قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل السادس والأربعون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل السادس والأربعون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل السادس والأربعون

حتى وإن كان الفراق لحظي سيمر ويمضي وستعود، أكره مجرد فكرة ابتعادك.

كانت ملتصقة به وهو يخرج من غرفة نومهم يسحب حقيبة من خلفه رافضة تركه حينما كانت ذراعه اليسرى تطوقها، توقف في منتصف الصالة وبصوت رخيم أردف ب: - أثير، مش عايز أمشي وانا قلقان عليكي، دي سفرية عادية زي أي سفرية، بس انتي اللي مش متعودة لسه.

رفعت رأسها عن صدره وملامح الإعتراض تغلف وجهها: - بس دول مش أسبوع ولا اتنين، أنت بتكلم في شهور!
كان يساوي شعرها المبعثر لخلف ظهرها وهي تتحدث، ثم قال بعدما انتهت: - هحاول ارجع بسرعة، بس انتي تخلي بالك من نفسك، ولو عايزة تروحي تقعدي مع مامتك أنا معنديش مانع.

ف هزت رأسها بالسلب و: - لأ، هقعد في بيتنا
- اللي يريحك
قالها ثم قبّل رأسها، ف تعلقت برقبته لبعض الوقت وضمته بقوة أنثوية خائرة، وهمست حين ذلك: - كلمني كل يوم وكل شوية، على الأقل صوتك يبقى معايا
ف دفن وجهه بين شعرها وعنقها وهو يختخت ب: - حاضر
نظر ظافر في ساعة يده و: - لازم أمشي بقى
وكأنها لم تستمع له وبقيت محافظة على قربها الشديد منه، ف ضاقت عيناه متسائلًا بتوجس: - أثير، أنتي نمتي؟
- تؤ.

ابتعدت عنه و: - بحاول أشبع منك بس مفيش فايدة
ونفخت ب انزعاج وهي تتركه نهائيًا و: - أمشي بقى قبل ما امسك فيك تاني
ف سحب حقيبته على عجل ولوح لها بيده، وغادر على الفور قبل أن تتمسك به من جديد وترفض تركه، فهو بالكاد ضعيف أمام حزنها على فراقه المؤقت، ولكن ليس بوسعه سوى الكلمات التي يحاول بها تعويضها.

ظلت واقفة تنظر على الباب الذي أُغلق توًا بنظرات حزينة، وجلست بعدها شاعرة بفراغ كبير منذ اليوم الأول، بل منذ الدقائق الأولى من غيابه.

من يراها الآن يظن إنها تبكي بكاءًا حارًا وقد غطت الدموع وجنتيها بالكامل، مسحت تمارا عينها التي تحرقها بشدة وعادت تنظر للبصل الذي تقوم ب فرمه.
وما أن انتهت حتى تركت المبشرة المعدنية وراحت تغسل وجهها ببعض الماء وهي تغمغم ب انزعاج: - حسبي الله، على أخر الزمن هقف في المطبخ أعمل أكل للباشا عشان يعجبه!

نظرت لشاشة الهاتف وهي تتابع الوصفة المكتوبة وتقرأ بصوت مسموع: - بعد تتبيل قطع الدجاج يترك في الثلاجة 5 ساعات
شهقت وهي تنظر للدجاج ثم لساعة الهاتف و: - خمس ساعات! مش هلحق، ده انا هنزل بعد ساعتين!
تركت الهاتف و: - مش لازم بقى، يعني هو هيفهم منين إن الفراخ اتحطت في التلاجة ولا لأ!

وضعت الدجاج في المقلاه الساخنة وبدأت بتقليبه، ف دخلت زينب في هذه اللحظة ونظرت للمشهد العام من حولها ب ازدراء و: - إيه اللي عملتيه في المطبخ ده ياتمارا! بهدلتي الدنيا عشان شوية فراخ هتعمليهم يابنتي يرضي مين ده؟

فقالت وهي تنظر للدجاج الذي تغير لونه: - تعالي شوفي الفراخ دي كده ياماما قربت تستوي أحط البصل والطماطم ولا استنى؟
ف تأففت زينب وهي تقترب من الموقد وألقت نظرة: - لسه استني شوية، وقبل ما تخرجي من المطبخ يكون كله متروق
دلف رستم للمطبخ وهو يردف: - فين الشاي قبل ما انزل يازينب
- هعملك أهو ياحج
نظر رستم ل ابنته بشدوه و: - تمارا بتطبخ؟ مش مصدق نفسي.

ف ابتسمت تمارا ب افتخار و: - آه يابابا دي حاجه بسيطة يعني
فقال عابثًا: - ياستار!، يعني هناكل من إيدك النهاردة
ف أجابت على الفور كي لا يتأمل: - لأ، ده عشان فدوى، هعملها سندوتشات شاورما سوري بالعيش الصاج
ف ابتسم رستم من زاوية فمه و: - صحبتك! أممم، ماشي
وخرج وهو يهمس: - بقى صحبتك برضو!، تمام.

تابعت تمارا كل الخطوات بدقة كي لا يفسد شيئًا ف يتنمر عليها فورًا، خاصة وإنه علم بخدعتها وإنها لم تصنع ذاك الطعام اللذيذ بنفسها، فلم يكن لها أن ترفض العقاب الذي أوقعه عليها، وأن تصنع طعامًا له بنفسها.

- صدقيني هو ده اللي حصل، أنا مكنش عندي علم أبدًا بإنها هتعمل كده
كان ذلك ضمن دفاع علي عن نفسه أمام چيهان، حيث أصر أصرارًا شديدًا على مقابلتها لتفسير ما حدث وقبلت في النهاية رغم غضبها بعد أن سرد عمر عليها كل ما حدث خلال لقاءه بوالده.
أومأت چيهان برأسها وقالت بهدوء ورتابة: - ماشي ياعلي، حصل خير
فتسائل بضيق: - هو عمر مرضيش ييجي معاكي عشان كده؟

- آه، عمر زعلان منك جدًا، حاسس إنك فضلت مراتك علين، عليه
سرعان ما ضبطت قولها، ثم تابعت: - وده مأثر على نفسيته جدًا، الإخصائي النفسي اللي كان متابع معاه وقت الدراسة قال إن ده غلط على صحته النفسية، من فضلك لما تحب تقابل الولاد تاني تكون عامل حسابك و...

فقطع حديثها فجأة و: - أنا خلاص طلقتها، اللي حصل ده مش هيتكرر تاني أوعدك
وكأن الخبر وقع على آذانها وقعًا عاديًا، لم يؤثر بشكل كبير، لم تكن تنتظر أن يفشل بهذه السرعة، ولكنه فشل في الحياة مع غيرها، تنفست براحة وهي تفكر في صالح طفلها الذي عانى لفترة بسبب انفصالهما و: - أنا مش مهم عندي غير عمر
أشارت للنادل، ف حضر أمامها لتطلب: - أزازة ميا من فضلك
- تحت أمرك.

وسحبت حقيبتها المسنودة على المقعد المجاور مستعدة للرحيل، بينما عارض هو ذلك: - چيهان خليكي شوية
- مقدرش أسيب يزن لوحده أكتر من كده ياعلي
كان متضايقًا لأنها لم تعقب بشأن خبر طلاقهم، فسألها مباشرة: - مش هتقولي حاجه! أقصد إني بلغتك إننا اتطلقنا
ف ابتسمت بعدم اهتمام و: - دي حاجه تخصك انت، حياتك الشخصية متهمنيش ياعلي، أنت أبو ولادي، بس.

وضع النادل زجاجة مياه معدنية، ف سكبت بعضًا في الكأس وارتشفت وهو يتطلع إليها بخيبة أمل، ثم نهضت و: - شكرًا على القهوة، عن أذنك
- طب استني أوصلك
ونهض وهو يقولها، ف أشارت له ليجلس و: - خليك زي ما انت، عربيتي معايا بره.

وخرجت، ف ترك النقود على الطاولة متعجلًا وخرج من خلفها، وجدها استقرت بداخل سيارة جديدة يبدو إنها ابتاعتها حديثًا، وتحركت بها وسط أنظاره المراقبة والندم كل يوم يتفاقم بداخله كلما يراها بحالتها الجيدة تلك، حتى أصبح لا يتحمله.

وضعت تمارا الكؤوس الفارغة من أجل المياه الغازية، ف اكتملت المائدة التي صنعتها بتحفز وحماسة، حتى إنها قامت بتصويرها من أجل الذكرى كونها أول مائدة تُعدها وتصنعها بنفسها، ثم تركت الهاتف وذهبت كي تناديه، وقبل أن تفتح الباب كان ينفتح ويظهر مروان من خلفه بشعره المبلل، ف سألته وهي تنظر بفضول: - أنت غسلت شعرك؟
- آه، دماغي مصدعة شوية
ثم أطلّ برأسه للخارج و: - انتي خلصتي؟
- آه.

واستبقته للخارج، جلست أولًا وبدأت تضع شطائر الدجاج أمامه والمقبّلات والمخللات و: - عشان تعرف بس إني شاطرة في المطبخ
وضع مروان أول قضمة في فمه وبدأ يلوكها، تجاوز عن ملحها الكثير جدًا وحاول استشعار مذاقها، حاولت تمارا أن تتنبأ برأيه ولكنها لم تستطع، ف صرّح مروان على الفور: - الحقيقة الأكل مش وحش، بس في شوية ملحوظات كده
فتسائلت وقد ثبطت عزيمتها: - إيه!؟

- ملح زيادة، الفراخ مش متبلة كويس، والبصل محتاج شوية سوا
فتذوقت تمارا منه، وبالرغم من خبرتها الطويلة في مذاق الشاورما الفاخرة إلا إنها لم تشعر ب إيًّا من تلك السلبيات التي ذكرها، بل إنها أقدمت على القضمة الثانية والثالثة، ثم قالت متلذذة بمذاقها: - تسلم إيدي والله!
ونظرت لساعة الحائط و: - يلا عشان نص ساعة بالكتير وهنزل، مقولتش لحد إني هتأخر مع فدوى
ابتلع مروان طعامه و: - فدوى مين!؟

- يعني أنا مقولتش لبابا إني جاية هنا
وأنهت جملتها بتناول قضمة كبيرة، بينما كان يرمقها هو بفتور وهو يلقي بالصدمة بين أحضانها: - بس عمي عارف إنك معايا
توقفت عن المضغ، وبقيت بفمها گالبالون المنفوخ وهي تنظر إليه بعدم تصديق، وبصوت غير واضح أردفت: - عارف!
فهز رأسه و: - آه، أنا بلغته لما كلمته الصبح.

استعادت تمارا في رأسها نظرات والدها الخبيثة عندما كان ينظر إليها في المطبخ، ثم ارتشفت مياه كي تستطع بلع طعامها و: - ياليلة مش فايتة!
وبدأ يسكب المياه الغازية لنفسه وهو يتابع مثيرًا غيظها: - يعني في النهاية أنا جوزك، عادي لما تقولي إنك هتقعدي معايا
ثم ضغط على وجنتها و: - عشان بعد كده تبطلي كذب ياتيمو
وبدأ يشرب مشروبه وهو يغمز لها.

بالرغم من مُضيّ يومين فقط على رحيله، إلا إنها تشتاق له شوقًا لا يوصف، حاولت إلهاء نفسها بالعمل، ولكن مع كل لحظة فارغة تتذكره وتحنّ لوجوده، فتعود إلى صورهم التذكارية التي تحملها في هاتفها من رحلتهم الأخيرة، كما إنه لا يفوّت يومًا بدون أن يتحدث إليها بمكالمة مرئية ?يديو ليراها ويطفئ نيران وحشته بدونها.

كان يتحدث إليها وهي في مكتبها الجديد وقد سردت له عن كل تفاصيل يومها وكم تفتقده، فبادلها أشواقه لها ووعدها أن يتحدث إليها ليلًا حينما ينهي عمله.
أغلقت أثير هاتفها وتركته وهي تشعر بالإرهاق، ف دخلت عليها تغريد وسألت: - ها؟ كلمتيه؟
- آه
- أوعي يكون لاحظ إنك تعبانة؟
ف هزت رأسها بالسلب و: - الميكب اللي حطاه مش مبين حاجه، جبتي اللي قولتلك عليه.

ناولتها تغريد شيئًا ما في ظرف مغلق، ف نهضت أثير وقد شعرت بالتخمة وثقل جفونها كأنها تريد النوم و: - هدخل التواليت وأرجع
- إن شاء الله خير
دخلت أثير لدورة المياه وبدأت تخضع ل أختبار مبدئي كي تكشف عن نفسها، كل ما تشعر به وتأخر الدورة الشهرية عنها لأكثر من عشرة أيام ينبئ بأخبار سارة، فقررت عمل أختبار حمل كي تتأكد بنفسها.

جلست في دورة المياه منتظرة أي إشارة من جهاز الإختبار، حتى أعلن عن شريطين باللون الأحمر أي أن النتيجة إيجابية، فقفزت من مكانها وكأنها ستصرخ من فرط سعادتها، هرعت للخارج وهي تصيح غير مصدقة: - حامل، أنا حامل، مش مصدقة
وكانت تتقافز في مكانها، ف أوقفتها تغريد و: - براحة طيب الحركة كتير غلط في أول الحمل
وعانقتها بسعادة و: - الحمد لله، ربنا يبارك في حملك ويتم على خير يارب.

أدمعت عيناها وهي تتحسس بطنها وقد زاد معدل تنفسها: - مش مصدقة، ظافر لو عرف هيطير من الفرح
وبدأ الدوار يعود إليها مرة أخرى، ف ساندتها تغريد حتى جلست و: - أقعدي، هنادي مستر رستم حالًا.

وركضت للخارج كي تزفّ له الخبر السعيد، ولي عهد العائلة والحفيد المنتظر تحمله بين أحشائها الآن، استرخت أثير على المقعد ورفعت بصرها المشوش عاليًا وهي تتحدث بخفوت: - ياريت كان جمبي وانا بقوله الخبر، أوف بقى، حتى دي اتحرمت منها.

دخل رستم فجأة ناسيًا طرق الباب، وعلى وجهه تجلّت الصدمة وهو ينظر لها تارة ولبطنها تارة، تسارعت أنفاسه غير مصدقًا هذه السعادة التي يشعر بها الآن وهو يسأل: - صحيح ياأثير؟ انتي حامل؟
ف أطرقت أثير بصرها بخجل و: - آه يابابا
وكأنه تحول لشاب يافع في لحظة وهو يضحك مرارًا حتى أدمعت عيناه، ثم أنحنى وقبّل رأس زوجة إبنه الوحيد و: - اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، ربنا يتممه على خير يارب.

ثم بدأ يجري مكالمة عبر هاتف المكتب و: - أيوة، وصليني بأستاذ نزار فورًا، أيوة يانزار، أصرف نص شهر مكافأة لكل العاملين عندنا، كله بدون استثناء، حفيدي جاي في الطريق يانزار، يلا سلام.

وأغلق المكالمة و: - يلا ياأثير، قومي عشان السواق هيوصلك يابنتي
- بس آ...
فلم يسمح ب اعتراضها و: - مفيش اعتراض، يلا قومي على مهلك، ساعديها ياتغريد
ف تقدمت تغريد لتلملم أشيائها، بينما كان رستم يدللها: - انتي متتعبش نفسك خالص، عايزك ترتاحي آخر راحة، وياريت لو تيجي تقعدي عندنا بقى.

فلم ترفض على الفور گنوع من اللباقة و: - إن شاء الله يابابا
وعادت تشعر بسعادتها وهي تتخيل، ماذا سيفعل ظافر حينما تحدثه مساءًا وتخبره بشئ گهذا، حتمًا سيطير فرحًا، إنها تتوق لرؤية تعبير وجهه ورد فعله أكثر من أي شئ، وأخيرًا سيُتوج زواجهم بطفل يجمع بين خصالهم وملامحهم.

أنتهت اللعبة بفوز عمر گالعادة، ف قفز من مكانه فجأة و: - أنا اللي كسبت
فتلوت شفتي چيهان وهي تنظر لرقعة الطاولة و: - گالعادة يعني ياعمر، مفيش مرة كسبتك فيها، جدك بس اللي بيعرف يكسبك، أول ما يرجع مش هخليه يسيبك غير لما يجيب حقي.

ف تفاخر عمر بنفسه قائلًا: - خالو هو اللي علمني الطاولة وكان بيكسب جدو، يعني ممكن أنا اللي اكسب المرة دي
ضحكت چيهان ل يُخالط صوت ضحكتها صوت رنين هاتفها، ف نظرت لرقم المتصل وقد تغير لون وجهها، نهضت عن مكانها وخرجت كي تجيب: - أيوة ياعلي، خير
صمتت لتسمعه، ف تلون وجهها بالصُفرة الشاحبة و: - قسم! قسم إيه وليه؟ طيب طيب، هجيلك على طول.

وسرعان ما تحركت للداخل مجددًا كي تبدل ثيابها وتلحق به بعد استغاثاته، دبرت كذبة للتملص من ابنها، وخرجت مستعدة للمغادرة، ولكنها واجهت والدها الذي أتى توًا وسأل: - رايحة فين دلوقتي ياچيهان؟
لم تستطع اختلاق كذبة وسط توترها، ف تفاجئت بعلم والدها بما حدث و: - رايحة لعلي؟
ف اتسعت عيناها و: - حضرتك عارف؟
ف قال بغضب شديد: - قبل ما يكلمك كلمني، الوقح اللي معندوش دم، كأنه نسي كل اللي حصل.

فأخفضت رأسها بحرج، بينما تابع رستم: - مش هتروحي لأي مكان
- بابا أرجوك آ...
فصاح بها بصوت مرتفع: - مش هتروحي يعني مش هتروحي، خليه يغرق في عمايله، عشان يعرف الفرق بين الهانم اللي سابها، وبنت الشوارع اللي راح اتجوزها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة