قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية احتلال قلب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن عشر

رواية احتلال قلب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن عشر

رواية احتلال قلب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن عشر

فقدت هي وعيها دون سابق إنذار، حملها بين ذراعيه كريشة خفيفة، خفيفة جدًا بالكاد تشعر أنها بين ذراعيك، ولكنها تحبس أنفاسك وكأنها أثقل عبء...
اتجه بها مسرعًا نحو سيارته لينطلق نحو اقرب مستشفى...
ادخلها بعد وصولهم وهو يصرخ بالممرضة:
-فين غرفة الطوارئ؟
أشارت له نحو الغرفة مسرعة:
-اهي
ركض بلا تردد ليضعها برفق وهو يملس بحنان على خصلاتها...
دلف الطبيب ليبدأ فحصها تحت أنظاره الحارقة المترقبة..

بعد فترة###
نظر له الطبيب يهتف بجدية نفذ منها الصبر الذي أصبح فتات:
-صقر بيه، انا سبق وقولت لحضرتك إن نفسية الهانم مهمة جدًا، تعبها مش جسماني تعبها نفسي، الانفعالات بتأثر بطريقة غير مباشرة على الجنين من خلال الهرمونات!
ظل يمسح على شعره عدة مرات..
ماذا يفعل أكثر؟
أيستطع أن يُقدم لها أكثر من قربان موته!..
مؤكد لا، لن يستطع أن يعطيها روحًا هي سرقتها قبلًا!..
نظر للطبيب وهو يسأله بصوت عاجز:.

-والمفروض أعمل أية دلوقتي يا دكتور؟
أجابه متنهدًا ببساطة:
-حاول تعمل حاجة تفرحها! شوف اية اللي هيأثر بالايجاب عليها وأعمله
اومأ صقر موافقًا بشرود وهو ينوي بالتأكيد على ذلك...!
دلف إلى الغرفة التي تقطن بها غافية لا تعي شيىء...
جلس على طرف الفراش..
تحسس وجهها الابيض الذي رغم شحوبه لازال يحتفظ بنوعًا من الجاذبية التي رُسخت بتلابيبه...

آآهٍ من الاشتياق الذي يُعذبه، يقتلع جذور التعقل داخله فيدفعه نحو التهور...
كم اشتاقها...
كم فكر في أن يضرب كل شيئ عرض الحائط ويركض..
فكر وفكر، ولكن كل شيئ استقر في تربة اللوع والعقل هو من تغذى على عذاب الروح من جديد...
اقترب منها يهمس بصوت مبحوح:
-مكنتش متخيل إن صعب اوي كدة.

ابعد عنك، مكنتش متخيل ان البُعد بيوجع اوي كدة. كأنك أخدتي روحي وبعدتي بيها بعيد، فكرة أنك بتتنفسي نفس النفس اللي بتنفسه بس مش قادر ألمسك اخدك في حضني بتقتلتني، انا بتعذب ببُعدك عني، ارجعيلي!
ومع أخر قطرة ألم نزفت من اخر حرف كانت دمعة يتيمة حررها بصعوبة تهبط على وجنتها...
فرمشت عدة مرات، إختطف شفتاها الوردية في قبلة سريعة صحت وحوش الجوع داخله...

لينهض بسرعة مغادرًا قبل أن تستيقظ وبالطبع لم ينسى الاتصال بجسار..!

بعد فترة###
إستعادت وعيها ببطء، بدأت تنقل تحرك جسدها لتستشعر هل يوجد شخص ام لا بالغرفة وكان جسار ووالدتها، بدت وكأنها تبحث عنه، ولكن لم تجده!
وكأنه سراب واختفى كما اتى...!؟
اقترب منها جسار بلهفة يردد بمرح:
-كدة تخضينا عليكِ
لم تجب، بل سألته بوهن:
-مين جابني هنا يا جسار؟
نظر أمامه بشرود، لازالت كلمات صقر المحذرة المرصعة بعناده تهفو داخله.

ترنيم مش لازم تعرف إن انا اللي ودتها المستشفى، مش لازم تعرف أني ساكن قصادها! لازم تحس أني بعيد عنها كل البُعد!
أنتبه لمظهر ترنيم المترقب فقال بصوت أجش:
-جارنا وزوجته، ناس مانعرفهمش!
ثم أكمل مسرعًا يُغير الموضوع:
-بس متقلقيش البيبي كويس
عادت رأسها وكأنها للفراغ بيأس..
كانت تنتظر تلك الاجابة بفارغ الصبر، تنتظر أن يخبرها بسعادة صقر
ربما هو يكذب...

ولكنها شعرت به، شعرت برائحته التي تخللت ثنايا الروح المُعلقة على امل القرب..!
شعرت بحضنه الذي أشتاقته حد الجنون، شعرت به بكل ما للكلمة معنى!
ترى هل يكذب شعورها؟!
تنهدت بأسى وهي تتحسس بطنها مغمغمة بهمس لا يُسمع:
-كدة إتساوينا، إتسببت في موت واحد وإتسببت في نجاة واحد تاني!..

بمجرد أن فُتح الباب لفجر وجدت فتاة ما في عمرها تقريبًا..
ترتدي -قميص نوم- قصير يظهر معالمها التي أسودت ربما من كثرة النظرة المُحرمة لها!
أنتبهت على سؤالها النازق:
-أنتِ مين يا أنسه وعايزة أية؟
لا تدري كيف خرج صوتها على مراحل مُتفرقة من الصدمة التي أطاحت به:
-ب بابا! عايزة بابا
ثم أستدركت نفسها لتسألها متعجبة:
-أنتِ اللي مين وبتعملي أية في بيتنا؟!

وضعت يداها في خصرها تلعك -لبان- بطريقة مُستفزة وهي تخبرها:
-أنا كاترينا، مرات أبوكِ الجديدة يا حلوووة
أطلقت أخر كلمة بضحكة خليعة جعلت فجر تذبهل وهي فاغرةً فاهها...
يتزوج؟!
ومن تلك الساقطة...!
عادت تنظر لها متابعة بصرامة مزدردة:
-ولو، ازاي تفتحي الباب بقميص النوم، لو مش خايفة على نفسك خافي على سُمعته حتى!

نظرت لها كاترينا بحدة وبدت كمن أطلقت سراح الشياطين داخلها، فظلت تصيح بصوت عال غير مبالية بأطار الهدوء الذي كان يُحيط بهذا المنزل قبل مجيئها:
-قصدك أية يا حبيبتشيييي!، لااا ده أنا مُحتشرمه اوي غصب عن عين*** اهلك!
أتسعت عينا فجر مصدومة من سبابها العلني الذي خدش الحياء داخلها بأظافر قذرة...
ولكن قبل أن ترد وجدت والدها يخرج وهو يسأل مستفسرًا:
-في أية يا كاتي في أي...

ولكن بمجرد أن رآى فجر تحولت نبرته فزمجر فيها بحدة قاسية:
-نعم! جاية هنا لية يا** لسة فاكرة إن ليكِ اهل بعد ما خليتي راسي في الطين!؟
همست مشدوهه من إتهاماته التي خنقت روحها الملكومة مذ زمن:
-أنا؟ أنا عملت أية، ده انا اتجوزت ومن واحد الف واحدة تتمناه، انا ماعملتش لا عيب ولا حرام، ده جوزي واللي حصل اه تهور لكن مش جُرم!
كاد يهجم عليها ولكنها أوقفته بقولها الذي يعكس معدنها السابق معه:.

-أنا مش جاية عشان أفتكرت إن ليا اهل زي ما أنت بتقول
ألقت نظرة كسهم صائب نحو كاترينا ومن ثم أردفت بجمود:
-أنا بالنسبه ليا أهلي ماتوا، انا جاية افهم حاجة واحدة، أنت ابويا فعلًا ولا لا؟!
لا تدري لم سألته عنه فقط...
لم تسأله عن والدتها الراحلة...
ولكن ربما لأنها لم تفعل يومًا ما يحول دون ذلك أو تخدش لمعان روحها حتى دون قصد...!
ولكنه أجاب بفظاظة:
-لأ ياختي، الحمدلله أني ماكانليش خلف عار زي خلفك...

ومن ثم أبتسامة شيطانية تليق بما تشدق به:
-أنتِ بنت حرام، أنتِ ملكيش أهل لقيطة! غلطة من واحد وواحدة حبوا يروقوا مزاجهم لكن معملوش حسابهم ل أكبر ذنب كان جاي!..
قال اخر جملة وهو يشير عليها، فوضعت يدها على أذنيها مسرعة تصرخ فيه بانهيار:
-بس اسكت ماتكملش أنت كداب
ولكنه لم يصمت بل أكمل بسخرية:.

-معلش مهي دايمًا الحقيقة بتبقى مُره كدة، لكن هي الحقيقة، أنتِ بنت دار أيتام عشان كدة اللي عملتيه مع ال*** التاني مكنش غريب، ما إنتِ الوساخة بتجري في دمك!
ظلت تهز رأسها نافية وكلماته كجرس في كنيسة يُعلن أكبر هجوم مُميت على شيئ مُقدس...
إلى أن ركضت مسرعة وهي تبكي بانهيار مستقلة تلك -سيارة الاجرة- التي جلبتها وهي تخبره بصوت مختنق مُنهار نحو منزل ليث:
-العصافره لو سمحت، ش(، ).

وبالفعل خلال وقت قليل وصلت فركضت بعدما أعطت السائق أجرته...
لا تشعر بما تفعله، لا تترك للعقل مساحة، لا تفكر...
ولكنها تشعر أنها بحاجة له..
بحاجة شديدة لأحتضانه المحتوي لها!
ضربت الباب بعنف ودموعها تهبط كأمطار غزيرة لا تتوقف...
وكلمات ذاك الرجل كرعد يدوي في عقلها..!
فتح ليث الباب لتتسع حدقتا وهو يراها، حتى بات يشعر أن ذلك مجرد حُلم سينتهي حالا!

ولكن الحُلم أحتضن الواقع عندما ارتمت بين أحضانه بسرعة تبكي بانهيار وهي تضم نفسها له ويداها تُحيط عنقه...
حينها فقط ضمها له بكل قوته، أحاطها بكل ما للكمة معنى
غمس ووجهه الذابل منذ غيابها يستمد أوكسجين روحه -عطرها- عند عُنقها بلهفة...
ثم همس بصوت خشن مُحمل بالعاطفة:.

-ااااه يا فجر، نفسي أمسكك أضربك حق كل لحظة وجع عشتها لحد ما تموتي في إيدي، وفي نفس الوقت عايز أفضل واخدك في حضني جامد اوي لدرجة أن ضلوعك تتكسر عشان ماتبعديش عني تاني...!

واخيرًا...
اخيرًا خرجت نور مع جسار من القسم بعدما جلب تلك الفتاة شبيهة نور لتشهد بما حدث بالطبع بعما رشاها جسار بأموال مهولة...
كان يسير جوار نور التي لم تكف عن البكاء مذ لحظة خروجهم..
لم يستطع سوى رفع ذراعه ليحيط كتفها برفق يقربها منه...
آآهٍ كم يود زرعها داخله، بين تلك الصخور المحفورة بأسمها بلهب العشق!؟
بمجرد أن ركبا السيارة بدأت تشهق بنشيج عنيف لامس الجحيم من شدة أنهياره..

فلم يشعر بنفسه سوى وهو يجذبها برفق لتستقر رأسها عند صدره وهو يهمس لها برجاء حار:
-ارجوووكِ يا نوري كفاية عياط عينك ورمت
لم تجب بل أحتضنته بقوة لحاجتها الشديدة لذاك الحضن..
رفعت عيناها الحمراء لتسأله بعدها بصوت مبحوح:
-ازاي قدرت تجيب البنت دي؟
تنهد وهو يجيبها:.

-لما روحت هي طبعا ماكنتش تعرف اللي حصل لشاهيناز وكانت بتحاول تتواصل معاها، روحت وقولتلها اللي حصل وقولتلها إن اللي كانت هتديها الفلوس ماتت وإني هديها فلوسها لو اعترفت للبوليس وفعلا راحت معايا واعترفت، بس بصراحة لولا تدخل صقر مكناش خلصنا بسرعة كدة، الحمدلله على كل شيء
لم تصمت هي فظلت تردد بهيسترية:
-أنا قتلت يا جسار، أنت متخيل؟ أنا اللي كنت مابعرفش أدبح فرخه حتى قتلت..!

بدأ جسدها يهتز مع كل كلمة تخرجها فسارع هو ينفي عنها ما تلصقه بها:
-لا، ده كان دفاع عن النفس، مكنش في مجال للتفاهم، كنتي هتبقي يا قاتل يا مقتول
ثم رفع وجهها بين يداه ليكمل بحرارة:
-وانا مكنتش هسمح تبقي مقتول وبرضه كنت هبقى قاتل!

بعد مرور عدة أيام####
كانت نور في غرفتها كعادتها مذ ما حدث حبيسة شريدة تخنقها جدران الغرفة المظلمة أغلب الوقت..!
بعد دقائق سمعت طرقات هادئة على الباب يليها دخول زوج شقيقتها مصطفى وهو يردد لها بابتسامة:
-نور
أنتبهت له تسأله:
-هاا؟
اقترب منها حتى قال بصوت هادئ جاد:
-تعالي عاوزك بره، بس ألبسي هدوم خروج زي الناس
عقدت ما بين حاجبيها وهي تسأله متعجبة:
-لية!؟ في أية؟
أشار لها نحو -الدولاب- وهو يكرر بجدية:.

-ألبسي وتعالي هتشوفي
هدرت بأنفعال خفيف:
-مصطفى لو سمحت مش طالبه الهزار دلوقتي، يا تقولي في أية يا تسبني في همي الله لا يسيئك
زفر بعمق قبل أن يخبرها:
-في عريس بره عاوزك تشوفيه
صرخت مذبهله:
-عريس! عريس مين وفجأة كدة؟
-عم موسى جارنا، وبعدين دي مجرد زيارة عشان نشوف في قبول ولا لا
ظلت تهز رأسها نافية بقوة...
تتزوج ذاك الرجل الذي يتخطى الاربعون تقريبًا!؟
أي فاجعة خُطت لها تلك...!

تركها مصطفى ليغادر فبدأت دموعها تهبط وهي تشعر بالعجز..
ماذا تفعل؟
مع من تتحدث!
أينتهي بها المطاف متزوجة من رجل فاق الجزع داخلها بمراحل...!؟
ركضت تمسك بالهاتف وهي تتصل بجسار الذي أجاب بعد دقيقة تقريبًا بهدوء:
-السلام عليكم
-وعليكم السلام، جسار الحقني!
-في أية مالك يا نور؟
-مصطفى عاوز يجوزني لعم موسى جارنا، والنبي الحقني مستحيل اتجوز الراجل ده بالذات!

صمت دقيقة تقريبًا، ومن ثم جاءها صوته الأجش الذي أطاح بما تبقى من تعقلها:
-اسف يا نور، مش حقدر أتدخل دلوقتي، أنا قولتلك نكتب الكتاب أضمن، لكن أنتِ اللي أصريتي أتحملي بقا
أتسعت حدقتاها مصدومة...
تخلى عنها هكذا ببساطة؟!
نظرت للهاتف بصدمة أكبر عندما وجدته أغلق الخط، فظلت تدور حول نفسها وهي تبكي بعجز حقيقي خاصة وهي تسمع مصطفى يناديها متعجلًا بصرامة!..

بعد مرور ثلاثة أشهر...
ثلاثة أشهر من الفراق..
ثلاثة أشهر تُعاني وحيدة من مرارة الفراق اللاذع..
الف مرة ومرة تمنت لو ركضت له وأخبرته ببساطة أنها تعشقه، أنها لا يمكنها الاستغناء عنه
ولكن للاسف تزداد الموانع ولا تقل...!
مسحت ترنيم دمعة سقطت من عيناها المتحجرة وهي كالعادة موجهة صوب الشرفة تعيش في منزل بمفردها هي و خادمتها المقربة زوبيدة
وفجأة سمعت زوبيدة تشهق مرددة باضطراب:.

-هيييه. لا لا يا صقر بيه استنى..
إرتجفت ترنيم وإرتجف كل شيئ داخلها بمجرد ذكر اسمه..
اسمه فقط يُزلزل جمودها الواهي...!
نظرت تجاه صوت زوبيدة بسرعة وهي تسألها:
-هو فين يا زوبيدة؟ أنتِ بتكلميه ازاي!
وضعت زوبيدة يدها على فاهها تفكر في حل لخطأ لسانها اللعين
ومن ثم همست بتوتر:
-ده آآ ده، ده آآ
صرخت فيها ترنيم بعصبية نفذ منها الصبر:
-إنتِ هتهتهي كتيير، بقولك هو فين
أشارت زوبيدة نحو الشقة المقابلة وكأنها تراها!

ونطقت بصوت مرتجف:
-صقر بيه عايش في الشجة اللي جصادنا من ساعة ما جينا نعيش هنا!
إهتزت عضلة فكها، ثلاثة شهور قريب منها ولم يستطع منها؟!
حاولت رسم التماسك الذي كان كقشرة ستنهار حتمًا وهي تأمر زوبيدة:
-تعالي وديني ادام باب شقته وامشي
أسرعت زوبيدة بالرد:
-بس آآ ياست هانم أ آآ
ولكن ترنيم قاطعتها بحدة صارمة مُهددة:
-زوبييييدة، هتوديني ولا أروح أنا لوحدي؟!
هزت كتفيها بيأس هامسة بحنق:.

-لا هاوديكِ طبعا، أنتِ عايزة راسي يتجطع ولا أية!
منعت ترنيم نفسها من الابتسام بصعوبة على تلك المسكينة البسيطة...
أوصلتها زوبيدة عند الباب وهي تهمس لها بتوجس:
-أنتِ كدة عند باب الشجة، خدي بالك الله لا يسيئك
اومأت ترنيم مؤكدة فانسحبت زوبيدة ببطء، شعرت ترنيم بهزة عنيفة داخلها أفزعتها عندما طرقت الباب بهدوء..
لتمر دقيقة وسمعت الباب يُفتح وعطره ينبعث من أمامها..
لم تغب عنها شهقته المصدومة وهو يحدق بها..

فنطقت هي بما أتت له لتكمل صدمته:
-على فكرة...
ثم صمتت برهه وكأنها تستجع شجاعتها الهاربة من ساحة القتال:
-أنا خونتك!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة