قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل السابع والعشرون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل السابع والعشرون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل السابع والعشرون

الجميع منشغل بالجزء الذي يخصه في هذه الليلة الفريدة، حيث اعتكفت زينب في المطبخ منذ الصباح لإعداد أفضل الوجبات والأطعمة من أجل عشاء الليلة بعد خِطبة ابنتها بجانب الحلوى والمشروبات.

بينما كانت چيهان تشغل حالها ب أولادها وبالأخص عمر الذي أهملت مساعدته في الإستذكار، في الوقت ذاته كانت أثير تساعد تمارا في بعض الأشياء قبل أن يأتي الليل، حيث اهتمت بعمل ماسكات وأقنعة طبيعية للبشرة وكذلك للشعر واستغرق هذا منها وقت طويل.
نظرت أثير في ساعة اليد خاصتها، ثم أردفت ب: - أنا هنزل اجيب الفستان بتاعي واشوف چيهان هتيجي معايا ولا لأ.

تأففت تمارا ب انزعاج من هذا الماسك الذي تحجر على بشرتها وعمل على شدها و: - متتأخريش عليا طيب، فدوى كمان قربت تيجي، أوووف أنا اتخنقت من الزفت ده أقوم أغسله دلوقتي؟
- لأ لأ، لسه فاضل عليه 5 دقايق اشغلي نفسك فيهم بأي حاجه
وسحبت هاتفها لتخرج، قامت بإجراء مكالمة هاتفية وأخفضت صوتها وهي تقول: - ها ياتغريد، جيبتي الفستان؟، طب سيبيه عند ماما وانا رايحة أخده، تسلميلي يارب.

وأغلقت المكالمة وهي مرتاحة من تحقيق مبتغاها.
بينما فتحت تمارا الكومود ونظرت لتلك العلبة التي فيها هدية ل مروان، ضحكت وهي تتخيل مشهده ف اشتدت بشرتها أكثر لتتأوه: - أي!، إن شاء الله الهدية تعجبه أبو دقن وشنب.

نظرت للفراغ بعد أن رأت الفستان الذي انتقته عن طريق المواقع التي تعرض فساتين السهرة، وتخيلت كيف ستبدو، هل ستليق به وهي تقف بجواره؟
كان الفستان معلق على الشماعة خلف الباب، ف تعلقت أنظارها به، فستان أزرق محتشم فتحة رقبته المثلثية مطرزة بفصوص زرقاء لامعة، تطريز الصدر خفيف ورقيق بينما تطريز الخصر أخف، أكمام تميل للشفافة وذيل قصير لا يحوي متسع كبير، تحسسته قبل أن تحمله من مكانه، ثم خرجت.

كانت چيهان تنتظرها بالخارج برفقة والدتها يتبادلان الحديث، وما أن رأتها حتى نهضت و: - أنا هسبقك على تحت عشان أدور العربية
- ماشي
صافحت سمية و: - سلام ياطنط، مستنينك بالليل
- إن شاء الله يابنتي
وخرجت، ف اقتربت سمية من ابنتها و: - هي مالها ياأثير، شكلها حزين كده كأن حاجه مضيقاها؟
ف ذمّت أثير شفتيها وقالت بأسف: - أصلها اتطلقت من أسبوعين وحالتها النفسية مش قد كده.

شهقت سمية بخفوت و: - لا حول ولا قوة إلا بالله! حد يسيب ست زي دي؟
وتنهدت قائلة: - ربنا يعوضها
- يارب.

تقف أمام المرآة ب طلّتها الجميلة، سبحان من أبدع في خلقه، أكتملت هيئتها وانتهت حتى من أصغر التفاصيل في شعرها ووجهها، أحست برضا خالجه حبور وهي تسأل رفيقتها: - إيه رأيك ياديدي؟
ضبطت فدوى تلك الخصلة المنسدلة على كتفها و: - زي القمر ياتوته
ثم غمزت لها و: - ما تخليها خطوبة بجد وخلصينا بقا!
ف تلوت شفتيها وهي ترفع رأسها بغرور و: - لأ.

التفتت تمارا حيث كانت تجلس أثير على الجانب وتنظر لها بإعجاب، ف اقتربت منها و: - مالك ياأثير؟
- مفيش
قالتها بابتسامة و: - الفستان حلو أوي عليكي، أحلى من التاني
نظرت تمارا للفستان الذي قامت بتبديله في اللحظات الأخيرة، حيث انتقت فستان طويل مُطعم بالخرزات المتلألئة من اللون الفضي ويعلوه عدة طبقات من الخلف ف بدا منتفخًا بعض الشئ، ذراعيه مكشوفتان ولكن الأكتاف مغطاه بالشيفون اللامع.

مسحت عليه بيداها وبررت: - أنا غيرته عشان حسيت إن ظافر أضايق من التاني
ف لمحت أثير قائلة: - ظافر بس؟
ضحكت فدوى و: - أنا برضو بقول إنه مش ظافر بس
ف أنكرت وجود شئ گهذا بالرغم من إيمانها بالسبب الحقيقي والذي يتمثل في رضا مروان الذي تجاهل الأمر في البداية: - أه طبعًا ظافر بس
استمعن لصوت في الخارج، فقالت فدوى: - تقريبًا العريس وصل
وأسرعت تخرج متحمسة كي تكون أول من يراه وتنقل الرؤية لهن في الداخل.

على جانب آخر
كانت جيهان قد انتهت من ارتداء ملابسها وألبست الصغار أيضًا، كان يَزِن هادئًا بين يديها على غير عادته، عانقته ب احتياج شديد، ثم تحدثت إليه بخفوت: - زي النهاردة من 15 سنة كنت انا العروسة اللي قاعدة برا جمب عريسها اللي بتحبه
مسحت على وجنته الناعمة و: - كنت أسعد واحدة في الدنيا، بس اكتشفت إني كنت موهومة.

ضحك الصغير غير مدركًا أن والدته على وشك البكاء، ف ابتسمت له و: - لو كان بيحبني مكنش سابني، صح؟، مكنش اخترع حجج عشان يسيبنا لوحدنا
ترقرقت تلك العبرة على وجنتها، ف جففتها بالمنديل سريعًا قبل أن يفسد (المكياچ) الخاص بها و: - بس انا عمري ما هخليكوا تحسوا إنه مش موجود، طالما هو اختار طريقه أنا كمان همشي في الطريق اللي يريحني ويريح ولادي معايا.

طرق على الباب أعقبه دخول رستم، نظر لها وتفهم على الفور ما أصابها، ف اقترب منها وحمل عنها الصغير، ثم جلس جوارها و: - انتي ربنا بيحبك ياچيهان، عشان لما ربنا بيحب بني آدم بيكشف له كل البشر اللي حواليه على حقيقتهم، بيبعد عنه سوءهم، عشان كده انتي هنا دلوقتي.

أجفلت بصرها محاولة تفهم حقيقة گتلك صعبة التقبل، ف ضمّها والدها الصلب ذا الطبع الحاد لحضنهِ بحنو بالغ و: - أنا في ضهرك، هتلاقينا كلنا حواليكي ومش هتحتاجي وجود حد تاني
أغمضت عيناها ب استسلام وهي تستشعر دفء أبوته، ف ارتاح داخلها قليلًا، ثم ابتعدت عنه و: - يلا يابابا خد يزن معاك وانا خارجه وراك
- ماشي
ثم قبّل الصغير و: - حبيب جدو.

كان مروان ينتظر خروجها عليهم على أحرّ من الجمر، ليرى إطلالتها ويثبت لنفسه إنه كان على حق، منذ اللحظة الأولى آمن إنها لن ترتدي هذا الفستان الذي لم يروق له وراهن نفسه على ذلك، وينتظر أن يعرف ما هي نتيجة رهانه..
جلس بينهم يتحدث وكأنه ليس متشوقًا لرؤيتها، حتى دخلت زينب وهي من خلفها، ف انتبه الحضور لها.

نهض مروان ليستقبلها، وما أن وقع بصره على فستانها اتسعت ابتسامته وعلق بأنظاره عليه للحظات، ثم رفع بصره إليها وغمغم بخفوت ل ظافر: - مش قولتلك هتغيره ياقائد!؟
نظر ظافر لشاشة هاتفه وهو يردف: - مبروك عليك الرهان ياكابتن
اقتربت منه ف همس وهو يصافحها بحرارة: - إيه الحلاوة دي ياتيمو! براحة عليا مش كده
وارت حيائها الذي بزغ على وجنتيها اللاتي أحمررن فجأة، وعبرت كي تجلس على الأريكة الصغيرة التي صممت لهم..

بينما التفت ظافر برأسه ليجد رستم يجلب أثير بنفسه ويقترب منه، ناوله يدها و: - أستلم خطيبتك ياظافر واهتم بيها شوية يابني
تناول ظافر يدها وهي عالق بأنظاره على طلّتها، الآن قد استنبط لماذا سألته ماذا سيرتدي، مستحيل إنها ارتدت اللون الأزرق مصادفة..
أجلسها بالقرب منه ثم جلس هو بدون أن يتفوه كلمة، بينما انتظرت هي بتشوق ماذا سيقول عن طلّتها، تحمست من أجل استماع كلمة واحدة، ولكنه لم يفعل.

ركدت قليلًا وتغيرت ملامح وجهها رغم مجهودها المُضني لأخفاء ذلك، وتماثلت للتجاهل مثلما يفعل هو تمامًا.
في ناحية أخرى، كان نزار يبحث في عقله عن مدخل مناسب كي يشاكس زوجته الجميلة التي تعشق النزاع والشجار معه، تأفف غير راضٍ عن جلستهم الصامتة تلك، ف دعس بقوة على قدمها، صرخت وهي تزجره بنظرة حادة و: - أنت مجنون يابني! بتدوس على رجلي ليه دلوقتي؟

ف رمقها بفتور و: - أهو مزاجي كده، كيفي كده، ولو مش عجبك كده، هو مفيش غير كده
ف لكزته بعنف غير مؤثر و: - نبقى نشوف مزاجك ده لما نروح عشان البارتي متبوظش
ف تعمد أثارة غيظها وهو يقوم بتقليدها: - بارتي؟ الله يرحم!
ضحكت أثير بصوت مرتفع وقد كانت متابعة لما يحدث من البداية، وعندما انتبه الجميع لضحكتها توقفت وهي تعتذر بخفوت: - أسفه.

كان ظافر ينظر إليها وكأنه يختطف بعضًا من ملامحها ويحفظها في ذهنه، ثم عاد ينطر أمامه وأردف ساخرًا: - ده العادي بتاع نزار ونرمين
وضعت زينب المشروبات على الطاولة وقامت چيهان بتشغيل مُكبر الصوت كي تشتعل الأجواء ببعض البهجة، حيث تم تزيين المكان بالإضافة الملونة وتم لصق الزينة والبالونات المضيئة في كل مكان.

ترك رستم العُلبة المخملية الكبيرة أمامهم بينما كانت فدوى تتولى مهمة التصوير ب الكاميرا الحديثة خاصتها، كان مروان متشتت التفكير ما بين النظر إليها وبين عدم لفت الأنتباه ل شغفه بها، حتى تناولت زينب العلبة وفتحتها أمامهم و: - لبسها الشبكة ياحبيبي عشان تشربوا الشربات
تقلصت تعابير وجه تمارا مع ذكر الشربات و: - شربات إيه ياماما أنا عايزة بيبسي
ف حدجتها بنظرة حانقة و: - بعد الشربات ياحببتي.

تناول مروان الخاتم خاصتها وفتح يده لها: - هاتي إيدك ياتيمو
ف التقطت الخاتم منه و: - إيه الجو القديم ده يامروان! إيدي وتلبسني وانا البسك والشغل اللي اتهرس في كل الأفلام العربي دا!

ف تدخل رستم متضايقًا منها: - يابنتي هي كده!
- ليه هو انا مشلولة بعد الشر يابابا!
ثم ارتدت خاتمها بنفسها و: - كل واحد يلبس مع نفسه
ثم تناولت القلادة وارتدتها بنفسها، ثم السوار والخاتم وهكذا، وبعدما انتهت نظرت إليه وهي تبتسم بسماجة بعدما أفسدت عليه اللحظة التي كان ينتظرها: - شوفت سهلة ازاي.

وكأن الغيظ تشكل في سخونة انبعثت من داخله وهي يرمقها مبتسمًا بحنق شديد، أحس به ظافر الذي كتم ضحكة كادت تطفو على ثغره، في حين أن مروان ارتدى خاتمه بنفسه وانتصب في جلسته وهو يتمتم: - مردودة إن شاء الله
فسألته تمارا ببرود: - بتقول حاجه يامروان؟
فبادلها فتورها قائلًا: - بقول مبروك ياحببتي
ف ابتسمت هي الأخرى وهي تدنو منه لتهمس: - الله يبارك فيك، عقبال ما نفسخها إن شاء الله.

وهنا التقطتهم عدسة الكاميرا لتنتج صورة لم يكن يتخيلها أيًا منهم، واستمرت فدوى في تصوير الجميع، حتى أن رستم طلب منها أن تلتقط العديد من الصور ل ظافر و أثير أيضًا، حيث وجههم للوقوف و: - أقف ياظافر، يلا ياأثير
ف وقفن، ف أردف: - قرب كده يابني عشان الصورة
ف وضع يده في بنطاله كي لا يضطر لمسك يدها أو ما شابه، بينما أشار رستم لها: - يلا ياأثير.

وإذ ب أثير تدفن يدها في ذراعه وتنظر للكاميرا ب ابتسامة جميلة بينما كان ظافر ينظر إليها، فخرجت صورة طبيعية للغاية، بديعة گالسابقة التي احتفظت بها لسنوات، وسرعان ما انتزعت يدها ووجهت حديثها ل فدوى: - لو عايزة الصورة دي آخدها إزاي؟
- هخلي توته تبعتهالك أول ما اخلصهم
ف أومأت برأسها وراحت تتفقد والدتها التي تجلس مع زينب، بينما كانت تيا منشغلة باللعب مع عمر الذي لم يتركها منذ بداية اليوم.

وعندما شعرت بالإختناق قررت أن تختلي بنفسها قليلًا، حيث دخلت للشرفة ووقفت تستنشق بعض الهواء لتخفي اختناقها من تجاهله لها، شعر بها رستم الذي كان مراقبًا لكل شئ من البداية، ف وجه إبنه ب حزم كي يهتم بها قليلًا و: - ظافر، أدخل أقف مع خطيبتك شوية، انت مكلمتش كلمة واحدة معاها!
ف زفر من تحكمات والده الذي يتدخل دومًا بينهما معتقدًا إنها الوسيلة التي ستجدي نفعًا: - بابا مينفعش كده، كل مرة آ...

فقاطعه و: - مش عايز مناقشة، مامتها قاعدة وشايفة كل حاجه! حس على دمك شوية
ف ابتسم ظافر كي لا يظهر ماهية الحديث وانتقل نحو الشرفة، كانت تقف بصمت ومن حولها صوت الهواء الذي يعصف يمينًا ويسارًا، جاورها في وقفتها وهو يستند على الدرابزون، ف بادرت بسؤاله: - عمي هو اللي قالك تدخل أكيد؟!
- مش مهم، المهم إني هنا جمبك
ف نظرت إليه وقد شعرت إلى أي مدى تبتعد المسافات بينهما: - متأكد إنك جمبي؟ أنا مش شيفاك!

التفت هو الآخر ونظر إليها، تأمل وجهها عن قرب وسأل سؤاله الفضولي فجأة وبدون مقدمات: - أنتي محتفظة بالصورة دي في دولابك ليه؟
فلم تكن تدري إنها ستكون جريئة للحد الذي يسمح لها ب الإعتراف فجأة وبدون بتفكير: - عشان بحبك.!
تلاشت الأسئلة من ذهنه وبقى تركيزه على تلك اللمعة المتجليّة بين بؤبؤيِّ عينيها، لمعة صادقة صاحبتها رغبة في كلمة واحدة طيبة منه، بدون تعنيف أو إحراج.

وكادت تعترف أيضًا بكل تلك الأيام القاحلة التي عانت فيها من لوعة انتظاره وكأن البرد القارس صاحب قلبها الجاف بدونه، وقفت العبارة على لسانها وهي تكاد تنطق: - أنا آ...
ولكنها توقفت مع صوت هاتفه الذي دوى في جيبه، أخرجه متعجلًا ومازال ينظر إليها، كاد يرفض المكالمة لولا إنه دقق في هوية المتصل، وأُجبر على الرد: - أيوة، أؤمري حضرتك
أستمع للنهاية، وأحاد بصره عنها وهو يردف: - إزاي يعني!؟

فأجاب الطرف الآخر والتي كانت جميلة: - من ساعة ما عيد ميلادها باظ وهي نفسيتها زي الزفت بسبب اللي عملته أختك، أنا مش بكلمك بصفتك طليق بنتي ياظافر، أنا بكلمك عشان انت الوحيد اللي هتقدر تسيطر عليها.

فأردف بعشوائية دون الأنتباه لوجود أثير بجواره: - وهايدي فين دلوقتي؟
تجمدت أثير في نفس اللحظة التي استمعت فيها لأسم تلك التي كانت زوجته يومًا، انقبض قلبها وكأنه شعر بالوجع فجأة، وسحبت نفسها كي تخرج من هنا، إنه ليس مكانها، ليس موطن قلبها الذي ترغب في الإنتماء إليه، شعرت وكأن كل مجهودها يذهب هباءًا.

أنتهى ظافر من مكالمته والتفت إليها، ولكنها غير موجودة، فخرج على الفور و: - أنا آسف ياجماعة جالي مشوار مهم لازم أروحه
وانسحب من بينهم متعجلًا قبل أن يتلقى أي سؤال لن يستطيع الإجابة عليه، وعندما سأل رستم صديقه المقرب كان جوابه سلبيًا: - والله مااعرف حاجه ياعمي!

ولكن ملامح أثير وأدعائها إنها أُصيبت بالوعكة الصحية فجأة وتؤلمها معدتها لم يكن مؤشرًا جيدًا، حيث أصرت على الذهاب إلى منزلها وبعث معهن رستم السائق كي يوصلهن براحة غير راضيًا عما حدث الليلة، ولكن لم يرغب في لفت الإنتباه لتواجد سميّة أيضًا بينهم.

وبينما كان الجميع ملتهي بالخارج، خرجت تمارا من غرفتها وهي تحمل هدية مروان ودلفت لغرفة الجلوس حيث كان ينتظرها، ناولته إياها وهي تبتسم بعبث و: - أتفضل
لم يكن مرتاحًا البتة، أحس إنه فخّ گالعادة، وبالفعل كان ذلك، حيث وجد باروكة رجالي بنية اللون، كتم ضحكته الساخرة وهو يسأل: - باروكة! ليه شيفاني أقرع؟

ف رمقته ب نظرات مثيرة للأستفزاز وهي تذكره بهديته: - وانت لما بعتلي شنب ودقن كان حلو أوي! شايفني راجل؟
تأمل وصلة الشعر وهو يردف: - بس تصدقي زؤك حلو، أنا شعري أسود ودي لونها بني، هبقى أجربها، واهو تغيير برضو
أعتقدت إنها ستثير استفزازه وغيظه، ولكن الحقيقة إنها هي التي أستُفزت الآن: - حد قالك قبل كده إنك بارد؟
- ياه! كتير أوي، ربنا يحميني وأفضل قاهر لتوقعاتك على طول.

وجذب يدها بغته، قبّلها بخفة ف جذبتها هي بعنف، نهض عن مكانه وهي يتمسك بهديته ثم خرج، ف أردفت هي بنبرة مغتاظة: - أنت قاهرني أنا مش قاهر توقعاتي!، روح يارب تقع وانت نازل على السلم ببدلتك القمر دي.

كانت هايدي بالفعل قد وصلت لمرحلة لم تصل إليها من قبل، تدهورت إعداداتها النفسية بعد ما حدث في حفل عيد ميلادها ومن قبله وهي غير متزنة، أيام مرت وهي على هذه الحالة.
وها هي تجلس الآن بين الساكرين وترتشف الخمر البارد كي تعود لمنزلها غير شاعرة بشئ وتنام حتى عصر اليوم التالي وهكذا.

لم يصدق ظافر ما قالته جميلة ولكنه رغم ذلك ذهب كي يتفقدها وينقذها من هذا المستنقع الذي سقطت فيه، بحث عنها بعيناه ليجدها تجلس بين رفاقها الذين طالما حذرها من مرافقتهم مرارًا، ف اشتط وهو يخطو نحوها وبعنف جذبها من جلستها لتقف أمامه وهي تترنح هكذا و: - بتعملي إيه ياهايدي! من أمتى بتيجي في أماكن زي دي؟
ف صاحت به وقد فاحت رائحة الكحول من أنفاسها: - وانت مالك؟ مهتم أوي ليه؟

سحب حقيبتها وهاتفها عن الطاولة ف تدخل أحدهم و: - وانت دخلك إيه ياعم! مش فضينا الحوار ده وسيبتها؟
ف قالت رفيقتها: - ملكش دعوة انت سيبهم يتصرفوا مع بعض
حدجه ظافر ب احتقار ثم جرّها من خلفه وهي تعصف يمينًا ويسارًا، و بصعوبة وضعها في سيارته وقاد بها نحو منزلها بدون أن يتحدث إليها بكلمة واحدة، بينما كانت هي في هذيانها وحالتها الغير شاعرة حتى بوجوده إلى أن وصل بها أمام مسكنها الفاخر.

ترجل عن سيارته وراح يساعدها في ذلك، ف ألقت بثقلها عليه ونامت على صدره وهي تغمغم: - وحشتني ياظافر
دقّ قلبه بسرعة وهو يغالب حنينه الزائف، وحاول إبعادها عنه وهو يقول بجدية: - يلا ياهايدي عشان تدخلي بيتك
ابتعدت ورفعت رأسها نحوه وهي تقول: - كفاية كده وخلينا نرجع، أنا عارفه أنك لسه بتحبني، وانا كمان لسه عايزاك.

تأمل ملامحها التي كان يعشقها، ف إذ بجفاء يعتريه لأول مرة، غير مصدق إنه يراها بدون أن تترك هذا التأثير الذي كانت تتركه عليه، أجفل بصره و: - مبقاش ينفع، كل واحد فينا بقى ليه طريق غير التاني، اتفضلي أدخلي
- طريقك هو طريقي، كفاية عند ياظافر
- طرقنا مختلفة ياهايدي، مش انتي الإنسانة اللي ينفع تكمل معايا المشوار الطويل اللي فاضل.

ف ضحكت بسخرية واستندت على السيارة وهي تردف: - وبتاعت الإستقبال هي اللي هتمشي معاك مشوارك! ضحكتني
ف احتد أسلوبه معها و: - أتكلمي كويس ياهايدي
ف صاحت فيه وكأنها تحولت لشخص آخر: - فوق ياظافر، فوق وشوف بتكلم مين، مش انا اللي هجري وراك، انت اللي هتجري ورايا وتتمنى بس أرد عليك واكلمك، انت اللي هتموت ونرجع، فاكر نفسك هتبقى مبسوط من غيري!؟

وضحكت بصوت مرتفع قبل أن تتابع: - أنت من غيري متقدرش تعيش، انت سيبت البلد كلها عشان مش قادر تتنفس في مكان أنا مش فيه، ومش هتقدر.

وابتعد عنه بخطاها الغير متزنة وهي تتابع هراءها: - بكرة نشوف مين هيروح للتاني، بكرة أنا اللي هقولك مش عايزاك!
تجمع هذا الغضب المكتوم بداخله والذي كان كامنًا في صدره لعدة أشهر في احمرار وجهه وتوهج بشرته، أحس إنه كان إنسان مغفل حين عكف عن الدنيا وفرّ كي لا تكون جواره ويراها بعيدة عنه بعد كل هذا القرب..

لحظات وكان بداخل سيارته ليقودها بهذه السرعة الهائلة، في هذا الوقت تحديدًا كره حتى قلبه الذي أحبها يومًا وهي التي لم تكن تستحق رجل مثله، شعور انكسار غروره جعله يكاد يفقد صوابه في لحظة، ولكنه ما زال يملك هذا الثبات الإنفعالي الكاذب.

وصلت أثير لمنزلها وداخلها يحترق، تكاد تشتم رائحة الحريق النابع من فؤادها الذي تألم اليوم، اللعنة على حب گهذا يبكيها أكثر ما يُضحك وجهها، تهربت من التحدث إلى والدتها بشتى الطرق كي لا تصل النتيجة إلى ظافر الذي يتسبب في معاناتها، ولكن هيهات، ف والدتها تعلم من المتسبب في تلك الحالة التي هي عليها.

دخلت سمية لتضع تيا في فراشها عقب أن غفت في الطريق من أرهاق اللعب واللهو طول اليوم، بينما جلست أثير على الأريكة ونزعت حذائها، ثم حررت شعرها من قيوده وأطبقت على عنقها المختنق وهي تتنفس بصعوبة..
أحضرت زجاجة البخاخ خاصتها وتنفست منها قبل أن تسوء حالتها، فوجدت الباب يُطرق عليه.

زفرت وهي تتنقل نحوه وفتحته بعنف ووجهها يُنبئ بوجود ألم عظيم بداخلها، فتفاجئت ب ظافر يقف أمامها مباشرة، ازدردت ريقها و: - ظافر؟! آ...
فقاطعها وقال بجدية: - تتجوزيني ياأثير؟

هوب هوب هوب، ????????.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة