قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل السابع والأربعون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل السابع والأربعون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل السابع والأربعون

كان رستم مصرًا إصرار لا يقبل المناقشة بعدم تقديم أي وسيلة من وسائل المساعدة لطليقها الذي ضرب بهم عرض الحائط وتركهم خلفه بدون ذرة من التردد، توسلتهُ چيهان، ولكنه لم يوافق بأي شكل، حتى إنه أنهى قراره ب: - يحمد ربنا إننا سمحنا يشوف الولاد، أكتر من كده ملهوش عندنا أي حاجه.

وقبل أن يتركها رستم كان الصغير يقتحم حوارهم باكيًا بكاءًا مفرط بعدما استمع لحوارهم: - ليه كده ياجدو! بابا مش وحش عشان تكرهه أوي كده
لم يصدر رستم رد فعل منفعل محاولًا أن يحتوي عمر الذي صاح متابعًا: - هو غلطان بس مش وحش، ليه مش عايز تساعده؟
انحنى رستم ليوازي طوله و: - أنا عارف إنك بتحب بابا ياعمر، لكن لازم تفكر في ماما كمان، لو في حد لازم يساعد بابا مينفعش نكون إحنا الحد ده.

نزح دموعه بظهر مرفقه و: - ساعده انت ياجدو، لو بتحبني عشان خاطري
زفر رستم وهو يعتدل في وقفته، فتابع الصغير غاضبًا: - أنا مش هلعب معاك طاولة بعد كده، مش هحبك ومش هعمل ليك مفاجآت لو مساعدتش بابا.

تفاجئ رستم من إصرار عمر على إنقاذ والده، وتبادل بالنظرات مع ابنته چيهان التي كانت تستجديه بصمت لتلبية مطلبها ومطلب طفلهم، لم يطيق الوقوف بمكانه غير قادر على التفكير أثناء محاوطتهم له، ف سحب نفسه وانفرد بها كي يفكر في حل لا يخسر به عمر.

لم يكن الأمر صعب عليه، بل كان غاية في السهولة بفضل معارفه الكُثر واستعانته بالمحامي المخضرم الذي أنهى المسألة في توها، خرج علي برفقة المحامي من المخفر حيث كان ينتظر رستم في سيارته وترجل عنها عندما رآهم، وراح المحامي ليفسر له ما الذي حدث: - بين إيصالات الأمانة اللي مضاها أستاذ علي عشان أقساط الشقة اللي سكن فيها كان في شيك بمبلغ 300 ألف جنيه وقّع عليه حضرته بدون ما ياخد باله، واتضح إن ابن عمها هو اللي دبر للخدعة دي معاها.

بصق رستم على الأرض مشمئزًا و: - أخس على ولاد الشوارع
ونظر حياله محتقرًا وتابع: - ماهو ولاد الناس بيبانوا برضو
تنهد المحامي وهو يتابع: - هيتم دفع المبلغ واسترداد الشيك ويبقى الموضوع خلص
ف ضحك رستم مستخفًا و: - وطبعًا البيه مش معاه المبلغ ده!
- للأسف لأ
فأمومأ برأسه و: - وماله، ما هي جمعية خيرية!، عشان بس عمر بيه ميبقاش زعلان، حتى تمن الغلطة اللي ارتكبها الحيوان ده في حق بنتي مش هيدفعه.

كان علي يقترب منهم أثناء محادثتهم، أحاد بصره الخجول عنه و: - مش عارف ياعمي أشكر آ...
- عمك دبب، متقوليش ياعمي، أنا جيت هنا عشان حفيدي وبس، أوعى تفكر إن إنقاذي ليك عشانك، لأ، ده عشان عمر اللي ميستاهلش أب زيك.

ثم أشار للمحامي كي ينصرف، وقال كلمته الأخيرة: - لو مبعدتش عن بنتي ياعلي، أنا هأذيك من غير ما يغمض ليا جفن، هدمرك فعلًا، خلاص مبقاش في حاجه زي زمان، ولا بنتي هي چيهان بتاعت زمان، أشتري نفسك أحسن وأبعد عنها.

ورمقه بنظرة حامية قبيل أن يوليه ظهره وينصرف، تاركًا خلفه رجل حطت عليه الحياة وصفعته الصفعة التي يستحقها، بعد أن ترك زوجة وطفلين وهدم منزلًا جميلًا بسبب أطماعه الشهوانية الفارغة.
إنها المعادلة، لن تفعل شيئًا إلا ومردوده عليك أو إليك.

كان ظافر متأهبًا ليتحدث إليها من أمام البحر مباشرة، شعر ب اشتياق شديد لها، من كان يصدق أن ينقلب حالهِ رأسًا على عقب بعدما تزوج بها، وهو الذي ظن يومًا أن الحياة قد توقفت وأصبحت مجرد أيام تُعاد مسيراتها يوميًا، ولكنه عوض الله الذي لا شئ يستطيع وصفه.

سار على ساحل البحر وهو يجري مكالمة مرئية ورفع الهاتف في مواجهة وجهه، ليرى ابتسامتها التي أشعّت لتبهجه، ف غازلها على الفور: - انتي أحلويتي مسافة ما سيبتك من الصبح لدلوقتي!، راعي إني هنا لوحدي مش هعرف أجيلك ياريري.

ف ضحكت وهي تنظر إليه بشوق و: - وحشتني أوي ياظافر
- وانتي كمان والله، طمنيني عنك، اتعشيتي ولا لسه؟
- أتعشينا آه
قالتها وهي تبتسم بنعومة أرهقت تفكيره بها، ولكن صيغة الجمع تلك استوقفته وتسائل: - في حد معاكي ولا إيه؟
فأومأت رأسها و: - آه، حد عايز يسلم عليك
تنغض جبينه وتسائل بعفوية: - مين!

تحركت الكاميرا عن وجهها ووضعتها أمام بطنها مباشرة، فلم يفهم شيئًا، ظن أن الهاتف وقع من يدها، فسأل: - أثير! انتي معايا
فعادت تضعه أمام وجهها و: - طب هقولك بطريقة تانية
ثم رفعت جهاز الأختبار ووضعته أمام عينيها، أستغرق الأمر ثلاثين ثانية حتى فهم المغزى، وخفق قلبه مع مجرد التخيل وهو يردف بتلهف: - بتهزري؟، أنتي حامل!

ف هزت رأسها بالإيجاب وقد تتسع ثغرها ب ابتسامة واسعة، ف قفز ظافر من مكانه وهو يصرخ: - اللّ?ه أكبر!.
وركض في المكان وهو يمسك الهاتف وصوت صياحه وصراخه يصل لمسامعها وهي تضحك، وفجأة ترك الهاتف أرضًا وسجد لله، سجدة لمست فيها أنفه الأرض، ثم نهض وقد ارتفعت حرارة جسده ومازال يصرخ غير قادر على التحكم في فرحته التي، فصاح وهو ينزع قميصه عنه: - مش قادر امسك نفسي، مش قادر.

وألقى بنفسه في البحر وسط ظُلمته العميقة وظل يسبح يمينًا ويسارًا، بينما كانت هي تنظر لشاشة الهاتف السوداء تمامًا، فقط تستمع لصوته وتأثيرات الحركة من حوله وأخيرًا استمعت لصوت ارتطام بالمياه، زادت سعادتها بفرحته وكأن شيئًا ما كان ناقصًا واكتمل، انتظرت حتى عاد إليها، كان مبتلًا تقطر المياه منه وهو ينهج متسائلًا: - متأكدة ياأثير، يعني انتي حامل دلوقتي؟

- طبعًا حامل، بابا رستم خدني المستشفى وعملت تحليل، ومن بكرة هتابع مع دكتور
وگعادة التعليمات الروتينية المعروفة ألقى عليها بعض الأوامر: - مش عايزك تتعبي نفسك في حاجه، بصي، خلي طنط تيجي تقعد معاكي لو عايزة، ومفيش شغل، لما تقومي بالسلامة أنتي ويقين نبقى نشوف موضوع الشغل ده.

قطبت جبينها وسألت: - مين يقين؟
فقال مبتهجًا والبسمة تُزين محياه: - بنتي، إن شاء الله بنت وإن شاء الله أسمها يقين
تصنعت الحزن قليلًا و: - أفتكرت هنختار الأسم سوا
- تؤ، أنا ديكتاتور جدًا في أسماء بناتي
تعجبت لإصراره إنها فتاة، ولفظ الجمع الذي أكد إنه سيرزق فتيات أخريات، ولم تمنع فضولها من التساؤل: - للدرجة دي بتحب البنات؟
- جدًا.

وعبس، الآن فقط شعر ببعد المسافة بينهم، عندما أراد أن يضمها ويلمس بطنها التي تخفي نطفتهِ ولم يستطع، وعندما تذكر أيضًا أن أمر عودته قد يطول بعض الوقت لأسباب لا يعلمها سوى قيادته وسواه، وأفضى لها بذلك: - كان نفسي أكون معاكي ونحتفل بخبر زي ده، بس غصب عني
- عارفه، بس ان شاء الله قريب أوي تعوضني عن الغياب ده
ثم مسحت على بطنها وغمزت له: - قصدي تعوضنا.

لم تكن تعلم أن الأيام ستسحب بعضها البعض، ستمر أسابيع لتجر شهر ثم الثاني بدونه، ثم شهر ثالث ورابع وهو ما زال خارج البلاد، كانت فترة سيئة للغاية عليها وهي تعيش بعيدة عنه ولم تشبع حتى منه، لم يشاركها أي شئ هي وطفلهما، ولم يذهب برفقتها لزيارة الطبيب للإطمئنان على صحة الجنين، كل ذلك دهور من نفسيتها التي شدد الطبيب على ضرورة تحسنها، جهده الذي بذله ليحاول التواجد معها بشكل ما لم يكن كافيًا بالنسبة لها، خاصة وأن روح أخرى تحتاجه، وأكثر ما تهابه في هذه الآونة أن تضع طفلهما وهو غير شاهد على لحظة گهذه.

خمسة أشهر عانت فيهم أثير بدونه، ليست آلام الحمل ووهنه فقط، بل ألم غيابه أعظم قوة.

وصل مروان أمام بوابة جامعتها، ف تأهبت تمارا للترجل، اقتربت منه ووضعت قُبلة على وجنته بينما كان يبتسم، ثم ودعته قائلة: - أشوفك بالليل عشان نخلص آخر حجات في الشقة
- إن شاء الله ياحببتي
هبطت كي تتابع حياتها الدراسية بالعام الأخير لها، بينما غادر هو كي يلحق ب عمله، حيث بقى ساعة من الزمن على موعد اجتماع هام ستعلن فيه القيادة الجوية عن قرارات هامة للغاية.

وقف مروان في غرفته يتراسل مع صديقه ظافر وينقل له الصورة كاملة، حيث أوضح له معاناة أثير النفسية والتي تُحتم عليه العودة ليقضي معها شهور حملها الأخيرة.
حين ذلك دخل أحد رفاقه يدعوه للإنضمام إليهم قبيل الإجتماع و: - تعالى يامروان أحضر القاعدة دي
ترك مروان هاتفه و: - جاي
دنى منه رفيقه و: - أنا سمعت خبر بخصوص ظافر و، إيه ده!

ارتكزت عيناه على شعره أنثوية ناعمة على كتف مروان، ف سحبها عن ثيابه وهو يضحك قائلًا بعبث: - إيه ياعم مروان! انت هتلعب بديلك وانت لسه مدخلتش دنيا! العروسة لو عرفت هتعلقك.

ف سحبها مروان من بين أصابعه يخبئها بيده وقد احتدمت نظراته و: - ما تلم نفسك ياعم في إيه!، روح انت وانا هبقى أحصلك
- أيوة بس آ...
ف دفعه مروان ببعض العنف و: - قولتلك ياعم امشي بقى ومتعصبنيش، ولا خليك شكل المكتب عاجبك
وخرج هو يسبّ ويلعن بخفوت وقد شعر بالغبطة لمجرد رؤية غيره شعره منها ولمسها: - يلعن آ...
وشق طريقه بالرواق المفترش ببساط أحمر قاني وكأنه يضرب الأرض بعنف من شدة غضبه.

كانت تشعر بثقل شديد وكأنها في شهرها التأسع وليست على مشارف الشهر السادس من الحمل، حتى حركتها أصبحت ثقيلة وقليلة بناء على تعليمات الطبيب، حيث كان حملها خطر في البداية وتطلب عناية شديدة، مما استدعى تواجد والدتها بجوارها دومًا، ولم تتركها زينب بمفردها، بل داومت على زيارتها وأحيانًا للمبيت معهن أيضًا، فلم تقل حماستها عن رستم الذي استمر في توزيع لحوم الذبائح التي نذرها، الجميع في حالة إنتظار، خاصة بعد خبر حمل نرمين أيضًا.

ترجلت أثير عن سيارة رستم بصعوبة وهو تستند على مرفقه، ثم قادها نحو المدخل وهو يردف: - هوصلك للأسانسير واخرج أجيب حاجه وارجعلك على طول
سارت أثير ببطء وقد تبين عليها معنوياتها المحبطة، صعدت للطابق الذي تبقى فيه عيادة الطبيب الخاصة عن طريق المصعد، وعندما وصلت وجدت العدد قليل على غير العادة، جلست وهي تتلقى أنفاسها، ف أشارت لها المسؤولة عن تنظيم الأدوار: - مدام أثير، أتفضلي.

ف تنغض جبينها و: - أنا رقم تلاتة لسه
- ماانا عارفه، ده دور حضرتك بس وصلتي متأخرة النهاردة
أستندت على المقعد وهي تنهض، ثم دخلت للغرفة مباشرة وهي تبتسم بتكلف للطبيب: - مساء الخير
- أهلًا يامدام أثير، أتفضلي أرتاحي في غرفة الكشف وأنا جاي
فتحت أثير الستارة كي تمدد على الفراش، ولكنها تفاجئت به يجلس مباشرة أمامها ويقول بعتاب: - أنتي متعودة تتأخري كده على الكشف كل مرة؟

صرخت أثير من فرط سعادتها وسرعان ما ارتمت بين أحضانه متجاهلة بطنها التي اصطدمت به، تنفست بمعدل سريع وكأن الروح قد رُدت لها، وتشبثت به وعيناها تفيض بالدموع وهي تنطق أسمه بصوت ضعيف: - ظافر!
وأطلقت أنين مشتاق وهي تضمه بقوة: - آآآه ياظافر...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة