قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع والعشرون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع والعشرون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع والعشرون

أوفض ظافر مغادرًا منزلها عقب مكالمة والده والتي أفاض فيها بالحالة التي وصلت إليها شقيقته وضرورة ذهابه إليهم..
في الوقت الذي كانت فيه أثير تخرج إليه مسيطرًا عليها الغضب وقد قررت قرارًا طائشًا مغلف بالإستسلام بعد ما لاقته اليوم من موقف لم تتعرض إليه مُسبقًا، ولكنها تفاجئت بعدم وجوده..

نظرت حولها فلم يكن له أثرًا، ف تحركت نحو النافذة لترى سيارته هل ما زالت بالجوار أم لا، ف لمحته وهو يستقر بداخلها متعجلًا وقادها منصرفًا، ف ابتعدت عن النافذة وعادت تنظر للخاتم الذي بين يدها، تأملتها، وأحست بإنها كادت تخطئ خطئًا فادحًا ب إعطاءه هذه الفرصة، سرعان ما عاودت إرتداءه.
والتفتت لتجد والدتها أيضًا تبحث: - تيا قالتلي إن ظافر عندنا! هو فين؟
ف أجابت أثير ب عشوائية: - افتكر مشوار مهم ونزل.

ف دنت منها سمية و سألت: - مش عايزة تقوليلي حاجه ياأثير؟
بدا توترها المصحوب ببعض الإرهاق الذي تجلّى على وجهها وهي تجيب: - حاجه إيه ياماما؟
- مش عارفه، حاسه إن في حاجه مش طبيعية، حتى خطيبك حساه متردد في موضوع الجواز ده!
- لأ خالص، هو إنسان كتوم شوية ومش بياخد على الناس بسرعة يمكن عشان كده حسيتي الإحساس ده، أنا هدخل أنام شوية.

ودخلت..
لم تقتنع سمية بتلك الذريعة التي لفقتها ابنتها، بل إنها تأكدت بوجود شئ ما في هذا الأمر.
ستبحث بنفسها في الأمر إن تطلب ذلك، ف لن تتحمل شرخ قلبها أو تألمها.

مسح رستم على ظهر كفها البارد ورمقها بحزن وهو يردف ب: - طب قولي أي حاجه يابنتي، اللي بتعمليه في نفسك ده ميرضيش حد.

كانت تنظر للفراغ وكأنها في عالم آخر، بينما حاول رستم مجددًا أن يجعلها تسترسل في الحديث: - قولي انتي عايزه إيه وانا اعمله ليكي، لو عايزاني أجيبه راكع لحد هنا والله ل اجيبه، بس قولي.

تنهدت زينب بحزن و: - يابنتي يغور هو واللي زيه في ستين داهيه، ليه عامله في نفسك كده ياچيهان ده ميستاهلش، منه لله ربنا ينتقم منه يارب.

طرق ظافر على الباب قبل أن يدخل، . وتسائل متلهفًا: - إيه اللي حصل!
واقترب منها، ف أردف رستم ب: - الحيوان بعتلها ورقة طلاق على إيد محضر، ده انا هخليه يمشي يكلم نفسه في الشوارع بس يصبر عليا!

جلس ظافر قبالتها وهو يردف ب اعتراض: - يعني مش كفايه إنها كانت هتتنازل عن كل حاجه! كمان هو اللي بيبجح!
- مفيش تنازل، مش هو فاكر نفسه فتك أوي، يبقى يشرب بقى من اللي هيشوفه
احتوى ظافر وجه شقيقته بين يديه و: - چيچي، انتي كويسة؟
لم تجيبه هو الآخر، فقط نظرت له بعيناها المدمعة نظرات عاجزة متألمة، ف ذمّ ظافر على شفتيه ب أسف و: - الحياة مش بتقف على حد ياچيهان، خصوصًا لو الحد ده بيّاع.

أطبقت جفونها وأشاحت بوجهها بعيدًا، لم يفهم أيا منهم أن مصابها ليس الحبيب الذي فقدته فقط، مصابها نفسها التي تهاونت وكرامتها التي تبعثرت كحبات الغبار، مصابها الأكبر إنها وضعته موضع لم يكن يستحقه، هي أذنبت في حق نفسها التي كانت ستفرط فيها من أجله فقط.

فتح مروان باب الشُقة بعد العديد من الطرقات وقد كان أغلب أهل البيت مشغولون ب چيهان، فوجد تمارا أمامه مباشرة، رمقته ب استغراب و: - انت بتعمل إيه هنا؟
- جيت أوصل عمي رستم وچيهان وطنط زينب
قطبت جبينها ودخلت وهي تتسائل: - توصلهم فين!
ف أردف ب استخفاف: - صحيح ماانتي مش عايشة هنا، أختك اتنقلت للمستشفى عشان أغمى عليها.

أسرعت تدخل لغرفتها كي تطمئن عليها، ف كان الجميع بجوارها، دخلت ب اتجاهها مباشرة وهي تقول بصوت مرتفع: - چيچي! إيه اللي حصل؟
ورفعت رأسها لتنصدم برؤية ظافر وهو يؤمقها بنظرات محتدمة هكذا، ف أشاحت بصرها عنه على الفور وكأنها لا تدري ما حدث، بينما كانت زينب تجيب ب: - وقعت فجأة ونقلناها المستشفى، منه لله اللي كان السبب
نهض ظافر و: - تعالي معايا ياتمارا
وخرج مستبقًا إياها ف تبعته..

بينما استطردت زينب بأسف: - أجل موضوع تمارا ياحج، لحد ما چيهان تقوم بالسلامة و...
- مفيش حاجه هتتأجل
قالتها چيهان بثبات، كانت أول عبارة تخرج من فمها بعد ما أصابها، ثم تابعت بجدية: - خطوبة تمارا هتتعمل في معادها وفرح ظافر هيتعمل في معاده، أنا كويسة
ف أردف رستم ببعض الحبور بعد أن تفوهت بالكلام أخيرًا: - اللي يريحك ياحببتي، زي ما تحبي.

وقفت تمارا مطرقة رأسها بقلق من رد فعله، خاصة وإنه أطال النظر إليها بدون أن يتحدث، فلم يتحمل مروان الصبر وسأله: - حصل إيه ياظافر فهمني
فسألها ظافر: - سيبتي أثير في الكوافير واختفيتي فين؟
- كان معايا تليفون رجعت ملقتهاش، ريما قالتلي إنك جيت خدتها
زفر مروان وهو يبتعد، إنه طيشها المعتاد، رغمًا عنه ضحك، فأثار استفزاز ظافر أكثر و: - بتضحك!
- بصراحة مش قادر امنع نفسي، حاسس إن تمارا مصيبة متنقلة على الأرض.

ف خرجت تمارا عن هدوئها وصاحت فيه: - حيلك حيلك، مين دي اللي مصيبة!
خرج رستم من غرفة چيهان فقطع جميعهم الكلام، حيث اقترب منهم وأردف بوجهٍ ممتعض: - تعالى يامروان، عايزك في موضوع
- اتفضل ياعمي
غمز لها وهو يمر من جوارها، ف أشاحت بوجهها وهي تغمغم: - مستر مستفز.

گأن السماء مغيمة قليلًا رغم الجو البديع..
ولكنها لم تشعر ب طيب الأجواء، ف روحها محملة بالكثير من العواصف ذات الرائحة الخبيثة.
كانت جيهان تقف في حديقة المصحة النفسية التي ذهبت إليها للقاء الطبيب النفسي، تنتظر شقيقها أن يحضر إليها بعدما يتحدث مع الطبيب، كانت تنظر حولها، جميع المتواجدين في الحديقة يظهر عليهم ملامح الإعياء النفسي، حتى إن الإكتئاب يتجلّى على وجوههم مثلها.

التفتت وهي تسحب شهيقًا لصدرها، وكأنه لا يتسع الهواء حتى، حتى رأت هذا المشهد الذي استوقفها..

كانت فتاة عشرينية تجلس على مقعد متحرك، يبدو على يداها اليسرى إنها مُصابة بالشلل، كانت والدتها تحاول أن تعاونها للنهوض عن المقعد لكنها رفضت بشدة، وانفعلت وهي ترجوها أن تتركها تحاول بنفسها، جاهدت بشدة كي تنهض، ف وقعت على الأرضية، ورفضت ثانية أن تساعدها والدتها، أصرّت أن تفعلها بنفسها، زحفت بذراع واحد على الأرضية واستندت على المقعد، كافحت وكافحت، حتى وقفت على ساقها لحظة واحدة وعادت ترتمي على المقعد، ضحكت، ضحكت بقوة وأدمعت عيناها، لقد نجحت بالفعل في أن تفعلها، نعم سقطت، تألمت، كابدت العناء، ولكنها فعلت في النهاية.

ليست كُل سقطاتك هي النهاية، قد تكون بداية لموسم جديد، ف موسم الربيع لا يأتي بعد شتاء قاسي وبارد هباءًا، إنما هي البداية الرائعة التي س تُزهرّ روحك.
انحنت عليها والدتها وقبّلت رأسها، وعدتها أن تتركها تواجه بمفردها حتى تتمكن من عبور الصعاب، وهنا أدركت چيهان إنها لم ترى هذا المشهد ب محض الصدفة أبدًا.
لم تنتبه ل ظافر الذي نادى بأسمها تكرارًا، حتى وقف أمامها مباشرة و: - چيچي، بكلمك
- أيوة.

ربت على ذراعها و: - دكتور ضياء مستنينا جوا
ف هزت رأسها بالرفض و: - مش عايزة
ضاقت عيناه بعدم فهم و: - يعني إيه؟
فقالت بإصرار وكأنه يرى إنسانة أخرى أمامه غير تلك الشاردة الحزينة التي تركها منذ قليل: - يعني مش محتاجة، أنا لقيت الجزء اللي كان ضايع مني خلاص، ولازم أروح لولادي، رجعني البيت ياظافر.

واستبقته نحو الرواق المؤدي للمخرج، مؤمنة بإنها ستفعل الشئ الصحيح في حياتها، ولن تتخلى عن نفسها أبدًا.

كان علي قد أنهى إرتداء ملابسه صباحًا مستعد للذهاب إلى عمله، دخلت زوجته الجديدة يمنى وهي تحمل فنجان من الشاي المخمر و: - عملتلك شاي يابيبي
التفت وتناوله منها وهو يبتسم و: - تسلم إيدك ياحببتي
تركه جانبًا ليغلق أزرار قميصه، ف راحت تُطوق عنقه وأقتربت منه بشدة وهي تقول: - عايزة اطلب منك حاجه
ف ابتسم وهو يميل عليها ليطبع قُبلة على وجنتها و: - انتي تؤمري مش تطلبي بس
- هنزل اعمل shopping بعد الضهر.

- انزلي بس ارجعي بدري
ف قبّلت شفاهه بشكل مغري و: - اتفقنا
حمحم علي و: - في شغل هيروح في داهيه لو غيبت النهاردة كمان
ف ضحكت بميوعة حينما كان الجرس يرّن، ف ابتعد قليلًا و: - هروح اشوف مين على الباب
وخرج، فتح الباب، ف صُدم رؤية رستم أمامه، أحس بالتوتر يعتريه، بينما أردف رستم: - مبروك ياعريس، معلش جايلك كده زي القضى المستعجل من غير خبر سابق.

دفعه ودخل ومن خلفه مروان، نظر لحال شُقة ابنته التي تغيرت كثيرًا، بينما أغلق علي الباب وعاد ليقول: - خير، مش خلاص ورقة الطلاق وصلتكم؟
- وصلت، بس انت لسه موصلكش ردي
رمقه رستم بنظرات محتقرة و: - مش انا اللي بنتي يتعمل معاها كده ياعلي، أنا اديتك بنتي أمانة وانت مصونتهاش
- هي اللي بدأت ورفعت خلع عليا، لو طلبت الطلاق بالحسنى كنت هطلق من غير شوشرة.

كان مروان متماسكًا لئلا يتهور أو يقوم بفعله قد يندم عليها، وترك لهم الحوار.
حيث تابع رستم بنفس النبرة الحازمة: - لو شايف إنك كده رديت كرامتك تبقى غلطان، أنت مبقاش حيلتك كرامة
- عمي من فضلك انت في بيتي، يعني مش هسمح ب...
قاطعه رستم بصرامة وقد ارتفع صوته: - تسمح ولا متسمحش، ده مبقاش بيتك، ده بيت بنتي وانت هتسيبه النهاردة.

حدق فيه علي وقبل أن يتفوه بكلمة كان رستم يتابع: - القانون بيدي بنتي الحق تفضل في بيتها هي وعيالها لأنها حاضنة لديها أولاد، وكل اللي انت عايش فيه ده بتاعها، لو نسيت القايمة اللي انت ماضي عليها ب 300 ألف جنيه أحب افكرك.

ف تدخل مروان على الفور: - معاك يوم بحاله عشان تسبب البيت، وإلا هنضطر نخرجك بشكل رسمي أكتر مش هيعجبك
ودنى منه ليحذره: - ولو فكرت تعمل حاجه كده ولا كده في العفش ولا البيت، مش محتاج افكرك إن التمن هيكون غالي.

لم يمهله رستم الفرصة، حيث تابع هو الآخر: - ومتنساش ياعلي، في عليك 150 ألف جنيه مؤخر لبنتي، وفيه نفقة سنة غير نفقة الأولاد ومصاريفهم اللي هتحددها المحكمة.

كأن فيضان من المصائب انفتح في وجهه ألجمه عن التحدث، ملامح وجهه كانت أكبر انتصار ل رستم الذي تابع مبتسمًا: - ولسه، لسه ياعلي
ثم أشار رستم: - يلا يامروان، ورانا محامي لازم نروحله.

وتركاه هكذا في دوامة تفكيره، لقد وقع في بئر لم يفكر به أبدًا، لم يتصور أن عائلة گتلك ستطالب بهذه الحقوق التي تبدو بالنسبة لهم بضع قروش، ولكن الحقيقة إنها جلسة تأديبية له، سينال ما يستحقه، وسيدفع ثمن هذا الخطأ الذي غفل عن نتائجه.

تقريبًا منذ حضور هذا الضيف إلى منزلهم وهي لا تتركه، كانت تيّا تلهو مع الكلب وقد تشاركا اللعب بالكرة، حينما رنّ جرس الباب ف أوفضت نحوه ومن خلفها بيكاتشو، فتحته لتجد ظافر أمامها، ف تمسكت بساقه و: - ظافر، تعالى ألعب معانا
دخل ظافر وهو ينظر للكلب وهمس: - ما شاء الله بقيتوا أصحاب، وانا اللي كنت جايبه عشان يكون فخ!
أنحنى يسمح على فراءه و: - لن أنسى لك هذا الموقف يابيكاتشو.

ف ارتفع حاجبيها وتسائلت مذهولة: - انت تعرف أسمه منين؟
ف ضحك ظافر و: - ده انا اللي مربيه
ثم نظر حوله بحثًا عنها و: - فين أختك؟
- بتستحمى
نهض ظافر وجلس على الأريكة و: - طب ماما فين؟
- في المطبخ
اقتربت منه وتأملت وجهه، فسألها بتعجب: - بتشبهي عليا ولا إيه؟
ف أفاضت ب: - لأ، أصل في الصورة كان عندك شعر هنا
وأشارت نحو ذقنه، ف زفر ظافر و: - شوفتي الصورة اللي محيراكي دي فين ياتيا؟

فأجابت بتحمس وهي تصفق بيدها: - في دولاب أثير
توقف عقله لحظات، وشرد وهو ينظر إليها، وسرعان ما تكونت رغبة جامحة في عقله لرؤيتها: - طب إيه رأيك نتفق اتفاق، تخليني أشوف الصورة، وأنا هجيبلك حاجه حلوة هتعجبك أوي.

نظرت تيا نحو المطبخ و: - موافقة
سحبته نحو غرفة شقيقتها وسار هو معها بهدوء دون جلبة، أدخلته غرفة أثير وفتحت زر الأنارة، ف تمكن من رؤية غرفتها الرقيقة البسيطة، فتحت دلفة الخزانة و: - أهيه.

خطى ظافر نحو الخزانة ونظر بداخلها، كانت الصورة ملصقة في المقابل، تعمق النظر إليها وهو مندهش من ذلك، لماذا وضعت تلك الصورة التي التُقطت سهوًا أو بالصدفة في مكان گهذا؟ ولماذا طبعتها من الأساس، ذاك المغزى الصريح الذي يختفي وراء فعلتها يرفض تصديقه، إن صدق سيتغير كل شئ، ستنقلب الأمور رأسًا على عقب.

أطال النظر فيها، نظرتها له لا تبدو وكأنها صُدفة أبدًا، كأنها تُحب فيه بعيناها، أو تحفظ وجهه وتعدّ كم فيه من خطوط.

دخلت أثير غرفتها مرتدية بيجامة صفراء اللون وعلى شعرها منشفة تجفف بها شعرها، وما أن رأته في الغرفة شهقت بفزع و: - ظافر!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة