قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الثالث والعشرون

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الثالث والعشرون

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الثالث والعشرون

دخل يوسف مكتب أبيه مطرقًا وقال: - حضرتك بعتلى يا بابا؟
نظر له والده في حدة وهو يقول: - أنت أيه اللى جابك الشركة النهاردة؟
نظر له يوسف بدهشة قائلاً: - جاى اشوف شغلى
نهض والده وقال بلهجة صارمة: - ملكش شغل عندى
ثم تابع بنفس نبرته الحادة: - تروح دلوقتى تلم حاجتك من مكتبك وتروح بيتكوا ولا تشوفلك مصيبة تانية تروحها
شعر بغصة في حلقة وهو يقول بخفوت: - يعنى أيه؟

قال حسين بنفس النبرة الجامدة: - زى ما سمعت. مشوفش وشك في الشركة تانى وكفاية انى مطردتكش من البيت. واسمع مش عايز اشوف خيالك في البيت طول مانا هناك. تغور في أى حتة من قدامى. فاهم ولا مش فاهم.

خرج يوسف من مكتب والده والدنيا تميد به، لماذا لم يدافع عن نفسه ولو بكلمة واحدة! لماذا لايعطيه فرصة ليتحدث، لماذا لا يتكلم معه ليعرف لماذا فعل ذلك؟
أستقل سيارته وقاداها بلا هدف حتى وجد نفسه يمر بكورنيش النيل، ركن سيارته جانبا وترجل منها، وقف أمام سور الكورنيش ينظر إلى الماء في وجوم، يتذكر الليلة المشؤمة.

، تذكر عندما قاد سيارته مراقبًا لسيارة سلمى، ظل خلفها متابعًا لها بتركيز والغيرة تفتك بقلبه، وبدون سابق أنذار توقفت سلمى تحت أحدى البنايات، خرجت سلمى من سيارتها ثم الرجلين، وقفا يتحدثان قليلاً ثم صعد الرجلين لفترة من الزمن قصيرة وهبطا إليها مرة أخرى، ثم خرجت مريم من السيارة وصعدت معهما هي وسلمى، توجه إلى حارس العقار وتحجج بأنه يسأل عن شقة مفروشة خالية في البناية فقال له الحارس بتأفف:.

بلا مفروش بلا قرف
ثم أشار إلى سيارة سلمى قائلاً: - آدى اللى بناخده من المفروش بلا هم. بنات عايزة قطم رقبتها ملهمش أهل يلموهم
توقفت ذكرياته عند هذه النقطة عندما شعر بألم شديد في عضلات قلبه، عاد إلى السيارة وقادها مرة أخرى عائدًا إلى المنزل، بمجرد أن دخل من بوابة المنزل الداخلية تفاجأ بخروج فرحة ومريم من المصعد وما أن رأته فرحة حتى تعلقت في ذراعه قائلة:
جيت في وقتك يا اخويا يا حبيبى.

ثم طبعت قبلة على كتفه تداعبه وقالت: - ممكن توصلنا الكلية وهنيالك يا فاعل الخير والثواب
لم تعد مريم تحتمل رؤيته أكثر من هذا، أشاحت بوجهها بعيدًا وهو يقول لأخته: - معلش يا فرحة خلى إيهاب يوصلكوا
فرحة: - ايهاب مش هنا وهيتأخر النهاردة، واحنا كنا هناخد تاكسي بس ربنا بعتك لينا يرضيك نروح ندور على تاكسى انا ومراتك وانت موجود.

نظر يوسف لمريم ولكنه تفاجأ بشكلها الجديد، ملابسها مختلفة كثيرا، فضفاضة ومحتشمة، نظر إلى وجهها، الحجاب طويل يغطى صدرها، لم تصبغ وجهها بأى ألوان، ظل ينظر إليها حتى قاطعته فرحة قائلة بمشاغبة:
أنت ياعم الرومانسى. سيبك من مراتك دلوقتى وركز معايا
أنتبهت مريم أنه ينظر إليها بتمعن فقالت لفرحة: - انا هستناكى عند باب الجنينة بره.

تابعها يوسف بعينيه حتى وصلت لباب الحديقة فأدارت فرحة وجهه بيدها قائلة: - ياعم انت هنتأخر تعالى وصلنا وابقى بحلق براحتك في السكة بس اوعى تعمل بينا حادثة
أضطرت مريم أن تركب بجواره وفرحة في الخلف، وطوال الطريق تتحدث في الهاتف مع صديقتها المقربة كعادتها دائما، أخرجت مريم مصحف صغير من حقيبتها وظلت تقرأ فيه طوال الطريق، كان يختلس النظر إليها من حين لآخر وهو لا يصدق ما يرى، تردد قليلاً ثم قال:.

رايحين دلوقتى تعملوا أيه. انتوا مش في أجازة؟
لم تسمعه فرحة وهي تتحدث إلى صديقتها في الهاتف فأعاد السؤال مرة أخرى وهو ينظر لمريم فقالت ببرود:
عندى تدريب صيفى
وجد نفسه يقول: - هتخلصى أمتى؟
قالت بصوت أشبه للهمس من بين أسنانها: - ملكش دعوة
بعد أن انتهت فرحة وأغلقت الهاتف قال يوسف على الفور: - هتخلصوا أمتى يا فرحة علشان آجى اخدكم
قالت فرحة بسعادة: - أيه ده بجد! أنا هخلص على 3 كده.

ثم نظرت إلى مريم متسائلة: - وانتِ يا مريم هتخلصى أمتى
تصنعت مريم أبتسامة وهي تقول: - لا متشغلوش بالكوا. أنا لما هخلص هروح
قال يوسف: - خلصى براحتك. بس قوليلى على أمتى علشان آجى اخدك
صمتت بضيق من محاصرته فكررت فرحة سؤاله قائلة: - ها يا مريم هتخلصى أمتى؟
قالت بضجر: - يعنى على الساعة 2 أو 3 مش عارفة بالظبط
قال يوسف بحسم: - الساعة أتنين هتلاقينى واقف مستنيكى.

خرج وليد من مكتبه واقترب من مكتب علا التي لا تعيره اهتماما، رسم ابتسامة على شفاه قائلاً:
أنا هروح اتغدى تحبى تيجى معايا؟
هزت رأسها نفيًا قائلة بجدية: - متشكرة يا أستاذ وليد. وبعدين لسه معاد الراحة فاضل عليه نص ساعة
أتكأ على المكتب قائلا: - ياستى انا صاحب الشغل ولا يهمك. وبعدين انا عاوزك في موضوع مهم ومش هينفع هنا.

نهضت ونظرة له بجدية وقالت: - انا مفيش مواضيع بينى وبين حضرتك غير الشغل وبس، لو في حاجة في الشغل افتكر هنا مكانها مش في حتة تانية
أعتدل وهو يتفحصها ببرود وعقد ذراعيه أمام صدره قائلاً: - أنتِ بتعاملينى ناشف كده ليه.

جلست وهي تتابع عملها: - أصل حضرتك متصور انى علشان بشتغل عندك يبقى سهل تاخدنى أى مكان بره الشغل. لا يافندم انا مش كده. وأظن حضرتك تعرف أن ابن عمك كان خاطب اختى يعنى لو كانت أخلاقنا عليها غبار مكنش فكر يرتبط بيها من الأول.
ثم القت عبارتها الأخيرة قاصدة أياها قائلة: - أحنا مالناش غير في الجد وبس يا فندم. ولو سمحت يا أستاذ وليد سبنى اكمل شغلى.

أخرج وليد علبة من القطيفة من جيبه ورسم على وجهه علامات الحزن قائلاً: - أنتِ فهمتينى غلط على فكرة. أنا بس كنت عاوزك علشان اقدملك دى
وفتحها وأدارها إليها، ألقت عليها نظرة سريعة. كانت تحوى خاتما ذهبيًا مرصعاً بفصوص للامعة براقة، أعادت نظرها إليه ببرود وقالت:
ايه دى
وليد: - دى هدية بسيطة
بمناسبة ايه؟
قال مغازلاً: - بمناسبة جمالك.

تصنعت الإنفعال وهي تقول: - حضرتك ليه مصمم تضايقنى. قلت لحضرتك انى ماليش في الحاجات دى، انت ليه مبتقدرش تفرق بين البنات وبعضها
وأخذت حقيبتها وهي تتصنع البكاء وهرولت سريعا من أمامه وهي تخفى ابتسامة خبيثة بداخلها لم تتجاوز عقلها!
شعر بحيرة شديدة من تصرفاتها معه، فهو لم يعتاد على ذلك من أى فتاة أخرى، هاتف صديقا له وواعده على الغذاء والتقى به في أحدى المطاعم القريبة من الشركة:.

ايه يا عم مختفى فين بقالى مدة مش شايفك على الشاشة يعنى
زفر وليد قائلاً بحنق: - أسكت يا معتز في بت مطلعة عينى
قال معتز باندهاش: - أيه ده. بقى وليد باشا مش قادر على حتة بت. لا قول كلام غير ده. مين البت دى.

زفر وليد ثانية بضيق قائلا: - بتشتغل معايا في مكتبى في السكرتارية. بس رخمة رخامة يا أخى. حتى الابتسامة في وشى بطلوع الروح. أقولها نرفع الألقاب تقولى مينفعش، أعزمها على غدا مترضاش وتقولى أنا مش بتاعة الكلام ده. أجيبلها هدية تديهوملى في جنابى وتسيبنى وتمشى. لما خنقتنى
ضحك معتز ضحكات عابثة قائلا: - لا ده انت حالتك صعبة أوى. قولى هي حلوة؟ تستاهل يعنى.

قال وليد بضجر: - وانا هعمل أيه بحلاوتها وهي منشفة ريقى كده. لا وقال أيه تقولى أنا ماليش غير في الجد
ضرب معتز جبينه قائلاً بفهم: - اوباااا، بس يا باشا انا كده فهمت. البت دى رسمة على جواز
قال وليد بسخرية: - جواز مين يابا هو انا بتاع جواز. ما انت عارفنى كويس. انا بس مش متعود ان واحدة تنفضلى كده
أرتشف معتز من القهوة الموضوعة أمامه وقال ببساطة: - طب انا بقى عندى فكرة تخليك تاخد راحتك معاها على الآخر.

قال وليد ساخراً: - منكم نستفيد
بص يا باشا. البت اللى تلاقيها معصلجة معاك وماشية في طريق الجواز. أخطبها
وليد باستهزاء: - لا والله وده من ايه.

أسمع بس لما اكمل كلامى. الحكاية دى ناس اصحابى جربوها كتير قبل كده. الواحد منهم يخطب البت اللى منشفة راسها معاه. يروح ويتقدم بقلب جامد ويعمل خطوبة ويقدم شبكة متوسطة كده. ويقعد سنة بقى داخل خارج معاها، عزومات وسهر وسينما والذي منه، ولما تحبك معاه أوى ياخدها تتفرج على شقة المستقبل وهي بتتوضب. اه طبعا يعنى تعيش في شقة من غير ما تقول رأيها فيها.

لمعت عينى وليد وهو يقول: - يابنى اللعيبة. شقة المستقبل. ازاى مخطرتش على بالى الفكرة دى قبل كده.
صمت لثوان في تفكير ثم قال: - بس يابنى ده كده ممكن يتدبس فيها ويضطر يتجوزها.

قال معتز بسخرية: - لا ماهو اللى يعمل كده لازم ياخد باله انه ميدبس نفسه. يعنى ياخد راحته من غير ما يدخل في الغريق علشان في الآخر لما يزهق. يقولها معلش يا حبيبتى احنا شكلنا كده متفقناش ومش قادرين نفهم بعض كل شىء نصيب بتمنالك حياة سعيدة
طب ماهى البت ممكن تروح تقول لأهلها.

قال معتز بزهو وهو يرى اللمعة في عينيى صديقه: -هتقولهم أيه. كنت بروح معاه شقة بيقول اننا هنتجوز فيها؟! وحتى لو عملت كده هيقولهم محصلش دى كدابة واكشفوا عليها هتلاقوها صاغ سليم. واهو اتبسط وعمل كل حاجة بالدبلة اللى لبسهالها وفي الآخر طلع منها زى الشعرة من العجين ولا حد يقدر يقوله تلت التلاتة كام
قال وليد بمكر: - يابن الأيه. ده انت حلتهالى على الآخر. ده على كده الدبلة دى بتحل مشاكل كتير وبتقرب البعيد.

خرجت سلمى من الكلية ووقفت تبحث عن سيارتها بين السيارات فرأت فتاة تشبه مريم اقتربت منها ثم قالت بدهشة:
أيه ده مريم؟
ألتفتت لها مريم وقالت ببرود: - أهلا يا سلمى
أقتربت سلمى أكثر منها وهي تنظر لملابسها قائلة: - أيه اللى لابساه ده. من أمتى يعنى
ثم قالت بسخرية: - أيه هو يوسف غصبك تلبسى كده. من أولها كده هيتحكم فيكى.

نظرت لها مريم بحنق قائلة: - لا يا سلمى انا اللى غيرت لبسى علشان أبقى محجبة زى ما ربنا عايز مش زى ما الموضة عاوزه
صفقت سلمى ببطء وهي تقول: - برافوو. أيه ده ياربى. واقفة قدام ايمان بذات نفسها
نظرت لها مريم بضيق وهمت بالإنصراف تاركة لها المكان ولكن سلمى قبضت على ذراعها وتصنعت التفهم:
متزعليش بس استنى هنا انا والله مبسوطة انك مرتاحة انا بهزر معاكى مش اكتر. ده انتِ حبيبتى يا مريم.

خلاص مفيش حاجة. عن أذنك بقى مش عاوزه اتأخر
استدارت لتذهب فوجدت أحد الشباب مقدم في اتجاههما وهو يشير لسلمى من بعيد بالتحية، حاولت أن تذهب ولكن سلمى قبضت على يدها مرة أخرى وهي تقول:
استنى بس انتِ وحشانى أوى ولسه مشبعتش منك
أرتبكت مريم ونزعت يدها من يد سلمى وقالت: - معلش مش دلوقتى عن اذنك
ألتفتت لتذهب مرة أخرى فوجدت الشاب قد اقترب منهما قائلا وهو يبتسم لمريم: - ازيك يا مريم وحشتينا.

قطبت جبينها وهي تقول: - أيه وحشتينا دى لو سمحت اتكلم معايا باحترام
وتركتهم وذهبت مسرعة بعيداً، ألتفت الشاب إلى سلمى وهو يقول بسخرية: - دى مالها دى
ما أن خطت مريم خطوات قليلة وكأنها تعدو حتى اصطدمت بيوسف، توترت وهي تنظر إليه وهو يقول لها:
الواد ده ضايقك؟
هزت رأسها نفيا فقال لها وهو ينظر إلى سلمى وصديقها شذراً: - طب يلا. كويس انى جيت بدرى
أستقلت معه السيارة وعندما لم تجد فرحة قالت بتوتر: - فين فرحة؟

قال بعملية: - صحابها روحوا بدرى وخدوها في سكتهم
توترت أكثر وشعرت باضطراب في جسدها، خفق قلبها بشدة عندما أدار محرك السيارة وهو يقول:
كان بيقولك أيه؟
هو مين؟
نظر لها نظرة جانبية سريعة وهو يقول: - الواد اللى ضايقك من شوية
قالت بضيق: - قلتلك مضايقنيش
أومال انا ليه شفتك بان عليكى ملامح الضيق أول ما شفتيه وسبتيه ومشيتى على طول
نظرت له بدهشة: - أنت كنت بتراقبنى ولا ايه...

ثم أضافت بحنق: - وبعدين أنا بطلت أقف مع ولاد
نظر أمامه ولم يرد عليها فقالت باستنكار: - أظاهر انك نسيت نفسك وافتكرت انك جوزى بصحيح
قال بهدوء: - متبدأيش في استفزازى تانى من فضلك. كفاية اللى قولتيه قبل كده.

كانت تتمنى أن تستفزه فعلاً وأن توجه إليه اللعنات، ولكن هذه المرة تختلف كثيرًا، أنها وحدها معه فمن الأفضل أن تصمت، فتحت مصحفها وظلت تقرأ بعينيها في صمت وهو ينظر إليها بين الحين والآخر حتى وصل إلى المنزل، وعند البوابة تفاجأ بمرور سيارة والده في طريقه للعبور للداخل، لمح والده مريم تجلس بجواره في السيارة. تراجع يوسف بسيارته ليفسح المجال أمام أبيه للعبور، توقفت السيارتان وهبطت مريم في سرعة وتوجهت إلى سيارة عمها وهو يترجل منها في هدوء، وضع يده على كتفها بترحاب قائلاً:.

ازيك يا بنتى. كنتِ فين؟
كان عندى تدريب في الكلية وكان المفروض ارجع مع فرحة. بس هي روحت بدرى مع اصحابها
نظر حسين إلى يوسف الذي يقف أمام والده باحترام شديد، ثم نظر مرة أخرى إلى مريم وقال لها:
ضايقك؟
هزت رأسها نفيا وهي تقول: - لاء
أعاد حسين نظره إلى يوسف قائلا: - انا كنت هسحب منك العربية كمان. بس خلاص خليها. أهو تبقى توصلهم بدل ما تقعد عاطل كده.

وأخذ مريم واتجه بها إلى الداخل، أستند يوسف إلى سيارته ومسح على شعره وقد احمر وجهه مما سمعه من كلمات لازعة أمام مريم.
توقف بهما المصعد في الطابق الثانى فقال حسين بحنان: - متيجى تقعدى معايا بدل ما تطلعى تقعدى لوحدك فوق. تلاقى ايمان عندنا دلوقتى
أومأت برأسها موافقة فلمح في عينيها التوتر والحيرة فقال: - عاوزه تسألى على حاجة؟
قالت بخفوت: - أيوه يا عمى عاوزه اعرف معنى الكلام اللى قلته تحت من شوية.

أبتسم وهو يقول متسائلاً: - يهمك تعرفى؟
زاغت نظراتها ولم ترد فقال وقد اتسعت أبتسامته أكثر: - طردته من الشركة وقلتلوا مالكش شغل عندى وكنت ناوى اسحب منه العربية بس خلاص طالما ممكن ينفعك بيها خليها معاه
شعرت مريم بشىء من الإرتياح عندما تخيلته وهو يطرد من عمله ويتكلم معه أبيه بهذه الطريقة المهينة، وأمامها أيضاً، طرق الباب وفتحت له إيمان بابتسامتها المشرقة:.

حمد لله على السلامة. أيه كان عندكوا راند فو ولا أيه؟
قال حسين مداعبًا: - هزرى براحتك علشان جايبلك خبر هيفرحك أوى
خبر أيه؟
قال بلامبالاة: - عبد الرحمن سافر بور سعيد وهيقعد كام يوم هناك
شعرت إيمان بصدمة وهي تقول: - سافر امتى. ومقاليش ليه؟
أبتسم وهو يقول: - أنا كنت فاكرك هاتفرحى اكمنه كان كابس على نفسك
أنطفأت أشراقتها وقالت: - مكلمنيش يعنى. للدرجة دى مش فاضى.

كان لازم يسافر بسرعة مع العملاء. في مشكلة في المينا ومفيش حد غيره هيعرف يحلها وتلاقيه مش عارف يكلمك وهو راكب معاهم
قالت بذبول وهي تنصرف للمطبخ: - طب ياعمى متشكرة انك قولتلى. أروح اكمل الغدا مع طنط عفاف
جلس بجوار مريم بعد انصراف إيمان وقال لها: - بقولك أيه يا مريم انا شايف ان مفيش داعى نستنى كتير. أيه رأيك نعمل الفرح أول ما عبد الرحمن يرجع
أنتفضت وهي تلتفت إليه قائلة: - لا يا عمى كده بدرى أوى.

قال بجدية: - بدرى على أيه؟ انتِ ناسية انتوا هتعيشوا مع بعض ازاى؟ يعنى مش هتفرق بقى نعمل الفرح دلوقتى ولا بعدين. كده ولا كده مش هيبقى في بينكوا تعاملات
قالت مريم بتوتر: - بس انا اخاف اقعد معاه في مكان واحد. ده انا كنت مرعوبة وانا راكبة معاه العربية لوحدى
قال بثقة: - متخافيش. ميقدرش يأذيكى بأى شكل من الأشكال. هو عارفنى كويس وعارف انا ممكن اعمل فيه أيه.

حاولت أن تعترض بكلمات مبعثرة متلعثمة ولكنه قاطعها قائلاً: - خلاص بقى يا مريم خلينا نخلص من الحكاية دى بدل مانتى كده على ذمة واحد بتكرهية. خليكى تدخلى وتقعدى معاه شوية وبعدين تطلقى وتبدأى حياتك من جديد. عاوز أطمئن عليكى يا بنتى. ها قولتى أيه؟
قالت بخفوت: - معاك حق يا عمى التأجيل مالوش لازمة. خلينا نخلص
جلس وليد أمام أبيه وهو يقول: - يابابا الكلام ده مالوش لازمة. البنت عاجبانى وهاخطبها خلاص.

قال إبراهيم بانفعال: - أنت ناسى دى تبقى مين. دى اخت هند اللى ابن عمك فسخ خطوبته منها والله أعلم عمل كده ليه
قال وليد ببرود: - ميهمنيش. وبعدين انا قلت هاخطبها هو انا قلت هتجوزها
نظر له والده بتسائل: - نعم، يعنى ايه
قال وليد بارتباك: - لا انا قصدى يعنى انى هخطبها واشوف أخلاقها. لو طلعت كويسة نكمل. طلعت غير كده يبقى خلاص.

يابنى مش عاوزين حاجة تفرق بينا وبين عمك وولاده. ازاى بس هتيجى بينا كده هي واختها اللى كانت مخطوبة لابن عمك
قال وليد في تصميم: - يابابا انت مكبر الموضوع أوى. دى مجرد خطوبة وخلاص، وبعدين يعنى هو عبد الرحمن ومشاعره أهم عندك مني انا
قال إبراهيم في استنكار: - لله الأمر من قبل ومن بعد. أنا عارفك لما بتحط حاجة في دماغك. خلينى اقول لعمك واشوف هيتصرف ازاى.

وليد بلا مبالاة: - يتصرف في ايه بس. أنا خلاص دخلت بيتهم وقعدت مع امها وحددنا معاد كمان يومين. ولا يرضيك ابنك يخلف وعده ويطلع عيل.

ربت حسين على كتف أخيه إبراهيم وقال بابتسامة: - هدى نفسك يا إبراهيم خلاص سيبه يعمل اللى هو عاوزه
ازاى بس. الواد ده مخه طول عمره تاعبنى يا حسين ومش قادر عليه
قال حسين مهدئاً: - خلاص يا ابراهيم يخطبها هو حر. هو اللى اختار. سيبه على راحته علشان ميجيش بعد كده يقولك انت غصبت عليا
هتدخل العيله ازاى دى هي واختها، طب وعبد الرحمن.

أبتسم حسين وقال بتفهم: - عبد الرحمن بيحب مراته يا ابراهيم. ووجود هند من عدمه مش هيفرق معاه. بلاش نعاند مع وليد وانا متأكد انه هيسيبها لوحده.

جلس وليد بجوار علا وأمسك يدها وألبسها خاتم الخطبة الذهبى والذي حرصت علا على أن تنتقيه بسيط لتعطى انطباع لوليد عنها أنها قنوعة ولا تطمع في أمواله وانما وافقت على الخطبة من أجل مشاعرها تجاهه. فقط لا غير!
جلست هند في بهجة بجانبها وطبعت قبلة على وجنتها قائلة بسعادة كبيرة: - مبروك يا لولى.

كانت هند تشعر بأنها اقتربت خطوة كبيرة من عبد الرحمن، ولابد أن تلحقها بخطوة أخرى سريعة ولكنها ستنظر عودته أولا، كانت فاطمة تجلس بجوار زوجها وتهمس له:
ابنك اتجنن باين عليه. بقى دول ناس نناسبهم
وخزها بلطف قائلا: - مالناش دعوة يا فاطمة. أحنا جينا بس علشان منسيبوش لوحده. لكن كده ولا كده كان هينفذ اللى في دماغه
مالت وفاء عليها قائلة: - بس يا ماما. الناس بتبص اسكتى.

نظرت علا لوليد بدلال وقالت: - اومال عمك مجاش ليه هو وولاده. هما مش موافقين على خطوبتنا؟
طبع قبلة على يديها قائلا: - مش بابا وماما واختى موجودين عاوزه عمى فأيه بس. وبعدين يا حبيبتى ملكيش دعوة غير بيا انا بس. أنتِ في قلبى. واللى مش عاجبه بخبط دماغه في الحيطة
ضحكت بدلال وهي تقول: - ربنا يخليك ليا يا حبيبى
دخلت عفاف مندفعة إلى زوجها في غرفته هاتفة: - أنا عاوزه أعرف في أيه بينك وبين ابنك.

رفع وجهه من بين أوراقه وقال بهدوء: - مالك يا عفاف في أيه وابنى مين فيهم؟
قالت عفاف بانفعال: - أبنك يوسف، أنا عاوزه اعرف في أيه. تشوفه في مكان تسيبه وتمشى. وهو مبيقعدش معاك في مكان واحد. ودايما قاعد في الجنينة وامبارح نام فيها. أنا عاوزه افهم!
نظر لها بضيق قائلا: - وانا مالى متسأليه يا عفاف
قالت بحنق: - أنا عارفاكوا كويس. مش ده يوسف اللى كان بينقى الكرسى اللى جنبك ويقعد فيه. قولى في أيه يا ابو يوسف.

نظر لها نظرة جانبية وقال: - مفيش. هو بس غلط غلطة كبيرة أوى في شغله. حملنا بيها خساير كتيرة وكان لازم يتعاقب. أصله مش صغير يعنى علشان يغلط غلطة زى دى ميغلطهاش موظف لسه جديد
قالت بصوت أشبه بالبكاء تعاطفاً مع ولدها: - كلنا بنغلط يا ابو يوسف. مش معقول علشان حاجة حصلت غصب عنه يتعامل بالشكل ده. ده بقى لا بياكل ولا يشرب لحد ما خس وعدم.

رسم ابتسامة رضا على محياه قائلا: - خلاص يا عفاف. علشان خاطرك انتِ هسامحه. علشان تعرفى بس غلاوتك عندى ولو انى مبسامحش في الشغل أبدا
أبتسمت برضا قائلة: - ربنا يخاليك لينا يا حسين.
وخرجت بغير الوجه الذي دخلت به منذ قليل.

كانت مريم تمسك بجهاز التحكم وهي تشاهد التلفاز وتتقلب بين قنواته في ملل شديد، أطفأته ونهضت لتذهب للشرفة لتجلس فيها قليلا، رأته يتجول في الحديقة ويدور حول نفسه، يدور كالنمر المحبوس بين قضبانه لا يجد مخرجا، ظلت تنظر إليه بشرود وهي تتذكر كلماته اقعدى مع نفسك وانتِ تعرفى ان سمعتك كانت متشوهة لوحدها. اه صحيح انا نسيت اقولك انى كنت ماشى وراكى بالعربية انتِ وصاحبتك السفلة وشفتكوا وشفت كنتوا رايحين فين ومع مين.

جلست على المقعد في وجوم وهي تقول: - كنت ماشى ورايا ليه يا يوسف. ولما شفتنى وانا طالعة معاهم ليه مجتش تاخدنى. كنت همشى معاك والله.

فى نفس اللحظة كانت إيمان تتقلب في فراشها يجافيها النوم، لقد تعودت على وجوده في المنزل كيف تنام بدونه، نهضت ودخلت الغرفة التي ينام فيها، دست جسدها تحت غطاءه وتدثرت به وأغمضت عينيها وهي تستنشق عبيره الذي يملاء فراشه ووسادته، وبدأت بالفعل في الاسترخاء حتى سمعت صوت هاتفها ألتقتت الهاتف ونظرت فيه وابتسمت عندما وجدت أسمه تضىء به شاشته ردت بلهفة:
السلام عليكم.

أتاها صوته عبر الهاتف بشوق كبير: - وعليكم السلام. وحشتينى يا حبيبتى. وحشتينى أوى
لم تستطع كلماتها أن تعبر عما يحمله قلبها فصمتت في خجل وشوق، أتاها صوته مرة أخرى بشوق أكبر:
هو انا كل ما اقولك حاجة تتكسفى كده. أنا قلت وحشتينى يا حبيبى. يعنى مش قصدى حاجة عيب. انتِ دايما كده تفهمينى صح
أبتسمت ابتسامة كبيرة فتابع وكأنه قد رآها: - أبتسامتك وحشتنى أوى
نظرت للهاتف في دهشة ثم قالت بصوت هادىء: - هتيجى أمتى؟

قال مشاكساً: - وحشتك؟
حاولت أن تصبغ صوتها بصبغة جدية وهي تقول: - أخبارك أيه؟
قال مداعبا: - لا يا شيخة. عليا انا الحركات دى؟
أحمر وجهها بشدة وهو يتابع حديثه: - أنا دلوقتى في الفندق ولسه قدامى يومين. مش عارف هبات يومين كمان بعيد عنك ازاى يا حبيبتى
وأكمل مداعبا: - كل ما اتقلب على السرير اشوف صورتك على الوسادة الخالية اللى جانبى
أبتسمت رغما عنها وهي تقول: - هو انت مبتتكلمش جد أبدًا.

ظهر الشوق في صوته بوضوح وهو يقول: - ماهو انا لو اتكلمت جد معاكى دلوقتى مش عارف هيحصلى أيه. مش بعيد أقوم انط في أى عربية واجيلك
قالت محاولة أن تغيير مجرى الحديث: - عمى حدد معاد فرح مريم ويوسف
قال عبد الرحمن وهو يضع ذراعه خلف رأسه ويتمدد على الفراش باسترخاء: - قديمة. عارفها من ساعة. كنت بكلم بابا وقالى احاول اخلص واجى في اقرب وقت.
ثم همس لها وهو يقول: - ميعرفش انى عاوز اطير وآجى بسرعة.

قالت معاتبة: - يعنى كنت فاضى اهو من ساعة وبتكلم عمى اومال مكلمتنيش ليه
تنهد بقوة قائلا: - كنت بكلمه وانا بره مع الناس وكنت مستنى لما اقعد لوحدى علشان اكلمك. أول ما دخلت اوضتى في الفندق كلمتك على طول
ثم قال مداعبا مرة أخرى: - بصراحة باربى وحشتنى أوى
ضحكت برقة وهي تقول: - مكنتش اعرف انك بتحبها أوى كده
فقال بخفوت: - أعمل ايه بس من ساعة ما شفتها وانا نفسى اروح معاها للرذيلة وهي اللى مش موافقة.

ظل يحادثها ويبثها حبه ولا ينتظر منها ردًا، فهو يعلم أنها مازالت تخجل منه ولن تستطيع أن تجاريه في الحديث الآن
أنهى اتصاله وهو يضع قبلةُ على هاتفه لتصل إلى قلبها، بل لأعماق قلبها بحديثه الهامس
أحتضنت الهاتف وهي تغمض عينيها لتنام، تفاجأت بصوت رسالة جديدة، فتحتها لتقرأ كلماته لها وقلبها يختلج بشدة بين ضلوعها
أسمع صوتك أشهد وجهك. أشعر أنك بين جفوني
وأذوب حنان وحنينا. للقائك يا ضوء عيوني.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة