بالك
تنهد بارتياح وقال بثقة: - ربنا.

نظرت له بعينين حائرتين فتابع قائلا: - ربنا رزقنى حبك يا إيمان وأنا مكنتش لاقى تفسير لده. لحد ما قربت منك اكتر واكتر وعرفت انتِ قد أيه قريبة من ربنا وانك بتلجأى له سبحانه وتعالى في كل شىء كبير أو صغير ومبتشتكيش لحد غيره. وساعتها عرفت معنى الحديث اللى بيقول(من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة).

ساعتها بس عرفت ليه ربنا طوعلك قلبى وبقيت احس بيكى في دمى وان ربنا حط حبك في قلبى ومن غير مقدمات لقيت نفسى بعشقك ومبقتش اقدر استغنى عنك زى ما اكون بحبك من سنين
كانت ايمان تستمع إليه وعيونها تنطق بالحب والهيام، تعلقت عينيهما ببعضهما البعض لفترة طويلة وهما تبوحان بالكثير، قطع صمتهم المتحدث هذا زفرته القوية وهو مازال يتفحصها وقال بعذوبة:
هو مش احنا حضرنا وعملنا الواجب ماتيجى نمشى بقى.

ضحكت وقال برقة: - أحنا لحقنا!
قال بنظرة تعرفها جيدًا: - أنا بقول نروح بقى. أصل احنا مخلصناش موضوع السياحة بتاعنا
أبتسمت وقد احمرت وجنتاها وقالت: - هو الموضوع ده مش هيخلص ولا ايه دى مكانتش كلمة دى
مط شفتيه وهو يمسح على وجنتها بيد ويضغط برفق على يدها الأخرى وقال: - لا طبعا مبيخلصش. أنا راجل بحب الأتقان و الشفافية!

فجأه وبدون سابق أنذار شعرت مريم بالتوعك الشديد وهي تجلس إلى مائدتها هي ويوسف، أمسك يوسف كتفيها وقال بقلق:
مالك يا مريم
ظهرت علامات الألم على وجهها وقالت بصوت متقطع: - مغص بيقطع في بطنى يا يوسف الحقنى.

ساعدها على النهوض ولف خصرها بزراعه وأسندها إليه برفق وهو يحاول أن لا يلاحظ أحد ما يحدث، وبمجرد أن خرجت إلى الهواء استنشقته بقوة شديدة ثم بدأت في التقيأ إلى أن أفرغت ما في معدتها حتى شعرت بالإعياء الشديد وخارت قواها، كانت متشبثة به وهي تسير بجواره حتى وصلا إلى السيارة ثم سقطت مغشيا عليها.

هتف بها يوسف يحاول أن يعيدها إلى وعيها ولكنها لم تستجب له، أزداد قلقه عليها ووقف حائرًا هل يدخل لينادى أختها أو والدته أم يذهب بها إلى أى مشفى قريبة، وأخيرًا قرر أن يأخذها إلى أقرب مشفى منهم.

حملها وأدخلها برفق في المقعد الخلفى وانطلق بها وقلبه ينتفض خوفا عليها، ظل يبحث بعينيه وهو يقود سيارته عن مشفى يمينا ويسارًا تارة، وينظر إليها في مرأته تارة أخرى وكلما ابتعد ولم يجد شيئا ضرب المقود بقوة، وأخيرًا لاحت له من بعيد لوحة مضاءة كتب عليها اسم طبيبة، لم ينتظر حتى يعرف تخصصها وإنما أوقف سيارته في سرعة وخرج منها، فتح الباب الخلفى وأخرجها بحذر حتى لا تصطدم رأسها وأغلق الباب بقدمه بأهمال وصعد بها، بمجرد أن خرج من المصعد ووقع بصر بعض النساء اللآتى كن يجلسن بجوار باب العيادة حتى أسرعن إليه بتلقائية وأسندوها حتى غرفة الكشف الداخلية، ألقت الطبيبة نظرة عليها وقالت بشك:.

حصلها أيه؟
قال بقلق: - أحنا كنا معزومين في فرح قريب من هنا وفجأة بطنها وجعتها أوى وبعدين بدأت ترجع جامد وأغمى عليها
فتحت الطبيبة جفنيها ونظرت فيهما وشرعت في فحصها ثم التفتت إلى يوسف قائلة: - هو حضرتك تبقلها ايه
تلعثم فهل يقول زوجها أم طليقها فحسم الأمر قائلا: - أنا جوزها
أرتباكه لفت نظرها فنظرت له بريبة وقالت ببطء: - طب اتفضل حضرتك استنى بره لحد ما اكشف عليها.

خرج مسرعًا وأغلق الباب خلفه، أستند برأسه إلى الحائط والقلق ينهش قلبه نهشًا، أخرج هاتفه واتصل على والده وأخبره بالأمر، وبعد دقائق وجد حسين يخرج من المصعد ويقبل عليه بلهفة قائلا:
خير يابنى
قال يوسف بلوعة: - لسه الدكتورة بتفوقها
نظر حسين إلى اللوحة على باب العيادة وقال بدهشة: - وجايبها عند دكتورة نسا ليه. مودتهاش مستشفى ليه.

نظر يوسف إلى اللوحة ثم عاد بنظره إلى والده وقال بضيق: - هو انا لقيت حتة تانية يابابا ومودتهاش. ده انا كل ما اسأل حد يقعد يبصلى ويبص عليها وهي نايمة ورا وبعدين يقولى معرفش. وبعدين أكيد يعنى هتعرف مالها ماهى دكتورة برضة
وبعد دقائق أخرى خرجت مريم وهي تستند إلى يد مساعدة الطبيبة التي أوصلتها للخارج وأوقفتها بجوار يوسف، أستندت مريم إلى ذراع عمها وهي تبكى بشدة وتنتفض، ضمها حسين بقلق قائلا:.

الحمد لله يابنتى انك فوقتى
قالت مساعدة الطبيبة بابتسامة: - الحمد لله كانت أغماءه عادية متتخضوش كده...
ثم ربتت على ظهر مريم قائلة بعطف: - نفسى اعرف بتعيطى ليه دلوقتى
قالت مريم من بين دموعها وهي تشيح بوجهها: - مفيش، لسه بطنى بتوجعنى شوية
ربتت على ظهرها مرة أخرى وقالت بابتسامة: - طيب ماهو ده عادى، مش الدكتورة فهمتك كل حاجة؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة