قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس عشر

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس عشر

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس عشر

نظرن تمارا، فدوى حولهن وكأن المصيبة آتيه، ثم أردفت تمارا بصوت منخفض: - لازم نخبيها جوا اليخت الأول، ظاظا لو شافها مش هييجي معانا
- طب خديها واطلعي وانا أول ما ينزلو هطلعهم سطح اليخت
أومأت رأسها بموافقة، ثم انتقلت نحو أثير التي كانت تقف بزاوية، كل تفكيرها منصب على رد فعل ظافر عندما يكتشف تواجدها على سطح اليخت الذي يبقى هو فيه، حتى أتت تمارا وجذبتها بخفة: - يلا نطلع إحنا ياأثير وفدوى هتيجي ورانا.

واصطحبتها للداخل، في نفس التوقيت الذي كان يخرج فيه ظافر من باب الفندق برفقة مروان، كان ظافر أنيقًا گعادته، ولكن بشكل رياضي وملابس خفيفة تناسب جولة بعرض البحر، مرتديا نظارة شمسية زجاجها باللون الرمادي القاتم ينظر أمامه بجدية، أخرج هاتفه من جيب بنطاله القصير وكاد يتصل ب تمارا ل يسأل أين هي الآن، ف هرع مروان يمنعه من استخدام هاتفه مبررًا: - انت مهتم بالموبايل ليه النهاردة، تعالى نعدي للساحل الناحية التانية وهنلاقي اليخت هناك.

ولكنه استمر في البحث عن رقم هاتفها واتصل بالفعل: - أنا بشوف توته فين، ألو
فكانت فدوى تجيب عليه: - أيوة ياظافر أنا فدوى، تمارا سابت معايا الفون بتاعها عشان طلعت اليخت، انتوا فين
- في طريقي ليكي
- مستنياكوا، باي
كانت تمارا تُجوّل أثير في أرجاء اليخت كي لا تشعر بالضجر مبررة ذلك بإنها أحبت صُحبتها كثيرًا، لا تنكر أثير إنها الأخرى أُعجبت بشخصية تمارا المرحة الضحوكة، المجنونة في بعض الآونة..

هبطت بها حيث يتواجد المطبخ الصغير ثم الردهة المؤدية لدورات المياه، استمتعت أثير برؤية اليخت كاملًا ولأول مرة، لم تصعد على مُتن يخت ضخم وراقي گهذا من قبل..
أحست أثير ب حركة وصوت الأمواج من حولهم، ف ارتجفت وهي تتمسك ب تمارا و: - إيه ده! اليخت بيغرق
ف كركرت تمارا حتى امتلئت عيناها بالدموع و: - متقلقيش إحنا بنتحرك.

ثم صعدن سويًا ومازالت أثير تشعر ببعض الرهبة، هذه المرة الأولى التي تُقبل فيها على رحلة بحرية لذلك ينتابها شعور بالخوف، ولكنها تتشوق لرؤية محيط أزرق واسع يعلوه سماء صافية تحتضن قرص الشمس البرتقالي وتشع بأضوائها المُشعة ل يتلألأ البحر معها متراقصًا على أنغام الأمواج المتثنية.

وقفت أثير بالقرب من أحد الحواف تاركة مسافة مقننة وهي تتأمل الطبيعة الخلابة التي كانت تراها في شاشات التلفاز فقط، تناست مخاوفها وقلقها بشأن ظافر وعاشت مع هذه اللحظة، حتى إنها لا تدري هل يتواجد هنا أم لا.

كان ظافر يقف على سطح اليخت، هو الآخر يعشق التأمل، ولكنها ليست المرة الأولى، أطبق جفونه وهو يدقق مسامعه ليستمتع بصوت تلاطم الأمواج وصوت الهواء المنعش الذي يرتطم بصفحة وجهه، دخل في حالة من الإسترخاء والهدوء كان يفتقدها منذ فترة. فتح عيناه وهو يستند على الحواف وأطرق بصره ينظر لأسفل حيث ألوان البحر البديعة ما بين الأزرق واللبني والفيروزي..

ولكن ثمة شئ لفت انتباهه، رأى فتاة تمد جسدها للأمام وتنظر هي الأخرى للبحر، وكأنها غير مدركة أن حركة بسيطة من اصطدام البحر باليخت قد تُفقدها توازنها وتسقط بالمياه، ف صاح من الأعلى: - أنتي ياا، حاسبي
رفعت أثير رأسها لأعلى حيث هذا الصوت الذي أحست وكأنه موجه إليها، ف رأته هو، تجمد ظافر وتحممّت الدماء في عروقه وهو يصيح ب انفعال: - أنتي!

وتحرك من مكانه على الفور ليهبط إليها، بينما نظرت هي حولها بتوتر من أن يقوم ب إحراجها أمام العامة، كانت تمارا تقف برفقة مروان و فدوى وهو يحاول التأثير عليها: - يعني إيه لأ؟ انتي غاوية تضايقي اللي حواليكي ليه؟
تأففت تمارا بضيق وهي تبرر: - مش همسح الصورة يامروان، انت مش فاهم حاجه
ف أثارت فدوى انتباههم وهي تنظر لتلك المواجهة الحامية التي كانت على الجانب الآخر: - ألحقي أخوكي أحسن ممكن يرمي البت في الميا.

ف هرعت تمارا ومن خلفها مروان نحوهم حيث كان صوته قد ارتفع ولفت أنظار المحيطين، حتى مشرف الرحلة حضر إليهم ليعلم سبب هذه الضجة، ف تدخلت تمارا على الفور: - آ، Sorry ياأستاذ مجدي، حالًا هنحل الموقف بينا
ف نبه عليها: - تمارا أنا وافقت إن ناس خارج الفوج يطلعوا معانا عشان خاطرك انتي، مش عايز اندم إني وافقت.

ف لوحت بيدها نافية: - لأ لأ متقلقش مفيش أي مشكلة
رمقه مروان بنظرة جادة وهو يصرفه: - مشاكل عائلية، ياريت تهتم انت بالفوج بتاعك
كان مجدي يهمّ ل ينصرف بالفعل، حينما وقفت تمارا بينهم و: - ظافر صوتك عالي أوي وهتخلي كل الشلة تبص علينا
ف صاح فيها يعنفها: - يبصوا وانا مالي! مش انتي السبب في اللي بيحصل!، اتصرفتي على مزاجك ليه ياتمارا؟

ف دافعت عنها تمارا إستنادًا لوصية والدها: - إيه الأسلوب ده ياظافر ميصحش كده!
- انتي هتعلميني الصح والغلط مثلًا!
ف تدخل مروان لمنع مشكلة أخرى بين الشقيقين: - تمارا تقصد إنهم صحاب وده ملهوش علاقة بمشاكلك الشخصية ياظافر
ف أيّدت تمارا ذلك و: - بالظبط.

نفخت أثير بسئم وهي تحاول التخلص من حصارهم، ولكنه گالعادة لم يتركها تفلّ بهذه السهولة: - أنا مش عايز واحدة نسبتلي إشاعة إن بينا علاقة تكون في كل مكان حوليا
ف صاحت به أثير لتعنفه: - واللي انت عملته في الفرح كان إيه!
ف صاح فيها هو الآخر وهو ينظر لعيناها ب احتدام: - والله انتي اللي بدأتي يبقى تستحملي
ف ناطحته بالحديث هي الأخرى بعدما وجدته متبجحًا هكذا: - وانت اللي أكدت القصة كلها، يبقى تتحمل انت كمان.

وقف مروان بينهم حيث بقى وجهه ونظراته ل ظافر و: - أنت كمان ملكش عين تتكلم ياظافر
ف عاد للخلف خطوات وهو يرمقهم جميعًا و: - أنا مش عارف انتوا عايزين مني إيه، عايزين تجننوني؟

وكأنه أصيب بالجنون فعليًا، أصبح في حال مزري لم يكن أيًا منهم يتوقعه من إنسان هادئ مثله، ينظرون إليه بعدم تصديق وهو يصيح ب انفجار كأن كل ذلك نتاج تراكماته الداخلية التي احتبسها لعدة أشهر والآن يُنفث عنها بكل قوة، وتابع بدون توقف: - عايزين توصلوا لأيه بكل اللي بتعملوه، ها!

ونزع عنه التيشيرت الخاص به وسط ذهولهم، بينما كانت أثير گالتي لا تستطيع مقاومة الدوار والتوتر الذي أحست به وهي تراه هكذا و: - انت بتعمل إيه؟
ف تدخلت تمارا وهي تنظر حولها: - خلاص ياظاظا أهدا مش كده
وتابعت أثير: - أنا مكنتش متخيلة إن وجودي ممكن يوصلك للحالة دي آ...

لم يهتم حتى لسماعها، حيث قفز ب انفعال من اليخت إلى أعماق المياه، صرخت أثير وهي تركض نحوه ولكنها لم تلحق به، ودفعها تهورها لأنها كادت تلقي بنفسها من خلفه وهي التي لم تسبح في حياتها قط، ولكن كان مروان قد لحق بها ومنعها من ذلك و: - رايحة فين يامجنونة
فصرخت وقد هطلت الدموع من عيناها وهي تنظر للمياه: - ألحقه أرجوك أعمل حاجه.

ف برر مروان هذا الهدوء الذي بدا به و: - ألحق مين! ده ظافر سبّاح درجة أولى متخافيش، يعني يعدي المانش ويرجع تاني
ونظر ناحية تمارا التي كانت تراقب شقيقها وهو يسبح ويغطس لوقت طويل أسفل المياه وگأن طاقته السلبية تخرج من أعماقه بهذه الطريقة.
زفرت ب ضيق وغمغمت ب: - طب اعمل إيه أنا دلوقتي!؟

بالفعل ظل يواصل السباحة لأكثر من ساعتين ونصف حول اليخت، أحس بفرق شاسع وكأنه ألقى ما يحمله بداخل البحر ليحمله عنه، شعر ببعض الراحة بعدما مارس تلك الرياضة التي أهملها لفترة، وعندما أحس بالإكتفاء، صعد بمساعدة مشرف الرحلة الذي كان يتتبعه حفاظًا عليه، وقرر أن يستلقي في الشمس لبعض الوقت.

في حين كان أغلب الشباب يمارسون رياضة الغطس برفقة سبّاح محترف، والفتيات اهتممن باللعب واللهو والتصوير، وكان الطاهي يُعد الأكلات المشوية على الفحم وسط اهتمام من البعض بمشاهدة حفلة الشواء ذات الرائحة الشهيّة ومن بينهن تمارا.
ثم انتقلت لحافة اليخت اليمينية حيث كانت تقف أثير، ونظرت للبحر وهي تسألها: - إيه رأيك في الجو؟
- جميل
ثم نظرت حولها وهي تتسائل: - هو ظافر لسه فوق، صح؟
- صح.

استندت أثير على الحواف وهي تولّي البحر ظهرها و: - مش فاهمة ليه مشرف الرحلة رفض نرجع للشاطئ تاني، كنت نزلت وانتوا كملوا رحلتكم
أرادت تمارا أن تتملص من الحديث عن هذا الموضوع و: - بتحبي الجمبري ولا هتاكلي سمك مشوي؟
ف ابتسمت أثير و: - مش عايزة
دنى منهم المشرف وهو يحمل العديد من الصنارات للصيد، ابتسم وهو ينظر ل أثير بنظرات مميزة، ثم مدّ يده لها بواحدة و: - هنصطاد دلوقتي لحد ما الأكل يجهز.

تناولتها منه وهي تتأملها ب اهتمام و: - بس انا مش بعرف اصطاد!
ف سحبت تمارا واحدة منه و: - الموضوع بسيط أوي ياأثير متقلقيش
ف تدخل مجدي وهو يعرض عليهم المساعدة: - أنا هعرفكم إزاي، بس هنروح الناحية التانية.

قادهم للجانب الآخر وبالقرب من مقدمة البحر، ثم بدأ بشرح بعض النقاط البسيطة عن الصيد، كانت أعين مروان تتربص بهم، خاصة لهذا المشرف الذي لم يحبه بتاتًا، لاحظ إنه يتعامل معهن بتودد شديد وواضح، وهذا ما أزعجه.
صعد إلى ظافر الذي أصبح فاترًا لامباليًا منذ أن صعد من المياه، فكان مغمض العينين وآشعة الشمس مسلطة عليه وهو عاري الصدر، دنى منه وأوقظه من هدوءه بعصبية و: - أصحى ياعم انت جاي تنام هنا!

فتح ظافر عيناه وقد تقلصت عضلات وجهه وهو يجيب: - في إيه يامروان!
فصاح مروان بعصبية: - الزفت اللي ماسك الرحلة ده مزودها أوي، لازق في تمارا من الصبح وانا مش عايز اعمل مشكلة معاه، لو مشوفتش حل هرميه من هنا في المياه.

كان يتابع حديثه المنفعل عندما كان ظافر يسرع ب إرتداء التيشيرت القطني خاصته، ثم أسرع بالهبوط للطابق الأسفل بعجل وهو ينظر يمينًا ويسارًا بحثًا عن شقيقته، وعندما لم يراها بحث عن مجدي، فأبصر به يقف في المقدمة، ف ذمّ شفتيه وهو يتجه صوبه، ولكنه لم يجد تمارا، كانت أثير فقط تقف برفقته وهو يمسك بيدها على الصنارة يوجهها لكيفية الصيد، ف زفر ظافر وهو ينظر خلفه حيث مروان، ثم أردف ب استنكار: - هي فين يامروان؟

نظر مروان في الأرجاء ولكنها غير موجودة، ف نفض شعره بعصبية وهو يردد: - كانت هنا!، شكلي هرمي نفسي في الميا انا كمان، يمكن أبقى بارد زيك.

واستدار لينصرف وقد أصابه التشنج، بينما التفت ظافر ينظر لهذا المشرف الذي تحفّظ على تصرفاته من الوهله الأولى، وكأنه يحمل إعجابًا أو ما شابه ل أثير، ولكنه لم يطيل التفكير في الأمر و: - وانا مالي
وغادر هو الآخر..
كان الوقت يمضي بسرعة غريبة، الجميع تناول طعامه المشوي، ب انسجام وسط مشهد غروب الشمس، الموسيقى الراقية تضفي جو هادئ وجميل، حتى انتهى الجميع وبدأت حفلة راقصة بين الشباب.

بدلت تمارا ثيابها، وارتدت فستان ربيعي من اللون النبيذي الممزوج بالأبيض يصل لبعد ركبتيها بقليل لتناسب الحفلة الراقصة.
ووقفت برفقة زميلاتها بينما كان ظافر قريب منها عيناه عليها..
تنهدت تمارا بضيق وهي تنظر للذين يرقصون وقالت: - عايزة أرقص ياديدي، مش هفضل اتفرج بس انا زهقت!
فتسائلت فدوى: - هو صحيح حسام مختفي من امبارح ليه؟
انزعجت تمارا وهي ترمقها ب استنكار و: - في داهيه، شوفي بقول إيه وانتي بتقولي إيه؟

- طب ما تقولي لظافر يرقص معاكي
فكرت تمارا وهي تنظر لشقيقها و: - تفتكري هيوافق!، بصي أنا هجرب حظي
وتحركت برشاقة اتجاه ظافر بينما كانت عيون مروان تتأملها بأعجاب، لقد كان اللون النبيذي يليق بها كثيرًا..
دنت منه ف مد يده لها يمسك بها و: - تعالي ياتوته
وقفت بجواره واستندت على صدره وهي تطلب بدلال: - عايزة ارقص معاك ياظاظا please
نظر ظافر للساحة التي يرقص عليها الجميع، ثم وافق على مطلبها: - ماشي، تعالي.

سارت معه بحبور شديد، أخيرًا ستحقق رغبتها، ولكنها لم تنسى عندما رفض مروان تنفيذ مطلبها، ف التفتت برأسها وتعمدت غيظه، حيث ابتسمت وهي تُظهر طرف لسانها ثم عادت تنظر أمامها من جديد، لم يكن غيظًا له كما ظنت، بل إنه ضحك وهو يراقب تحركاتها، وحتى عندما كانت ترقص معه.

أما أثير، ف كانت تقف في زاوية غير ظاهرة للجميع، منذ الصباح وهي تحاول ألا تظهر أمامه كثيرًا حتى لا يفتعل مشكلة، لمحته وهو يرقص برفقة شقيقته، ف صبّت جام تركيزها معه، إيماءات وجهه وتعابيره وهو يتحدث إليها، وكم كان جميلًا وسيمًا وهو يرقص بهدوء هكذا!، لاحظت تركيز أكثر من عيون عليه من الفتيات، مما جعلها تشعر بالغيرة، فهي لا تحظى بلحظة واحدة هادئة معه، دائمًا في شجار ومشكلات.

زفرت أنفاسها بحزن لما آلت إليه علاقتهم التي لم تبدأ بعد، ولكنها تُذكر نفسها بالوعود والآمال التي منّت نفسها بها، تحركت من هنا لتغيب نهائيًا، لا ترغب في رؤيته أكثر من ذلك بينما هو بعيد عنها لهذا الحد، ف فضلت أن تكون بمفردها قليلًا، خاصة وأن ونيسها وصديقها الليل قد سطى وخيم على المحيط ب سواده القاتم.
ساعة، أثنان، ثلاثة.

اتفق الجميع على المبيت هنا في عرض البحر، ومنذ أن أُقرّ الإتفاق أصبح كل منهم في مكان ما باليخت، اختفت تمارا، وعيون مروان كانت تبحث عنها في كل مكان، لم يكن يتخيل إنها على سطح البحر وقد أصبحت الساعة الحادية عشر ليلًا، جاب المكان كله ذهابًا وإيابًا يبحث عنها گالمجنون، وحتى ظافر تجول هنا وهناك بحثًا عنها.

كانت تقف على السطح في مقدمة اليخت، يبدو إنها شاردة أو شئ من هذا القبيل، لمحها مجدي هكذا، فنظر لساعة يده وهو يقبل عليها ل يلفت إنتباهها بتأخير الوقت..
دنى منها، ثم سأل بلطف: - ليه واقفة هنا دلوقتي ياتمارا مش بردانة؟
لم تجيب ولم تنظر إليه حتى، كانت متصلبة لدرجة مخيفة، حتى نظراتها عالقة بالفراغ، أمسك برسغها وهو يعيد سؤاله ببعض التوتر: - تمارا؟! انتي كويسة.

التفتت برأسها ببطئ، كان وجهها شاحبًا وشفتيها بها بعض الزُرقة، أحس برسغها گقطعة من الجليد البارد الصلد، وبصعوبة شديدة أردفت: - ب، بردانة، مش قادرة اتحرك من مكاني!
شملها بنظرات مرتعبة و: - طب تقدري تمشي معايا لحد جوا؟
- مش قادرة اتحرك من مكاني، ومش شايفة كويس
توتر وهو يخمن: - انتي بيجيلك دوّار البحر؟

كانت ترتجف، فلم يقوَ على الأنتظار، حيث هرع للأسفل لإحضار أي شئ يغطيها به، فلم يجد سوى وشاح من الصوف لا يعلم من صاحبه، التقطه بسرعة وعاد إليها، وضعه على كتفيها وهو يقول: - هتبقي كويسة بس لازم تنزلي معايا
كان ظافر قد وصل للسطح أثناء بحثه عنها ومن خلفه مروان الذي جُن مع رؤيتهم: - أهو، بص إحنا قالبين الدنيا وهي واقفة مع مين!

عندما رآه ظافر يضع الوشاح على كتفيها وهي ثابتة هكذا گالمستسلمة اعتراه الضيق، ونفخ منزعجًا وهو يدنو منهم: - كده كتير ياتمارا!
وأقبل عليها يجذبها ببعض الحدة: - بتعملي إيه هنا دلوقتي ياتم...
وإذ بثقلها يسقط فجأة على ذراعه مرتطمة بصدره أولًا ليصيح بفزع: - تمارا!

أُصيبت ب الإغماء بعد صراع طويل مع هذه الحالة من الإعياء التي انتابتها فجأة، انقبض قلب ظافر وهو يحتضنها كي لا تسقط، في حين كان مروان مذهولًا تأخذه صدمة المفاجأة، ظل متجمدًا بمكانه لا يحرك ساكنًا ولا يدري ماذا يفعل!
حاول ظافر إيقاظها بشتّى الطرق ولكن لم يفلح، فتدخل مجدي و: - طب خلينا ننزلها تحت ونغطيها عشان تدفى الأول
ف صاح ظافر وهو يعنفه: - انت واقف معاها بتعمل إيه وانت شايفها بالحالة دي!

- حضرتك أنا حاولت اجيبلها أي حاجه تدفيها عشان كانت متجمدة في مكانها مش عارفه تحرك حتى رجلها.

نهض ظافر وهو يحاول حملها حينما تابع مجدي: - تعالى ورايا
وقادهم نحو غرفة صغيرة بالأسفل تحوى فراش صغير للغاية ومقعد ومنضدة، بجانب خزانة صغيرة ذات ضلفة واحدة فقط، فتح الباب وأشار: - اتفضل وانا هجيب بطانية
وضعها على الفراش وظل يحك يداه الدافئتان بيداها المجمدتين علها تدفأ، حتى أتى مجدي وناوله غطاء ثقيل، وهنا تدخل مروان، حيث جذبه بعنف لخارج الغرفة و: - اطلع انت برا بقى وهو هيتصرف.

ثم أوصد الباب عليهم، بينما أردف مجدي ب امتعاض: - أنا متجاهل أسلوبك اللي زي الزفت عشان ميحصلش شوشرة، لكن أكتر من كده مش هسمحلك، أنا المسؤول هنا عن كل الفوج واللي من ضمنهم تمارا، يعني من صلاحياتي أهتمامي بيها گطالبة طالعة الرحلة، شيل من دماغك أي أفكار تانية أنا مش مسؤول عنها.

وتركه واقفًا هكذا، كل ما يشغل باله هي، حتى لم يكن دقيق التركيز أثناء تحدث مجدي معه بهذا الشكل، يكفي أن تكون هي بخير ولا يريد شيئًا آخر.
ظل واقفًا أمام الباب لبعض الوقت يرفض التدخل بين الشقيقين كي لا ينفضح أكثر، حتى خرج ظافر وأغلق عليها الباب، فسأله بتلهف: - عامله إيه ياظافر؟
ف تنهد بضيق و: - سيبتها ترتاح شوية، تقريبًا الجو أثر عليها جامد، خلينا إحنا نطلع وانا شوية وهنزل اشوفها تاني.

- تمام، أنا هروح أشرب واحصلك
صعد ظافر وتركه، بينما كان هو يقاتل الشوق بداخله ليراها ويطمئن عليها، نظرة واحدة لها يرضي بها هذا الشغف والقلق والخوف الذي يعتريه، فتح الباب بهدوء، فأحس بها ترتجف من أسفل الغطاء، كانت تهذي بكلمات مبهمة، ف دخل بسرعة وانحنى عليها يسألها بخفوت: - انتي كويسة ياتمارا؟

كانت تشبك أصابعها سويًا غير شاعرة بالعالم من حولها، شفتاها ترتجفان وصوت اصطكاك أسنانها قد أشعره بالحزن، ف جلس على ركبتيه ليكون أقرب منها، وأمسك بيديها ينفخ فيهما من أنفاسه الساخنة وهمس: - ياريتني كنت مكانك، متخافيش هتبقي كويسة وتقومي تشاكسيني تاني
تشبثت بيده بدون شعور وهي تغمغم: - ظاظا، خليك جمبي، بردانة
ف أحكم قبضته على يديها واقترب أكثر وهو يبعث بسخونة أنفاسه لها: - جمبك ياتوته، جمبك طول العمر.

وألصق جبهته بجبهتها متمنيًا أن تنهض من رقدتها تلك بأقصى سرعة، فهو لا يتحمل أن تتأوه متألمة حتى، وإن كانت وخزة إبرة لتكون له بدلًا عنها، هو راضٍ بذلك ومُرحب به ما دامت ستكون صغيرته المشاغبة التي يعشقها بخير.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة