قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع

كانت منحنية أمام غسالة الملابس تضع الثياب داخلها، وعندما انتهت أغلقت بابها ثم اعتدلت في وقفتها..
خرجت من دورة المياة متجهه نحو غرفة صغيرها وحاولت إيقاظه بهدوء و: - عمر، أصحى ياحبيب مامي يلا الساعة بقت 11
قبّلت جبهته و: - يلا عشان تسلم على بابي قبل ما ينزل.

ثم خرجت من الغرفة تاركة إياه غافيًا بعمق، دخلت غرفتها وبحثت بعيناها عن زوجها لتجده أمام المرآه ينثر عطره على الچاكت الجديد خاصته، يبدو عليه الاهتمام الزائد اليوم، وابتسامة تعرفها جيدًا تعلو ثغره، ابتسامة متحمسة شغوفة.
ضاقت نظرات چيهان وهي تقترب منه وتسائلت بفضول: - انت عندك مشوار غير الشغل النهاردة ياعلى؟

ف انتقلت انظاره تلقائيًا نحوها، تلاشت ابتسامته وعبس وجهه وهو يتأملها، وبدا منزعجًا ومضجرًا وهو يسألها: - انتي لابسه إيشارب ليه ياچيهان؟
وضعت يدها على رأسها وهي تردد: - عشان واخده حمام دافي وخوفت أبرد
ف تلوت شفتيه بسخرية و: - حمام مش حمام انتي حاطة الإيشارب على طول فوق راسك
ثم نفخ بتذمر وتركها منصرفًا خارج الغرفة، ف تبعته وهي تتابع: - علي! مقولتش انت رايح فين؟

فأجاب وهو يتابع سيره نحو الباب: - مقابلة شغل مهمة، سلام.

وخرج متعجلًا، بينما وقفت هي بمحلها صامتة، عقلها يعمل گالتروس الصغيرة التي لا تتوقف، حاله المتغير منذ فترة يجعلها تشعر بالريبة والقلق دائمًا، وبطبيعة الحال تملك الأنثى حاسة سادسة لا تخيب أبدًا خاصًة حيال زوجها، جلست على الأريكة تفكر في عباراته التي أزعجتها، ونزعت الوشاح عن رأسها في هذا الحين، بدأت تشعر ببعض البرودة التي لامست فروة رأسها؛ ولكنها تجاهلت ذلك، ونهضت عن جلستها على الفور عقب أن استمعت لصوت الرضيع يزِن الذي لم يبلغ الخمسة أشهر بعد يصرخ ببكاء شديد، فركضت إلى غرفتها ورفعته عن فراشه الصغير وهي تُهدهده برفق، أحست ب امتلاء حفاضته ف شرعت بتبديلها وما زال همها الأول هو زوجها الذي لا يلتفت لها أو لأطفاله منذ فترة وعلى غير عادته، كان مهتمًا بشؤونها مراعيًا ل الصبي عمر كونه الطفل الأول له والذي استولى على حبة قلبه، ولكن الحال لم يعد كما هو منذ أكثر من ثمانية أشهر، قبيل ولادة الصغير يزِن، ولكنها لا تجد حتى الوقت لكي تفكر في هذه التغييرات بسبب الإهتمام بالرضيع.

انتهت من تغيير حفاضة يزِن وداعبته قليلًا، ف استمعت لصوت رنين الجرس يدوي بدون توقف، نهضت وارتدت إسدال الصلاة على عجل من أمرها وهي تسير نحو الباب، فتحته لنجد نرمين تدلف مسرعة وهي تقول: - شوفتي اللي حصل ياچيچي، شوفتي ظافر وعمايله!
بقيت چيهان مذهولة وهي تدنو منها و: - ماله ظافر! مش عايز يحضر فرحك ولا إيه؟

جلست نرمين على المقعد وهي تقول: - طلع مرتبط بالبنت بتاعت الإستقبال!، انا هموت واروح اشوف شكلها إيه، بس لو روحت الفندق بابا هيبهدلني!

جاورتها چيهان في جلستها وتسائلت بعدم تصديق: - إيه اللي بتقوليه ده! ظافر ارتبط؟ مستحيل
أخرجت نرمين ذلك المستند الوحيد من هاتفها، وأشهرت الصورة التي تجمعهم أمام ناظريها وهي تردد: - بصي بنفسك، شوفي باصص ليها ازاي، شوفي بيضحك في وشها ازاي
ثم تابعت ب انزعاج: - ده نزار مش بيبصلي كده! وانتي تعرفي في الحب أكتر مني.

دققت چيهان في الصورة جيدًا، إنها تحمل مغزى شاعري عاطفي بالفعل، تلك النظرات الغريبة والابتسامة العريضة المبتهجة، لن ينظر بها سوى عاشق مُتيم.
أطالت چيهان النظر حتى أثارت نرمين انتباهها و: - چيچي!
حضر عمر راكضًا وعلامات النعاس مازالت جليّة عليه وصاح: - خالتو!
ف اعتدلت نرمين وفتحت ذراعيها لكي تحتضنه: - حبيب خالتو، تعالى ياعمورة
جلس على ساقيها بعد أن عانقها و: - هتاخديني عند جدو النهاردة؟

- عيوني، أول ما تفطر هننزل على طول
ف تأففت چيهان و: - هننزل نكمل لف على رجلينا تاني؟ حرام عليكي يانرمين انتي مش بيعجبك العجب ليه! خلصينا يابنتي الفرح بعد كام يوم.

فكرة مرافقة العروس التي تُنهي احتياجاتها قبيل الزواج فكرة مؤذية للغاية، ستجد نفسك تدور حول دائرة واحدة ولن تنتهي، وهذا ما شعرت به چيهان مع شقيقتها الثانية والتي أجمع الجميع على كونها لا ترضى بأي شئ.

- وبعدين؟! كده هتسيب الشغل ولا هتعمل إيه؟
قالت سارة سؤالها الفضولي ل تغريد بعد أن تغيبت أثير اليوم عن العمل وبعد أن فشل الجميع في استنتاج ما حدث بالأمس بعد اجتماع رُستم ب أثير ومن ثم هرعت أثير وجمعت أشيائها وغادرت الفندق قبل حتى تسليم أعمالها.

منذ الأمس وجمعيهن في حالة فضول عجيبة، منهن من شعر بالشفقة عليها وأخريات شعرن بالشماتة، والقلة القليلة شعرن ب الغبطة كونها حازت على رجل ك ظافر، إنه فاكهة عائلة رُستم، ذلك الرجل المنضبط الهادئ، شديد الإحترام والرُقيّ، بجانب كونه يملك حسّ فكاهي يأسرك وعقلية ناضجة متفهمة، ناهيك عن طلته المهيبة وهيئته الجذابة، لم تعامله امرأة إلا ووقعت في حبه على الفور.

إنه النموذج الذي تتمناه كل امرأة، لذلك ظهرت مشاعر العداء والحقد بصورة جليّة على الكثيرات من عاملات الفندق فور انتشار خبر وجود علاقة تربطه ب أثير.

أطرقت تغريد رأسها بيأس وهي تجيب: - معرفش، اللي عرفته ان حصل مشكلة كبيرة جدًا مع مستر رستم امبارح لما عرف حقيقة العلاقة اللي بتجمع أثير ب ظافر.

شهقت سارة واتسعت عيناها وهي تردف ب: - ها! علاقة؟ يعني فعلًا في بينهم علاقة!
- آه، كانوا بيحبوا بعض لكن حصلت بينهم مشاكل كتير أوي
لمعت عينا سارة حينما كانت تغريد تتابع: - وأثير كانت بتحاول ترجع العلاقات بينهم تاني، لكن المسائل كده اتعقدت!
انفتح باب الغرفة وظهر ياسر من خلفه، كان في أوج غضبه وانزعاجه وهو يتسائل بلهجة محتدمة: - إيه التهريج اللي اتقال ده ياتغريد! يعني إيه مستر ظافر وأثير آ...

فقاطعته تغريد وهي تقول: - صح ياياسر، كل اللي اتقال صح
وكأنه تجمد في مكانه من الصدمة، عضت سارة على شفتيها قبل أن تنسحب من بينهم بهدوء، وأغلقت الباب عليهم، ثم سرعان ما أخرجت هاتفها وبدأت في إرسال تسجيل صوتي: - كله صح ياروقا، الموضوع طلع كبير أوي أوي، وصاحبنا جوا عند تغريد وعرف كل حاجه.

لم يكن صباحًا يشبه صباحاتها المشرقة، في كل يوم تشرق فيه الشمس تنتظر خبر عنه، تنتظر حضوره من جديد لتراه أمامها، ولكنه لا يأتي منذ أشهر عديدة، والآن هي تلعب لعبة الحظ، إما أن يكون ظافر لها، أو تنسى حروف أسمه التي حُفرت بماء الذهب في قلبها.

وقفت أثير بنفس المكان، المكان الذي تستطيع فيه التنفس، مغلقة على صدرها بالوشاح في أوج الظهيرة الربيعية اللطيفة، استمعت لرنين هاتفها ف انتقلت صوب الطاولة وأسرعت بالرد على المكالمة، حيث كانت تغريد قد خرجت من الفندق كي تستطيع التحدث بأريحية أكثر و: - أيوة ياأثير، حصل زي ما قولتي، متقلقيش عملت زي ما اتفقنا، ربنا يستر وميكنش رفدي على إيدك.

نظرت تغريد حولها بحرص زائد ثم تابعت: - طب ومستر رستم! هتعملي إيه معاه؟، خلي بالك اللي بنعمله ده هيودينا في داهية، ماشي ياأثير خليني ماشية وراكي لحد ما اشوف أخرتها.

تلك الأيام التي تمر بسرعة البرق، كانت گالسنون على آخرين، الجميع منشغل في أحواله، حتى أصبح متبقي من الزمن يومان، يومان فقط وتشهد عائلة رستم حفل زفاف الإبنة الثالثة نرمين على إبن عمها الحبيب نزار.
الجميع في حالة حركة وعمل دائب وانتظار ممل، حتى عودة الغائب ينتظرونها لاكتمال سعادتهم.

كان مروان يضُب آخر أغراضه في الحقيبة ومازال يرتدي بنطاله الأبيض فقط، واضعًا المنشفة على رقبته.

وآخر ما تناوله ل يضعه هو تلك الرواية الرومانسية التي سرقها من إحداهن منذ عامين، مازال يحتفظ بها وبالأوراق والملحوظات الصغيرة التي كانت مدونة بداخلها، تفحصها جيدًا والبسمة تعلو ثغره، وخطى نحو الكومود ليجيب على إتصال وارد عبر هاتف الفندق الخلوي و: - ألو، أيوة نازل النهاردة، ظافر زمانه وصل القاهرة من بدري، لأ محدش يعرف، حب يفاجئهم، أوعى يانزار تعرف حد عشان ظافر مشدد عليا، تمام ياصاحبي، سلام.

أغلق مروان الهاتف وعاد صوب حقيبته، نظر للصفحة الأولى مرة أخرى ليرى الحروف الأنجليزية التي تُشكل أسم Tamara، ثم تمتم بخفوت: - وحشتيني، أخيرًا هرجع واشوفك تاني!
أغلق الرواية ثم دسها بين ملابسه وأغلق الحقيبة ثم انتصب واقفًا وهو يردد مبتسمًا: - دي هتبقى أيام زي الفل، بس اشوفك.

وقفت السيارة أمام مدخل الفندق، هي تلك السيارة الرياضية المعروفة لدى الغالبية، سيارة ظافر، توتر موظف الأمن على الفور وبدأ يتصل بأحدهم عبر اللاسلكي و: - ألو، بلغ رستم باشا إن عربية ظافر بيه واقفة قدام الفندق عشان كان منبه علينا لو جه نعرفه فورًا.

ثم تنحنح وهو يبتسم بسخافة و: - ولا أقولك، بلغه إن ظافر بنفسه هو اللي واقف قدام الفندق
نزع ظافر نظارته، ثم قذف بمفتاح سيارته للعامل وهو يبتسم بود و: - أركن العربية دي من فضلك
- عنيا ياظافر بيه، نورت
كادت تلك السيدة الثلاثنية تصدمه أثناء خروجها من باب الفندق ذا الزجاج المغناطيسي، فرفع يديه عن جانبه وهو يردد بلباقة: - آسف
ف ابتسمت و: - أنا اللي بعتذر مخدتش بالي
ف أفسح لها المجال و: - اتفضلي يافندم.

- أتفضل حضرتك
ف التحرك و: - لا ميصحش، اتفضلي
ف عبرت من جواره وهي ترمقه ب إعجاب جلي، ثم دلف هو، نظر للجميع بعدم انتباه مدركًا أن وجهته هي مكتب والده، في نفس الآن الذي كان فيه رستم يجاهد ليمنعه من زيارة الفندق نهائيًا، حيث كانت تعليماته صريحة و...

- يعني إيه يانزار! عشان خدت أجازة يبقى تنسى مسؤلياتك!، مش قولتلك أي حاجه تخص ظافر أعرف بيها قبل أي حد، طب أقفل خليني اتصرف وأخرجه قبل ما يسمع حاجه من اللي حصلت.

وأغلق الهاتف فجأة وهو يسبّ في الجميع وسرعان ما أوفض نحو الباب ليخرج منه.
كانت النظرات والتهامز والتلامز مثير لحنقه وهو يرى الجميع في حالة غير طبيعية!، اجتهد ليكون طبيعيًا أكثر ونظر أمامه متجاهلًا ما يراه، حتى لمحته تغريد، والتي انقبض قلبها على الفور وانتزعت هاتفها من جيبها وهي تردد بصوت مرتجف: - أهو ده اللي كنت خايفة منه!

وقامت على الفور بالإتصال بها و: - ظافر رجع ياأثير، وخدي الخبر التقيل بقى، ظافر هنا في الفندق وزمانه سمع بكل حاجه وعرف ان الصورة انتشرت، إحنا هيتعمل معانا الصح ياأثير، الصح أوي يعني.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة