قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الحادي والأربعون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الحادي والأربعون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الحادي والأربعون

في شرع الحُب، إن كُنتن القط والفأر، ف انتزع الحُب من الطرف الآخر بقوة.

كانت تتماسك بصعوبة بالغة لئلا تفقد أعصابها، بينما كانت مُهمته الأساسية إثارة غيظها.
انتظرته تمارا حتى يبتلع طعامه الذي ظل يمضغه ويلوكه ببطء شديد جعلها تسئم، وما أن ابتلعه مدت له ملعقة أخرى مملوءة بالحساء، ولكنه أشاح بوجهه عنها والتقط كأس المياه ليرتشف منه رغم إنه لا يشعر بالظمأ، تنفست بصوت مسموع وهي تزجره بنظرات محتقنة، حتى نظر للطعام وأردف: - مش عايز شوربة، عايز رز.

تركت الحساء وملأت الملعقة بالأرز، ودسته بفمه متعجلة وهي تردف: - ساعة إلا ربع عشان تاكل شوية رز وربع فرخة وشوية شوربة!
ثم تابعت بنبرة منفعلة: - أنت عايز تشلني؟
ف نظر إليها بفتور وهو يجيب: - أنا! خالص، أنتي اللي مهتمة زيادة عن اللزوم
ثم تناول الملعقة من يديها و: - شكرًا، أنا مش مشلول
ثم ذكّرها بتعبيرها السابق حينما كان يتناول الطعام في منزلهم: - مش انتي قولتي كده لما كنت عندكم!

ابتعدت عنه وجلست على المقعد لتراقبه وهو ينهي ما بقى من طعامه، عقدت ذراعيها محاولة جذب انتباهه لضيقها من تصرفاته الجافة معها، ولكنه لم يكترث كثيرًا، أمتد بجسده ليضغط على الجرس المجاور لفراشه، ف اتسعت عيناها محتفظة بالصمت كي ترى نهاية تماديه معها، دخلت الممرضة المسؤولة عن رعايته وهي تبتسم له: - محتاج حاجه ياكابتن؟

ف أشار للطعام و: - أنا خلصت أكل، ياريت تشوفيلي أي مسكن عشان مش حاسس بدماغي من كتر الوجع
ف هرعت إليه تحمل حامل الطعام المعدني وقالت بتلهف: - حالًا هشوفلك مسكن، سلامتك ألف سلامة
ف بادلها ابتسامة و: - الله يسلمك يارب.

لو إنها تجلس فوق جمرات ملتهبة لكان أهون عليها من هذا الشعور الذي يأكل منها أكلًا، لقد تمكنت منها الغيرة فعليًا، ويصور لها الشيطان إنها قد ترتكب جناية حتمية في أي لحظة، سبحان من جعلها تبدو هادئة هكذا بينما بداخلها براكين تحممت.

خرجت الممرضة ف نظر نحوها بطرف عينيه، كانت تعبث في هاتفها لتوهمه بأن الأمر برمته لا يعنيها، ولكنه كان موقنًا أن تلكما الكتلتين الحمراوتين على وجنتيها من فرط الغضب لم يكونا من فراغ، ابتسم شاعرًا بزهوة الإنتصار عليها بعدما فاض كيله منها وعليه أن يثأر لنفسه، واسترخى بظهره للخلف ليريح رأسه قليلًا ريثما يأتى مُسكن آلامه.

لقد اجتهد ظافر كثيرًا كي يستطيع جعل عمر يفيض له بما يضايقه ويعكر صفوه، كان الصغير منطفئًا دائم الحزن، ولكنه لم يبوح بأي شئ مما يجول بصدره لأي أحد حتى والدته، وأخيرًا استطاع استجماع قوته وصرحّ ل خاله بما يريد: - أنا عايز اشوف بابا، عايز اقوله إن في حفلة في المدرسة عشان المتفوقين وانا هاخد جايزة.

ثم نكس رأسه بحزن و: - نفسي يبقى موجود معايا
فكان جواب ظافر تلقائي للغاية: - بس كده! أنت تؤمر، من الصبح هكلمه واخليه يتصل بيك عشان تتفقوا، إيه رأيك؟
وكأن وجهه الطفولي أضاء ببهجة غير مصدقًا: - بجد ياخالو؟
- طبعًا بجد، أنا عمري رجعت في كلامي معاك!
ف عبس عمر مرة أخرى و: - طب وماما! انا مش عايز أزعلها
تنغض جبين ظافر و: - ومين قالك إن ماما هتزعل!، هي قالتلك كده؟
- لأ، أنا اللي بقول.

مسح ظافر على شعره وجذبه نحوه وهو يتحدث معه بلطف بالغ: - ماما عمرها ما هتمنعك عن بابا ياعمر، لو كنت جربت تقولها مكنتش هتزعل ولا هترفض
كانت أثير تراقبهم من مسافة تسمح لها برصد كل شئ، تحسد نفسها حقًا لأنها فازت به، ليس فقط الرجل الذي أحبته، وإنما الرجل الذي حلمت كثيرًا أن يكون نصيبها.
تنفست بأريحية وهي تبتعد عن غرفة الجلوس، وراحت تسأل زينب: - فين الخلاط ياماما عشان أضرب العصير؟

- في الرف التاني على اليمين ياحبيبتي
وراحت تصنع مشروبًا باردًا للجميع..
كانت تقف في المطبخ شاعرة بطاقة إيجابية هائلة، تكفي وتفيض منها، تقطع ثمار الفاكهة التي س تستخدمها وعقلها منشغل به.
بينما كان هو يبحث عنها في كل مكان ب شُقة والديه، وأخيرًا سأل: - فين أثير ياماما؟
فأشارت زينب وهي تجيب: - في المطبخ ياظافر.

ف توجه نحو المطبخ بخطى حسيسة، ودخل ببطء معتقد إنها لم تشعر به، ولكنها كانت تحس بإنفاسه تقترب منها، حتى تسللت يديه لتمسك بخصرها وهمس متسائلًا: - بتعملي إيه؟
ف انبعج فمها وهي تترك السكين و: - عصير
والتفتت رأسها نصف التفاته: - عايز تلج ولا من غير؟
ف ألصق شفتيه ب طرف أذنها وهو يختخت بصوت لا يسمعه غيرها: - عايزك انتي.

اقشعر بدنها وهي تمسك بكفه، والتفتت بالكامل كي تواجهه وقد لمعت عيناه في قربها، نظرت للخارج وهي تردد: - إحنا مش لوحدنا هنا
ف داعب وجنتها وهو يقول برغبة صادقة: - طب ما نروح بيتنا بقى، من ساعة ما رجعت مش عارف أقعد معاكي ساعة واحدة
لم تمنع ابتسامتها السعيدة من تزيين ثغرها وهي تجيب بخفوت: - متستعجلش، بكرة نقعد ما بعض لحد ما تزهق
ف قبّل شفتيها قُبلة خاطفة أتبعها ب: - مش هزهق، أوعدك.

تنحنحت وهي تكابد لئلا تفقد سيطرتها على ما بقى من تماسكها، وتنهدت وهي تهمس ب: - آ م...
لم تستطع إكمال عبارتها، حيث انهال على وجنتيها وعنقها ب عدد كبير من القُبلات الناعمة، أفقدها الشعور بالمحيط الخارجي وهي بين ذراعيه وصدرها يلمس صدره الذي يعلو ويهبط بحركة سريعة، أغمضت عيناها وهي على حافة الإستسلام كُليًا، لولا صوت چيهان الذي تردد في آذانهما گالجرس المزعج: - ظافر، انت فين؟

سرعان ما ابتعدت عنه أثير وضغطت على الخلاط الكهربائي ليعلو صوته، بينما غمغم ظافر ب انزعاج: - عارف إني رجل بلا حظ!
دخلت چيهان للمطبخ و: - بدور عليك من بدري ياظافر، تعالى عايزة أقولك على حاجه
وفجأة توقفت قبل أن تخرج وقد لاحظت بقايا طلاء الشفاة الذي طُبع على صدغه، ف ضاقت عيناها وهي تقترب منه و: - ده إيه ده! روچ ده ولا إيه؟

ف تحسس ظافر موضع بصرها على الفور وتفحص يده، إنه الطلاء الوردي الذي تضع منه أثير، ف نظرت چيهان نحوها وهي تمنع ابتسامة مستحية على ثغرها و: - ده الحُب ولع في المطبخ
ف حمحم ظافر و: - تعالي نشوف انتي عايزة إيه.

وأخرج منديل ورقي يمسح به وجهه، ثم التفت بسرعة ل يرسل إليها غمزة بعينه قبل أن يغادر، تنفست أثير الصعداء وقد توهجت بشرتها واصطبغت بالحُمرة من فرط الخجل، أغلقت الخلاط ثم مسحت على شعرها لتُهذبه وهي تهمس لنفسها: - إيه اللي انا بعمله ده، ميصحش كده خالص!
وغطت عيناها وكأنها مازالت تشعر بشفاهه على بشرتها ليزيد شعورها بالحياء أكثر وأكثر.

غابت تمارا عنه أكثر من عشرون دقيقة كاملة، وهو يفكر ب ضيق اختلجه أين هي؟
حتى دخلت عليه من جديد وهي تحمل صحيفة اليوم والتي تم تداول أخبار الهجوم الأخير من القوات الجوية على الخلايا الإرهابية في شمال سيناء كي تتطلع على الخبر كاملًا.

تصنّع مروان عدم الإهتمام، بينما بداخله الفضول يكاد يلتهمه، نظر في ساعة الحائط وقد ضجر من إنتظار الممرضة كي تأتي له بالمسكن، ف عاد يضرب الجرس من جديد وهو يغمغم ب تذمر: - حاجه تقرف أوي يعني!
ف قالت تمارا وهي تتصفح الجريدة بنظرات خاطفة: - متقلقش زمانها جاية.

طرقات على الباب أعقبها دخول الممرضة، ولكنها أخرى غير تلك التي كانت تعتني به منذ البداية، قصيرة القامة وبدينة بعض الشئ ولكن ملامحها تحتفظ برقتها، ولجت بخطى رسمية بينما كان يحدجها هو ب استغراب و: - أؤمر يافندم
ف سأل مباشرة: - كان في ممرضة تانية غيرك، راحت فين؟
- أتنقلت للدور اللي تحتنا، قولي عايز إيه وانا هعمله.

ف نظر أولًا نحو تمارا التي تظاهرت وكأنها غير مهتمة، ولكن عيناها التي تشع بالسعادة تلك فضحت أمرها، ف عاد ينظر للممرضة و: - عايز مسكن بسرعة من فضلك
- حالًا
وخرجت، فسألها بجدية: - وديتي الممرضة فين!
ف هزت كتفيها و: - معرفش، أنا خرجت جيبت الجرنال وجيت زي ماانت شايف
ضاقت عيناه غير مصدقًا ما تقول، ومتيقنًا من وجود أصبع لها في هذا الأمر: - متأكدة؟
فكانت فاترة تمامًا وهي تجيب: - sure يابيبي.

ف تنهد بصوت مرتفع و: - تاني هتقولي بيبي!
فتح رستم الباب بعدما طرق عليه ودخل متسائلًا: - سلامتك يامروان، حاسس بإيه يابني؟
فنظر نحوها وهو يجيب: - صداع ياعمي
ثم أصرف بصره عنها، ف نظر رستم ل ابنته التي غمزت له على الفور وكأنها تنبئه بنجاح مخططهم، فبادلها ب إيماءه خفيفة لاحظها مروان ل يكتشف على الفور وجود أذرع خفيّة لها في الأمر و: - أها، كنت حاسس والله.

حمحم رستم وأشار لها: - روحي انتي اشربي حاجه ياتوته، بقالك كتير قاعدة هنا، وأنا عايز مروان في موضوع قبل ما امشي
- حاضر يابابا
ونهضت عن مكانها، وقفت خلف أبيها كي لا يراها، ونظرت إليه وهي تشير نحو عيناها وكأنها تقول عيني عليك، ثم خرجت.
جلس رستم على المقعد أمامه وبدأ يتحدث: - عايزك في موضوع يامروان
- وأنا كمان ياعمي عايزك في موضوع
- يبقى تبدأ انت الأول، سامعك.

اعتدل مروان في جلسته وهو يتحسس كتفه المصاب، ثم بدأ يتحدث ب استفاضة و...

كانت ضحكاتها العالية تبهج سمعه، دخلن سويًا لمنزلهم وأخيرًا انفرد بها، أوصد الباب وقذف بالمفاتيح وهو يقول: - مش قادر أصدق إني في البيت دلوقتي! ده في معارك وبطولات هسجلها محصلتش في تاريخي كله قبل كده.

مشت خطوتين متعجلتين ف لحق بها سريعًا وحملها على ظهره، صاحت من بين ضحكاتها: - هقع ياظافر
- عيب عليكي، تقعي وانتي معايا!
وأسرع بها نحو غرفتهم بينما كان هاتفها يعلن عن ضجيج رنّاتهِ، أفلتها على الفراش وانحنى عليها يقول: - أي حاجه ليها صوت معاكي أقفليها، أنا ما صدقت إننا لوحدنا دلوقتي
زحفت على ذراعها كي تبتعد عنه قليلًا: - طب أشوف تليفوني بس
- تؤ، مفيش.

وأخرج الهاتف من حقيبتها، كانت سمية تتصل بها وتُلح في الإتصال، رفض المكالمة و: - سيبي العالم ينتهي براحته، واحنا نحل المواضيع اللي بينا براحتنا
وقبل أن يفصل الطاقة عن الهاتف نهائيًا كانت تتصل من جديد، ف جذبت منه الهاتف و: - أستنى طيب أشوف ماما أحسن يكون في حاجه، please
وطبعت قُبلة على ذقنه وهي تلتقط الهاتف منه گنوع من الرشوة المقبولة، وأجابت على المكالمة ومازالت مُحاطة بذراعيه: - أيوة ياماما، أزيك.

عبست ملامحها قليلًا و: - مالها توتي؟
عضت على شفتيها وهي تنظر إليه، ف ابتسم بسخرية وقد شعر بوجود شئ ما، ف قالت هي وكأنها تفسر له: - والسخونية دي عندها من أمتى؟
ابتعد ظافر قليلًا، ف تابعت هي: - حاضر ياماما، هنجيلك
أغلقت المكالمة ورمقته بتوجس: - تيا سخنة والحرارة مش بتنزل، لازم نوديها لأي دكتور.

ف اعتدل في جلسته ونهض يضبط هندامه وهو يقول بحنق: - قومي عشان ننزل، أنا مش مكتوبلي أكمل الجوازة دي! أكيد في حد عينه رشقت في حياتي.

مجرد شعور إنه سيغادر المشفى أخيرًا كان شعور غاية في الراحة، منذ أن علم مروان بأن أذن خروجه سيصدر اليوم وهو متحمس للذهاب إلى منزله، ولكن ثمة أشياء عليه إكمالها.

حضرت تمارا منذ البكور وقد ابتاعت له كل ما سيحتاج لتبديل ثيابه، وعندما دخلت الغرفة كان بمحله، لم ينهض عن فراشه حتى، دنت منه بعد أن تركت الحقائب ويبدو على وجهها الإبتهاج وهي تقول: - أديك هتخرج وترتاح من جو العيانين ده، أنا جبتلك هدوم بس يارب تطلع مقاسك.

كان شاردًا رغم إنه يستمع إليها بإنصات، وعيناه على خاتمه الذي يرتديه في يُمناه، كان يتلمسه بأصابعه ويداعبه كأنه سيخرجه من جديد، تغيرت ملامحها وهي تستشعر بما يفكر فيه، وسرعان ما حذرته قائلة: - إياك تعملها يامروان!
ف رفع بصره ينظر لها لتتابع هي: - دي هتبقى المرة التالتة.

كان متجهمًا عابسًا وهو يذكرها بما قالته وكانت تقوله دائمًا: - مفيش لزوم نكمل في البواخة دي، تقدري تحرري نفسك وانا موافق يكون اللوم كله عليا، مش انتي اللي معترفة إن دي كانت خطوبة صورية! أديني بريحك منها.

وكأن أعصابها أصبحت كتلة واحدة عاجزة عن التفكير أو تمالك نفسها، ولكنها حاولت رغم ذلك: - ودلوقتي بعترف إني مش عايزة كده، مش عايزاك تبعد
ف ابتسم ب استخفاف و: - انتي اللي بعدتي ياتمارا، بعدتي من زمان أوي، وأنا بس اللي كنت موهوم بإن في أمل.

نظرت لأصابعه التي كانت تتحرك لينزع ذلك الرابط، ف حذرته مشيرة بأصبعها: - التالتة هتبقى تابتة يامروان!، لو خلعته المرة دي مش هكون في حياتك مرة تانية
وبدم بارد كان ينتزعه حتى خرج نهائيًا، تحجرت عيناها غير متوقعة أن يكون بتلك القسوة، ضاق صدرها وهي تبتعد خطوتين للخلف وبصوت متحشرج أردفت: - طالما أنت شايف كده! يبقى زي ما تحب.

وقبل إن تتحرك خطوة أخرى كان الباب ينفتح فجأة، دخل رستم وهو يشير لأحد الأشخاص ليدخل و: - أتفضل يامولانا، أتفضل
دخل رجل يرتدي القفطان البني ويمسك بدفتر كبير و: - السلام عليكم ورحمة الله
ومن خلفه رجلين آخرين، كادت تمارا تترك نفسها كي تقع وهي تقف هكذا گالبلهاء، بينما أردف رستم: - يلا خلصوني بقى، المأذون أهو والشهود كمان
كأن عقلها لم يعد يعمل أو يستوعب، وتوترت محاولة أن تتفوه بأي كلمة: - أنا، آ...

ونظرت نحو مروان، فوجدته يرتدي خاتمه وليكن باليد اليسرى معلنًا عن رغبته بشكل غير مباشر، وبملامح جادة اختلطت بنبرته الحازمة قال: - هتتجوزيني، ودلوقتي
لحظات وتابع: - حالًا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة