قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل السادس

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل السادس

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل السادس

كذبة واحدة، واحدة فقط، قادرة على تغيير حياتك رأسًا على عقب، إما أن ترتفع بك لأعالي السماء؛ أو تهبط بك حيث سابع أرض.

كان المحيط أشبه ب ساحة نقاش حاد بأصوات مرتفعة وضجيج مزعج وهو جالس هكذا بمحله وتلك الصورة بين يديه لا يفرّق عينيه عنها، لم يهتم بكل تلك المهاترات الفارغة التي يتحدثن عنها أمه وشقيقاته البنات، وظل يفكر فقط أين ومتى ألتُقطت هذه الصورة وكيف انتشرت لتصل إلى أيادي شقيقاته.

نفخت تمارا ب انزعاج جلي وهي تصيح في شقيقتها التي تُحملها العبء لما حدث: - إزاي يعني عايزين تخبوا عنه!؟ مش الموضوع ده يخصه وحقه يعرف!
ف تدخل نزار ليحول بينهم بعد كل تلك المناقشات الطويلة و: - ياجماعة نرمين وچيهان مالهاش علاقة، عمي هو اللي أمر نداري على الموضوع لحد ما الفرح يخلص.

انتبه ظافر لهذه العبارة الأخيرة ونهض على أثرها وهو يتسائل مذهولًا: - بابا عارف!؟
أحس نزار بإنه تورط أكثر بذكر رستم في الموضوع، بقى صامتًا وهو ينظر إلى ظافر غير مدركًا ماذا يقول، ف سحبه ظافر فجأة واتجه له نحو غرفته، بينما تسائلت زينب بفضول: - اللي ما تتسمى عرفت؟
ف ابتسمت تمارا بخبث وأردفت ب: - تصدقي صح ياماما! دي بالذات لازم تعرف وتشوف كمان.

تأففت أثير ب نفاذ صبر وهي تحول بين السيدة نورهان التي لجأت إليهم بعد أن أبرحها زوجها الهمجي ضربًا، ثم نظرت لذلك المُدعى (رجل) بنظرات محتقرة وهي تقول: - خلاص ياأستاذ سامي، سيبها دلوقتي تهدا شوية وهبقى اطلعها بنفسي الصبح
ف صاح سامي وهو ينظر لزوجته التي تبكي بصمت بنظرات مشبعة بالشر: - لأ، هتطلع معايا دلوقتي.

ف تدخلت سمية وهي تعنفه: - عيب عليك كدا ياسامي ما قولنالك هتطلع الصبح! مش تقدر إنك واقف في بيتي!
تجاوز سامي أثير وانتشل زوجته عنوة وهو يصيح فيها: - تاني مرة لو دخلتي حد بينا ولا خرجتي برا باب شقتي هتبقي طالق يانورهان، سمعاني!

وسحبها بعنف وهي تحاول التملص من قبضته و: - منك لله ياسامي! حسبي الله ونعم الوكيل
ف صاحت سمية بعد أن خرج من الباب ليسمع هو: - طب هات إيجار الشهرين اللي متأخرين عليك بقى طالما معندكش دم كده!
ف رد عليها ب لامبالاه: - عيني ياست أم أثير، أصبري بس لآخر الشهر وفلوسك هتوصلك
صفعت سمية الباب وهي تغمغم بسباب خافت، بينما استنكرت أثير ذلك و: - سيبتيه يطلع بيها ليه ياماما، مش بعيد يضربها تاني ده حيوان!

ف تنهدت سمية وهي تجلس على الأريكة و: - في الآخر هنطلع احنا اللي غلطانين وبندخل بين راجل ومراته
- هي اللي جت لينا برجلها تستنجد بينا
- ولو! برضو مسيرهم يتصالحوا زي كل مرة، نورهان دي لو عندها كرامة كان زمانها مطلقة منه من أول ما عرفت الداء المهبب اللي فيه.

تركتها أثير وكادت تعود لغرفتها لولا استوقفتها قائلة: - أثير، انتي بقالك كتير قاعدة أجازة، أوعي يكون في حاجه مخبياها عني!
فلم تلتفت أثير حتى كي لا تفضح نظراتها الفاشلة في الكذب وأجابت: - مفيش ياماما، ليا رصيد أجازات وقولت استفيد بيه.

ودلفت للغرفة وهي تشعر بتأنيب الضمير، هي ليست إنسانة تميل للخداع والمكر، ولم تتخيل يومًا إنها ستلجأ لاستخدام الحيّل والأساليب الغير مشروعة كي تكسب حبها، ولكنها لم تجد السبيل له مهما فعلت، لم يراها يومًا رغم وجوده أمام عينيها في كل يوم، ولم يشعر حتى بوجودها رغم مروره من أمام عينيها بشكل دائم، كيف تعيش هكذا.!

ألقى ظافر بصبابة سيجارته الخامسة من النافذة ثم التفت ينظر ل نزار وقد اشتعلت عيناه بغيظ بيّن: - يعني انا بيتلعب بيا من الآخر!
- ياظافر أفهم، الموضوع انتشر بشكل سريع جدًا محدش كان متوقعه، والبنت ملهاش أي ذنب فيه.

ف صاح ظافر على غير عادته الهادئة: - يعني إيه ملهاش ذنب! صورة زي دي بتعمل إيه معاها وازاي تخرج كده بسهولة غير لو كانت قاصدة.

وبدأ ب إشعال سيجارة أخرى عندما اعترض نزار قائلًا: - ياظافر ارحم صدري، انا زي ما اكون بشرب سجاير معاك انت مكنتش حريقة كده!
لم يهتم ظافر وسحب نفس مطول زفره فجأة، ثم تسائل: - البنت دي شغاله عندنا بقالها قد إيه؟
- 4 سنين تقريبًا
ارتفع حاجبي ظافر مستهجنًا و: - 4 سنين ومحدش حس بسلوكها الغير سوي!

رمقه نزار ب تعجب معترض و: - غير سوي إيه! بقولك موظفة ممتازة وعمر ما حد شاف منها أي حاجه، بس الحكاية غير ماانت شايف.

ولج رستم للغرفة عقب أن تلقى نشرة الأنباء من المشاغبة الصغيرة تمارا، واستعد لمواجهة غضب ولده الأكبر معتقدًا إنه سيواجه موجة من الغضب لا مثيل لها.
شملهم رستم ثم أردف ب: - تقريبًا انت عرفت اللي حصل ياظافر
ف ابتسم ظافر بسخرية و: - وتقريبًا انت كنت عارف ومقولتش الصبح وانا معاك!، عمومًا مش مهم، الموضوع أتفه ما يكون وهيخلص في دقايق، عن أذنك.

وكاد يخرج لولا قول والده: - ظافر انا عايزك ت...
- مش لازم أي تبرير يابابا، متتعبش نفسك، انا فهمت اللي المفروض أفهمه
وخرج، نظر رستم نحو نزار الذي قال: - كده كده كان هيعرف ياعمي، والحمد لله رد فعله كلن أهدى بكتير من اللي اتوقعناه
ف ربت رستم وهو يقول: - ده يخوف أكتر يانزار، لو كان اتعصب وانفجر ونفث عن شعوره كنت اطمنت، إنما ظافر لما بيكتم جواه النتيجة بتكون أسوأ.

ثم نظر للفراغ وتابع: - ربنا يستر.

اليوم حققت رقم قياسي في الركض صباحًا أكثر من الأيام السابقة، توقفت أمام منزلها بالتجمع السكني الشهير كومباوند وراحت تُنظم أنفاسها المتلاحقة، ثم ارتشفت المياه وهي تدخل عبر ردهة رخامية طويلة، صعدت عبر الدرج ودلفت لغرفتها، أخرجت ملابس تناسب الخروج الصباحي المبكر ثم التقطت المنشفة وأسرعت نحو دورة المياه.

گعادة الكثير من الفتيات استغرق أمر تبديل ملابسها أكثر من ساعة تقريبًا بعد أن اهتمت بتنظيف بشرتها ب استخدام الغسول اليومي ثم روتين الترطيب ومن ثم بدأت في وضع مساحيق التجميل بشكل منمق وجذاب، تركت شعرها المنساب خلفها وارتدت سترة يغلب عليها الفراء الأبيض الناعم، ثم سحبت هاتفها ومفتاح سيارتها وخرجت.
تصادفت مع والدتها على الدرج وهي تهبطه، ف ابتسمت و: - صباح الخير يامامي.

ف التفتت إليها جميلة و: - صباح النور ياحببتي، هتفطري معانا ولا خارجه؟
- مفيش وقت لازم اخرج
- طب مش تسمعي الخبر الأول ياهايدي!
التفتت هايدي برأسها لتجد والدها زكريا يقف على رأس الدرج مرتديًا بذلته العسكرية الرسمية مستعدًا للخروج من أجل أحد المؤتمرات العسكرية الهامة بصفته لواء أركان حرب بالحربية المصرية..
هبط درجات السلم وهو يتجه صوبها حتى وقف أمامها مباشرة وقال الخبر دفعة واحدة: - ظافر رجع مصر امبارح.

جامدة بمكانها لا حراك، حتى لم ترمش رمشة واحدة، هل يعقل أن يعود هكذا بعد كل تلك المدة التي لم تعرف فيها شيئًا عنه!.

لقد تجرد من شعوره القاتل بمحاولات التواصل معها وقطع أي سبيل قد يؤدي بها إليه، لماذا يعود الآن؟ هل لأجلها أم لأجل شئ آخر؟، لا تعرف ماهية الشعور الذي انتابها الآن، ولكنها وجدت نفسها تحاول الخروج من المنزل بأسرع وقت، كي تتفادى هذا الإختناق الذي شعرت به فجأة بعد أن كان حالها على خير ما يرام.

منذ أن عاد ظافر لمصر من جديد والأحاديث عنه لم تكف، بل إنها في تزايد مستمر، ظنت أثير أن تلك الأجازة التي حصلت عليها قد ترخي الأمر قليلًا ويتناسى الناس هذا الأمر، ولكن مع ظهور ظافر وعودته عاد الأمر كما كان وأقوى، خاصة اليوم.

دلف ظافر من البوابة الرئيسية للفندق وارتكزت أبصاره على القسم الأول، قسم الإستقبال والإستعلامات، توجه نحوه حيث كانت تلك الفتاة تقف، دقق في ملامحها أولًا، ثم وقف أمامها وهو ينظر ل هويتها المعلقة في رقبتها، انتبهت تغريد لوجوده وجمدت بمحلها وهي تنظر إليه، وخرج صوتها المتحشرج بصعوبة وهي تقول: - أؤمر يافندم
نظر ظافر حولها وهو يتسائل: - فين البنت اللي شغاله معاكي هنا؟
- مين دي؟

ازدادت نظرات ظافر حدة وهو ينطق ب اسمها: - أثير، فين أثير!
ف ضبطت تغريد أنفعالاتها وهي تقول: - في أجازة لأجل غير مسمى يافندم
أخرج ظافر هاتفه وناولها إياه وهو يقول: - أكتبي رقمها هنا
فأجابت على الفور: - مش معايا!، أقصد إننا مش أصدقاء أوي يعني!
ف ابتسم ظافر غير مصدقًا و: - بجد! تمام، اللي تشوفيه.

والتفت لينصرف، كانت شروق تراقب المشهد من مسافة مقبولة سمحت لها بسماع بعض من حديثهم، وما أن سنحت لها الفرصة حتى تقدمت منه وتسائلت: - مستر ظافر
نظر حيالها وقد توقف عن السير و: - أقدر اساعدك ازاي؟
تفهم مرادها على الفور، وكأنه قرأ هذه النظرات التي تملأ عيناها، ف استغل الموقف جيدًا و: - رقم أثير ضاع مني وبدور عليه، تعرفيه؟
ف زادت ابتسامتها اتساعًا وهي تردد بترحيب شديد: - طبعًا أعرفه.

هذه المرة المائة التي يتصل فيها بها وهي لا تجيب على مكالماته، كانت تنظر للهاتف ب رهبة وذعر شديدين، منذ أن علمت بإنه حصل على هاتفها عن طريق تلك الحقودة وهي في حال مزري، لو أن الوضع مختلف الآن، لكانت أسعد إنسانة على وجه الأرض لأنه يحاول الإتصال بها، ولكنها تعلم جيدًا ما الذي ستجابهه إن أجابت.

ألقى ظافر ب هاتفه على الفراش وهي يسبّ بخفوت و: - لازم طبعًا مترديش، ماانتي عارفه اللي هتشوفيه مني!
وانشغل ب تحضير بدلته من أجل عرس شقيقته مساء الغد ومازال عقله معها، ولكنه فكر كثيرًا في الشكل والطريقة التي سيرد بها هذا الموقف و: - أصبري بس عليا، أنا عارف هعاقبك ازاي.

إنها الليلة التي تنتظرها كل فتاة، خاصة حينما يكون زوجها المستقبلي هو شقيق الروح بالنسبه لها.
تجهزت نرمين لزفافها تجهيزًا ملكيًا، حيث خصص لها والدها غرفة بالفندق واستدعى أخصائية التجميل بمساعداتها كي يتم كل شئ بالفندق الذي سيقام في حفل الزفاف أيضًا.
وبأفضل قاعات الحفلات صُممت أفضل الديكورات لإستقبال حفل زفاف إبنة رُستم.

الحضور مستمتع بالفقرات المنظمة والمميزة، وشقيقات العروس يلمعن بالظهور في الحفل ليكون ثلاثتهم گالزهرات اليانعة، بينما استمرت زينب في البكاء بسعادة گعادتها، وكُل الفخر كان في عيون رستم، الذي كان يُزوج ابنته وابن أخيه في آن، ذاك الشاب الذي تركه والده أمانة بين أيادي عمه وحفظ الأخير الأمانة ووضعه موضع الإبن.

كانت ساحة الرقص تشتعل بالإضاءة الملونة ونافورات من النيران الألكترونية أثناء رقص العروسين، تنهدت زينب ب ارتياح وهي تتأبط في ذراع ابنها الأكبر و: - عقبال ما افرح بيك ياحبيبي يارب
ف ابتسم بمجاملة و: - سيبك مني وخلينا نفكر في تمارا الأول
التفت ظافر يبحث عن شقيقته الصغرى بعينيه ولكنها غير موجودة بالمحيط، انشغل عقله وهو يبحث عنها، حتى وجدها تأتي من خلفه وتفاجئه قائلة بتحمس: - ظاظا، تعالى أرقص معايا بليز.

وألحت في مطلبها: - بليز ياظاظا
فنظر ظافر لساحة الرقص ليجد العروسين مختليان بنفسهما، ف رفض مطلبها مبررًا: - الرقصة دي بتاعتهم ياتوته، اصبري وانا هرقص معاكي بعدين.

بينما كانت چيهان مرتكزه بنظراتها وعقلها على زوجها الذي كان يغيب من حين لآخر، نهضت عن مكانها بعد أن تركت الصغير يزِن برفقة صديقتها وسحبت ذيل فستانها الطويل وهي تنظر حولها أثناء السير بحثًا عنه، فواجهت تمارا تقف برفقة ظافر في طريقها ف سألتها: - شوفتي علي ياتوته؟
- آه، كان بيتكلم في الموبايل بره
جحظت عينا تمارا فجأة وهو تنظر أمامها، جمدت بمحلها، ثم أردفت غير مصدقة: - چيچي، بصي مين هناك!

نظرت چيهان نحو مدخل القاعة لترى تلك الفاتنة التي كانت ترتدي فستان أسود قاتم يتجلّى لمعانه مع الأضاءة، شعرها معقود بمشابك الشعر اللؤلؤية وتنسدل خصلات منه على جانبي وجهها في بساطة، وأبرزت مساحيق التجميل بعض ملامحها الجميلة..
تنغض جبين چيهان بتعجب وهي تتسائل: - مين دي؟!
- دي أثير بتاعت الصورة ياچيچي ركزي.

دققت چيهان بصرها أكثر وكأن نظراتها معجبة قليلًا، على النقيض كان ظافر الذي انتبهت حواسه بالكامل لها وتحرك من موضعه صوبها فجأة قبيل أن يفقدها، ف ذمّت چيهان شفتيها وهي تردد: - ده هيخلي أيامها غامقة
وشاركت تمارا برأيها: - أنا مش متفائلة
كانت أطراف أثير مثلجة حرفيًا من فرط الخوف، كان عليها التفكير ألف مرة قبل أن تُقبل على خطوة گتلك، ف بحضورها هنا هي تُقدّم من موعد مواجهتها معه، كيف تفعل ذلك بنفسها!؟

خطت أثير ببطء وفكرة مغادرة المكان في الحال تسيطر عليها كليًا، ولكنها قبل أن تُقدم على المغادرة وجدته يمسك ب معصمها فجأة، شهقت بذعر وهي ترفع عينيها لتكتشف إنه هو، هو بطلّتهِ المهيبة الجذابة، بملامحه الوسيمة التي حُفرت في قلبها قبل عقلها، رجفه سرت في كيانها المهتز وثقل جثى على لسانها فلم تستطع التفوه بكلمة، بينما بادر هو ب ابتسامة أسرتها أكثر، وقال بصوت عذب: - أزيك ياأثير.

رمشت بعيناها ولم تجب، ف أطلق العنان لنفسه كي يتمادى، وأمسك كفيها ب كلتا يديه وتابع: - وحشتيني..!
راقبت تمارا ما يحدث غير مصدقة، وعقبت ب: - انتي شايفه اللي انا شيفاه!
ثم صاحت ب انفعال: - يبقى كان كل الكلام صح وهو غفلنا.

وفجأة سحبها ظافر ب رفق لتستقر بين أحضانه وذراعيه تطوقانها بلطف عجيب، وهي، هي گالتي أصابها صدمة، لا تدري ماذا تفعل؟، فقط تركت يديها تلمس ظهره لأول مرة، وبادلته عناق أشبه بعناق حبيبين عاد كلاهما للحياة توًا بعد شقاء استمر لأدهر قاحلة...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة