قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثاني والأربعون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثاني والأربعون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثاني والأربعون

كانت صدمة شديدة لم تتوقعها قط، أفقدتها قدرتها على الإستيعاب، حتى إنها ظلت هكذا محدقة وعيناها زائغتان للحظات عديدة غير شاعرة بوالدها الذي سأل أكثر من مرة: - يابنتي ردي علينا!
تنهد مروان وهو ينظر لحالتها التائهه و: - حتى في دي كمان هتغلبيني! المفروض أعمل إيه تاني معاكي!
ف تدخل الشيخ لحسم الأمر وهو يقف عن جلسته: - موافقة العروسة ركيزة أساسية عشان يكون الجواز صحيح، وطالما هي مش موافقة آ...

كاد يتحرك من مكانه ممسكًا بدفتره لولا إنها استوقفته وقد انحلت عُقدة لسانها و: - لا لا انت رايح فين، أكتب يامولانا أكتب، كتبك الله من الفائزين بالجنة.

وكأن نبضات قلبها السريعة لم تهدأ منذها، نظرت نحوه تعاتبه على ما فعله بها، فوجدت ابتسامته الشامتة التي امتزجت بنظرات السعادة تُزين محياه، لحظات وكان الشيخ يبدأ بالإجراءات حينما دخل ظافر متأنقًا، غمز لها، ف ضحكت مستحية وأصرفت بصرها عن الجميع، نظرت للفراغ هي تفكر ماذا كان سيحدث لها إن كان الأمر حقيقيًا كان يتخلى عنها، انقبض قلبها من مجرد الفكرة ونفضتها عن عقلها وهي تنظر إليهم من جديد..

مد يده لها وهو يقول: - تعالي يامصيبتي في الدنيا
كتمت ضحكة وهي تجلس بجواره، شبك يده بأصابع يدها وبالأخرى كان يمسك يد رستم لعقد قرانهما بين جدران غرفة بالمشفى، هكذا دبر مروان الأمر قبل أن يتطور وتخرج عن سيطرته من جديد، باغته الفكرة وعزم على تنفيذها، والطبع لم تكن ستُنفذ لولا تصديق رستم عليها وإعجاب بها والإستعداد لها بنفسه.

ألقى على قميصه أرضًا وبقى عاري الصدر وهو يصيح فيها وقد انفجر غيظًا: - أنا مش مصدق اللي بسمعه بوداني، يعني حرامية وكمان بجحة!
فلم تستحي سمر من فعلتها، بل دافعت عن نفسها بشكل يثير الإشمئزاز من شخصها قائلة بصوت جهوري: - أنا مش بجحه، كل اللي قولته إنها كانت سايبة الجمل بما حمل، أكيد يعني مش حتتين الدهب دول اللي كانوا هيفرقوا معاها، ده حقنا.

حدجها بعدم تصديق وعيناه محدقة فيها مصدومًا: - حق إيه اللي بتكلمي عنه! دي فلوسها وده دهبها، الشقة باللي فيها بتاعها
ف تلوت شفتيها ب استهجان وهي تقول بعدم رضا: - انت كده مرتاح لما أخدتهم ورجعتهم! مش شايف جرالنا إيه من ساعة ما خدت منك تحويشة عمرك و...

فصرخ فيها لتصمت وقد سخن رأسه بشكل غير طبيعي وكأن ضغط الدم قد ارتفع لديه، وأمسك رسغها يعتصره وهو يصيح: - بس، بس مش عايز اسمع كلمة منك، أخرسي خالص
- آآآه
وجذبت ذراعها منه وهي تتأوه متألمة: - خلاص متتحمقش أوي كده، سيبالك الأوضة كلها
وخرجت من الغرفة وهي تغمغم بكلمات مبهمة، بينما لعنها هو بكل صدق: - في ستين داهية، أنا مش عارف إزاي وقعت في واحدة بالشكل ده.

وسرعان ما لاحت صورتها أمام عينيه متابعًا: - مغفل، أنا حقيقي مغفل وغبي
وضرب بيده الحائط ضربة كادت تكسر عظم كفه من قوتها، ولكنه لا يشعر حتى بهذا الصدع.

دفعت تمارا باب الشقة بقدمها بينما كان مروان يستند على كتفها كُليًا والذراع الأخرى مستند بها على عصا طبية، كان مرتاحًا للغاية وهو قريب منها هكذا وكأنها بين أحضانه، تأوه بخفوت وهو يحرك كتفه المصاب، فتوقفت عن السير واسندت كفها على صدره وهي تسأل بتخوف: - أنت كويس!
- كتفي واجعني
ف عبست ملامحها وكأنها تشعر بالألم هي الأخرى و: - معلش، هانت
نظرت حولها و: - هي أوضتك فين؟

فأشار برأسه لأقصى اليسار: - آخر الطرقة اللي هناك دي
سارت برويّة كي لا تؤلمه و: - براحة طيب
أحست بأنفاسه التي اخترقت خصلات شعرها وتسربت لطبقات جلدها، وكأن رأسه متوجهة نحوها، تحرجت من أن تلتفت برأسها له، ولكنها لم تستطع والتفتت نصف التفاته، ف إذ بعيناها تلتقي بنظراته الجريئة التي امتزجت بالنعومة، ف أخفضت بصرها على الفور وأسرعت في خطواتها بدون قصد، فكاد يتعثر بطريقه و: - تقريبًا هتوقعيني!

فتحت باب الغرفة ودفعته، أجلسته برفق وهي تنحني قليلًا عليه، وقبل أن تستقيم كانت يداه تمسك برسغها لتبقى ثابتة قليلًا، وهمس بصوت جعلها تقشعر قليلًا: - توته، عايز أفكرك بحاجه
فأجابت بنبرة مرتعشة قليلًا: - إيه؟
- مثلًا، انتي بقيتي مراتي رسميًا، يعني حرم مُقدم طيار مروان أبو العزم.

ومن بعدها لم تشعر سوى ب شفتاه التي التصقت بوجنتها الناعمة للمرة الأولى، وكأن ماس كهربي لمسها، انتفضت وهي تقف منتصبة ولمست خدّها وهي تردف: - أنت بتبوسني؟
ف سخر منها: - لأ كنت هديكي حُقنة في وشك!
وضحك متابعًا: - دي كانت بوسة بريئة
ثم غمز لها وهو يقول بعبث: - المرة الجاية هبقى أراعي يكون في مقدمة عشان متتفاجئيش
ف طارت من مكانها خارجة وقد تسارعت ضربات قلبها: - أنا هنزل اشوف ظافر.

وقفت قليلًا تلتقط أنفاسها وهمست: - إيه الوقاحة دي!
نفخت زفيرًا و: - بس عادي دي بوسة بريئة!
ثم ضحكت ب استحياء و: - قليل الأدب بس بحبه
وتنحنحت مستكملة مُضيها: - بس ياتوته، بس.

كان الأمر كبيرًا بالنسبة لها ولم تتحمل التهاون فيه، كيف لها أن تصمت وقد تزوجت ابنتها الصغرى وآخر فرحة لها بين جدران المشفى وهي ليست بجانبها لتشهد على هذه اللحظة!؟
أظهرت امتعاضًا تقبّله رستم وحاول بشتّى السُبل أن يجعلها تلين قليلًا مستخدمًا كلماته اللطيفة معها: - إن شاء الله تتعوض وهنعملهم أحلى فرح، بس كان لازم نحسم الموضوع وإلا بنتك هتفضل تدلع كتير والولد جاب آخره منها.

وكأنها مازالت غير مقتنعة و: - لو كنت عرفتني وجيت معاك كان هيحصل إيه يعني! مش بدل ما تكون بنتي لوحدها كده في يوم زي ده!
- حقك عليا، هعوضهالك ان شاء الله
نهضت عن مكانها بتشنج قليلًا و: - وبنتي فين بقى دلوقتي!
نهض وهو ينزع عنه سترته و: - راحت مع اخوها يوصلوا مروان للبيت وانا جيت اغير هدومي ونازل الفندق، بالمناسبة، أخت أثير عملت عملية اللوز الصبح، أبقي أسألي عنها.

جلبت له ملابس أخرى من الخزانة واتجهت نحوه وهي تردف ب: - هروح ازورهم ان شاء الله
تناول منها الملابس، ثم نظر لعينيها وهو يقول بصدق: - زينب، مش ناسية حاجه؟
تنغض جبينها وهي تفرك جبهتها بعدم تذكر و: - ناسية إيه؟ أنا طافية على الأكل من بدري
ف ابتسم وهو يخبرها بدون إطالة: - بكرة عيد جوازنا ال 36
انفرجت شفتيها بسعادة بالغة و: - صحيح
ونظرت حيث الإطار القديم الذي يجمعهما سويًا و: - السنين عدت بسرعة يارستم.

وعادت تنظر إليه، أمسك رأسها بلطف وراح يُقبلها ثم قال: - السنة دي مش هتعدي غير واحنا محتفلين، نحتفل بنفسنا، وبولادنا
- طب وانا مش هحتفل معاكم!؟

كان هذا الصوت الطفولي بجوار ساقيهم تحديدًا، ابتعد رستم على الفور ونظر للأسفل ليجد الصغير عمر وهو يوزع نظراته العابثة على جده وجدته، ضحكت زينب على طرافته بينما انحنى رستم ل طوله و: - مش هتخبط على الباب بقى ياولد!، خالك كان كده برضو، أبص ألاقيه في أي مكان وفي أي وقت.

ف ابتسم عمر وهو يحرك جسمه يمينًا ويسارًا ويقول بدلال: - خدوني معاكم وانا مش هعمل صوت خالص
ف أدار رستم دفة الحوار كي لا يعده بشئ لن يحدث و: - إيه رأيك تيجي معايا الفندق أحسن؟، ماانت هتبقى في يوم من الأيام صاحب كل الهلومة دي.

ف قفز عمر فرحًا من مكانه و: - أيوة عايز آجي معاكي
ثم ركض من أمامه: - هروح البس بسرعة بسرعة، ياماما
اعتدل رستم في وقفته شاعرًا بالراحة وهو يتمنى هامسًا: - يارب أديني العمر لحد ما اشوف إبن ظافر كمان.

لم تصدق أن الأمر سيكون بهذه السرعة.
بضع ساعات متتالية، وكانت السيارة التي تقل أثير و ظافر لمدينة شرم الشيخ قد وصلت بهم للمدينة، تفاجئت أثير من إعداد ظافر لكل شئ بنفسه، حتى إنه ضبّ الحقائب بنفسه بمساعدة چيهان كي لا يزعج أثير التي باتت جالسة بالمشفى مع شقيقتها الصغرى حتى خرجت.

فكان تفكيره المراعي لها ومفاجئته أكثر شئ قيّم بالنسبة لها، ترجلت أثير عن السيارة وهي تنظر حولها بسرور، ثم نظرت إليه ب امتنان و: - مش عارفه أقولك إيه ياظافر! المكان حلو جدًا
رفع العامل الحقائب ودخل بها بينما رافقها هو واضعًا يده على كتفها وداعب أنفها بأصبعه وهو يردف: - متقلقيش هنقول كل حاجه بعد شوية.

فضحكت بصوت مسموع وهي تستمع لغزله الصريح، وعندما دخل بها تركها قليلًا: - هخلص إجراءات الدخول في دقايق وراجع
أومأت برأسها ووقفت تنتظره في ساحة الإستقبال وهي تنظر للمكان بتفحص وقد أحست بعراقة المكان..
وبينما هي تدقق أصغر التفاصيل كون عملها جزء من هذا المكان، تفاجئت بصوت ينادي بأسمها يأتي من الخلف: - أثير.

التفتت، فوجدت ياسر زميل عملها وهو يقترب منها بخطوات متحمسة ومدّ يده ليصافحها بتودد: - مش مصدق إني شايفك هنا، أوعي تقولي إنك سيبتي فندق مستر رستم وجاية هنا شغل!
ف ابتسمت وهي تهز رأسها بالسلب و: - لأ، أنا جاية مع ظافر نقضي يومين هنا بعيد عن القاهرة
وكأنه بُهت قليلًا مواريًا ذلك و: - آها
- وانت بتعمل إيه هنا؟

كان ظافر قد أنهى إجراءات الدخول وتسلم بطاقة غرفته، وعندما عاد إليها كان يرى هذا المشهد، رجلًا يصافح زوجته بشكل ودي مبالغ به قليلًا، ويبدو على حديثهم كأنهم يتعارفان بشكل قوي، راقب ما يحدث وداخله قد بدأ يسخن ويسخن، حتى وجده يضع يده على ذراعها ويربت عليه بشكل لم يريحه وأجج غيرته عليها، لينتقل فورًا إليهم وقد على رأسه.

- ومن ساعة ما سيبت القاهرة وانا بشتغل هنا، سيبك انتي مني، أنا مبسوط أوي إني شوفتك تاني.

وإذ ب ظافر يقف بينهم ويوجه نظراته المحتدمة لهذا الرجل، فبادرت أثير: - آ، ظافر ده ياسر، كان شغال معانا في الفندق و...
قاطعها ومازال ينظر إليه: - عارفه، شوفته كذا مرة قبل كده
ونظر في ساعته: - يلا بينا
ثم سحب يدها برفق وبدون أن يوليه أي أهمية وسار بها، شعرت هي بوجود شئ ما غريب به وكأنه تحول، فسألت بقلق: - مالك ياظافر.

وكأنه كان ينتظر سؤالها ليفضي متفجرًا: - مش فاهم ليه يسلم عليكي بالشكل ده ويحط إيده على دراعك، إيه الحركات السخيفة دي!

تعجبت أثير من تحوله هذا و: - أنا مكنتش اعرف إنك اضايقت كده أ...
- وانا هضايق ليه!
فتح الباب بالبطاقة وأفسح لها المجال كي تعبر، ومن خلفهم كان العامل يسحب الحقائب ويضعها بالخارج ويخرج..
دخل ظافر ليرى ابتسامتها السعيدة تزين محياها وكأنها تضحك، ف انزعج أكثر وهو يتسائل: - بتضحكي على إيه!
ف سألت مباشرة وهي تدنو منه: - أنت بتغير عليا!
ف أنكر بالبداية و: - أنا! أكيد لأ، بس تصرفه ضايقني.

وضعت ذراعيها على صدره و: - أعترف
سحب نفسه من أمامها و: - ما قولت لأ
دخل، لحظات وكان يعود ليقول بضيق اعتراه: - أيوة بغير عليكي، في حاجه!
- تؤ، مفيش
عضت على شفتيها السفلى وقد انشرح صدرها، ف تنهد و: - متعمليش كده
ضحكت وكأنها تثيره، ف جنّ جنونه بلحظة واحدة وهو يقترب منها بخطى سريعة: - أفتكري إني حذرتك.

لحظة، الثانية، الثالثة، وكانت بين ذراعيه يحملها نحو الفراش وهي تهز ساقيها متشبثة به، أطلقت أغنية شهيرة وهي تتغنج بصوتها الرنان وكأنه آله موسيقية في آذانه، ف تحمس أكثر لقضاء أجمل وقت معها هامسًا: - اللهم جنبّنا الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتنا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة