قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع والأربعون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع والأربعون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع والأربعون

قد يكون موطنك الحقيقي بين أحضان أحدهم.

كانت مُطوقة بذراعه ورأسها على صدره يرفض إبعادها عنه، فقد أمسك بها بصعوبة بالغة عقب مسيرات طويلة من الركض خلفها بدون توقف، كانت تخشاه حقًا في هذه اللحظة وترتب على هذا المشهد شعورها بالفزع والرهبة.
رفعت رأسها وتأملته، كانت عيناه غافية، ولكنها تحس بإنه لم ينم بعد، حاولت أن تتخلص من ذراعه وتعتدل، ولكنها وجدته يطبقها عليه ويهمس: - شششش، أهدي.

أطبقت جفونها ثم فتحتهم ونظرت حولها ببعض الخوف، وكأنه شعر بها، مسح على ذراعها وظهرها بحنو بالغ و: - متخافيش، مفيش حاجه تقدر تدخل هنا، أنا مقفل الخيمة كويس
أطلقت تنهيدة وهي تردف بصوت ضعيف: - مش مصدقة إنك قتلت التعبان بالشكل ده!
- دي المرة ال 101 اللي تقوليلي فيها كده
ثم ضحك و: - ياريت كان في ضمن البرنامج رحلة صيد، كنتي نمتي بتحلمي بيا
وأطلق ضحكة عالية، ف ضربت صدره و: - بس بقى، أنا متخيلاك أرق من كده!

- أرق! ليه هو انا صحبتك؟
أعتدل في نومته واستقام لينظر إليها متابعًا: - شغلي كده، انتي بتكلمي ظابط جوية مات تحت إيده عشرات من أسبوع، أنا واللي زيي في جوية وبحرية وحربية بنحميكم وبنحمي ملايين المصريين، لو كل واحدة عملت زيك كده، مش هنلاقي بنت ترضى بينا وبحياتنا وطبعنا.

نهضت وتشبثت به و: - أنا راضية، بس متعملش كده قدامي
ضمّها وهو يسند ظهره لينام مجددًا وهي ملاصقة له، داعب شعرها بين لحظات صمته، ثم أردف: - نامي وارتاحي عشان عندنا سفاري بكرة
استرخت بعد زحف شعور الأمان لديها، دفء صدره أجبرها على الرضوخ لنوم طويل ومريح بجواره، وكأن لا موطن لها ولا سكن إلا هو، في أعماق حُضنه الجميل فقط.

كان گالذي حصل على مفاجأة حياته، يمر الآن ب أسعد لحظاته على الإطلاق بالنسبة ل عُمره الصغير.
جلس عمر بين صفوف الطلاب الذين سيتم تكريمهم نظرًا لتفوقهم الدراسي وهو مفتخر بنفسه، بجانب نظرة الإعجاب في عينيّ والديه الذين يقفن سويًا ويصفقن له ويلتقطون العديد من الصور التذكارية له.

كان التنظيم على مستوى عالي للغاية وتضمن فقرات عديدة مبهجة للطلاب ول أولياء الأمور، ومن بين كل ذلك لم ينشغل عقل علي سوى بطليقته التي ازدادت حُسنًا وجمالًا بعدما فقدت الكثير من الوزن واهتمت بثيابها وأناقتها واختياراتها الموفقة في أحذيتها، أصبحت أكثر فتنة حتى عن الأيام التي سبقت زواجهم.

نظر علي نحو ولده الذي التهى مع زملائه ووسط بهجة الحفل، ثم قال ب امتنان بيّن: - مش عارف اشكرك ازاي عشان اللطف اللي عاملتيني بيه خصوصًا قدام الولد
فأجابت بعدم اكتراث وهي تتابع صغيرها بنظرات راضية: - إحنا مش أعداء ياعلي، اللي حصل بينا مش هيقلل أبدًا من احترامنا لبعض، من حقك تشوف الولاد في أي وقت، وتشهد على نجاحهم اللي مشاركتش فيه.

حاول أن يواري ضيقه من كلماتها المقصودة، وقبيل أن يبرر أو يتحدث كان الصغير يقف بينهم ويقول بصوت غمره السرور: - في مسابقة هيعملوها ياماما أبقي ساعديني فيها
ف انحنت واحتضنت وجهه بين كفيها وهي تردد بصوت ناعم: - حاضر ياحبيبي
ثم نظر لوالده و: - شكرًا عشان جيت يابابا
ربت علي على كتفه و: - طبعًا لازم أكون معاك، وهتلاقيني دايمًا موجود معاك.

ثم رفع بصره المشتاق نحوها، ليجدها تنظر في اتجاه آخر وتبتسم، نظر حيث تنظر هي ليجد على الجانب الآخر رجل ثلاثيني العمر أو ربما في بداية الأربعينات، ينظر إليها بنظرات غير طبيعية، ف أجج شعوره وهو ينظر إليها ب احتقان بينما انسحبت هي من بينهم و: - أنا هروح اشوف حاجه وأرجع تاني
وشقّت طريقها نحو زميل عملها محمد، ف لم يتحمل علي وسأل ولده على الفور: - مين اللي ماما واقفة معاه ده ياعمر؟

ف نظر عمر نحوها و: - ده مستر محمد، مدرس ال math
كانت چيهان تُقبّل الصغيرة مرام ب قُبل حانية، ثم عانقتها قبيل أن تقول: - بابا كلمني عنك كتير أوي
فسألتها الطفلة ب ببراءة: - وقالك إيه؟
- قالي إنك جميلة أوي وإنه بيحبك أوي أوي أوي
ف تمسكت مرام ب يدّ والدها و: - وانا كمان بحبه أوي أوي
استقامت چيهان في وقفتها و: - ربنا يحفظها يارب
شملها محمد ب إعجاب ثم قال بلباقة: - انتي النهاردة غير أي يوم يامس چيهان.

- ده عشان عمر بس
ف نظر حوله و: - هو فين عمر صحيح؟
فأشارت جيهان للخلف و: - مع باباه، تحبي تشربي حاجه يامرام؟
ف أومأت برأسها، أمسكت چيهان بيدها وقادتها ومن خلفهم مشى محمد..

كان علي يتماسك بقوة لئلا يفتعل مشكلة أمام ولده الأكبر، ولكن بداخله اشتعلت نيران غيرته، حاول أن يخمدها مبررًا إنها ليست زوجته، ولكن قلبه لم يتقبل هذه الفكرة أبدًا، لم يتقبّل فكرة إنها قد تكون مع شخص آخر من بعده، إن ترسخت هذه الفكرة في عقله قد يقتل أحدًا يومًا ما، ليته يستطيع أن يكون متبلدًا، كي لا يسمع كلمة لم ترضيه وهي ما شأنك!

من فرط السعادة، نخشى أحيانًا أن تنتهي بسرعة وتعود الكوابيس لتغطي بسوادها قلوبنا وتحيط العيون بهالاتها السمراء.
هكذا كان شعور أثير للحظة، إنها تعيش أفضل أوقات حياتها على الإطلاق، ليس فقط لأنه جوارها، ولكن لسعيهِ الدائم في خلق الجو الذي سيعوض به كل أخطاءه السابقة معها.

ترجلت أثير عن الدراجة الضخمة التي كانت تستقر فوقها وتتمسك ب ظافر، ثم نزعت الوشاح عن وجهها وما زالت عيناها مغطاة بنظارة شمسية ضخمة وضحكت بحماسة وهي تقول: - عايزة أبقى اركبه تاني والنبي ياظافر
نزع هو الآخر وشاحه المزدوج في ألوانه بين الأبيض والأسود و: - من عنيا.

سلّم ظافر الدراجة ثم اصطحبها نحو ساحل البحر كي ينفردا قليلًا بعيد عن هذه الأجواء، وقفن سويًا ل تنفس هواء البحر العليل وقد أصبح مراقبة المد والجزر أحد هواياتها المفضلة، وبعدما انخرطت في هذه الأجواء الجميلة بدأت بالحديث: - عايزة اعترفلك بحاجة ياظافر
فتأهب لسماعها وهو مرتكز ببصره عليها: - إيه!؟
فقالت بجرأة: - الصورة بتاعتنا اللي اتخدت بالصدفة
- مالها؟

ف استجمعت شجاعتها خلال لحظات، ثم التفتت نصف التفاته وهي تنظر لعيناه معترفة ب: - مكنتش صدفة، أنا اللي دبرت لكل حاجه عشان المُصور يلقط الصورة دي
كان مندهشًا ب اعترافها الذي لم يخطر بباله قط، للحظة أحس إنها تعمدت نصب فخ له والإيقاع به، ولكنه احتفظ بهذه الوتيرة الهادئة رغم ملامح الذهول التي كست وجهه، وتسائل ب ارتياب: - ليه!؟

ف أشاحت ببصرها عنه غير قادرة على مواجهته واسترسلت: - عشان كنت عايزة أي ذكرى منك، أي حاجه مشتركة تجمعني بيك مهما كانت صغيرة، سنتين وانا محتفظة بالصورة دي وببص فيها كل يوم من غير ما حد يحس باللي جوايا، حتى لما عرفت إنك اتجوزت، مقدرتش أقطعها أو أشيلها من قدام عنيا، كنت ببص فيها كل شوية وبمني نفسي إنك هتشوفني في يوم.

ثم نظرت له وقالت بفزع انتابها فجأة: - بس والله ماانا اللي عملت الإشاعة دي، مش أنا، أنا أتفاجئت بيها زيي زيك بالظبط.

گالذي أحس بأن رزقه كثيرًا، لا يستحق كل هذا..
هكذا شعر ظافر لوهله، أحس إنها رزقًا وفيرًا ربما يكون كثيرًا عليه، لم يطيق تحملًا، وإذ به يُطبق على شفاهها يُقبلها بلطف أنساها ذلك الذعر خلال ثوانٍ، واعتصرها بعناق كأنه لن يفلتها اليوم..
طاقة الحُب الموجودة في كُل العالم بقلب واحد الآن، قلبهِ.

وصل السائق أسفل البناية المراد الوصول إليها، ف نظرت تمارا حولها وهي تتسائل: - هو ده البيت؟
ف أومأ مروان برأسه وهو يتحرك برويّة كي يترجل عن السيارة و: - آه
أستند بعصاه على الأرضية وترجل بسهولة بعدما أصبحت حركته أسهل من ذي قبل، آلمه قلبه وكأن الهواء الذي يتنفسه يطبق على صدره، الآن سيواجه أسوأ وأصعب موقف قد يواجهه بحياته، ولكن لا مفر.
وقفت تمارا بجواره تسانده بكلماتها و: - خليني أطلع معاك أفضل.

- مش هينفع، أستني هنا ياتمارا، هحاول متأخرش
رغم إيمانها بإنه لن يعبر هذه الخطوة بمفرده إلا إنها لم تعيق رغبته وظلت واقفة بمكانها حتى دخل للمصعد بداخل البناية، ف جلست بداخل السيارة وهي تغمغم: - ربنا يعدي الزيارة دي على خير.

بعد أن صفّت چيهان سيارتها وترجلت عنها، تفاجئت بوجود علي أيضًا وقد لاحقهم، ف هلل عمر متسائلًا: - بابا انت هتطلع معانا؟
ف ضحك علي و: - لأ ياعمر، جدو مش هتعجبه الفكرة دي نهائي
- جدو وتيتة مش فوق
قالها بعبوس، بينما تسائلت چيهان: - تعبت نفسك وجيت ورانا ليه؟
- مفيش تعب ولا حاجه، مكنتش هعرف أمشي من غير ما اطمن عليكوا.

ثم استغل وجود الصغير و: - إيه رأيك نروح بكرة نتغدا برا سوا ياعمر، أنا وأنت وماما ويزن يكون معانا
ف تحمس عمر وبدأ يلح: - الله، أنا موافق، وافقي ياماما عشان خاطري
وكأنها تفهمت لماذا ترمي تصرفاته، ولكنها لم تستطع تجاهل سعادة ابنها بوجود علي، ف وافقت على الفور ولم تبدي اعتراضًا رغم ملامحها التي أثبتت عكس ذلك و: - حاضر ياعمر، بكرة ان شاء الله نروح سوا، بس خلينا نطلع دلوقتي.

ودّعه الصغير عمر وداعًا حارًا قبل أن يدخل مع والدته لمقر سكنهم، بينما كان علي يقف سعيدًا لنجاح خطته بسهولة وبدون بذل أي مجهود، عاد يستقر في مكانه بمقعد القيادة وهو يفكر إلى أين سيصحبهم وما البرنامج الذي سيقوم به، مؤكد لن يمر الأمر عاديًا هكذا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة