قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع عشر

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع عشر

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع عشر

كانت تمارا قد خرجت للبحث عن فدوى التي تركتها مع شقيقها وأنصرفت، وعندما لم تجدها عادت للفندق مستوفضة كي لا تتأخر..
في هذا الحين كانت أثير تخرج مهرولة وهي تسحب حقيبتها خلفها، من يراها يظن إنها رأت شيطانًا.
لمحتها تمارا وهي تخرج بهذا الشكل وقد تعرفت عليها بسهولة، ف أسرعت نحوها متحمسة وهي تقول: - هو ظاظا جابها معاه ولا إيه؟ يعني مقالش!
وعندما اقتربت منها نادت: - أثير.

التفتت أثير تنظر خلفها لتراها، ف أقبلت عليها تمارا ترحب بها بحبور و: - ظافر مقالش إنه جابك معاه
توترت أثير وهي عاجزة عن إيجاد ما تقوله لها و: - لأ أصل، مش كده، أقصد...
ف ابتسمت تمارا لتزيل عنها الحرج و: - متقلقيش أنا توته، قصدي تمارا، أخت ظافر الصغيرة
وتابعت بتباهي: - آخر العنقود يعني
ابتسمت أثير بتكلف و: - أهلًا بحضرتك، أنا مضطرة أمش...

فقاطعتها تمارا ب استنكار و: - لأ إيه حضرتك دي؟ قوليلي ياتوته عادي إحنا بقينا صحاب خلاص
- تمارا!
ارتجفت أثير مع سماع صوته وهي ينادي على شقيقته، ولم تحاول حتى أن تلتفت ليراها، بل بقيت مولياه ظهرها عله لا يكتشف تواجدها هنا، ولكن وقع الأمر على عاتق تمارا التي فاضت بالأمر على الفور عبر سؤالها الفضولي: - مقولتش ليه ياظاظا إنك جيبت أثير معاك؟
- مين؟

وأسرع يخطو نحوهم عندما أطبقت أثير جفونها بقوة وهمست: - نهار أسود!
وقف قبالتها يرمقها ب غيظ شديد وتساءل بنبرة منفعلة: - انتي كمان جاية ورايا هنا؟ ده انتي زودتيها أوي بقى!
فحاول مروان تهدئته و: - ظافر الناس بتبص علينا وهتفرج علينا السياح! أهدا مش كده.

كانت تمارا گالتي ابتلعت لسانها على الفور غير مدركة ماذا تفعل!، ولكن رد فعل شقيقها المبالغ به من وجهة نظرها كان محط اهتمامها، لم تراه بهذه الحالة الفظة المتعصبة من قبل، حتى في مشاجراته مع زوجته السابقة لم يصل لهذه المرحلة.
بينما كانت أثير تحاول أن تعطي أي رد لتستعيد كرامتها التي أُهدرت، ولكن لم تجد، حيث بقيت في حالة ذهول تامة تنظر إليه بعتاب لم يفهمه.

نفخ بغضب شديد وهو يخفض من صوته و: - حالًا تسيبي الغردقة وتمشي، حالًا
والتفت موليها ظهره كي ينصرف، ولكنها خرجت عن صمتها أخيرًا وصاحت فيه: - مش همشي من هنا، أنا جاية عشان شغل ومعرفش إنك موجود أساسًا
توقف عن السير وعاد يرمقها ب امتعاض، ف تابعت هي: - أنا مش جايه عشانك
- المفروض أصدقك؟
فكانت قد اكتسبت قوة أكبر لتجيب عليه: - مش مشكلتي تصدق ولا لأ، دي حاجه متهمنيش.

ف تدخلت تمارا عقب أن أثار أسلوب ظافر العنيف تحفظها: - انت بتتعامل معاها كده ليه ياظافر؟ حتى لو بينكم مشاكل ده مش أسلوبك!
ف حذرها مشيرًا إليها: - متدخليش ياتمارا
ف تدخل مروان بدوره: - ممكن تدخلي ياأنسه أثير، طالما جاية في شغل يبقى شوفي اللي وراكي.

سحبت حقيبتها خلفها وهي تعود للفندق، وعندما اختفت عن أنظارهم بدأ مروان يعنفه لأسلوبه: - جرالك إيه ياظافر! أنت كل ما تشوف البنت تطلع فيها بالشكل ده؟ راعي مشاعرها ياأخي.

ارتفع حاجبي تمارا وهي تنظر إليه بعدم تصديق، فلم تتوقع أن يكون لطيفًا ويتحدث عن اللباقة واحترام المشاعر بينما يتعامل معها بمشاكسة دائمًا..
على النقيض كان ظافر الذي أحس بصحة ما قيل حتى وإن كان يظهر عكس ذلك..
تركهم سويًا وعاد هو الآخر نحو الفندق، نظر من مسافة بعيدة إلى حدٍ ما فلم يراها، ف دخل منتقلًا للإستقبال و سأل: - من فضلك، في آنسه لسه داخله من شوية، ممكن اعرف الحجز بتاعها بأسم مين؟

فنظر موظف الإستقبال إلى الحاسوب و: - بأسم رستم حربي يافندم
يبدو إنها بالفعل قد أتت إلى هنا لتنهي عمل ما، وقد تكون على شراكة مع أبيه الماكر الذي يجاهد بشتّى الطرق كي يستطيع إبقاءه هنا!
ليس متأكد من السبب الحقيقي، ولكنه لن يترك الأمر هنا، ف إن كانت هي لا تعلم بتواجده، ف رستم يعلم ذلك.

طقطقت تمارا أصابعها سويًا وهي تفكر في الأمر، هل شقيقها على علاقة مع تلك الفتاة أم لا؟ هل يعاملها بلطف ورقة أم بفظاظة وحدة؟
لم تعد تفهم شيئًا..
كانت تسير على الشاطئ وعقلها منشغلًا، بينما كان مروان يسير بالقرب منها، تفصل بينهما مسافة قصيرة، وكل منهم محتفظ ب صمته، حتى خرجت تمارا عن صمتها و: - انت الوحيد اللي عارف، ليه مش عايز تقول الحكاية إيه؟
- أكيد لو ظافر عايز يحكي هيقولك، متشتغليش بالك.

استدارت تمارا لتعود من حيث أتت و: - لأ طبعًا هشغل بالي، أكيد هي هتقولي
ف أسرع مروان وقطع طريقها وهو يقول بجدية: - متدخليش في حاجه مش بتاعتك ياتمارا
حدجته ب استهجان و: - ياريت انت كمان متدخلش في حاجه تخصني، من حقي أعرف إيه بيحصل مع أخويا
ثم اقتربت منه وطرقت على ذراعه وهي تقول: - روح شوف صاحبك ياشاطر بدل ماانت واقف معايا هنا.

ثم تجاوزته ومضت، لم يتعقبها، تركها تنصرف وهو أيضًا يفكر في الأمر، ف الحكائة كلها معقدة تعقيدًا شديدًا.

حتى الآن لا تستطيع التصديق، لقد تركها وطفلهما في المطعم وانصرف بدون أن يترك تبرير لما فعل، غادر بدون التفكير فيها إطلاقاً، وكأنه تجرد من كافة مشاعر الودّ والألفة لزوجته.

إنها الآن في منزلها بعد أن عادت بمفردها، تحاول إيجاد حل لإنقاذ زيجتها التي أصبحت على شفا جرف منحدر سيؤدي بهم إلى نهاية غير مرضية، تجاوزت أمر التفكير في خيانتها بصعوبة شديدة، والآن ما يشغلها هو كيفية التصرف بحكمة ووعي، ولكن كيف؟!
بين كل تلك الهموم التي تُثقل عاتق ظافر إلا إنه لم ينسى قط أمر شقيقته ومشكلتها، حيث كان أول من تواصل معها..

أغلق عليه غرفته ووقف في الشرفة المُطلة على البحر وهو يتحدث إليها في الهاتف و: - انتي جاية على نفسك أوي ياچيهان.

حاولت أن تواري صوتها المختنق ولكنها فشلت في ذلك، حيث تبينت نبرتها المتحشرجة وهي تجيب: - عشان الولاد ياظافر، الولاد ميستاهلوش يعيشوا في حياة غير سوية حتى لو كنت أنا وأبوهم متحضرين، غياب الأب من البيت ليه تأثير سلبي على صحة الأطفال النفسية حتى لو الأم ولعت صوابعها العشرة شمع، هيفضل في حاجه ناقصة.

قاطعها وقد كانت على وشك الإنهيار باكية: - أهدي طيب، خدي نفسك براحة واهدي
ولكنها تابعت بدون توقف وكأن داخلها امتلئ حتى فاض: - مش مصدقة إنه سابني أنا ويَزِن في المطعم ومشي ياظافر، مشي كده بكل سهولة ومتصلش يطمن حتى روحت البيت ولا لأ، أمتى حصلت بينا فجوة بالحجم ده!

تضايق ظافر كثيرًا و: - مفهمتش انتي ناوية تعملي إيه؟
- لازم نقعد ونتكلم بهدوء ونحل المسألة دي
- بس انا شايف إنك كده متهاونة في حقك ياچيهان، حتى لو عايزة تحلي الموضوع بهدوء متنسيش إنك متخانة، ست زيك بتحب جوزها للحد ده مينفعش تتخان!

هطلت دموعها بغزارة وكأنه ضغط على جرحها توًا، أحست ب انكسار كبريائها، وتهاونها في حقها، ولكنها مع كل شعور تتذكر أولادها ومنزلها الذي تحاول تطويقه بقوة كي لا يتفتت، أغرقت الدموع وجهها ومهما حاولت أن تسيطر عليها تفشل في ذلك، وتبين ذلك في نبرة صوتها الباكي: - أكيد في تقصير من عندي ياظافر، علي مش راجل خاين.

رآها تخرج من الفندق أثناء تركيزه في المكالمة التليفونية، ف سلبته ذلك التركيز وعلقت عيناه بها وهي ترتدي ثيابًا أكثر رسمية وتحمل حقيبة جلدية آنيقة، ثم استقلت سيارة الفندق التي حضرت بها من القاهرة وأنصرفت، نفخ ظافر ب ضيق وأردف: - أستغفر الله العظيم
- أنت سامعني ياظافر؟
انتبه لها ظافر و: - آه سامعك، هقفل معاكي وارجع اكلمك تاني متقلقيش، سلام.

ثم سحب مفتاح غرفته وخرج منها، هبط للأسفل حيث كان يتحدث في هاتفه و: - أيوة يابابا، الموظفة بتاعتك بتعمل إيه هنا؟
- شغل ياظافر، بتقوم بشغل بدل نزار
وكأنه لم يقتنع بذلك: - بجد؟ اشمعنا دلوقتي لما انا سافرت!
ف وجد رستم المخرج اليسير من هذا الإستجواب و: - أنا هقفل معاك عشان عندي اجتماع ياظافر، سلام
وأغلق، ف ابتسم ظافر بسخرية و: - ماشي يابابا، أنا فاهمك كويس! بس مش هيحصل برضو.

كانت تمارا تُعد حقيبة صغيرة كي تصطحبها معها في رحلة اليخت البحرية بمياة البحر الأحمر، تحمست للغاية وهي تستعد لهذا النوع من الرحلات الشيقة، ف حرصت أن لا تنسى شيئًا، حتى الحلوى المجففة وبعض ثمار الفاكهة أيضًا لم تنساها.
وجدت رستم يتصل بها، ف ازدردت ريقها بقلق وهي تجيب: - ألو، أيوة يابابا عامل إيه؟

فوجدته يتحدث بجدية وهو يتجاهل سؤالها: - أسمعيني كويس ياتمارا ونفذي اللي هقولك عليه، دلوقتي عايزك تفضلي مع أثير طول اليومين الجايين، خليها جمبك أغلب الوقت.

تنغض جبين تمارا ب اندهاش من هذا الطلب الغريب و: - ليه؟ ده ظافر بيركبه 100 عفريت لما بيشوفها!
- عشان السبب ده بالظبط عايزك تكوني معاها، ظافر بيبهدل البنت كل ما يشوفها ومش مقتنع إنها في الغردقة عشان شغل، عشان كده لازم تخلي بالك منها، دي بنت ناس برضو
- حاضر يابابا
- وطبعًا أخوكي ميعرفش إني كلمتك
ف تباهت تمارا أكثر من اللازم كون والدها قد أسند لها مهمة: - متقلقش يابابا انت متعرفنيش، بير أسرار
- سلام.

وأغلق على الفور، ف نظرت للهاتف وهي تردف: - هو ده بابا اللي اعرفه
ثم حملت الحقيبة على ظهرها وغادرت الغرفة حيث ينتظرها الجميع بالأسفل، وقفت أمام الفندق لحين حضور المشرف، وبنفس الوقت كانت تراقب المحيط بحثًا عنها عقب أن علمت بخروجها في الصباح..
ها هي تأتي من مسافة قريبة، ف أسرعت تمارا نحوها و: - أثير، تعالي معايا بليز
ورغم تعجب أثير إلا إنها كانت هادئة وهي تجيب: - آجي فين؟
- طالعين رحلة باليخت.

ثم سحبتها و: - تعالي معايا وانا اقولك
ثم غمزت بعيناها ل فدوى كي تغطي مكانها و: - أنا هفهمك، دي رحلة عشان...
وشرحت لها الأمر حينما كانت تصطحبها لغرفتها، كانت أثير قد قررت في عقلها عدم الذهاب، حتى وجدت نفسها بغرفة تمارا وتناولها أيضًا ثيابًا خفيفة تناسب جولة گهذه.
تنفست أثير ب انزعاج و: - لو ظافر شافني جاية معاكي هيزعق گالعادة وانا مش عايزة كده.

دنت منها تمارا وتسائلت وهي تنظر لعيناها ب خُبث: - أنتي بتحبي ظافر ياأثير؟
لم تجب بلسانها، ولكن ذلك العشق الذي لمع بعيناها أجاب نيابة عنها، ف ابتسمت تمارا بحبور و: - يبقى متقلقيش، خليكي معايا وانا هعرفك كل خباياه اللي تدخليله منها.

انزعجت أثير مع شعورها بإنها گالدمية التي تلاعب بها أفراد عائلة رستم بدءًا من أكبر أفرادها وحتى أصغرهم، ولم تواري هذا الإنزعاج كثيرًا: - كفاية بقى، هو باباكي شوية وانتي شوية، مفيش حد بيحب حد عافية ياتمارا
ف حدقت تمارا وقد تفهمت أن لوالدها يد في الأمر: - بابا! كده انا فهمت
جذبتها تمارا لتجلس و: - بصي ياأثير، مفيش حُب بييجي بالعافية، صح، بس في حب بييجي بالحيلة
- مش فاهمه!

- عشان تفهمي هتحتاجي وقت طويل أوي، أول حاجه هفهمك بالدور وفي الوقت المناسب، تاني حاجه لازم تيجي معايا، ظاظا هيكون في الرحلة!

فكرت أثير في حديثها، ولكن تمارا لم تمهلها فرصة لذلك حتى، حيث وقفت عن جلستها و: - يلا بسرعة عشان نتحرك بقى
انصاعت لها، ستخوض تجربة أخرى عسى أن يكون طريقها إليه مفتوحًا هذه المرة، وإن كانت بضع دقائق ستحظى بأن تراه فيها، فهي ترضى حتى بهذا القليل.

ارتدت أثير بنطال قُماشي خفيف من اللون الأبيض يعلوه كنزة وردية اللون ذات أكمام قصيرة وصلت لمنتصف عضدها، سوار رقيق من صدف البحر وأقراط صغيرة وكانت قد اكتملت هيئتها وأصبحت أكثر من رائعة، هي الأخرى أخذت حقيبة جمعت بها بعض الأشياء الضرورية، ثم هبطن سويًا ينتظرن حضور ما بقى منهم.
أخرجت تمارا هاتفها وقامت بتشغيل الكاميرا الأمامية و: - تعالي نتصور ياأثير عشان نوثق أول يوم صداقة لينا.

واقتربن من بعض بشدة، إن رأيت وضعية التصوير التي أبدوها تظن إنهم رفاق منذ سنوات طويلة، كانت ضحكاتهن في الصورة تؤسر النظر، حتى إنها لاقت إعجاب الكثيرين في غصون لحظات بعد أن قامت تمارا بمشاركتها على صفحتها الشخصية.
تحمست تمارا وهي تنظر للصورة و: - حلوة خالص، هبعتلك add بقى عشان أقدر أعملك Tag في الصورة.

وفي الوقت ذاته، كانت تمارا تفكر في الأمر من ناحية أخرى، لقد زادت ابتسامتها اتساعًا وتحمست أكثر وهي تهمس: - يارب البومة تشوفها وتتحسر أكتر.

كان مروان يتصفح هاتفه عندما كان ينتظر انتهاء ظافر من تبديل ملابسه، ف رأى إشعارًا بنشر صورة جديدة من قِبل تمارا، اعتدل على الفور وهو يفتح حسابها الشخصي بتشوق لرؤيتها، ف قد سمحت له وسائل التواصل الإجتماعي أن يزيل الشوق لها قليلًا، على الأقل استطاع أن يحتفظ بعشرات بل مئات الصور لها.

تجمد مصدومًا فجأة، وحدق في الهاتف وهو يرى صورتهن معًا، ذمّ شفتيه ب ببعض من القلق وهمس: - ده ظافر هيعلقك ياتمارا، انتي مش هترتاحي غير لو جيبتي لأخوكي وأهلك كلهم المرض، وانا كمان هيجرالي حاجه وانا في عمري الصغير ده!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة