قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الثالث عشر

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الثالث عشر

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل الثالث عشر

كانت فرحة تقف مع والدتها في شرفة غرفتها المطلة على الحديقة في انتظار إيهاب، فلقد مضت عليها الأيام السابقة كئيبة ويكفى أنها كانت خالية من وجود إيهاب معها في نفس المكان، لمعت عيناها بفرحة حقيقية وهي ترى أضواء سيارتا عبد الرحمن ويوسف تقترب من بوابة الحديقة الخارجية، أشارت إلى البوابة بسعادة وهي تمسك بكف والدتها وتقول بلهفة:
أهم يا مامتى. وصلوا.

وقفت عفاف في بهجة وارتسمت علامات السعادة على وجهها وقالت لفرحة: - يالا ندخل نقول لأبوكى بسرعة
دلفت عفاف للداخل وتوجهت إلى حيث زوجها وقالت: - وصلوا يا حسين أنا هروح افتح الباب
أبتسم في سعادة وقال: - أومال فرحة فين مش كانت معاكى
عفاف: - بتلبس الحجاب وجاية
وقف عبد الرحمن أمام المصعد وقال بابتسامة كبيرة: - أطلعوا انتوا بقى بالشنط وانا ويوسف هناخدها سلالم
أعترض إيهاب قائلا: - لا أنا هطلع معاكوا...

ثم أشار إلى مريم وإيمان وقال: - أطلعوا انتوا يابنات بالشنط في الأسانسير
ألقت مريم نظرة على يوسف فوجدته ينظر إليها بعتاب شديد دون أن ينتبه، لا تعلم سر هذه النظرة المتواصلة منذ أن خرجت من غرفتها وهي تحمل حقيبتها وألقت عليه السلام هو وأخوه وهو ينظر لها بعتاب دائما، هل بسبب أنها تركت العمل لديه أم غير ذلك لا تعلم
استيقظت من شرودها على صوت إيهاب وهو يكلمها بقلق: - مالك يا مريم واقفة كده ليه.

قالت مريم بانتباه: - نعم. لا مفيش حاجة أنا داخله اهو
وكادت أن تدخل المصعد ولكنها اصطدمت بإيمان التي خرجت منه مرة أخرى في سرعة وقالت ل يوسف بلهفة:
معلش يا يوسف ممكن تدينى مفتاح عربيتك
نظر لها بتسائل في حين قال ايهاب: - ليه يا إيمان نسيتى حاجة؟
أومأت برأسها قائلة: - معلش نسيت حاجة مهمة ومينفعش أسيبها للصبح
قال يوسف بمزاح: - أكيد حلة محشى صح؟

ضحك عبد الرحمن قائلا: - يابنى انت مبتفكرش غير في الأكل. هات مفاتيح عربيتك يالا
وأخذ مفاتيح سيارة يوسف وقال: - أطلعوا انتوا وأنا هروح أجيبها وآجى بسرعة
ثم وجه حديث لإيمان قائلا: - ها نسيتى أيه وفين؟
طأطأت رأسها بخجل وقالت: - مج لونه أبيض فيه وردة بيضا على تابلوه العربية
تذكر إيهاب وقال: - اه صحيح نسيت أخدها في أيدى وأنا نازل معلش يا إيمان.

أبتسم يوسف وقال مداعبا إيهاب: - أيه ده الوردة طلعت بتاعة اختك، وانا اللى كنت فاكر انك جايبهالى علشان تعبرلى بيها عن اعجابك بسواقتى
ضحك كل من يوسف وإيهاب في حين نظر لها عبد الرحمن بخجل وقد تذكر ما فعله من حماقة معها من أجل أنقاذها تلك الزهرة، ذهب إلى الجراج الخاص في صمت في حين صعد الجميع إلى شقة الحاج حسين الذي ما أن وقعت عينيه عليهم حتى ابتسم بترحاب وضمت عفاف مريم وإيمان ورحبت بإيهاب كثيرا.

أجتمعت الأسرة في غرفة المعيشة واقبلت فرحة متشوقة بملامح خجلة، نظرت إلى إيهاب نظرة خاطفة بخجل وشوق وألقت عليه التحية واحتضنت كل من إيمان ومريم بلهفة كبيرة
وما أن أخذ الجميع أماكنهم حتى دخل عبد الرحمن وفي يده الكوب الذي يحوى الزهرة وقدمه لإيمان قائلا بنبرة اعتذار:
أتفضلى. والله خدت بالى منها جدا وانا جايبها حتى اسأليها
رفع نظره فوجد والدته ووالده ينظران إليه بتسائل وعلى وجوهيهما ابتسامة فقال شارحا:.

دى إيمان نسيتها في عربية يوسف
وقفت فرحة بفضول وقالت: - أيه ده معقول الوردة دى شبه اللى عندنا تحت أوى
وضع عبد الرحمن كفه على وجهها ودفعها لتجلس مرة أخرى على مقعدها ثم يلتلفت إلى الجميع وهو يقول بضحكة بلهاء:
ههههههه. منورين يا جماعة والله
نهضت عفاف وقالت: - يالا يا جماعة العشا جاهز
وقفت مريم وقالت بحزن: - معلش يا طنط أعفينى. أنا هطلع أستريح اصلى تعبانة شويه.

اقتربت منها عفاف بلهفة قائلة: - مالك يا مريم حاسة بأيه
مريم: - أبدا مش تعب يعنى. أنا بس مرهقة وعاوزه أنام
ألقت إيمان نظرة إلى عمها ثم قالت: - وأنا كمان هطلع
وقف حسين أخيرا وقال بلهجة آمره: - مفيش نوم قبل العشا يالا على السفرة.

خطت إيمان بخطوات بطيئة تنظر إلى مبنى الشركة الضخم، أنه يفوق ما كانت تتصور، أوقفها الأمن على البوابة ثم سمحوا لها بالدخول فور رؤيتهم لبطاقة هويتها الشخصية، ظلت تنظر حولها في انبهار أثناء اتجاهها في الطريق الذي يشير إليه موظف الأستقبال الذي يصاحبها فيه حتى وصلت إلى مكتب السكرتارية الخاصة بعمها، كانت تتوقع أن تنتظر برهة ليسمحوا لها بالدخول ولكنها تفاجأت بتواجد عمها شخصيا في استقبالها أمام باب مكتبه الخاص وعلى وجهه ابتسامة كبيرة و مرحبة بها وقال:.

نورتى الشركة يا إيمان. طب مش كنتى تقولى انك جاية كنت بعتلك العربية
جلست على استحياء مقابلة له قائلة: - معلش يا عمى محبتش اتعبك
نظر لها الحاج حسين بعتاب قائلا: - تتعبينى أيه بس أنتِ مش هتبطلى الحساسية الزايدة دى
ثم أردف بود: - ها تحبى تشربى أيه
قالت بحرج: - شكرا يا عمى أنا مش هطول
لا مينفعش لازم تشربى...
ثم أجرى أتصالاً وأمر لها بكأس عصير طازج ثم أجرى أتصالاً آخر بأخيه إبراهيم وتحدث معه في بهجة واضحة:.

مش هتصدق يا ابراهيم مين عندنا في الشركة دلوقتى
ثم نظر لها مبتسما فبادلته الأبتسامة فقال: - إيمان في مكتبى دلوقتى
أنهى الاتصال والتفت لها قائلا: - عمك مش مصدق قالى اقبض عليها لحد ما آجى أشوفها بنفسى
أبتسمت إيمان وهي تقول بخجل: - ربنا يخاليكوا يا عمى انتوا بتعاملونا معاملة مكناش نتوقعها أبدا
دخل الساعى ووضع كأس العصير وقبل أن يخرج دخل إبراهيم متهللا وجهه عندما وقع نظره على إيمان سلم عليها وقال:.

أزيك يا إيمان عامله ايه
الحمد لله يا عمى بخير
حمدلله على السلامة يابنتى نورتى البيت والشركة
منوره بيكم يا عمى
شردت قليلا وهي تنظر إليهما لا تعلم كيف تبدأ حديثها بعد هذا الترحيب الكبير ماذا ستقول هل تبدأ بكلام أمها أم تسأل هي وكأنها لم تعلم ماذا حدث وأخيراً حسمت أمرها قائلة: .
عمى أنا عارفة أن الموضوع اللى أنا جايه فيه مينفعش اتكلم فيه في الشغل لكن مكنتش عاوزه حد من البيت يسمعنا.

تبادل حسين وإبراهيم النظرات المتسائلة فتابعت في تردد: - بعد أذن حضرتك يا عمى أنا عاوزه أعرف الحقيقة منكم، أيه اللى حصل زمان خلى أمى تطلق وتهرب بينا وتختفى عنكم وهل فعلا بابا الله يرحمه كان ليه فلوس عندكم ولا لاء؟
تبادلا النظرات مرة أخرى ولكن هذه المرة كانت النظرات لها معنى آخر وساد الصمت لبرهة
قطعته إيمان وهي تنظر إليهما وكأنها قد استشعرت الحرج في نظراتهما فقالت: - وأنا هقبل الحقيقة دى مهما كانت.

إبراهيم: - هو أنتِ يا بنتى أمكوا محكتلكوش على حاجة
إيمان: - حكتلنا حاجات كتير وكنا مصدقنها لكن لما عشنا معاكوا وشوفناكوا مبقناش متأكدين من أى حاجة
حسين: - قالتكوا أيه يا بنتى.

ايمان: - ياعمى من فضلك أنا لو كنت واثقة أن اللى اعرفه صح مكنتش جيت النهاردة. أنا زى ما يكون كان بيتحكيلى على ناس تانية غيركوا. من فضلك يا عمى ريحنى ولعلم حضرتك مريم عارفة أنى جايالكم النهاردة لأن هي كمان عاوزه تعرف الحقيقة ومرضتش أقول لإيهاب لإنى لو قلتله كان هيصمم يجى معايا وأنا عارفة إيهاب حمقى ومش هيستحمل كلمة على ماما وأنا لسه مش عارفة االماضى كان شكله أيه.

أومأ ابراهيم برأسه موافقا لها وقال: - عين العقل يابنتى
تنهد حسين تنهيدة قوية وهو يقول: - أنا كنت عارف أن مسيركم تسألوا. وكنت خايف من اللحظة دى
ثم نظر إلى إبراهيم وكأنه يستشيره ماذا يقول وماذا يخفى فقرر إبراهيم أن يرفع عنه الحرج فبدأ بالحديث قائلا:
شوفى يا بنتى...
قاطعه حسين قائلا: - أستنى يا ابراهيم. قبل أى كلام لازم نبعت نجيب كل الدفاتر والمستندات علشان يبقى الكلام بالدليل.

أجرى حسين أتصالاً بالموظف المسؤول عن حسابات الشركة، بعد دقائق قليلة أتى الموظف بالمستندات المطلوبة ووضعها على الطاولة أمام إيمان كما أمره الحاج حسين وانصرف.

أشار لها حسين قائلا: - دى كل المستندات ومتأرخه. بصى على التواريخ وراجعى الحسابات وده العقد اللى أبوكى الله يرحمه مضاه بأنه أخد كل فلوسه وعمل تخارج من الشركة لما كانت لسه صغيرة وأخد نصيبه منها كله. وده أعلام الوراثة بتاع أملاك جدك الله يرحمه علشان ينورك أكتر. خدى كل دول معاكى وأعرضيهم على أى محاسب ومحامى تثقى فيه وساعتها هتعرفى الحقيقة.

أردف إبراهيم متابعاً: - مفيش غير حاجة واحدة بس مش موجودة على ورق، جدك الله يرحمه اشترى الأرض اللى مبنى عليها دلوقتى البيت الكبير لكن ملحقش هو اللى يبنيه بعدها على طول توفاه الله واكتشفنا أن الأرض خرجت من الميراث لأن جدك كتبها بأسمى انا وحسين قبل ما يموت.

أكمل حسين: - وأوعى تفتكرى يا بنتى أن جدك ظالم علشان كتب الأرض بأسمى انا وابراهيم بس وأبوكى لاء. جدك ساعتها كان عنده بعد نظر وكان متأكد ان ابوكى هيسحب ورثه كله ومش هيتبقاله حاجة تعيشه وساعتها وصانى قبل ما يموت اننا نبنى البيت ويبقى ده بيت العيلة الكبير ويبقى لاخويا علي الله وولاده نصيب في البيت بنصيبهم في الأرض. يعنى انتوا يابنتى عايشين في ملككوا مش ضيوف عندنا.

كانت إيمان تسمع وكأنها تشاهد فيلم أبيض وأسود وترى المشاهد أمامها فقالت بخفوت: - بس الأرض باسم حضرتك وعمى بس يعنى قانونا احنا مالناش حاجة فيها
أبتسم حسين قائلا: - أديكى قولتى قانونا. لكن ضميرنا عارف أن جدك كان نيتوا أن الأرض تبقى لينا أحنا التلاتة وجدك مربينا ومتأكد أننا مش هنخالفه حتى بعد ما يموت، جدك كان عاوز يجمعنا مع بعض بعد مماته زى ما كان جمعنا في حياته.

قالت ايمان وقد لمعت عينيها بالدموع: - بس ده مخالف للشرع
أومأ حسين برأسه موافقا: - صح يا بنتى الميراث بالذات لازم يبقى قانونى ومكتوب لأن النفوس والضماير بتتغير.

لكن جدك كان ده تفكيره ساعتها علشان يحافظ على الحاجة الوحيدة اللى هتبقى مجمعانا في بيت واحد ومكان واحد. وبصراحة هو كان عنده بعد نظر وكلامه اتحقق فعلا. أبوكى الله يرحمه أخد ورثه كله ودخل في مشاريع بعيد عننا وكلها خسرت ولو كان عارف أنه ليه حق في الأرض كان باعه هو كمان.

توترت إيمان وشعرت أن عقلها غير قادر على فهم كل هذه المفاجآت في آن واحد: - أنا مش فاهمة يا عمى، ايه اللى يخلى بابا يبعد عنكم كده وياخد ورثه ويشتغل لوحده
تردد حسين فقال ابراهيم: - أمك هي السبب
وقعت الكلمة على أذنيها ثقيلة رغم أنها كانت تتوقع الكثير فقالت: - أزاى يا عمى أمى هي السبب
حسين: - ده تاريخ طويل يابنتى ملوش لازمة نفتح فيه دلوقتى...
ثم أردف: - ومعلش يابنتى ليا عندك طلب
إيمان: - أتفضل.

قال محذراً: - مش عاوز حد يعرف دلوقتى بحكاية حقكوا اللى في الأرض، أنا هقولهم بنفسى بس مستنى الوقت المناسب.
أومأت برأسها موافقة وقالت: - حاضر يا عمى، بس حضرتك وعدتنى تجاوبنى على أسألتى لكن جاوبتنى على سؤال الورث والفلوس بس ورافض تجاوبنى على الباقى
وأردفت في رجاء: - أرجوك يا عمى ريحنى. أنا عاوزه أعرف ليه أمى بتكرهكوا أوى كده. ايه اللى حصل بينكوا زمان ايه اللى يخلى واحدة تطلق تاخد عيالها وتهرب.

ثم أستدارت له بجسدها كله قائلة: - ياعمى احنا اتعذبنا أوى. أحنا عشنا في بلدنا زى الغرب بنخاف نقول أسمنها بالكامل بنخاف نجيب أسم عيلة جاسر على لسانا، ماما كانت محسسانا أنكوا لو عرفتوا طريقنا هتقتلونا. وكانت مفهمانا أن أنتوا السبب في طلاقها من بابا الله يرحمه وكل ده علشان الورث اللى هو مالوش وجود أصلا. كنا عايشين مع جوز أم بنكرهه ومكنش لينا مكان تانى نروحه علشان كده أنا وأخواتى مكنش لنا غير بعض. كنا بنتحاما في بعض لحد ما ربنا من علينا وأحنا في ثانوى وجالهم شغل بره ومحدش فينا رضى يسافر معاهم وقعدنا هنا مع بعض نذاكر ونعتمد على نفسنا ونشتغل كمان علشان مكناش عاوزين قرش من جوز أمنا. ليه يا عمى أمى تشوفنا كده وتفضل تكرهنا فيكوا وتبعدنا عنكوا إلا اذا كان في سبب قوى. فهمنى يا عمى يمكن قلبى يهدى شوية.

ثم بدأت في البكاء وقد عادت إليها آلام السنين والذكريات السيئة، نهض إليها حسين وبدأ في تهدئتها فأشار له إبراهيم أشاره وكأن يقول دع الأمر لى، جلس إبراهيم أمامها مباشرة وقال:
أنا هريحك يابنتى
رفعت إيمان رأسها وقالت برجاء: - ياريت ياعمى.

ابراهيم: - يابنتى الحكاية قديمة اوى. من ساعة ما كانت جدتك في مشاكل بينها وبين اختها سميحة أم أمك لدرجة أنهم قطعوا بعض. المشاكل دى كانت بتكبر لدرجة أنها وصت أن محدش من ولادها يتجوز بنتها أحلام. أمك يعنى
لكن بقى أبوكى حبها وصمم يتجوزها بدون رغبة جدك. جدك ساعتها غضب عليه وقاطعه لانه خالف وصية أمه الله يرحمها.

وفضلت العلاقات مقطوعة بين أبوكى وجدك لكن احنا كنا بنسأل عنه وبنعرف أخباره وبعد جدك ما مات دخلنا شركة مع بعض. أبوكى فضل معانا لحد ما أمك فضلت وراه لحد ما سحب نصيبه من الشركة وكانت بتفهمه اننا بنسرقه ومع الأسف كان بيصدقها من كتر ما كان بيحبها. بعد ما خد نصيبه ابتدت أمك تدخله في مشاريع خسرانه وهو ماشى وراها لحد ما خسر كل فلوسه وأبوكى كان مريض من وهو صغير كان عنده مشكله كده في القلب.

طبعا مستحملش الخسارة الكبيرة دى ودخل المستشفى وساعتها أمك مكنتش بتزوره خالص لأننا كنا موجودين دايما معاه. وهي كانت بتخاف تواجهنا لأنها عارفة أنها السبب وأنها هي اللى وقعت بينا وبينه. في الوقت ده أبوكى وصانا عليكوا وأننا لازم نراعيكوا ونضمكوا لحضننا ونربيكوا وسط ولادنا وأحنا عاهدناه على كده. بعدها أمك راحتله المستشفى وهو قالها بوصيتوا لينا اتخانقت معاه وصممت أنه يطلقها وهو تعبان كده. أبوكى كان مضايق منها حاسس أنها دمرتله حياته فراح مطلقها. ومات في نفس اليوم الله يرحمه. وأمك خافت أننا ناخدكوا منها هربت وأخدتكوا معاها وضحكت علينا عن طريق البواب وفهمتنا أنها هربت على المطار. طبعا أحنا عرفنا بعدها أنها كانت حجزه تذاكر فعلا لكن ساعتها اللبخة اللى كنا فيها مخلتناش نتأكد هي ركبت الطيارة فعلا ولا لاء. وطبعا خدتكوا بعيد عننا وأحنا كل ده بندور عليكوا بره مصر وعن طريق المطار والكشوفات بتاعة المسافرين.

قالت ايمان وهي مازالت مشدوهة مما تسمع: - ايوا بس ماما مسافرتش طيران خالص حتى لما سافرت مع جوزها سافرت برى
ابراهيم: - وهي دى غلطتنا يابنتى أننا كنا بندور في الاتجاه اللى هي رسمته لينا ومدورناش في اتجاه تانى لحد ما وفاء بنتى لفتت انتباهنا لأنكم ممكن تكونوا في مصر من الأساس وان كل ده كان وهم امك عيشتنا فيه. بس طبعا ده جه متأخر أوى لأن أمك كانت قررت تعرفنا طريقكوا وبعتتلنا الجواب.

نظرت ايمان الى عمها حسين فوجدت في عينيه نظرة امتنان لأخيه ابراهيم، تفرست في ملامحه جيدا فشعرت أن عمها ابراهيم لم يقل كل الحقيقة، قالت موجهة حديثها إلى حسين:
عمى، هي دى كل الحقيقة؟ هو ده كل اللى حصل؟
نظر لها في ارتياح قائلا: - ايوا يا بنتى عمك قالك كل حاجة
شعرت أنهما لن يبوحا بأكثر مما قالا لها، وتأكدت بأن هناك شىء ما ولكن مع الأسف سكوتهما عنه يؤكد أنه شىء مخجل، نهضت لتنصرف ولكن حسين قال مسرعا:.

أستنى يا ايمان نسيتى الملفات والورق ده
هزت رأسها نفيا وقالت بابتسامة مكسورة: - ملهمش لازمة يا عمى أنا مصدقة كل كلمة قلتها
قال بتصميم: - مفيش حاجه أسمها ملهمش لازمة
وأمسكها من يدها وأدخلها غرفة الأجتماعات الملحقة بمكتبه وقال لإبراهيم: - لو سمحت يا ابراهيم اتصل بالمحامى والمحاسب وخاليهم يجوا حالاً.

حاولت إيمان أن تذهب ولكنه كان أشد تصميما من ذى قبل على أن تجلس مع المحاسب والمحامى ليشرحوا لها الأوراق ويطلعوها على الأمر برمته.

خرجت ايمان من الشركة بين مشاعرها المتخبطة المختلطة وكأن مشاعرها ريشه في مهب الريح، نعم هي سعيدة بأنها علمت أنها تعيش في ملك أبيها وليست كضيفة عند أعمامها ونعم قد شعرت بصدق مشاعر الحنان من أعمامها رغم تأكدها أنهما لم يصرحا بكل شىء ونعم قد عرفت حكاية زواج أمها بأبيها وطبيعة هذا الزواج رغم علمها بانه كان زواج قائم على الطمع من أمها والثقه العمياء المفرطة من أبيها، رغم علمها أن تلك الحقيقة منقوصة وتفتقد حلقة مهمة لوصلها ولكنها ارتاحت قليلاً، كانت تود أن تصر على معرفة كل شىء، كانت تود أن تصرح بشكوكها تجاه والدتها ولكنها تذكرت قول الله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم فأبت إلا الصمت لأن بصيرتها تؤكد لها أن ما خفى عنها سوف يسوئها كثيرًا، سوف تؤجل هذا فيما بعد والزمن كفيل بأن يكشف الكثير.

عادت إلى المنزل، دخلته ولأول مرة تشعر أنها في مكانها، وصعدت إلى عفاف زوجة عمها احتضنتها وقبلتها وعرضت عليها مساعدتها في الطهى، وقفت بجوار عفاف في المطبخ وقالت بشكل عفوى:
أنتِ عارفة يا طنط أنى كنت عند عمى دلوقتى في الشركة
أرتفع حاجبى عفاف بدهشة وقالت بابتسامة: - بجد. ده تلاقى عمك طار من الفرحة. ده كان نفسه أوى تزوريه أنتِ بالذات يا إيمان عمك بيقدرك أوى.

أبتسمت ايمان في حب وقالت: - وأنا كمان بقدره وبحبه جدا...
ثم أردفت وهي تنظر إلى عفاف: - وكمان عرفت كل حاجة
ثم تنهدت تنهيدة طويلة وقالت: - عمى حكالى كل حاجة. مكنتش أتصور أبدا أن ماما تعمل كده.

ظنت عفاف أن إيمان تتحدث عن عبد الرحمن وهند وسبب فسخ الخطبة فقالت بسرعة: - أوعى تزعلى يا إيمان. والله عبد الرحمن عارف أنك ملكيش دعوة لا أنتِ ولا أخواتك. وان أمك بتتصرف كده من دماغها. وارجع واقول العيب مش عليها لوحدها العيب على خطيبته اللى كانت عاملة نفسها بتحبه وفي الآخر تطلع بتتجسس وبتنقل لامك الأخبار. بس عمل خير أنه رمى دبلتها. وابوه مسكتلوش على اللى عمله معاكى وعرفه غلطه وحسسه بالذنب.

تفاجأت إيمان بكلمات عفاف ووقعت عليها كالصاعقة، إلى هذا الحد أمها بهذا السوء، نعم الآن قد عرفت سر عبوس عبد الرحمن وقسوته، لماذا أطاحت بها كلماته في الحديقة، لماذا كان ينظر لها بغضب شديد، وأخيرًا عرفت السبب الحقيقى وراء اهتمام عبد الرحمن برجوعها المنزل مرة أخرى، ولماذا ذهب إليها عند المدرسة ليعتذر لها ولماذا أرسل لها الرسالة وجاء هو وأخيه وأعادهم إلى البيت الكبير، ولماذا نظراته كلها أعتذار وأسف، فقط يشعر بالذنب!

جلست مع نفسها طويلاً وشعرت بمدى الألم الذي يعتمل بداخل عبد الرحمن، خطيبته التي يحبها وكان يتصور أنها تحبه تظهر على حقيقتها بهذا الشكل المؤسف، تنقل أخباره هو وعائلته ولمن؟ لصالح أمها هى!، يا الله كيف تتحمل ذلك، كيف تستطيع أن تنظر إليه، كانت تجلس في الشرفة ورأته يروح ويغدو في الحديقة ذهابا وأيابا، نعم هو ألم الفراق، هي لا تستحق ولكن قلبه مازال متعلق بها لا يزال يتذكرها، نظرت في الكتاب الذي تحمله فوجدت بعض الكلمات وكأنها كتبت له، فتناولت هاتفها وكتبتها في رسالة وأرسلتها إليه لعلها تداويه، كان يدور في الحديقة بلا هدف وفجأة سمع صوت هاتفه معلنا عن رسالة جديدة تناوله وفتحها وقرأ فيها.

سيفتح باب إذا سد باب، نعم وتهون الأمور الصعاب
ويتسع الحال من بعد ما، تضيق المذاهب فيها الرحاب
مع العسر يسران هون عليك، فلا الهم يجدي ولا الاكتئاب.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة